بقلم: حنان الزيرجاوي اجتاحني خوف ورعب وهلع... شبح الموت قد لاح في أفقي، كدتُ أفقد صوابي عندما رن الهاتف لإخباري بأنهم قادمون بسيارة الإسعاف لاصطحابي معهم إلى الحجر الصحي، بعد أن شكّوا بإصابتي بأعراض فيروس كورونا الذي راح يتفشى سريعًا في جميع انحاء العالم كالنار في الهشيم، حتى تلك الدول المتطورة التي تمتلك التكنولوجيا في مجال الطب لم ينفعها علمها مقابل ذلك الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة لنتجنبه، عند استعدادي للذهاب رمقت عيناي الأشياء من حولي... يمينًا ويسارًا، كادت روحي أن تخرج بالزفرات، كأن سلطان الموت يطرق ناقوسه في رأسي. أأترك أولادي؟ من لهم وهم لا يزالون صغارًا؟ زوجي ورفيق عمري أأُفارقه هكذا فجأة دون سابق إنذار؟ هل لي بعودة أخرى يا ترى؟! سأتركهم خوفًا عليهم، أخذت حدقتا عينَي تدوران في ما بينهم بنظرة المغشي عليه في سكرات الموت، رغم أنني سمعت أنّ أُناساً أُصيبوا بهذا الوباء، لكن لم يدركهم الأجل، يا لها من حيرة فليست لي القدرة على تحمل تركهم ولا البقاء معهم. ودعتهم عن بعد فلم استطع عناق فلذة كبدي، غادرت بيتي والدموع تسابق خطواتي. سارت بي سيارة الإسعاف، بدى لي طريقًا طويلًا دونما نهاية نحو الحجر الصحي، ليتم إدخالي في غرفة ليس فيها أحد سواي، سأكون مصدر رعب للأطباء والممرضين وللناس جميعًا. هنا تجسدت لي أعمالي كأنها شريط يمر أمام عيني وقلبي وفكري، كل ما عملت طوال حياتي تمثل بمخيلتي في شريط طويل للصور والأحداث، بخيرها وشرها، صدقها وكذبها، عصيانها وتقواها، والدموع تتناثر كأنها حمم بركان قد تفجر من قلب محترق، كدت أموت قبل الموت، وكأنني اليوم أدركت حقيقة أنّ الإنسان لا بد أن يأتي عليه يوم ويرحل، ليس معلوماً أهو اليوم أو غدًا أو بعده، لكنه حتمًا سيغادر وترجع الأمانة لخالقها، ويترك الأهل والأحباب رغماً عنه وبدون توديع، ويسكن قبرًا مظلمًا، بعدما يهيلون عليه التراب ويغادرون. الوحدة هناك والوحشة أكبر بكثير من هذا الحجر الصحي الذي يعالجنا فيه أطباء وكوادر صحية، هناك الشداد الغلاظ... زجر وعقاب إن لم نكن قد تهيأْنا، وبقينا في غفلتنا ولا مبالاتنا، وإن كان عندنا ضعف في جهاز المناعة، مما يجعلنا عرضة للإصابة بالفيروس، ويبقى فقط الرعب في أنفسنا في وقت لا ينفع فيه الندم، إن لم نتخذ سريعًا وقبل فوات الأوان الإجراءات الاحترازية، لتقوية جهازنا المناعي... المتمثل بالرجوع إلى فطرتنا النقية وأخلاقنا التي أمرنا الله تعالى بأتباعها لنقاوم وباء المعاصي والذنوب التي ستردينا صرعى في نار جهنم.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي كيف لمثلي أنْ يصف حكايةً تُبهر العقول، وتخطف الألباب، ويخرس من سمع ملخصها، ولم يعِش تفاصيلها، ولم يعانِ ألمَ فراقٍ، ولا مرارة هجرٍ، ولا بُعد مسافةٍ، ولا أنين ثكلى فاقدة وحيدها، ولم تُحرقْه دموعًا تُغرق مقلتيه، وزفراتٍ يُحرقُ لهيبها جوفه.. نعم، بعضُ صورٍ وليست كلُّ الصور التي رسمتها عيونٌ ترقبُ طريقًا قلَّ سالكوه حتى بدا موحشًا لمن يرومُ النظر إليه. لعلَّ البعض يتساءل: ما هذه السوداوية في نقلِ حدثٍ يُشابهه الكثير من الأحداث؟! وقصةٍ لم تكنْ إلا وليدةَ قصصٍ قد ألفنا قبلها الكثير بعد أنْ أبهرنَ سامعيها؟! نعم، هي تشبهُ تلك القصص من حيثُ إنَّ أبطالَها بشرٌ على هذه الأرض، ولكن تفاصيلها وأحداثها تبدو بكرًا لقصصٍ أتت بعدها وأمًّا لحكاياتٍ سبقتها! بعد عشرين سنة من الزواج وبعد أنْ تمنيا برعمًا ينمو بين أحضانهما لينشر شذاه وسط باحة قلبيهما، ويكسر صمت مشاعرٍ بدا الخرس يتسربُ إلى داخلها إثر تسرَّب اليأسُ إلى قلبِ أبٍ وأمٍ حلما بوليدٍ يؤنسُ وحشتهما، لولا أنْ شاءت حكمة من بيده الهبات أنْ يُغدق عليهما إحدى هباته ليتحول ذلك الصمت الرهيب إلى ضجيج وزغاريد وقبلات تهاني من هنا وهناك، فينظر أحدهما إلى الآخر ويُسدلا على عينيهما بغمضةٍ رسمت كلَّ معاني الحب بينهما وبسمة أمل لحياةٍ جميلة تُكملُ مسيرةَ ما رسماه لها. لقد ضربا أروع مثالٍ للإيثار بينهما فلا هي ولا هو يعرف من كان سببَ عدم الانجاب! فهي تخشى أنْ يكون هو فيشعر بالذنب تجاهها، ولا يرغب هو أنْ تكون هي السبب فيصيبها ألم وحزن يؤذيها، ولكن ها قد جاء من كان ينتظرانه وسط فرحةٍ غامرة. وهما يُمعنان النظر بكلِّ تفاصيله، يترقبانِ طوله يومًا بعد يوم... هكذا حتى بدأ يحبو فيحبوان معه، يتأتئ ببعضِ حروفٍ مبهمةٍ فيتأتآن معه .. ملأ البيت ضجيجًا بعد أنْ كان لا يُسمع فيه حتى الأنفاس. وفي يومٍ من أيام الربيع خرجا وهما يمسكان بيد طفلهما الجميل ليسلكا طريقًا يؤدي بهما إلى الحديقة العامة، لم يُدركا أنَّ القدر كان بانتظارهما ليتلاشى ذلك الحلم الوردي بكلِّ تفاصيله، فقد زلّت قدم الأم لتسقط عن الرصيف وانسحب وليدها معها؛ لأنها كانت ممسكةً بيده وإذا بشاحنةٍ كبيرة مسرعة تصدمهما وسط دهشة الأب المسكين ليفارقا الحياة أمام عينيه، أبى أنْ يتركاه وحيدًا، فما إنْ انكبَّ عليهما حتى رافقهما إثر ذهول الصدمة..
اخرىبقلم/ حنان الزيرجاوي بعد أن هدأت عاصفة الخوف التي كادت ان تقضي على ماتبقى من وشائج كانت تربط بين بعضنا البعض أو ربما تعرضت لاضراس حاولت أن تقتضمها رويدا رويدا لتخرق نسيجها المترابط متناسيةً انها مهما تملك من قوة ومهما تبثه من فزع لن تقوى على فعل ماتريد لانها تواجه اناس خبروا الصعاب ووقفوا بوجه اعتى المتربصين للنيل منا. نعم قد هدأت أو انها في طريقها للانحسار والافول ولكنها رسمت لنا صورا . وأعطتنا عبرا. وعلمتنا درسا. ونبهتنا من غفلة كادت ان تصبح نومة عميقة تكون نتيجتها الخسران. نعم .. نعم .. فأحدهم يروي وهو منهمر العينين وكأنه فقد عزيزاً للتو او كثكلى تندب وليدها. حاولت أن أصبره قليلا فناديته هوّن عليك .. هوّن عليك . فرمقني بعينيه المغرورقتين بالدمع وهز رأسه فتساقطت تلك الدموع العالقات على ثوبه . مسكته من كتفه وقلت له بث اليّ شكواك لعلي اساعدك . نظر الي ثانيا وكيف لك أن تساعدني وحزني لن ينقطع فقد احسست بتقصيري وتفاهة ما كنت عليه في حياتي .. اعجبني كلامه فقلت له نعم تكلم ..تكلم .. ما الخبر استوى بجلسته وبدأ حديثه وقال لي اسمع ما ساقصه عليك وبما جرى ولاجله ترى حزني وبكائي ها أنا تراني امامك بكامل صحتي وعافيتي ولكن قبل اسابيع كنت على وشك الرحيل عن هذه الدنيا الفانية التي كنت احسبها كل شيء بالنسبة لي فكنت الهو والعب واقامر واتمتع بها كيفما اشاء واستهزئ بمن ينصحني او يخوفني وانعتهم بالمجانين الى أن جاء ذلك اليوم الذي صُفعت فيه لانتبه من غفلتي فقد احسست بمرض داخلي وعندما اخبرت من حولي من اهلي زوجتي اولادي اصدقائي، ارى كلما اخبرت احدهم ابتعد عني وخرج هاربا وبدأو ينظرون الي من بغيد كاني مصاب بجذام فانادي عليهم فيفرون مني واذا بي اسمع صوت سيارة اسعاف واخذ الصوت يدنو منا شيئا فشيئا واذا بي أفاجأ برجال غطت اجسامهم ملابس لم آلفها يتقدمون نحوي بهدوء . فنظرت اليهم مستغربا من انتم ؟ ماذا تريدون ؟ فكلمني احدهم على رسلك كن هادئا لا تخف نحن رجال الصحة جئنا نصطحبك معنا لشكنا فيك انك مصاب بالكورونا . هنا انهارت قواي فانا متعلق بالدنيا وحبائلها ومغرور ببهارجها وزينتها كيف لي ان افارقها . امسكني احدهم واقتادني نحو سيارة الاسعاف والكل ينظر اليّ وهو مبتعد عني . اركبوني وساروا بي وادخلوني غرفة قرأت على بابها مكتوب غرفة الحجر. اخذوا مسحة من دمي وذهبوا ثم عادوا يتمتمون فيما بينهم والبسوني ثوبا يشبه الكفن وعلقوا مصلا يجري في عروقي وتركوني وحيدا .وعندما جن الليل وسكنت الاصوات نظرت يمينا شمالا لا ارى احدا جنبي . اين ابنائي .. اين زوجتي .. اين أصدقائي الذين كانوا لايتركوني .بكيت ... وبكيت ... وبكيت . هنا تذكرت كلام احد الوعاظ وقد سمعته انا وأصدقائي كنا نمر بالقرب من مجلس فسمعناه يقول ويوعظ من هو تحت منبره لاتغرنكم الحياة الدنيا فانك ستفارق كل مافيها لن يرافقك الا عملك يوم ياتيك الخطاب ليوقظ اسماعك (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) سمعناه ونحن نستهزئ به ونضحك عاليا . هنا عدت لنفسي وبدات الوم نفسي وانا اتذكر بعض ماسمعت من المواعظ . ها انا وحيدا قد تبرأ مني الاقربون وتركوني بفردي اواجه قدري بنفسي تركت كل شيء خلفي لم اصطحب معي لا مال ولا اثواب جميلة ولا سيارتي غالية الثمن فقد جردوني منها . ثم سالت نفسي بحزن شديد انا الان اعاني من مرض وربما يمن الله علي بالشفاء وفعل بي هكذا فكيف ان رحلت من هذه الدنيا . انا الان في غرفة واسعة مضيئة اسمع الأصوات من حولي يأتيني بين الفينة والاخرى من يرى حالتي اذن كيف بي لو كنت في تلك الحفرة المظلمة الضيقة والتراب ينهال علي من كل جانب ٠ بين تلك التساؤلات وهذه الوساوس عدت الى رشدي فازداد بكائي وارتفع صوت البكاء لا خوفا من المرض والموت بل ندما على ما اسرفت على نفسي. وتذكرت مرة سمعت احدهم وهو ينصحني يقول تب الى الله وستنجو وانا اضحك من قوله واقول ابعد كل مافعلت فتلى قوله تعالى( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) هنا ادركتني رحمة الله تعالى واعلنت توبتي ومن تلك اللحظة وانا مستمر بالبكاء والتضرع الى الله تعالى لعله يغفر ذنوبي وخطاياي . هل علمت الآن سبب بكائي.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي اشتقتُ إليهم، لكنه شوقٌ بلا جدوى .. خوفًا عليهم من العدوى .. ولداي فلذتا كبدي أرمقُهم من بعيدٍ فلربما كان الوداع الأخير .. لم أستطِع أنْ أقترب منهم، اكتفيتُ بنظرةٍ بعيدةٍ ولا أعلم هل تكون لي عودة؟ أ أتركهم وأرحل خوفًا عليهم؟! هما كذلك خائفان يُمسكان بيديّ بشدّة، ما نفع اشتياقي لهما وكلّ شيءٍ في هذا الكون يُخبرني أنني سأرحل، كسرةٌ في النفس تجتاحني، وحشرجةٌ في الحنجرة أخذت مأخذها مني، كدتُ أكلِّمُ الهواء، أكلِّمُ المجهول في هذا العالم، واقعٌ مُغايرٌ لما كنتُ أعيش فيه، فقد أصبحتِ الشوارع .. الجدران .. الأهل .. والأحباب .. الكلُّ يخافُ مني .. يخافُ أنْ اقترب إليه؛ لأنني مُصابٌ باللعنةِ التي أرعبتِ العالم.. حتى أضواء المصابيح كدتُ أراها مُختلفةً، فهي تُعلن لي عن الرحيل، ملامح الوجوه تكادُ تودعني من بعيد، انكساراتٌ في الروح تُداهمني في تلك الغرفة المُظلمة لقلبي التي تم عزلي فيها، أمسكتُ بذلك الكأس المملوء بالماء لعلّي أروي جفافَ عروقي التي أصبحت كصحراءَ قاحلةٍ مُقفرة، لا يمرُّ بها البشر، لكن يدَيّ لم تساعداني، ففي هذه المرة ترتعشان، كادَ يسقطُ لولا تشبث أناملي به .. يا رباه ماذا جرى؟! أ هو الموتُ قد دنا مني؟! أم الخوفُ قد أخذه مأخذه في قلبي وتسلل إلى أروقةِ نفسي؟! عجيبٌ أمرُ هذا الموت إذا جاء، فمساره محدود لا يمكن تجاوزه، سأرحل إنْ كان بفايروس .. أو بشربةِ ماء .. أو برصاصةٍ .. إنْ دقَّ ناقوسُ الموت جرسه... تبًا لها من دنيا تزيّنت لنا لنتمسك بها حتى إنْ جاءنا الموت رأيناها كسرابٍ يحسبه الظمآن ماءً.. ربنا لا تؤاخذنا إنْ نسينا أو أخطأنا..
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي رُبّما أعجزُ عن وصفِ ما آلت إليه أمور حياتي، فالبياضُ بدأ يغزو شعري غزوًا قد أعدَّ نفسه طويلًا ليغنمَ سنيّ عمرٍ بدأ بالأفول رويدًا... رويدًا، ومخالبُ الزمن تُقطِّع أوصالَ جسمٍ مُتهالك، لا يقوى على مقاومةِ عواصفِ الحياة، ومُنادٍ ينادي من الجانبِ الآخر من الحياة، ويؤشرُ بكلتا يديه: هلُمَّ إليّ أيُّها المسكين، فأنا مُنقذك من الغزاة، ومُخلصك من مخالبٍ تتمتع بتقطيعك. فأنظرُ مرةً خلفي لأرى آثارًا بدت مُتهالكةً، أتشبثُ بها بما بقي لديّ من جهدٍ مع ارتعاشِ يديَّ وعجزهما عن الإمساك ببقايا فُتاتٍ قد ازدحم عليه المتنافسون، كلٌّ يسابقُ الآخر علّهُ يحظى بنصيبه، في ذلك الزُحام وضجيجِ الأصوات انهارت قواي، فتنحّيتُ جانبًا لعلّي أجدُ ما أصبو إليه، بعد أنْ يتفرقَ الطالبون، فجلستُ على صخرةٍ أنظرُ إلى الجانب الآخر المليء بكلِّ ما تصبو إليه نفسُ الإنسان وقلة طالبيه. وسط ذلك الصراع المستمر والحرب الطاحنة الدائرة داخلي بين عقلٍ يجرّني ليُبعدني عن مخالبِ الدنيا، ونفسٍ تُزيّنُ لي محاسنها، وإذا بي ألمحُ غلامًا يتفحصُ الوجوه وينظرُ باستغرابٍ شديد وفي عينيه أكثر من سؤال؛ لأنه لم يدخل في خِضمِ هذه الحياة ولم يغُصْ في أتون حربها، أو يُبحر في أمواجها المتلاطمة. فأشرتُ إليه، دنا نحوي وجلس بجانبي وهو ما زال في حيرته مما يراه أمامه، فأردتُ أنْ أخبره عن أسرار الحياة ودهاليزها، ولم أعلمْ أنّي أمام غلامٍ فطن وذي دراية، فبادرني بالقول: ــ يا عمُّ ... لماذا تتصارعون هكذا على هذا الفُتات؟ وبالقربِ منكم خيرٌ كثير تُعرضون عنه؟ أما كان الأجدر بكم وأنتم في مثلِ هذا العمر أنْ تأنسوا بذكر الله تعالى، عجبًا لبني آدم عجبًا ... يتركون خيرًا كثيرًا ويتهافتون على نزرٍ قليل. دعني أسألك يا عمُّ .. ــ فقلتُ له: سَلْ يا بُني: ــ لو أخبرك صدوقٌ تثقُ بكلامه ولا يمكن أنْ تشك أبدًا فيما يقول، وقال لك: إنَّ خلف هذه الأكمة كُلُّ شيءٍ يطلبُه الإنسان ويهواهُ وأكثرُ مما يريد ويعرف، وهو لكَ بشرطِ أنْ تُعرِضَ عن هذا الفُتات... أ تُصدقه؟ ــ فبادرته مجيبًا دون تردد: نعم ... نعم أتركُ كلَّ شيءٍ وأتبعه. ــ فقال يا عمُّ: إذن ما لنا نتركُ وعد الله تعالى لنا بالجنة وحياةَ الخلود بشرطٍ بسيطٍ ويسير. هنا عَجِبتُ لفطنةِ هذا الغُلام وحكمته، وموعظته التي أيقظتني بعد طولِ سُبات، وأعادت لي أملًا في أنْ أفوز برضا ربي، ونهضتُ بعد أنُ تعكزتُ عليه ليصطحبني إلى شاطئ الأمان.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي تختلجُ مشاعري وكأنّها جمرٌ ملتهبٌ في قلبي، عندما اتذكرُ تلك النظرة والقُبلة، أهو فعلًا وداعٌ لمن لا تمكن مُفارقته؟ أم هو غيابٌ لمن ألِفته النفس فحسب، وهي تشعرُ أنّه ساكنٌ... بل إنَّه جزءُ أو كلُّ حناياها؟! ربما يُعدُّ ذلك تهويلًا لا مُبرر له، وقد بِتُّ أعاني ولا أكاد احتمل، ولكن من شرب من نفس الكأس، وأحسَّ مرارةَ مذاقها؛ أكيداً لا يستغرب من عدم مقدرتي على التقبل، والتسليم للألم الذي انتزعها من بين أضلعي انتزاعًا. عيناي لا تنام، وبلا تردد أقومُ من فراشي لأديرَ المفتاح بهدوءٍ في بابِ غرفتها، لكي لا أوقظ النائمين في البيت فقد قاربت الساعة الثانية ليلًا، أفتحُ زرَّ المصباح فينزاح الظلام عن وجه الأشياء، أنظر إلى سريرها، إلى سجادةِ صلاتها... قرآنها، أقبّلُ بعينيَّ كلَّ شيءٍ يخصها، فأطبق جفنيَّ على دمعةٍ أبت أنْ تبقى حبيسةَ المآقي، فتسيل حارةً... تأخذ مجراها على خدي، ولا أحِبُّ أنْ أمسحها، أتركها تجفُّ هناك. فجأة تشرقُ بوجهها المبتسم وهي تقول لي مداعبة: _ رأيتك في أحلام اليقظة، ولكنّك لمّا جئت إلى الدنيا كنت أجمل من الحلم! _ لكنّي لستُ بذلك الجمال الذي تصفين، بل لا أملك منه إلا القليل؟ _ لا أعني جمالكِ فقط، هذا أمرٌ لا تستطيعين إدراكه إلا عندما تُصبحين أمًا. أولُ وجهٍ رأيتُه في عالم الدنيا، وأولُ كفين لامستني بتلك الملامسة القادرة وحدها على أنْ ترفع الخوف مهما تعاظم وتزرع الأمان، والوحيدةُ التي كانت على استعداد تامٍ للتضحية ولو كانت الكلفة الحياة ذاتها. وأولُ حجرٍ ضمّني في دفئه وحنانه وأنا أتقلبُ لا أبالي؛ لأني على يقينٍ أنني لن أسقط منه، إنّها دنياي كلُها، وتجنبت التطرق لما بعدها. إنها ملاذي الذي لا أجدُ الأمان والراحة والطمأنينة إلّا بوجوده وقربه ورضاه... تناغيني تداعبني... تلاطفني كطفلةٍ حتى بعد أنْ كبرتُ كثيرًا، وأعظمُ حبٍّ في حياتي. كنت أنامُ بين راحتيها وكأني ثملة برحيق الهناء، فيغلبني النعاس فلا أبالي لسهرها، أو تعبها أو حتى مرضها، كنت على يقينٍ تامٍ أنَّ المرض يخشاها ولا يقترب من حدودها الآمنة ... أليست هي حصني؟ فهل يمرض الحصن؟! لم أكن أعرف بردًا ولا حرًا؛ لأنَّ دفئها يغمرني، وكان يزدادُ حبُّها لي كُلّما كبرتُ أكثر رُبّما لأني بكرها، وفعلًا كنتُ أفتعلُ التعب من أجلِ عذوبة حنانها، أشتاق إليه ولا أستطيع بعدًا عنه، وها أنا اليوم بأمسِّ الحاجة إليها، وللتراب الذي تحت قدميها لأشمه. لم أعُد أقوى على مجردِ تذكرِ تلك اللحظات التي كنتُ فيها جالسةً عند رأسها، وهي تُديرُ عينيها بيننا، وكأنّها تبحثُ عن شيءٍ مفقود وجدته في وجهي، أحسستها تهمسُ إلي: ــ كوني لإخوتك أمّاً.. أجبتُها بدمعةٍ، فابتسمت بشحوب، أمسكتُ رأسها وطبعتُ قبلةً على جبينها، ويداها الناعمتان في حضني ويدي، فنزلت دمعةٌ من عينها، لأجد يدي المرتجفة تمسحها، نظرتْ أليّ نظرةً بألفِ معنى، ثم نامت نومتها الأخيرة.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي -سألوني هل لك حبيب؟ قلت: نعم وهو عني لا يغيب سكن الروح والفؤاد، أراه نجمًا يعلو في السماء وجبلًا شامخًا في الأرض لا يُغادرني في بالي ومنامي… حبيبي ليس ككل الناس، لا بل هو إنس وملاك، يُصلح كل كسور قلبي، يعلم بأسراري، ويتألم كثيرًا لحالي… قالوا :وهل يوجد كمثل ذلك؟ قلت: نعم ذاك هو بقية الله من الأنبياء والأوصياء… هو بدر شع نوره في ليلة مقمرة بين الأرض والسماء، فانطمس البدر خجلًا من نوره، والنجوم انتثرت بهجة لقدومه، وأخذ الفرح ينتشر بين ارجاء السماء، وكل أهل الأرض مستبشرين… أيُّها الصاحب اتمنى أن لا يأخذ الألم في قلبك مسكنًا، لأنك الوحيد الذي عندما أكتب اسمك على ورقي يزفر قلمي الحبر دمًا… جُعلت فداك سيدي عَطّر بفضل جودك وكرمك جراحنا وداوِها... رؤياك حلمنا... وسعادتنا بتحقق أحلامنا... اللهم العجل… العجل…
اخرىحوار: حنان الزيرجاوي عالمُ الطفولة.. حيثُ البراءة والصفاء، ونقاء التخيلات، والأحلام الرائعة، إنَّه ذلك العالم الملكوتي الموشَّح بالغفلة والعفوية واللعب، وأولى محطات الانطلاق إلى الحياة الفسيحة. هم فلذاتُ الأكباد، وريحانةُ الحياة، وزهورُ العمر، وبلسمُ الجروح، أنَّهم كنزُ الإنسانية ومستقبلها، فعلينا أنْ نعمل على إعدادهم إعدادًا مناسبًا يتناسب مع حجم المسؤوليات المستقبلية التي ستُلقى على عاتقهم، كونهم بناةَ المستقبل. لذا كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور إبراهيم صفاء الصائغ / اختصاص الطب النفسي ومدير مكتب الصحة النفسية دائرة صحة ذي قار، فكان معه هذا الحوار: ــ هل إنَّ تأثير الشبكة العنكبوتية على الطفل مشابهٌ لتأثير التلفزيون؟ ــ الشبكةُ العنكبوتية تؤثر سلبيًا أكثر من التلفزيون؛ والسبب هو تنوع المواضيع المطروحة وغزارة الأفكار اليت يكون معظمها غير متلائم مع عمر الطفل، وقد تمَّ وضعها بالشبكة للفائدة التجارية والإعلامية، وتكون الأفكار المطروحة غير خاضعةٍ للرقابة وتحملُ بعضها طابعًا غير إنسانيٍّ أو عنيفاً أو إيحائياً. وكثرةُ وغزارةُ المواضيع في الشبكة يُسببُ حملًا فكريًا ونفسيًا وعاطفيًا على الطفل قد لا يتحمله، وبالتالي يُسبب الإجهاد والملل. أما التلفزيون فتكون مواضيعه مُنتقاة وأكثر هدوءًا ولا تحملُ غزارةً بالمواضيع، كما وإنَّ التلفزيون يكون معظم الأحيان بمشاركة الأبوين على عكس الشبكة التي يستطيع الطفل الدخول فيها والتجول خلالها خِلسةً. ــ هل أُجريتْ بعض البحوث التي أظهرت أنَّ التلفزيون لا تأثير سلبياً له مثلًا؟ أو ماذا؟ ــ ليس لديَّ معلومةٌ حول وجودِ بحوثٍ من عدم وجودها، لكن بالنسبةِ لأيةِ حالةٍ جديدةٍ يتمُّ عرضُها على المجتمع سيتمُّ مواجهتها باستغراب وانتقاد، وهذا ما حدث للتلفزيون سابقًا، ثم تبين أنَّ للتلفزيون فوائدَ كثيرةً منها نقلُ الأخبار، ومعرفةُ الطقس، ومشاهدةُ البرامج الترفيهية والمسلسلات والأفلام الهادفة. أما بالنسبة للإنترنت فلم يتم التخوّف منه وانتقاده في بادئ الأمر، وكان الجميعُ يتمنى وجوده في العراق، ولكن بعد سبع عشرة سنة من استخدامه في العراق بدأت تظهر الكثير من الانتقادات والتخوّفات من ظهور مشاكل على مستوى الأطفال من ناحية تغيُّر السلوكيات والأفكار وأساليب الحياة، وهناك أصواتٌ كثيرةٌ تتعالى لرفضه، علمًا أنّ الكثيرَ من الناس بدأوا يعتادون عليه. ــ من أشهر المقولات المعروفة: إنَّ الطفل يتعلّمُ عن طريق اللعب، كيف يتعلّم الطفل الآن مع غياب الطريقة الكلاسيكية للعب؟ هل تكفي الألعاب الإلكترونية للتعلّم وتغني عن اللعب مع الأطفال في الواقع؟ ــ بالضبط، كلامٌ غايةٌ في الدقة والأهمية، إنَّ اللعب على الكومبيوتر يكون وكأن الطفل يلعبُ مع شيءٍ جامدٍ مُعَدٍ مُسبقًا ومُبرمجٍ للعب، ولا يعكسُ تعابيرَ بشريةً أو ردودًا بريئةً. على خلاف اللعب مع الأطفال الذي يُساعد الطفلَ بدخول تجربةٍ فريدةٍ من حيثُ الاحتكاك جسديًا، ومعرفة قابلياته الجسدية، وحدوده الأدبية والأخلاقية باللعب، فإذا تخاصم الطفلان مثلًا سيتعلمان أنَّهما يجبُ أنْ يتصالحا ويكونا على علاقةِ صداقةٍ واحترامٍ لبعضهما، هذه العلاقة قد تمتدُّ لعشراتِ السنين وعلى ضوئها ستتحدد وسائل العيش، وتنفيذ الخطط المُلائمة مستقبلًا، يحدثُ كلُّ ذلك من خلال تكوين العلاقات الطبيعية مع سائر الأطفال والتي لا تحدثُ إلا عند اللعب الجسدي والواقعي اليومي. ــ هل تُعدُّ باقي الأجهزة الإلكترونية المُعَّدة للألعاب مثل الأتاري سابقًا أو (البلي ستيشن) حاليًا أو غيرها من الأجهزة متساويةً من حيث الضرر على الطفل مع ألعاب الإنترنت؟ -كلا بالطبع، فالجهاز المُخصص للعب فقط، مثل (البلي) يكون ضرره أقل؛ لأنّه يُتيح ألعابًا أقل، ومن الممكن أنْ يملَّ منها الطفل بعد فترةٍ قصيرةٍ. أما ألعاب النت فلا حصر لها، وهي تُتيح للطفل تنوعًا، وهذا التنوع هو منبع الخطورة في حال لم تتم مراقبة الطفل. ــ هل لاحظتم في الآونة الاخيرة من خلال تخصصكم النفسي كثرة انتشار الأمراض النفسية لدى الاطفال؟ وما هو السبب برأيكم؟ ــ نعم، هناك زيادةٌ بإصابة الأطفال بهذه الأمراض والأسبابُ كثيرةٌ، منها تعطيلُ المدارس، ابتعادُ الأبوين جسديًا ومعنويًا عن أطفالهما، والخلافات والمجادلات بين الأبوين، وانفصالهما، والأحداث الأخيرة وما سبّبته من فقدان الأمن.. حيثُ يحسُّ الأطفال بعدم الأمان عند سماع الإطلاقات النارية. ــ هناك الكثير من الدراسات والأبحاث توضحُ أنَّ الإنترنت سببٌ في إظهار أمراضٍ كثيرةٍ منها العزلة؟ كيف يُمكن مواجهة هذه الأمراض, ومن المسؤول عنها؟ ــ بالتأكيد الإنترنت وسيلةٌ فعّالة لجذب الأنظار وسرقة الوقت، وبإمكان الشخص قضاء ساعاتٍ على النت من دون الإحساس بالوقت، وهذا ما يُسبب له العزلة عن المجتمع والأصدقاء. وبما أنَّ تطور العلاقات والمهارات الاجتماعية متوقفٌ على قضاء أوقاتٍ يومية مع المجتمع وباستمرار، فيمكن علاج العزلة باستئناف الاحتكاك بالمجتمع بشكلٍ يومي. ــ يُلاحَظ أنَّ المواقع الإلكترونية التي تستهدف فئة المراهقين يفوق عددها المواقع الموجهة لسائر الفئات العمرية الأكبر سنًا، لماذا؟ ــ إنَّ المواقع الشبكية تستهدف فئة الشباب؛ وذلك بسبب حماستهم وانجذابهم للتكنولوجيا، ولا نلاحظ هذا الولع أو الاهتمام بالتكنولوجيا لدى كبار السن، علاوةً على أنَّ هناك وقتًا طويلًا وفراغًا كبيرًا لدى الشباب فيُساعدهم في أنْ يقضوه بالتصفح، على خلاف كبار السن الذين ربما لا يجدون ذلك الفراغ؛ بسبب انشغالهم بمواجهة مصاعب الحياة. ــ هناك جوانب سلبية على استخدام الأطفال للأجهزة الذكية, كيف يُمكن مواجهتها وجعلها جوانبَ إيجابيةً للأطفال؟ ــ يتمُّ ذلك عبر تقنين استخدام النت، كاتفاق الوالدين مع الأطفال على البرامج المسموح لهم بمتابعتها، وتحديد الأوقات المسموح لهم للقيام خلالها ذلك. ــ من أبرز ما استجدَّ من مشكلاتِ العصر بدخول الإنترنت هو طمس الكثير من العادات الاجتماعية كالتواصل مع الأصدقاء والأقارب والأهل، حيثُ اقتصر التواصل معهم عبر الشبكةِ العنكبوتية؟ كيف يُمكن معالجة هذه المشكلة؟ ــ هناك ثورةٌ من داخلِ نفوس الناس على الإنترنت ومشاكله، إذْ أصبح الكثير منهم على وعيٍ تام أنَّ النت ووسائل التواصل الاجتماعي قد جعلت منهم مُدمنين على استخدامها وفي نفس الوقت مُنزعجين منها. وهناك نداءاتٌ من الكثيرين بضرورة تقليل عدد ساعات الانشغال بالنت وغلقِ الهاتف الذكي، وترك استخدامه ولو لبعض الوقت؛ لأنَّ الإنسان بحاجةٍ إلى النظر إلى المجتمع بعينه الخاصة وليس بعين الفيس أو الواتس اب! ــ ماهي طبيعة الأخطار المترتبة على المراهقين بسبب انجذابهم إلى بعض الألعاب وارتيادهم المواقع التي لا تراعي الجانب الأخلاقي؟ ــ في كلِّ دولِ العالم هناك مخاطر ومخاوفُ من استغلال الأطفال والمراهقين من خلال استغلال رغباتهم واندفاعهم وقلّة وعيهم، فنسمع قصصًا كثيرةً عن الابتزاز والاستغلال الجنسي والمادي. ولعلَّ المشكلة الأكبر تكمن في أنَّ الأبوين لا يعيان حجم هذه الخطورة إلا بعد فوات الأوان، وعليه فلا بُدَّ من تنمية وعي الأبوين قبل وعي الأبناء. ومن ضمن هذه المخاطر هي جعل عقل المراهق أسيرًا لفكرة الألعاب الحربية، مما يدفعه ذلك لتطبيق هذه الأساليب غير المدنية ضد المجتمع. ــ يتم في مواقع التواصل الاجتماعي تداول مجموعة من المخاطر التي تُصيب الأطفال جرّاء استخدامهم المُفرط للإنترنت، ومنها على سبيل المثال: أولًا: التوحد؟ ــ هذا غيرُ صحيح، فمرض التوحد مرضٌ يكونُ مع الطفل منذ نشأته، ويظهرُ بعد عمر السنتين. نعم، يُسببُ الإنترنت زيادةَ شدة هذا المرض إذا كان موجودًا بالأصل، ولكن لا يسبب المرض نفسه. ــ ثانيا: التنمر؟ ــ نعم، من الممكن جدًا أنْ يُسبب التنمر، فالنت يشمل الفيس والمجموعات ومقاطع الفيديو التي تحمل بتفاصيلها إيماءاتٍ وإيحاءاتٍ بالعنف والتنمر، فيتصوّر المراهق بأنَّ الدنيا كلها أصبحت عنيفة، وأنَّ العنف واستغلال الآخرين أصبح أسلوبَ حياةٍ يومي عليه أنْ يختبره ويجربه ويطبقه. ــ تتعالى الأصوات والنصائح بمخاطر الإنترنيت على الأطفال، ويتمُّ ذكر عدد من الأمراض النفسية التي يُسببها إدمان الطفل على الألعاب الإلكترونية وشبكة الإنترنيت، ما هو رأيكم بذلك؟ وماهي أغلب تلك الأمراض؟ وبماذا تنصحون الآباء؟ ــ نعم، إدمان استخدام النت واردٌ جدًا عندما يُترك الطفل من دون رقابة، ومن دون تحديد وقتٍ معينٍ للاستخدام. وهناك عدةُ مشاكلَ تحصل للطفل منها: * تعلم التمرُد على الأبوين وعلى الكادر التدريسي. * فقدان الإحساس بجمال الحياة. * الابتعاد عن التواصل الاجتماعي. * الإحساس بالملل. * التعرض للابتزاز وما يُخلِّفه من صدماتٍ نفسية. * الاطلاع على أمورٍ قد تكون غير ملائمة للطفل، وأخرى غيرها. ــ أخيرًا، كيف يُمكننا حماية أجيالنا الجديدة من خطر الأفكار الشاذة التي تروج لها بعض المواقع الإلكترونية؟ ــ يتم ذلك من خلال الرقابة اللصيقة لاستخدام الطفل للنت، ومتابعته وتوجيهه باستمرار وعدم تركه وحيدًا طوال الوقت، وتعليمه مبادئ الاستخدام الصحيح قبل أنْ يستخدمه، وتحديد موعدٍ ووقتٍ للاستخدام، وتحديد الموضوعات المسموح بتصفحها عبر النت، وتربية الطفل منذ الصغر على الصراحة، وعدم الكذب والالتزام بالمبادئ والأخلاقيات العامة.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي بعد أنْ بيّنا في المطلب الأول تعريف المراحل العمرية المختلفة مع التركيز على المرحلة التي نخصّها في بحثنا هذا، نأتي لبيان المطلب الثاني الذي هو بعنوان: (بيان التغيّرات والظواهر التي تبرز في مرحلة المراهقة) تُعدُّ فترة المراهقة مرحلةً عمرية انتقالية يمرُّ بها الإنسان، وهي فترةٌ مهمة ومؤثرة جداً في حياته، فهي من أهم وأخطر المراحل شأنًا في حياة أبنائنا بعد اجتيازهم لمرحلة الطفولة بسلام، وقد أطلق عليها بعض العلماء مرحلة "الولادة الثانية"؛ لما لها من خصائص وتغيّرات أساسية واضطرابات شديدة فسيولوجية كثيرة وسريعة تحدث في العديد من الجوانب الجسدية والانفعالية والاجتماعية وغيرها والتي لها الأولوية في تشكيل شخصية كلا الجنسين. وهذا لا يعني أنَّ النمو من مرحلةِ الطفولة إلى المراهقة يحدثُ بشكلٍ مفاجئ، وإنما يكون نموًا تدريجيًا ومستمرًا ومتصلًا. فالمراهق لا يتركُ عالم الطفولة ويصبح مراهقًا بين عشيةٍ وضحاها، إنّما يكون انتقالًا تدريجيًا على الصعيدين الداخلي والخارجي. إنّ معرفة سيكولوجية النمو والتغيرات التي تطرأ على هذه المرحلة مهمةٌ في حدِّ ذاتها؛ فإنها تصقل معرفتنا لطبيعة معايير نمو الإنسان من كافة الجوانب، لكي يتسنى لنا التحكم في العوامل والمؤثرات التي تؤثر في النمو وفي أساليب سلوك المراهق التي تتزامن مع هذا النمو. فهناك اختلافٌ بين شخصٍ وآخر، وتفاوتٌ في هذه التغيّراتِ حسب الظروف التي يمرُّ بها ذلك الشخص وحسب المؤثرات الوراثية وغيرها من أسباب. ومعرفة تلك التغيّرات تساعد كلا الطرفين؛ فمن جهةٍ تُمكِّن الأهل من فهم مراحل نمو أولادهم والتغيّرات التي تحدث لهم وكيفية التعامل مع هذه التغيرات لإعانتهم على تخطي تلك المرحلة بسلام ومن دون انحرافٍ بجميع أشكاله، ومن جهةٍ ثانية تساعد الفرد المراهق ذاته في تكوين مفهومٍ صحيحٍ وواضحٍ نحو جسمه ونفسه ليُدرك أنَّ الله (تعالى) قد خلق الإنسان لينمو تدريجيًا، وجعل تفاوتًا في القدراتِ والإمكانياتِ من حيث الجسد والذكاء وغيرها بين شخصٍ وآخر، يجب على الفرد أنْ يتقبله؛ ليتكيّف مع وضعه في كلِّ مرحلةٍ من مراحل النمو. لذا سنسلّط الضوء على أهم التغيّرات العامة والشائعة التي تنتاب الفرد في هذه المرحلة بعد تقسيمها إلى ثلاثة أقسامٍ وهي: أولًا/ النمو الجسماني ثانيًا/ النمو الانفعالي ثالثًا/ النمو الاجتماعي وهي ما سيأتي تفصيلها بعون الله (تعالى)..
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي لأهمية تلك المرحلة العمرية وموضوعها سنتناول جوانبها على هيئةِ دراسةٍ تحليلية لتلك المرحلة الحرجة من عمرِ الإنسان وبيان صفاتِها والتغيّرات التي تطرأ على المارّين بها. وقد يتبادر إلى الأذهان سؤالٌ عن كيفية الاستدلال أو الاستشهاد بمنهجٍ تربوي في فكرِ السيدة الزهراء (عليها السلام) رغم أنّها (صلوات الله عليها) لم تُدرك بلوغ أبنائها لهذه المرحلة العمرية - موضوع البحث - حيث توفيت (روحي فداها) وأكبر أبنائها بعمرٍ لم يتجاوز السابعة، فأنّى يمكن أنْ نجد شواهد لقولها أو فعلها في مثل هذه التجربة التي هي مما يشغل الآباء والأمهات في كلِّ العصور من حيث الحاجة المُلِحة لأساليب تربوية تتناسب والتعامل مع هذه المرحلة الحرجة في حياة الأبناء؟ هنا ينبغي الالتفات إلى مجموعةِ نقاطٍ؛ لأهميتها، ولننتفع بقواعد الاستثناء في سردِ أحداث التعامل المباشرة والاكتفاء بإشاراتٍ سيأتي بيانها بعد التعرف على دواعي الاستثناء في هذه النقاط : ١ - أنَّ السيدة الزهراء (عليها السلام) من المعصومين، وقولِ المعصوم وفعله وتقريره هو المصدر للتشريع –إلى جنب القرآن الكريم- وإنْ لم يمارس دورًا معينًا في قضيةٍ معينةٍ. ٢ - لا يوجد ما يدعو للشك في أنَّ المنهج التربوي لأهل بيت العصمة (عليهم السلام) هو منهجٌ واحدٌ يُكملُ بعضُه بعضًا وإن اختلفت الظروف وتعددت الأزمنة. ٣ - يمكن الانتفاع من نشأة الزهراء (عليها السلام) في كنف النبوة والإمامة بلحاظِ كونها (عليها السلام) قد تزوجت وأنجبت في سنٍ مبكرة بل كانت شهادتها (عليها السلام) في مقتبلِ عمرها الشريف. هذه النقاط هي التي دعتني إلى الانطلاق من محاور متعددة وإثراء البحث بشواهد من حياتها (عليها السلام) وحياة أبنائها (صلوات الله عليهم أجمعين). وهدفنا من هذا البحث هو: إلقاء نظرةٍ فاحصة تحليلية متجددة على مشاكل المراهقين الكلاسيكية والمعاصرة، ومحاولة إيجاد الحلول لها عن طريق الاستفادة من منهج السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في التربية. ويتكون البحث من ثلاثةِ مباحث وهي: المبحث الأول: نظرة الإسلام للمراحل العمرية المختلفة لا تكتفي المنظومةُ الإسلامية في بثِّ العلوم الدينية من أصول دينٍ وفروعٍ وغيرها، بل تتكامل لتشمل جميع المجالات وتطرح نظريات لا يندرس أثرها مع مرور الزمن، كنظرة الإسلام إلى المراحل العمرية المختلفة للإنسان. فالشريعة الإسلامية الغرّاء طرحت نصوصًا وقواعدَ ومبادئ تربوية تمتلك عوامل السعة والمرونة؛ لاستيعاب كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، بينما نلاحظ ــ مع الأسف الشديد ــ أكثرَ الدراسات المطروحة في الوقت الراهن مبنية على أسسٍ نفسية أو تربوية بحتة، من دون التطرق إلى وجهة النظر الدينية المهمة لتأسيس مجتمعاتٍ متكاملة، مما جعل الناس ينسبون ذلك لبعض علماء النفس أو التربية، غير مدركين أنَّ ديننا الإسلامي ترك لنا ذخيرةً كبيرةً في هذا الباب تغنينا عن جهدِ وتعبِ سنين في الدراسات التي ربما تصيبُ أو تخطيء. ولسنا هنا في صدد انتقاد تلك الدراسات أو التنديد بها؛ إذْ لربما الكثير منها نجدها تتلازم وتتوافق مع مبادئ الإسلام، إنّما ندعو إلى الرجوع لتراثنا وإسلامنا والتنقيب في أعماقه لسبرِ أغوار أسراره والاستفادة من جواهره، لذا سنبدأ بتقسيم المراحل العمرية حسب المنظور الإسلامي. لقد سبق القرآن الكريم كلَّ الدراسات والأبحاث القائمة حاليًا بتقسيم تلك المراحل عن طريق هذه الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"[سورة الحج 5]. *فوفقًا للمنظور الإسلامي قد تمَّ تقسيم المراحل العمرية إلى أربعةِ أدوارٍ وهي: الدور الأول: يبدأ منذ ولادة الإنسان وينتهي ببلوغه الخامسة عشرة، وهو دور الصبا، وبداية الشباب الذي هو من أروع أدوار العمر، وأكثرها حيوية. الدور الثاني: يبدأ من سنِّ الخامسة عشرة، وينتهي بالخامسة والثلاثين، وهو من أقوى فترات العمر ففيه تكامل قوة الإنسان، ونشاطه وبهاؤه. الدور الثالث: يبدأ من الخامسة والثلاثين وينتهي بالستين، وفي هذه المرحلة تتكامل معرفة الإنسان، وتنتظم فيه أموره؛ وذلك من خلال تجاربه للأمور، ومعرفته بالأحداث ففي هذا السن يكتملُ نشاطه الفكري إلا أنَّ قواه الجسمية تبدأ بالضعف. الدور الرابع: يبدأ من الستين حتى يوافيه الأجل المحتوم، في هذا السن تضعفُ جميع أجهزته وخلاياه، وتنحلُّ قواه(1) *أما علماء النمو فقد قسّموا تلك المراحل إلى ثلاثة وهي: • مرحلة الضعف الأولى: تشمل الجنين والطفولة. • مرحلة القوة: تشمل الأشد. • مرحلة الضعف والشيبة: تشمل الشيخوخة وأرذل العمر (مرحلة التنكيس). يتضح مما تقدّم أنَّ حياةَ الإنسان تمرُّ بالعديدِ من المراحل المختلفة تبعًا للصفات والمتغيرات التي تُميّز كلَّ مرحلةٍ عن غيرها. كما أنّ كلًا منها يحتاج لاهتمامٍ ورعاية مختلفة تلبي احتياجات تلك المرحلة؛ ليستطيع الإنسان أنْ يعيشها بسلامٍ دون مواجهة مشاكل تُعرّض حياته للخطر. فمرحلةُ الطفولة مثلًا تختلف عن المراهقة وتختلف عن الشباب وعن الشيخوخة، فكلُّ منها يحتاج إلى تعاملٍ مختلف، وكلٌ منا قد مرَّ ببعض هذه المراحل وقد يمرُّ بالأخر؛ لذا عليه أنْ يكون مُتفهمًا وواعيًا في كيفيةِ التعامل مع هذه المراحل العمرية. وما يهمنا من تلك المراحل هو محور بحثنا، المرحلة الثانية (مرحلة المراهقة)، وفيما يأتي بيان تعريفها وماهيتها وخصائصها. أولًا: تعريف مرحلة المراهقة وردت الكثير من التعريفات المختلفة لهذه المرحلة من علماء النفس والتربية سنذكر بعضًا منها: - هي مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرشـد (2) -هي مجموعة من التغيرات في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، فهي مرحلة الانتقال التي يصبح فيها المراهق رجلًا، والمراهقة امرأة(3). يتبع.... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) حياة الإمام الرضا (عليه السلام) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١- صفحة :٢١٩ (2) حامد عبد السلام زهران، علم نفس النمو، دار المعارف بمصر، 1986م . ص289. (3) عبد الرحمن العيسوي، سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر، دار الوثائق بالكويت، ط1، 1987م، ص 11.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي رأيتُ فيما يرى النائم عروجَ روحي بين أفلاكِ السماء، بعد ما حطَّ الليلُ رحاله على أديم هذا الوجود في ليلةٍ هي بين الليالي قديستهن، والقمرُ في أواخرِ أيامه في شهرٍ ليس كَما الشهور قاطبة؛ لأنّه سيّدُ الشهور، شهرُ الله تعالى، شهرٌ تتضاعَفُ فيه الاُجور، وتتفتح فيه أبوابُ السماء للإفاضاتِ الروحية للعابدين، فتهبُّ نسائمُ طيبةٌ تملأ الكون شذى عبيرٍ كأنّه عبقُ الجنان. تلك ليلةٌ تختلفُ عن جميعِ الليالي بنفحاتِها الإيمانية، وأنوارها القدسية، تسطعُ لتُنيرَ الأرض لأهلِ السماء، كما تُضيء أجرامُ السماء لأهل الأرض، يتخللها دويٌّ لأصواتٍ تلهجُ لربِّ العباد بالدعاء والاستجارة، ترجو النجاةَ بعتقِ الرقاب من النار، وأعمدة النور تصعدُ من الأرضِ نحو السماء، آياتُ ترتيلٍ، وآهاتٌ حرّى، وأدعيةٌ تضجُّ بالبكاء، ونحيبُ الساجدين من خشية الله تعالى، والدمع يتساقط من المقل، ووجد العاشقين لمولاهم، كيف لا، وهو شهرُ الصيام، وشهر القيامِ، وشهرُ التَّوبَةِ وَالاِستِغفارِ. واغوثاه.. واغوثاه .. واغوثاه! أرى وفود الملائكة تنزلُ من السماء حاملةً معها عطايا الإله، والكلُّ يسألُ أنْ يُكتبَ اسمه في هذه الليلة من السعداء، وأنْ يُمحى من صحائف الأشقياء، وما بين التضرعِ والرجاء، والإنابةِ والدعاء، أرنو ببصري نحو السماء لأرى الحور والقصور، وأنهارًا مما لذَّ وطاب، وهناك سيدةٌ يكادُ سنا نورِها يسطعُ في عليين، من تكونين أيتها الجليلة؟ ــ أنا من فيها يُفرَقُ كُلّ أمرٍ حكيمٍ، ويُكتَبُ فيها وَفدُ بيتِ الله الحَرامِ. أنا من تَتَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ فيها عَلَى الصائمين بِإِذنِ رَبّهم من كُلِّ أمرٍ، سَلامٌ هي حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ، فلا ينالني إلا عبادُ الله المُخلصون، ممن وصل لمستوى من الفيض الإلهي، وأما من كانت نفسُه ملوثةً بالمعاصي والآثام، ولم يُطهِّرْ نفسَه قبل فواتِ الأوان، فهو غيرُ جديرٍ لتلقي الرحمةِ الإلهية التي ميّزني بها ربُّ الوجود وخصني فيها، وهو غيرُ مستعدٍ لنيلِ المراتبِ الكمالية والعطايا السماوية. ــ يا سيدةَ الأزمان، ويا غُرّةَ الدهر، ونبراس العابدين، من طهركِ تتطهر الحياة من أرجاسها، ومن أدرانها، ومن غفلتها. يا سيدةَ النقاء، وسماءَ الفضائل، وفريدةَ الدهور، يا من شرّفكِ اللهُ تعالى أنْ تكوني غُرّةً في أفضلِ الشهور، وفضّلكِ على الليالي، وخصَّكِ بالرفعةِ والإكرام، وأخفاكِ في سرِّ مكنونِه عن الأنام، فجعلكِ في الثُلُثِ الأخير من شهر الصيام، كما رويَ عن خيرِ الأنام وأهلِ بيته الأطايب الكرام؛ لكي يتزود فيكِ عباد الرحمن، لا حرمني اللهُ من نيلِ شرفِ اللقاء بكِ وإدراكِ كنهكِ. ها هُنا رفعتُ أكفّي نحو السماء، وأخذتُ أبتهلُ للمناجاة، وأنا أرددّ: "اَللّـهُمَّ امْدُدْ لي في عُمْري، وَأوْسِعْ لي في رِزْقي، وَأصِحَّ لي جِسْمي، وَبَلِّغْني أمَلي، وَإنْ كُنْتُ مِنَ الأشْقِياءِ فَاْمُحني مِنَ الأشْقِياءِ، وَأكتُبْني مِنَ السُّعَداءِ، فَإنَّكَ قُلْتَ في كِتابِكَ الْمُنْزَلِ عَلى نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ (صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ): "يَمْحُو اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ اُمُّ الْكِتابِ". فلا سعادةَ إلا برضاك وبلِّغنا أملنا بظهور حجتك القائم من آل محمد (صلوات الله عليهم)؛ لأنّك تقدر الأقدار في هذه الليلة. قرِّب لنا ظهوره، يا اَللهُ يا اَللهُ يا اَللهُ، لَكَ الأسْماءُ الْحُسْنى، وَالأمْثالُ الْعُلْيا، وَالْكِبْرِياءُ وَالآلاءُ، أسْألُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَأنْ تَجْعَلَ اسْمي في هذِهِ اللَّيْلَةِ فِي السُّعَداءِ، وَرُوحي مَعَ الشُّهَداءِ، وَإحْساني في عِلِّيّينَ".
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي من الأمور التي كانت ولا زالت ضرورية هو التفكير بالمسؤولية اتجاه اطفالنا واتجاه المجتمع عن طريق بناء جيل المستقبل بالشكل الصحيح، وهو ما يتطلب إعدادًا وتثبيتًا لقاعدة رصينة أوّلًا؛ هذه القاعدة المتمثلة بالنواة الأولى لتلك الخلية المسماة بالأسرة، والتي تعتبر المحيط الأول والمؤثر الكبير ذا التأثير المباشر في تكوين وتنمية الطفل وتقويم سلوكه واخلاقياته، والقالب الاجتماعي الأول الذي يصوغ شخصيته في المجتمع. عندما تفكر بزراعة الزهور في حديقتك، تبدأ بإعداد الأرض الصالحة لتنثر تلك البذور؛ لتضمن أنها ستزهر معطيةً منظرًا جميلًا وأريجًا طيبًا، هكذا عندما تريد بناء أسرة، فإنه يجب اختيار الزوجة الصالحة/الزوج الصالح، وهذه تُعد الخطوة الأولى لذلك البناء الرصين، ليكون قاعدة فولاذية لبناء الأسرة. من هنا، نجد أن الدين الإسلامي أعطى الأولوية القصوى لمسألة اختيار الزوجة الصالحة مثلًا، لأنها سوف تصبح أمًا وحاضنة لأولاد المستقبل، وسكنًا للرجل وشريكة حياته، كما جاء ذلك في محكم كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). إن الزوجة (الأم) لهي أهم ركن في الأسرة، لما لها من تأثير في نجاحها أو فشلها وسعادتها وحزنها، لذلك وضعت عدة شروط لاختيار الزوجة، وقد (راعى الإسلام في تعليماته لاختيار الزوجة الجانبين، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين" (1). وقال (صلى الله عليه وآله): "تخيروا لنطفكم فان العرق دساس" (2). فالرسول (صلى الله عليه وآله) يؤكد على اختيار الزوجة من الأسر التي تحمل الصفات النبيلة، لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده) (3). ثم إنّ الرجل هو القائد الأول الذي يتسلم زمام الأسرة على أساس أن القيمومة بيده، لكن الشرع حدّد صلاحياته ولم يجعلها مطلقة، بل أنها مقيدة بحسن المعاشرة والعدالة والإحسان والرأفة والرحمة في عالم الأُسرة، بالإضافة إلى النفقة الواجبة عليه، الأمر الذي يعني أن القيمومة للرجل ليس فيها انتقاص للمرأة أو لدورها، إنما هو تنظيم الأدوار وترتيب المواقع، لتسير السفينة بطريقة انسيابية. ولعل دور المرأة في الأُسرة أخطر وأهم من دور الرجل؛ نظرًا لضخامة المسؤوليات التي ينبغي لها أن تنهض بها، لا سيما أنها في بيتها ملكته. هذا وقد حثت الروايات الشريفة على حسن الاختيار من الطرفين، فمثلما يتم اختيار الزوجة الصالحة، لا بد للمرأة من اختيار الزوج الصالح، وقد رويَ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير" (4) فالأخلاق والدين أساس مهم في بناء الأسرة التي تعتبر هي المؤسسة التربوية الأم في تشكيل شخصية الطفل بصفة عامة، وهذا ينعكس سلبًا على شخصيته فيما لو اضطربت الأسرة وتفككت، لذا من المهم أن يكون البناء رصينًا متكاملًا منذ البداية ليُنتج أسرة منظمة قائمة على أساس الحب والاحترام والفضيلة، والتي منها ينطلق الرجال والنساء بآداب وأخلاق سامية وصفات حميدة. ومن هنا فإنّ حسن الاختيار يُعد أول موضوع تربوي يهتم به الإسلام في باب تكوين الأسرة، ليكون جوّها متكاملًا مهيئاً لتربية الطفل، وعلى هذا الأساس تكون مسؤولية اختيار الشريك جسيمة أمام الله تعالى وأمام المجتمع. خلاصة القول: ليكن أمام ناظرينا -بعيدًا عن حاجاتنا الشخصية- الهمّ الأكبر من الزواج، والذي يقتضي الاهتمام بالمواصفات التي يرضاها الله (عزّ وجل) وسنّها لنا الرسول وأهل البيت (عليهم السلام) بشكل مفصّل؛ لنؤمّن الراحة في الحياة؛ ولتكون ثمار اختيارنا طيبةً... _________________ 1-الكافي، للكليني 5: 332 / 2 باب اختيار الزوجة - دار التعارف 1401 ه ط 3. 2-المحجة البيضاء، للفيض الكاشاني 3: 93، جامعة المدرسين قم ط 2. 3- تربية الطفل في الإسلام - مركز الرسالة - الصفحة ٢٨ 4-الكافي ج5 ص495
اخرى