بقلم: علوية الحسيني إلهي أنا عبدك المتسكع بين طرقات الجهل، لم أجد غير بابك حين أقامتني الخصاصة، فلجأت للدعاء حين فتحت أبواب السماء، إيذانًا بتلبية خفي النداء. اشرِق يا ربّي شمس المحبة الإلهية في فضاء العلم على قلبِي، فلقد علمتُ مِن السلف الأطهار، والهداة الأبرار أنّها تذيب الأدران، والتعلقات بالغير الأقران، وتوجب مع العمل بالتكاليف أعلى درجات الجنان. ستبرق عندئذٍ يا إلهي بارقة الفطرة السليمة، وتصرخ منادية: (اللهُ اللهُ ربّي لا اُشرك به شيئاً)، فتسمو الروح حيث سلك أهل الجذب، عندئذٍ يكون الجسد أداةً طيّعةً لتلك الروح. فيكون (الطواف) هو طواف العقل حول عظمة المعبود الأزلي، وهو ما يسمى بالرؤية القلبية، حيث التنزيه والتقديس. وتكون (عرفة) هي اعترافٌ بالعجز عن إدراك عظمة الخالق. ويكون (رمي الجمرات) هو رمي النفس الأمارة بالسوء بجمرات التهذيب. ويكون (السعي سبعة أشواط) هو سعي العقل بين مقامات التوحيد السبع. فاشدد يا إلهي على تلك العزيمة جوانحي، فلست أملك سوى حروف تلك الهمهمة ومقاصدها. يا ملاذ الجهلاء المتسكعين هب لي علمًا يدنيني من قربك.
العقائدبقلم: علوية الحسيني "كوَّنها [الأشياء] بقدرته، وذرأها بمشيئته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة في تصويرها، إلا تثبيتًا لحكمته وتنبيهًا على طاعته، وإظهارًا لقدرته، وتعبّدًا لبريته، وإعزازًا لدعوته". (كوَّنها [الأشياء] بقدرته) أي إنّ الله سبحانه خلق الأشياء دون استعانة بشيء؛ لقدرته المطلقة، وعدم وجود المانع من تعلق قدرته بها؛ فتسمى هذه الأشياء مخلوقات، مقدورات، ممكنات، وقدرة الله تعالى متعلّقة بالممكنات -المقدورات- على حدٍ سواء، فقدرته سبحانه عامة؛ لانتفاء المانع من تعلّقها بتلك الأشياء. وهذا ما يعضّده قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} (1). ولا بد من الإشارة إلى أنّ الباء في كلمة (بقدرته) ليست باءً تعني المغايرة، أي ليس المعنى هو أنّه تعالى شيء وقدرته شيء مغاير له ويستعين به لخلق أشيائه، بل تعتقد الشيعة الإمامية بعينية الصفات الذاتية لله تعالى، فقدرته عين ذاته، كما ويدل على ذاتية صفة القدرة لذاته تعالى: 1- حـكم العقل بـذلك، إذ يحكم العقل بلـزوم اتّـحاد صفاته مـع ذاته، ووجــوب تنزيهه سبـحانه من التركيب والتجزئـة؛ لأن ذلك يلزم الاثنيـنيّة والغيريّـة (إله - قدرة)، والـحال إنه سبحانه غير مركب، لأن القدرة تلزم منها الحاجة فالفقر. 2- تـضافر الروايات بذلك، مثل ما روي عن قال الإمام الـصادق (عليه السلام): "لـم يـزل اللهُ جلّ وعـزّ ربُّنا والـعلمُ ذاتـــــهُ ولا مـعلوم، والسمعُ ذاتــــهُ ولا مسموع، والبــصرُ ذاتـــه ولا مُبصر، والقـدرةُ ذاتــــهُ ولا مـقدور"(2)، أي إنّ القدرة عين ذات الله سبحانه. (وذرأها بمشيئته) الذرأ يأتي بمعنى الخلق بلا مثال، وهذه إشارة إلى المقطع السابق من خطبتها (عليها السلام) - ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها- والمعنى أنّه سبحانه خلق الأشياء بمشيئته تعالى. والمراد من المشيئة هي قدرة الله تعالى على تقدير الأشياء، وهي غير الإرادة كما يعلم أهل الكلام. روي "عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: لا يكون شيء إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، قلت: ما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: ما معنى قدر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: ما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مرد له"(3). إذاً الله سبحانه بعد أن كوّن الأشياء بقدرتها ذرأها بمشيئته –وقد عرفنا أنّ المشيئة هي تقدير الأشياء- فكأنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) تريد أن تربط هذه الجملة بالسابقة، مشددةً على عمومية قدرة الله سبحانه. عندما سأل سائل المعصوم (عليه السلام): ما معنى قدر؟ قال (عليه السلام): تقدير الشيء من طوله وعرضه... . فالتكوين هو بذرأها، والذرأ بالمشيئة، وكلاهما راجعان للقدرة، والقدرة هي تقدير الشيء من طول وعرض –كما هو نص الحديث- . (من غير حاجة منه إلى تكوينها) السيّدة الزهراء (عليها السلام) تنفي حاجة الله سبحانه إلى أن يخلق الأشياء؛ لغناه المطلق، وإنّما الحاجة في ذلك ترجع إلى المخلوقات. (ولا فائدة في تصويرها) الجملة معطوفة على السابقة؛ فالجملتان تشتركان في حكمٍ واحدٍ، وهو نفي احتياج الله تعالى إلى هيكلة الأشياء بهذه الهيكلية التي هي عليها الآن. (إلاّ تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريته، وإعزازاً لدعوته) هذه العبارات هي جواب لسؤال مقدّر مفاده: إذا لم تكن هناك حاجة لله تعالى لأن يخلق المخلوقات بهذه الصور المعيّنة، فلماذا صوّرها بهذا التصوير؟ فكان جواب السؤال كما قالت السيّدة الزهراء (عليها السلام): 1- تثبيتاً لحكمة الله تعالى 2- تنبيهاً على طاعة الله تعالى 3- اظهاراً لقدرة الله تعالى 4- تعبّداً لبريّة الله تعالى 5- إعزازاً لدين الله تعالى *فأما الغرض الأول: فلأنّ الله سبحانه حكيم، والحكيم لا يصدر منه العبث، فتثبت له الحكمة من تصوير الأشياء بتلك الصور، وتلك الحكمة هي الغرض الثاني –الآتي بيانه- وهي التنبيه على طاعة الله تعالى، ولهذا جعلت السيّدة الزهراء (عليها السلام) غرض الحكمة أول الأغراض، فما أدق سلامة عقيدتها!. *وأما الغرض الثاني: فلأن الأشياء بصورها تكون مرئية –مجردة كانت كالملائكة حيث رأتها أعين الأنبياء، أو مادية كجميع المخلوقات التي ترى بالعين الباصرة- إذاً تكون محسوسة، وجميعها معلولة، والمعلول يدل بوجوده على وجود علّته، لكن ليس معنى ذلك أنّه لو لم توجد المعلولات (الأشياء المخلوقة) لا توجد علّتها (الله تعالى)؛ فانّ المخلوقات ليست دليلاً على وجود الله تعالى، بل هي تنبيهات للدلالة على وجوده، فأصل قضية وجود إله هي قضية بديهية وليست اجتهادية، والقضايا البديهية تحتاج إلى تنبيه وليس استدلال، وهذا ما تسالم عليه المتكلمون والفلاسفة. لــكن سبقتهم في التأصيل السيّدة الزهراء (عليها السلام) بقولها: "تنبيـــهاً على طاعته"، وحيث أنّ الطاعة فرع الوجود، ففرض الوجود مقرون بالتنبيه أصالةً، وبالطاعة عرضاً. *وأما الغرض الثالث: فقد اتضح للقارئ في الجملتين الأوليتين –جملة التكوين والذرأ- فثبت أنّ تصوير الأشياء على صورها هو إظهار لقدرة الله تعالى العامة، حيث هو القادر على كلّ شيء. *وأما الغرض الرابع: فهو مترتب على الأغراض السابقة، فالتعبّد فرع الطاعة، والطاعة فرع الوجود، إذاً التعبد فرع الوجود. أي إنّنا بعد أن تنبهنا إلى وجود إله قدير صوّرنا بهذا التصوير البديع وجب علينا شكره على عظيم النعم –وهذا ما يحكم به العقل- والشكر لا ينحصر بالقولي فقط، إنّما يتعدّى للفعلي منه، فتكون طاعة الله تعالى فيما يأمر به شكراً له، والتعبّد له –أي التسليم المطلق لما أمر به- لازم من لوازم الطاعة. *وأما الغرض الخامس والأخير: فهو إعزاز لدين الله تعالى، أي إنه تأكيد لما جاء به الدّين الإسلامي من دعوة، وهي دعوة لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، دعوة نفي الصدفة عن كونها علّة لإيجاد هذه المخلوقات على بديع الصور. ومن صفات ذلك الإله أنّه قادر، حكيم، مصوّر، مبدئ. _________________ (1) آل عمران: 189. (2) التوحيـد: للشيخ الصدوق، ص 139، ب 11، ح1. (3) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، باب المشيئة والإرادة، ح1. اللّهم بفاطمة وأبيها، وبعلها، وبنيها، والسّر المستودع فيها، صلِ عليها وعلى أبيها، وذويها، ولا تشغلنا عن بليغ كلامها، وعلوم ما فيها.
العقائدبقلم: علوية الحسيني ■السائل: السلام عليكم ما هو السبيل إلى رضا فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ ■المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بما أنّ السّيدة الزهراء (عليها السلام) يرضى لرضاها النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والله (سبحانه وتعالى)، فبالتالي يكون رضاها من رضا الله تعالى. وهي بدورها (عليها السلام) رسمت لنا سبل الوصول إلى رضوان الله تعالى، ومن يسع إلى تحقيق ذلك الرضوان الإلهي، يكن كان لها أقرب، وهي عنه أرضى. هنالك شروط ذكرتها السيّدة الزهراء (عليها السلام)، في أحد الروايات المروية عنها؛ حيث رويَ عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عني: أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟ فسألَتها، فقالت (عليها السلام): قولي له: إن كنتَ تعمل بما أمرناك وتنتهي عما زجرناكَ عنه، فأنت من شيعتنا وإلاّ فلا. فرجعتُ [أي زوجة الرجل] فأخبرته، فقال: يا ويلي ومَن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالدٌ في النار، فإنّ مَن ليس مِن شيعتهم فهو خالد في النار؟ فرجعَت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال زوجها، فقالت فاطمة (عليها السلام) قولي له: ليس هكذا فان شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي اعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا لـــيسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها، إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا" (١). فالرجل الذي سأل هل أنّه من شيعة محمد وآل محمد (عليهم السلام) يريد أن يعلم هل أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) راضية عنه أو لا، فكان جوابها (عليها السلام): أنّ من نرضى عنه يجب أن يكون ممتثلاً لأوامر الله تعالى، منتهيًا عن نواهيه تعالى. نعم، حالنا كحال ذلك الرجل، لسنا من أهل العصمة، فنرتكب الذنوب، ولا نعلم خاتمة أمرنا، لكن باب التوبة مفتوح، والعاقل من عرف عدوّه فاستعاذ منه، وأما من مات ولا توبة له فخاتمة أمره هي مرآة لمحل مصيره، فيعذّب في النار حتى يطهر من الموبقات التي ارتكبها ولم يتب منها في دار الدنيا، وقد تشمله شفاعة محمد وآل محمد (عليهم السلام) –ومن ضمنهم السيدة الزهراء (عليها السلام)- بإذن الله تعالى، فيأمر سبحانه وتعالى به إلى الجنة، فينال بعدها الرضا الإلهي، بتوسط رضا السيّدة الزهراء (عليها السلام). ونستطيع أن نقول بعبارة اخرى: بما أنّ إيماننا بأصول الدّين في مرحلة التصور الذهنية يبدأ من التوحيد وينتهي إلى المعاد، لكن في عالم التصديق الخارجي يكون العكس؛ حيث يتجلى لنا أصلان من أصول الدّين يكونان حلقت وصلٍ بين التوحيد والعدل من جهة، وبين المعاد من جهة أخرى، وهما (النبوة والإمامة)، وحيث إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) ربطت بين النبوة والإمامة فلولاها لم يخلق الله تعالى النبي الأكرم، وعلي بن أبي طالب (عليهما السلام)؛ إذ إنّه تعالى جعل إكمال دين محمد (صلى الله عليه وآله) بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لئلا تنطمس معالم الدّين، وهذه الولاية سفيرتها هي السيّدة الزهراء (عليها السلام)، الحجّة على أبنائها الحجج، فكانت الحلقة الرابطة المقدّسة المؤدية إلى الإيمان بأوائل الأصول. وهذه الميزة الاصطفائية جعلت رضا الله تعالى معلّقاً على رضاها، وغضبه تعالى على غضبها، وبالتالي يكون من رضيت عنه فإن الله تعالى راضٍ عنه، ومن غضبت عليه فالله تعالى غاضب عليه، ومن هنا جاء سؤالكم المبارك، الذي يستبطن سؤالاً مفاده (كيف نصل إلى رضوان الله تعالى؟)، وهو مرادف لما طرحتموه (كيف نصل إلى رضا السيّدة الزهراء (عليها السلام)؟). وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بالرضوان؛ حيث قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَر} (2) فيكون مقتضى حكمة الله تعالى عدم خلف الوعد، ووعده بالرضا يتحقق بواسطة رضا السيّدة الزهراء (عليها السلام). إذًا من خلال السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عرفنا أنّ هناك وليًّا، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) حفظ لنا الشريعة، وتلك الشريعة وصلت لهم عن طريق السفير الإلهي، النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، نقلاً عن الله الواحد الأحد. فإلى هذه الأصول وصلنا عن طريق السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وهذا مصداق ما نقرأه بالزيارة الجامعة الكبيرة: "السلام على الأدلاء على الله"، وعليه، من يدلّ على الله تعالى يكون تجلٍ من تجليات الرحمة الإلهية، لكنها رحمة محاطة بهالة قدسية لم يحط الله تعالى بها أحد من قبل، لا ملك مقرّب، ولا نبيٌّ مرسل، مقتضى هذه الهالة هو أنّه تعالى جعل رضاه من رضاها، بجعلٍ إلهي. وبعد معرفة تلك المقرونية بين الرضا الإلهي والرضا الفاطمي، يكون السبيل لتحصل ذلك الرضا مطلقًا هو قوله تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُول} (3)، فبطاعة الله تعالى ورسوله نيل الرضا، وذلك بالامتثال للتكاليف الإلهية، بالإضافة إلى الاعتقاد بالاعتقاد الحق، والتخلّق بأخلاق المطاع (صلى الله عليه وآله). ____________________ (١) تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ص٣٠٨. (2) سورة التوبة: ٧٢. (3) سورة آل عمران: ٣٢. اللهم جللنا برضاك بحق فاطمة وأبيها، وبعلها، وبنيها، والسر المستودع فيها، إنّك سميعٌ مجيب.
العقائدبقلم: علوية الحسيني ■تمهيد بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، محمّدٍ وآله ذوي السؤدد والجاه. قال تعالى في محكم كتابه، وعظيم تنزيله: بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (١) صدق الله العلي العظيم. حينما أفاض الله سبحانه نعمه الظاهرة والباطنة على عباده، ومنحهم مقاماً عظيماً بين مخلوقاته، ووفر لهم سبل تحقيق التكليف وأنواعه، كان حريًا بالعبد شكر خالقه، وذلك بالامتثال لطاعته. فما مدار طاعته لله تعالى، وما هي آلية الطاعة، والدليل عليها، وارتباطها بأصول الدّين، وآثارها الروحية؟ هذا ما سيتم بيانه ضمن المطالب التالية: ■المطلب الأول: مدار طاعة الله تعالى. إنّ الإيمان هو عرى العقيدة، وعليه تدور طاعة الله تعالى مدار الرحى، فهو السكينة المبثوثة في قلوب المؤمنين، بدليل ما روي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ هُوَ الإيمَان" (٢). ولتلك السكينة أو الإيمان ركنان لا ينفكان أبداً: اقرارٌ وعمل، بدليل ما روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عَلَيهِما السَّلام) قَالَ: الإيمَانُ إِقْرَارٌ وَعَمَلٌ..." (٣). -فإن قيل: إقرارٌ بماذا وعملٌ بماذا؟ -قلنا: إقرارٌ بالشهادة لله تعالى بالألوهية، ولمحمدٍ (صلى الله عليه وآله) بالرسالة، والعمل بما يترتب على تلك الشهادة من طاعةٍ وتسليم، وتصديقٍ وتفويض لله، ولرسوله، ولمن يوصيان بطاعته، فعن جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَأَلْتُ: أَبَا عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) عَنِ الإيمَانِ؟ فَقَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله قَالَ قُلْتُ أَ لَيْسَ هَذَا عَمَلٌ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَالْعَمَلُ مِنَ الإيمَانِ قَالَ لا يَثْبُتُ لَهُ الإيمَانُ إِلا بِالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ مِنْهُ" (٤). وبما أنّ المؤمن لا يكون مؤمناً فعلاً إلاّ إذا آمن بجميع أصول دينه، بمراتبها وشروطها -وأول أصول الدّين هو توحيد الله سبحانه، والتوحيد مراتب-، فيجب الإيمان بها جميعاً، ومن مراتبه: التوحيد في الربوبية، فالرب: " هو صاحب الإنسان ومدبر حياته ومخطط مساره، وخالقه"(٥). فكما يؤمن العبد بأنّ الله واحدٌ أحد، يجب أن يؤمن أنّ مدبّر أمره هو الله سبحانه، والتوحيد في الربوبية على أقسام، منها التوحيد في الطاعة، فوجبَ على العبد أن يطيع ربّه ليكون مؤمناً موحدا. وهذا الوجوب وجوبٌ عقلي، قبل أن يكون نقلياً -مما أشارت له الآية الكريمة-. ومعنى الوجوب العقلي: هو أنّ العقل يحكم بوجوب طاعة الخالق المدبر، وهو أمرٌ حسن، والعقل يدرك الحسن من القبح، فيوجب على صاحبه كل ما هو حسن. ووجوب الإيمان بالعقيدة يكون عن دليلٍ قاطع، وبرهانٍ ساطع؛ حتى يكون الإيمان راسخاً صلباً شامخاً، لا تعتريه الشكوك والظنون. ■المطلب الثاني: كيف أكون مطيعًا لله تعالى؟ عرفنا قبل قليل أنّ التوحيد في الربوبية أحد مراتب التوحيد، ولهذه المرتبة أقسام، منها التوحيد في الطاعة. ومعنى التوحيد في الطاعة: هو افراد الله سبحانه بالطاعة أصالةً دون أن أشرك معه أحداً، وتلك الطاعة تتمثل بالامتثال للأوامر، والاجتناب عن النواهي الواردة في الشريعة المقدسة كتاباً وسنةً. يقول الشيخ المفيد (قدّس سرّه): "فرائض الله جل اسمه لا تؤدى إلا بالطاعات في حدودها" (٦). فالعقل يدرك قطعاً أنّ ذمته مشغولة بالتكاليف الإلهية، والقطع حجة عليه، لذا يجب على العبد الامتثال لتلك التكاليف افراغاً لذمته. وأنّ الله تعالى الخالق لمخلوقاته الذي أخرجهم من كتم العدم إلى ساحة الوجود، هو المالك الحاكم لهم، المدبر لأمرهم، فالحاكمية تلازم الطاعة عقلاً؛ لأنّ حكومة الله تعالى بلا طاعة له تكون عبثًا ولغوًا - وتعالى عن ذلك علواً كبيراً-، ولهذا يلزم على المؤمن طاعة ربّه. ■المطلب الثالث: ما الدليل النقلي على طاعته تعالى؟ دلت آيات كريمة، وروايات شريفة، كثيرة، على طاعة الله تعالى، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} (٧). فالآية جاءت مخاطبةً المؤمنين بصيغة الأمر في مفردة (أطيعوا)، وصيغة الأمر ظاهرة في الوجوب كما هو متبادرٌ إلى الذهن. ولو تتبعنا في سيرة محمدٍ وآل محمد (عليهم السلام جميعًا) لوجدناهم أشدّ الناس امتثالاً لطاعة الله تعالى في السراء والضراء، والشدة والرخاء، رغم عصمتهم وضمان دخولهم الجنة، إلاّ أنّهم وجدوا الله أهلاً للطاعة فأطاعوه، وهم خير مثالٍ وقدوة لمن أراد الاقتداء، فمن أطاعهم فقد أطاع الله تعالى. ■المطلب الرابع: الارتباط الوثيق بين أصول الدّين وطاعة الله تعالى. إنّ الاعتقاد بلزوم طاعة الله تعالى له ارتباطٌ وثيق بالإيمان بجميع اصول الدّين. •فوجه ارتباطه بأصل التوحيد قد عرفناه من خلال الترابط بين مراتب التوحيد. •ووجه ارتباطه بالعدل الإلهي هو أنّه تعالى لا يحيف في حكمه، فيثيب المطيع، ويعاقب العاصي. •أما وجه ارتباطه بالنبوة فيتضح من خلال الإيمان بشخص النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يدلنا على التكاليف، وقوله وفعله وتقريره. •ووجه ارتباطه بالإمامة كذلك، فيلزم طاعة الله تعالى بما يلزم منه الإيمان بشخص الإمام والنص على إمامته. •ووجه ارتباطه بالمعاد فيتضح من خلال أداء العبد للتكاليف الإلهية ونيله الجزاء في يوم المعاد. ■المطلب الخامس: آثار طاعة الله تعالى. مما تجدر الإشارة إليه هو أنّ هناك آثاراً روحية تترتب على الإيمان بلزوم طاعة الله تعالى، منها: ١- القرب من الله (عزّ وجل). ٢-النجاة من الهلكة. ٣- نزول الرحمة والسكينة. ٤- حياة القلوب. ٥-دحض الشيطان. ٦-مراقبة النفس وتهذيبها. ٧-إشاعة روح تطبيق معالم الشريعة بتسليمٍ مطلق. ومن هنا حريٌّ بنا طاعة الله تعالى، والاتكاء على جدار الأسف؛ حزناً منّا على ما فرّطنا في طاعته سبحانه، والتمسك بتعاليمه، ففي ذلك الفلاح والصلاح. _______________ (١) النساء: ٥٩. (٢) الكافي: للشيخ الكليني، ج٢، ب١٠، ح١. (٣) المصدر نفسه، ب١٤، ح٢. (٤) المصدر نفسه، ب١٨، ح٦. (٥) الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل: للشيخ السبحاني، ج٢، ص٧٩. (٦) أوائل المقالات: للشيخ المفيد، ص١١٩-١٢٠. (٧) النساء: ٥٩. اللّهم ألهمنا طاعتك، وجنّبنا معصيتك، ويسّر لنا بلوغ ما نتمنى من ابتغاء رضوانك، وأحللنا بحبوحة جنانك، بلطفك ومغفرتك ورحمتك.
العقائدبقلم: علوية الحسيني إنّ مجريات الوضع الراهن في العراق هي من موجبات إدخال الأسى على قلب حجّة الله على الأرض الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ لأسبابٍ عديدة منها كونهم شيعته، وكون الدولة دولة حكومته العادلة. وبالتالي فإنّ كلّ فعلٍ أو ردّة فعلٍ من شيعته عمومًا، ومن شيعة العراق خصوصًا يغضبان الله تعالى ويغضبانه. وما نعرفه أنّ هيكلية الدّين الإسلامي عبارة عن ثلاثية لا ينفك بعضها عن بعض: 1/ أصول الدّين، وهي رأس المثلث، وتسمى بالعقيدة، التي تعنى بالاعتقاد بتوحيد الله تعالى، وعدله، وبنبوّة الأنبياء وتنزيههم عن المعصية، وبإمامة الأئمة وتنزيههم كذلك، وبالمعاد الذي هو يوم الحساب. 2/ فروع الدّين، وهي ما يسمى بعلم الفقه، الذي يعنى ببيان الأحكام الشرعية (واجب، حرام، مستحب، مكروه، مباح) في عبادات الإنسان ومعاملاته. 3/ أدبيات الدّين، وهي ما يسمى بالأخلاق، الذي يعنى بالتخلق بأخلاق القدوة الحسنة، محمدٍ وآل محمد (عليهم السلام). وبالتالي لو تخلّق المؤمن الشيعي بأخلاق الصفوة (عليهم السلام)، وأدّى تكاليفه الشرعية، لكنه جهل بأصول دينه –بعقيدته- لم يكن إيمانه كاملاً؛ لأنّه أخلّ بهيكلية النظام الدّيني الإسلامي. وفي يومنا هذا رأينا الحرق، والخراب، والدمار، والرقص، والغناء، والبهتان –اتهام الشخص بما ليس فيه-، فضلاً عن الغيبة، وسوء الظن، والتطاول على المرجعية أو التدخل في شؤونها، إن لم يزد على ذلك اتهام الله تعالى بالظلم لعباده!. وهذا وإن كان ردّة فعلٍ، وليس فعلاً دائميًا، إلاّ أنّه لا مسوّغ له بتاتًا؛ إذ يكشف عن عقيدةٍ مطعونة برماح الجهل بها، أو التشكيك فيها، أو الغفلة عنها. فحينما نردد كلمة (نريد وطنًا) يجب أن تكون عقيدتنا شامخة، هي منبع أقوالنا وأفعالنا. *فاتهام الله تعالى بالظلم لعباده، هو طعنٌ بعقيدتنا بثاني أصول الدّين وهو العدل الإلهي، وهذا سلوك خطير للغاية، مؤداه إلى الكفر –والعياذ بالله-؛ لأنّ الله تعالى عادلٌ لا يحيف في حكمه، ولأنّ الظلم قبيح، فامتنع على الله تعالى فعل القبيح. إنّ فهم مجريات الأحداث على أنّها ظلمٌ من الله تعالى هو فهمٌ قاصر ساذج، لا يصدر من مؤمن اثني عشري، قد نهل عقيدته من العترة المحمدية. فالظلم متحققٌ من العباد لأنفسهم، لا من الله تعالى، يقول تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}(1). ويقول تعالى منزّهًا نفسه عن الظلم لعباده، جاعلاً لهم البلاء جرس تنبيهٍ لهم لعلّهم يرجعون إلى طريق الله تعالى واستشعار معيّته، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون}(2). سكوتنا على الفساد الفكري والأخلاقي لا مبرر له شرعًا، ومن موجبات ظلم النفس وتعريضها للسطوة الإلهية؛ لأنّ الإنسان كخليفةٍ لله على الأرض يتعيّن أن يعمّ الصلاح والخير على نفسه ومجتمعه، ليليق بمنصب الخلافة، ومن يفعل غير ذلك فهو لضعفٍ أو جهلٍ في عقيدتنا في غرض الله تعالى في إيجادنا، ولهذا انتشر الفساد بكافة أقسامه –حتى المالي- في البر والبحر؛ نتيجة تهاون المجتمع بالتصدي للتعاون مع المختصين بالقضاء على الفساد الفكري ومحاربة البدع والشبهات. ونتيجة تهاون المجتمع أيضًا لردع الفساد الأخلاقي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة بالموعظة الحسنة. فما بال ثورتنا اليوم مقتصرة على الفساد المالي فقط؟!. ثم إنّ اقتصارها على هذا الفساد لا مدخلية له بظلم الله تعالى بتاتًا، فيبقى ظلم العباد لأنفسهم متحققًا على كلّ حال. *أمّا الرقص، والغناء، والبهتان، والغيبة، وسوء الظن، فهو طعنٌ بعقيدتنا في توحيد الله تعالى بالطاعة؛ إذ بهذه السلوكيات نطيع الشيطان، ونقرن طاعته بطاعة الرحمن، يقول الله الواحد الأحد في كتابه الكريم: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان}(3). فاتباع خطوات الشيطان يعني الطاعة والموالاة له، ومن والى الشيطان فقد أشرك بموالاة الله الواحد، يقول تعالى: { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينا}(4)، والخسران المبين هو خسران الدنيا والآخرة، فأمّا في الدنيا فإنّه يزيّن لأتباعه الفواحش ليرتكبوها، وما يترتب على الغناء والرقص والتسافل الروحي إلاّ ارتكاب الفاحشة، أو حتى التفكير فيها، يقول تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء}(5). وعقيدتنا في الله تعالى أنّه صادق في قوله، فكلّ ما جاء في الآيات صدقٌ، إذًا تعيّن ضعف عقيدة كلّ من أقدم على ذلك. وأما في الآخرة فالمثوى جهنم وبئس المصير. وهكذا بالنسبة للغيبة والبهتان وسوء الظن فهو عدم طاعةٍ لأوامر الله تعالى الذي أمرنا بالاجتناب عنها؛ قائلاً: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضا}(6). وبالتالي لا يقدم على ذلك أحد إلا لضعفٍ في عقيدته في طاعة الله تعالى. *وأما التطاول على المرجعية أو التشكيك في كلامها والتدخل في شؤونها، فهو طعنٌ بعقيدتنا في الإمامة، وحصرًا في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، الذي أخبر آخر سفرائه بوجوب رجوع شيعته إلى رواة حديثهم، ومنهم نائب الإمام (عليه السلام) في حال غيبته، "وهو الحاكم والرئيس المطلق، وله ما للإمام في الفضل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الامام، والراد على الامام راد على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله، كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت عليهم السلام"(7). أمّا الحرق، والتخريب، والدمار، هو فطعنٌ بعقيدتنا في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بعدم الحفاظ على دولته. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) موضحًا عاصمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) برواية مطلقة مفادها: "كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة، وقد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرّق الجنود في البلاد"(8). فالوطن الذي يقدسه وليّ الله المنقذ، والملائكة، لهوَ خير وطنٍ ويجب الحفاظ عليه بكل ممتلكاته ومبادئ دينه. كما وأنّ هناك نصوصًا روائية حددت محل عاصمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بأنّها الكوفة، منها رواية المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال المفضل: قلت: يا سيدي فأين تكون دار المهدي أو مجتمع المؤمنين؟ قال عليه السلام: دار مُلكه الكوفة، ومجلس حُكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين"(9). فالمجتمع الذي فسدت عقيدته، أو تعمّد الجهل فيها لا خير فيه حتى وإن حصل مواطنوه على متطلبات حقوقه، وليس الجهل العقائدي هو المعهود من شيعته ومنتظريه، فكل ما نريده وطنًا بعقيدة. نعم، حق التظاهر والمطالبة بمطاليب مشروعة مكفول دستوريًا؛ لما جاء في الدستور الوضعي العراقي سَنًّا لذلك الحق: "تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: ...حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون"(10) لكن بما لا يخل بالعقيدة، تعمدًا بالجهل، أو تماهلاً في التثقيف. فوطنٌ أبناؤه يجهلون ببعض عقائدهم لا نفع في خيراته المادية، ومن هنا يتضح أنّ هناك خيرات معنوية للوطن يجب أن نطلبها من الله تعالى للوصول إلى الكمال لحين زمن الظهور، واكتساء الوطن بالشرافة على جميع الأوطان، فلنردد (نريد وطنًا عقائديًا). فمن الثبات على العقيدة، والتثقف فيها تطبق فروع وأخلاقيات الدّين، وبالتالي لا غش، ولا فساد بكافة أقسامه، ولا اختلاس، ولا تزوير، وهلم جرًا من السلبيات المنتفَض ضدها. _______________ (1) النحل: 118. (2) الروم: 41. (3) البقرة: 168. (4) النساء: 119. (5) البقرة: 268. (6) الحجرات: 12. (7) عقائد الامامية: للشيخ المظفر، ص34. (8) البحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج52، ص337، عن إرشاد الشيخ المفيد. (9) المصدر نفسه، ج53، ص11. (10) الدستور العراقي، م38، ف3. اللّهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدُّنيا أكبر همّنا، واجعلنا من الممهدين المناصرين، بحق محمد وآله الطاهرين.
العقائدبقلم: علوية الحسيني قال منكرو بعثة الأنبياء: "من القبيح عقلاً اتِّباع رجل مثلنا يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق يعطى صفة النبي، وحيث لا مائز بينه وبيننا فلا يجب اتبّاعه". والجواب عن هذه الشبهة سيكون ضمن المطالب التالية: المطلب الأول: جذور هذه الشبهة. هذه الشبهة قد تناولها القرآن الكريم، حينما اتهموا النبي نوح (عليه السلام) بأنّه بشر مثلهم، بل ونعتوه بالجنون، وأنكروا رسالته السماوية، وادّعوا اختصاصها بالملائكة المتصلة بالغيب، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ* فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِين} (1). وفي نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) جرى هذا التهكم؛ حيث قال تعالى حاكيًا عن لسانهم: {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا} (2). فتهكمهم واضح بحق النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، "حتى استفهم الوثنيون فيما بينهم بأسلوب الاستفهام التعجبي، من كون الرسول يماثل المرسل إليهم ببشريته، فرهنوا الإيمان به لو كان مَلَكًا من الملائكة، وهذا زعمٌ منهم" (3). إذًا لهذه الشبهة تأصيل جذري كما لاحظنا في سياق الآيات القرآنية الكريمة، بل ولعلّها سؤالٌ مركوز في ذهن بعض المؤمنين، ولا ضير في طرحه ومعرفة جوابه؛ إذ لا تقليد في الجانب العقائدي، فلو سُئل أحدنا: لماذا النبي بشر؟ وما سبب تفضيله على العالمين إن كان بشرًا مثلهم؟ فيجب أن يكون جوابه موافقًا للكتاب الكريم والروايات الشريفة. وإذا كانت جذور الشبهة بهذا العمق فلابد من بيان جوابها بشكلٍ تدريجيٍّ منتظم. المطلب الثاني: ضرورة إنسانية النبي ومسانخته لمن أُرسل إليهم. إنّ المتأمل في الكتاب الهادي الرشيد، يجد أنّ الآيات الكريمة عديدة في بيان بشرية النبي (صلى الله عليه وآله)، منها: أولًا: آياتٌ صرّحت بكون النبي (صلى الله عليه وآله) بشرًا؛ فأمرَ الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يخبر الناس ببشريّته حصرًا؛ حيث جاء الأمر: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (4). ثانيًا: آياتٌ جاءت موضحةً لصورة النبي (صلى الله عليه وآله) للمرسلين بأنّه بعضهم، كقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مــــِنْ أَنْفُسِكُم}(5)، فالمولى استعمل (مِن) التي تفيد التبعيض – كما يقال: الكرسيُّ مصنوعٌ من الخشب، أي إنّ الكرسي خشب-، فالنبي (صلى الله عليه وآله) من بني البشر، له نفس إنسانية مثيل أنفسكم. ثالثًا: آياتٌ تعدّ بشريّة النبي (صلى الله عليه وآله) من المنن العظيمة التي منّ الله تعالى على عباده بها؛ حيث قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين} (6)، حيث إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لو كان غير بشر (مَلَكًا) لما استطاع يعلّم الناس علوم الدّين الإسلامي القويم؛ لأنّ المَلَك غير مرئي -في عالم الدنيا-، فبعث الله تعالى نبيّه بشرًا لتسهيل عملية هداية الناس، وليكون هو (صلى الله عليه وآله) قدوة لهم، فيقتدوا بشخصٍ يرون أفعاله، ويسمعون كلامه، حتى جعل الله تعالى قول وفعل وسكوت النبي (صلى الله عليه وآله) حجّة. رابعًا: آياتٌ تبيّن صفات النبي (صلى الله عليه وآله) البشرية، ومنها: 1/ النبي يحتاج إلى الله تعالى، قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه} (7). 2/ النبي يموت، قال تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون} (8). 3/ النبي ينام، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَه} (9). 4/ النبي يلبس الملابس، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} (10). 5/ النبي يفقر ويغنى، قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} (11). 6/ النبي يتعلم من الله تعالى، قال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك} (12). إذ "المراد بشرح صدره (صلى الله عليه وآله) في الآية جعله واسعًا لتلقي المعارف الإلهية الموحاة إليه" (13). 7/ النبي يأكل ويمشي، قال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق} (14)، وهذه الآية وإن استشهدوا بها لتأييد شبهتهم إلّا أنها على كل حال تدل على صفات النبي (صلى الله عليه وآله) البشرية، من مشيه، وأكله. فعقيدتنا في النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه بشرٌ مثلنا، إلاّ أنّ الله تعالى اصطفاه واجتباه؛ لاتصافه بصفات لا يدانيه بشر فيها. وإلى هنا يزداد التمسك بالشبهة، وما سلف أعلاه كان أشبه بالمؤيّد لها، فيبقى السؤال قائمًا: إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) بشرًا مثلنا فلماذا هو نبي دوننا؟ الجواب سيتكفل ببيانه المطلب التالي. المطلب الثالث: أفضلية النبي (صلى الله عليه وآله) في العوالم نعتقد كشيعة امامية أنّ الله تعالى لا يجبرنا على الأعمال الحسنة والسيئة، ولا يفوّض مطلقًا إلينا اختيارها، وإنّما أمرٌ بين أمرين. فأفضلية النبي (صلى الله عليه وآله) كان للنبي دخالة في تكوينها، مع جريان المشيئة الإلهية، في جميع العوالم. والتفصيل: أولاً: أفضلية النبي في عالم الملكوت. ففي عالم الذر، المسمى بعالم الملكوت، خلق الله تعالى مخلوقاته على هيئة أرواح، نثرهم وسألهم: مَن ربّكم؟ فأخذت جميع الأرواح تتأمل، ونطق أولها قائلاً: الله ربّي، وكانت تلك الروح هي روح النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) فكانت أول المسلمين بالله تعالى، فكان هذا من أهم أسباب أفضلية النبي في ذلك العالَم -الذر-؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين} (15)، وجاء في تفسير هذه الآية "أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أول المسلمين؛ لأنّه أول من أجاب في عالم الذر فكان إسلامه متقدمًا على إسلام الخلائق كلّهم" (16). كما أنّ الجانب الروائي جاء عاضدًا لذلك؛ حيث روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): "... فَلَمَّا أَرَادَ الله أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلام) وَالائِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا..." (17). وبالتالي، يكون أول من أسلم بربوبية الله تعالى أفضل من غيره الأنبياء والأوصياء، فحمّله ربّه العلم جزاءً له. ثانيًا: أفضلية النبي في عالم المُلك. ففي عالم الملك -عالم الدنيا- لا غبار على أفضلية النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث أعطاه الله تعالى منصب النبوة؛ لعلمه تعالى الأزلي بأنّ هذا الشخص يستحق كافة الكمالات، فأنزل عليه من الوحي لبيان أصول وفروع وأخلاق الدّين الإسلامي، فصار رسولًا ونبيًّا، رغم بشريّته إلاّ أنّه تميّز عن سائر البشر بما مرّ من مواقف، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا} (18). ونرى تأكيدًا من الله تعالى على بيان أنّ الوحي النازل على النبي الإنسان هو وحيٌ إلهي؛ لأنه تعالى بعلمه الأزلي كان يعلم أنّ هناك من سيحاول التشكيك في مصدر الوحي النازل على النبي (صلى الله عليه وآله). وفعلاً "زعم بعض الذين حاولوا الجمع بين تصديق الانبياء والأصول العلمية الحديثة المادية بأنّ الوحي نتيجة النبوغ، وزعم المستشرق مونتييه بأنّ الوحي هو تجلي الأحوال الروحية، وزعم بعض الغربيين بأنّ الوحي هو ظهور الشخصية الباطنة للنبي، وقد دحضت تلك النظريات"(19). وما ختْم الله تعالى النبوة والأديان بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وبدينه إلاّ خير دليلٍ على الأفضلية؛ لعالمية دينه، وشموليته رسالته، ومحمودية مقامه عند خالقه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون}(20). ثالثًا: أفضلية النبي في عالم المعاد. ففي يوم الحساب يتجلى لنا موقف آخر يبيّن لنا أفضلية النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، حيث يكون شاهدًا على أمته أثناء حسابهم، قال تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدا} (21)، فجعل الله تعالى له كشهيدٍ على أعمال أمته دليل على تمييزه وتفضيله منزلةً عند خالقه. المطلب الرابع: النهج النبوي في رد الشبهة. حتمًا أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وآله) يأخذ نهجه من الله تعالى عن طريق الوحي، فهو لا يقول شططًا، ولا يفعل سفهًا؛ لعصمته. فجاءت الأوامر الإلهية له بأنّ يوضح لمنكري نبوّته، أو أفضليته، أو المستنكرين انسانيته، بأن يهجرهم؛ قال تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِين} (22). وما هجره لهم إلاّ بعد العمل على هدايتهم ورفضهم، فالنبي (صلى الله عليه وآله) بيّن معالم النبوّة ووجوب الإيمان بها، وخطورة الكفر بها، إلاّ أنّ القوم ران على قلوبهم فحجبوا عنها معرفة الحق، ولهذا رفع الله تعالى عن نبيّه (صلى الله عليه وآله) اللوم بتركه لهم؛ قال تعالى آمرًا نبيّه: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُوم}(23)، وعدّ ذلك تنزيهًا لنبيّه عن مجادلة الجاهلين لمقامه، قال تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} (24). وهذا النهج يكشف لنا عن ركاكة الشبهة، وإلاّ لما صدر الأمر الإلهي بتجاهل من ينكر أفضلية النبي (صلى الله عليه وآله) الواضحة وضوح الشمس، وثبت أنّهم معاندون ليس إلّا، ولا يقبح اتباع النبي (صلى الله عليه وآله) لأنّه أفضل، إنّما القبيح عقلاً هو اتباع المفضول، وحيث إنّه لا فاضل إلاّ النبي (صلى الله عليه وآله) إذًا وجب عقلاً اتباعه. _________________ (1) الأعراف: 59. (2) الفرقان: 7. (3) ظ: الميزان في تفسير القرآن: للسيّد محمد حسين الطباطبائي، تفسير سورة الفرقان، آية: 7. (4) فصلت: 6. (5) التوبة: 128. (6) آل عمران: 164. (7) الأعراف: 188. (8) الزمر: 30. (9) المزمل: 20. (10) المدثر: 4. (11) الضحى: 8. (12) الانشراح: 1. (13) ظ: المصدر السابق، تفسير سورة الانشراح، آية: 1. (14) الفرقان: 7. (15) الأنعام: 163. (16) ظ: تفسير الصافي: للشيخ محسن الفيض الكاشاني، تفسير سورة الأنعام، آية: 163. (17) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، باب العرش والكرسي، ح7. (18) الكهف: 110. (19) راجع الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل: للشيخ حسن العاملي، ج3، ص131-146. (20) التوبة: 33. (21) النساء: 41. (22) الأعراف: 93. (23) الذاريات: 54. (24) الأعراف: 199. وصل اللّهم على سيدنا في الوجود، صاحب لواء الحمد والمقام المحمود، محمد وآله الطاهرين أولي الكرم والجود.
العقائدبقلم: علوية الحسيني المطلب الثاني: المعرفة بالقضية الحسينية •الفرع الأول: حدود المعرفة بالقضية الحسينة إنّ القضية الحسينية بحد ذاتها ليست ملفًا حاويًا فقط للمآسي والفجائع كما يراه البعض، بـل فيها جوانب مشرقة، كانت شعاع انطلاق العديد من أبناء الشيعة الإمامية إلى السمو الروحي، والارتباط الحميم الوثيق بين العبد وربّه، لا بل وحتى المستبصرين. فالقضية الحسينية اجمالًا هي حلقةُ وصلٍ بين الإمامة والتوحيد، وعيشٌ يهدف للنصر والتجريد، ومحاربة جورٍ بقلبٍ كالحديد، والحفاظ على معالم الدّين من الانطماس أو التجديد. •الفرع الثاني: هل للمرأة دور في المعرفة بالقضية الحسينية؟ نعم، للمرأة دورٌ في القضية الحسينية بالجانب المأساوي والإشراقي، وخير انموذج السيّدة زينب التي واكبت أخاها الحسين (عليهما السلام). وكان دورها أساسيًا ومفصليًا في معركة الطف وما بعدها، فكانت المثل الأعلى للصمود، وهذا ما تجلّت به صفاتها (عليها السلام)، والتي أهمها: العلم والشجاعة، حيث "كانت ألمع خطيبة في الإسلام؛ فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي، وذلك في خطبها التاريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية. لقد نشأت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في بيت الوحي ومركز العلم والفضل، فنهلت من نمير علوم جدّها وأبيها وأخويها، فكانت من أجلّ العالمات، ومن أكثرهنَّ إحاطة بشؤون الشريعة وأحكام الدين [وهذا الدور يشير إلى أهمية التربية الصالحة وحصاد نتاجه]" (9). ومما امتازت به البلاغة، فما خطبتها إلاّ دليل بلاغتها، فقد استخدمت أساليب البلاغة، كالتلميح والتصريح، والبديع، والتشبيه، المعاني، والكناية، والمجاز، والاستعارة، وغيرها. كما جسدت الصبر، فقد مثلت صبر أبويها (عليهما السلام). ونلحظ تعاليها على الظالم، فما جلوسها في ناحية إلاّ دليل على تعاليــها على اللعين وشرذمته، إلاّ أنّ اللعين يبدو أنّه قد اكتسى بثوب الذلة حينما تتجاهل أصـل وجوده، بل وسؤاله امرأة سبية، "فنظر اللعين ابن زياد الى الحاضرين أمامه وتفحص كلا منهم بنظرة، ثم تساءل عن هذه المنحازة وحدها ومعها نساؤها وهي شامخة الرأس عالية، فلم تجبه العقيلة السيدة زينب، فأعاد تساؤله ثلاثا دون ان ترد عليه، فقال بعض امائها، هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبنت الإمام علي (عليه السلام)". لعمري ما أصعبه من موقفٍ على اللعين ابن زياد وقد مسحت كرامته أرضاً بسكوتٍ من أميرة الكلام (عليه السلام)، فكيف به لو تكلّمت ؟ ولهذا كان لتعاليها -سكوتها- (عليها السلام) ردّة فعلٍ من ذلك اللعين "فقال متشفيًا فيها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم". فمن خلال ذلك كلّه يكون بإمكان المرأة معرفة بالقضية الحسينيّة بالاقتداء بالنهج الزينبي. ___________________ (9) السيدة زينب (عليها السّلام) رائدة الجهاد في الإسلام: باقر شريف القرشي، 46.
العقائدبقلم: علوية الحسيني المطلب الأول: معرفة المرأة بالله تعالى جاءت الآيات الكريمة والروايات الشريفة حاثة على معرفة الله تعالى، فالآيات رتبت على معرفة الله سبحانه الإيمان بصفاته، وعدله، ونبوته، وخلافته، ومعاده. في هذا المطلب سنعرف حدود تلك المعرفة، وهل بالإمكان أن يكون للمرأة دور في تلك المعرفة؟ أم أنّ المعرفة منحصرة بالرجال دون النساء؟. •الفرع الأول: حدود المعرفة بالله تعالى. إنّ كمال الدِّين هو معرفة الله سبحانه وتعالى، كما قال الإمام سيّد الموحدين علي (عليه السلام): "أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُه" ثم يبيّن الإمام كمال وكيفية معرفة الله تعالى فيقول: "وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُه" (3). والتوحيد هو الاعتقاد بأنّ الله تعالى واحدٌ أحدٌ، ليس كمثله شيء، قديمٌ، سميعٌ، بصيرٌ، عليمٌ، حكيمٌ، حيٌّ، قيومٌ، عزيزٌ، قدوسٌ، قادرٌ، غنيٌّ. لا يوصف بجوهرٍ، ولا جسمٍ، ولا صورةٍ، ولا عرضٍ، ولا خطٍ، ولا سطحٍ، ولا ثقلٍ، ولا خفةٍ، ولا سكونٍ، ولا حركةٍ، ولا مكاٍن، ولا زمان. وأنّه تعالى منزّه عن جميع صفات خلقه، خارج من الحدَّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه. وهذا ما تعتقد به الشيعة الامامية. لكن تبقى مسألة مهمة لابد من الإشارة لها وهي: كيف نعرف ذات الله تعالى؟ الجواب: لا يمكن ادراك كنه ذات الله تعالى عقلاً ونقلاً. فأمّا عقلاً: فالعقل البشري يعجز عن إدراك ماهية الذات المقدّسة؛ لقصور ادراكه، ولابدّ للواصف –العقل البشري- أن يكون إمّا بمرتبة الموصوف -الله تعالى-، أو أعلى مرتبة منه، لكي يصفه، فإن كان الواصف بمرتبة الموصوف فهذا يلزم إحاطة المحاط بالمحيط، وهو باطل. وإن كان الواصف أعلى مرتبةً من الموصوف فهذا يلزم انقلاب الممكن إلى واجب والواجب إلى ممكن، وهو باطل أيضاً. إذاً عقلاً لا يمكن إدراك كنه ذات الله تعالى؛ فالنّاقص لا يوازي الكامل، والعاجز لا يساوي القادر. وأمّا نقلاً: ففي رواية "عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): تكلموا في خلق الله ولا تكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزيد إلاّ تحيّرا" (4). ولكن هذا لا يعني أنّ الشيعة الامامية سدّت باب المعرفة بالله تعالى، وعطّلت العقول عن تلك المعرفة، وإنّما للمعرفة درجات، والائمة (عليهم السلام) لم يتركوا شيعتهم دون توضيح لأدنى المعرفة بالله تعالى، حيث روي "عَنْ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ عَن أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلام) سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: الاقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ، ولا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ، وأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ، وأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (5). وهذا ما أشارت إليه الآيات الكريمة كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب} (6). •الفرع الثاني: هل للمرأة دور في المعرفة بالله تعالى؟ ظهور الآية الكريمة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب}(7) يدل على أنّ اولى الألباب يتفكرون في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وبالتفكر يعرفون الله تعالى من خلال آياته، واولي الألباب يشمل الرجال والنساء، بدلالة السياق الخطابي للقرآن الكريم حينما يريد تكليف الجنسين يعبّر عن ذلك بصيغة الجمع كما هو واضح في آية {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} (8). إذاً التكليف بإقامة الصلاة لا ينحصر بجنس الرجال دون النساء، بل صيغة الجمع تدل على شمول كلا الجنسين بالتكليف، فكذلك أمر معرفة الله تعالى من خلال مخلوقاته –آيات-، والظهور حجّة، وفي ذلك قوّة للدليل على شمول النساء بإمكانية معرفة الله تعالى. ________________________ (3) نهج البلاغة : 39. (4) التوحيد: الشيخ الصدوق، ب67، ح1. (5) اصول الكافي: الشيخ الكليني، ج1، ب26، ح1. (6) آل عمران: 190. (7) آل عمران:190. (8) النور: 56.
العقائدبقلم: علوية الحسيني نحن نعلم أنّ لكل شيءٍ كمالًا، وكمال الدّين معرفة الله تعالى، والعاقل من بني البشر يرغب بنيل الكمال، فكما الرجل يرغب بنيل تلك المعرفة كذا المرأة؛ لصالحية العمل المستمدة من الآية الكريمة: { أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}. تتجلى أهميّة هذا البحثِ في ربط العقيدة بالعمل الفقهي أو الأخلاقي، من خلال معرفة رأس هرم كل من الطرفين، فرأس هرم العقيدة هو توحيد الله تعالى ويكون بمعرفته سبحانه، ورأس هرم العمل -فقهيًا كان أم أخلاقيًا- هو الامتثال لأوامر الله تعالى والتخلّق بأخلاقه يكون بمطلق الإذعان والتسليم، والصبر على الضراء. ويؤيد ذلك ما روي عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنه قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلَى مَا مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ نَعِيمِهَا، وَ كَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَئُونَهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَ لَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ (جَلَّ وَ عَزَّ)، وَ تَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) آنِسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَ صَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ، وَ نُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَ قُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ، وَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ". وله أهمية اخرى وهي: إماطة اللثام عن الدور المعرفي لرؤوس أهرام العقيدة والعمل الذي ممكن أن تصل إليه المرأة، وعدم حصر ذلك بالرجال، وهذا ما يدل على احترام وتوقير الدّين الإسلامي -من بين سائر الأديان- للمرأة. لقد حكى لنا التاريخ نماذج نسوية يقتدى بهنّ وصلنَ إلى درجة المعارف الإلهية، وانموذج بحثي اليوم من بعد السيدة الزهراء (عليها السلام) السيدة زينب (عليها السلام) أتاح للنساء فرصة إمكانية الولوج إلى عالم المعرفة الإلهية، حيث استمدت السيّدة علومها من أمها وأبيها (عليهما السلام) سادة التوحيد. فحكى لنا التاريخ نموذجًا صالحًا، بلغ مقام المعرفة بالله تعالى حتى انعكست الأشعة الذهبية من تلك المعرفة على عملها في السراء والضراء، لاسيما ما حصل من أحداث السبي وكربلاء. وعليه، تناولت في بحثي هذا معرفتين مهمتين هما: المعرفة بالله سبحانه وتعالى، والمعرفة بالقضية الحسينية، ودور المرأة في كلّ معرفة استقلالًا، ثـم بيّنت أثر المعرفة الاولى في الثانية ودور المرأة في توظيف ذلك الأثر. وكانت السيّدة زينب (عليها السلام) انموذج بحثي هذا، ومنه انطلقت لبيان نقاط اقتداء النساء في عصرنا هذا بالسيّدة (عليها السلام) في التبحر في المعرفتين أعلاه، ومعرفة دورها كجزء من المجتمع. هدفي من البحث هو النهوض بالعنصر النسوي، وتحفيز إبداعهن في شتى مجالات الحياة، لينشرنَ العلم والوعي، منطلقاتٍ من مبدأ رصين الأساس، ثمر النتاج، شديد الأهمية، ذلك المبدأ هو مبدأ السيّدة الحوراء (عليها السلام). البحث كان على ثلاثة مطالب: الأول منه انفرد بمعرفة الله سبحانه، وبيّنت فيه حدود تلك المعرفة وفضلها، ثم تطرقت إلى دور المرأة في تلك المعرفة وامكان وصولها للمعرفة الإلهية. والثاني منه انفرد بالمعرفة بالقضية الحسينية، وبيّنت فيه كذلك حدود تلك المعرفة وأهميتها، ثم تطرقت إلى دور المرأة في تلك المعرفة، وتمحور الكلام حول السيّدة زينب (عليها السلام). أمّا الثالث منه فلعدم انفكاك المعرفتين عن بعضهما بيّنت فيه الارتباط الوثيق بين المعرفة بالله تعالى وبين المعرفة بالقضية الحسينية، ثـم عرّجت على بيان كيفية توظيف معرفة السيّدة زينب (عليها السلام) في وقائع القضية الحسينية، وعلى أثر ذلك تطرقت إلى بيان مكانة المرأة اليوم إن أرادت الاقتداء بمولاتها الحوراء (عليها السلام) علمًا وعملاً، فأثبت مقامها الرسالي قرآنيًا، وضرورة مشاركتها للرجال في مهامٍ تنهض بالمجتمع نحو حياة أكثر وعيًا وعلمًا. وفي الخاتمة استصرخت بعض النساء اللواتي يتقاعسن عن القيام بدورهن الوظيفي، ولا يبدين اهتمامهن بمجريات أمور المجتمع، ويدّعين بأنّ الاسلام قد ظلم المرأة وجعل مكانة الرجل أعظم من مكانتها! فمن الطبيعي من تتكاسل عن النهوض بمجتمعها يحتاج لها معرفة بالله تعالى أولاً ثم بالقضية الحسينية وعلم وعمل السيّدة (عليها السلام) ثانيًا، حتى تعرف الدور المناط بها كامرأة. وأسأل الله الواحد الأحد حُسن القبول، وأن يجعله لي منارًا كي أسيرَ في دربِ الموحدين المُخلصين، وأن يضيء بهِ بصيرةَ كلٍّ مَن انغمرَ في عالم المُلكِ، هوَ نِعمَ المولى ونِعمَ المُجيب، وما توفيقي إلاّ باللهِ عليهِ توكلتُ وإليهِ اُنيب. المطلب الأول: معرفة المرأة بالله تعالى، يأتي تباعًا إن شاء الله تعالى في الحلقة ٢.
العقائديستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى