تطبيق الأحكام الشرعية بين الطاعة الحقيقية والمزاجية

بقلم: حمود شتيوي منذ أنْ وُجد الإنسان على وجه الكرة الأرضية وهو مُحاٌط بكائناتٍ وأمور وأفعال تكثر يومًا بعد يوم، وهو بحاجةٍ ماسةٍ إلى معرفتها وتحديد موقفه اتجاهها؛ لأن محدودية العقل البشري تعجز عن كشف كمية المصالح والمفاسد المترتبة عليها تلك الأفعال أو المحتوية لها تلك الكائنات، وهذه الحاجة لمعرفتها تتناسب طرديًا مع زيادتها، فكُلَّما زادت هذه الأفعال زادت الحاجة إلى تحديد موقف الإنسان العملي اتجاهها. قد يبدو الأمر من الوهلة الأولى أنّه مُحيِّرٌ ومتناقض مع قوله (تعالى): "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"، إلا أنَّ العلم الإلهي بكلِّ مصالح ومفاسد المخلوقات وتبعًا لقاعدة اللطف الإلهي والحكمة الربانية اقتضت أنْ يبين الله تعالى للإنسان تحديد موقفه اتجاه ما يجهله ومنذ أولِ خلقِ الإنسان إلى يومنا هذا عبر إرسال الأنبياء والرسالات التي فيها كلُّ الأحكام الشرعية المنظِّمة لحياة الإنسان، وتحديد علاقات الناس فيما بينهم وعلاقات الإنسان بالمخلوقات الأخرى وصولًا إلى دور الأئمة (عليهم السلام) بعد اختتام النبوة وإلى المرجعية بعد غيبة الإمام (عجل الله فرجه). هذه السلسلة النقية هي التي حملت أشرف الرسالات في خدمة الإنسان، وما كان على الإنسان سوى أنْ يلتزم بهذه التعليمات والأحكام بدافع الإخلاص والطاعة لله (تعالى)؛ لأنها ترسم له طريق السعادة باعتباره باحثًا عنها. إلا أنه وبمرور الزمن -أو لعله في كلِّ زمن- تجد أنْ الدافع للأحكام الشرعية يتراوح بين الطاعة والإخلاص لدى القليل، وبين المزاجية والمصالح لدى الأعم الأغلب، وبالنتيجة فسيترتب عليه التحليل والتحريم الاجتهادي. ولتوضيح الفكرة بعيدًا عن المصطلحات دعنا نأخذ المثالين الآتيين: 1. سبق وأن حرّمت المرجعية الدينية العليا إطلاق العيارات النارية في ما يسمى بالعراضات العشائرية لما يترتب عليها من قتل الأبرياء والتبذير ومفاسد أخرى... ولكن هذا الحكم لم يحظَ بالتطبيق إلا عند القليل، هؤلاء الذي يطبقون الأحكام بدافع طاعة المولى (عز وجل) ويُسلِّموا تسليمًا، أما الذين تعارض هذا الحكم مع مصالحهم ونعراتهم فلم يكتفوا بالمعصية فقط، بل وصلوا لمقام التشريع بأنْ قالوا بحلّية هذا العمل؛ بحجة أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا ، فشتانَ ما بينهما. 2. انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة بيع العملات النقدية (الدولار بالدينار أو العكس)، مما أحدث ضجةً كبيرة لدى الوسط الاجتماعي، فبعضهم من حرمه والبعض من كرّهه وكأنهم مشرعون! إلا أنَّ المرجعية الدينية العليا أجازت هذا العمل بشرط الضوابط المعروفة في الرسالة العملية، وهنا أيضًا انقسم الناس إلى قسمين حسب الدوافع التي يتبعونها في تطبيق الحكم الشرعي. واضحٌ من المثالين أعلاه انطباق ما روي عن الإمام الحسين (عليه السلام): "الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإن مُحصوا بالبلاء قلّ الديانون"، صدق أبو عبد الله (عليه السلام). ولكن هل ستنتهي هذه المأساة أو ماذا؟ أو لسنا في القرن الواحد والعشرين؟ فلماذا لم يُسخر هذا التقدم والتطور في زيادة وعي الأنسان؟

اخرى
منذ 4 سنوات
297

خاطرة

العمر أقصر مما نتوقع... والموت يأتي دون أن يطرق الباب.... قد تأتي اللحظة التي فيها ينتهي كل شيء... فاستثمر وقتك واجعل حياتك أبدية لتستمر حتى بعد رحيلك من هذه الحياة... اترك بصمة جميلة يتذكرك بها الاخرون عندما تضيف لهم المنفعة...

اخرى
منذ 4 سنوات
298

طلب صداقة

بقلم: أمل نصير كثرت المقالات التي تحث المرأة المسلمة على الحجاب وعدم التبرج وقد أوضحت الأقلام اهميته وفائدته للمجتمعات اضافة إلى كونه فريضة إلّا أنّ تكليف المرأة لا يقف عند هذا الحد خصوصًا ونحن على تماس مع عالم التكنلوجيا الجديد فحجاب المرأة في عام ٢٠٢٠ ليس حجاب الجسد فقط، فبعض السيدات لا يخرجن تقريبًا إلى خارج الدار ولكنها تكاد تكون ألعوبة بيد من هب ودب ، فما الصعب في اختراق حجاب امرأة إلّا بكبسة زر وهو الاستجابة لـ(طلب الصداقة) ويا له من عنوان؟! (طلب الصداقة) بكل أدب وبكل براءة ولعل خلفية الرقم صورة لملاك أو إمام معصوم، مجرد (طلب صداقة) لا أكثر ما المانع، فلأضغط على هذا الزر ولنر ما يحدث، أنا بعيدة كل البعد عن هذا الطارق… مجرد (طلب صداقة)، لأواكب التطور، أريد أن اتحدث لغة العالم الحديث وخصوصًا وأنا أعلم بأخلاقي جيدًا. إنه مجرد (طلب صداقة) فكرت.. انتظرت.. ولا زال الباب يُطرق مَن الطارق؟ (طلب صداقة) ماذا تريد؟ أريد التعرف فقط تراجعت لملمت أطراف ثيابها وكأن الطارق ينظر إليها… استمر طرق الباب اهملت الرسائل التي فاق عددها سبع مائة رسالة يا إلهي ما هذا؟! كل هؤلاء الأشخاص يريدون صداقتي؟! كم أنا مهمة، كم انا معروفة؟ لم أكن أعلم بذلك فبمجرد أن حملت تطبيق الفيس حتى توالت على الجهاز مئات الرسائل من الطارق ماذا تريدون؟! (طلب صداقة) (طلب صداقة)؟ ما هذا المفهوم؟! وهل يوجد في الإسلام مثل هكذا علاقات بين الجنسين؟ لا… اكيد لا يجوز ولكن ما الضير في ذلك إنها مجرد كبسة زر وأكون فتاة معروفة ذات شعبية ولكن، لا أنا محجبة… ماذا؟! ما هذه الأفكار؟ وما دخل الحجاب؟ أكيد أنا محجبة، ولكن لو فتحت هذا الباب هل سيبقى الحجاب؟ نعم سيبقى تكلّمي مع الصديق بكل احترام ولعلنا نتواصل إلى أمور علمية أو لعلنا نكتشف شيئاً عجزت البشرية عن اكتشافه… سأفتح الباب، ماذا ممكن أن يحدث (طلب صداقة)؟! أهلًا وسهلًا أهلًا وسهلًا بجنابكم… أختي الكريمة.. لماذا تأخرت بالاستجابة ل(طلب الصداقة)؟ ماذا تريد يا أخي؟! أريد التواصل… أريد التعرف… أريد أن أملأ وقت فراغي… أريد أن أشعر بالاهتمام من الطرف المقابل… أنا لا أقل عن بقية اصدقائي الذين فعلوا ما فعلوا بواسطة الهاتف، يا ترى لو كان جواب الصديق قول الحقيقة هل تستجيب الفتاة؟! لا استطيع أن أقول نعم أو لا، لأن هناك بعض النفوس المريضة التي تقبل بسلوك طريق الرذيلة، ولكن المشكلة تكمن في أن من يطرق الباب (طلب صداقة) لا يمكن أن نعرف نواياه… إذًا هل افتح الباب لمن هب ودب بمجرد رؤية كلمة (طلب صداقة)؟ لا، لا يمكن أنا محجبة وبابي مغلق، أنا محجبة وسدّي منيع، أنا محجبة عن كل من يريد اختراق حدودي، أنا محجبة لأنني غضضت بصري، أنا محجبة فأنا قوية استطيع التحكم بمشاعري، أنا محجبة استطيع السيطرة على رغباتي فأنا في الواقع تحجبت بحجاب العفاف حتى أكون سدًا أمام أعين الغرباء... وأنا لا اتبرج حتى لا أكون سبب في غواية الناس وافتتان الشباب... أنا محجبة لذلك سأستمر بحجابي ولا يمكن أن أخلعه إلى آخر يوم من أيام حياتي… عذرًا أيتها الصداقة غير الشرعية… عذرًا أيتها التكنلوجيا لا أخلع حجابي من أجل أن أكون فريسة سهلة لمن كان في قلبه مرض… حذفت الطلب! اتصلت بها صديقتها: لماذا رفضت طلب صداقتي؟ آه… اعتذر منك فقد جاء طلبك مع مجموعة ذئاب ووحوش فحذفته دون النظر إليه… ذكريني ما اسم صفحتك حتى أُميزها جيدًا فأنا فتاة محجبة ولا اسمح بالدخول إلّا لمن حلل الله تعالى.

اخرى
منذ 4 سنوات
605

التخاطرُ الذهنيّ بين الفراسةِ والتوسم

أ.د. سعيد غني نوري التخاطر الذهني أو التخاطر عن بعد، وهو الذي يُسمى في المصطلح الإسلامي بعلم الفراسة أو التوسم، وله الكثير والعديد من الأسماء الأخرى مثل التخاطر الروحي، وكلُّ هذه المُسميات تنتمي لشيءٍ واحد وهو الفراسة العقلية. وهو عبارة عن (اتصالٍ عقليّ بين البشر، ولكنْ بصورةٍ غير ملموسة بين شخصين فيستقبلُ كلُّ طرفٍ منهم رسالةَ الآخر في نفس الوقت الذي يُرسلُ فيها الآخر الرسالة إليه، حتى إذا بَعُدَت أماكن تواجدهم، وتزدادُ هذه الخاصية سموًا بدرجاتِها لدى الأولياء والعارفين). فالتخاطرُ يعني معرفة الشخص بكلِّ ما يدور في رأس الطرف الآخر، وهذه الظاهرة أقدم القدرات الإنسانية الخارقة التي عرفها الإنسان قديمًا. وقد جسّدها الإسلام بصورةٍ جليّة، مُشيرًا إلى العوامل التي تؤثر في زيادة هذه القدرة على التخاطر أو الفراسة، ومنها: 1- القدرة العقلية للإنسان وعامل الذكاء (الجانب التكويني). 2- درجة التقرب من الله (عز وجل) وقوة الإيمان. 3- صفاء النفس. 4- درجة التقارب الروحي والنفسي بين المتخاطرين. وتؤكد بعض الدراسات السيكولوجية في التنمية البشرية أنَّ التخاطر عن بعد لا يحدث بين أفراد البشر فقط، بل يحدث عند الحيوانات أيضًا، كالحيوانات الأليفة التي نعيش معها، فقد أجرى العلماء العديد من التجارب على حيوانات مختلفة وكانت النتيجة أنَّ هذه الحيوانات تتنبأ بالفيضانات والزلازل والكوارث التي تصيب الكون، فوجدوا أنَّ القطط والكلاب والأسماك والطيور تشعر بهذه الكوارث قبل حدوثها بساعاتٍ؛ ولذا كانت للكلاب القدرة على حماية أصحابها من دون الحيوانات الأخرى، ومن ثم إنقاذهم من المواقف الصعبة والأخطار المحدقة التي تؤدي بهم إلى الموت. لذا بدأت الدول المتقدمة تستشعر الأخطار والزلازل والفيضانات والبراكين عن طريق مجموعة من الحيوانات التي تمتلك هذا النوع من التخاطر. ويسمى التخاطر أيضًا بالقدرة الخارقة؛ لأن العديد من الأشخاص الذين يفكرون في أشخاصٍ آخرين كانوا يعرفونهم وشعروا بأنَّهم يودون زيارتهم أو الاتصال بهم، في هذا الوقت نفسه يكون أولئك الأشخاص الآخرون هم أيضًا يُفكرون بنفس التفكير ويعتريهم ذات الشعور! إذ من الممكن أنْ تذهب إلى غرفتك وتجلس بها وتفكر في أحدٍ من أصدقائك وإذا بجرس الهاتف يرن فجأةً ويكون هو نفس الشخص الذي كنت تفكر به! هذا هو التخاطر عن بعد. ولكي تستطيع التواصل العقلي بشخصٍ معين عليك التركيز والتأمل؛ لأنهما يساعدانك في الحصول على نتيجةٍ أفضل في إيصال رسالتك إلى هذا الشخص. فظاهرة التخاطر هي غريزة فطرية (تكوينية) عند الإنسان، ويوجد كثيرٌ من الناس تأتيه هذه المقدرة بسهولة. وتوصلت بعض الدراسات إلى أنَّ بعض الأشخاص قد يستغربون أو يُصابون بحالةٍ من الاستغراب والذهول، فلا مجال للكذب في التخاطر، وأنَّ الشخص الذي يتمتع بهذه الموهبة يكون بأقصى درجةٍ من العفوية فيعتقد أنَّه يتكلم مع نفسه أحيانًا، ويُمكن للمُتخاطر أنْ يملك القدرة على قراءة أفكار الناس الذين حوله. وللتخاطر أسبابٌ علمية بحسب بعض الدراسات، فالعلم الحديث أثبت نشاطاتٍ متعددة لجسم الإنسان، ومن الممكن أنْ نتعرف عليها من وجهة فسيولوجية: تقوم خلايا المخ عند الإنسان بعدةِ مهام عن طريق إرسال الإشارات الكهربائية فيما بينها، ويكون دور هذه الإشارات بمثابة الأمر الذي تُرسله مراكز المخ المختلفة التي تكون مسؤولةً عن القيام بتوصيل المعلومات من مراكز المخ إلى الحواس أو العكس، ومن خلال الأعصاب تقوم بتوصيل الأوامر من المخ إلى الأعضاء، والتي تكون مسؤولةً أيضًا عن تحريك الأعضاء والإحساس، ومهما كانت درجة ضعف هذا النشاط الكهربائي فهو يولد نوعًا من الطاقة الكهرومغناطيسية التي ترصدها العديد من المعدات، وتقوم بعمل الكثير من العمليات التي يقوم بها عقل أو مخ الإنسان تصدر عنها كميةٌ قليلةٌ من الطاقة يمكن أنْ تتميز عن غيرها بالقدر الذي يسمح به إمكانيات الأجهزة التي نستعملها حاليًا. ويكون جهاز الاستقبال هو عقل الإنسان الذي وهبه الله تعالى القدرة على أنْ يشعر بهذه الموجات ويستقبلها ويترجمها إلى أفكار، ويمكن القول: إنَّ الفروق الفردية التي حددها الإمام الصادق (عليه السلام) في تفاوت الناس بالقدرات العقلية هي التي تُحدد نوع الاستقبال لهذه الخواطر، فمنهم من يستجيب بسرعةٍ، ومنهم من لا يستجيب بسرعةٍ، وهذا دليلٌ دامغٌ على أرجحية نظرية الإمام (عليه السلام) بأنَّ بني البشر يتفاوتون في مستويات الذكاء وقدراتهم العقلية بحسب نشأتهم التكوينية عند انعقاد النطفة وفترة الحمل وبعد الولادة واكتمال العقل لديهم. فقد روي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): الرَّجُلُ آتِيه وأُكَلِّمُه بِبَعْضِ كَلَامِي فَيَعْرِفُه كُلَّه ومِنْهُمْ مَنْ آتِيه فَأُكَلِّمُه بِالْكَلَامِ فَيَسْتَوْفِي كَلَامِي كُلَّه ثُمَّ يَرُدُّه عَلَيَّ كَمَا كَلَّمْتُه ومِنْهُمْ مَنْ آتِيه فَأُكَلِّمُه فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: يَا إِسْحَاقُ ومَا تَدْرِي لِمَ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: الَّذِي تُكَلِّمُه بِبَعْضِ كَلَامِكَ فَيَعْرِفُه كُلَّه فَذَاكَ مَنْ عُجِنَتْ نُطْفَتُه بِعَقْلِه وأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُه فَيَسْتَوْفِي كَلَامَكَ ثُمَّ يُجِيبُكَ عَلَى كَلَامِكَ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُه فِيه فِي بَطْنِ أُمِّه وأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُه بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُه فِيه بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ يَقُولُ لَكَ أَعِدْ عَلَيَّ. فالتخاطرُ عن بعد أمرٌ مختلفٌ فهو يعني استقبال الطاقة التي تصدر من عقل أيِّ شخصٍ، ويقوم العقل المستقبل بتحليلها، فهو يعرف ويدرك أفكار الآخرين ويعمل على توفيق حواسه على تلقي الموجات الكهرومغناطيسية التي تصدر من الآخرين ويعرف ما يدور في عقولهم عن طريقها، فيما يقوم الجانب الآخر بإرسال الخواطر وإدخالها في عقول الأشخاص الآخرين. ويكون التخاطر عبارةً عن انتقال صورٍ وأفكار عقلية بين الكائنات الحية دون أنْ يستعين بالحواس الخمسة، أو يقوم بنقل الأفكار من عقلٍ إلى آخر من دون وسيطٍ مادي، حيث يكون عقل الإنسان مثل (البلوتوث) يعتمد على نقل البيانات والملفات من جهاز إلى آخر عن طريق الموجات ومن دون أسلاك، فالبعض منها يستقبل فقط ولا يرسل، والبعض الآخر يرسل ويستقبل، وبذا يكون عقل الإنسان في حالة التخاطر. الفراسة والتوسم والتخاطر الذهني عند الأولياء الفراسة مصطلح إسلامي وهو ما يُسميه العلماء بـ(الفراسة الإيمانية)، وتكون بحسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانًا كان أحدَّ فِراسةً. فمن غرس الإيمان في أرض قلبه الطيبة الزاكية، وسقى ذلك الغرس بماء الإخلاص والصدق والمتابعة وموالاة العترة الطاهرة من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، كان من بعض ثماره هذه الفراسة. فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنَّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله، ثم قرأ قول الله (تعالى): "إن في ذلك لآيات للمتوسمين" وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم"، وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور اللذين يهبهما الله (تعالى) لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تُخطئ قال الله (تعالى) عنها: "أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها". ولعل أفضلَ مثالٍ وخيرَ دليلٍ على فراسة التوسم والتخاطر العقلي في التاريخ هو فراسة سيد المتوسمين أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) الذي أضاء الله مصباح المعرفة في قلبه.. فلا تَحدُث في العالَم حادثة إلا ويطّلع قلبه عليها. قال المصطفى (صلّى الله عليه وآله): "اتَّقوا فِراسةَ المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور الله" وحول فراسة الأولياء، روي أنه خَرج عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يريد الخوارج إذ أقبل رجل يركُض حتّى انتهى إلى أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين البُشرى ! قال : هات ما بُشراك ؟ قال : قد عَبر القوم النهروان لما بلغهم عنك ، وقد مَنَحَكَ الله أكْتافَهم ، فقال : الله لأنت رأيْتَهُم قد عَبروا ؟ فقال : والله لأنا رأيتُهم حين عَبروا ، فحلّفه ثلاث مرّات في كلِّ ذلك يَحْلِفُ له ، فقال له أمير المؤمنين : كذَبْتَ والّذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النّسَمَة ما عبَروا النهروان ، ولن يبلغوا الأثلاث ولا قصْر بُوران ، حتّى يَقْتُلُهُم الله على يَدَيَّ ، لا ينَجُو منهم تمام عشرة ، ولا يُقتَلُ مِنّا عشرة : عهداً معهوداً ، وقدراً مَقْدوراً وقضاء مقْضِيّاً ، وقد خابَ مِنَ افْتَرى . فكان كما قال (عليه السلام).

اخرى
منذ 4 سنوات
1973

خاطرة

حين يكتب العقل فالعلم أنضج .. وحين تكتب العاطفة فالحرف أجمل .. وحين يكتب الضمير فالعدل أقرب . وفقنا الله للأولى وبلغنا الثانية لنصل الى الثالثة بهدوء

اخرى
منذ 4 سنوات
314

الطفولة البريئة وتهديدات الاستخدام غير المبرمج للإنترنيت

حوار: حنان الزيرجاوي عالمُ الطفولة.. حيثُ البراءة والصفاء، ونقاء التخيلات، والأحلام الرائعة، إنَّه ذلك العالم الملكوتي الموشَّح بالغفلة والعفوية واللعب، وأولى محطات الانطلاق إلى الحياة الفسيحة. هم فلذاتُ الأكباد، وريحانةُ الحياة، وزهورُ العمر، وبلسمُ الجروح، أنَّهم كنزُ الإنسانية ومستقبلها، فعلينا أنْ نعمل على إعدادهم إعدادًا مناسبًا يتناسب مع حجم المسؤوليات المستقبلية التي ستُلقى على عاتقهم، كونهم بناةَ المستقبل. لذا كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور إبراهيم صفاء الصائغ / اختصاص الطب النفسي ومدير مكتب الصحة النفسية دائرة صحة ذي قار، فكان معه هذا الحوار: ــ هل إنَّ تأثير الشبكة العنكبوتية على الطفل مشابهٌ لتأثير التلفزيون؟ ــ الشبكةُ العنكبوتية تؤثر سلبيًا أكثر من التلفزيون؛ والسبب هو تنوع المواضيع المطروحة وغزارة الأفكار اليت يكون معظمها غير متلائم مع عمر الطفل، وقد تمَّ وضعها بالشبكة للفائدة التجارية والإعلامية، وتكون الأفكار المطروحة غير خاضعةٍ للرقابة وتحملُ بعضها طابعًا غير إنسانيٍّ أو عنيفاً أو إيحائياً. وكثرةُ وغزارةُ المواضيع في الشبكة يُسببُ حملًا فكريًا ونفسيًا وعاطفيًا على الطفل قد لا يتحمله، وبالتالي يُسبب الإجهاد والملل. أما التلفزيون فتكون مواضيعه مُنتقاة وأكثر هدوءًا ولا تحملُ غزارةً بالمواضيع، كما وإنَّ التلفزيون يكون معظم الأحيان بمشاركة الأبوين على عكس الشبكة التي يستطيع الطفل الدخول فيها والتجول خلالها خِلسةً. ــ هل أُجريتْ بعض البحوث التي أظهرت أنَّ التلفزيون لا تأثير سلبياً له مثلًا؟ أو ماذا؟ ــ ليس لديَّ معلومةٌ حول وجودِ بحوثٍ من عدم وجودها، لكن بالنسبةِ لأيةِ حالةٍ جديدةٍ يتمُّ عرضُها على المجتمع سيتمُّ مواجهتها باستغراب وانتقاد، وهذا ما حدث للتلفزيون سابقًا، ثم تبين أنَّ للتلفزيون فوائدَ كثيرةً منها نقلُ الأخبار، ومعرفةُ الطقس، ومشاهدةُ البرامج الترفيهية والمسلسلات والأفلام الهادفة. أما بالنسبة للإنترنت فلم يتم التخوّف منه وانتقاده في بادئ الأمر، وكان الجميعُ يتمنى وجوده في العراق، ولكن بعد سبع عشرة سنة من استخدامه في العراق بدأت تظهر الكثير من الانتقادات والتخوّفات من ظهور مشاكل على مستوى الأطفال من ناحية تغيُّر السلوكيات والأفكار وأساليب الحياة، وهناك أصواتٌ كثيرةٌ تتعالى لرفضه، علمًا أنّ الكثيرَ من الناس بدأوا يعتادون عليه. ــ من أشهر المقولات المعروفة: إنَّ الطفل يتعلّمُ عن طريق اللعب، كيف يتعلّم الطفل الآن مع غياب الطريقة الكلاسيكية للعب؟ هل تكفي الألعاب الإلكترونية للتعلّم وتغني عن اللعب مع الأطفال في الواقع؟ ــ بالضبط، كلامٌ غايةٌ في الدقة والأهمية، إنَّ اللعب على الكومبيوتر يكون وكأن الطفل يلعبُ مع شيءٍ جامدٍ مُعَدٍ مُسبقًا ومُبرمجٍ للعب، ولا يعكسُ تعابيرَ بشريةً أو ردودًا بريئةً. على خلاف اللعب مع الأطفال الذي يُساعد الطفلَ بدخول تجربةٍ فريدةٍ من حيثُ الاحتكاك جسديًا، ومعرفة قابلياته الجسدية، وحدوده الأدبية والأخلاقية باللعب، فإذا تخاصم الطفلان مثلًا سيتعلمان أنَّهما يجبُ أنْ يتصالحا ويكونا على علاقةِ صداقةٍ واحترامٍ لبعضهما، هذه العلاقة قد تمتدُّ لعشراتِ السنين وعلى ضوئها ستتحدد وسائل العيش، وتنفيذ الخطط المُلائمة مستقبلًا، يحدثُ كلُّ ذلك من خلال تكوين العلاقات الطبيعية مع سائر الأطفال والتي لا تحدثُ إلا عند اللعب الجسدي والواقعي اليومي. ــ هل تُعدُّ باقي الأجهزة الإلكترونية المُعَّدة للألعاب مثل الأتاري سابقًا أو (البلي ستيشن) حاليًا أو غيرها من الأجهزة متساويةً من حيث الضرر على الطفل مع ألعاب الإنترنت؟ -كلا بالطبع، فالجهاز المُخصص للعب فقط، مثل (البلي) يكون ضرره أقل؛ لأنّه يُتيح ألعابًا أقل، ومن الممكن أنْ يملَّ منها الطفل بعد فترةٍ قصيرةٍ. أما ألعاب النت فلا حصر لها، وهي تُتيح للطفل تنوعًا، وهذا التنوع هو منبع الخطورة في حال لم تتم مراقبة الطفل. ــ هل لاحظتم في الآونة الاخيرة من خلال تخصصكم النفسي كثرة انتشار الأمراض النفسية لدى الاطفال؟ وما هو السبب برأيكم؟ ــ نعم، هناك زيادةٌ بإصابة الأطفال بهذه الأمراض والأسبابُ كثيرةٌ، منها تعطيلُ المدارس، ابتعادُ الأبوين جسديًا ومعنويًا عن أطفالهما، والخلافات والمجادلات بين الأبوين، وانفصالهما، والأحداث الأخيرة وما سبّبته من فقدان الأمن.. حيثُ يحسُّ الأطفال بعدم الأمان عند سماع الإطلاقات النارية. ــ هناك الكثير من الدراسات والأبحاث توضحُ أنَّ الإنترنت سببٌ في إظهار أمراضٍ كثيرةٍ منها العزلة؟ كيف يُمكن مواجهة هذه الأمراض, ومن المسؤول عنها؟ ــ بالتأكيد الإنترنت وسيلةٌ فعّالة لجذب الأنظار وسرقة الوقت، وبإمكان الشخص قضاء ساعاتٍ على النت من دون الإحساس بالوقت، وهذا ما يُسبب له العزلة عن المجتمع والأصدقاء. وبما أنَّ تطور العلاقات والمهارات الاجتماعية متوقفٌ على قضاء أوقاتٍ يومية مع المجتمع وباستمرار، فيمكن علاج العزلة باستئناف الاحتكاك بالمجتمع بشكلٍ يومي. ــ يُلاحَظ أنَّ المواقع الإلكترونية التي تستهدف فئة المراهقين يفوق عددها المواقع الموجهة لسائر الفئات العمرية الأكبر سنًا، لماذا؟ ــ إنَّ المواقع الشبكية تستهدف فئة الشباب؛ وذلك بسبب حماستهم وانجذابهم للتكنولوجيا، ولا نلاحظ هذا الولع أو الاهتمام بالتكنولوجيا لدى كبار السن، علاوةً على أنَّ هناك وقتًا طويلًا وفراغًا كبيرًا لدى الشباب فيُساعدهم في أنْ يقضوه بالتصفح، على خلاف كبار السن الذين ربما لا يجدون ذلك الفراغ؛ بسبب انشغالهم بمواجهة مصاعب الحياة. ــ هناك جوانب سلبية على استخدام الأطفال للأجهزة الذكية, كيف يُمكن مواجهتها وجعلها جوانبَ إيجابيةً للأطفال؟ ــ يتمُّ ذلك عبر تقنين استخدام النت، كاتفاق الوالدين مع الأطفال على البرامج المسموح لهم بمتابعتها، وتحديد الأوقات المسموح لهم للقيام خلالها ذلك. ــ من أبرز ما استجدَّ من مشكلاتِ العصر بدخول الإنترنت هو طمس الكثير من العادات الاجتماعية كالتواصل مع الأصدقاء والأقارب والأهل، حيثُ اقتصر التواصل معهم عبر الشبكةِ العنكبوتية؟ كيف يُمكن معالجة هذه المشكلة؟ ــ هناك ثورةٌ من داخلِ نفوس الناس على الإنترنت ومشاكله، إذْ أصبح الكثير منهم على وعيٍ تام أنَّ النت ووسائل التواصل الاجتماعي قد جعلت منهم مُدمنين على استخدامها وفي نفس الوقت مُنزعجين منها. وهناك نداءاتٌ من الكثيرين بضرورة تقليل عدد ساعات الانشغال بالنت وغلقِ الهاتف الذكي، وترك استخدامه ولو لبعض الوقت؛ لأنَّ الإنسان بحاجةٍ إلى النظر إلى المجتمع بعينه الخاصة وليس بعين الفيس أو الواتس اب! ــ ماهي طبيعة الأخطار المترتبة على المراهقين بسبب انجذابهم إلى بعض الألعاب وارتيادهم المواقع التي لا تراعي الجانب الأخلاقي؟ ــ في كلِّ دولِ العالم هناك مخاطر ومخاوفُ من استغلال الأطفال والمراهقين من خلال استغلال رغباتهم واندفاعهم وقلّة وعيهم، فنسمع قصصًا كثيرةً عن الابتزاز والاستغلال الجنسي والمادي. ولعلَّ المشكلة الأكبر تكمن في أنَّ الأبوين لا يعيان حجم هذه الخطورة إلا بعد فوات الأوان، وعليه فلا بُدَّ من تنمية وعي الأبوين قبل وعي الأبناء. ومن ضمن هذه المخاطر هي جعل عقل المراهق أسيرًا لفكرة الألعاب الحربية، مما يدفعه ذلك لتطبيق هذه الأساليب غير المدنية ضد المجتمع. ــ يتم في مواقع التواصل الاجتماعي تداول مجموعة من المخاطر التي تُصيب الأطفال جرّاء استخدامهم المُفرط للإنترنت، ومنها على سبيل المثال: أولًا: التوحد؟ ــ هذا غيرُ صحيح، فمرض التوحد مرضٌ يكونُ مع الطفل منذ نشأته، ويظهرُ بعد عمر السنتين. نعم، يُسببُ الإنترنت زيادةَ شدة هذا المرض إذا كان موجودًا بالأصل، ولكن لا يسبب المرض نفسه. ــ ثانيا: التنمر؟ ــ نعم، من الممكن جدًا أنْ يُسبب التنمر، فالنت يشمل الفيس والمجموعات ومقاطع الفيديو التي تحمل بتفاصيلها إيماءاتٍ وإيحاءاتٍ بالعنف والتنمر، فيتصوّر المراهق بأنَّ الدنيا كلها أصبحت عنيفة، وأنَّ العنف واستغلال الآخرين أصبح أسلوبَ حياةٍ يومي عليه أنْ يختبره ويجربه ويطبقه. ــ تتعالى الأصوات والنصائح بمخاطر الإنترنيت على الأطفال، ويتمُّ ذكر عدد من الأمراض النفسية التي يُسببها إدمان الطفل على الألعاب الإلكترونية وشبكة الإنترنيت، ما هو رأيكم بذلك؟ وماهي أغلب تلك الأمراض؟ وبماذا تنصحون الآباء؟ ــ نعم، إدمان استخدام النت واردٌ جدًا عندما يُترك الطفل من دون رقابة، ومن دون تحديد وقتٍ معينٍ للاستخدام. وهناك عدةُ مشاكلَ تحصل للطفل منها: * تعلم التمرُد على الأبوين وعلى الكادر التدريسي. * فقدان الإحساس بجمال الحياة. * الابتعاد عن التواصل الاجتماعي. * الإحساس بالملل. * التعرض للابتزاز وما يُخلِّفه من صدماتٍ نفسية. * الاطلاع على أمورٍ قد تكون غير ملائمة للطفل، وأخرى غيرها. ــ أخيرًا، كيف يُمكننا حماية أجيالنا الجديدة من خطر الأفكار الشاذة التي تروج لها بعض المواقع الإلكترونية؟ ــ يتم ذلك من خلال الرقابة اللصيقة لاستخدام الطفل للنت، ومتابعته وتوجيهه باستمرار وعدم تركه وحيدًا طوال الوقت، وتعليمه مبادئ الاستخدام الصحيح قبل أنْ يستخدمه، وتحديد موعدٍ ووقتٍ للاستخدام، وتحديد الموضوعات المسموح بتصفحها عبر النت، وتربية الطفل منذ الصغر على الصراحة، وعدم الكذب والالتزام بالمبادئ والأخلاقيات العامة.

اخرى
منذ 4 سنوات
359

سوء الظن

لِيكنْ قَلبُكَ مَملوءاً بالخير... فإنها فانية... لا تستحق الكثير من الجهد الذي نبذله في انشغالنا بها.... هي جدا قصيرة جداً لا نكاد نعيش لحظات الحب مع من حولنا... فلمَ نرهق انفسنا بتضخيم الأمور من حولنا... لنحسن الظن ونفعم قُلوبنا بالحلم ونمارس التغافل بِمَهارَةٍ كي نحظى بالهدوء النفسي والسكينة بين الاخرين... دون العيش بألم العتاب وإرهاق النفس بالتدقيق في الزوايا السلبية للآخرين.... العلاقات الاجتماعية جسور محبة وبساتين زهور تنعش حياتنا فلا نهدمها او نحرقها بلحظة مبهمة ممن حولنا... لنحيي قلوبنا بالنوايا الحسنة... أو ليس أوصانا مولانا امير المؤمنين وقال (احمل أخاك على سبعين محمل من الخير).

اخرى
منذ 4 سنوات
591

ولادةٌ مع تذكرةِ سفر!

بقلم: وجدان الشوهاني مع أول دقيقةٍ لولادتها كانت تحمل معها تذكرةَ سفرٍ، يجهل الجميع الموضوع إلّا أباها، احتفظ بالتذكرة؛ ليخفيها عن الجميع، وتجري الأمور بشكلها الطبيعي.. كانت مختلفة عن بقية الصغار، فعقلُها مُفعمٌ بالعلم ولسانُها يحمل الشهد. تحومُ حول والدها وكأنّها عصفورةٌ، تهفو إليه، تسقيه الماء، تفرش له مُصلّاه، مرةً تُقبّل خدَّه ومرةً يديه، تُغرقه بكلمة أبي، تلك الكلمةُ التي كانت كفرشاةِ رسمٍ ترسمُ بها قصةً من أروع القصص، فما إن تقولها حتى يهفو إليها يشمّها، فلقد كانت عزيزته ومُدللته. طفلةٌ ليس للعب في حياتها محل، كلّما كان ينظر إليها يتألم، فتذكرة السفر ما زالت معه. وبعد سنينَ قلائل حان موعد السفر، سفرٌ يحمل معه آلام الفراق. فكانت أول المتأهبين للسفر، لم تسلْ إلى أين؟! فما يهمها أنَّ أباها يرافقها في الرحلة، كان لها في كلِّ محطةِ وقوفٍ تذكارٌ مع أبيها، وكم صورة التقطت.. وفي آخر محطةٍ كان لها عدةُ صورٍ مؤلمة، واحدةٌ مع مصلاةٍ فرشتها، وجلست أمامها بانتظاره ولكنه لم يأتِ، وأخرى مع الماء حيث اشتد العطش بعد أنْ منع الماء عن كلِّ من معها حتى كادت تموتُ وعندما جاؤوا إليها بشربةِ ماءٍ لم تشربْ! بل ركضت باحثةً عنه وتناديه .. أبي جئتك بالماء ..أبي لن أشرب حتى تشرب وترتوي .. أبي ألستَ عطشانًا؟ ولكن دون جدوى فكان صدى صوتها يعود إليها .. حتى أبكتِ الجميع وهنا بدأتْ تسأل: أين أبي؟ قالوا لها: إنَّه في سفر .. بكت؛ لأنه لم يودعْها ولم يأخذها معه قالوا لها: لا تبكي، سيعود .. وبدأ سفرٌ جديدٌ لكنه سفرٌ مختلفٌ! لأنه سفرُ الغرباء .. فلقد كانت غريبةً وكثيرةَ السؤال عن أبيها .. ومع كلِّ سؤالٍ يسكتونها بسوطٍ على متنِها حتى تحوّل جسدها إلى قطعةٍ زرقاء من أثرِ ضرب السياط... وما إنْ وصلوا إلى آخر محطةٍ من سفرِ الغرباء، وإذا بخربةٍ يجلسون بها، تكاد لا تسعهم.. فكانت تلوذ بعمتها حتى غفت من تعبها وكثرة سؤالها عن أبيها في أحضان عمتها، وفجأة أفاقت باكيةً وهي تقول: سأسافر، سأسافر .. قالوا: إلى أين؟ قالت: إلى أبي، سألتقي معه في محطة العاشقين. ثم عادت للبكاء والصراخ... أبي، أبي أنا بانتظارك.. قالت عمتها: حبيبتي إنَّه في سفر .. لكنها استمرت بالصراخ، سيأتي أبي، سيأتي أبي، هو من قال لي إنَّه سيأتي .. جاؤوا لها بطشتٍ مغطى، فتصورّت أنّهم يحاولون إقناعها بطعامٍ ولم تعلم بأنّها المحطة التي تكلّم عنها والدها، فما إنْ رفعت الغطاء حتى رأت رأسًا قد ذبلت شفتاه واصطبغ الشيب من دماه. فاحتضنته وعانقته عناق العاشقين، وهي تبكي، وتنادي أبي .. أبي .. حتى انقطعت الأنفاس .. لتعلن عن سفرها الذي لا عودة بعده .. فلقد سافرت بتذكرة سفر الولادة!

اخرى
منذ 4 سنوات
383

خاطرة

متى ترانا ونراك نداءٌ ذبتُ فيهِ شوقاً لرؤياك ثمَّ عاودتُ افكرُ في خفايا لقاك كيف ترانا وما هي علائمُ محيَّاك أفَرِحٌ انتَ سيدي أم الحزنُ اعتلاك كيف ترانا ونحنُ نقاتلُ بعضنا وتركنا عِداك كيف ترانا ونحن نمزِّقُ دينَ جَدِّك وأبَيك حتى استُضعِف كلّ مَن والاك كيف ترانا والناسُ غرقى في حبِ دنيا كلّها هلاك سيدي ارهقتني متى ترانا وعشقتُ متى نراك فعكفتُ أُصلحُ نفسي فوجدتها ذائبةٌ في هواك تناديك عجّل فالقلب ليس له سواك

اخرى
منذ 4 سنوات
336

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
71277

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
52365

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41942

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
37369

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
34087

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32540