بقلم: علوية الحسيني "واهدني صراطًا مستقيما" بعد أن طلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من الله (تعالى) السلطان النصير, والفتح المبين, يطلب الهداية نحو الصراط المستقيم. وهذه الفقرة الدعائية -كسابقها- لها جذرٌ قرآني, وهو قول الله (تعالى): {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} (1). ولمعرفة ظاهر مغزى الإمام من دعائه هذا لا بُدَّ من التطرق إلى نوع الهداية التي يطلبها الإمام, ثم بيان المراد من الصراط المستقيم. •فالهداية التي يدعو الإمام بها هي "(الهداية التكوينية), التي بها يكون هاديًا مرشدًا, يوصل العباد إلى المطلوب منهم كمالًا. وقد مَنّ الله (تعالى) عليه بها, نتيجة علمه الأزلي بأنّ هذا العبد سيمتثل للتشريع بدقة, فكانت الهداية التكوينية عناية خاصة بالإمام" (2). إذًا من وظائف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هي هداية العباد بإيصالهم إلى الكمال، لكن ما هو ذلك الكمال؟ سنعرفه من خلال بيان المراد الظاهري من (الصراط المستقيم). •أما الصراط المستقيم؛ ففسّر بعدّة تفاسير, مع تعددها اللفظي إلّا أنّها تصب في معنى واحد, وسنأخذ منها: 1- الصراط المستقيم هو عبادة الله (تعالى): حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): حينما سُئل عن معنى قوله تعالى, قال: "﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ يعني أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك" (3). إذًا قد يريد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الرشيف) بدعائه هذا أن يعطيه الله (تعالى) طريق العبودية الخالصة, وأشرنا في حلقاتٍ سابقة إلى أنّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يعكس صدق العبودية لله (تعالى) ربّه, فها هو ذا يطلب منه العبادة المخلصة, المتناسبة مع جلالة مقام ربّه. ولو تأملنا في أواخر سورة الحمد, لوجدنا "أنّ الصراط المستقيم هو للذين أنعم الله (تعالى) عليهم, والمنعم عليهم هم النبيون, والصدّيقون, والشهداء, والصالحون, بدليل قول الله (تعالى): {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين}, وهم أعلى درجةً بالعلم والعمل من غيرهم" (4). فمن حيث العلم هم سادة التوحيد, أعرف الناس بربّهم, وبالأصول والفروع والأخلاق, ومن حيث العمل، فعصمتهم سيّدة مزاياهم, فلولا أنّهم لا علم بذلك لهم, ولا عمل, لـما طلبوا الوصول إلى الكمال, هم وأتباعهم. ومحل كلامنا ليس النبييّن (عليهم وعلى نبينا وآله السلام), بل في الصدّيقين, وهم الأئمة (عليهم السلام). نعم, إنّ هناك من الآيات الكريمة التي تفسّر بعضها بعضًا, فهناك استدلالٌ بالمباشر, يظهر منه أنّ الصراط يفيد (عبادة الله (تعالى)) كما يقول (تعالى): {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْـبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم} (5). فقد يطلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) طريق سلفه, وهو العبودية الحقة -مع تحققها فيه لكنه يطلب الأكمل-. أو ممكن أن نقول الوصول بنفسه إلى أعلى الكمالات, ثم بأتباعه, وهو التــوحيد الــحق -وإن كان الإمام حائزًا على أعلى درجات العبودية الحقة مقارنةً بنا, وعلى أدنى درجةٍ مقارنةً مع كمال الله (تعالى) الذي له الكمال المطلق- لكنه بـــشر, وجميع البشر يعيشون في عالم الاستكمال؛ حيث روي أنّ النبي وآله (عليهم السلام) يزدادون علمًا في كلّ ليلة جمعة؛ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَافَى رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) الْعَرْشَ وَوَافَى الأئِمَّةُ (عَلَيْهم السَّلام) وَوَافَيْتُ مَعَهُمْ فَمَا أَرْجِعُ إِلا بِــعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ وَلَوْ لا ذَلِكَ لَنَفِدَ مَا عِنْدِي" (6). وزيادة العلم تؤدي إلى زيادة العمل, فزيادة العلم بالله تعالى الذي هو أشرف العلوم وأكملها يؤدي إلى زيادة تجلي العبودية له. ومعه ممكن أن نقول: بالعلم المُزاد تتحقق الهداية, وبالعمل التابع له يتحقق الصراط. فلولا توحيد الإمام لربّه لما دعا بهذا الدعاء, مما يدل ظاهرًا على أنّ العلم (كالتوحيد) يسبق العمل (كالعبودية). وعليه, فقد يكون معنى دعاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هو أعطني تلك العناية الإلهية العلمية لأصل إلى درجة العبودية المحضة, أنا وأتباعي. "ولا شك أنّ عصر الإمام سيمتاز بالوحدة الفكرية؛ حيث الجميع سيؤمن بالله الواحد الأحد, وبالتالي ستسود الوحدة التوحيدية, بنشر الإمام كمال التوحيد, المعطى له نتيجة دعائه الذي هو لبّ التوحيد, -وقلنا أعلاه لولا أنّ الإمام غير مُهدى تكوينيًا, لما حقق الصراط- وعليه, فالإمام يطلب العلم ليعبد الله (تعالى), وبالدعاء يتعبّد ويطلب العلم به؛ فبالدعاء يصل الإمام إلى الله الواحد الأحد" (7). *فإن قيلَ: إنّ طلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) الكمال يعارض عصمته, فيفترض أنّه واصل إلى أعلى الكمالات! *فممكن أن يُجاب: بأنّ التكامل لن يتنافى مع العصمة, فهو أكمل الخلق جميعًا, عدا النبي الأكرم محمد, وأمير المؤمنين, والزهراء (عليها السلام) والحسنين (عليهم السلام). لا يوجد تنافي بين العصمة وطلب الكمال طالما أنّ الكمال طريقه لا متناهي. بل أنّ طلب الكمال ملحوظ حتى في دعاء النبي الأكرم, وأهل بيته (عليهم السلام)؛ فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أُمر أن يقول: (رَبِّ زِدْنِي عِلْما). وها نحن نصلي يوميًا على محمدٍ وآله (عليهم السلام), كما علّمنا القرآن الكريم على ذلك, والصلاة عليهم تعني طلب الرحمة والمقام الرفيع لهم, رغم أنّهم (عليهم السلام) قد حققوه. بل وصلّى على النبي وآله (عليهم السلام) قبلنا النبي وآله (عليهم السلام), وهنا هم يطلبون الكمال بفيض الرحمة عليهم, ونيل أعلى المنازل المادية والمعنوية" (8). وعليه, يكون دعاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) -بنيل الكمال بالهداية إلى صراطه- كمالاً من الكمالات. 2- الصراط المستقيم هو الإمام علي (عليه السلام): حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "الصراط المستقيم أمير المؤمنين (عليه السلام)" (9). فلعلّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) حينما دعا أن يهديه الله (تعالى) صراطًا مستقيمًا, من باب كون الإمام علي (عليه السلام) هو ميزان الأعمال بالعلم والعمل, بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لكون الإمام نفس النبي (عليهما السلام)؛ فللإمام علي من الكمال العلمي والعملي بالهداية والصراط ما للنبي (عليهما السلام). فقد يطلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) في دعائه أن يهديه الله (تعالى) صراطًا مستقيمًا كصراط الإمام علي (عليه السلام)؛ أي عبودية الإمام سيّد الموحدين, علي (عليه السلام), التي هي أعلى الكمالات العبادية, النابعة من أعلى الكمالات العلمية التوحيدية؛ كلّ ذلك لأنّ دولته عالمية كاملة, وسيّد الكمالات هو التوحيد الحق المتجلّي بصدق العبودية لله الواحد الأحد. __________________ (1) سورة الفاتحة: 6. (2) ظ: الميزان في تفسير القرآن: للعلاّمة الطباطبائي, ج1, ص34-35. (3) تفسير الإمام العسكري, ص44. (4) ظ: الميزان في تفسير القرآن: للعلاّمة الطباطبائي, ج1, ص30-31. (5) سورة مريم: 36. (6) الكافي: للشيخ الكليني, ج1, باب في أنّ الأئمة يزدادون في ليلة الجمعة, ح3. (7) ظ: الدعاء المهدوي وآثاره في بناء الفكر والعقيدة البناء التوحيدي أنموذجاً: للشيخ حميد عبد الجليل الوائلي, مجلة الموعود, العدد4/ذو الحجة/1438هـ. (8) ظ: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي, ج1, ص55. (9) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي, ج1,ص41, عن الفقيه, وتفسير العياشي. اللهم اهدِ وليّك واهدنا على يديه صراطًا مستقيما.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "وانصرني على من تعدّى محدودك" بعد أنْ يطلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) التوفيق لإقامةِ حدود الله (تعالى)، فإنّه يُردِفُ طلبه بأنْ ينصره على من تعدّى محدوده. وقد سبق وأن استظهرنا أنّ حدود الله (تعالى) هي الهرم الثلاثي للدّين, المتمثلة بالعقيدة والفقه والأخلاق, ومحدوده (تعالى) هو ذلك الهرم المنتهَك من قبل البعض؛ فالذين يتعدّون حدود أصول الدّين بجزئها أو كلّها, هؤلاء أعداءٌ لله (تعالى), يطلب الإمام أنْ ينصره عليهم, وكذا فروع الدّين, وأخلاقه. بل مع لوازمه المحققة لمجتمعه, كاقتصاد المجتمعات, وقوانينها, وطبّها. هذا كلّه نشير إليه بالخروج عن حدِّ الإجمال قليلاً؛ وذلك لاحتمال أنْ يكون نصر الإمام على من تعدّى على محدودات الله (تعالى), على عدّة أوجه, منها:- 1/ نـصرٌ فكري إنّ الإساءات التي توجهت لشخص النبي (صلى الله عليه وآله), والشبهات التي هدفها المساس بالإمامة وشخوص الأئمة (عليهم السلام)؛ كي يضعف التمسك بها لابُدَّ أنْ يدحضها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). فالحربُ هنا فكرية, ولا بُدّ أن يكون النصرُ فكريًا أيضًا؛ لذا يدعو الإمام أنْ ينصره الله (تعالى) على من أشعل نار تلك الحرب –وهم الكثير من أعدائه وذراريهم-؛ بإزاحة ستار كلِّ الشبهات عن تلك الشخوص المقدّسة, وتعريف الناس جميعًا بعصمتهم, ومقامهم المعنوي عند الله (تعالى). لذا روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أنْ لا إله الله وأنَّ محمدًا رسول الله"(1), وفي الحديث إشارةٌ إلى نصرِ دين الله (تعالى) مطلقًا -سواء على من يُشكك في ذلك الدّين أو على من يُحاربه-. والخلاصة: إنّ أصول الدّين ستنجلي عنها الشبهات, وسينتصر الإمام لأقدس الشهادات حين ظهوره, وهي شهادة (لا إله إلاّ الله, محمد رسول الله علي ولي الله). 2/نصرٌ فقهي إنّ الذين يتعدّون على فروع الدّين بالإنكار أو الاستخفاف أو الإيمان ببعض وعدم الإيمان بالآخر -كإنكار الخمس-, أو ينكرون السنة النبوية -قول وفعل وتقرير النبي والأئمة (عليهم السلام)- ويكتفون بكتاب الله (تعالى), ويزعمون أنّهم يستنبطون منه أحكامًا شرعية, ويكذّبون التراث الروائي الصحيح والمعتبر, أولئك هم حقًا أعداءٌ لرسول الله (صلى الله عليه وآله), وعدوُّ الرسول عدوٌ لله (تعالى), فلابُدّ للإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من الانتصار عليهم؛ لأنّهم لم يراعوا قدسية الحديث المتواتر الذي أوصى بالتمسك بالثقلين, ولم يُدركوا جهلهم بعلوم الدّين حتى وصل بهم الأمر إلى حدِّ إنكار التقليد والاجتهاد والاحتياط. فالإمامُ سينتصر على أولئك المنتهِكين لفروع الدّين بطرقٍ موكولةٍ إلى حين زمنها. والخلاصة: إنّ الفقه وأهله المخلصين سيُزكى ويُنصرون من قبل الإمام حين ظهوره. 3/ نـصرٌ أخلاقي الظلمُ خُلُقٌ قبيحٌ, فلا وجود له في الدولة العادلة, لذا يستعين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بالله (تعالى) ويطلب منه النصر على الظالمين الذين تعدّوا حقوق المظلومين, والظلم الذي تعرّض وسيتعرّض له الإمام هو ظلمٌ لأهل بيته ولجميع أتباعه. فلو أردت استضعاف دولةٍ ما لا يكفي أنْ تظلم فردًا أو عشرةَ أفرادٍ من تلك الدولة مثلًا, بـل تظلم قائدها وحينئذٍ سترى الاستضعاف بادٍ على جميع مفاصلها ومواطنيها. نعم, ممكن أنْ يُصب الظلم على الرعية بتعليمهم قبيح الأخلاق؛ حتى يُشكِّلوا عقبةً صعبةَ المعالجة في أوائل فترةِ ظهور الإمام, كتعليمهم السرقة والكذب والخيانة وما شابه ذلك, حتى روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ الأمر سيصل إلى حدِّ سرقة ثياب المصلي! وأيُّ سوءِ خلقٍ أشنع من هذا! فقد روي عنه أنّه قال: "... ورأيت الرجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع، وليس عليه شيء من ثيابه"(2). وبالتالي إنّ النصر الذي سيحققه الله (تعالى) للإمام من هذه الناحية هو نصرٌ أخلاقي؛ بانتصار القسط والعدل والخلق الحسن على الظلم والجور والخلق السيء. والنصرُ متحققٌ جزمًا لا محالة, حيثُ إنّ الإمامَ نفسَه أولُ المظلومين المستضعفين, لذا نجد أنّ الوعد الإلهي صريحٌ بأنْ يجعله الله (تعالى) وارثَ الأرض وحاكمها بعد الظلم والاستضعاف. قال (تعالى): {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين}(3) فبوراثته الأرض سينتصر على العتاة الظالمين أخلاقيًا. والخلاصة: إنّ الأخلاق ستبلغ أوج درجاتها على يدِ الإمام حين ظهوره. 4/ نصرٌ اقتصادي من الواضح أن بعض التجار الكبار يحتكرون البضائع, ويستضعفون الصغار منهم, حتى بدا السوق وكأنّه ملكٌ لهم, فانتشر الظلم الاقتصادي بسبب لؤمهم, وسوء تصرفهم؛ روي عن الإمام علي (عليه السلام): "... ويملك المال من لا يكون أهله، لكع [لئيم] من أولاد اللكوع [اللئام]"(4). هذا فضلًا عن سوء التدبير الاقتصادي كتلف المنتوجات بسبب سوء خزنها, فلعل ذلك يكون من أهم أسباب انتشار القحط والجوع قبل ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، حيثُ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنَّ قدّام قيام القائم علامات: بلوى من الله (تعالى) لعباده المؤمنين، قلت: وما هي؟ قال: ذلك قول الله (عزّ وجل): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]، قال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعنى المؤمنين،... ﴿وَالْجُوعِ﴾ بغلاء أسعارهم، و ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ﴾ فساد التجارات وقلة الفضل فيها،... ﴿وَالثَّمَراتِ﴾ قلة ريع ما يزرع وقلة بركة الثمار، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بخروج القائم (عليه السلام)..."(5). أضف إلى ذلك أنّ المجتمع الذي تتفشى فيه المعصية ترتفع البركة عنه, وتقل خيراته؛ روي عن الإمام علي (عليه السلام): "إنَّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات"(6). لذا سينتعش الاقتصاد في زمن ظهور الإمام, حتى يخرج من الأرض بركاتها, ويضع قانونًا اقتصاديًا يحفظ منتوجاتها, وتكثر السماء ببركته مائها؛ رويَ أنّه "إذا قام القائم حكم بالعدل...وأخرجت الأرض بركاتها"(7). كما "وهناك أسبابٌ عديدة لا يسع المقام لنقلها فيها إشارة واضحة إلى كيفية النصر الاقتصادي الذي سيحققه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) حين ظهوره"(8). والخلاصة: إنّ الاقتصاد سيزدهر في دولة العيش الرغيد في زمن ظهور الأمام. 5/ نصرٌ قانوني لاشك أنّ القوانين الوضعية لم تُحِطْ علمًا بجميع مصالح البشر, كما أنّ عدم تطبيقها على الجميع نتيجةَ التمييز بين الطبقات الحاكمة والمحكومة, والمُتحزبة والفقيرة, أدى إلى عدم المساواة وتفشي الظلم. بل بات أخذُ الرشوة من بعض القضاة والمحامين وموظفي الدولة أمرًا طبيعيًا, حتى تجرّأ أقل المواطنين مهنةً على طلب الرشوة, وانتشر الفساد المالي, والخيانات الإدارية. فهذا وأمثاله لا يرضى به الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), وبالتالي سينتصر على كلِّ تلك الظواهر السلبية نصرًا قانونيًا؛ من خلال حكمه بالقانون الشرعي الإلهي, الذي يراعي مصالح جميع البشر, وينشر العدل. روي عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "...تاسعهم قائم أمتي ، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا"(9). كما وسيحكم الإمام بإلهامٍ من الله (تعالى)؛ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا قام قائم آل محمّد (عليهم السلام) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بيّنة، يُلهمه الله (تعالى) فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم"(10), الأمر الذي ينفي كلَّ شكٍ في حكمه (عجّل الله فرجه الشريف), وإنّ هذا لنصرٌ عظيمُ على من يحكم بالظن, أو يرتشي ليقبل شهادة زور. ولا إشكالَ أبدًا بحكمِ الإمام وفقًا لحكم النبي داوود (عليهما السلام), ولا منقصة؛ لعدّة أسباب, أهمها: "إنّ النبي داوود (عليه السلام) كانت يشارك الإمام بتبليغ أركان الدّين, وهي التوحيد والنبوة, بالإضافة إلى عقيدتنا في عصمة الأنبياء جميعهم, وضرورة الإيمان بهم وأخذ الدروس من حياتهم, وأنّ النبي داوود ليس نبيًا لليهود فحسب, وإنّما بُعِثَ لهم, فلا مانع من أنْ يُعطي الله (تعالى) للإمام كيفية حكم ذلك النبي, وهو الحكم بالعلم اللدني"(11). والخلاصة: أنّ السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية لدولة الإمام ستتحلى بالعدالة والشفافية والنزاهة بقيادته (عجّل الله فرجه الشريف), فلا ارتشاء, ولا ظلم, ولا حكم مبني على الظن. 6/ نصرٌ طبّي باتتِ المجتمعات تعاني الويلات من التدهور الطبي لمرضاها, إمّا لعدم اكتشاف المسبب الحقيقي لبعض الأمراض, أو لقلّة الإمكانيات المادية لتوفير العلاج, أو لخطأ التشخيص, أو لسوء التدبير في الحدِّ من انتشار الأوبئة المعدية, وأمثلة كثيرة تشير إلى ذلك التدهور. وعلى الرغم من التطور العلمي الطبي, لكنك لا تجد ولو دولة واحدة تعيش بمجتمعٍ صحي نقي, إذ كلّ المجتمعات لا تخلو من العلل والأمراض، فمنها ما ينتقل بالعدوى, ومنها ما لا شفاء منها بصيرورتها مزمنة, فضلًا عن قلّة الثقافة الطبية عند أغلب الشعوب. فالإمامُ المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) في دولته سينتصر على جميع تلك الحالات غير الصحيحة في المجال الطبي, كيف لا وقد كان أجداده (عليهم السلام) ببركاتهم يشفى المريض, فالطب الجسدي والروحي علمه عندهم أيضاً. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهةٍ برأ، ومن ذي ضعفٍ قوي"(12). والعاهةُ هي المرض, أما الضعفُ فهناك من العلماء من احتمل أمرين, هما: *أن يكون ذلك الضعف ضعفًا جسديًا بسبب الأمراض, ومعنويًا بسبب الحالات النفسية. *أو أنْ يزول ضعف المريض في دولةِ الإمام ويُبدله الله (تعالى) قوةً؛ اعتمادًا على قرينةٍ منفصلةٍ, وهي قولٌ رويَ عن الإمام السّجّاد (عليه السلام): "إذا قامَ القائمُ أذهب الله عن كلِّ مؤمنٍ العاهة، وردّ إليه قوّته"(13), وهذا بحدِّ ذاته انتصارٌ على المرض واستئصاله. ونصرٌ "كهذا الانتصار وغيره في المجال الطبي لا يسع المقام لاقتباسه, توكل مراجعته إلى مصدر تحليله"(14). والخلاصة: إنّ الإمام سينتصر على الأمراض, ويحقق مجتمعًا طبيًا واعيًا صحيًا. _______________________ (1) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, باب27 , ح89. (2) شرح اصول الكافي: للمازندراني, ج11, ص317. (3) سورة القصص: 5. (4) إلزام الناصب في اثبات الحجة الغائب: للشيخ علي اليزدي الحائري, ج2, ص261. (5) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, باب14, ح5. (6) نهج البلاغة, خ143. (7) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, باب27 , ح83. (8) ظ: دراسة مقارنة للوضع الاقتصادي بين الغيبة والظهور: للشيخ ماهر الحجاج, مجلة الموعود, العدد8/ ذي الحجة/ 1440هـ. (9) كمال الدين واتمام النعمة: للشيخ الصدزق, ج1, ص256. (10) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, باب 27, ح86. (11) إشكالية حكم الإمام المهدي عجل الله فرجه بشريعة داود: لحميد عبد الزهرة, مجلة التنتظار, العدد 12/ محرم/ 1429هـ. (12) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, باب27, ح68. (13) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, باب21, ح2. (14) ظ: دولة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف: السيّد مرتضى المجتهدي السيستاني, مصدر إلكتروني. اللهم انصره وانتصر به, وارزقنا العيش في دولته, بلطفك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "ووفّقني لإقامة حدودك" إنّ من أهم وظائف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هي تبليغ رسالات الله (تعالى), فيدعو لنفسه, ويطلب التوفيق من الله (تعالى) حتى يقيم حدوده (تعالى). وحدود الله (تعالى) هي الإيمان به وبرسوله –وما يلزم ذلك-؛ لقوله (تعالى): {ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّه} (1). وحدود الله (تعالى) هي حدود نبيّه محمد (صلى الله عليه وآله)؛ بدليل قوله (تعالى): {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيها وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين} (2). لعلها هذه إشارة من الإمام إلى خطورة فصل الكتاب الكريم عن السنة النبوية, وبالتالي فمن يقل: حسبنا كتاب الله، فقد تعدّى حدود الله تعالى, وظلم نفسه؛ لأنّه فرّق بين الإيمان بالله (تعالى) وبرسوله (صلى الله عليه وآله), ومن ظلم نفسه فله عذابٌ أليم؛ قال تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرا}(3), ونِعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله. وكلّ إنسانٍ يعقل أنّ أشد أنواع الظلم هو التجري على حدود الخالق تعالى التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله), حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} (4)؛ أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وسطوته. فمن لطف الله (تعالى) بالعباد هو ظهور الإمام لإنقاذ الأنام. إذًا حدود الدّين هي سياج الدّين, المتمثلة بالعقيدة والفقه والأخلاق, المستمدة من النبي محمد وآله (عليهم السلام), وهي –أو على الأقل البعض منها- في زمن الغيبة معوجة, تحتاج إلى إقامة, أي تعديل الانحرافات, ومقيم العوج هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), والمؤمن يندب إمامه كلّ جمعة قائلًا: "أَيْنَ المُنَتَظَرُ لإقامَةِ الأَمْتِ وَالعِوَج؟". ومن مظاهر ذلك العوج في حدود الله (تعالى): ■أوّلًا: حدود الله (تعالى) العقائدية: فأصول الدّين باعتقاد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) خمسة -التوحيد, العدل, النبوة, الإمامة, المعاد- وبالتالي يرى في كلّ أصلٍ اعوجاجًا, فيعمل على تعديله؛ ببيان الحق. 1/ على مستوى الاعتقاد بالتوحيد: فعقيدةٌ تقول بأنّ الذات الإلهية مركّبة, وبمغايرة الصفات الذاتية للذات الإلهية, وتنسب الصفات السلبية ولوازمها لله (تعالى) كالجسمية, والرؤية البصرية, والمكان, والجهة -مثلاً-, وتجمد على ظواهر الألفاظ, فتثبت الصفات الخبرية لله (تعالى) بلا تأويل, لهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة, فيها تعدٍ على أعظم حدود دين الله (تعالى), وهو التوحيد. فهنا الإمام يُقيم حدود الدّين؛ ببيان التوحيد الصحيح, بأنّ التوحيد هو الاعتقاد ببساطة الذات الإلهية, ونفي التركيب عنها. وأنّ الله (تعالى) له صفات ذاتية هي عين ذاته. وأما الصفات السلبية فيجب سلبها عنه (تعالى) كالرؤية البصرية -مثلًا-؛ لأنّها تجعل المرئي جسمًا, والجسم محتاج إلى أجزائه, والمحتاج ليس بإله, والله هو الغني الحميد. ويبيّن للناس ضرورة تأويل بعض الصفات الخبرية, كتأويل (يد الله بقدرة الله تعالى), و(وعرش الله بعلم الله تعالى), وغيرها من الصفات التي أخبر بها القرآن الكريم. وحيث إنّ الإمام هو من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب, فيُعلّم الناس ذلك التأويل؛ ليُنزهوا الله (سبحانه وتعالى). 2/ على مستوى الاعتقاد بالعدل الإلهي: فعقيدةٌ لا تقول بركنية العدل الإلهي ضمن اصول الدّين, وتقول بأنّ الله (تعالى) يجبر عباده على المعصية, أو أنّه (تعالى) فوّض إليهم أمور حياتهم استقلالًا عنه (تعالى), لـهي عقيدةٌ معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان الاعتقاد الصحيح بالعدل الإلهي؛ فيُعلّم الناس أنّ العدل الإلهي ثاني أصل من أصول الدّين, ويجب الاعتقاد به, وأنّه لا جبر ولا تفويض, وإنّما أمرٌ بين أمرين, فليس الله (تعالى) يجبر الناس على ارتكاب المعاصي ثم يعذبهم فيكون ظالمًا لهم, وليس يفوّض إليهم الأمر استقلالًا عنه (تعالى) فيكون غير قادرٍ على صرف شيٍء منهم أو عنهم. وإنّما الاعتقاد الصحيح بعدله (تعالى) هو أنّه خلق العبد مختارًا في الفعل والترك مع احاطة قدرته بهم. 3/ على مستوى الاعتقاد بالنبوة: فعقيدةٌ تنسب الخطأ والسهو والنسيان للأنبياء (عليهم السلام) عمومًا, وللنبي محمد (صلى الله عليه وآله) خصوصًا, لـهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان أنّ الاعتقاد الصحيح بالنبوة العامة والخاصة يكون بتنزيه النبي عن الخطأ والسهو والنسيان, في تلقي الرسالة السماوية, وتطبيقها, وتبليغها، وأنّه معصوم عن الكبائر والصغائر قبل البعثة وبعدها. وضرورة القول بعصمة جميع الأنبياء, والإيمان بهم, وبكتبهم, إلّا المحرّف منها, فسيأتي الإمام للناس بالتوراة والإنجيل الصحيحين. 4/ على مستوى الاعتقاد بالإمامة: فعقيدةٌ تقطع حبل الخلافة من بعد رسول الله (تعالى), وتجعل عباد الله (تعالى) سدى بلا هادٍ, وتخالف ما تواتر من حديث -كحديث الغدير والثقلين- حينما أوصى رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخلافة من بعده إلى الإمام علي وذريته (عليهم السلام), بل وتطعن بعصمة من أذهب الله (تعالى) عنهم الرجس, وتنكر إمامتهم, وتفضّل من هم دونهم عليهم, لـهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان ضرورة الاعتقاد بالإمامة كلطف من الله (تعالى) بعباده؛ حيث لم يجعلهم سدى بلا وليٍ هاد, بل وهي مكملة للنبوة, وكل ما ثبت للنبي يثبت للإمام -ما عدا الوحي والمعجز-. ويبيّن للناس الملازمة بين أصل الإمامة وأصول الدّين التي تسبقها؛ فمن أنكر الإمامة فقد أنكر النبوة, ومن أنكر النبوة فقد أنكار العدل الإلهي والتوحيد. كما ويبيّن لهم اهمية الاعتقاد بعصمة الإمام, ووجوب طاعته, وحيثُ إنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هو الحاكم العالمي آنذاك, وولي الأمر, فيوجب عليهم طاعته؛ بأمرٍ من الله (تعالى) حينما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} (5). 5/ على مستوى الاعتقاد بالمعاد: فعقيدةٌ تقول بفناء النار, وإنكار الشفاعة, ومسائل نخشى الله (تعالى) من ذكرها, لهي عقيدة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فهنا الإمام يقيم حدود الله (تعالى)؛ ببيان العقيدة الحقة بالمعاد حين ظهوره. ■ثانيًا: حدود الله (تعالى) الفقهية: ففروع الدّين التي يتعبد بها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) –حسب ما وصلنا عن آبائه عن جدهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وعليهم) هي: الصلاة, الصوم, الخمس, الزكاة, الحج, الجهاد, الأمر بالمعروف, النهي عن المنكر, التولي لأولياء الله تعالى, التبري من أعداء الله تعالى. والعبادة بغير تلك الفروع عبادة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان ضرورة التعبّد بفروع الدّين هذه, كما ويبيّن كيفيتها الواقعية, فتنحل المذاهب الفقهية, وتذوب الرؤى المختلفة, وتحلّ الأحكام الواقعية محل الظاهرية, فلا تقليد, ولا استنباط حكمٍ, ولا فتوى, ولا احتياط, ولا حتى اجتهاد, بل حُكم الله (تعالى) الواقعي يؤخذ من خليفته على أرضه, الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). وسبب تعبّد الأمة في زمن الغيبة بالأحكام التي أغلبها ظاهرية راجع إلى عدّة أسباب, "وقد تمت الإشارة إليها سابقًا, في شرح فقرة (وأحي بي ما درس من فروضك وسننك), والتي من أهمها ابتعادنا عن زمن النص" (6). إذًا, فالإمام يرى في كلّ فرعٍ اعوجاجًا, فيعمل على تعديله؛ ببيان الحق, وإن كان (بعض) ما تم التعبّد به مخالفًا للحكم الواقعي الذي يأتي الإمام ببيانه؛ وذلك أفضل من الوقوع في الشبهات عند الشك في واقعةٍ لم يصلنا حكمها. 1/ على مستوى التعبّد بالصلاة: فصلاةٌ يتوضأ لها بغسل القدمين, ويتكتف فيها المصلي, ويتشبه بالمجوس, ويجعل من كلمة (آمين) جزءاً من القراءة, لـهي صلاةٌ معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة وتعديل؛ لكونها غير صلاة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله). فهنا يبيّن الإمام للناس الصلاة الواقعية التي يريدها الله (تعالى) من عباده. 2/ على مستوى التعبد بالصيام: فصيامٌ لم يراعَ فيه مفطرية بعض المفطرات, ويستنبط لبعض أحكامه من بعض الاجتهادات الشخصية غير القائمة على دليل قطعي, لـهو صيامٌ معوج, يحتاج إلى إقامة. فهنا يبيّن الإمام للناس الصوم الواقعي الذي يُريده الله (تعالى) من عباده, بكافة تفصيلاته. 3/ على مستوى التعبّد بالخمس: فعبادةٌ لله (تعالى) مع انكار الخمس كفريضة, أو حصر موردها بالغنائم الحربية, لـهي عبادةٌ معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فهنا يبيّن الإمام للناس ضرورة التعبّد بهذه الفريضة بأحكامها الواقعية. 4/ على مستوى التعبّد بالزكاة: فلا شك أنّ التعبّد بأحكامها الظاهرية يحتاج إلى إقامة. فيبيّن الإمام للناس أحكامها الواقعية من بلوغ حد النصاب الشرعي, ومواردها, وشروط مستحقها, وسائر تفرعاتها. 5/ على مستوى التعبّد بالحج: وكذا التعبّد بالحج لا يخلو من أحكام ظاهرية, (قد) لا تصيب الواقع, فتحتاج إلى إقامة. فيبيّن الإمام للناس أحكام الحج الواقعية. 6/ على مستوى التعبّد بالجهاد: التعبّد بالجهاد سواء أكان عينيًا أو كفائيًا لا يختلف حكمه عن سائر العبادات من حيث عدم خلوّه من الأحكام الظاهرية التي (قد) لا تطابق الواقعية, فبالتالي تحتاج إلى إقامة. فيبيّن الإمام للناس أحكام الجهاد الواقعية, لا سيما وأنّ أمر الجهاد سينحصر صدوره منه (عجّل الله فرجه الشريف), وبما أنه معصوم فيرى الحكمة في إصدار أمر الجهاد حسب الواقع المعاش آنذاك. 7/ على مستوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عبادتان لا تنفكان عن بعض, أمرٌ بمعروف, وإلى جنبه نهيٌ عن منكر مقترف, لعلهما في زمن غيبة الإمام لم يطبقا تمام التطبيق؛ لضعف موقف الآمر الناهي -أحيانًا. أو لتملص البعض عن القيام بها رغم توفر الظروف المناسبة, وهذا عوج يحتاج إلى إقامة. ففي زمن ظهور الإمام يبيّن لهم ضرورة التعبّد بها, واعتماد نظام التناصح بين المسلمين. 8/ على مستوى التعبّد بتولي أولياء الله (تعالى) والتبري من أعدائه: فعبادةٌ بكافة فروع الدّين مع تماهل, أو مجاراة الآخر على حساب (التولي والتبري) من دون تقية لهي عبادة المنافقين, والله (تعالى) لا يحب المنافقين, وبالتالي هي عبادة معوجة منحرفة, تحتاج إلى إقامة. فيبيّن الإمام للناس أهمية موالاة أولياء الله (تعالى), والبراءة من أعدائه, ويأتي بأدلة واقعية, ويحوّل لقلقة الألسن القائلة (إنّي موالٍ لكم ولأوليائكم, معادٍ لأعدائكم) إلى واقع في زمن ظهوره. ■ثالثًا: حدود الله (تعالى) الأخلاقية: هنا على مستوى الأخلاق لا حاجة للتفصيل؛ إذ يكفي واقع الحال الأخلاقي في زمن الغيبة, وإن كان كلّ منّا يعيش في عالم الاستكمال, إلّا أنّه لم يبلغ حدّ الكمال, ومنه الكمال الأخلاقي. وبالتالي لم يتخلّق أحد -سوى المعصوم- بأخلاق الله (تعالى) بالمستوى المطلوب والممكن له, وهذا الحد من حدوده (تعالى) يحتاج إلى إقامة. فيبيّن الإمام للناس ضرورة التخلّق بأخلاق الله (تعالى), وينهى عن الرذائل الخلقية. وهذا هو الواقع الذي يريده الله (تعالى) من عباده. __________________ (1) سورة المجادلة: 4. (2) سورة النساء: 14. (3) سورة الكهف: 87. (4) سورة البقرة: 199. (5) سورة النساء: 59. (6) ظ: تجليات معرفية في الخطاب المهدوي, ح10. اللّهم وفّق وليّك لإقامة حدودك, وأكحل ناظرنا بواقعك.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "فإذا أذنت في ظهوري فأيّدني بجنودك واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيّدين وفي سبيلك مجاهدين وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين". هنا ينتقل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بدعائه إلى مجريات ما بعد الظهور العلني, ويكرر افتقاره إلى خالقه الله (تعالى), فيطلب التأييد والنصر؛ لأنّهما لازمان, لا ينفكان إلاّ بمعجز, وحيث إنّ أصل أغلب مهام الإمام ليست إعجازية, وإنّما تعتمد على البراهين, واجتماع عدّة أمور -كما سيأتي- لذا طلب التأييد الحسي. *قوله: "فإذا أذنت في ظهوري" إشارةً منه إلى أنّ زمن الظهور العلني راجع إلى الله (تعالى) -رغم علم الإمام به أيضًا-, حيث أنّ تقديم أو تأخير ظهور الإمام أمرٌ ممكن بالنسبة لله القادر, وقدرته (تعالى) تتعلق بكل ممكن. ولعلها إشارة من الإمام إلى إلجام أفواه الغلاة من الأنام, الذين يقولون باستقلال الإمام عن الله (تعالى) بعلم الغيب, حيث يخاطبون الإمام بــ: (لِمَ لا تظهر؟)!. *وقوله: "فأيّدني بجنودك" الفاء هنا عاطفة, فبعد أن طلب الظهور, يطلب التأييد بجنودٍ, نسبهم إلى الله (تعالى) مباشرةً, فقال: "بجنودك". وظاهر الكلمة يدل على ثلاثة معان, وكلّها تنسب لله (تعالى). المراد من طلب التاييد هو: 1/ طلب التأييد بالأنصار, وهو ما أكدته الروايات الشريفة، مثل ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "لا يَخْرُجُ القَائِمُ (عليه السلام) حَتَّى يَكُونَ تَكْمِلَةُ الحَلْقَةِ. قُلْتُ: وَكَمْ تَكْمِلَةُ الحَلْقَةِ؟ قال: عَشَرَةُ آلافٍ، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِه، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسارِه"(1). ولذا عد بعض الباحثين أن اكتمال عدد الأنصار من شرائط الظهور. وفي الحقيقة فإنّ هذا الشرط كان مفقودًا عند المعصومين (عليهم السلام), لذا كانوا لا يتحركون بالثورة، فهذا أحد الأسباب التي دعتهم الى ذلك. ومن هنا روي أنّ الإمام الصدق (عليه السلام) قال لسدير: "... وَاللهِ يَا سَدِيرُ لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُود"(2). 2/ طلب التأييد بالملائكة, كما أيد الله (تعالى) نبيه بهم في معركة بدر، قال (تعالى): {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِين}(3). والروايات الدالة على هذا المعنى عديدة، منها: ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "يُبَايَعُ القَائِمُ بِمَكَّةَ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَيَسْتَعْمِلُ عَلَى مَكَّةَ، ثُمَّ يَسِيرُ نَحْوَ المَدِينَةِ، فَيَبْلُغُهُ أَنَّ عَامِلَهُ قُتِلَ، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَيَقْتُلُ المُقَاتِلَةَ، وَلا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ يَنْطَلِقُ فَيَدْعُوا النَّاسَ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ... حَتَّى يَبْلُغَ البَيْدَاءَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ، فَيَخْسِفُ اللهُ بِهِم"(4). وكذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إِذَا قَامَ القَائِمُ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ) نَزَلَتْ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ وَهُمْ خَمْسَةُ آلَافٍ، ثُلْثٌ عَلَى خُيُولٍ شُهْبٍ، وَثُلْثٌ عَلَى خُيُولٍ بُلْقٍ، وَثُلْثٌ عَلَى خُيُولٍ حُوٍّ»، قُلْتُ: وَمَا الحُوُّ؟ قَالَ: «هِيَ الحُمْر »"(5). 3/ طلب التأييد بالأنصار والملائكة معًا، وهو احتمال وارد أيضًا؛ فبعض الروايات جمعت التأييد بالأِنس من الشيعة المخلصين, وبالملائكة, والجن, وحتى الرعب, منها: ما روي عن أبي حمزة الثمالي أنّه قال: "سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرائيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر"(6). والرعب الذي يؤيد الله (تعالى) الإمام به, وينصره به على اعداءه, خير سلاحٍ, "وهو إلقاء الرعب في قلوبهم بمجرد سماعهم بتحركات الإمام, فيعينونه على النصر عليهم"(7). ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "...يظهر رَجُلٌ مِنْ وُلْدي، يَمْلأ الأرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرَاً وَظُلْمَاً ...وَيُؤَيّدُهُ اللهُ بالْمَلائِكَةِ، والجنّ، وَشِيعَتِنَا الْمُخْلِصين"(8). ولعلّ انتصاره بالجن يكون على الجن الطالح الذي يسخره أعداء الإمام للحرب, ولعلّ الله (تعالى) يسخر الجن لخدمة الإمام كما سخرهم للنبي سليمان (عليه السلام). *وقوله: " واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيّدين" دعاء منه لأتباعه بأن يؤيدهم الله (تعالى) بنفس التأييد الذي أيّده به (بالملائكة, والجن, والإنس من الشيعة المخلصين, والرعب), وهذا ليس بمحال؛ فسبق وأن أيّد الله (تعالى) بالملائكة أم النبي موسى (عليهما السلام), فكذا أتباع الإمام. وأمّا تأييد الأتباع بالجن, والشيعة المخلصين, والرعب, فهو لازم نصرة الإمام, وفي ذلك نصرة الدّين. *وقوله: "وفي سبيلك مجاهدين" استمرار منه (عجّل الله فرجه الشريف) في دعائه لأتباعه, فبعد أن طلب لهم التأييد, يطلب لهم بلوغ منزلة المجاهد في سبيل الله تعالى, ولا يبعد أن يقصد الجهاد بكافة أقسامه -فكرياً, وبدنياً, ونفسياً, ومالياً-, ولهذا يمتاز أتباع الإمام عن غيرهم بهذه الميزات. *وقوله: "وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين" هنا كأنّ الإمام يشير إلى الوحدة بينه وبين أتباعه؛ فمن يرده من أعدائه بسوء, يرد السوء بأتباعه, وهذه قرينة حالية تكشف عن معنى كلامه السابق " واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيّدين"؛ فكما يطلب دفع السوء عن نفسه, وعن أتباعه, فكذا طرق تأييده هي طرق تأييد أتباعه -مع فارق اختصاص الإمام بالمعجز دونهم-. وأمّا السوء الذي يطلب الإمام من الله (تعالى) صرفه عنه وعن أتباعه فقد تم التطرق له عند شرح الفقرة السابقة من دعائه: " واحجبني عن أعين الباغضين النّاصبين العداوة لأهل بيت نبيّك ولا يصل منهم إليّ أحد بسوء"(9). فطلب الإمام صرف سوء المعنوي والمادي مشمول بدعائه لأتباعه. وأما النصر الذي سيحققه أتباع الإمام -الذين سيرجعون للحياة الدنيا والذين يعاصرون زمن ظهوره- فسيأتي تفصيله عند شرح الفقرة التاسعة عشر من هذا الدعاء. _______________________ (1) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, ب19, ح2. (2) الكافي: للشيخ الكليني, ج2, باب في قلة عدد المؤمنين, ح4. (3) سورة آل عمران: 124-125. (4) بحار الأنوار: للعلاّمة المجلسي, ج52, باب 26, ح83. (5) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, باب13, ح44. (6) المصدر السابق, ج1, ص237-238. (7) ظ: موجز دائرة معارف الغيبة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه), 67/ 431. (8) ارشاد القلوب: للديلمي,ج2, ص286. (9) ظ: تجليات معرفية في الخطاب المهدوي, ح16. اللّهم أيّده وأتباعه بجندك, وأنصره بنصرك, بحق أكرم الخلق عليك.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "واحجبني عن أعين الباغضين النّاصبين العداوة لأهل بيتِ نبيّك ولا يصل منهم إليّ أحد بسوء" سبق وأنْ دعا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بأولِ فقرةٍ من فقرات دعائه بالاحتجاب عن عيون أعدائه؛ حيث قال: "اللّهمّ احجبني عن عيون أعدائي". فلعلّ الإمام بدايةً أجمل, ثمّ فصّل, فعدّد مصاديق أعدائه. وهذا نظيرُ إجمالِ الله (تعالى) بدايةً في بيانِ قضية فلاح المؤمنين, ثم تفصيله وإعطائه صفاتهم(1). وطلبُه (عجّل الله فرجه) الاحتجاب من سوء الباغضين, الناصبين العداء له ولأهل البيت (عليهم السلام) طلبٌ واقعي, وليس وجدانيًا فقط, بل هو أعم كما سيأتي البرهان على ذلك. *قوله: "احجبني" هو طلبٌ للاحتجاب, من الفِعل "حجَبَ: الحجاب: الستر. حجبَ الشيء, يحجبه حُجبا وحِجابا, وحجبه: ستره. وقد احتجب وتحجب إذا اكتنّ من وراء حجاب"(2). *وقوله: "الباغضين" جمع باغض, وهو فاعل البغض "نقيض الحب"(3). *وقوله: "الناصبين العداوة لأهل بيت نبيّك"، النصب معناه نصبُ الحرب نتيجة العداء, يقال: "أنصبت لفلانٍ نصباً، إذا عاديته وناصبته الحرب مناصبةً"(4). فكل مَن ينصب العداء لمحمدٍ وآل محمد (عليهم السلام), فهو ناصبي. وظاهرًا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) يدعو بدفعِ السوء الصادر منهم بكافةِ أقسامه. وقد أردف الإمام صفة الناصبين بعد الباغضين, ولعله بلحاظ النظر إلى وحدةِ هدف الطائفتين، نعم, قد تختلفان في الدّين, بل والمذهب, لكنهما تشتركان في بطلان المنهج بطلانًا محضًا, وما يترتب عليه كالإساءة إلى من يخالفهما؛ بدليل اختلاف دعوتيهما عن دعوة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), الحق المحض. •ومن مصاديق تلك الفئات: 1/ اليهود تُعدُّ اليـهود إحدى الفئات المبغضة للإمام المهدي ( عجّل الله فرجه الشريف), ولا يخفى خبث المشاريع الماسونية التي تحاول خداع الناس بكون (الدّجال) هو المنقذ العالمي الموعود, ولو باستعمال الأكاذيب قبل زمان خروجه للناس, وبالخدع البصرية حين ظهوره. 2/ النصارى إنّ عداء النصارى للإسلام عمومًا, ولآخر إمام حقٍ خصوصًا, ليس كعداء اليهود, فهناك مشتركات بين المسلمين والنصارى, ومنها نزول النبي عيسى (عليه السلام) من السماء؛ لينشر العدل, لكن بعض القساوسة والرهبان حرّفوا بالإنجيل؛ ليجعلوا نصوصه تتلاءم مع مصالحهم الشخصية, وأهوائهم؛ لأغراضٍ شتى, منها سياسية. فمن الطبيعي من يتعصّب لدينه, دون البحث عن الحق, فإنّه يُسيء لكلِّ من يُخالفه في المعتقد, فكيف لا يُسيء إلى قائد الدعوة العالمية الإسلامية؟! 3/ النواصب وهي طائفةٌ تدّعي الإسلام, بل وتزعم أنّها على حق, تكفّر ثلاثة أثلاث المذاهب الإسلامية –فضلًا عن الأديان-, منهجها السيف والبطش, منها منبع السفياني وأسلافه, ومعروف نهجهم ضد العلويين سابقًا, فلا عجب من استمراره حتى مع قائم آل محمد (عجّل الله فرجه الشريف). والسوء الذي يريد أنْ يصيب السفياني به الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ليس بقليل؛ لما قد يُعيث بالأرض فسادًا وظلمًا. 4/ المسلمون غير الشيعة الإمامية فالسوء الذي يصيب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من هذه الفئة, هو تأثرها بموروثها البعيد عن منهج أهل البيت (عليهم السلام), وعدم إقرارها بحصر أحقية أهل البيت (عليهم السلام) بالخلافة بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله). نعم, هؤلاء يؤمنون بوجود مهدي, لكنّه لم يولد بعد! وهم رغم ذلك ينكرون تراثهم الروائي, وصحاح كتبهم كبعض المبادئ التي من الممكن أنْ توصلهم إلى باحة النجاة, كالأحاديث الواردة في تراثهم بأنّ المهدي من ذرية السيدة الزهراء (عليها السلام), وأنّ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله), وأنّ عدوّه من آل أمية. لكنهم عكفوا وتعبّدوا بما يردده دهاقو علمائهم، حتى باتت طاعة ذرية الإمام الحسين –ومنهم الإمام المهدي الذي لا يعتقدون به- (عليهم السلام) ليست مفروضة, بل التشكيك بهذه العقيدة؛ نصرةً لعقيدتهم. على حين نجد بعضهم يكنُّ السلام والاحترام لجميع الأئمة, لكنه لا يقرّ بإمامتهم. ولهذا تذكر الروايات أنّ أقوامًا تُحاجّ الإمام عند ظهوره الأكبر بين الركنِ والمقام, فيقول: "ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابِ اللهِ فَأنَا أوْلَى النَّاس بِكِتَابِ اللهِ، ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله فَأنَا أوْلَى النَّاس بِسُنَّةِ رَسُول الله"(5). وهذا مما يسبب له أذىً؛ نتيجة عدم بحثهم عن الحق طيلة فترة غيبته, فيطلبون منه الدليل على مصداقيةِ ما يدعو إليه, ليؤمنوا به, تاركين ما كانوا يتبعون, ومكسرين قيود الاستعباد التي قيّدهم بها دهاقينهم, فيعتنقون التشيّع, ولا يبعد أنْ يكونوا من الدعاة تحت يدي الإمام, فينيرون بصيرة غير الشيعة. *وهنا سؤال: ما هو السوء الذي دعا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) أنْ لا يُصاب به؟ يمكن أنْ يقال: قد يكون السوء معنويًا أو ماديًا محسوسًا. ■فالسوء الــمعنوي يمكن أنْ يتصور بعدّة أمورٍ, منها: 1/ التشكيك بأصل فكرة المنقذ العالمي الموعود. وهذا السوء قد يكون صدوره أوضح فيما لو انبعث من غير المسلمين –فضلاً عن المسلمين-, الباغضين للإمام؛ كاليهود مثلًا, حيث يزعمون أنّ المنقذ العالمي الموعود هو الدّجال. 2/ التشكيك في ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). وهذا قد يكون صدوره أوضح فيما لو صدر من النواصب؛ فلم ننسَ الشبهات المطروحة حول فرية السرداب, ونفي غيبته, وباللازم نفي وجوده وولادته. بل ويُحتمل صدور هذا السوء من المسلمين الذين يجحدون ما تسالم عليه المسلمون كافة. حيث أنّ المهدي في عقيدتهم لـم يولد بعد, فيشككون الشيعة الإمامية بمعتقداتهم, وهذا مما يسبب اذى معنويًا للإمام (عجّل الله فرجه الشريف)؛ لأنّ ذلك التشكيك قد ينحرف بسببه العديد من متزلزلي العقيدة، والإمام يريد أرضية معدّة لظهوره. 3/ ظهور من يدّعي المهدوية فإنّ التفاف بعض الناس السذّج حول كلِّ من يدّعي أنّه المهدي الموعود يوجب إدخال السوء على قلب الإمام (عجّل الله فرجه الشريف)؛ حزنًا منه عليهم, نتيجة خسرانهم الخسران المبين, وخشيةً عليهم من عدم تصديقهم له عند ظهوره الأكبر؛ فإنّ طبيعة الإنسان حينما ينخدع بالباطل أكثر من مرّة لا يألف الحق بعدُ إلاّ بالبرهان. فقد تكون فترة دعوتهم إلى الحق فيها مشقة على الإمام وأتباعه. 4/ ظهور من يدّعي السفارة إنّ مّن يدّعي السفارة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لاشكَّ أنّه يريد الشهرة, وبالتالي يلتفُ الناس حوله, فيبدأ يتقوّل على لسان الإمام ما لم ينزّل الله (تعالى) به من سلطان، بل وقد يدّعي استمداد الغيب منه! وهذا من موجبات السوء للإمام, لأنّ كلًا من الداعي ومُلبي الدعوة لم يمتثل لنهي الإمام بعدم اتباع من يدّعي المشاهدة والسفارة"(6)؛ حيث قال الإمام (عجل الله فرجه) في أحد توقيعاته المباركة: "وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كاذب مفتر"(7). ■أما السوء المادّي فمن الممكن أن يُتصور بعدّة أمورٍ, منها: 1/ مهاجمة جيش السفياني للمدينة المنورة حين الظهور الأولي للإمام (عجل الله فرجه) فيها. روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "يبعث السفياني بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمّد(صلى الله عليه وآله) ويقتل من بني هاشم رجالًا ونساءً، فعند ذلك يهرب المهدي والمنتصر من المدينة إلى مكّة، فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه"(8) . 2/ قتل النفس الزكية يمثل تهديدًا للإمام بالقتل روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ مِن المَحْتُوم"(9) . 3/ خروج الدجال روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "... يَا خَيْثَمَةُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَعْرِفُونَ اللهَ مَا هُوَ التَّوْحِيدُ، حَتَّى يَكُونَ خُرُوجُ الدَّجَّال"(10). بغضِّ النظر عن تشخيص الدجال، هل هو حركة, أم شخص, ففي الحالتين لا شكَّ في أنَّ هدفه يسبب سوءًا للإمام. 4/ ظهور يأجوج ومأجوج "وهم أقوام حركتهم مفسدة, يعيثون في الأرض فسادًا مطلقًا, يتزامن ظهورهم مع ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), مما يسبب له سوءاً أو أذى ماديًا؛ بتخريب قيم ومبادئ المجتمعات, وممتلكاتها, ونفوس مواطنيها. وقد أشار إليهم الله (تعالى) في كتابه الكريم في سورة الكهف, قائلاً: "{حتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يـَأْجُوجَ وَمَـأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدّا}, فحجبهم الله (تعالى) بذلك السد, إلى أنْ يشاء وينفتح, فيرجعوا ليغزوا البقاع, {حتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}"(11). وقوله تعالى: {حتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُون}(12), فشرُّهم واضحٌ من سياق الآيات الكريمة"(13). *تنبيهات: 1/ ليس كلُّ مخالفٍ من أبناء العامة يمسُّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بسوء, بل حتى وإنْ كان ناصبيًا؛ لخضوع الأحداث إلى البداء, وللاعتقاد بيوم الأبدال. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ثم يأتي [أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)] الكوفة...هو ومن معه، وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة حتى إذا التقوا، وهو يوم الأبدال يخرج أناسٌ كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد (عليهم السلام)، ويخرج أناسٌ كانوا مع آل محمد (عليهم السلام) إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كلُّ ناسٍ إلى رايتهم وهو يوم الأبدال"(14). 2/ ليس كلُّ نصرانيٍ عدوًا للإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ فظاهر الروايات يشير إلى إسلام الكثير منهم؛ لسببين رئيسيين: مُحَاجَجَة الإمام إياهم بالإنجيل الصحيح, ونزول النبي عيسى (عليه السلام) من السماء, واعتناقه الإسلام, فحبًا به واتبّاعًا له لا يمسون الإمام بسوء؛ لأنّه فضلاً عن كونه حاكم البقاع, فهو قائد نبيّهم. 3/ ليس كلُّ يهوديٍ يُعادي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), فكثيرٌ منهم يدخل في دين الله (تعالى) طوعًا, بعد أنْ يحاجّهم الإمام بالتوراة الصحيحة غير المحرّفة. نسأل الله (تعالى) أن يدفع عن وليّه سوء الباغضين المعادين. __________________ (1) انظر سورة المؤمنون: 1-11. (2) لسان العرب: لابن منظور, ج1, ص298. (3) المصدر نفسه, ج7, ص121. (4) الصحاح: للجوهري, ج1، ص225. (5) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, ص228. (6) ظ: مقال دراسات استراتيجية الاعداء في حربهم ضد الامام المهدي عليهم السلام حالياً: للكاتب مجتبى السادة, مجلة الانتظار, العدد16/محرم/ 1430هـ. (7) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, باب من ادعى الرؤية في الغيبة الكبرى وانه يشهد ويرى, ص151, ح1. (8) معجم الملاحم والفتن: لمحمود الده سرخي, ج3, ص23. (9) الغيبة: للشيخ النعماني, ص265, ب14, ح15. (10) بحار الأنوار: ج14, ص348-349, ب24, ح10,عن تفسير فرات. (11) سورة الكهف: 93-94. (12) سورة الأنبياء: 96. (13) ظ: موجز دائرة معارف الغيبة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام, حرف الياء, 1/488. (14) مصدر سابق. ج52, ص223, ح87. اللهم احجبه عن أعين الباغضين الناصبين له ولآله العداء, وامنعه من أنْ يمسَّه منهم السوء.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "وقِني جميع ما أحاذره من الظّالمين" الفقرة دعاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هذه مضمون آياتٍ قرآنية كريمة تحث على الوقاية، والحذر من الأعداء. *فقوله: "قِـني" فعل أمر من الماضي (وقى), وهذه صيغة طلبية في الدعاء من الداني (المخلوق) إلى العالي (الخالق). فالفعل وقى: "...صانَهُ وسَتَرَهُ عن الأَذَى وحَمَاهُ وحَفِظَه, فهو واقٍ؛ ومنه قولهُ تعالى: (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ)؛ أَي مِن دَافِعٍ,...ومنه قولهُ تعالى: (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْم)" (1). فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) يطلب من الله (تعالى) أن يصونه من أن يُمس بالأذى أو الضرر. *قوله: "جميع ما أحاذره" الحذر: هو "الْخِيفَة, ورجلٌ حَذِرٌ وحَذُرٌ وحاذُورَةٌ وحِذْرِيانٌ: مُتَيَقِّظٌ شَدِيدُ الحَذَرِ والفَزَعِ، مُتَحَرِّزٌ؛ وحاذِرٌ: متأَهب مُعِدٌّ كأَنه يَحْذَرُ أَن يفاجَأ" (2). وقيل في الفرق بين الحذر والخوف هو "أنّ الحذر أوسع, فهو تحذّر من أمرٍ مظنونٍ أو متيقن, وبالحذر يدفع الضرر, بينما الخوف لا يدفعه, ويكون من أمرٍ متيقن الضرر, ولهذا يقال خذ حذرك, ولا يقال خذ خوفك" (3), وهذا لا يعني نفي الخوف عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), ففرض اثباته لا محذور منه -كما سيأتي-. *قوله: "من الظالمين" فالظُلم لغةً: هو "وضع الشيء في غير موضعه" (4), والظالم هو فاعل الظلم. ولا شكّ أنّ أشد أنواع الظلم هو الاجتراء على حدود الله (تعالى) التي أوضحها في كتابه الكريم, أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) , حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الـظَّالِمُونَ} (5). أي: أساء إليها، وذلك بالتعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته. والثقلان -القرآن الكريم, والنبي وآله (عليهم السلام)- هما حدود الله (تعالى)؛ لأنّ بيان طاعة الله (تعالى) وموارد معصيته تتم من خلالهما, فطاعتهما طاعته (تعالى), ومعصيتهما معصيته؛ يقول (تعالى): {وَمَن يـَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} (6). فقرن الله تعالى طاعته بطاعتهم؛ لأنّهم الهداة؛ فكما القرآن الكريم هادٍ, كذا النبي وآله (عليهم السلام)؛ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن قول الله (تعالى) {إنّما أنتَ منذرٌ ولكلّ قومٍ هاد}, قال: "رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) الْمُنْذِرُ وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) ثُمَّ الْــهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَـلِيٌّ ثُمَّ الاوْصـِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِد" (7). وعليه, فإن كلّ من يعادي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) فهو ظالم, متعدٍ على حدود الله (تعالى), مصيره جهنم خالدًا فيها وساءت مصيرا. ومن هنا تتضح خطورة هذا العدو, طالما أنّه لم يرعَ لله (تعالى) إلاًّ ولا ذمة, فلن يفرق عنده أن يقتل شخصاً عادياً أو أحد أولياء الله (تعالى), ولهذا دعا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بأن يقيه الله (تعالى) ما يحذره من ذلك العدو الظالم الكافر. الظالمون الذين يحذر الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) منهم مصداقٌ كلّي ينطبق على كلّ من يحاربه (عجّل الله فرجه الشريف), ويمنع دعوته, كالسفياني وأتباعه, واليهود والنصارى المعارضين, والمخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) المعادين, والذين كانوا شيعة, لكن تبدّلت عقيدتهم؛ لركاكتها, فأصبحوا أعداءً للإمام (عجّل الله فرجه الشريف). هؤلاء يحذَرُهُم الإمام (أرواحنا فداه), فهم وأتباعهم ظالمون, ضالون مضلون, عليهم من الله (تعالى) ما يستحقون. *فإن قيلَ: إنّ طلب الإمام الوقاية والحذر لازمه الخوف من أعدائه؛ لأنه لا حذر بدون خوف. *يمكن أن يجاب: بأنّ حذر الإمام وطلبه الوقاية راجع إلى أصول موضوعية, "منها: 1/ هناك قاعدة عقلية, تسمى بـ(قاعدة لزوم دفع الضرر), ومقتضاها أنّ الإنسان إذا واجهه ضرر ولو محتملاً, فعقله يوجب عليه أن يدفع ذلك الضرر –بالفرار منه أو مواجهته-. والإمام سيّد العقلاء, فاختار دفع ضرر أعدائه عنه, لاسيما وأنّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) مطلعٌ على تاريخ أعدائه, وواضح له هدفهم, لذا فضررهم له مرتكز في ذهنه. 2/هناك مصاديق لبعض الأنبياء (عليهم السلام) خافوا عدوّهم, وحذروا منه, منهم النبي موسى (عليه السلام)؛ قال تعالى حكايةً: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّلِمِين} (8), فترقبه نتيجة حذره, وحذره نتيجة خوفه. وكذا النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله) خرج من مكة خائفًا حذرًا حينما مات أبو طالب. وفي الحقيقة فإن هذا الخوف إنما هو خوف على الرسالة وعلى المهمة الموكلة له أن لا تتم قبل وقتها، بالتعرق للقتل مثلاً من الأعداء، فهو خوف على دين الله تعالى لا على نفسه، خصوصاً وأنه يعلم أن مصيره إلى الجنة. فتبيّن أنّ الحذر أمرٌ حاصل عند كليم الله (تعالى) وحبيبه, فلا محذور في حصوله عند الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), فهو يخاف القتل, ويحذر منه, ولهذا طلب من الله (تعالى) أن يقيه مما يحذر" (9). 3/ هناك آيات قرآنية عديدة, تشير إلى أن يتخذ الإنسان من القرآن الكريم -بأدعيته وأذكاره- حجابًا يدفع به ضرر عدوّه, منها قوله (تعالى): {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا* وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} (10), والإمام قرين القرآن الكريم, فيتخذ الدعاء القرآني حجابًا, ويقول: " اللهم قِني ما أحاذره من الظالمين". وهذا بحد ذاته له ارتباط وثيق بفقرة دعائه السابق -اهدني صراطًا مستقيمًا-؛ حيث يحقق الإمام أصدق درجات العبودية لله (تعالى), بالخضوع والدعاء, فاتخذ من الـدعاء بوقايته مما يحذر وسيلة لبيان مدى افتقاره إلى الله (تعالى) الواحد المعبود. ومن هذا يتضح أن تصريح رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بأنّ القائم من ذريته غاب لأنّه يخاف القتل؛ حيث روي عنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "لابُدَّ لِلْغُلامِ [الإمام المهدي عليه السلام] مِنْ غَيْبَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَلِمَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: يَخافُ القَتْل"( 11), ليس خادشًا بعصمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لــما ذكر هذه الصفة, بل ولما اتصف هو بها, طالما هي لحكمةٍ إلهية. ولازم قول النبي (صلى الله عليه وآله) هذا، أنّ حذر الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) المقارن لخوفه لا دخالة له في خدش العصمة. فيكون دعاؤه (عجّل الله فرجه الشريف) هذا هو من باب اعتقاده بأنّ الدعاء يرد البلاء, كما ورد عن أسلافه (عليهم السلام) حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ...الدعاء يرد القضاء وقد ابرم إبراما" (12). فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) دعا الله (تعالى) بأن يقيه ضرر الأعداء, سواء أكان ذلك الضرر مبرمًا أو غير مبرم, وسواء أكان قد قضي له الضرر أو لم يقض؛ وذلك انطلاقًا من عقيدته بالله (تعالى) ذاتًا وصفاتًا حق الاعتقاد, فعلمه (تعالى) الأزلي يشمل لحظة دعاء الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) تلك, وقدرته (تعالى) الواسعة تشمل وقاية وليّه الضرر, وعدله (تعالى) يقتضي نصرة الحق وأهله, ودحض الباطل وشرذمته, وحكمته (تعالى) تقتضي تحقيق غرضه (تعالى) من جعل الأئمة (عليهم السلام) خلفاءَ لنبيّه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم), ليصلوا بعباده إلى الكمال بكافة نواحيه. _________________ (1) تاج العروس من جواهر القاموس: للعلامة مرتضى الزبيدي, ج20, ص304. (2) لسان العرب: لابن منظور, ج4, ص175. (3) ظ: الحاوي في تفسير القرآن الكريم: للأستاذ عبد الرحمن بن محمد القماش, مصدر إلكتروني. (4) لسان العرب: لابن منظور, ج12, ص373. (5) سورة البقرة: 229. (6) سورة النساء: 14. (7) الكافي: للشيخ الكليني, ج1, باب أنّ الأئمة عليهم السلام هم الهداة, ح2. (8) سورة القصص: 21. (9) ظ: مقال عنصر الخفاء في القضية المهدوية: للشيخ حسين الأسدي, مجلة الموعود, العدد4/ذو الحجة/ 1438هـ. (10) سورة الإسراء: 45-46. (11) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52 ص90, ب20, ح1- عن علل الشرائع. (12) الكافي: للشيخ الكليني, ج2, باب أنّ الدعاء يرد البلاء والقضاء, ح6. اللّهم قِ وليّك ما يخاف ويحذر, إنّك عزيز جبارٌ مقتدر.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "وافتح لي فتحًا مُبينا" ظاهرُ دعاء الإمام (عجل الله تعالى فرجه) هذا أنّه يُشير إلى طلب المدد الإلهي أثناء فتوحاته بعد خوض المعارك مع الأعداء, وبين هذه الفقرة الدعائية والسابقة - طلبُ النصر- ارتباط وثيق؛ لأنّ الفتح لازمه النصر. وهذه الفقرة كسابقاتها لها جذرٌ قرآني, وهي قول الله (تعالى): {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِينا}(1), التي كانت تُشير إلى بشارة الله (تعالى) لنبيّه الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله) بـفتح مكة, بعد صلح الحديبية الذي أُبرِمَ بينه (صلى الله عليه وآله) وبعض المسلمين الذين ذهبوا معه لأداء مناسك العمرة وبين بعض مشركي قريش؛ "لأنّ قريش منعته (صلى الله عليه وآله) والمسلمين من أنْ يدخلوا مكة, فحطّوا عند مكان يسمى الحديبية وأبرموا معاهدةً مع كبراء قريش, طلبت فيها قريش أنْ لا يدخل مكة في ذلك العام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والمسلمين, وإلاّ وقع القتال, فاختار (صلى الله عليه وآله) أنْ يتركَ العمرة حتى لا يريقَ دماءً بسبب سفاهة قريش, وعاد والمسلمون نحو المدينة. وبعد فترةٍ جاءت البشرى الإلهية بفتح مكة, فجهّز النبي (صلى الله عليه وآله) جيشًا ليفتح مكة, وينشر الإسلام فيها, ويؤدوا العمرة التي حُرِموا منها, بل ولينطلق بعد الفتح لنشر الإسلام في الجزيرة العربية, وربوع العالم, حتى أنّ قريشًا لم تقاوم أبدًا, حيث اعترفت بكيان المسلمين"(2). وبعد هذه النبذة المختصرة عن فتح مكة بقيادة نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله), يأتي ولده الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ويطلب فتحًا مبينًا كفتح جدّه (صلى الله عليه وآله), بل ويُشابهه في المخرج والمدخل والهدف, فيخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه) من المدينة كما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) منها, ويدخل مكة محررًا فاتحًا, بهدف نشر الدّين الإسلامي, بصورة عالمية, ولهذا قال الله (تعالى) في أواخر سورة الفتح بقوله: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا}(3), فكما أظهر الله (تعالى) الدّين على يد نبيّه, يظهره على يد وليّه القائم (عليهما السلام) بعد أنِ اندرست بعض معالمه, وابتدع فيه, حتى نفر عنه البعض جهلاً بحقائقه, وتعمَّق الآخر غلوًّا بظواهره. وإنّ نطاقَ فتوحات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) سيكونُ أوسع؛ لحكمةٍ إلهية خفية, ولطوعية بعض الأعداء بإبرام معاهداتِ صلحٍ معه, مما يُتيح له تحقيق الفتوحات. وتأتي الفتوحات كنتيجةٍ لازمةٍ لغرض إظهار الله (تعالى) لوليّه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ إذ الفتح هو افتتاح الدول الظالمة على يده, ونشره القسط والعدل والدّين الإسلامي في ربوعها, وهذا جزءُ علةٍ لسيادة الإمام العالمية, في قبال الدول الغربية التي سوف تعلن إسلامَها, وبالتالي لا تحتاج إلى مواجهات. وقبل الفتوحات يُعِدُّ الإمامُ (عجل الله تعالى فرجه) وسائلَ الاحتجاج العلمية, ليُخيّر أعداءه بين السلم والقتال, وهي التوراة والإنجيل, بالإضافة إلى مواريث الأنبياء السابقين (عليهم السلام). روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "أولُ ما يبدأ القائم (عليه السلام) بــأنطاكية فيستخرج منها التوراة من غارٍ فيه عصا موسى وخاتم سليمان"(4). ومن أبرزِ فتوحاتِ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) (فـتح القدس), فيسيرُ وجيشه إلى (بحيرة طبرية) "التي تقع بين الخليل والجولان, أحد أقضية عكّا في فلسطين"(5)؛ روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "...ثم يأتي الكوفة فيُطيل فيها المكث ...ثم يسيرُ حتى يأتيَ الـعذراء هو ومن معه وقد لحقه ناسٌ كثير"(6). فحين وصوله "يستخرج من البحيرة (تابوت السكينة) الذي وُضع به آنذاك النبي موسى (عليه السلام) ويدعوهم للإيمان به دون القتال, فيُسلم قليلٌ من اليهود"(7), والبعضُ الآخر الغالب يقاتلُ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) ولن يعترفَ بتابوتِ السكينة ظاهرًا. فيفتحُ الإمام القدس على يديه فتحًا مبينًا, ويقهرُ اليهود, وينشرُ الدّين الإسلامي فيها. وكذا يفتحُ (القسطنطينية) "التي هي عاصمة الامبراطورية الرومانية"(8), حيث روي "أنّ الإمام يفتحها ورومية وبلاد الصين"(9), وعلى عظمة تلك الدولة ينتشرُ الإسلام, ويولّي الإمام (عجل الله تعالى فرجه) حاكمًا مؤمنًا عليها, ليبلغ رسالات الله (تعالى), ويتولى سيادة تلك العاصمة, وتطبيق قوانين الإسلام على رعاياها. وعليه, نستطيعُ أنْ نجزمَ من بعد تحقّقِ الفتوحات وراثة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) للأرضِ كُــلِّها؛ وخيرُ شاهدٍ مؤكدٍ ودليل هو إطلاقُ الآية الكريمة لمفردة (الأرض) التي وعده الله (تعالى) بها: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون}(10), حيثُ جاء في تفسير الآية "بأنّ الله (تعالى) كتبَ في التوراة والزبور إضافة إلى القرآن بأنَّ الصالحين سيرثون الأرض جميعًا, والوراثة هي انتقال شيءٍ في ملكيةِ شخصٍ دون معاملة"(11). وروي أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) سُئِلَ عن ذيل هذه الآية, فقال: "القائم (عليه السلام) وأصحابه"(12). فلازمُ الفتوحات هي وراثة الأرض كلّها. *وهنا سؤالٌ: قد يُقال: إنّ كثرة فتوحات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) تدلُّ على سياسته الدموية, وهذا يتنافى مع فلسفة ظهوره كرحمة للعالمين؟! فيُجاب: بأنّ أصل دعوة الإمام(عجل الله تعالى فرجه) سلميّة للغاية, وهناك مؤشرات على هذه الأصالة, "منها: 1/ وصف الروايات للإمام بأنّه رحـمةٌ للعالمين. 2/ قبول الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لبيعة السفياني. 3/ إعراض الإمام (عجل الله تعالى فرجه) عن القتال في القسطنطينية بعد أنْ يستسلم أهلها. 4/ ابتداء الإمام (عجل الله تعالى فرجه) الإنذار بالدلائل والبراهين العقلية والنقلية. 5/ لن يقاتل الإمام (عجل الله تعالى فرجه) إلاّ من يقاتله. 6/ إطالة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في الوعظ الشفوي على أعدائه؛ تحفيزًا لهم على ترك القتال"(9). ومن الممكن إضافة (عنصر الرعب) كمؤشرٍ آخر لأصالة سلميّة دعوة الإمام (عجل الله تعالى فرجه), حيث إنّه أحدُ مقوماتِ نصره, فالأعداءُ الذين يلقون رعبًا وهيبةً في صدورهم نتيجة مواجهة الإمام (عجل الله تعالى فرجه), أغلبُهم يُذعن أنّ الحقَّ مع الإمام (عجل الله تعالى فرجه), لاسيّما أنّهم قد سمعوا حدثًا كونيًا سماويًا يحثّ على اتّباعه, وعدم مقاتلته, وهو (الصيحة الجبرائيلية التي يسمعونها بلغاتهم). كما يمكن عدُّ هذا المؤشر لازمًا للمؤشر الخامس؛ لأنّ نصر الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) مُتحققٌ, وفتوحاته واقعةٌ لامحالة, فمن آمنَ به فلنفسه, ومن كفرَ فعليها, مما يدعو الإمام (عجل الله تعالى فرجه) إلى فتح بلاد الظلم بالقتال, ومواجهة من يقف عقبةً في طريقه, بعد أنْ يدعوهم للسلام. *وإن قِيلَ: لماذا تكون خطة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) بما سيقومُ به من فتوحات مُعلنة؟ حيثُ أنّ ذلك سيوجبُ تآمر الأعداءِ وتكاتفهم أكثر مما لو لم يُعلنْ في الروايات عن الفتوحات والنصر المؤزر! *فبالإمكان أنْ يُجاب: بأنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) حينما طلب من الله (تعالى) أنْ يكون فتحه ذلك فتحًا مُبينًا, قاصدًا أنْ يكون فتحًا ظاهرًا للجميع؛ تناسبًا مع عالمية ظهوره, والدّين الذي يدعو له, والرسالة السامية الرحيمة التي يوصلها, وتنبيهًا لمن يحاول أنْ يقف في طريقه, ويقاتله. وباختصار: ليُعلمِ اللهُ (تعالى) جميعَ خلقه أنّ نصر هذا الإمام (عجل الله تعالى فرجه) عالميٌ ومتحققٌ بكافةِ أقسامه وشرائطه, ولا شكَّ أنّ هذا غرضٌ من أغراضِ الله (تعالى), فينبغي تحقيقه, حيث يقولُ في كتابه الكريم: {ليظهرَه على الدّين كلّه}. ومعه, يكون إعلان الروايات عن فتوحات الإمام وسيلةً لإعلامِ الجميع بـحكمةِ الله (تعالى) أولاً, وإعطاء (صبغة العالمية) لشخصِ ودينِ ودولةِ وليّه الموعود (عجّل الله فرجه الشريف). بل ولعلّ ذلك الإعلان يشكلُ ردعًا لأعدائه, ويدحضُ مجردَ تفكيرهم بالنصر. _____________________ (1) سورة الفتح: 1. (2) ظ: تفسير الأمثل في بيان كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي, ج16, ص412-417. (3) سورة الفتح: 28. (4) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص390, ح212. (5) أطلس سيرة الإمام المهدي عليه السلام: لرسول كاظم عبد السادة, ص602. (6)المصدر نفسه, ج52, ص224, ح87. (7) ظ: الملاحم والفتن: للسيد ابن طاووس, ج1, ص147. (8) مصدر سابق, ص615. (9) ظ: بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص333, ح61, عن الغيبة للسيخ الطوسي. (10) سورة الأنبياء: 105. (11) ظ: مصدر سابق, ج10, ص256-257. (12) تفسير القمي: لعلي بن ابراهيم القمي, ج2, ص77. (13) ظ: على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الأسدي, ص160-161. اللّهم افتح له فتحًا مبينا.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا" يستمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بدعائه, فيطلب من الله (تعالى) السلطان النصير, فهو يريد أن تكون العلّة التامة لنصره هي الله (تعالى) أصالةً, لذلك قال (من لـدنكَ), فنسبة النصر إلى الله (تعالى) للاختصاص, وهي نظير قوله تعالى: {ألَا إِنَّ نَصـْرَ اللَّهِ قَرِيب}(1). وأصل دعاء الإمام آية قرآنية, وهي قوله تعالى: { وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرا} (2), وعليه, ينبغي الرجوع إلى تفسير هذه الآية الكريمة لمعرفة حدود مقصدها عمومًا, ومغزى الإمام من الدعاء بها خصوصًا. يذكر أنّ هذا دعاء النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله), فحينما فسّرت هذه الآية كان مفاد تفسيرها هو اللهم "اجعل لي عـزّا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك وقرة تنصرني بها على من عاداني فيك. وقيل اجعل لي ملكا عزيز[عزيزا] أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر. وقيل حجّة بيّنة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة. وسماه نصيرا لأنه تقع به النصرة على الأعداء فهو كالمعين" (3). والمتأمل في سياق الآية الكريمة التي دعا بها النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله) يجد جملة سابقة لها, تشير إلى وجـه الشبه بين مهمة النبي محمد, وحفيده الإمام المهدي (عليهما السلام), بل وإلى بيان مغزى الإمام من وراء اختياره لهذه الآية تحديدًا ليلهج بها في دعائه، فالآية بتمامها هي {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرا} (4). ومن أحد وجوه تأويل ادخاله واخراجه بصدق, والمتناسب مع هدف الإمام ظاهرًا, هو "أدخلني المدينة، وأخرجني منها إلى مكة للفتح" (5), فلعله يشير إلى دخول المدينة بظهوره الأولي الأصغر, وخروجه منها متوجهًا إلى مكة لظهوره الأكبر, فهنا طلب السلطان النصير حال ظهوره مطلقًا؛ ويؤيد ما تم استظهاره قرينة متصلة, ضمن نفس سياق دعاء احتجاب الإمام, وهي قوله: "وافتح لي فتحًا مبينا", وسيأتي شرح مفرداتها في الحلقة القادمة إن شاء الله (تعالى). إذًا دعاء الإمام بطلب السلطان النصير هو لغرض الفتح؛ كطلب جدّه النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله), كان لغرض فتح مكة, ونشر دين الإسلام فيها. وبما أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) سيّد العقلاء, وسيرة العقلاء جارية على أنّ الحكيم منهم حينما يريد أن يتكلّم, يقول كل ما يريده, ونص دعاء الإمام ظاهر في العموم, حيث إنّ الإمام لم يقيّد أي نصرةٍ يطلبها من الله (تعالى), فتعيّن أن يطلب بدعائه جميع أقسام النصرة؛ لأنّه لو أراد قسمًا منها لذكرها, ثم إنّ حصره النصرة بقسمٍ دون آخر ليس مناسبًا مع مقام عصمته؛ لاعتقاده بقدرة الله تعالى الواسعة, التي تتعلق بكل شيء ممكن, وأمر نصرته بكافة أقسام النصرة ليس بمحال على الله العلي القدير, فأطلق في دعائه. وعليه, يمكن تقسيم النصرة المطلوبة في دعاء الإمام على ثلاثة أقسام: •أولاً: النصرة القولية: انطلاقًا من كون قول المعصوم حجّة, فإنّ تراث محمدٍ وآل محمد (عليهم السلام) المبشّر بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ودعاءهم له, هو أحد مصاديق نصرة الإمام القولية. فلعله يقصد (بحق كلام أسلافي اجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرا), بالقول الثابت, فقوله قولهم (عليهم السلام), وقولهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله), لاسيما وأنّه (عجّل الله فرجه الشريف) سيحاجّ شفويًا من يحاجّه. ومحاجّته القولية مؤيدة بالنصر؛ لأنّه يعتمد على أدلة صحيحة, حيث يحاجّ أتباع كل دين بكتابهم؛ روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عز وجل) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن" (6). أما نصرة الإمام القولية على من لا دين لهم, فالبرهان سيّد الموقف. •ثانيًا: النصرة الفعلية: كما ويطلب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من الله (تعالى), النصرة الفعلية, أي النصرة بأفعاله, وتتجلى صور هذه النصرة بعدّة أمور, منها: 1- جسم الإمام من خلال بعض الروايات الشريفة التي وصفت الإمام (عجّل الله فرجه الشريف), ذكرت أنّ جسمه كأجسام بني اسرائيل, فعبّرت عنه بذي الجسم الإسرائيلي؛ روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، واللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي" (7). ويحتمل دلالة معنى كون جسم الإمام جسمًا اسرائيليًا هو "شبه جسمه بجسم نبي الله موسى (عليه السلام) بالقوة الملحوظة من سياق الآيات الكريمة التي تطرقت إلى وكزه للقبطي, وإلى سقيه لابنتي شعيب من بئرٍ عميق" (8). فلعلّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) يدعو الله (تعالى) أن يديم صحة جسمه, ليستطيع أن يحقق النصر. ولاشكّ أنّ الإمام إنسان, وكلّ إنسان يحتاج لجسده كي ينفذ أفعاله, -حتى وإن منحه الله (تعالى) بعض المعجزات-, فهو بالتالي لا بد أن تكون يده سليمة كي يقاتل بها, وقدمه كذلك كي يذهب إلى دولٍ ليفتحها, وهكذا سائر أعضاء جسده, الذي به يحقق النصر كسلطان. فبتلك الصحة والجسم السليم يقتل قوى الشر, كالسفياني؛ حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "أُفٍّ أُفٍّ، مَا أَنَا لِهؤُلاءِ بِإِمَامٍ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّما يَقْتُلُ السُّفْيَانِي" (9). وحتمًا أنّ للإمام غايات يريد تحقيقها, ومنها قتل السفياني, ولهذا يطلب السلطان النصير ليحقق احداها. 2- الإمام يُكمّل العقول: لا شكّ أنّ الله (تعالى) كرّم الإنسان بالعقل, وبه ميّزه عن سائر المخلوقات, فبالعقل يتفكر ويعقل ويعلم, وكثيرًا ما حثّت الآيات الكريمة على هذه العمليات الثلاث, رغم أنّ مدركات الناس متفاوتة, لكن كلّ على قدر سعة أفق عقله. صحيح نحن نعيش في عالم الاستكمال, لكن مهما بلغ الإنسان من العلم بعقله -النظري والعملي- في زمن الغيبة, لــن يصل إلى درجة الكمال العقلي المتحقق في زمن الظهور؛ حيث روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم وكملت بها أحلامهم" (10). اليـد هنا كناية عن النعم العظيمة التشريفية, التي يشرّف الله (تعالى) بها وليّه, الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), وفي زمن ظهوره تجتمع العقول وتكمل. ومعنى اجتماعها هو اتحادها, "بالإيمان والصفاء والمحبة, واتحادها على التطور العلمي والثقافي والتكنلوجي" (11). أما اكتمال الأحلام هو اكتمال العقول؛ ولمفردة (الأحلام) جذر قرآني, جاء في قوله تعالى: { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون} (12), وفسرّت هذه الآية بــ "أنّ الأحلام جمع حلم وهو العقل،... والمعنى بل أتأمرهم عــقولهم أن يقولوا هذا الذي يقولونه ويتربصوا به الموت؟ فأي عقل يدفع الحق بمثل هذه الأباطيل؟" (13). وبالتالي سيكون عنصر تكامل العقول عنصرًا مهمًا في نصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), فبعقول أتباعه جيشًا ومن سيؤمن به ينتصر على كل قوى الشر. •ثالثًا: النصرة التشريفية ولقد شرّف الله (تعالى) وليّه, وخليفته على الأرض, الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بتشريفاتٍ عديدة, تكون سبب تحقق نصره, منها: 1- الإمام مؤيد بالملائكة إنّ تعزيز الدعم الإلهي للإمام بالملائكة, إن صحّ أن نقول أنّه منقطع النظير عمّا سبقه من الدعم للأئمة السابقين؛ تناسبًا مع عالمية دولته, ودعوته, روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "لو خرج قائم آل محمد لـَـنَصَرَهُ الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره" (14). 2/ الإمام منصور بالرعب وتشريف آخر يحظى به الإمام, وهو أنّ الله (تعالى) يلقي الرعب في قلوب أعدائه قبل أن يخوضوا معه القتال, ولهذا نجد الكثير منهم يدخل طوعًا تحت لوائه, روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر" (15). وكفى بالرعب نصرًا... 3- عصر الإمام عصر تطور تكنلوجي ومن التشريفات ازدهار التكنلوجيا في عصره, واستعمالها كجزء علة في نصره, ونشر دعوته, روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "المؤمن في زمن القائم وهو في المشرق يـرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يــرى أخاه الذي في المشرق" (16). بالإضافة إلى وسائل النقل والحرب المستفادة ظاهرًا مما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "القائم منا... تطوى له الأرض" (17). فطي الأرض قد يكون بالطائرات أو وسائل النقل الحديثة. وهذا سبب كبير في انجاح النصر. ▪️وبعد استعراض بعض مصاديق أقسام النصر الذي يطلبه الإمام في دعائه, بقي أن نشير إلى كيفية تحقق نصره (عجّل الله فرجه الشريف), حيث طرحت اطروحات أشارت إلى كيفية ذلك, "منها: ■الأطروحة الأولى: نصرٌ بالإعجاز الإلهي وقد نوقشت هذه الاطروحة بعدم واقعيتها؛ إذ حتى مع استظهار الاكتفاء بالإعجاز الإلهي بردّ العدو وأسلحته بمجرد دعاء, لكن ذلك معارض بقاعدة (ناموسية السنن الإلهية). ■الأطروحة الثانية: نصرٌ بالقوانين الطبيعية ومفاد هذه النظرية أنّ نصر الإمام يتحقق وفقًا لقوانين الطبيعة فقط, دون تدخل القدرة الإلهية. وأيضًا نوقشت هذه الاطروحة, وعورضت بمحالية عدم تدخل القدرة الإلهية, وإن كان للإمام قدرات ذاتية, لكنها تبقى في طول قدرات الله (تعالى), لا في عرضها. ■الأطروحة الثالثة: نصرٌ بقوّة الجيش وحداثة السلاح مع تأييدٍ إلهي. هذه الأطروحة أجملت في بيان مقومات نصر الإمام" (18). وترجّح الأخيرة؛ لتناسبها مع أقسام النصرة التي ذكرت أعلاه. فظاهرًا هي المستجمعة للنصر الذي يطلبه الإمام بسلطان منه. __________________ (1) سورة البقرة: 214. (2) سورة الإسراء: 80. (3) مجمع البيان في تفسير القرآن: للفضل بن الحسين الطبرسي, ج6, ص284. (4) سورة الإسراء: 80. (5) مصدر سابق. (6) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص351, ح103. (7) المصدر نفسه, ج51, ص80. (8) ظ: على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الاسدي, 39. (9) الكافي: للشيخ الكليني, ج8, ص331, ح509. (10) المصدر نفسه, ج1, ص25, ح21. (11) ظ: دولة الإمام المهدي عليه السلام: للسيد مرتضى المجتهدي السيستاني, مصدر ألكتروني. (12) سورة الطور: 30. (13) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي, ج19, ص17. (14) الغيبة: للشيخ النعماني, ج1, ص237. (15) إعلام الورى بأعلام الهدى: للشيخ الطبرسي, ج2, ص291. (16) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52, ص391, ح213. (17) مصدر سابق. (18) ظ: مقال دراسات/ أفكار في سلاح الإمام المهدي عليه السلام عند الظهور: للكاتب حسين عبد الأمير الظالمي, مجلة الانتظار, العدد12, 1429هـ. اللهم ادخله مدخل صدقٍ، وأخرجه مخرج صدقٍ، وأجعل له من لدنك سلطانًا نصيرا.
العقائدبقلم: رضا الله غايتي لم يخلق الله تعالى الخليقة إلا وقد خلق قبلها الخليفة، والابتداء من الحكيم إنّما يكون بالأهم، فدلَّ ذلك على أنَّ الخليفة أهم. ولتأكيد هذه الحقيقة، أمر الملائكة بالسجود لآدم تعبيرًا عن انقيادهم لمقام خلافته الذي به يتم توحيد الله (تعالى) وطاعته، ولذا حكم على إبليس بالكفر به (سبحانه) في مقام الربوبية والخلود في جهنم عندما أبى واستكبر. ولا غرو في ذلك إذا علمنا أهمية الخليفة البالغة، فهو الأمان للأرض وأهلها، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): "إنَ الأرض لا تكون إلا و فيها حجة أنّه لا يصلح الناس إلا ذلك ولا يصلح الأرض إلا ذلك"(1). كما أنَّه الهادي لخلق الله (تعالى) إليه والحجة له عليهم، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرًا مشهورًا وإما خائفًا مغمورًا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته"، حتى يقول: "بهم يحفظ الله حججه وبيّناته حتى يودعوها نظراءهم...."(2). ولا يُشترط في الخليفة أن يكون رسولًا، بل قد يكون وصيًا، لقوله تعالى: "قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ"(المائدة19)، فعلى الرغم من خلو هذه الفترة من الرسل، إلا أنها لم تخلُ من الخليفة لوجود أوصياء الرسل(3) وبذا لم تخلُ الأرض من خليفةٍ على مرّ الدهور بل وحتى يومنا هذا، دلّت على ذلك الأدلة الشرعية، منها ما روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض"(4). قال ابن حجر: "وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة على عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى يوم القيمة، كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك"(5). وعليه، فإنَّ ما تقدّم يكفي في إثبات ولادة الإمام الثاني عشر(عجل الله تعالى فرجه) قبل استشهاد الإمام العسكري(عليه السلام)، كما يكفي في إثبات وجوده المبارك، وبقطع النظر عن الروايات التي دلّت على ذلك ــ نعم لابد منها لتشخيصه بشخصه المبارك (عجل الله فرجه)ــ. وإنَّ الإيمان بذلك إنَّما هو إيمانٌ بحكمته (تعالى) التي اقتضت عدم خلوّ الأرض من حُجة، والانقياد لمقام خلافته (عجل الله تعالى فرجه) كالانقياد لمقام خلافة آدم (عليه السلام)، وبالتالي فهو طاعةٌ لله (سبحانه) ومن دونه لن يتم التوحيد الحقّ بجميع مراتبه، وحكم الله (تعالى) على إبليس بالكفر خير شاهد على ذلك ودليل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)المحاسن ص253 ح193 (2)معجم أحاديث المهدي ج4ص61 (3) انظر تفسير الأمثل ج3 ص657 (4)السلسلة الصحيحة للألباني ج4ص330 (5)الصواعق المحرقة ص149.
العقائديستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى