تشغيل الوضع الليلي
عمَّ يتَساءلون؟
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 439
بقلم: زهراء حسام
تحت سماء ليلة الأوّل من شهر رمضان، ليلةٌ تلفّها ابتهاجات واستعدادات وأمنيات، إلا هو، طاولتُ عنقي لأراه واضحًا..
ياه! ما بك يا هلال اليوم وقمر الغد، صمتك هادر، يصكُّ الأسماع، تتبدد فيه التكبيرات والتهليلات وازدحام التهنئات، لم أرَ صمتًا أعجّ منه!
لكلِّ امرئ يومئذ شأنٌ يُغنيه.. عن حزن القمر!
أتذكّر أنّك أخبرتني بحالك، قلتَ: إنّه لا يختلف عن كلّ حال الكون، معْوجّ متهاوٍ، ومنكسر أعرج، يشكو لُغوبًا، وتعتليه صُفرة الانتظار.. للمهدي...
قلتَ: إنَّ هذا حال المنتظرين، وما يصنع الانتظار...
وقلتَ: إنَّ على الجميع أنْ يرقَب الكون المتعب، كيف أنه مرميٌّ على «قاف»، باتت تُسنده بإعياء، ثَقُل حملُها.
مع كلِّ هذا أيُّها القمر، أنت في هذا الشهر مختلف..
- أجل أنا متناقض الآن، أزف الفرح وأخزن الكَمَد
أنا المضروب بي المثل بالجمال والمَنسي وحيدًا في هذا السواد..
عمَّ يتساءلون، عن النبأ العظيم؟
أنا قمرُ ليلةٍ يُطبر فيها رأس الإمام، وليلة يتغير فيها وجه الإمام بلون عصابة جُرحه، وليلة يغادرنا فيها الإمام..
حتى الباب تشبّث بردائه، والحمام حوّط قدَميه...
انفَصَمت العروة الوثقى، صاح جبرائيل والملَكُ صفًّا صفًّا، لكني والهواء والأرض لم نصنع شيئًا..
أوشكَت الغبراء أن تسيخ وعليّ يخطو إلى المسجد لولا حلم الله تعالى
اختنق الهواء لولا شهقة الحسنين
انطفأتُ أنا؛ لأحجب ظل زينب وهي تلوّح للجنازة: وداعًا يا حبيبي.
لا تلُمني، لأول مرةٍ وأنا المولود في كلِّ شهرٍ من غير أبٍ وأمٍ، تملّكَني إحساسُ اليُتم..
وأمّا اليتيم فلا تقهَر..
لا تلمني، أنا فقط مِن الموجودات كنتُ أرىٰ عليًا في عساعس الليالي وهو يضيء وجوه اليتامى بأزهرَ مما تضيئني الشمس..
أنا الذي شابهَت دائريّتي أرغفة الخبز فأحبّني الأطفال..
أنا الذي انعكس ضيائي في آنيةِ اللبن، وعليٌّ ممسكٌ بها يسقي يتيمين في عرش حضنه.
وفجأةً، أشهدُ يُتم العالَم إلى الأبد
وما من عليّ له..
فجأة أرىٰ الأيتام يتكوّمون علىٰ باب دار علي، تمتد سواعدهم النحيلة بأكمامها المُهترئة، لتتزاحم آنيات اللبن بعد سماع نصيحة الطبيب بالإكثار من اللبن لأجل جرحه المسموم..
ثم لا تنفع،
فيصبحون بيُتمٍ على يُتم!
ربّ ارجعون لأيامِ علي
لا تلمني.. وأسألك البكاء.
اخترنا لكم
حوارٌ مبين في زيارة الأمين (٢)
بقلم: علوية الحسيني/ ودعاء الربيعي "راضيةً بقضائك" الحديث هنا حول الرضا بقضاء الله تعالى. نبدأ حديثنا بسؤال وهو: ما هو المراد من القضاء والقدر؟ وهل هناك فرق بينهما ام انهما مفردتان لمعنى واحد ؟ ج/ الرضا يأتي بدرجة بعد الاطمئنان، إذ إنّ الامام زين العابدين (عليه السلام) لم يتكلم عبثًا حينما لهج بهذه الزيارة، فحينما قدّم القدر على القضاء؛ فانه استند على أساسٍ علمـي، وحتمًا الاطمئنان يناسب القدر، فقال: (مطمئنة بقدرك)، والرضا يناسب القضاء، فقال: (راضية بقضائك). كيف لا يكون هذا الترتيب الكلامي، والإمام المعصوم من يتكلم؟! وما تسليمنا إلاّ عبارة عن يقيننا باعتقادنا في الإمام المعصوم أنّه لا يقول عبثًا؛ لعصمته. والقضاء قضاءان -كما القدر-: "القضاء العلمي: وهو عبارة عن علم اللّه (عزّ وجلّ) بوجود الأشياء وإبرامها، ومعرفته بتحقّقها أو عدم تحقّقها. القضاء العيني: وهو عبارة عن ضرورة وجود الشيء في الخارج عند وجود علّته التامّة" (1). والفـــرق بين القدر والقضاء هو ما بينه لنا أهل البيت (عليهم السلام) مما روي عنهم؛ إذ روي عن يونس بن عبد الرحمن قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام: "... [أخذ يونس يسأل الامام إلى أن قال له الامام] فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، قال: هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، قال: ثم قال: والقضاء هو الابرام وإقامة العين"(2). فالفارق هو في الأسبقية، فالقدر يسبق القدر، وهناك ما يؤيد ذلك مما روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): "إنّ اللّه إذا أراد شيئاً قدّره، فإذا قدّره قضاه، فإذا قضاه أمضاه" (3). وهنا أمر مهم لابد من الانتباه إليه، وهو انّنا حينما نقول: هذا أمر من قدر الله تعالى وقضائه فهذا لا يعني أنّه سبحانه يجبرنا على أن نكون محل تلك الظروف والابتلاءات؛ فعقيدتنا أن لا جبر ولا تفويض وإنّما أمرٌ بين أمرين، فليس الله تعالى مجبرنا، وليس مفوض امورنا إلينا استقلالاً، بل أمر بين أمرين، ولهذا يبحث مبحث القضاء والقدر ضمن مباحث العدل الإلهي. جاء في كلام الإمام علي (عليه السلام) للشامي لما سأله: أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره؟ ويحك لعلك ظننت قضاءً لازمًا وقدرًا حتمًا، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، إن الله سبحانه أمر عباده تخييرًا، ونهاهم تحذيرًا، وكلف يسيرًا، ولم يكلف عسيرًا، وأعطى على القليل. كذلك روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: "إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون، قال: فسئلا (عليهما السلام) هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا: نعم أوسع مما بين السماء والأرض" (4). القضاء قرآنيًا: *القضاء على أربعة أضرب: "أحدها: الخلق، والثاني: الأمر، والثالث: الإعلام، والرابع: القضاء في الفصل بالحكم. وعلى كلٍ شاهد قرآني. فـــأما شاهد القضاء بمعنى الخلق فقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ -إلى قوله- فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} يعني خلق الله تعالى سبع سموات في يومين. وشاهد القضاء بمعنى الأمر فقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} أي أمر الله تعالى بعدم عبادة غيره. وأما شاهد القضاء بمعنى الإعلام فقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي أعلمهم الله تعالى وأخبرناهم بالأمر قبل كونه. وأما شاهد القضاء بمعنى الفصل بالحكم بين الخلق فقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} أي يفصل الله تعالى بالحكم بالحق بين الخلق، وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ} أي حكم تعالى بينهم بالحق، وفصل بينهم بالحق"(5). إشارة: قال الإمام الصادق (عليه السلام): "اعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله" من هذا الحديث الشريف يتضح أن هناك علاقة بين معرفة الله تعالى وبين الرضا بقضائه. معالم تلك العلاقة واسسها التي تقوم عليها: تقدم في الحلقة السابقة اجمالًا أنّ أولَ استعداد يؤهل العباد إلى الاطمئنان بقدر الله تعالى هي معرفة الله سبحانه وتعالى، فمن عرف الله أحبه، ثم اعتقد به، ثم امتثل أوامره واجتنب نواهيه، ثم اطمأن بما قدر تعالى له، ثم رضى بقضائه. هذا وقد جاء في الدعاء "اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك. اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني" فالضلال عن الدّين هو نتيجة الشك إما بوجود الله تعالى، أو بقدره، أو بقضائه، فيجزع العبد شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى درجة الشك، والشك غير اليقين مصداقًا ونتيجةً؛ لأنّ المعرفة تولّد يقينًا بوجوده، وبقضائه وقدره. س/ما هي الآثار السلبية المترتبة على عدم الرضا بقضاء الله تعالى؟ ج/ من الآثار السلبية: ١- الكسل عن اللهج بالدعاء؛ بدعوى ان قضاء الله تعالى قد تم، فيستسلم العبد للظرف المبتلى به. ٢-اللجوء الى أهل الكهانة والشعوذة ليضعفوا عنهم قضاء الله تعالى. ٣-الاكتئاب الذي يصيب البعض ما إن يفقد له عزيز، أو يسلب له مال، أو تنتكس له صحة، وعدم الايمان بقول/ إِنَّا لله وإنّا اليه راجعون، فمن منا يملك نفسه حتى يملك عوارضها من صحة وسرور وراحة ابدية؟! التفاتة: هناك من يقول: إني راض بقضاء الله وقدرة وما سوف يجري علي ولا داعي للدعاء والتوسل بالله لدفع البلاء، وكأن الدعاء مناقض للرضا، وفي الحقيقة أن هذا تصرفٌ مغلوط، نتيجة البعد عن التأمل في آيات القرآن الكريم، كما يتبين من التدبر في قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَاب} (8)؟ فظاهر الآية يدل على وجود امور يمحوها الله تعالى، واخرى يثبتها، وأنّ هناك شيئًا يسمى بأم الكتاب، وهنا على العبد التفكر، وحفر تراب الجهل ليكتشف كنز المعرفة، فبالعقل كرّم الله تعالى بني آدم على سائر مخلوقاته، أ ليس حريًا بنا توظيف عقولنا في ولو في معارف التأملات القرآنية؟! جاء في تفسير هذه الآية: " محو الشيء هو اذهاب رسمه واثره يقال محوت الكتاب إذا أذهبت ما فيه من الخطوط والرسوم قال تعالى: (ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته) أي يذهب بآثار الباطل كما قال: (فأما الزبد فيذهب جفاء) وقال: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة). وقد قوبل المحو في الآية بالإثبات وهو اقرار الشيء في مستقره بحيث لا يتحرك ولا يضطرب. فالكتاب الذي أثبته الله في الأجل الأول إن شاء محاه في الاجل الثاني وأثبت كتابا آخر فلا يزال يمحو كتابًا ويثبت كتابًا آخر... وأن القضاء ينقسم إلى قضاء متغير وغير متغير" (9). كما وجاء في الروايات أنّ هناك أمورًا يمكن محوها، وأخرى يستحيل؛ لأنّها تستلزم تكذيب الله تعالى نفسه وأنبيائه و رسله. عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم فيها ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت منها ما يشاء لم يطلع على ذلك أحدا يعنى الموقوفة فأما ما جاءت به الرسل فهى كائنة لا يكذب نفسه ولا نبيه ولا ملائكته" (10). فمن الامور الموقوفة التي لا يغيرها الله تعالى: أن يمحو الله تعالى أمر الصلاة مثلًا أو الصوم، أو وجوب الإيمان بالله الواحد الاحد، أو وجوب الإيمان بعصمة نبيه او غير ذلك من الأمور. أما أمور الرزق والاحياء والممات فممكن أن يمحوها الله تعالى ويبدلها، كما لو كان مقدرًا في قضاء شخص أنه يعيش عشرين سنة، لكنه ما إن تصدّق بصدقة غيرت قضاءه ومحته، وأطالت عمره سنوات اخرى. وهكذا بالنسبة لموجبات تغيير القضاء الاخرى. ومن هنا نعلم أنّ القضاء غير المحتوم ممكن أن يبدّل ويمحى، ويتعلق به البداء. _________________ (1) الإلهيات: للشيخ جعفر السبحاني، ج2، ص515. (2) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، ص158، ح4. (3) بحار الأنوار: للعلاّمة المجلسي، ج5، كتاب العدل والمعاد، ب3: القضاء والقدر، ح64. (4) شرح أصول الكافي: للمولى محمد صالح المازندراني، ج5، ص27. (8) الرعد: 39. (9) تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج11، ص375. (10) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج4، نقلاً عن تفسير العياشي. اللّهم صلِ على الأشرف المكين، والعلم المبين، والناصر المعين، وليّ الدّين، عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام).
البيان والبلاغة في كلمات أهل البيت عليهم السلامنجوم عاشورائية (5)
بقلم: يا مهدي أدركني قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (1) إن الإسلام جاء ليزيل الطبقية ويجعل المدار في التمايز هو التقوى، ووفق هذا المقياس جاءت نهضة الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لتكمل الطريق الذي انتهجه جده المصطفى (صلى الله عليه واله) انطلاقًا من قوله (صلى الله عليه وآله): "حسين مني وأنا من حسين" وكما قال البعض "الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء" لتتجسد في يوم الطف صور تطبيقية، فنجد رمضاء كربلاء سُقيت بدماء شهدائها فامتزجت دماء العربي بالأعجمي، السيد بالعبد... فما هو السر وراء هؤلاء الثلة من الأصحاب الذين قال عنهم سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) "فإني لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي" لو تأملنا قليلًا في كلام الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لوجدنا جنبتين: الأولى: في قوله صلوات الله عليه (لا أعلم). نقول: هل إن علم الإمام الحسين (عليه السلام) محدود بزمان ومكان وهل ممكن ان يقع فيه الخطأ أم لا؟! وللإجابة على هذا السؤال نعود إلى الحديث الذي ذكرناه آنفًا المذكور عن الرسول (صلى الله عليه واله) "حسين مني وانا من حسين" لنجد أن هذه ال (من) المذكورة في الحديث الشريف هي للتبعيض والنسب وهذا يعني أن الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) هو جزء لا يتجزأ منه (صلى الله عليه وآله)، وهذا الجزء يشمل الجانب البيولوجي فهو امتداد له، والجانب العقائدي، وبهذا يكون كل ما يخص النبي (صلى الله عليه وآله) من خواص العلم اللدنّي والعصمة والولاية التكوينية، تكون أيضًا من خصوصيات الإمام الحسين (عليه السلام)، فإذا كان للإمام العلم اللدنّي وهو معصوم فهذا يعني أنه لا مجال للخطأ في علمه (صلوات الله وسلامه عليه)، وحيث ثبتت له الولاية التكوينية فهذا يعني أن علمه يتصف بالشمولية فهو لا يختص بزمان معين. فما هي مواصفات هؤلاء الأصحاب الذين خصهم الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) بهذا الوصف! وهكذا ننتقل الى الجنبة الثانية من هذا الحديث الشريف. الجنبة الثانية: صفات أصحاب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) في الحديث قد أشار الإمام (عليه السلام) الى صفتين وأعطاهما أعلى مراتب التكامل الإنساني، فنفى أن يكون هناك من يتصف بهاتين الصفتين بدرجة كمالية أعلى مما هي موجودة لدى أصحابه (عليهم السلام). فالصفة الأولى تتمثل بأنهم خير الأصحاب وهذه الكلمة تشتمل على معاني عديدة منها الكرم والسخاء والجود والشرف والأصل، وعندما تطلق على فئة من الناس يقال (خيار الناس) أي من أفاضلهم. فالإمام الحسين (عيله السلام) استخدم بلاغة اللغة العربية باختيار هذه الكلمة المشتملة على معاني عديدة. أما الصفة الثانية فهي صفة الوفاء، والوفاء في اللغة هو المحافظة على الوعد والالتزام به. فقد وفى أصحاب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) له بالطاعة والتسليم وبذلوا الأنفس ولم يرتضوا العيش بعده ولو للحظة، وتسابقوا في تقديم الأرواح وأرخصوا دماءهم لإمامهم، وهم في حالة اضطراب ما بين شوقهم للشهادة وبين حزنهم لتركهم الإمام الحسين (عليه السلام) من بعدهم وحيدًا غريبًا. فمن أين أتت هذه الصفات الكمالية المتمثلة بالشجاعة والقوة والوفاء والإيثار؟ إن أساس هذه الصفات تنبع من قلوب تنعم بالحياة يملأها الإيمان وتترسخ فيها العقيدة الصالحة لتكون منبعًا للقوة، فلا يهابون شيئاً، فهمُّهم الوحيد هو نصرة الحق، فذلك الإيمان القلبي هو مصدر القوة الذي يوجههم نحو العبودية الحقيقية المطلقة لله تعالى، فامتثلوا أوامره وذابوا عشقًا في مناجاته، لذا تجدهم في ليلة العاشر من محرم كما تصفهم الروايات (لهم دوي كدوي النحل ما بين قائم يصلي وجالس يقرأ القرآن) متأهبين لساعة الصفر للدفاع عن إمام زمانهم. إذًا الذي كان يوحدهم هو حب الحسين (عليه السلام) النابع من التقوى، فإن الحب وحده لا يستطيع أن يقف أمام الفتن، فلا بد له من تقوى تقوّمه، ووفق هذه المعايير نجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) جعل أصحابه كلهم بكفة واحدة، ولم يميز بينهم من حيث اللون أو العرق وإنما كانوا متساوين، فنجده (صلوات الله وسلامه عليه) يضع تارة خده على خد ولده علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) وتارة على خد أسلم التركي وهو مولى مملوك للإمام الحسين (عليه السلام). إن كل موقف من مواقف عاشوراء هي رسالة موجهة إلينا فيها من الدروس والعبر، فلتكن القاعدة في اسلوب التعامل مع البشر هي وفق (إن أكرمكم عن اهل أتقاكم) فيجب أن لا يكون المعيار هو المناصب والحالة المادية والأعراق وما الى ذلك من تمايز طبقي، فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (أن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة:..... وأخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم)(2). _____________________ (1) سورة الحجرات: آية (13). (2) قال أمير المؤمنين (ع) : إنّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته، فربّما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرنّ شيئاً من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرنّ شيئاً من دعائه، فربّما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم. معاني الاخبار، ص113.
المناسبات الدينيةليلة القدر شاهد على الإمامة واستمرارها
بقلم: رضا الله غايتي من الخطأ اختزال الإمامة الإلهية بالمنصب الظاهري أو بمجرد السلطة الحاكمة؛ لأن لها مقامًا أرفع ومهامًا أوسع، فهي منصب روحي ومعنوي رفيع، به يتحقق الهدف من بعثة الأنبياء وبانقطاعه يتعطل دور النبوة وبالتالي إلغاء رسالة السماء. منصب الإمامة أعلى شأنا وأرفع مرتبة من منصب النبوة، يدل على ذلك أنه (تعالى) لم يمنحه لخليله إبراهيم (عليه السلام) إلا بعد أن طوى مرحلة النبوة والرسالة واجتاز العديد من الابتلاءات التي عبر الله عنها بـ(الكلمات) في قوله: "وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً" (البقرة 124). ولم يكن النبي إبراهيم (عليه السلام) النبي الوحيد الذي جمع بين النبوة والإمامة بل إن جميع أولي العزم من الأنبياء كان لهم ذلك ،لاسيما الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حيث أكرمه الله (تعالى) بمنصب الإمامة الربانية منذ بداية نبوّته. وبما إن انقطاع الإمامة يعني تعطيل النبوة وبالتالي تعطيل رسالة السماء ـ كما تقدم ـ فلابد أن يستمر خط الإمامة بعد النبي محمد(صلى الله عليه وآله) حيث استمر في المعصومين (عليهم السلام) من ذرّيته وسيبقى كذلك حتى قيام يوم الدين. وقد دلَ على ذلك الكثير من الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم والسنة الشريفة.. منها قوله (تعالى): "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر4) ولتوضيح محل الشاهد في هذه الآية المباركة لابد من مقدمتين هامتين: الأولى: تظافرت الروايات الواردة من طرق الفريقين على أن ليلة القدر لم تُرفع بعد استشهاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني: "..وحدّثني يزيد بن عبدالله بن الهاد: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثم رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة" (1). الثانية: ليلة القدر هي الليلة التي يقدر فيها أقدار العباد الى السنة القادمة كما روي عن الإمام الرضا(عليه السلام):"يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل" (2)، (والمراد بهذا التقدير إظهاره (تعالى) لملائكته مما يكون من أفعاله بما سبق به علمه وقضاؤه في الأزل، ولخواص خلقه بنفسه أو بواسطة الملائكة) (3). والسؤال الهام هنا: إن كانت ليلة القدر الى الآن مستمرة فعلى من تنزل الملائكة والروح؟ وإن كان الله (تعالى) يُطلع خواص خلقه على تقديره، فمن هو مصداق أولئك الأشخاص في زماننا هذا؟ أجابت بعض الروايات عن كلا السؤالين، منها ما روي عن أبي الحسن (عليه السلام)، قوله: "تنزل الملائكة والروح فيها" قال: تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور" (4)، وفي رواية أخرى قيل لأبي جعفر (عليه السلام): "تعرفون ليلة القدر؟ فقال: وكيف لا نعرف والملائكة تطوفون بنا بها" (5). ولأجل ذلك كانت ليلة القدر شاهدًا واضحاً ودليلًا ساطعًا على حقيقة الإمامة وضرورة استمرارها كما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: "يا معشر الشيعة خاصموا بسورة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} تفلحوا؛ فوالله إنّها لحجّة الله (تبارك وتعالى) على الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّها لسيدة دينكم وأنّها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا بـ" حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)" (الدخان1ـ4)، فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)" (6). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مصنف عبد الرزاق ج4 ص255 (2) بحار الانوار ج94 ص326 (3) شرح أصول الكافي ج10 ص11 (4) معجم أحاديث المهدي ج6 ص399 (5) بحار الانوار ج94 ص14 (6) موسوعة الإمام الجواد (ع) ج4 ص16
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى