بقلم: حنان الزيرجاوي/ نورا العبودي نقاوة قلب مع شفاه ذابلات، نور ساطع يملأ ذلك الوجه الصغير، ليس إنسانًا، فإنه ملك من السماء ينتظر قدرًا. أي قدر في كربلاء؟! عنق رقيق يذبحه ذلك الرمح، من شدة ألمه أخرج يديه ليعانق أباه، كأنه يرفرف من حرارة الشوق ليس من حرارة الألم، ملأ من دمه كفيه ليرفعه نحو السماء فلم تسقط منه قطرة لأنه طفل السماء. ما بال قلمي يذرف حبره كلما كتبت عن الرضيع! أيريد لبس شعار الجزع والمصاب، أم يريد الاتشاح بالسواد لأجل ما طُمس من أعلام الهداية، وأُسِّس من أركان الغواية. تعجبت! تساءلتُ؟ ووصلت لنتيجة مرّة وأنا أتأمل بمصير ذلك الطير المذبوح: على أي شيء رفع رأس الرضيع؟ أعلى رمحٍ أم قلم؟ كلمات لا أود أن ألصقها على جدران النسيان، بل أدونها عبر التاريخ، عندما كنت أكتب أحدى قصصي التي تتناول جانب معركة الطف وشخوصها كنت أتوقف عند كل شخصية ألقي التحية عليها، أتحدث عنها بما يسعفني به خاطري، توقف قلمي فجأة عن الكتابة، صار يرمقني بنظرات حزن وبكاء! أجل يذرف دموعًا من حبر، حبره يسيل على أوراقي البيضاء، يتلفها بل يلتهمها كأن الحبر به جمر يحرقها، جففت المتبقي من أوراقي، أعدت ترتيب مكتبي، ملأته حبرًا مرة أخرى، أردت متابعة الكتابة عن تلك الشخصية، عن رضيع الحسين تحديدًا، أمسكت بقلمي قلت له: قلمي العزيز كيف سأكتب ما يجول بخاطري وذهني، أنت تخذلني، أعتذر منك يا رفيق دربي لكن هذه المرة الأخيرة أن أدلقت ما بك من حبر على ورقي الثمين، سأستبدلك بقلمٍ آخر، لأني أود أن أكمل ما بدأته من حديث عن البلية التي سلبت نفوس خير الآل، مصيبة أبي عبد الله (عليه السلام). أمسكت به جيدًا، قربته من أوراقي، كتبت، وجدت القلم يكتب غير ما أملي عليه، كتب لي: حتى لو جمعت أقلام العالم لم يسعفك أحدها بالكتابة، سيصل عند رضيع الحسين وسيزفر حبره خارجًا وسيموت! قلت له: لماذا؟ قال: آه كم أشعر بحزن كبير، كم أشعر بالآلام والجروح، إنها تسكنني منذ زمن بعيد، كلما أردت أن أتحدى حزني فشلت، ترعرع الحزن داخلي، كلما حاولت أن أكمل الكتابة وأبوح، وأن لا أذرف حبري وجعًا، فإن الجروح تزداد، كل رؤوس آل البيت رفعت فوق الرماح إلا رأس الرضيع رفع على رمح من قلم!
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي بين تخبّطٍ لآراء القوم ونية معدومة لنبلة قوس حرملة (لعنة الله عليه) للطيران في فضاء كربلاء، نحو بريق نحر قمر رفعته شمس من بعيد، إذا بقرارة الشيطان استقرت في نفوس القوم بأن يقطعوا النزاع، ولا نزاع إلا في نفوسهم بين صراع الأفكار الشيطانية والرحمانية، لأن ما رفعته الشمس هو راية للسلام، ونفوسهم لا تحوي إلّا الجهل والظلام. استقرت آراء القوم على أن يطلقوا تلك النبلة غير الراضية على نفسها، وما هي بنبلة وإنما ظلام أطفأ نور ذلك القمر من هذه الحياة، فحلقّت النبلة بين مطبات الرياح وهي تخاطب نفسها: ماذا عساني أن أفعل؟ وما بين صراع ضمير النبلة وقرار الرامي، إذا بها تسقط في ذلك المنحر الشريف... سالت تلك الدماء وكأنها در منثور من إبريق فضة، تحمل البراءة والسلام؛ لتصرخ للعالم بقتل الطفولة، فاستقبلتها أكف الرحمة والحنان والأبوة كي لا تقع على الأرض التي سترى تلك المآسي والجرائم، لأنها لا تتحمل ما سيجري على أهلها وذويها من القتل وسفك للدماء وحرق للخيام وسبي للنساء، فرفعت تلك الأكف دماء البراءة والطفولة ورمت بها نحو السماء كي تحتضنها حجور مطمئنة وصدور دافئة، من بين أكف السماء الزرقاء والحنان الذي لا تحمله تلك الأرض بعد أن ذبح فيها طير من طيور السلام من آل بيت أبي طالب (عليه السلام).
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي ما أشبه الليلة بالبارحة! هجمات مقصودة تستهدف المرجعية الدينية العليا يشنها الخط الأموي، استُخدمت فيها شتى الأساليب العدائية التي تهدف الى شق الصف الشيعي بدعاوى باطلة تجعل من المرجعية الدينية محورًا تدور حوله الشبهات لأضعاف تأثيره بالجماهير، حيث بثوا سمومهم لكي يعم الجهل الفكري وتصبح لهم قاعدة تشيد عليها قصور الرمال والوهم. لكن هيهات أن يكون لهم ذلك، وقد تصدت مرجعيتنا الحكيمة، لتفوت على هذه الأجندات البائسة كل فرص النجاح، وقد أفشلت مخططاتهم بالكلمة وهي تتخذ من مواقف الإمام السجاد (عليه السلام) الذي ألقى خطبته الشهيرة في مجلس يزيد منهجا لإظهار الحقائق وكشف زيف دعاوى المبطلين، فكأنها تفرغ عن لسانه (عليه السلام) في خطبته: (أيّها الناسُ، أنا ابنُ مَكّةَ وَمنى، أنا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفا، أَنا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرافِ الرِّدا، أَنا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلائِكَةِ السَّما، أَنا ابْنُ مَنْ أَوْحى إِلَيْهِ الجَليلُ ما أَوْحَى، أَنا ابْنُ فَاطِمَةَ الزّهْراءِ، أَنا ابْنُ خّديجَةَ الكُبْرى، أَنا ابْنُ الْمُرَمّلِ بِالدِّما، أَنا ابْنُ ذَبيحِ كَرْبَلاء) (2)، ليقلب الطاولة على الفاجر يزيد بفعل الكلمة لا بفعل السيف أو نحوه. وقد استطاع الإمام (عليه السلام) أن يهزّ مشاعر الناس، ويكشف الزيف ويبين الحقيقة، مما جعل يزيد يخضع لمطالب الإمام (عليه السلام) في الرجوع إلى المدينة وإنهاء عمليّة السبي، كذلك تمكنت المرجعية العليا من استثمار هذا المنبر المبارك في تحقيق غاياته التي أعلنها الإمام السجاد (عليه السلام) (لله فيه رضا وللناس أجر وصلاح). لقد تمكَّن الإمام (عليه السلام) من بيان مكانة أهل البيت (عليهم السلام) وحقهم الممنوح لهم من الله (جل وعلا)، وبيان مظلوميّتهم وما جرى من سلب حقهم، فأحال رحلة السبي التي أرادها أعداؤهم وسيلة للشماتة والتشفي إلى رحلة دعوة إلى الحقّ وإلى مرجعيَّة الإسلام الصحيحة وتوعية الناس وإفاقتهم من دهاليز الغيبوبة التي أدخلوها في عقولهم. وعندما نقلب أوراق التاريخ نجد أن كثيرًا من المواقف للمرجعيات الدينية في التصدي للمخاطر التي اعترضت حياة الإمة الإسلامية، ففي العراق – مثلًا- اطلق المرجع الديني الميرزا محمد تقي الشيرازي (طاب ثراه) فتوى ضد الاحتلال البريطاني في العراق فاستجاب لها أهل العراق بثورة العشرين واستطاعوا النصر فيها، وفي حزيران من عام 2014 اطلق المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) فتوى الدفاع بعد ان احتلت داعش ثلث العراق فاستجاب له أبناء الشعب العراقي وأزالوا الخطر عن العراق وعن الدول العربية بشكل عام رغم الدعم العالمي والمساعي الكثيرة التي يروم من خلالها الأعداء الى تشويه سمعة الدين الإسلامي. إضافة الى مواقف كثيرة منها ارشادات وتوجيهات الى الشعب العراقي والى الساسة الذين لم تسغ لأكثرهم توجيهاته فقاطع السياسيين حتى يتم توفير احتياجات الشعب العراقي، وبعد انجاح دور المرجعية الدينية في دفع الخطر عن العراق وخطبها التي تحاكي جميع فئات المجتمع فلا شك أن هناك من لا يريد الخير للعراق فظهرت أبواق النفاق لتسيء الى مقام المرجعية مستخدمة شتى الطرق لتسقيطها، منتهجين أسلوب بني أمية وبني العباس حينما كانوا يطلقون التهم الباطلة ضد أئمة الهدى (عليهم السلام) من أجل اضعاف مقامهم أمام الناس ولكن الحق يظهر مهما طال زمان التضليل، والفرق واضح وجلي لمن يبصر بين هذا المنبر ويقيسه بمنابر تنزو فوقها قردة أمية.
اخرىبقلم: ندى الزيرجاوي مرآةٌ عكست ذلك الواقع الأليم الذي مر على أهل البيت (عليهم السلام) ليرى العالم من خلالها واقعة كربلاء وما تحمله تلك الفاجعة من ألم ودروس لا يستطيع اللسان وصفها. مرآة لم تنكسر، لكن تصدعت لترى في كل قطعة منها منظرًا مؤلمًا من قتل وحرق للخيام، فرار للأيتام وسبي النساء، سلاسل وسياط وهزل وأجساد مبعثرة، رؤوس تحمل على أسنة الرماح ومسير سبايا، فرح وطبول تدق بغضاً بهم وشماته، جميع تلك الصور المؤلمة شاهدها الإمام زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السلام) الذي أصابه المرض لحکمة الهية بالغة، لتبقيه حيًّا بعد المجزرة الدموية الأموية التي حلت ببيت الرسالة في کربلاء، لينقلها إلى المجتمع الذي غُيبت فيه الحقيقة، من خلال مواقف سجلها ليوضحها للعالم، وينقل مظلومية آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) من خلال خطابه، تمثلت بدوره الإعلامي من خلال إظهار الجانب المفجع والمأساوي لما حدث في أرض الطف، وما صنع بنو أمية (لعنهم الله) من ذبح وسبي، والإمام (عليه السلام) لم يقم بذلك من أجل كسب شفقة الناس وعطفهم ولم يستخدم المنبر لإلقاء خطبته لإنزال الدمعة، بل لكي يستطيع بعمله هذا ترسيخ الفاجعة في أذهان الناس عن طريق أسلوب استفزاز المشاعر لكي يثير نتائج الطف السامية وترسيخ القيم الإسلامية التي جاهد من اجلها الامام الحسين (عليه السلام) فأراد أن يرتقي المنبر ليلقي كلمات لله تعالى فيها رضا لله وصلاح للعباد، وبذلك أسقط الأقنعة والتعتيم الإعلامي الذي استخدمه بنو أمية بإقناع الناس بأن الإمام الحسين (عليه السلام) وصحبه إنما هم من الخوارج، وقد کان مقدرًا لتلك الدعاية أن تنجح وتأخذ مداها في الشام إلی اقصی حدٍّ ممکن، لكن بقية الله في أرضه (عليه السلام) آنذاك المتمثلة بزين العباد (عليه السلام) وعمته فخر المخدرات (عليها السلام) أفشلت ذلك المخطط بتوليهم مسؤوليتهم التاريخية أمام الله والرسالة المحمدية، بکشف أهداف الثورة الحسينية، ارتقى تلك الأعواد ليبين للناس لمن هذه الرؤوس الشريفة وإي مقام رفيع يمثلون في دنيا الإسلام، مبينًا من هم السبايا، ليُظهر للناس سياسة الأمويين الدموية وفجورهم وظلمهم لأطهر خلق الله، ويفشل مخططاتهم، ليكشف عبر مرور الزمن ما للحق من قوى في إرهاب عروش الطغاة وزلزلتها؛ عليل، أسير، قُتل أهله وأخوته، لكنه مصدر قوة وإشعاع بتوليه لمسؤوليته بالشكل الصحيح فلم يستخدم السيف والقتل والتنكيل بل استخدم الكلمة التي هي أقوى وقعًا من السيف عن طريق الإبلاغ والتبليغ والإرشاد والدعاء، ليتبنى منعطفاً جديداً للحرکة الإصلاحية في الأمة الإسلامية.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي غصة... عبرة دموع واشتياق... حنين لروضة من رياض الجنة لأشم أريج عطرها الذي ملأ السماء قبل الأرض. حسرة ولوعة داهمتني حين أخبرت أهلي ومن حولي بأنني سأغادر بعد أيام قليلة لزيارة البيت الحرام، بدأ الكل يقلدني الزيارة والدعاء عند الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)، هكذا تعودنا عندما ينوي أحدنا التوجه لزيارة أضرحة أئمتنا الميامين، فيتوسمون منا إيصال سلامهم وطلب حوائجهم ونحن نلثم الضريح الطاهر بالقبلات، ويشد بصرنا قببهم الشَاهِقة، وهيبة عظمتهم التي تطغى على أضرحتهم التي تجعل الإنسان يستصغر شأنه بجانب تلك الجبال الشامخة. لكن لم أستطع التأمل والتفكير كثيرًا، متأملة كلام الجميع، لم أر أحدًا قلدني زيارة من هي قطب رحى الوجود، ومعدن التأويل، ومجمع النورين، اغرورقت عيناي بالدموع، فالحيرة تغمرني، نكست رأسي أرضًا معتذرة من أبيها وبعلها وبنيها، دار في ذهني السؤال: كيف أصل ولا أزورها، ولا أجد أثراً لمعالم حضرتها وقبرها؟ كيف سأصلي هدية لها وألثم ضريحها! كيف يكون ذلك وهي التي ترفدنا بالكرامات والمعجزات في كل حين، في صباحي ومسائي: يا وجيهة عند الله اشفعي لي عند الله، وها أنا زائرة حائرة، أبحث عن من فطمت محبيها من النار... أغمضت عينَيّ والدموع تملؤها، لأُحدث نفسي: لِمَ ابحث عن قبر بعيد وها هي تسكن في قلبي ليلًا ونهارًا؟ أخذت أردد: من يقصد المسافات حُبًّا يتمنى لقاء من يحب وأن كان الحبيب لا يرد جوابًا. أُعذرِينا يا زهراء فقُبور أحِبَتِنا تُزار ومَرْقَدُكِ الأغلى على قُلوب المُؤمِنين لا يُزار.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي جلست مع صديقتها ورفيقة عمرها وتوأم روحها بعد الانتهاء من درسٍ أخلاقي في حوزةٍ نسوية في مدينةٍ صغيرة. نعم، فهي كانت دائمًا تميل إلى مُجالستها والتحدث معها في شؤونٍ كثيرة لتقاربِ أفكارهما وسلوكهما ونظرتهما للحياة، فكانت الواحدة منهن تُصغي للأخرى... تتمعنُ في جميلِ كلامها وحُسنِ منطقها وكأنّها تشمُّ عبيرَ حروفِها التي تنسابُ رويدًا رويداً، لترسم لوحةً يعجز عن وصفِها الواصفون وينبهر من معانيها العارفون. فالتفتت إحداهن إلى نصفها الثاني وهي تقول لها: واخجلتاه ... واخجلتاه! فبادرتْها الأخرى بِتعجبٍ: ولِمَ كُلُّ هذا الخجل؟ وممن تخجلين ونحن لم نعمل شيئًا يُمكن أنْ نخجلَ منه؟ ــ نعم ... نعم، هذا الذي تقولينه صحيحٌ عندما يتعلق الأمرُ بتعاملنا مع مَن حولنا، ولكن أ سمِعتِ ماذا قالت أستاذتنا اليوم؟ وأيّ قصةٍ شَنّفتْ أسماعَنا بها؟ ومَنْ كان بطل هذه القصة؟ ــ نعم ... سمعتُ كلَّ ذلك، وما الغريبُ في الأمر؟ فدائمًا تستشهد أستاذتُنا بقصص القرآن للعبرةِ والموعظة. ــ نعم ... نعم ... ولكن عندما كانت تسردُ علينا القصة وعِبرتَها شعرتُ بخجلٍ لا يوصف وأنا أكلم نفسي: "نملةٌ عرجاء تُنذر قومها وتُرشدهم إلى النجاة من الهلاك، وتؤدي ذلك الدور في حياة جنسها؟! .. هُنا شعرتُ بالخجل من الله (تعالى)، نعم، خجل من ربي وأنا أحدِّثُ نفسي أهكذا يكون دور الأنثى في المجتمع؟ فهلْ يا ترى أدّينا دورَنا كما ينبغي؟ هل كنا فعلًا كما قال الشاعر: الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتْها أعددتَ شعبًا طيبَ الأعراقِ ونحنُ في خضم هذه المُتغيرات في عالمنا، هل أدّينا دورنا في تنشئة هذا الجيل بصورةٍ تجعل منهم يعرفون معنى العبادة وسرَّ لذتها؟ فالمرأةُ تقع على عاتقِها مسؤوليةٌ كبيرةٌ في إصلاح المجتمع في بيتها وفي عملها وفي علاقتها. هل نبّهنا بناتِنا إلى ذلك؟ هل رسمنا لهن طريق الحياة بأسسٍ صحيحة؟ فالمرأة هي الأمُّ وهي الأختُ وهي الزوجةُ وهي رفيقةُ العمرِ وهي جوهرةُ المنزلِ إنْ صلُحت، ودمارُ الأسرة إنْ فَسُدت. هل نبَّهنا فتياتِنا إلى خطر الغزو الثقافي الذي يتعرضن له؟ هل بنينا جسور الثقة بيننا وبينهن؟ وهل؟ وهل ؟ وكانت رفيقتُها تُصغي بكلِّ جوارحها وهي ترددُ... واخجلتاه!
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي أجدُ قلمي متعثرًا في بثِّ لهفةِ شوقي لرؤياك، وحروفي مُتعطِشةً لنصرتِك، عطشى رغم الفُراتين والنيل، لا الماءُ يروي ولا ليلٌ يطيب، لهفى قلوبُ العاشقين لعذبِ رؤيا تسرُّ الناظرين... فأنتَ الماءُ أيُّها المُنتظر، متى الظهور لتُروي قلوبًا أنهكها عطشُ الانتظار؟ كنوزُك الخفيّة تُروي ظمأ العاشقين، وليالي الانتظارِ تذوبُ عند أذان الظهور، فما زلنا نطمعُ بسُقياكَ، ونلتحفُ الأسى، والدُعاء مسيرةُ وقتٍ، أرهق الظمآن... فمتى نرتوي؟ ... كيف يستشعرُ الفردُ الحاجةَ الماسّة للإمام (عجّل الله فرجه) كالعطشان للماء، أو كالغريق للنجاة، وأشدّ من ذلك، فيحسّ بألمِ فقدِه وبُعدِه عنه وغيبتِه؟ قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك: 30). هو غصنُ الشجرةِ المُباركة، وجنس الكون الجامع، خاتم الولاية المحمدية، ومعدن الفيوضات الأحمدية، خليفة الله في الملك والملكوت، صاحب القوة التنفيذية، خليفة من سلفَ من سُلالةِ الطُهرِ، ومصابيح النور. عليك أن تُعِدّ روحك لتستقبلَ الآتي بالشوقِ واللهفة، وتفرشَ بيت قلبك بما يؤنس قدوم وكرامة ضيفِك، وتُجهّزَ له وليمة الولاء الخالصة، وتُهيّأَ المكانَ المُناسب بحفاوةِ صلاحك وقوّة دينك ورصَاصة سلاحك... صعبٌ على من يرى غيبةَ الإمامِ ولا يستشعرُ حضورَه، على من يتفقدُ إمامًا بعينه وبصره، ويفتقده بقلبه وبصيرته، هُنا سيشعرُ أنَّه يسيرُ لوحده، يعدُّ لوحدِه، فيراه صعبًا وعسيرًا عليه، فهو الذي يدُلّنا على أسرار المسير... نستلذُ بحرارةِ الشوقِ للمُحب، واستشعار الحاجةِ إليه وأهمية وجوده ظاهرًا. والاستغاثة به ليكون وسيلتنا لله (جلا وعلا) بالدعاء لظهوره الشريف، فالمُحب الحقيقي للإمام (عجّل اللهُ فرجه)، يُدرِكُ حرارة ذلك الشوق والغليان المُلتهب لرؤية المحبوب الغائب... وعَجباً لِلمحبِّ كيفَ يَنامُ وتستلذ عيناه بطيبِ المنام، والنومُ على المحبِّ حَرام! أم كيف يستطيعُ العيشَ بالشكلِ الطبيعي ومحبوبُه غائبٌ يعيشُ حالةَ الحزن والبلاء! إنَّ نار الشوقِ إذا استعرت في قلب العاشقِ لرؤية الإمام (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، فإنَّه سيكون أقرب لِدَرْكِ شرفِ معرفةِ المُنتظر الموعود. وهذه المعرفةُ تأتي نتيجةَ العقيدة الراسخة والبصيرة النافذة التي يتصف بها المنتظرون الحقيقيون، الذين وصفتهم الرواياتُ (كالمصابيح كأنَّ قلوبَهم القناديل)، لأن عدم المعرفة دليلُ الجهل، وقد روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "من لم يعرفْ إمام زمانِه مات ميتةً جاهلية"، ولا غرو في ذلك؛ لأنَّ من يتخبط في الجهل والظلمات، ولم يكنْ له نورٌ، فما له من هادٍ، حتى آخر مرحلةٍ من مراحل حياته، وبطبيعة الحال سيموت ميتةً جاهليةً. إذن، على كل مؤمن ان يعرف إمام زمانه معرفةً عقائديةً وإيمانيةً قلبية، كمعرفةِ الله ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله)، فيعرفهُ بالإمامة وهي الخلافة والوصاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكما النبي (صلى الله عليه وآله) حاكمٌ بحُجيّتِه على الموجوداتِ كافة فكذا الإمام (عليه السلام). هو (عجل الله فرجه) الطبيبُ الحقيقي للبشرية، أملُ المُستضعفين من البرية، المُصلحُ بروح محمدية، ينهضُ لله (جل وعلا) مُصلحًا مُخلصًا مُظهرًا للعدالة السماوية، فالعملُ إنْ كان لله (تعالى) لا يبور، وكذلك النهضة إنْ كانت لله (سبحانه) لا تضمحل، ومن لم يُتقِنْ فقه الانتظار على الحقيقة لا يُمكنه أن يكون من المنتظرين للطلعة المهدوية المقدسة، ومن أوضح مصاديق فقه الانتظار هو السعي لمعرفة إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) ومن دونها يستحيل إنْ يكونَ من المنتظرين. ما الذي يدني من كراهيتهم وسخطهم؟ أ يحرص كلٌّ منا على تقديم كل ما يسرُّ الإمام (عجل الله فرجه) ويتجنب ما يؤذيه؟ فلنكن حريصين على ألَّا يصدر من جميع محبّي الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) عملًا سلبيًا يوجب استياء إمام زماننا (عليه السلام)؛ لأنَّ الذنوب تُشكّل حاجزًا وجدارًا على القلب يمنعُ عن المعرفة الحقيقية والإيمان وأنْ يرى نور الله (تعالى) ونور النبوة والإمامة؛ كما يمنع التراب المصباح من إعطائه النور لمن حوله إذا غطّاه. لا بُدَّ أن يضع المُنتظِر الحقيقي له منهجًا وخريطةَ عملٍ يحرص من خلالها على رضاه (عجل الله تعالى فرجه)، فإنْ تعارضَ سبيل إرضاء ذاته مع إرضاء مولاه قدَّمَ ما يُرضي الإمام (عليه السلام) وكلّ أمرٍ يهونُ في سبيل ذلك... لا بُدّ إذن من نقاء السريرة وصفاء الباطن، وذلك بالابتعاد عما يكدر صفوه... وبذا يكون أقرب لامتثال أمره (عليه السلام) فيما روي عنه: {فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يُدنيه من كراهيتنا وسخطنا} [ الاحتجاج للطبرسي ج2 ص324] البداية صعبة ولكن ليس بالمستحيلة... قد يتذرع البعض بأنَّ ذلك صعب، ونحن إذ نوافقه الرأي نؤكد أنَّه ليس مستحيلًا، فلا بد من الشروع أولًا بالتفقه في الدين قدر الإمكان، والإيمان بالعقائد الضرورية عندنا بالأدلة القطعية بعد فهمها، ولا عذر لأي أحدٍ في ذلك، فقد أصبح بإمكان الجميع التعلم والتفقه في زمننا عبر تصفح الانترنت... أضف إلى ذلك ضرورة مراقبة المكلف نفسه في كل صغيرة وكبيرة ويحاسبها على التقصير وعلى الذنب؛ إذ ما منا معصومٌ عصمة كبرى، فلابُدَّ من تدارك الذنوب إن ارتكبت... لا سيما عند تعامله مع عائلته ومع المجتمع بتأدية تكاليفه الشرعية على أتمِّ وجهٍ ومن دون وضع مُبررات واهية تتماشى مع الثقافة الغربية التي تُبعد الإنسان عن عقيدته ودينه... نعم، قد يواجه مصاعب في طريقه، ولكن ما يُخفف عنه ذلك هو تذكر الإمام في أعماله ولبسه ويتيقن أنْ الإمام (عجل الله فرجه) تصله جميع أعماله، بل ويتفكر كأنّه سيُقابل الإمام اليوم ويتحدث له عن منجزاته.. وأخيرًا، فإنّ المُحبَّ حريصٌ دائمًا على سلامة محبوبه وحفظه ونصره، فلا بد أن يدعو لإمام زمانه (عجل الله فرجه). ولا يقتصر أثر الدعاء للإمام (عجل الله فرجه) على الدنيا فحسب بل ويمتد إلى الآخرة، إذْ من فوائد الدعاء له (عجل الله فرجه) كما أوردها صاحب كتاب (مكيال المكارم) في الدعاء للقائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يكون له أمنًا من عطش يوم القيامة.. فلو أنَّ المجتمع المهدوي و المُحبين الكُثُر للإمام (عليه السلام) اتصفوا بهذه الصفات المُحرقة مع طلب الغوث الحقيقي و العمل لساهموا في تعجيل ظهوره (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)...
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي للثقافةِ الأسرية دورٌ كبيرٌ وفعّال في بناءِ الطفل وتحديدِ شخصيته، فالأسرةُ المثقفةُ قادرة على تنميةِ قُدُرات أطفالِها بأسلوبٍ تربويٍ صحيح، إذ إنَّ التربيةَ ما هي إلا عمليةٌ منهجية فكرية تحتاج إلى معرفةٍ واكتسابِ مهاراتٍ وصبرٍ على المتابعة والتعاملِ مع الطفل منذُ ولادته. هناكَ أثرٌ مهمٌ في بناء نفسية الطفل ناتجٌ عن الأسلوب الذي يسلكُه الأبوان في تربيةِ أولادِهما، مما يؤثر على التنشئةِ الاجتماعية ككلّ، فذلكَ الطفلُ هو ثمرةُ المستقبل، وغرس الثقة داخله وإعطاؤه الوقت الكافي للتعبير عن شخصيته، وإبداء الاهتمام برأيه وتبادل الآراء معه، وتقبُّل ما يُبديه من رأيٍ كإعطائه الحرية مثلًا في اختيار ملابسه التي يرغبُ في ارتدائها، لون لُعَبِه وغرفته، ومن قبيل ذلك مما لا يؤثر سلبًا على شخصيته، تلك ثقةٌ ستوِّلدُ شعورًا إيجابيًا لدى الابن اتجاه ذاته أولًا، وستكون عاملًا مُساعدًا له في التكيُّف مع الأسرةِ والمدرسة والمجتمع والأصدقاء ثانيًا. بينما يولّدُ الأسلوبُ المُتزمت والقهري، وعدم سماع رأي الطفل وفرض الأوامر عليه، شعورًا سلبيًا داخله باتجاه ذاته وأسرته ومدرسته، وهكذا وصولًا إلى أصدقائه ومُجتمعه مما يجعله أكثرَ عُرضةً لظهورِ بعض المشاكل السلوكية لديه. فتعاملُ الأبوين الصحيح وتَفهُمهم لمُستحدثات العصر، وزرع المنهج الإيماني الأخلاقي في داخل الأسرة، والحرص والتتبع لتصرفات أبنائهم يمنح الأبناء حافزًا قويًا للاعتماد على أنفسهم، والثقة في تصرفاتهم، كل ذلك يسهِمُ في القدرة على تجنيبهم بعض الصفات السيئة وأولها الكذب، فزرعُ الثقةِ في نفوس الأطفال يُنتِجُ شخصيةً قويةً وغير مُضطربة. كذلك تجبُ تنمية الجانب العقلي من خلال توفير بعض الألعاب المُعَدَّة لذلك، والتي ينبغي على الأسرة المُثقفة الاهتمام بها، وتوجيه الأطفال إلى مشاهدة تلك البرامج التي تُسهمُ في رفع المستوى العقلي، فعلى الأسرة الاهتمام بهذا الجانب المُهم والأساسي في بناء تلك الشخصية؛ فمن صفات الأسرة المُتكاملة أنها تكون مبنية على المناهج الصحيحة من جميع الجوانب من بُنيةٍ جسمية وعقلية وفكرية وأخلاقية ونفسية، على خلاف الأسرة المُفكّكة التي يسودها الجهل، فإنَّها تُخرِجُ جيلًا ضعيفًا يتأثر بسرعةٍ بما يُحيطه، كونه مهزوز الشخصية وتقليدياً يكتسبُ الصفاتِ والتصرفاتِ من الآخرين، ومن ثم يكون سريع الانزلاق إلى الهاوية. وما يظهرُ في الواقع المُجتمعي للعيان من انحطاطٍ أخلاقي كبير لدى البعض من المُراهقين والشباب تأثرًا بمن يهدفُ إلى الإطاحة بجيلِ المُستقبل ما هو إلا دليلٌ على ذلك. لذا فمما يقتضيه العقل الحصيف من المُربين أنْ ينتبهوا لما يُقدِّمون لأولادهم من مهاراتٍ من حيثُ يشعرون أو لا يشعرون، فالطفلُ يتأثر بكلِّ سلوكٍ وتعامُلٍ من أبويه باعتبارهم المُحيط الأول له. فانتبه عزيزي الأب، وأنتِ عزيزتي الأم، فكلُّ شيءٍ تُقدِّمانه لأولادكما يُسهِمُ في تحديدِ مُستوى نجاحه أو فشله في مرحلةِ الرُشد؛ لذا صونوا الأمانة وأنتجوا شبابَ وفتياتِ المستقبل واعين مثقفين.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي وقف أمام صورة والده وهو يتأمل تلك التجاعيد التي رسمها الزمن على وجهه، كأنها أنهار شقت طريقها في منحدرات وجنتيه، متعرجة في مسيرها تنتخب أرقها جلدًا لتقسو في هديرها، ترمي خلفها آثار سنين مضت من الفاقة والتعب، هي في نشوة الانتصار على تلك الملامح السمراء التي صارعت الحياة ببردها وقيضها. نعم، وقف طويلًا وهو يتأمل حدقات عينيه التي غارت، كأنها تحكي قصصاً وحكايات ممتزجة بالآهات، كأنّ تلك العينين ما زالتا تراقبانه منذ أن كان طفلًا. فخاطب تلك الملامح التي يشعر أنها ما زالت تسمع وترى وتئن تارة وتشفق أُخرى وتُسر ثالثة: أبي، أما زالت تلك أمنيتك فيَّ؟ أتذكر عندما كنت طفلًا وأنا احبو سريعًا إلى حضنك كي لا يسبقني أُخوتي إلى ذلك الحضن الدافئ؟ ما زلت أتذكر ولم أنسَ ذلك عندما كنت تحدثني وأنا في أول سنيّ دراستي، عندما كنت تلميذًا في الابتدائية وأنتَ تفتخر بي أمام الآخرين، تقول: إني أرى أنّ ولدي هذا سيتفوق في دراسته ويكون ناجحًا بعمله... نزلت دموع عينيه، وأحرقت جفنيه لتمس بحرارتها خديه... أبي، كنت تأمل وتتمنى أن ترعاني إلى يوم تخرجي، كانت رغبتك أن ترافقني إلى حفل تخرجي، ولكن آه، لم يمهلك القدر لذلك. أتذكر يا أبي حين ناديتني في ذلك الصباح وأنا ابن ثلاث عشرة ربيعًا؟ قلت لي: بني بعد أن تكمل فطورك تذهب إلى المدينة وتأتيني بعلاجي وكان الجو ممطرًا والطريق وحلاً، والمسافة بعيدة، ولكن لم تمهلني حتى أتناول الفطور لأسمع صرخة أمي، أسرعتُ نحو صوتها لأجدك قد أغمضت عينيك! ولكن أُخبرك الآن، نعم أُخبرك يا أبي: لقد حققتُ ما كنتَ تصبو إليه، حققت حلمك الذي كنت تنشده، وكم افتخر أمام الجميع بأن لي أباً مثلك، فنم قرير العين في قبرك وأنا أدعو لك في كل صلاة. اللهم أغفر لوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرًا اجزهما بالإحسان إحسانًا وفي السيئات عفوًا وغفرانًا. شكرًا لأنك أبي، ولأني أبنك.
اخرىحوار: حنان الزيرجاوي أدب الأطفال (في القرن العشرين الحادي والعشرين) في تطوّرٍ دائم؛ ليتناسب مع المتغيّرات التي تطرأ على واقعنا الاجتماعي والتربوي والتعليمي. النقاوة وصفاء الروح والأحلام الجميلة والبراءة وصدق التعبير والكلام، صفاتٌ تجدها في عالم الطفولة الخالي من شوائب المجتمع، ولكنها ربما تتغير بمرور الوقت لما يكتسبه الطفل من عاداتٍ وتقاليد مجتمعية، بالإضافة إلى العادات الدخيلة على مجتمعنا، والتي تهدف إلى تدمير مبادئ البراءة, ولحمايتها يتطلبُ بذل جهودٍ كبيرة من جميع مفاصل المجتمع؛ لما لذلك من دور رئيسي في تشكيل واقع مجتمعاتنا بالمستقبل. وحول هذا الموضوع أجريتُ حوارًا مع المختصة في مجال أدب ومسرح الطفل الكاتبة (نعمت أبو زيد من لبنان) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت الانطلاقة معها بسؤالها عن هويتها، ومن هي نعمت ابو زيد؟ ـــ أنا مُجازة في العلوم التربوية، درستُ الماجستير في علوم القرآن الكريم والتفسير في جامعة المصطفى العالمية المفتوحة، وحصلت على شهادة الدبلوم في اللغة الفارسية. أمارسُ مهنة التعليم منذ سبعة عشر عامًا, عملتُ في مجال تحفيظ القرآن الكريم ولجان التحكيم لأكثر من ثلاث سنوات، وعضو في نادي الأدب في لبنان، ومستشارة في جامعة المصطفى العالمية المفتوحة_قم. كاتبةُ قصةٍ ومسرحٍ للأطفال والناشئة، خضعتُ للكثير من الدورات العلمية واللغوية والفنية والتقنية في لبنان وإيران، كان آخرها إعداد مدرّب ومنشّط اجتماعي وفي مجال التنمية البشرية, كما وكان لي شرف المشاركة في العديد من المؤتمرات العلمية في لبنان وخارجه. سؤال- ما هي الأسباب التي على إثرها اتجهتِ نحو أدب الأطفال؟ ــ بحُكم تخصُّصي وخبرتي في عالم الطفل، ولعلمي بمدى حاجات الطفل النفسيّة والروحية والفكرية، جنح قلمي نحو تلبية هذه الرغبات بما يتناسب معها. فالقصصُ والمسرحياتُ ومسرح الدّمى وغيرها من أنواع أدبِ الأطفال تُسهم في غرس القيم في نفوسهم وتوصل المعلومات إليهم بطريقةٍ جاذبة ومُحببة، كما وتنمّي العديد من جوانب شخصيتهم الحسّية والعقلية والوجدانية؛ لذلك يجب أن تُقدّم لهم باحترافيةٍ ودقّةٍ عالية لتصل إلى هدفها المنشود. وعلى سبيل المثال كتبتُ قصصًا حول قيمة الصّدق، التعاون، معرفة الله تعالى، وغيرها. أما المسرح فقد عالج جانب التكليف والحجاب لدى المكلّفات الصّغار في مسرحية "أسرار" وغيرها، أو المسرحيات العاشورائية وغيرها من المواضيع الهادفة. وقريبًا إن شاء الله تعالى ستُبصر بعض هذه الإصدارات النور بما يليق مع قيمنا الإسلامية الراقية. - كيف تنظرُ مدرسة علوم القرآنية والتربوية إلى الأدب, وما هي إضافات الأدب إلى اللغة العربية؟ - مما لا يخفى علينا أنّ القرآن الكريم هو المصدر لكلِّ العلوم، فقد وضع لنا أسسًا تربوية واجتماعية جمّة؛ لنسير على خطاها، فهو المنهل الذي نستقي منه العلوم الحقيقية. وقد ضمت الدراسة القرآنية الكثير من الأسس التربوية التي غيّرت الكثير من واقع المجتمع وتربية الفرد ليكون راقيًا من كلّ نواحيه وبدّل أنماط التفكير. أمّا من ناحية الأدب فقد مثّل مظهرًا من مظاهر الحياة العقلية والأدبية، فقد دقّق ألفاظ اللغة وأبعدها عن الجفاء والغلظة، كما حوّل أساليبها إلى العذوبة والسلاسة بأسلوبه البديع الذي لا عهد للآذان ولا للأذهان بمثله. ولا زال الأدباء يستقون من فيضه وينهلون من منبعه الفريد؛ لذلك لا انفصال للأدب والتربية عن القرآن الكريم، فإذا تلازموا شكّلوا متانةً تمزج بين العقل والوجدان وارتباطًا وثيقًا مع الخالق المبدع. - دخلت بعض التقاليد والعادات والثقافات على عالمي العربي والإسلامي، والتي تؤثر سلبًا على ثقافة الأطفال, كيف يمكن لأدب الاطفال مواجهتها؟ ــ يُعدُّ أدب الأطفال حديثًا (القرن العشرين) نوعًا ما، وهو في تطوّرٍ دائم ليتناسب مع المتغيّرات التي تطرأ على واقعنا الاجتماعي والتربوي والتعليمي، وهذه التغيّرات تتطلّب جهدًا من المختصّين لقولبة هذه الأفكار. ولا شكّ أنَّ هذا يستلزم وجود الكثير من النّظريات والكثير من المفكّرين الذين يبحثون وفقًا لعلم نفس الطفل لتتوافق مع استعداداته وميوله لتصل إلى مبتغاها الذي يسعى إلى تهذيب الحس والذوق الفني وتمرير الأهداف التربوية عبرها. -هل هناك صعوبات تواجهينها في الكتابة عن عالم الطفولة, وماهي الأساسيات الضرورية التي يجب أنْ يمتلكها الكاتب في هذا المجال؟ ـــ إنّ الكتابة للأطفال في أجناسها الأدبية من القصّة، إلى المسرح والشّعر وغيرها ليست بالأمر السهل، إذ تتطلّب الكثير من الخبرة والشروط والمعارف العلمية والنفسية والإنسانية في كلِّ تخصّصاتها التي تمكّن الكاتب في الولوج في عالم الطفولة واكتشاف ما في حياة الطفل اليومية. ثمّ إنّ الكتابة في أدب الأطفال لا تستند إلى الموهبة فحسب، وهي ليس علمًا يُكتسب فقط، بل هما معًا فضلًا عن الخبرة الميدانية والممارسة المستمرة. فأدبُ الطفل بقدرِ ما هو أداةٌ تثقيفية وتربوية ووسيلة فعّالة من ضروب التنشئة الاجتماعية، فإنّ علاقته بالنمو والتعلّم علاقة متبادلة، ويستندُ إلى أساسياتٍ من الضروري توافرها في أيِّ كاتبٍ ومبدعٍ في أدب الطفل مثل: الموهبة والرغبة الداخلية، الثقافة الواسعة في أكثر من مجالات العلوم الإنسانية والدراسات الواسعة والميدانية، والإيمان بالكتابة للطفل كرسالةٍ تربوية تثقيفية. ــ كيف نستطيع أنْ نوجه الأطفال إلى السير نحو الثقافات الإيجابية وتميّزها عن السلبية؟ ــ عالمُ الطفولة عالمٌ حسّاس، يغفل الكثير عن تفاصيله وجزئيّاته وتأثيراته. فكم من نماذج رأينا تأثير طفولتها جليًّا على مستقبلها إما سلبًا أو إيجابًا. ومن خلال دراستي التربوية تعرّضت لعلم نفس الطفل الذي أتاح لي التّعرُّف على حاجات الطفل، ممّا دفعني إلى التّوجّه لردمِ هذه الحاجات بطريقةٍ فنّيّة تثقيفيّة ومحبّبة. وأدبُ الأطفال هو خيرُ وسيلةٍ للتوجّه إلى عقل وفكر هذا البرعم الصّغير بالشّكل الذي يُحب ويرغب. ــ لماذا يتمنى كثيرٌ من الناس أن يعودوا أطفالًا؟ - الطفولة هي المرحلة التي لا يُمكن لأي شخصٍ نسيانها، وذكرياتها تنطبع داخل العقل والروح بأفراحها، بأحزانها، بلهوها، بمرحها، بكلّ تفاصيلها، وترافقنا في كلِّ مراحل حياتنا لتصبح بعدها روايةً جميلةً نحكيها لأطفالنا وكأننا نعيش عصرًا ذهبيًا فريدًا لا يضاهيه عصر. في داخل كلٍّ منا طفلٌ قابعٌ ينتظر لحظة التحرُّر من قيدنا الذي صنعناه لينطلق على شكلِ حركاتٍ بريئةٍ كاسرًا قوانين السّن والرسميات. ــ كيف يمكن لعالم الطفولة الاستفادة من القرآن الكريم؟ وهل ينضب العالم يومًا أم ينضب الأديب؟ - القرآن الكريم كنزٌ معرفي قوي، وأصلٌ في معرفة الإنسان وعلاقته بالله تعالى والحياة والكون، يجب أنْ ينشأ الطفل على سماع القرآن الكريم, وحفظ قصار السور, والاستماع إلى القصص القرآنية التي تناسب عمره باستخدام أساليب الترغيب والإقبال وتشجيع من الوالدين. فهذه الأمور لها انعكاساتها الجمّة على صعيد الروح والوجدان، من التّدبُّر واكتساب اللغة الغنية بالمفردات ثم إلى نهل القيم الأخلاقية وغيرها. العالم والأديب كلاهما ينهل من نبعٍ لا ينضب الذي هو في مواكبةٍ مستمرّةٍ مع التجدد والتطور والرّقيّ ومجاراة التسارع في النمو الفكري والثقافي.
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي جلست إلى جنب أمها بوقار وسكينة وهي تخفي مفاتن جسدها الجميل بخمارٍ فضفاض وعباءةٍ قد أغلقت أزرارها وخمار؛ لتقطع دابر أي افتتان، فهي ترى أنَّ المرأة جوهرة لا تقدر بثمن، وجمالها هبة من الله تعالى منحها إيّاه لينظر كيف تحافظ عليه وتصونه. كانت تصطحبُ أمّها لعرضها على الطبيب لمشاكلَ تعاني منها في القلب، وفي خضمِ حديثها الودود مع أمِّها وهي تلاطفها وتحاول أنْ تخفف من ألمها ومعاناتها لفتت انتباهها شابةٌ متبرجة كأنّها في ليلة زفافها وعطرها ينتشر في المكان ليشمه كلُّ من كان داخل قاعة الانتظار وهي تجرُّ عجوزًا هرمة بعُنفٍ وتخاطبها بكلماتٍ قاسية وتقول: ــ هيا .. هيا .. لقد تعبتُ منك ومن ادعائك المرض، لقد حرمتني من سفرة مع صديقاتي تبًا لكِ، أما آن الأوان لتموتي وتريحيني! وبعض كلماتٍ أخرى لم تُفهم.. أذهلني المنظر، ولاحت أمام عينيّ بعض صور عذابات يوم القيامة التي تطال العاق بالوالدين وهول ما سيصيب هذه الفتاة، إلى أن طرق مسامعي صوتُ طفلٍ صغير يبكي بين يدي أمه، وقد حاولت إسكاته ومعالجته بشتّى أنواع الحنان المعهود من كلّ أمٍ، وكانت هذه الصرخة قد دخلت أذني الفتاة الأخرى، فنظرتُ إليها نظرةَ تأسّفٍ وكأنها قرأت أفكاري عن بُعد، وأدارت بوجهها بالتفاتةٍ حانيةٍ إلى وجه أمّها واغرورقت عيناها بالدموع، وسالت كأنها ترتجي العفو والغفران..
اخرىبقلم: حنان الزيرجاوي جلست إلى جنبه في الحافلة بعد أن سلمت عليه، كان واجمًا، حزينًا، أرى في عينيه حكايات وحكايات، تجاعيد وجهه تنبئ عن آلاف القصص، تشعر به وكأنه قد حمل هموم أجيال مضت، لا يأبه بترانيم الصباح وضجيج من حوله، هو في عالم آخر، ينظر من النافذة يدير ناظريه... يتأوه... يتأفف، يعيد نظره إلى الداخل ليطبق تلك العينين وكأنه يغط في نوم عميق، نوم لا يفقده الإحساس بمن حوله، وكأنه يقول للآخرين: لا شغل لي معكم ولا اسمع حسيسكم ولا ضجيجكم. أنظر إليه ويخالجني شعور غريب: أهو معنا جسدًا وروحًا، أم مجرد بقايا جسد أتعبته السنين؟ ولكنْ، للفضول سلطان، وللإنسانية عنوان، ولرفقة الطريق ومؤانسة الجليس أدب. وقعت من يد ذلك العجوز المرتجفتين صورةٌ كان يمسكها، قد رقتّ وبهُت لونها، فناولته إياها، أخذها بلهفة خوفٍ ممزوجةٍ بكلّ أنواع الحب، وضمّها إلى صدره. لم يدعني الفضول أنتظر والسؤال عن صاحبة الصورة، ولو أنّ عينيه يكشفان من تكون. فالتفت إليه مخاطبًا: اتسمح لي بالحديث معك... فطريقنا طويل، وتجاذب أطراف الحديث ينسينا الملل والتعب. نظر اليّ بعيون غائرة، ونظرة فاحصة... سكت قليلًا، ثم تحركت شفتاه: نعم، بني. فقلت له: أرى في عينيك حزنًا شديدًا يجعلك لا تشعر بمن حولك، وكأنك تريد الخلوة مع نفسك!. - لا... لا... انا على ما يرام. - اتمنى ذلك ولكن نظراتك الشاردة وتأففك المتكرر ينبئان عن حالك. - عذرًا بني لا أريد أن أثقل سمعك، ولا أعكّر صفو مزاجك بما ليس لك ذنب فيه. - أتعلم يا عم بكلماتك هذه زدتني فضولًا، وأعطيتني جرعة من الشجاعة... لأعرف ما خفي وراء تلك التجاعيد فهي تخبئ تحت طياتها أسرارًا. تبسم قليلاً وكأنه يستجدي هذه الابتسامة أو يعاند شفتيه على فعلها: يا بني... لكل سنة من العمر حكاية، ولكل تجربة في الحياة درس وعظة. - أيها العم الطيب، عذرًا... هل تسمح لي بسؤال ربما يزعجك؟ - لا.. لا.. تفضل فليس هناك ما يزعج بعد اليوم. - ما هذا الحزن الذي أراه في عينيك؟ وما سبب هذه النفثات والحرقة تخرج من صدر أتعبه الدهر؟ فخرجت حسرات وآهات ثم قال لي: بني... أنا الآن أمضيت سبعين سنة في هذه الحياة، ولم يبق إلّا القليل... القليل، لا أعلم هل أُفارق هذه الدنيا الآن أو غدًا، فعلم ذلك عند ربي. - نعم.. نعم.. يا عم. - عشت حياة متعبة أتصارع مع الدنيا لأجل أن أوفر الحياة الكريمة لعائلتي، وكم كنت أشقى وأتعب في العمل، ولكن كل ذلك التعب والشقاء يزول وكأنه لم يكن عند دخولي إلى بيتي، فقد رزقني الله بامرأة تخفف عني آلامي، لم أرها يومًا عبوسة، أو ثرثارة أو متململة... بل كانت رفيقًا وصديقًا وعونًا، ولكن الله تعالى أخذ أمانته التي أودعها. أعلمُ أننا راحلون من هذه الدنيا ولا خلود فيها، ولكن ألم فراقها لا يبارحني أبدًا... أبداً. وها أنا ذا ذاهب لقبرها لعلي أأنس لحظات بجنبها، وأهمس لها وأُناجيها وأقول لها... عذرًا لم أُرافقك في رحلتك هذه فإن الامر ليس بيدي.
اخرى