تشغيل الوضع الليلي
خاطـــــــرة
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 371
بقلم: خلود الفريجي
نساءٌ ثكالى وصحراءُ جرداء
شفاهٌ ظمأى لم ترتوِ بماء
دموعٌ ونحيبٌ ولطمٌ وبكاء
خيامٌ محروقةٌ وسبايا وعزاء
هكذا يًريدوننا أنْ نرى كربلاء
لكن من يرى بقلبِه الحُسين
يعرفُ في أفعالِه فناءَ المُخلصين
دكَّ بنهضتِه عروشَ الظالمين
وأيقظَ النيامَ من نومِ الغافلين
نساؤه، أطفالُه جندٌ مُجندون
وفي دموعِ الثواكلِ دعوى الثائرين
ربَّنا تقبّلْ مِنّا هذه القرابين
رضا اللهِ رضانا فلسفةُ الحُسين
اخترنا لكم
اللاهدفيـــة
اقتضت حكمة الله (تعالى) أن تكون أفعاله تعالى محكومة لمصلحة وهدف وغاية، ولذا قالوا في علم الكلام: إن أفعال الله تعالى معلّله بالغايات، فكيف بخلقه الإنسان الذي سخر له السموات والأرض! قال (تعالى): "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً"، ولذا فقد تكرر ذكر هدفية خلق الانسان في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها قوله (تعالى): "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)" لم يقتصر القرآن الكريم على بيان هدفية خلق الإنسان بل بيّن ذلك الهدف أيضاً إذ قال (تعالى): " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)" . فالعبادة والطاعة إذن هما الهدف الأساسي والرئيسي من خلق الإنسان، وكل ما في الوجود وما يدور فيه من أحداث إنما رتبها الله (تعالى) على نسقٍ يحقق ذلك الهدف بما فيها المغريات والفتن والابتلاءات التي تغربل الناس جميعاً فتميز المطيع الحقيقي عمن سواه. ومن هنا وجب على كل إنسان الشعور بهدفية وجوده في الحياة، من خلال وضعه أهدافاً متوسطة وأخرى صغيرة، ومن ثم توظيف ما يتمتع به من إمكانيات وقدرات لأجل تحقيقها والذي يصب في النهاية في دائرة تحقيق هدفه الأسمى المتمثل بعبادة الله (تعالى) وطاعته والفوز برضوانه. إلا أن ما يؤسَف له حقاً أن يعيش البعض اللاهدفية المقيتة، فيعيش حياته بصورة عشوائية وكيفما اتفق دونما تخطيط أو شعور بالمسؤولية وبلا موبالاة بسنيِّ عمره التي يهدرها الواحدة تلو الأخرى دون تقدم ملحوظ في الجانب الروحاني أو الخُلُقي أو العبادي -أي في الجانب التكاملي عموماً-. إن من الناس من يحرق زهرة شبابه، ويهدر سنيَّ عمره، ويفوِّت على نفسه الانتفاع بما يمتلك من جهد وطاقات، مكتفياً بتدخين السكائر والأركيلة، أو مستريحاً لأن يجوب الشوارع والأسواق ذهاباً وإياباً دون ضرورة، أو متمتعاً بالمبالغة في التنزه في المتنزهات ومدن الألعاب. وهذه الأمور بحد ذاتها مضيعةً للوقت وخسارة للعمر الذي إن ذهبت منه لحظة واحدة لا يمكن استرجاعها بملئ الأرض ذهباً، فضلاً عما يكتنف كل ذلك من المحرمات كالنظر المحرم أو الاختلاط المحظور أو الخوض في أعراض الناس وهتك الحرمات، وننسبه على أن هذه الأمور وإن لم تكن محرمة في حدّ نفسها. لكنها على كل حال تُعبّر عن حالة من تضييع العمر بلا فائدة -وقد تدخل فيها الحرمة عرضاً- كما أشرنا إليه. ومنهم من تراه مهووساً في متابعة الأفلام والمسلسلات والبرامج غير الهادفة، فتراه يتنقل بين المحطات الفضائية ولا هم له سوى هذا البرنامج المضحك أو ذاك الفلم الغرامي أو ذلك المسلسل المتخم بالانحرافات الذي يستنزف من عمره مئات الساعات والساعات. ومنهم من يقضي ساعات عمره محدّقاً في شاشات الجوال أو الحاسوب لا لعلم يرتقي به ولا لعمل صالح يدعو إليه، وإنما جُلَ همَ بعضهم الترويج للإشاعات والشبهات من حيث يعلم أو لا يعلم، ومنهم من يعاكس الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا كبيرة السن تنجو منه ولا ذات البعل تسلم، ومنهم من همه المشاركة في تسقيط الشخصيات اتباعاً للظنون وتعويلاً على التوهم، ومنهم من يروق له أن تلتهم عيناه ما حرم الله (تعالى) النظر إليه إلتهاماً. بل إن البعض لا يكتفي بعبثية حياته وإنما يوظف طاقاته من أجل بثّ اللاهدفية في غيره وإضلال أفراد مجتمعه، ويشتري شقاء وبؤس دنياهم وآخرتهم، يقول الله (تعالى): "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً اُولئك لهم عذاب مقيم" في الوقت نفسه. نحن لا ننكر فيه أن النفس أحياناً قد تمل فيُستحسن علاجها بالطرائف، وتحسين مزاجها باللطائف، فلا مانع من بعض البرامج الترفيهية المنضبطة والأفلام الهادفة إذا ما روعيَ فيها جانب احترام الوقت بالإضافة إلى انتخاب الجيد والهادف منها، كما لا مانع من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بل قد يكون ضرورياً لصلة رحم أو لرد شبهة أو لدفع غيبة أو تسقيط أو تشويه لمؤمن أو مؤمنة وما إلى ذلك. إذن فلا بد في كل ما تقدم من مراعاة الانضباط في بعدي الكم والكيف؛ لأن عدم مراعاتهما هو المحذور، لأنه يقود الإنسان شيئاً فشيئاً إلى التقصير والجهل والقصور. ولو سألت أحدهم عن سبب العبثية الواضحة في أسلوب حياته، واللامبالاة في تضييع عمره وهدر الكثير دونما جدوى من ساعاته، والركون إلى اللهو وغياب الهدفية من سجل مصطلحاته، لأشار بأصابع الاتهام إلى الظروف الخارجية، مريحاً نفسه من همّ التفكير في تطوير ذاته وتنمية مواهبه وقدراته، أو مؤونة البحث عن مخرج ولو صغير يتنفس من خلاله المعنى الحقيقي للحياة. ولكن الحقيقة هي إن عدم مناسبة الظروف الخارجية لما نرغب وإن كان عائقاً كبيراً أمام طموحاتنا، وهو بلا شك حجر عثرة تتعثر فيه أهدافنا، وقد تحتضر فيه أحلامنا، إلا أن ذلك لا يعني نهاية الحياة، كما لا ينبغي لنا الاستسلام البتة، بل هناك ألف طريق وطريق لمن أراد الحياة، ولعل خير ما قرأت لهذه المشكلة علاجاً قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون" . فإن الحياة لا تخلو إما أن تكون كما نريد أو لا، وفي كلا الحالتين فإن الإنسان وحده هو المسؤول عن اختياراته، فعليه أن لا يتخلى عن أهدافه، وينبغي أن يكون طموحاً ومنتجاً بل وسعيداً؛ لأن الإنسان هو الذي يقود ذاته لا الظروف الخارجية. ومن أساليب القيادة السليمة للذات نحو النجاح والسعادة أيضاً هو البحث عن مخرج دائما وأبداً فعند الوصول إلى أبواب موصدة لا ينبغي هدر العمر بالتحديق فيها أو التحسر عليها؛ لأن الطرق الموصدة لا تعني نهاية الطريق، بل تعني سلوك الطريق الخطأ، وهي رسالة واضحة للبحث عن الطريق الصحيح، فيجب البحث دائماً وأبداً عن بدائل وذلك لا يتأتى إلا بالرضا أولاً بواقع الحال -لا بمعنى الخضوع والاستسلام وإنما بمعنى تقبّل الواقع والتوقّف عن التذمُّر منه- ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون" لأن الرضا بالواقع وتقبله يتيح فرصة فهمه والتعرف إلى ما فيه من نقاط إيجابية يمكن استثمارها بخلاف التذمر منه ومخاصمته. قد يثير هذا الكلام استغراب البعض لاسيما ونحن نعيش أجواءً اليوم قد تلبدت بغيوم البطالة، إلا أنه منطقي إلى حد قد لا يكون متوقعاً، فالمتخرج والمتخرجة في كلية الهندسة والتربية والعلوم وسواها اللذان يحلمان بإيجاد الوظيفة المناسبة التي بذلا لأجلها الجهد الجهيد لا تراهما بعد سنة أو أقل من التخرج إلا وهما مكتئبا الحال يعيشان الضياع ويكثران الشكوى؛ لعدم تحقق حلمهما، ولا نستنكر أصل الحزن والألم لأنهما مشروعان في هذه الحالة إذ إن كل من يغرس مجتهداً بغرسه يأمل بقطف الثمار اليانعة، إلا أنه من غير الصحيح تضييع العمر حسرات على حلم لم يتحقق أو هدف لم يُنَل. ولنتفق أن ما من غرس لا ينتج أثراً بصورة مطلقة، فبعض الأشجار قد لا تعطي ثمراً جنياً ولكنها تمنح ظلاً ظليلاً. وعليه فيمكن لهما أن ينظرا بعين الإيجابية رغم الظروف الحالكة ويستثمرا العلوم التي اختزلناها في ذهنهما طيلة أيام الدراسة في تدريس الطلبة الذين يعانون ضعفاً فيها ولكن بمبلغ يسير فيكونان قد أعانا غيرهما على النجاح، وحافظا على معلوماتهما من النسيان، بالإضافة الى النفع المادي وإن كان يسيراً، وقد تكون تلك التجربة بادرة احترافهما القاء دروس التقوية. هذا مثال بسيط جداً ومن يضع النجاح نصب عينيه هدفاً ستنقدح في ذهنه الأفكار التي توصل إليه تباعاً، وسيتمكن من اكتشاف مواهبه وإمكانياته وقدراته وينفض عنها غبار الإهمال وينميها شيئاً فشيئاً حتى تصبح عمله الذي يألفه ومصدر رزقه الذي يغنيه عن لئام النفوس. فعلى الإنسان أن لا يجمد إطلاقاً ولا يتوقف البتة في كل مجال من مجالات حياته وعلى جميع الأصعدة الروحاني منها والعلمي والنفسي والصحي والاجتماعي؛ لأن التوقف في الحياة تراجعٌ ليس إلا. ومن الجدير بالذكر أننا وإن ذكرنا مصاديق لما يشغل فئة الشباب من بعض الملهيات إلا أن ذلك لا يعني اقتصار اللاهدفية في الحياة والعبثية فيها عليهم، بل هناك فئات أخرى من الناس عاشوا هذه الصفة كبعض الذين بلغوا سن التقاعد من الجنسين، ففي الوقت الذي ينبغي أن تكون هذه المرحلة من العمر مرحلة الاهتمام بالذات بشكل أكبر ومن جميع النواحي الروحانية والخلقية والعبادية والصحية والنفسية والاجتماعية، وممارسة الهوايات وتنمية بعض القدرات، والمطالعة في مختلف المجالات، والشروع ببعض المشاريع الخيرية والتطوعية وما شابه؛ لما تتسم به من خفة المسؤولية عادةً حيث الأبناء قد كبروا واعتمدوا على أنفسهم غالباً، إلا أن البعض وللأسف الشديد يفضل أن يهدر وقته ضياعاً، فتجدهم قد ملؤوا مقاعد المقاهي يوقدون سكائرهم بساعات عمرهم، ويحتسون أكواب قهوتهم الواحد تلو الآخر منبهين أجسامهم على ضرورة اتخاذ الكسل عملاً والخمول منهجاً، قد أدى إحساسهم بانتهاء رسالتهم في الحياة وفراغهم من تحقيق أهدافهم إلى شعورهم برتابة ما تبقّى من حياتهم؛ ولذا لا يجد بعضهم عملاً سوى الانشغال بحياة غيره فيتدخل فيما لا يعنيه، ويجهد عقله وتفكيره فيما لا ينبغي عليه، وعندئذٍ لا يجني لنفسه إلا الهم والشقاء، ولا يحصد من الآخرين سوى النفور والجفاء، في حين أن من يستشعر الهدفية في حياته لا يتوقف عن تطوير ذاته مهما كانت ظروفه ومهما تقدم في السن أو تراجع في الصحة. وقد يتصور البعض أن الكلام عن اللاهدفية هو كلام مبالغ فيه إذ إن المعلوم أن الكثير من البشر لهم أهداف وأحلام وأمنيات وطموحات منذ نعومة أظفارهم وحتى يُقبروا، نجيب نعم إن ذلك صحيح إلا أن وجود الهدف عند الإنسان غير كافٍ ما لم يقترن بوضعه حيز التنفيذ، من خلال وضع خطط لأجل ذلك، ومن ثم السعي الجاد إلى تحقيقه على أرض الواقع من خلال البحث عن الوسائل المتاحة والأدوات الممكنة لذلك. فكم من أهدافٍ وأحلامٍ قد عاشت في الخيال وماتت وقُبِرت بموت أصحابها دون أن تتنشق هواء الواقع! وكم نسمع من الكثير أنه يحلم بأن يفعل كذا وكذا، ويبني قصورا فارهة وحياة منعمة في ليله على صفحة خياله ولكن ما إن يصحو حتى يُذهب سلوكه اليومي بكل تلك القصور كما يذهب ضوء الشمس لمعان النجوم. إذن فعلى الإنسان أن لا يكون هادفاً وحسب، بل وعاملاً على تنفيذ هدفه، ساعياً وبكل جد إلى تحقيقه. وإلى جانب هذا الصنف من الناس نجد صنفاً آخر تراه هادفاً في مقتبل عمره باذلاً كل جهده في سبيل تحقيق هدفه، ولكنه ما إن يتحقق حتى يسترخي فيما تبقّى من حياته مقتنعاً بما حققه، في حين أن الإنسان الناجح لا يحقق هدفاً إلا وفي ذهنه هدفٌ آخر يحثّ الخُطى إليه. وللأهداف أهمية كبيرة في حياة الإنسان لأسباب كثيرة أهمها: أولاً: بالرغم من أن عمر الإنسان رأس ماله الذي لا يمكن تعويضه أبداً إلا أن الكثير من الناس يبعثره هنا وهناك دونما جدوى أو فائدة، ولذا فإن الالتزام بأهداف نحققها يجعلنا أكثر وعياً بـقيمة الزمن وأكثر حرصاً عليه، نستثمره لتغيير أوضاعنا نحو الأفضل، لا أن نبحث عمّا به يُقتَل. ثانياً: عدم استهداف هدف معين أو عدم التخطيط لتحقيقه هما السبب الأبرز في خسران الفرص في الحياة؛ لأن الفرص تمر مر السحاب، فما لم تكن واضحاً في أهدافك وطموحاتك، عارفاً بقدراتك وإمكانياتك قد لا تحسن استثمارها بالشكل الأمثل. ثالثاً: وضع الأهداف في الحياة ومن ثم العمل على تحقيقها ينقذان الإنسان من الإحساس بالتعاسة والحزن، ويقوده شيئاً فشيئاً نحو السعادة والنجاح؛ وذلك لأن الإنسان ــ كما يذكر علماء النفس ــ غالباً ما يشعر بالحزن عندما يكون غير مشغول فيسأل نفسه أهو سعيد أم لا؟ وأما في حال انشغاله فإنه قد لا تتاح له الفرصة ليسأل نفسه ذلك السؤال حتى. رابعاً: لابد من التأكيد على التنوع في الأهداف وتعددها قدر الإمكان لأن الحياة كثيرة التغير، دائمة التقلب، فقد يجتهد الإنسان ساعياً إلى هدف ما لكنه قد لا يتحقق لأمر خارج عن إرادته والمثال الأوضح هو هذا الكم الهائل من الخرّيجين الذين لم يحققوا هدفهم بالحصول على الوظيفة. وأخيراً فإن للأهداف سمات لابد أن تتسم بها وهــي: أولاً: المشروعية: أي لابد أن تكون الأهداف مشروعةً في الحياة، أي مباحة لا تشوبها حرمة ولا تكتنفها شبهة؛ لأن الأهداف غير المشروعة وإن كانت سريعة النمو وفيرة المكسب إلا أنها في الوقت ذاته تحيل حياة المرء إلى حياة مضطربة يشكو فيها من الضنك والتعاسة؛ لأن تلك الأهداف تحط من التوازن العام لشخصية الإنسان وتولد فيها صراعات عنيفة، الأمر الذي يُفقِده السلام الداخلي. ثانياً: انسجام الأهداف مع الهدف الأكبر: فلا يكفي أن تكون أهداف الإنسان مشروعة بل لابد أن تنسجم مع الهدف الأكبر ــ وهو عند المسلم تحقيق رضوان الله (تعالى) ــ وأن لا تتنافر معه في نتائجها وآثارها. فمثلاً عندما يكون هدف المرء الربح المادي فقط فهذا أمر مشروع ولا شبهة فيه فضلاً عن عدم الحرمة، ولكنه قد لا يكون منسجماً مع الهدف الأكبر والأسمى وهو رضوان الله (تعالى) فيما لو تعارض تحقيق هذا الهدف مع مدّ يد العون إلى يتيم ما أو معونة مسكين ما أو الانتصار لمظلوم ما، وعليه يُستحسن أن يكون هدف المسلم تحقيق الربح بمفهومه الأعم وعدم تقييده بخصوص الربح المادي فقط؛ ليكون أكثر انسجاماً مع هدفه الأكبر. ومما لاشك فيه أن مدى شعور المرء بأنه يحيا حياة طيبة ويعيش الانسجام والتناغم بين مطالبه الروحية والمادية يتوقف على مدى انسجام أهدافه مع الهدف الأكبر وما يقتضيه من قيم. ثالثاً: الملائمة: فلابد أن تكون أهدافنا ملائمة لما نملك من طاقات وموارد ولما نعيشه من ظروف، ولما نميل له ونتطلع إليه. ولا يُفهم من اشتراط كون الهدف ملائماً لابد أن يُتواضع فيه أو أنه الهدف الخالي من التحدي، بل على العكس هو الهدف الذي يتحدى المرء في سبيل تحقيقه الصعوبات، ويتغلب على المعوِّقات، من خلال تفجيره لما كمُن فيه من طاقات، واستخدامه لما أهمِل من موارد، ولا يعجز عن ذلك طالما كانت ضمن الحدود الممكنة. وأما الطموحات غير المتسمة بهذه السمة فإنها بلاشك إما أن تؤدي بالأفراد لأن يسلكوا طرقاً غير مشروعة لأجل تحقيقها، أو أن تؤدي بهم إلى الشعور بالعجز والانحسار، مسببةً لهم آلاماً نفسية وشعوراً بالتحطم والانهيار. ومن السبل التي يمكن من خلالها الجمع ببن الأهداف الكبيرة وإمكانية تحقيقها هو أن يضع المرء لتحقيقها أهدافاً صغيرة، فالهدف الكبير قد يمكن تحقيقه من خلال سلسلة من الأهداف الصغيرة التي يمكن أن تكون بعضها وسيلة للبعض الآخر، كالطريق الطويل تماماً الذي يمكن قطعه من خلال الخطوات الصغيرة. ولا يتحقق ذلك إلا بالصبر والأمل وتواصل العمل، وكما قيل: قليل دائم خيرٌ من كثير منقطع. رابعاً: المرونة: من الجميل أن نستشعر المتعة والراحة عند تحقيقنا لأهدافنا، إلا أن ذلك لا يكون إلا إذا أسبغنا عليها سمة المرونة، فالأهداف التي تفتقد تلك السمة تتحول إلى التزامات مقيدة لحرية الإنسان، حائلةً دون تحقيق رغباته. ومن سبل إضفاء المرونة على الهدف هو تحديده ضمن حدود دنيا وحدود عليا، فمثلاً من الأهداف الصغيرة التي تصب في هدف تطوير الذات هي المطالعة اليومية فمن المستحسن أن يكون مرناً بأن نحدد له من ساعة إلى ساعتين مثلاً، بدلاً من حصره بساعتين وحسب. خامساً: الوضوح: وهو من السمات المهمة جداً للهدف، إذ يمكن من خلالها معرفة نسبة ما أُُنجِز منه ونسبة ما لم يتم إنجازه بعد، كما يبين بوضوح المعوقات والعراقيل التي تعترض طريق تحقيق ذلك الهدف. بخلاف من لا يملك تلك السمة في أهدافه فتجده مضطرباً ضائعاً لا يعلم ما الذي أنجز؟ ولا يدري إلى أين وصل في تحقيقه لهدفه؟ كما يفتقر إلى تشخيص المعوقات بدقة. سادساً: تحديد توقيت لإنجازه: فالزمان ثروة هي في تناقصٍ دائمٍ أبداً شئنا ذلك أم أبينا، كما أن طاقاتنا قابلة للنفاد؛ لذا فمن الضروري تحديد سقف زمني معين لأهدافنا. ثم إن بعض الأهداف تفقد قيمتها الحقيقية إن لم تتحقق في الوقت المناسب، كالتفاهم بين الشركاء الذي لا يتحقق إلا بعد فشل المؤسسة مثلاً. كما أن بعضها لا ينتظر، فإما أن يُحقق في الوقت المناسب أو لا، فكم من مؤمن كان من أهدافه الزواج بفتاة مؤمنة تشاطره الرؤى والاهتمامات وتوافقه في الآمال والطموحات، إلا أنه لم يتحقق لإسدال ستار التواني عليه واللامبالاة. وختاماً فإننا كمؤمنين بأن لقاء الله (تعالى) أمرٌ لابد منه فحريٌ بكل منا أن لا يقتصر على ما يؤديه من عبادات، بل ويهيأ ما سيقدمه بين يدي خالقه من إنجازات، وفقنا الله وإياكم لذلك إنه سميع مجيب الدعوات.
اخرىخاطــــرة
بقلم: فاطمة الوائلي كوني زينبيةً في عباءتكِ كوني زينبيةً في حديثكِ كوني زينبيةً في جامعتكِ كوني زينبيةً في تعامُلكِ مع الناس كوني زينبيةً في تعامُلكِ مع والديكِ كوني زينبيةً في تصرفاتكِ كوني زينبيةً في كُلِّ سلوككِ فالسيّدةُ زينبُ (عليها السلام) تحمّلتْ كُلَّ هذه المُعاناة في يومِ العاشرِ من محرّم وأثناءَ سبيها إلى الشام من أجلنا؛ فلنُقدِّمَ لها شيئًا ولو كان بسيطًا من أجلِ إرضائها.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى