Profile Image

حنان الزيرجاوي

غذاء الجسد وغذاء الروح

سبحان الله خالق الخلق، ومدبر الأمور، عجيب الصنعة، ورائع التدبير والخلق، الذي جعل في الإنسان نوعين من الغذاء، لعله يتبصر ويتفكر فيهتدي إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى وهما: -الغذاء الجسدي -الغذاء الروحي إن كُلّاً من الروح والجسد يحتاج في تأمين سعادته ووصوله إلى كماله اللائق به إلى الغذاء الكامل والجامع، وإن فقدان أي عنصر من الغذاء يهيىء تربة مساعدة للإنحراف أو الضعف في الروح والجسد. قال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ سورة عبس (الآية ٢٤) باعتبار أن الدين الإسلامي دين متكامل من جميع النواحي، بديهي أن الإنسان يجب أن يهتم بطعامه، فالجانب الصحي من ضمن الاهتمامات التي أمر بها الإسلام من أجل الحفاظ على الصحة، وهذا الاهتمام بالغذاء المادي الذي نأخذه عن طريق الطعام الذي نأكله، يعتبر من جهه مادية، وعلى الرغم من وجود الرقابة الجسدية على الطعام تجدنا نهتم بهذا الجانب دون أن نبدي اهتماماً بالغذاء الروحي. "عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال: في قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) قال: علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه فلينظر الإنسان إلى طعامه" (1). نجد الأئمة (عليهم السلام) يعبرون في موارد أخرى عن التعاليم الروحية بـ (الغذاء) أو (الطعام)، ويعتبرون التعلم غذاء الروح. لا شك أن العلم غذاء الروح كما أن الطعام غذاء الجسد، فكما يجب على الإنسان أنْ يعرف أنّ الطعام الصالح والغذاء النافع كافل لسلامة الجسد وصحة البدن، كذلك يجب عليه أنْ يعلم أنّ العلم النافع والغذاء الصالح لتنمية روحه وتزكية نفسه ليرتقي سلم الكمال والقرب إلى الله. قال تعالى : [فلينظر الإنسان مما خلق] سورة الطارق (الآية ٥) فلو عرف الإنسان ممَّ خلق ولِمَ خلق وإلى أين سيذهب لما أصّر على الانحرافات. لذلك على الإنسان أن يراعي الدقة في أخذه للعلوم المتصلة بأمور العقيدة حرصاً على أن لا تتلوث روحه بمعارف هي بعيدة عن مصادر العقيدة الحقة. أي إنه ينبغي له أن يأخذ علمه من مهابط الوحي ومنابع الحكمة أهل بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا نبالغ إنْ قلنا إن غذاء الروح أهم من غذاء الجسد في أكثر المراحل إلا الضرورة فلماذا يهتم الإنسان بجسده ويغفل عن روحه؟ إن المعدة إذا تسمّمت بالطعام الفاسد فهناك طبيب يقوم بالعلاج أما الفكر إذا تسمم بالفكر الهدّام فهل هناك من يغسله ويعالجه؟ إن الأفكار الهدامة تسمّم العقل وتؤدي بصاحبها إلى الإنحراف، والانصراف عن كل ماهو مفيد إلى ماهو ضار ومدمر. لذلك يجب أن نتخذ الطريق الصحيح المستقيم الذي ينبع بالأفكار الصحيحة، وهو الطريق الذي رسمه أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لإن التراث الفكري والمعرفي الذي وصلنا عن طريق أهل بيت العصمة( عليهم السلام )يمثل ينابيع تتدفق بغزارة، ويمكن للشارب أن يشرب منها وهو مطمئن كل الاطمئنان. إن غير المتزن هو من إذا مرض بدنه يعالجه بكل العلاجات ولكن إذا مرضت روحه وتلوثت بلوث الذنوب يتركها بلا علاج مع أن بدنه سوف يأكله التراب وروحه سوف تبقى خالدة... إذن أيها الإنسان مَنْ أولى بالعلاج هل البدن أم الروح؟ إن غذاء الجسد لابد منه، (فلو لا الخبز ما عبد الله) كما ورد لكن لا يكون على حساب غذاء الروح بل يلزم الإكتفاء بغذاء الجسد بأدنى المراتب والاهتمام بغذاء الروح غاية الاهتمام لأن الجسد يبلى ويفنى والروح باقية، فما الجسد إلا مركبة للروح، واجب علينا أن نهتم به من أجل أن تقوم الروح بواجبها في عبادة الله وطاعته والاتصال به، أما ما حدث فإننا ارتقينا بالجسد حتى لا يبقى للروح أثر. اسأل الله أن يوفقنا لإصلاح أنفسنا وأن لا نكون من الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. ---------------------------------- (١)- شرح أصول الكافي -- ج ٢ - الصفحة ١٩٥

اخرى
منذ 5 سنوات
11742

ماذا لو صلى بنا الإمام المهدي عجل الله فرجه صلاة العيد ؟

لكل صلاة جماعة إمام يؤم المصلين، فالصلاة قبلة الحب والاحترام ، الصلاة أخلاق العبد وهي ما تضيف له الوئام ، الصلاة أدب ونور على طول الأيام ، الكل مباح له أن يصليها ، ولكن أين منها صاحب الزمان والزمام ، بيده زمامها ونحن ننتظره بحرقة على طول الدهر ونحن في اهتمام ، متى يعلن ظهوره كي نأتم به صلاة القرب بأحلى إمام وأحلى تمام. دعونا نتأمل قليلا... لو كان الإمام هو من يؤم صلاة العيد او صلاة الجمع... ماذا سيحدث؟! صلاة تتحول من مستحبة لصلاة واجبة. صلاة تجمع كل المسلمين وتتوحد باذان واحد وإمام واحد ... سيدي يا صاحب الزمان، كلما مر العيد وانت غير موجود بيننا ازداد حزننا . فأنت الذي يجب أن يؤم المصلين هذا اليوم. فيسعد الناس برؤية وجهك. سيدي متى ترانا نراك تؤم الملأ ؟! ترى هل سنكون من المصلين خلفك .... كأني أتخيل ذلك المنظر... منظر هو الأقرب الى العين اكتست السماء باللون الأخضر أصبحت كأنها لون عمامة رسول (الله صلى الله عليه وآله) وأمامنا أمام الهدى، نور الله على الأرض، ووجه نبيه الطاهر محمد (صلى الله عليه وآله)، علم الدين، وإمام المتقين، ملئت السماء الخضراء على عرضها طيور النورس البيضاء مرفرفة بأجنحتها تحمل في مناقيرها ورودا حمراء كأنها تستقبل ضيفا. أصبحنا لانسمع غير أصوات الصلوات والتسابيح والدعوات، أما الأرض فغطاؤها اللون الأبيض، أصبحت طريقا واحدا منبسطا كأنها تهيأت ليسير عليها ملك من السماء وفي نهاية الطريق أعد العمل لمسرح كبير تتوسطه منصة خشبية كأنها ساجدة لله سجدة شكر بعد طول انتظار يبدو عليها الوقار أ تساءل؟ من ذا الذي سيخطب؟!! عليها ستار في أول سويعات النهار عند شروق أول خيط للشمس، حتى الشمس خجلت من الظهور اليوم وكأن أحدا أكثر منها نورا سيسلب منها هيبة شروقها لنا مضيئة منذ أن خلق الخلق .... منظر وكأن الدنيا كلها انتظرته دهورا وهي تعد له العدة منظر يصعب على الكل تخيله، منظر مهيب، ووقت فريد، والنور لابد منه لتكون الأبصار شاخصة لإعلان الشمس عن شروقها لتعلن العيد فهو عيد فريد يتميز عما مضى من أعياد في الدهور السابقة، فهنا وعلى الأرض ستقام وما إن حان وقت الصلاة أسدل الستار عن المسرح ليتراءى للناس منظر كأن المأذنة في السماء كأن صوتا واحدا يشد الناس بالانتباه اخترق الصوت قلوب الناس قبل آذانهم بالتكبير كأنه الشلال يسقي ولا يغرق !! نعم فقد سقى الناس بكل رقة كالندى الذي يتساقط على الزهور الذابلة بعد أعوام عجاف لترتد الروح فيها كأن منقذا أتى لينقذنا من ضلال أنفسنا ! نعم فهو صوت منقذنا وأمامنا أمام الهدى نور الله على الأرض ووجه نبيه الطاهر محمد (صلى الله عليه وآله) علم الدين وأمام المتقين. قلبي اليك من الاشواق محترق ودمع العين من الآماق مندفع الشوق يحرقني والدمع يغرقني فهل رأيت غريقا وهو محترق اللهم وفقنا لنكون صادقين وأمناء حتى نحقق الاستعداد لظهور وليك المهدي عجل الله فرجه الشريف لكي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
4296

كذب مفترى

انتشر على الشبكة العنكبوتية مقولة نسبوها إلى أمير المؤمنين – عليه السلام- (لا تبك على وسادتك فلن تغيّر من الأمر شيئًا وابك على سجادتك وسيرزقك الله بعد العسر يسرًا). أن هذه المقولة ليست من الروايات أصلًا. فهو كذب نسب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ). مضافاً إلى أن القرآن الكريم يقول (فإنّ مع العسر يسرًا) ولم يقل (بعد العسر). المقولة نفسها من حيث المعنى تهدف إلى اللجوء إلى الله والتضرع له بالصلاة والسجود والبكاء، بدل حالة اليأس التي تصيب الإنسان وقت وقوعه بمشكلة ما، وهذا أمر لا بأس به بلا أدنى شك. ولكن علينا أن نتذكر أن من آداب الدعاء هو أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة ، لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة الدعاء عند الشدة ، ولا ينتظر أن يقع في الشدة ليدعو الله تعالى. قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه : ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ..) الزمر : ۸ وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ).(١) وكان من دعاء الإمام السجاد ( عليه السلام ) : ( ولا تجعلني ممن يبطره الرخاء ، ويصرعه البلاء ، فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة ، ولا يذكرك إلا عند وقوع جانحة ، فيضرع لك خدَّه ، وترفع بالمسألة إليك يده ) .(٢) إنها مسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل، فلا ينبغي للإنسان أن ينشر كل ما يقرأ أو يسمع إلا بعد التحقق من صحة الحديث والرواية من حيث السند والدلالة. قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، فالإنسان مسؤول عن سمعه وقلبه وبصره فالواجب عليه ألا يقول: سمعت كذا إلا عن بصيرة، ولا يقول: نظرت كذا إلا عن بصيرة ولا يحكي إلاعن بصيرة أو يعتقد بقلبه إلا عن بصيرة، لأنه لابد أن يكون مسؤول، فالواجب عليه أن يتثبت وأن يعتني؛ حتى لا يتكلم إلا عن علم ولا يفعل إلا عن علم ولا يعتقد إلا عن علم؛ ولهذا قال جل وعلا: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، قال أمير المؤمنين( عليه السلام )في وصيته لابنه محمد ابن الحنفية رضي الله عنه: يا بني لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كلما تعلم فان الله تبارك وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرايض يحتج بها عليك يوم القيامة ويسألك عنها وذكرها ووعظها وحذرها و أدبها ولم يتركها سدى، فقال الله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " وقال الله عز وجل: " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هنيئا وهو عند الله عظيم " (٣). وعليه فإننا مسؤولون أمام الله تعالى يوم القيامة عن أي حركة أو سكنة ومنها نشر الكلام المنسوب لأمير المؤمنين ( عليه السلام ). على أن نشر مثل هكذا احاديث وروايات منسوبة يفتح بوابة الابتداع ونشر الخرافات. وفي الختام نقول: إن المقولة المنسوبة للأمام علي عليه السلام هي مجرد كلام لغط واضح لا يمت بصلة لبلاغة و لا تحتضنه فصاحة فكيف يصدر عمن كانت البلاغة و الفصاحة دأبه وهو أمير البلغاء، ولا يوجد لها دليل في الكتب الحديثية. رغم إمكان قبول بعض من معناه كما تبين. ---------------------------- (١) -الكافي ج ٢ص ٤٧٢ (٢)- الصحيفة السجادية (٣)-جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٨ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
3443

أقوال كاذبة النسبة

انتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3

اخرى
منذ 5 سنوات
28524

بين نار الظالم... وآهات المظلوم

آه آه... رُب سائلٍ يسأل أي قصة هذه تبدأ بـ آه!! نعم يا عزيزي إنها قصتي، إنها بداية وجعي، فأنا صاحبة آه المظلومة، عانت من نار الظالم. ومن الظالم يا ترى؟ هو ليس ذلك الحاكم الذي يأخذ كل سفينة غصبا. هو ليس ذلك السياسي الذي نهب البلاد والعباد. أريد أن أكتب ولا أعرف من أين تبدأ السطور، ومتى أرتلُّ الحروف وهي باكية على صبابتي، عن الظلم الذي لا أستطيع أن أتخلص منه، وكيف التخلص وأنا في سجن البيت والجلاد على رأسي ماسكا سيف الموت وبفمه حروف الفجور والطغيان! نعم يا عزيزي، الظالم هو ذلك القريب من نسباً، البعيد عني حسباً، فقد حسبته جليس وحدتي عند شدتي، وماسح دموعي عند هجوعي، ولكن وجدته سبعاً ضارياً! يا ترى، من يكفكف دموعي؟ أليست عائلتي التي أحسن بها ظناً، لِمَ يُسيؤون بي الظن؟ ويتهمونني بشتى أنواع التهم؟ أليسوا هم حزام أماني، ورياحين أيامي؟ فلِمَ ينهشون بعظمي ويهدمون كياني! أين المسير يا رب، وإلى من المشتكى؟ أ إلى قريب يتهمني، أم إلى بعيد يتهكمني؟! لا أستطيع الدعاء عليهم فهم أهل خزانتي، ولا أستطيع الرضا عنهم لأنهم محطموا أحلامي، قاتلوا كل أفكاري! فها أنا ذا يا قارئ الكلمات بين المطرقة والسندان، مطرقة ظلم القريب، وسندانة تهم البعيد، أعيش مع دموعي في وحدتي، وأناجي الله في خلواتي، فقد مللتُ الحياة، واستسلمتُ لكل ما هو آتٍ. الكل يهرب من الموت، وأنا ابحث عنه! نعم نعم ابحث عنه، فالموت بجوار رب ترتجيه، أفضل من حياة بجوار عائلة تشتكيها. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
5462

الوفاء المقتول

دخلت عليها امها فوجدتها في حال يرثى له. وهي في نشيج شديد وعبرات متكسرة وعيون غائرة . خاطبتها بصوت رقيق ينبعث منه الحنان ينطلق في فضاء الحب: ما بكِ ؟! ما هذا الذي تفعلينه بنفسك وانتِ لم تقترني به؟ وبدت الام الخائفة على ابنتها، تُكثر من هذه الاسئلة التي كانت تزيد في قلب البنت الألم والغصة وكأي أم يملأ قلبها الحنان ولكن لا تعرف الكثير. نعم لا تعلم ان ذلك الشاب المؤمن الخلوق الذي كان زميلا لابنتها في الجامعة منذ سنوات قد احب هذه الفتاة المؤمنة لحشمتها وادبها واخلاقها. فهي ليست كباقي الطالبات فهي والقليل جدا من زميلاتها يرتدين العباءة داخل الجامعة ولا يختلطن بالآخرين ولا يضعن المساحيق على وجوههن . وكان هو يبحث عن من تشابهه بأخلاقه فوجد تلك الفتاة واخذ يراقبها من بعيد دون ان تشعر به . اما هي، فكانت لا تهتم كثيرا بهذه الاشياء، جل اهتمامها كانت الدراسة، ولكن لسمو اخلاقه بين اقرانه وكان دائما يُذكر اسمه داخل القاعة مرة لأمانته ومرة لشهامته ومرة لتفوقه انسلت الغريزة الى قلبها بهدوء وبدأت تحدث نفسها فقط انه الشاب الذي ابحثه عنه . وانتهت السنة الاولى والثانية والثالثة من الدراسة وهما على هذا الحال لم يكلم احدهما الاخر ولم يبح احدهم للآخر او للزملاء وللزميلات ما بداخله. وفي يوم التخرج اقترب منها مطأطأ الراس وبادرها بالسلام . السلام عليكِ اختي الكريمة فردت التحية بأحسن منها وهي لم ترفع نظرها لتراه لأنها تراه في قلبها . استميحك عذرا هل لي ان اكلمك بعض الكلمات. فأجابته والخجل اخذ منها مأخذا والعرق يتصبب منها تفضل: اخي قل ما عندك. لا اطيل عليكِ هل تقبلين ان اتي لأهلك خاطبا ؟ ادارت بجسمها سريعا وهي تلفظ كلمة: نعم. وغادرت مسرعة. عاد الى اهله يحمل شهادة التخرج في الهندسة والكل فخور به وبأخلاقه لم يمض الا يومان او ثلاث الا وقد صدرت فتوى الجهاد فقرر الالتحاق بالمجاهدين للدفاع عن الوطن والمقدسات. وبعد مرور شهر منح اجازة لمدة ايام قليلة . جلس الى جنب ابيه بخجل وأدب وقصّ عليه قصته وطلب منه ان يخطب له تلك الفتاة. فرح الاب ووافق فورا لان ابنه البكر الذي يريد ان يرى احفاده من خلاله وذهب الى زوجته فرحا ليخبرها بما دار بينهما... فرحت الام ومُلئ البيت فرحا. وفي اليوم الثاني ذهبت الام مع بعض النسوة كالعادة المتبعة لأهل الفتاة لخطبتها. وكان الرد امهلونا ايام لنرد عليكم. كان متلهفا لسماع ما هو الرد . استقبل والدته وهي ابتسمت بوجهه وأمّلته خيرا انتهت ايام الاجازة وعاد الى اخوته المجاهدين وكان يكثر من الاتصال باهله. وفي احد الايام اتصلت به والدته مزغردة: مبارك بني وافق اهلها! لم يصدق واخذ يطير من الفرح... بينما هو يكلم والدته واذا بداعشي نتن يفجر جسده المتعفن عليه وعلى اخوته وهو في انفاسه الاخيرة قال لامه اماه اخبريها اني احببتها. لينطق بعدها بالشهادة وتغتال امنيته. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
854

وفاء العهد

مرّ وهو يحمل رايته التي اعتاد كل سنة أن يحملها وهو في طريقه لزيارة أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) وهو الذي لم يفارق هذه الزيارة ولا ترك المسير على قدميه لتلك المسافة الطويلة وهو يشحذ همم أصحابه ورفاق طريقه. يسير في ذلك الطريق المتعرج الطويل بهمة عالية وكان مثالا للآخرين اذ كان دأبه قراءة القرآن الكريم الذي حفظ بعض اجزائه أو يردد بعض الأدعية المشهورة أو يكثر من الصلاة على محمد وآل محمد. هذه الراية التي يبدو عليها القدم وقد تبدّل لونها قليلاً لفتت نظر أحد السالكين لهذا الطريق ليس فقط الراية بل تصرف هذا العاشق الولهان ولبكائه إن سمع ناعيا للحسين عليه السلام وتعلقه بهذا البيرق واحتضانه له. فأخذه الفضول وبدأ يراقبه بل لا يفارقه وكأنه رجل أمن يراقب مشتبها به، يراقب كل حركاته بل اصبح رفيقاً لدربه دون أن يكلمه فأصبح ينزل أين ما ينزل صاحب البيرق ينام يستيقظ يجلس يسير هو معه. وفي إحدى محطات الطريق رآه انحرف قليلاً عن الطريق واتجه صوب صورة كبيرة بدأ يدقق النظر الى الصورة ومال معه حيث مال وإذا به يرى نفس هذه الراية يحملها صاحب الصورة وهو شاب في مقتبل العمر . رأى صديقه الذي لا يعرفه ولم يكلّمه يتجه صوب تلك الصورة ليرسم عليها قبلة وتمتم بكلمات لم يسمعها ثم انسالت منه الدموع لتغرق لحيته مع نشيج أخذ يسمعه من يمر بقربه ثم مسح تلك الصورة بذلك البيرق وكانه يقول لصاحب الصورة: الثمها الثمها. ومسح تلك الدموع التي ظننتُ أنها تحرق خديه بتلك الراية وودّع صاحب الصورة وعاد إلى طريق المسير. هنا تملّكني الفضول ولم أستطع صبرا على السكوت ودنوت منه سلمت عليه . فرد السلام بأسلوب مهذب جميل . اتسمح لي بمصاحبتك لأكون لك رفيق طريق. التفت الي باسما وهو يقول: كلنا في رفقة في طريق الجنة. بادلته الابتسامة وقلت له: يعني هذه موافقة منك لصحبتي. هز رأسه بالإيجاب مع ضحكة خفيفة: يسعدني ذلك. فتجرأتُ أكثر بعد ان صليت على محمد وآل محمد وقلت له: هل تسمح لي بسؤال لعلي اشبع فضولي؟ فأجابني مع التفاتة رقيقة: نعم. رغم اني اعلم عما تريد ان تعرفه. فابتسمت مع ارخاء لعيني: نعم نعم هذه الراية او كما يطلقون عليها البيرق عند العرب هي الراية التي رأيتها مع صاحب الصورة الذي وقفت امامه. سألته باستغراب: هي نفسها؟ نعم هي نفسها. وسأروي فضولك واخبرك بقصتي وقصتها. صاحب هذه الصورة رفيق دربي منذ الطفولة وبعد سقوط النظام الصدامي المجرم حيث بدأت جموع الزائرين بالمسير الى قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام خرجنا أنا وإياه وأَقسمَ أن يحمل هذه الراية في كل سنة . ومرت ثلاث سنوات ونحن على هذا الحال وفي السنة الرابعة وبينما نحن في طريقنا كالعادة تأخرت عنه قليلا في حاجة لي وبينما انا اريد اللحاق به واذا بناصبي عفن فجّر نفسه وسط جموع الزائرين وسقط من سقط شهيدا او جريحا فأسرعت لا أكاد أرى الأرض التي اسير عليها لأتفحص إخواني الزائرين الذين أصابهم الانفجار . تفحصت تفحصت واذا بي أرى راية رفيق دربي قد سقطت على الأرض اسرعت نحوها لأجده في أنفاسه الأخيرة! نظر الي وهو مبتسم وأمسك بيدي بيده الضعيفة التي لا تكاد أن تستقر وهو يقول لي: هذه رايتي أمانة عندك، فهل تعاهدني على حملها كل سنة؟ فأجبته بعيون اغرورقت بالدموع: نعم نعم أعاهدك فنطق التشهد وفارقَنا مبتسماً. وها أنا ذا على عهدي مع رفيق دربي، ولن أخلف ذلك العهد معه. يقص عليه وهو يبكي ولم أتمالك نفسي من أن أشاركه البكاء بحرقة وألم. وعرفت معنى الوفاء بالعهد بأبهى صوره . أيمكن أن نتصف بالإيمان ونفي بعهودنا وخاصة عهدنا مع الله تعالى عهدنا مع أمام زماننا ... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
1898

الباطل عندما يرتدي عباءة الحق

الحق أثقل من أن يُحمل، والباطل أخف من أن يُحمل. الحق والباطل تمثلا في اول الخلق بهابيل وقابيل، وقبلهما بآدم وإبليس. الحق ذاك الذي يسكن القلب ليجعله في وعاء الاطمئنان، والباطل ذاك الشيء الذي يجعل القلب مضطرباً اضطراب الطير حين يذبح... لم يستطع أي قلم –من غير المعصوم طبعاً- منذ الخليقة أن يميز الحق تميزاً مطلقاً أو يكشف الباطل كشفاً مطلقاً، فترى الحق عند البعض باطلاً، والعكس صحيح، لكن شاء الله أن يجعل في خلقه عقلاً كاشفاً للحق والباطل وجعل القلب وعاء النتائج، فحينما نكتب عن الحق نكتب عن حقنا، لكن متى نستطيع أن نكتب عن الحق المطلق؟ ذاك الحق الذي به نكشف حقائق اسرار الله العزيز. فباطل ابليس اعتبره البعض حقاً ، وحق آدم اعتبره البعض باطلاً ، فهل يجرئ أن يتكلم عن الحق الحقيقي، ذاك الحق الذي إن عرفه الخلق تذوقوا عبودية الله الحقيقية التي تذوقها الرسل والأنبياء والأولياء حينما تذوقوا رشقات منه فكان نصيبهم ملكاً لا يحصى عند الله، فأي حق علينا أن نكتب عليه؟! إن من شأن الباطل أن يجعل من نفس الإنسان ظلاماً دامساً، ويزرع الحقد والحسد والنفاق والغيبة والنميمة فيها، بخلاف الحق الذي ينير دربها ويبدد ظلامها، والخطير في الأمر أن الباطل لا يأتيك على صورته الحقيقية، ولا يدخل عليك بشكله البشع، لأنه في أغلب الأحيان يلبس زي الحق ويرتدي عباءته، لكي تلتبس علينا الأمور وتشتبه، وهذا ما يسمى بالشبهة في الإسلام. وقد أشار إليها الإمام علي (سلام الله عليه) في نهجه فوضّح أنها سميت شبهة لأنها تشبه الحق من حيث الشكل. وهنا السؤال الذي يطرح: إذا كان الأمر كذلك فكيف نعرفها وكيف نفرق بين الحق والباطل؟ الجواب: نجده عند أمير المؤمنين (عليه السلام): (أما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى). وخير مثال نضربه على الشبهة وعلى أولياء الله وأعدائه، هو موقف كل من عمر بن سعد، والحر الرياحي من الإمام الحسين (عليه السلام) إن عمر بن سعد وأصحابه من أمثال الشمر ويزيد بن الركاب والحصين بن نمر وشبث بن ربعي وكعب بن طلحة وحجار بن أبجر، كان بينهم من هو جبهته سوداء من أثار السجود والصلاة مثل حجار بن أبجر، وشبث بن ربعي الذي كان عالماً يحضر دروس الفقه ومجالس الإمام علي (عليه السلام) وعلى الرغم من ذلك قادهم الشيطان في درب الضلال، وتلبس الباطل أمامهم بلباس الحق وتزين بزيه لهم. وفي اليوم العاشر من محرم التفت عمر بن سعد إلى المؤذن وأمره أن يرفع صوته بالأذان من أجل الصلاة، يريد أن يصلي بالناس بعد التسبيح والاستغفار! وفي الجهة المقابلة كان الإمام الحسين (عليه السلام) يصلي في أصحابه! إن من يراقب هذا المشهد من حيث الظاهر يشتبه عليه الأمر، ولكن أولياء الله ضياؤهم اليقين، فهم يعرفون بيقينهم أن صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) هي الصلاة المؤمنة في حين أن تلك الصلاة هناك في الجانب الآخر هي صلاة كافرة. إن أولياء الله يدركون بيقينهم أن ابن سعد كافر وأن الإمام الحسين (عليه السلام) هو الطهر الطاهر وبن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة وأن الحق إلى جنبه. أما ضعيف اليقين فيرى ما يراه عمر بن سعد عندما عرض عليه بن زياد ملك الري مقابل أن يخرج لحرب الإمام، وبات ليلته يفكر في الأمر، وسمع يقول: أأترك ملك الري والري رغبتي *** أم ارجع مذموما بقتل حسين وفي قتله النار التي ليس دونها *** حجاب وملك الري قرة عيني هذا النوع من التفكير لا يستقيم مع الإيمان فضلاً عن العقل السوي. بالمقابل نلاحظ اختلاف التفكير عند الحر بن يزيد الرياحي الذي لم يفكر سوى لحظات حتى اهتدى إلى طريقه السوي ثم راح يدنو من الإمام قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذته الرعدة، فارتاب المهاجر وقال له: لو قيل لي من اشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحر: إني أُخير نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار على الجنة شيئا ولو أحرقت، ثم ضرب جواده نحو الإمام منكساً رمحه قالباً ترسه وقد طأطأ برأسه حياء من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) بما أتى إليهن وجعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ، رافعاً صوته: (اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبا قلوب أوليائك وأولاد نبيك...) يا أبا عبد الله إني تائب فهل لي من توبة؟ فقال الإمام (عليه السلام): نعم، يتوب الله عليك. نحن إذا طلبنا الحق فليس أمامنا إلا أهل البيت عليهم السلام، لاسيما الإمام الحسين عليه السلام الذي اتحد بالحق واتحد الحق به، فهو أبو الأحرار بلا منازع، وهو الذي تحرك من اجل الحق نفسه، فلنستمع إليه وهو يقول في خطبته: (إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا قد أدبرت ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ....،ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فإني لا أرى الموت، إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا شقاء وبرما). لذلك نسأل الله أن ينفعنا بحب الرسول وأهل بيته، لاسيما قطب الرحى في هذه الدوحة العطرة، عنيت به أبا عبدالله وسيد الشهداء سلام الله عليه. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
15887

الطفولة المقتولة بين الماضي والحاضر

رقية طفلة صغيرة هي الاصغر اذ سبقها ولدان محمد وعلي وبنت اسمها فاطمة. رقية هي المدلّلة عند أبيها يصحبها إلى محل عمله في دكانه الخاص الذي كان يعمل به. كانت كثيرا ما تشاكس الزبائن بخفة دمها وقد احب الكثيرون دلالها ومشاكستها. بل لعل البعض أخذ يشتاق لتلك اللمحات الجميلة التي تصدر منها فيأتي الى دكان أبيها ليرى رقية ويداعبها ويخرج. بل اصبحت واسطة جذب للزبائن وسط ضحكات أبيها وتقبيله لها . هكذا كانت حياتها جميلة حتى في البيت تكون الى جانب ابيها وتحاول ان تثير والدتها بان تعتنقه وتقول: هو لي وحدي! وسط ضحكات امها واخوتها، وعند سماعها الاذان تسرع لترتدي احرامها الجميل الصغير وتهيئ سجادة الصلاة لها ولأبيها. كثيرا ما حاول الاخرون اخذ مكانها ولكنها تغلبهم بخفة دمها وشقاوتها وعندما يقولون لها اتعبتِ اباك، تقول لهم: لا عليكم انا عزيزته انا حبيبته دعوني .... وفي يوم ربيعي جميل ومع نسمات الصباح الجميلة وهي مع ابيها في محل عمله دخل احد الزبائن الذي اعتاد على شقاوة رقية داعبها ثم قال لها: احضرت لكِ هدية جميلة. فقالت هل هي اجمل من ابي ؟ لا اعتقد هناك هدية اجمل منه. ضحكا بقهقهة وقال لها: نعم هو اجمل هدية . ولكن تعالي معي الى السيارة في الجانب الآخر من الشارع وسأريك مفاجأة . ذهبت معه بعد ان امسكت بيده بقوة خوف السيارات المارة وحين وصلت الى سيارة ذلك الرجل ودخلت بها لترى المفاجأة واذا بصوت انفجار يهز المكان وساد الظلام وهي ترتجف من الخوف والهلع... وبعد دقائق خرجت مسرعة نحو محل ابيها الذي اصبح ركاماً . فعثرت بشيء، دققت النظر، واذا برأس ابيها يشخب منه الدم! جلست وضعته في حجرها انحنت عليه تلثمه وتصرخ عالياً: بابا ...بابا .. بابا، حتى اغمي عليها. هرع إليها من كان قريب من المكان ليحملوها وهي بلا حراك. اوصلوها الى المستشفى وكان قلبها ينبض . اسعفوها، فتحت عينيها، ودارت بهما وسط الحاضرين وهي تتمتم بابا... بابا... وسط دموع الحاضرين وبهذه الاثناء حضرت امها لتعانقها وهي تبكي حبيبتي حبيبتي...اين ابوك؟ ووسط تلك الدموع وهي تردد بابا... لم تتمالك الطفلة مشاعرها وتنادي: أين أبي؟ أين أبي؟ وهي مذهولة مدهوشة لا تريد أن تصدق أن أباها رحل عنها وجسده تقطع اوصالا فأخذت تنادي: اريد ابي قبل قليل كان معي، أين أبي؟ اريد ابي، وسط دموع الحاضرين وآهاتهم، قالت لها امها: بنيتي ان اباك مات ورحل عنا! قالت رقيه: لا لا لا، قبل قليل كان معي، بكى كل من حضر عندها، وعلا الصراخ والبكاء في القاعة، جاء الطبيب والممرضون فشاهدوا ما يجري فاختنقوا بعبرتهم ونشيجهم، كتب لها الطبيب وصفة من العلاج المهدّئ واُخرجت من المستشفى ورجعت الى الدار ولكنها كانت ترفض أخذ العلاج المهدّئ وتقول: أين أبي؟ لقد كان وعدني بهدية أين هو؟ اين هو ابي؟ أبي، أبي، أين أنت؟ أخذت تركض الى غرفته علها تجده، أخذت تشم رائحته في ارجاء الغرفة، هذه ملابسه، هذا قميصه، وهذه حاجياته، وهي تدور مذهولة وتكلم اباها. واذا بجنازة ابيها جاؤوا بها استعداداً للتوديع الأخير، ليدفن في مثواه الاخير، شمت ريح والدها ركضت وهي تنادي: جاء ابي جاء ابي، تسمّرت قدماها وهي ترى اباها وسط التابوت وقد علا العويل والصراخ في أرجاء الدار، رمت بنفسها على الجنازة وهي تنادي أبي أبي الى أين أنت ذاهب؟ أتتركني وانا مدللتك؟ بابا من يلاعبني ويضاحكني؟ وصارت تنادي بابا بابا... ثم هدأت، والصراخ والعويل من اهلها والحاضرين يبكون لفقد عزيزهم ويبكون حال هذه الطفلة رقية، ولكنهم ذهلوا لأنها سكنت حملوها واذا بها قد التحقت بأبيها وفارقت روحها الطاهرة هذه الدنيا، لترفرف روحها مع أبيها الشهيد، لتكون قصة رقية الحاضرة بصمة تشابه ما جرى على السيدة رقية الماضي، فالقتلة هم نفس القتلة، والقلوب المتحجرة التي لا تعرف للرحمة معنى ولا للإنسانية معنى ولتكون مواساة رقية الحاضرة للسيدة الطاهرة رقية بنت الامام الحسين (عليه السلام)، لتشير الى مظلومية اهل البيت واتباعهم في الماضي والحاضر حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
31497

حروف نيرة

أجلس ولده البكر في حجره وهو يلثم وجنتيه الناعمتين وثغره الذي ما كاد أن تسعه شفتاه رغم صغر طفله لكن ابتسامته كانت عريضة ملأت وجهه. نعم كان يشعره بالحنان والطفل تعلق برقبة أبيه يدغدغه والأب يسقط يميناً وشمالاً يلوذ بالهواء لعله يجد ما يستتر به من همسات طفله، وكان فرحاً لهذه اللحظات. ثم التفت إلى من شاركته هذه اللحظات وإن كان في نفسها بعض الغيرة من طفلها! وهي ترى أنه استولى على أحد ممتلكاتها بشكل كامل! نعم التفت إليها مخاطباً اياهاً: عزيزتي، ولدنا سيدخل المدرسة هذه السنة فعلينا أن نشتري له أجمل الملابس وحقيبة جميلة. فبادرته بابتسامة الفرح مع نشوة من الزهو وأومأت برأسها مبدية الإعجاب والموافقة. وانسلّ عنها منزوياً بغرفته وأخرج ورقة وقلماً وبدأ ينثر حروفه، وقبل أن يبدأ مداده بخط تلك الحروف خرج وقال لها: سأكتب بعض الكلمات وأدعها في ذلك الدرج، فإن كنت هنا سآخذه بنفسي إلى المدرسة في اليوم الأول، وإن كنت غائباً عنك في ذلك الوقت اذهبي به أنتِ ولكن احملي معك هذه الورقة لمدير المدرسة. نعم يا عزيزي سأفعل. ولكن هل لي أن أعرف ما في طياتها؟ عندما يقرأها المدير ستعرفين. قالها وهو مبتسم ودخل غرفته. بعد دقائق خرج ومازح أهله. ولما انقضت أيام إجازته ودّعهم وقال لها: سآتي إن شاء الله في موعدي لأصحبه إلى المدرسة. ومرت الأيام وكانوا بانتظاره، وفي يوم موعد إجازته، سمعت اصوات موسيقى عسكرية حزينة وأصوات رجال يكبرون ويهلّلون فاطلت من شباكها لترى نعشاً يحُمل على الأكتاف، وقد لُفّ بالعلم العراقي متجهاً نحو بيتهم، دققت النظر لترى صورة زوجها فوق ذلك النعش! فبدأت رحلتها الجديدة من تحمّل ألم ومرارة الحياة. ولتكون هي الأم والأب في آن واحد ولتحقق رغبة زوجها مع ابنهم. في الموعد المحدّد لبدء العام الدراسي الجديد ألبسته أمه أجمل ثيابه ووضعت صورة أبيه الشهيد على صدره وحملت الرسالة بعد أن شمتها ورطّبتها بقطرات دموعها . وصلت إلى المدرسة وسلّمت على مديرها وقدمت أوراق قبول ولدها، ثم أعطته تلك الرسالة، فتحها وبدأ يقرأ ما سطر بها من حروف، وهو ينظر بين لحظة وأخرى إلى ذلك البرعم الجميل، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، والأم لم تستطع أن تخفي دموعها رغم ارتدائها النقاب. فسألته بشغف كبير: ماذا كتب فيها؟ فأجابها مدير المدرسة والعبرة تتكسر في صدره: اسمعي... الاستاذ الفاضل مدير المدرسة المحترم. السلام عليكم. ها انت تقرأ تلك الحروف التي كنت على يقين أنك ستقرأها لأني أيقنت السفر إلى الخلد. عزيزي... ها قد حان بدء العام الدراسي الجديد وجاء أبناؤنا إلى صفوفهم، وقد اعتاد الآباء أن يصطحبوا أولادهم الجدد إلى المدرسة، ليكونوا بقربهم ولكن ولدي شاء الله أن يفقد أباه في مثل هذا اليوم. لذا ارجو أن تكون له مثل أبيه ولكل طفل يتيم فلا تقهروه... لقد عرفتك حنوناً عطوفاً وأنا لا اوصيك بذلك ولكن خوف الوالد على ولده جعلني أكتب هذه الكلمات! واختنق المدير بعبرته ولم يكمل الرسالة وهو يحتضن الطفل اليتيم. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
2415

هل التبليغ مفهوم منحصر بطلاب العلوم الدينية على وجه الخصوص؟

إن التبليغ مسؤوليّة عامّة، تجب على كلّ مسلم ولا اختصاص لها بطائفة دون أخرى، إلّا أنّ هذه العمومية في وجوب التبليغ لم تمنع من الدعوة إلى "التخصّص" في العمل التبليغيّ، على غرار سائر التخصّصات العلميّة والعمليّة. فالتبليغ علم قائم بحد ذاته، وليس كل أحد قادراً عليه، والتبليغ يحتاج إلى أمرين : ١- المعرفة: أي أن يكون المبلغ على اطلاع كامل في أمور دينه في العقائد والفقه والتفسير والتاريخ واللغة والاخلاق ٢- الإخلاص: في تحقيق هدفه في إيصال رسالة الإسلام ومبادئه. إن أهل البيت عليهم السلام يطالبوننا أن نسير في هذه الحياة على منهجهم، ونكون شعاع نور يشق ظلام الجهل والتخلف، وأن نكون لهم دعاة صامتين ومصابيح دجى وبأن نكون أوعية علم، وأوعية العلم غير حملته، إذ ليس كل من حمل علما هو وعاء لهذا العلم فقد شبه القرآن اليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يعملوا بها كالحمار يحمل أسفارا، فما هي قيمة علم يحمله حمار على ظهره؟! وماهي قيمة إنسان يدرس العلم ويحمله دون أن يتفاعل معه ودون أن يعيَه ويعلمه ويظهر تطبيقه في سلوكه قبل كلامه وتعامله لكي يكون مقنعاً لغيره. فالمهم هو تطبيق الإسلام في جميع مجالات الحياة. إذن لابد من اقتران الإيمان بالعمل . والشيعي المتابع لآل بيت الرحمة (عليهم السلام) ينبغي أن تكون كل حركاته وكل سكناته وكل ما لديه مطابقا ومنسجما لمبادئ آل البيت عليهم السلام واخلاقهم. وأن يحاول كل ما بوسعه لأن يكون (مبلغا) هاديا لمن حوله إلى طريقهم واخلاقهم ( سلام الله عليهم ). إن التبليغ في الاصطلاح المعاصر يعني استقطاب اهتمام الناس نحو شيء معين دون الأخذ بالاعتبار ما يحمله هذا الشيء من الحقيقة. والتبليغ في اصطلاحنا هو التبليغ القرآني، الذي يعني توصيل الحقيقة إلى أذهان الناس وإخراجهم من الجهل والظلام إلى النور والبصيرة . ولا يتَصَوَر شخص أن مفهوم المبلغ منحصر بمن يصل إلى مرحلة في الدراسات الحوزوية تؤهله لأن يخرج في الاماكن العامة والخاصة لينشر تلك المبادئ الفاضلة التي تخفى على الكثير او لا يُلتزَم بها احياناً، إن ذلك مفهوم خاطئ. فالكل مكلّف، فرداً فرداً، وفي جميع الأماكن وفي ظل كل الأوضاع والظروف وفي جميع الأحوال بمهمة التبليغ... ومن الطبيعي أن للعلماء وطلبة الحوزة وظائفهم وواجباتهم الخاصة في هذا المضمار، لكن هذا لا يعني أن أفراد المذهب ليسوا مكلفين بواجب التبليغ. بل إن التبليغ مفهوم اوسع وأعم من ذلك فيمكن لكل شخص ان يقوم به من مكانه وحسب تمكنه، والمجالات التي تتوفر له . ... فيسعى في العمل على نفسه وجهادها اولا. ..ثم انعكاس هذا الجهاد وتجليه خارجا ..في مظهر الفرد وتصرفاته وما يتعلق به .. إن الإسلام يعتبر أن التبليغ واجب وضروري كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (سورة فصلت الآية 33). فالموالي وسط المجتمع المخالف الذي تكون فيه الكثير من الاشكالات الشرعية والمخالفات كمجتمع الجامعات او بين الاقارب وغيرها في حياتنا الاجتماعية، أو في الأماكن العامة وغيرها لابد ان يسعى لنصح من حوله سواء بالكلام مباشرة أو من خلال تعامله مع القضايا واستنكاره للمخالفات الشرعية وغير الأخلاقية. وكذلك في زماننا هذا تتوفر العديد من الوسائل التي يمكن استخدامها للنشر والتبليغ في جميع المؤسسات لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن ان تكون وسيلة للتبليغ ونشر الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة التي تعكس انتماءنا لأهل البيت سلام الله عليهم . كم يتمنى الوالد لولده أن يكون أفضل الناس لنسبته إليه، كذلك فإنهم يتمنّون منا أن نكون أفضل الناس لانتسابنا إليهم (عليهم السلام ). جعلنا الله وإياكم من اولئك الذين كانوا زينا لآل البيت عليهم السلام. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
2990

ماذا يتمنى الأموات يا ترى؟

الدنيا دار غرور بل هي دار اختبار والإنسان يعيش معها صراعاً دائماً مع عناصر ثلاث: هي الشيطان والنفس والهوى، وجميعهم يمثلون معسكر تحدٍّ للإنسان في هذا العالم... عالم العبور... العبور إلى عالم أخر... عالم الخلود... عالم الرحمة... عالم الجزاء... ورغم انتقال الأرواح إلى ذلك العالم تبقى تستمد العون من هذا العالم الذي تركته ولها فيه أعمال وهذه الاعمال تمدها بالعطاء... عطاء يتلاءم مع ذلك العالم القدسي. الإنسان ما دام في الحياة الدنيا ينشغل بكثير من الامور الحياتية ويترك أو يهمل الاستعداد لعالم الآخرة. ولكن ما أن يتحول الى عالم الآخرة، وتتقطع كل خطوط الاتصال بالدنيا، فيثقل لسانه وتأخذه الهيبة والفزع وتصبح هذه اللحظات عنده من الرهبة...فيندم على أنه كيف امضى حياته غافلا عن هذه الساعة الرهيبة ... قال تعالى :{حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون: 99-100] فيندم على ما فاته ويطلب فرصة أخرى في العودة إلى الحياة ليعمل صالحاً ويكفّر عن ذنوبه وأخطائه، ولكن هذا الادّعاء قد يكون كاذباً ، لأنه لو عاد البعض إلى الحياة لعاود سيرته الأولى ودليل ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) سورة الانعام (الآية ٢٨). هذه الفئة التي لا يمكنهم تحقيق أمنياتهم، فهم ممن أصبحوا رهائن ذنوب لا يطلقون قيودهم والأغلال التي طوقوا انفسهم بها ، فالذي كان بعيدا عن الله في حياته يرى نفسه فجأة أمام الموت، فينظر إلى ما قدّم في حياته فيرى أنه كان حريصاً على المال والدنيا ، مسرفا على نفسه، تاركاً الواجبات، مرتكباً الذنوب والمحرمات ، لذلك يتمنى لو يتركه ملك الموت حتى يرجع إلى الدنيا ، ولكن أنى له ذلك، فهو لن يفلت من قبضة ملك الموت، قال تعالى :( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) سورة الواقعة الآية ٨٥. لذلك يتمنى لو يعود لعالم الدنيا، لماذا يتمنى ذلك ؟ وماهي الاعمال التي يتمناها؟ -العمل الصالح : {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.سورة المؤمنون الاية 100 - بر الوالدين وصلة الرحم: وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): (بر الوالدين وصلة الرحم يهونان الحساب، ثم تلا هذه الآية {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21) (١). عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "مَن أحبَّ أن يخفِّف الله عزَّ وجلَّ عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وَصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوَّن الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً"(٢) . - ليتصدق : ( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) - كسوة المؤمن: عن الإمام الصادق عليه السلام: "مَن كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقَّاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت وأن يوسع عليه في قبره"(٣) . - صلاة الليل: يتمنى الميت لو يرجع ليصلي ولو ركعتين في جوف الليل لما رأى من فضلها . فقد ُروِيَ عن الإمام الرضا عليه السلام أنَّه قال: "عليكم بصلاة الليل، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلّي ثمان ركعات، وركعتي الشفع، وركعة الوتر، واستغفر الله في قنوته سبعين مرّةً إلاّ أجير مِن عذاب القبر ومِن عذاب النار، ومُدَّ له في عمره، ووسّع عليه في معيشته"(٤) فغاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة أو اقل بكثير ، ليتداركوا فيها ما فاتهم من توبة وعمل صالح. هل في ذلك موعظة لمن هو موجود في هذه الحياة الدنيا ؟! أما نحن أهل الدنيا فمفرطون في أوقاتنا؛ بل في حياتنا، نبحث عما يقتل أوقاتنا، لتذهب أعمارنا سدى في مهبّ الريح في غير طاعة الله وطلب رضوانه ، ومنا من يقطعها بالمعاصي والذنوب والعياذ بالله ، ولا ندري ماذا تخبئ لنا قبورنا من جنة و نعيم أو مآس وجحيم ، نسمع المنادي ينادي إلى الصلاة، ولكن لا حياة لمن تنادي. أنتبه !!! تذكر أمنيات هؤلاء الأموات الذين من حولك، المرتهنين بأعمالهم، واغتنم فرصتك في الحياة، لتذكر الله كثيرا، لئلا تكون غدا مع الموتى، فتصبح تتمنى كما بعضهم يتمنى. قال تعالى : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{58} بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{59} وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ{60} وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }[الزمر: 56-61]. لذلك أيها الانسان الحي لا تغرك الحياة الدنيا بغرورها واعمل ما دمت في هذه الحياة لعالم سوف تكون فيه لوحدك . لأنك لو علمت ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، فاحذر زلّة قدمك، وخف طول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك. إنها قد تكون لحظات، فما ترى نفسك إلا في عداد الأموات، فانهل يرحمك الله من الحسنات قبل الممات، وبادر إلى التوبة ما دمت في مرحلة الإمهال، قبل حلول ساعة لا تستطيع فيها التوبة إلى ربك، قبل أن يأتيك الموت بغتة فيحول بينك وبين العمل فتقول متحسرا : { يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }. ---------------------------------------- (١) -مشكاة الأنوار / 1 / 128. (٢)- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص318. (٣)- الكافي، ج2، ص204. (٤) -بحار الأنوار، ج 87، ص، 161. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
18217