تشترك المرأة مع الرجل في الكثير من المسؤوليات والتكاليف الدينية؛ وذلك لأنهما خُلقا من نفس واحدة قال (سبحانه): " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا "(1)، بالإضافة إلى كونهما في مرتبة واحدة من الناحية الإنسانية عنده (سبحانه)، ولذا فقد ساواهما في الأجر و الثواب، قال (تعالى) : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) "(2)... بيد أن السبل والطرق والكيفيات التي يسلكها كل منهما لتأدية تلك المسؤوليات قد تتباين تبعاً لاختلافهما من الناحيتين: الجسمانية و النفسانية، الأمر الذي انعكس بدوره على بعض الأحكام التكليفية . ومن بين تلك المسؤوليات الكبيرة هي مسؤولية التمهيد للظهور المبارك. ومسؤولية التمهيد تكليف عام يشمل الجميع ذكوراً وإناثاً ولو كان بأدنى مستوياته والمتمثل بإصلاح النفس والأهل، إلا أننا نروم في مقالنا هذا بيان مستوى أعلى من ذلك حيث تتجاوز وظيفة الممهدة فيه إصلاح النفس والأهل لتشمل الآخرين أيضاً. وعليه، فإن كل مؤمنة تطمح إلى رضا الله (تعالى) وإمام زمانها (عجل الله فرجه)، وتتوق نفسها لنصرته وتهيأة القاعدة المناصرة له عند الظهور، لابد أن تتعرف على وظيفتها وكيفية القيام بها لأداء مسؤوليتها بأكمل وجه. وتتألف وظيفة المرأة الممهدة بشكل إجمالي من محورين أساسيين هما : المحور الأول: بناء الشخصية الممهدة. ولابد فيه من بناء جانبين: الأول: الجانب الفكري والمعرفي: ويشتمل على... أولاً: معرفة إمام العصر (أرواحنا فداه وعجّل الله فرجه الشريف). فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام ) " يا فضيل أعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه قال: وقال بعض أصحابه: بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (3). وليس المقصود بهذا النوع من المعرفة مجرد معرفة اسمه الكريم وكنيته المباركة وتاريخ ومحل ولادته.. كما قد يتصور البعض، بل لا بد من معرفة مقامه ولو بأدنى معرفته التي وردت في رواية الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه مع معاوية بن وهب: "...وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ووارثه، وإن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله، والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله، ويعلم: أن الإمام بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم من بعدي موسى ابني ثم من بعده ولده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن..."(4). ثانيا : الثبات على العقيدة الصحيحة وترسيخ الموالاة لأهل البيت (سلام الله عليهم) لا سيما إمام العصر والزمان (عجل الله فرجه) . ومما لاشك فيه إن هذا الأمر مطلوب من الموالين أجمع وعلى مختلف الأزمنة والعصور إلا أنه ورد التأكيد عليه في خصوص عصر الغيبة، لغيبة الإمام من جهة، ولكثرة الفتن والشبهات والتشكيكات التي تطرح من قبل الأعداء والتي قد تجرف بعض ضعيفي الإيمان بسيلها من جهة أخرى.. ولذا وردت روايات محذّرة من هذا الزمان وداعية فيه المؤمنين إلى ترسيخ العقيدة والإيمان ، وأخرى موضحة لبعض السبل إلى ذلك. فأما الأولى، فمنها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا يشككه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني "(5). وأما الثانية فمنها ما روي عن زرارة بن أعين أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن زمان الغيبة حيث قال: " جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل ؟ قال (عليه السلام): يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء " اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني" (6). الثاني : الجانب العملي ويتلخص في ضرورة قيام المؤمنة الممهدة بجملة من الأعمال التي تصب في صالح مهمتها في إصلاح المجتمع والتمهيد للظهور المبارك. أولاً: أداء الأحكام التكليفية الشرعية المعروفة من عبادات ومعاملات وأخلاق والتي تكمل مع الجانب الفكري إيمان الفرد المؤمن. فالإيمان وكما ورد عن الأمير علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " الإيمان قول باللسان، ومعرفة بالقلب و عمل بالأركان "(7). وعلى من تتصدى لمهمة التمهيد أن لا تكتفي بذلك، وحسب بل وتشمّر عن ساعديها لاكتساب ملكة العدالة أيضاً لتحصن نفسها من اقتراف محرم ما أو ترك واجب ما. ثانياً : توطيد علاقتها بإمام زمانها (عجل الله فرجه) من خلال التخلق بأخلاقه والعمل على تنقية القلب والمحافظة على طهارته ليسع العاصين علاوة على المؤمنين ويدخلهم في رحمة الله (تعالى) ويجرهم إلى دينه وذلك بالرأفة والرحمة بهم والنظر إليهم نظرة الطبيب الشفيق على مريضه محاولاً اجتثاث السقم منه بلطف ورفق حتى يتعافى دونما توبيخ أو تجريح. كما تتوطد العلاقة بصاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه) بكثرة التوسل به عند النوائب، والمواظبة على الدعاء لفرجه، ومعاهدته صباح كل يوم، وندبته صباح كل جمعة، والشعور بحزنه وآلامه عند مناسبات حزن أهل البيت (عليهم السلام). ثالثاً : العمل على تطوير الذات والسعي إلى النجاح بل والإبداع والتميز قدر الإمكان. وقد يبدو ذلك غريباً على القارئ الكريم، ولكننا في زمن لا يُستمع فيه إلى من كان فاشلاً في الحياة وإن كان ذا دين وخلق، أو قد يكون تأثيره ضئيلاً فيه، على العكس من الشخص الناجح في حياته المبدع في اختصاصه، فإنه يكون ذا تأثير كبير علاوة على أنه يعطي اطباعاً جيداً مفاده أن: اتّباع الدين والتقيد بأحكامه هما المنطلق بالإنسان نحو النجاح والفلاح ولا يقفان حائلاً دونهما البتة. وعليه فينبغي على من تحمّل هم التمهيد من خلال إصلاح النساء وجذبهن إلى الدين والشريعة أن تثبت نجاحها وتألقها أولاً لتتمكن من جذب النساء والتأثير فيهن ثانياً، ولتكون أهلاً لأن يُقتدى بها ويُحتذى بسيرتها من قبل الاُخريات فيسلكن سبيلها. رابعاً: مهمة التمهيد للظهور المبارك كأي مهمة أخرى لابد وأن تشتمل على مصاعب ومتاعب وتكتنفها بعض التحديات وتعترض سبيل من يتصدى إليها بعض العراقيل وقد يُجابه بمختلف التهم والأقاويل. وعليه فلابد أن تكون الممهدة قوية أمام الشدائد والبلاءات والإغراءات والإغواءات مهما بلغت معاناتها، إسوة بالصديقة الكبرى السيدة الزهراء (عليها السلام) فهي رغم كسر ضلعها، وفقد جنينها، وغصب حق بعلها ، وحرق دارها، لم تترك رسالتها وآلت على نفسها أن تضحي بنفسها في سبيل نصرة إمامها لتكون بذلك أول شهيدة في سبيل الولاية. ويعد كلٌ من هذين الجانبين المتقدمين غاية في الأهمية في تبليغ أي رسالة دينية فضلاً عن التمهيد للظهور المقدس؛ وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولذا روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَامَا فَعَلَيْهِ أنْ يَبْدَأ بِتَعْلِيمِْ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأدِيبِهِ بِلِسانِهِ، وَ مُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُها أحَقُّ بِالْإِجْلالِ مِنْ مُعَلِّمِ النّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ "(8). المحور الثاني: الانطلاق لإصلاح الآخرين وهو المحور الأبرز على الساحة في التمهيد للظهور المبارك، وهو محور هام جداً تقطف ثماره اليانعة وتحقق أهدافه الرائعة مَن أعدت نفسها الإعداد الجيد الذي تقدم، وأما من تقتحم غماره بصورة عشوائية فقد لا تحقق النتيجة المرجوة. ولعل هذا أحد أبرز الأسباب التي تُميت الموعظة على شفاه واعظها، فلا تجد لها أثراً سوى الصوت الصادح المتجرد من مقومات التبليغ الفالح، فتُستهلك الأوقات وتُبذل الجهود دون أن يكون للهدف تصويب ناجح. وهذه مشكلة يعاني منها الوسط التبليغي اليوم وبشدة، فقد أخفتَ الزهد في العُدة وهج الكثرة في العدد، وقد أفشل الكسل في تهذيب النفس المثابرة على تهذيب الآخرين. ويتضمن المحور الحركي للمرأة المؤمنة الممهدة: أولاً: تهيأة القاعدة المنتظرة من خلال غرس روح الانتظار العملي لإمام الزمان (عجل الله فرجه) في الأطفال منذ الصغر عن طريق حسن تربيتهم والمثابرة على تنشأتهم نشأة صالحة، لا ليكونوا صالحين وحسب بل ومصلحين أيضاً. كما يمكنها التأثير فيمن تستطيع التأثير فيهم من الرجال على مختلف مراحلهم في العمر كالزوج والأخ والأب والعم والخال مثلا، وذلك عن طريق الدعوة إلى سبيل الرشاد والصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة وبذا تكون قد ساهمت في التمهيد للظهور المبارك. ثانياً : نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتعليم الأحكام الفقهية والدروس الاخلاقية، وما يميز هذه المهمة ويجعل مجالاتها أكثر وربما المستهدفين بها أوفر هو أن لا موقعية خاصة لها، فيمكن للممهدة أن تمهد وهي في مدرستها أو في جامعتها أو في محل عملها بل ويمكنها ذلك في السوق أيضا وفي أماكن التنزه والترويح حتى. وعلى الرغم من أن هذا الواجب في ذاته واجباً كفائياً ( أي يجب على جميع النساء المكلفات ولكن إذا قامت به بعضهن سقط عن الجميع وإلا فقد أثِم الجميع) إلا أنه يتأكد جداً على الممهدة؛ لأنه وظيفتها، فإذا لم تقم هي به فمن عساه أن يتولى ذلك؟ لاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المرأة أكثر تواجداً في المجتمع النسوي وأكثر حرية في تفصيل الأحكام الدقيقة وبصورة واضحة صريحة من الرجل من جهة، كما أننا في زمن قد سادت فيه الفتن وانتشرت فيه الإغراءات وكثرت فيه الشبهات وأصبح بلوغ الحرام متاحاً للجميع، بل وسهلاً يسيراً، في قبال الحلال الذي قد يكون هو الصعب والعسير. ثالثاً : حث النساء المؤمنات وتحفيزهن على التطور والتقدم علمياً وثقافياً وعملياً، وتسلم الوظائف التي تناسب المرأة وفي مختلف التخصصات؛ لتتسلم هذه الوظائف المهمة والتي تؤثر على المجتمع بصورة مباشرة كالتعليم والتطبيب وغيرها نساءٌ مؤمنات صالحات مصلحات، ولئلا يُفسح المجال في هذه الوظائف لتملأه كل من كانت بعيدة عن الدين، فقيرة إلى الخُلق وبالتالي يؤثرن تأثيراً سلبياً على المجتمع. رابعاً: الدفاع عن الدين والمذهب من خلال الرد على الشبهات التي ترد عليهما، فالسيدة زينب الحوراء (عليها السلام) لم تكتفِ بعفافها وإخلاصها وصدقها وإيمانها وحسب، بل تصدت للباطل عندما سمعت الطغاة يحرفون الدين، ويلقون العقيدة الفاسدة في عقول المسلمين، ويخفون حقيقتهم البشعة بقناع الحاكم الأمين، فتصدت لهم ودفعت شبهاتهم وذادت عن العقائد الحقة وأوضحتها للحاضرين، وأماطت اللثام عنهم فبدت حقيقتهم المقرفة بمرأى من الناظرين، وفندت أقاويلهم بآيات القرآن المبين، وبينت قرابتها ومن معها من رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله)، فأحالت مجلس نصرهم المزعوم الذي كانوا يتباهون به إلى مأتم عزاء للإمام الحسين (عليه السلام)، ومحل توضحت فيه مثالبهم وأُثبِتت عليهم بالبراهين الجلية وحاشيتهم، وأدينوا أمام الجمع بجميع جرائمهم. وكذلك يجب على المرأة المؤمنة أن تذود عن دينها وعقيدتها وتدفع الشبهات التي قد ترد عليهما بالسبل الممكنة والمتاحة لها. خامساً: المساهمة في إعداد الممهدات وحث النساء اللائي تتوفر فيهن القدرة على التوجه بهذا الاتجاه. فوجود ممهدة ناشطة في كل محل من المحال التي توجد فيها المرأة عامل مهم ويساهم كثيراً في بناء القاعدة المهدوية أفقياً وعمودياً إن صح التعبير. ويتحقق البناء الأفقي في كثرة عدد المؤمنات الصالحات كما هو واضح، وأما البناء العمودي ففي التنافس الشريف الذي يظهر بين من يتصدين للتمهيد والذي يكون عاملاً مساعداً على التكامل الأسرع والمتواصل بينهن. وبذلك يمكن تهيئة المؤمنات الواعيات لا بالكم فقط بل وبالنوع أيضاً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 1 (2) النحل 97 (3) معجم أحاديث المهدي(عج) ج6 ص197 (4) ميزان الحكمة ج36/407 (5) بحار الأنوار ج 51 ص 68 (6) معجم أحاديث المهدي ج4 ص413 (7) بحار الانوار ج68 ص66 (8) ميزان الحكمة ج3 ص409
اخرىيصارع الإنسان في حياته المختلفة بعض الشهوات، ولاشك أن كبح جماح هذه الشهوات يشكل تحدٍ للإنسان الذي يطمح إلى الارتقاء والكمال. لأن النفس جوهر من روح الرب سبحانه وتعالى ونفحة قدسية تنزع إلى عالم الرقي والتكامل قُدّر لها في هذه الحياة الدنيا أن تلبس لباس البدن، وتنشغل بشواغله وحاجاته وملذّاته، ويكون لها اختيار وأرادة وجذب ودفع بحسب ماينطبع فيها من المدركات التي تكتسبها وتتأثر بها من مداخل الحواس . إن تهذيب النفس والورود بها إلى شاطىء الفضائل والمكارم إنما هو لتكون مرتفعة من حب الذات والحرص على الملذات لعمري إن هذا من أسمي أهداف الشريعة الغراء. بناء الخلُقُ يتوقف على تأديب النفس، وتأديبها متوقف على مجاهدتها في كثير من مشتهياتها. قال الله سبحانه وتعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41)) النازعات. شهوات النفس هي السبب وراء ارتكاب الكثير من المعاصي والذنوب، ولذلك من الضروري أن يسعى الإنسان جاهداً لمقاومتها وضبطها . فقد اعتنى الإسلام ونبيه صلى الله عليه واله وسلم والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) بالجانب العملي في حياة الإنسان بالأخلاق وتزكية النفس وتحليها بالصفات الجميلة ومجاهدة الصفات السيئة وتربيتها على كبح جماح كثير من رغباتها غير المشروعة. فحصّنتها من الوقوع في الفواحش والذنوب بسنّ الأحكام الشرعية وتبيان ماهو حلال وحرام ومكروه ومستحب، لأن مجاهدة النفس تعتبر من مفردات الإيمان بالله. إن من سبل جمح الشهوات هو التسلح بالإيمان الذي يعينه في التغلب على الشهوات، فالإيمان قوة خفية والاستقامة على مبادىء الدين الإسلامي كالصوم والصلاة وقراءة القرآن وغض البصر وتهذيب النفس والتفكير بما وعد الله له، السبب الرئيسي في جمح الشهوات وردعها. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب وإذا رضي حرم الله جسده على النار)(1). ___________________________ ١-ثواب الاعمال صفحة 192
اخرىبعدَ الانفتاح التكنلوجي الذي يعيشه مجتمعنا أخذت بعض نسائنا تنجرف مع كلّ قولٍ بدعوى الحريّة، والمناداة بتحرير المرأة من الحجاب، أو إثارة الشكوك حوله، لذا واجب على المرأة الرسالية ان تكون ملمّة بالرد المقنع؛ انطلاقاً مِن مبدأ (الحجاب تراثنا). وفي هذا البحث سوف نسلّط الضوء على بعض الشبهات التي أثارها الغرب حول المرأة والـحجاب مـع أجوبتها؛ لتكون بين يديّ المرأة الرساليّة، وتتخذها سلاحاً لمواجهة الشبهات ضمن عدة مطالب. المطلب الأول: دحض شبهة أن الإسلام لايحترم المرأة: تعالت أصوات الباطل مناديةً بتحرير المرأة لعدم احترام دين الله لها ، وأنّه يجعل مستواها دون مستوى الرجل! والحال أنّ الله تعالى جعلَ مستوى المرأة بمستوى الرجل في الحظوة الإنسانيّة الرفيعة حينما كانت وضيعة القدر في الجاهلية، فجعلها الإسلام ذات مستوى رفيع بقوله تعالى {لِلرِجالِ نَصيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَلِـلــنِساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ}(1) . وقوله تعالى: {وَلـَهُنّ مِثلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوف}(2). فالقرآن الكريم لم يتحدث عن ذكورة أو أنوثة الإنسان بــل تحدّث على سواء، فالمرأة مِثل الرجل نفخَ الله فيها مِن روحه، والمرأة مِثل الرجل أودع الله فيها صفاتٍ حميدة، والمرأة مِثل الرجل تُجازى على عملِها صالحاً كانَ أو سيئاً. يقول تعالى: {إنَّ أكْرِمِكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُم}(3), ويقول سبحانه: { المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِماتِ وَالمُؤمنينَ وَالمُؤمِناتِ وَالقانِتينَ وَالقانِتات .......أعَدّ الله لَهُم مَغفِرةً وَاجراً عَظِيمَا ً}(4). وبهذا يتضح للقارئ منزلة وتوقير المرأة في القرآن الكريم. المطلب الثاني: دحض شبهة إمكان مساواة المرأة مع الرجل: عرفنا أن الله تعالى ساوى الذكر مع الاُنثى بالنوع الــبشريّ، ولا تزال هذه الأصالة موجودة، لــكن هناك خصائص نفسيّة وعقليّة ميّـزت أحدهما عن الآخر في التكوين الذاتي لهما ممّا أدّى إلى وجود الفارق في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلّ منهما في الحياة. حيث وزّعت تلك الوظائف بما يُناسب مؤهلات كلّ من الذكر والأُنثى، وهذا راجعٌ إلى عــدله وحكمته سبحانه في التكليف لعباده. مــثال/ إنّ معطيات الرجل الخلقيّة والخُلُقيّة تختلف عمّا هي عليه في المرأة, كـما تختلف طبيعتها الانثويّة الرقيقة (5) عن طبيعة الرجل الصلبة، وهذا سبب في الصمود عند مقاومة الحوادث. إذاً هي تعادل الرجل في الحقوق لــكن القوامة والحماية تُلقى على عاتق الرجل، فــهذا الذي استوجب تميّزاً (وَلِلرِّجالِ عَلَيهِنّ دَرَجَة)، وقد علّل القرآن الكريم ذلك بقوله (الرِّجال قوّامُونَ على النِساءِ َبِـمـا فَضّلَ اللهُ بَعضُهُم على بَعضٍ وبما أنفَـقُوا مِن أموالِهِم(6). المطلب الثالث: دحض شبهة أنّ القرآنَ أهان المرأة بالضرب في قوله تعالى:{وَالَّـتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيّاً كَبِيراً﴾. وجوابها مع التفسير: (7) إن النصَ ليس مطلقاً بل جاء مقيّداً بشروطٍ ومرتّباً بدرجات، فالنسوة اللاتي يتخلفنَ عن القيام بوظائفهنّ وواجباتهنّ، وتبدو عليهنّ علائم النشوز وأماراته فإِنّ على الرجال تجاه هذه الطائفة من النساء واجباتٍ لابدّ من القيام بها مرحلةً فمرحلة. وعلى كلِّ حالٍ يجب أن يراعوا جانب العدل, ولا يخرجوا عن حدوده ، وهذه الوظائف هي بالترتيب: ١- الموعظة: إِنّ المرحلة الأُولى التي على الرجال أن يسلكوها تجاه النساء اللاتي تبدو عليهنّ علائم التمرد والنشوز والعداوة، تتمثل في وعظهن كما قال سبحانه في الآية الحاضرة: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن). على هذا فإِنّ النساء اللاتي يتجاوزنَ حدود النظام العائلي وحريمه لابدّ قبل أي شيء أن يذكرن - من خلال الوعظ والإِرشاد - بمسؤولياتهنّ وواجباتهنّ ونتائج العصيان والنشوز. ٢- الهجر في المضاجع: وتأتي هذه المرحلة إِذا لم ينفع الوعظ ولم تنجع النصيحة (واهجروهنّ في المضاجع)، وهذا الموقف والهجر وعدم المبالاة بالزوجة وعدم الرضا عنها هو طريق للإصلاح، إذا لعل هذا الموقف الخفيف يؤثر في أنفسهنّ. ٣- الضرب: وأمّا إِذا تجاوزن في عصيانهنّ، والتمرد على واجباتهنّ ومسؤولياتهنّ الحدّ، ومضينَ في طريق العناد واللجاج دون أن يرتدعْن بالأساليب السابقة، فلا النصيحة تفيد، ولا العظة تنفع، ولا الهجر ينجح، ولم يبق من سبيل إلاّ استخدام العنف، فحينئذ يأتي دور الضرب (فاضربوهنّ) لدفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ الزوجية لانحصار الوسيلة في هذه الحالة في استخدام شيء من العنف. ولهذا سمح الإِسلام في مثل هذه الصورة بالضغط عليهنّ ودفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ من خلال التنبيه الجسدي. مع ملاحظة أنّ التّنبيه الجسدي المسموح به هنا يجب أن يكون خفيفاً، وأن يكون الضرب ضرباً غير مبرحاً -أي لا يبلغ الكسر والجرح- لا الضرب البالغ حد السواد كما هو مقرر في الكتب الفقهية. المطلب الرابع: دحض شبهة كيف سمح الإِسلام للرجال بأن يستخدموا بأسلوب التنبيه الجسدي المتمثل بالضــرب، ويتجاوزوا به على نسائهم؟: إنّ الجواب عن هذا الإِعتراض يبدو غير صعب بملاحظة معنى الآية والروايات الواردة لبيان مفادها وما جاء في توضيحها في الكتب الفقهيّة، وأيضاً بملاحظة ما يعطيه علماء النفس اليوم من توضيحاتٍ علمية في هذا المجال، ونلخص بعض هذه الأمور في نقاط: أوّلا: إِنّ الآية تسمح بممارسة التنبيه الجسدي في حق مَــن لا يحترم وظائفه وواجباته، الذي لا تنفع معه أيّة وسيلة أُخرى. ومن حُسن الصدفة أنّ هذا الأسلوب ليــــس بأمرٍ جديدٍ خاص بالإِسلام في حياة البشر، فـــجميع القوانين العالميّة تتوسل بالأساليب العنـيفة في حق مَن لا تنجح معه الوسائل والطرق السلميّة لدفعه إِلى تحمّل مسؤولياته والقيام بواجباته، فإِن هذه القوانين ربّما لا تقتصر على وسيلة الضرب، بــل تتجاوز ذلك - في بعض الموارد الخاصّة - إِلى ممارسة عقوبات أشـــد تبلغ حدّ الإِعدام والقتل! ثانياً: إنّ التّنبيه الجسدي المسموح به هنايجب أن يكون خفــيفاً، وأن يكون الضرب ضرباً غــير مبرح، أي لا يبلغ الكسر والجرح، بل ولا الضرب البالغ حدَّ السواد كما هو مقرر في الكتب الفقهيّة. ومن المسلّم به أنّ أحد هذه الأساليب لـــو أثر في المرأة الناشزة ودفعتها إِلى الطاعة، وعادت المرأة إِلى القيام بوظائفها الزوجية فلا يحق للرجل أن يتعلل على المرأة، ويعمد إِلى إِيذائها، ومضايقتها حتى تعود إِلى جادة الصواب والاستقامة في سلوكها، ولهذا عقـّب سبحانه على ذكر المراحل السابقة بقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) المطلب الخامس: بالنسبة لقوله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} لو قيل: إِن مثل هذا الطغيان والعصيان والتمرد على الواجبات الزوجية والعائلية قد يقع من قبل الرجال أيضاً، فهل تشمل هذه المراحل الرجال أيضاً؟ أي أيمكن ممارسة هذه الأمور ضد الرجل كذلك، أم لا؟ الجواب: نعم.. إِنّ الرجال العُصاة يُعاقَبون حتى بالعقوبة الجسديّة أيضاً - كما تُعاقب النساء العاصيات الناشزات - وغاية ما هنالك أن هذه العقوبات حيث لا تتيسر للنساء، فإنّ الحاكمَ الشرعي مكلّفٌ بأن يذكّر الرجال المتخلّفين بواجباتهم وظائفهم بالطرق المختلفة وحتى بالتعزير (الذي هو نوع من العقوبة الجسدية). وقصّة الرجل الذي أجحف في حق زوجته ورفض الخضوع للحق، فعمد الإِمام علي(عليه السلام) إِلى تهديده بالسيف وحمله على الخضوع، قصةٌ معروفة. ثمّ أنّ الله سبحانه ذكّر الرجال مرّة أُخرى في ختام الآية بأن لا يسيؤوا استخدام مكانتهم كقيّمين على العائلة فيجحفوا حق أزواجهم، وأن يفكروا في قدرة الله التي هي فوق كل قدرة (إِنّ الله كان علياً كبيراً). المطلب السادس: دحض شبهة أنّ الحجاب للمرأة تقييدٌ لحريّتها وهو كـالحبسِ لها: والجواب على ذلك يُقال: انّ هناكَ اختلافاً كبيراً بين أن تُحبَس المرأة وبين أن يُطلب منها السـتر إذا أرادت مواجهة رجلٍ أجنبيّ, وحبسُ المرأة لا وجود له في الدّين الإسلاميّ. إنما الحجابُ في الإسلام واجبٌ ملقى على عاتق المرأة يُطلَب منها بموجبه أن تكونَ متســترةً بصورةٍ معيّنةٍ عــند معاملتها مع الرجل الأجنبيّ، ولــــيسَ الرجل هو الذي فرضَ عليها هذا الواجب كمّا يدّعي البعض محاولين تشويه صورة الحجاب. فإن قــيل: لماذا إذاً فُرِضَ الحجابُ على المرأة؟ نقول: اقتضت رعاية بعض الشؤون الإجتماعيّة الخاصّة وضع بعض القيودِ على الرجلِ وعلى المرأة كذلك، بحيث يُلزمهما أن يسلكا سلوكاً معيّناً للحفاظ على هدوء الآخرين وراحة أعصابهم وعدم الإخلال باتزانهم الأخلاقيّ، فإننا لايمكن أن نطلق على تلكَ القيود اسم (الحبس) أو (الحَجر) أو (الاستعباد)، بــل لا نعتبرها منقصةً لكرامة الإنسان وسلباً لحريّته. ولــو أردنا أن نسميَ حجاب المرأة (ســجناً للحريّة) فــماذا نسميَ العقوبات التي تفرضها القوانين الوضعيّة على الرجل في بعضِ دول الغرب إذا خرجَ إلى الشّارع بـمظهرٍ غــيرلائق؟! فهـل هذا سجنٌ لحريّتهِ ؟ أم ذلك نوعٌ مِن التوازن الأخلاقيّ؟ إذاً فحجاب المرأة صون للمرأة ووقار وأمان من الأجلافِ والمراهقين والنزقين، فما حجابها إلاّ شرفٌ وتوقيرٌ لها، فــكثيراً مـا يكون الزيّ والهيئة ناطقان عن شخصيّة الإنسان، بالإضافةِ إلى طريقة كلامه ومشيته. وخيرُ مثالٍ على ذلك هو هندام وهيئة رجلِ الدّين بعمامتهِ، ومسبحته الذي يوحي للملأ بالتقوى والوقار والخشوع والأدب. وهندام وهيئة الضابط بنجومهِ وأوسمتهِ العسكريّة الذي يوحي للجنود أن قفوا لي إجلالاً وخذوا لي التحيّة، فهكذا المرأة وهندامها وحجابها. __________________________ (1) النساء/٢٣. (2) البقرة/٢٨٨. (3) الحجرات/١٣. (4) الأحزاب/٣٥. (5) المرأة ريحانة وليست قهرمانة, الحديث في نهج البلاغة. (6) النساء/ 34. (7) تفسير الأمثل في كتاب الله المنزّل.
اخرىتتعزز العلاقات الاجتماعية وتقوى أواصر المحبة بين الأفراد كلما كان أساسها قوياً والمقومات التي قامت عليها متينة، ومن بين أهم تلك الأسس الصدق والصراحة والوضوح. وإذا كانت العلاقات تحتاج إلى ذلك بشكل عام فإن العلاقة الزوجية بأمس الحاجة اليها؛ لأسباب عديدة أهمها: إنها شركة بين شخصين من المفترض أن تكون لمدى الحياة أولاً ، وللاحتكاك الدائم بينهما ثانياً، ولأنها تقوم لأجل تحقيق غايات ضرورية للإنسان كإنجاب الأطفال والعمل على تربيتهم تربية صالحة تعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع ثالثاً، علاوة على تحقيق السكينة والطمأنينة والإشباع العاطفي وتلبية الاحتياجات الجسمية والعقلية لكلا الزوجين. وعليه فإن أي خطر يطرأ على بناء الأسرة فإنما يهدد تلك الغايات الهامة أجمعها. ويعد الكذب من أخطر الأمور التي تهدد كيان الأسرة وإن استهين به، بل هو المِعْوَل الهدّام الذي إن لم يحطّمها تماماً ويودي بأركانها إلى الانهيار التام فتنتهي بالطلاق فإنه يشوه معالمها ويلوث أجواءها شاحناً جميع أفرادها بالطاقة السلبية، سالباً منها الثقة والأمان والطمأنينة. ولأن الزوجين هما من يقودان الأسرة ويعدان المؤثر الأول فيها سلباً وإيجاباً، فقد ارتأينا أن نحصر مشكلة الكذب فيهما. الكذب: هو: مخالفة القول للواقع. وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط(1) ولذا فإن الشريعة الإسلامية لم تنهَ عنه وحسب، بل وجعلته أعظم الخطايا، كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب" (2) ؛ وذلك لأن الكذب مفتاح الذنوب كما روي عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: " جعلت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب "(3)؛ لأجل ذلك كان مصاحباً للفجور ومؤدياً بصاحبه إلى النار كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار " (4). دوافع الكذب بين الزوجين أولاً: العادة: قد ينشأ الزوجان ــ أو أحدهما ــ ويشتد عودهما وهما معتادان على الكذب منذ الصغر إما لتلوث البيئة التي نشئآ فيها بهذا الداء أو لجهل منهما أو لضعف الوازع الديني لديهما . ثانياً: الحاجة إلى الاهتمام: تلتجئ بعض الزوجات أحياناً إلى التظاهر بالمرض وادعاء الألم لتحظى ببعض الاهتمام من زوجها .. ثالثاً: التدبير الاقتصادي للأسرة: هو دافع يدفع بعض الزوجات إلى الكذب وإخبار الزوج بخلاف الواقع فيما يتعلق بنفقات المنزل .. رابعاً: التودد إلى الآخر: وهو من الدوافع التي تدفع الزوجين إلى الكذب استجلاباً لود الآخر وحبه. خامساً: الحفاظ على الرجولة: يتصور الكثير من الرجال أن رجولته تكمن في الهيمنة على أفراد الأسرة والسيطرة عليهم، وأنه لابد أن يكون دائماً على صواب وأن الحق لابد أن يكون معه وإلا لخدشت رجولته ولهذا فإنه يلجأ الى الكذب في المواقف الحرجة للظهور بمظهر القوي المسيطر سادساً : حماية الأبناء: وهو الدافع الذي يدفع الزوجات غالباً إلى الكذب رضوخاً تحت غريزة الأمومة فيُخْفِينَ مشاكل الأبناء ويُخبرْنَ الزوج بخلاف الواقع حمايةً لهم من التوبيخ والتعنيف بالقول أو الفعل. سابعاً: التحريض: وهو دافع يدفع الزوجة إلى ادّعاء بعض الأكاذيب واختلاقها ضد أهل زوجها أو أبنائه من زوجة أخرى وماشابه. ثامناً: الخوف من المشاكل : وهو دافع يدفع الزوجين الى الكذب بشكل عام، والرجل بشكل خاص، فقد يخبر زوجته بما هو خلاف الواقع درءاً لمشاكل يتوقع حدوثها فيما لو أخبرها بالحقيقة. تاسعاً : قد تكون الحقيقة مؤلمة : فيعمد الرجل إلى إخبار الزوجة بخلافها خوفاً عليها. وهو دافع يتذرع به الرجال عادة إلا أنه ليس بمنطقي إلى حدٍ ما، لأنه لو كان يخشى إيلامها حقيقة لما أقدم على ما يسبب لها ذلك. وغالباً ما يشترك الدافعان أعلاه في دفع الرجال إلى الكذب على زوجاتهم بشأن زواجهم الثاني ظناً منهم أنهم إن تزوجوا وكانت الزوجة أمام الأمر الواقع فإنها ستقبل وترضخ. إلا أنهم في الحقيقة يقعون في خطأ أكبر من حيث لا يعلمون وذلك لأن الإقدام على أمر كبير كهذا دونما إعلامها به يترك في نفسها جرحاً. فضلاً عن أن اكتشافها الكذب بحد ذاته في أمر هام كهذا يزعزع كيان الأسرة وينزع من قلب الزوجة الثقة بزوجها وقد يؤدي إلى الطلاق. وحتى وإن لم يؤدِ اليه فعلاً فإن الزوجة قد تحذف وجود الزوج من خارطتها العاطفية دون أن تصرح بذلك وتقتصر بها على أولادها، لاسيما إن كان زواجه الثاني ترفياً. وعليه يفضل إطلاعها على الأمر منذ بدايته ومحاورتها للتوصل إلى حل يرتضيه الطرفان. وقد تنتفي بعد الحوار الجاد والمثمر مع زوجته حاجته إلى الزواج الثاني، إذ قد تتمكن من تلبيتها له. وقد يحتج الرجل بأن الشرع لم يلزمه بذلك، نعم هذا صحيح، ولكن عند النظر إلى الموضوع من زاوية ما يحدث من مشاكل على أرض الواقع التي قد تزلزل كيان الأسرة بأكمله نجد أنه لابد من التريّث والحوار للحفاظ قدر الامكان على الأسرة من الانهيار.. وإذا ما استثنينا دافع التودد من دوافع الكذب فإن سائر الدوافع مهما بدت مقنعة في نظر الكاذب، إلا أنها في حقيقة الأمر تعبّر عن ضعف في شخصيته، ووهن في حجته، وركاكة في برهانه ؛ ولذا فهو لا يجرؤ على كشف الواقع والمواجهة بالحقيقة وإنما يعمد إلى إخفائها في خباءٍ هو أوهن من بيت العنكبوت يُدعى الكذب. وما إن تهب رياحٌ من هنا وهناك حتى تكشف كامل الحقيقة تاركةً وصمة عار على جبين الكاذب وسيكون هذا شروعاً في انهيار العلاقة الزوجية، فلاينال بذلك سوى سخط الله (تعالى) وخسران أسرته ونفور المجتمع. الآثار المترتبة على الكذب بين الزوجين: تختلف الآثار المترتبة على الكذب باختلاف نوع الكذب نفسه، فعلى الرغم من أن الكذب يُعدُّ من القبائح عادة بل وأشدها ــ كما تقدم ــ ولذا كان محرم شرعاً، إلا أن هناك كذباً جائزاً وهناك كذباً واجباً!. فأما الكذب الجائز فهو ما أجازته الشريعة الإسلامية لمصلحة راجحة، لا تتحقق إلا به، كاسترضاء الزوجة وتطييب خاطرها بكلمات حتى وإن كانت خلاف الواقع كقوله: أحبك مثلاً، وهو لا يثحبّها حقيقة والعكس صحيح أيضاً فيجوز للزوجة أن تدّعي الحب لزوجها رعاية لمصلحة الأسرة ودرءاً للمشاكل. وكذلك يجوز الكذب في الصلح بين المتخاصمين فينقل لأحدهما عن الآخر ما يخالف الواقع لغرض تليين القلوب وترطيب الأجواء الجافة بينهم بقصد الصلح. كما يجوز الكذب والمكايدة في الحرب أيضاً، وقد وردت في ذلك العديد من الروايات منها ما روي عن أم كلثوم أنها قالت: "ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرخص في شئ من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول يريد الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها "(5). وأما إذا لم يكن الكذب وسيلة لتحقيق مصلحة راجحة وحسب بل إنها مما تجب مراعاتها (كإنقاذ مسلم من القتل والأسر أو حفظ عرضه أو ماله المحترم، كان الكذب فيه واجباً)(6) ومما لاشك فيه أن الآثار المترتبة على الكذب في كلتا الحالتين المتقدمتين (حالة الجواز وحالة الوجوب) إنما هي آثار إيجابية ، تزيد في لحمة الأسرة وتبث فيها أجواء الهدوء والإستقرار ، بل والحب الحقيقي ربما لأن الزوج الذي لايحب زوجته لسبب ما عندما يخبرها بالعكس سيترك ذلك أثراً جيداً في نفسها فتتحبب إليه وتقلع عما يبغضه وهكذا شيئاً فشيئاً حتى يثحبّها هو الآخر... ويسهم الكذب الجائز أيضا في تقوية أواصر المحبة بين أفراد المجتمع ويقضي على المشاحنة والبغضاء. كما يحقق الكذب الواجب أهمية كبرى للمجتمع كإنقاذ شخص من الموت، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) سورة المائدة آية (٣٢)... وأما فيما عدا هذين النوعين فإن للكذب آثاراً خطيرة، حيث يسبب انهيارات في مرافق هامة كثيرة في البناء الأُسَري أهمها : أولاً: فقدان الثقة: أول ركن من الأركان التي تضرر العلاقة الزوجية بسهام الكذب هي الثقة والتي تتلاشى شيئاً فشيئاً كلّما تكرّر الكذب وقد تصل إلى مرحلة الانعدام تماماً. ومن البديهي أن العلاقة الزوجية ستفقد استقرارها بنسبة فقدان الثقة تماماً، فحريٌّ بمن يرغب بحياة زوجية هانئة أن يحرص على الصدق وأن يقضي على هذا الداء فيما لو أصيب به. ثانياً: كثرة الشك: تزلزل ثقة الزوج بشريكه بسبب الكذب أو انعدامها تماماً تجعل منه شاكّاً في أقواله مرتاباً في كل أفعاله، مما يتسبب في إحالة الحياة الزوجية إلى مسلسل من القلق والتوتر واتهام الآخر، وهي حياة بلاشك مريضة مشحونة بالمشاكل، ومالم يهب الزوجان لمعالجتها فستنتهي بنهاية مأساوية لا محالة. ثالثاً : الخيانة تقدم أن الكذب مفتاح كل الرذائل ، وعليه فمن يعتد على الكذب يستسهل ارتكاب الأفعال القبيحة ومن أقبحها الخيانة. رابعاً: انعدام الشعور بالأمان: كيف يأمن من يعلم يقيناً أن شريكه كذب عليه مراراً وتكراراً؟ فلا يأمن بعدها إلى حبه وإلى وعده ووو.. خامساً: الكره والنفور: من الطبيعي أن تؤدي ما تقدمت من آثار الى أن يكره الزوج شريكه الكاذب وينفر منه، ويترتب على هذا فراغٌ عاطفيٌ كبيرٌ قد يدفعه إلى ملئه بالصورة الخاطئة ــ والعياذ بالله ــ خصوصاً فيما لو كان يعاني ضعفاً في الإيمان وقوة في العاطفة والشهوة. تنبيـــه: يلجأ الكثير من الأزواج إلى التورية فراراً من الكذب. والتورية: هي أن يقول القائل كلاماً ما، يحمل وجهين، يفهم منه السامع المعنى الظاهر في حين يريد منه القائل معنىً آخر. ومن أمثلته: إذا تحدثت بكلام سيّء على شخص وبلغه كلامك، وتريد تطييب خاطره دون أن تكذب فتقول له : ان الله يعلم ما قلت . فيفهم السامع ظاهر القول وهو النفي، بينما تقصد في سرك (ما) الموصولة وليست النافية وعليه، يكون المعنى الذي أردته انت: إن الله يعلم الذي قلت. وتستخدم التورية فيما (إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، ومست الحاجة إليه، واقتضته المصلحة في بعض الأحوال)(7). وهذا الأمر لابأس به في الحياة الزوجية إن اقتصر على الحالات الضرورية، إلا أن ما تشتكي منه الأسر اليوم والزوجات خصوصاً هو كثرة استخدام التورية من قبل الأزواج إلى درجة تصل أن تشك الزوجة في الكثير من أقوال زوجها ، وهو أثر لايقل خطورة عن آثار الكذب التي تقدم ذكرها... وعليه فليس من الصحيح الإكثار من استخدام التورية في الحياة الزوجية حتى وإن كانت جائزة شرعاً؛ لأن ذلك حتماً سيؤدي إلى انكشاف الحقيقة ولو في إحدى المرات وحينئذ ستؤثر التورية على الحياة الزوجية الآثار الوخيمة ذاتها التي يؤثر فيها الكذب. ومن هنا فعلى الزوجين أن يحذرا من الإسراف في إستخدام التورية ولا يلجآن إليها إلا بالمقدار الضروري فقط... علاج الكذب: العلاقة الزوجية علاقة تكاملية، وبالتالي فما من داء يستفحل فيها إلا وكان للطرفين يدٌ في حصوله وإن إختلفت نسبة ذلك بين الطرفين، وعليه فلابد من أن يتعاونا معاً لاجتثاث ذلك الداء من جذوره. فعلى من يمارس الكذب أن يتأمل في آثار الكذب الدنيوية والأخروية ، فإن كان يروم الحفاظ على مركزه الاجتماعي وعلاقاته لاسيما الزوجية وشؤونه في الدنيا فعليه أن يقلع عن الكذب . وإن كان ممن -لا يأبه للدنيا- وهذا نادر جدا وكان همه الآخرة فقط فعليه أيضا الإقلاع عن الكذب. كما يحسن بالطرف الآخر أن يمدّ يدُ العون لشريكه وذلك من خلال تعزيز قيمة الصدق لديه ولو بشكل غير مباشر، والابتعاد عن الأسئلة التحقيقية قدر الإمكان والامتناع من حصره في زاوية قد لا يجد مفراً منها إلا الكذب. بالإضافة إلى الحرص على أن يكون رد فعله هادئاً ومشجعاً وإيجابياً فيما لو صدق معه الطرف الآخر وَإِنْ كان الموضوع قاسياً بعض الشيء ،فعليه تجرع ذلك ما أمكنه حفاظاً على الأسرة ورعاية لمصالحها. ــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخلاق أهل البيت عليهم السلام ص28 (2) ميزان الحكمة ج8 ص397 (3) بحار الانوار ج69 ص263 (4) المصدر الاسبق (5) المصدر الأسبق (6) جامع السعادات فصل مسوغات الكذب (7) المصدر السابق رضا الله غايتي
اخرىجسدان يتحركان، يؤديان واجباتهما الأسرية بجفاف وبصورة رسمية، بعيدان كل البعد عن بعضهما مشاعراً وعاطفة، على الرغم من قربهما مكاناً ومساحةً، قلبان ولكنهما مجردان من العاطفة لبعضهما، قد اقتصر عملهما على ضخّ الدم للجسد ليس إلا، لا ينبضان لبعضهما، ولا يشعران ببعضهما، قد جفّ الحب وتجمّدت المشاعر فيهما، فانعكست على علاقتهما التي بردت هي الأخرى وخبت نار الأشواق وخمدت شعلة اللهفة والحنين... أجساد تتظاهر بالقوة وهي تتآكل من الباطن يوماً بعد يوم، ولِمَ لا؟ وهل يمكن للإنسان أن يعيش جسداً بلا روح؟ وقلباً بلا عاطفة؟ وحياةً بلا مشاعر؟... ثم كيف لتلك الأرواح المنهكة أن تُمِدّ فلذات أكبادها بالدفء والأمان وتغمره بالحب والحنان؟! واقعٌ يُقطّع القلب ويدمى له الفؤاد... واقع أمر من الحنظل وأقسى من المشي على حسك السعدان... واقع مأساوي يدفع جميع أفراد الأسرة فيه الثمن... تعريف الطلاق العاطفي يمكن تعريف الطلاق العاطفي بأنه حالة غياب المشاعر والعواطف من الحياة الزوجية ، فيعيشان في مكان واحد وتحت سقف واحد وكأنهما غريبين عن بعضهما وهما مضطران الى ذلك، إما حفاظاً على شكل الأسرة أمام المجتمع الذي يستنكر الطلاق الفعلي عادة، أو حفاظاً على الأولاد من الضياع. ولا تقتصر الآثار السلبية للطلاق العاطفي على الزوجين بل إنها تمتد إلى باقي أفراد الأسرة. أنماط الطلاق العاطفي والطلاق العاطفي قد يتخذ وضعاً صامتاً فعلى الرغم من انعدام المشاعر والعواطف بين الزوجين إلا أنهما هادئان كما لو تم عقد اتفاق بينهما على ذلك. وقد يتخذ وضعاً عاصفاً بحيث تشق أجواء الصمت بينهما بين فترة وأخرى زوبعةٌ من الصراخ والصياح.. والطلاق العاطفي كما يكون من جهة الزوجين معا قد يكون من جهة أحدهما فقط لسبب ما، فيعمد إلى إماتة مشاعره تجاه الطرف الآخر عمداً أو أنها قد تدخل في سبات تدريجياً من غير قصد، رغم حياة مشاعر الطرف الآخر تجاهه ورجواه بالعودة إلى سابق عهده. أسباب الطلاق العاطفي والطلاق العاطفي كأي ظاهرة اجتماعية أخرى لابد من وجود أسباب قد أدت إليه، ومن أهم أسباب الطلاق العاطفي: شعور الشريك بعدم أهميته في حياة الطرف الآخر بسبب تفضيل الطرف الآخر للعمل أو الأولاد أو الأصدقاء أو الأهل عليه، فضلاً عن قيامه بقولٍ أو فعل من شأنه أن يقلل من أهمية شريكه، لاسيما إن كان ذلك أمام الأولاد والأهل. بالاضافة إلى تركيزه المتكرر على حقوقه فقط واهتمامه بها مع إغفال حقوق وحاجات الطرف الآخر وإهمالها ، و التعالي عليه وتحسيسه بالنقص والدونية .. ومن أسباب الطلاق العاطفي أيضاً: بخل الزوج على زوجته في الأمور المادية أو المعنوية أو فيما يمنحها من وقته لغرض إشباع حاجاتها. وانغماسه أو كلاهما بالعمل لمواجهة الضغوطات المادية وسد احتياجات البيت والأولاد مهملين كل ما من شأنه أن يثير العاطفة دون انتباه منهما، الأمر الذي يتسبب في اتساع الفجوة بينهما تدريجياً، وانعدام العلاقة الحميمية بينهما أو تحولها إلى مجرد روتين أو واجب مفروض عليه. بالاضافة الى انعدام الثقة بين الطرفين أو من قبل أحدهما بسبب ممارسة الكذب أو الخيانة. ومن البديهي أن تؤثر الأسباب المتقدمة على التواصل الناجح بين الشريكين فيضعف تدريجياً أو يقتصر على ما يتصل بشؤون البيت والأولاد الاعتيادية فقط . كما أن التواصل الناجح فضلاً عن التفاهم قد يضعفان أيضاً وبشكل ملحوظ فيما لو اختلف الطرفان في الاهداف والاهتمامات أو تباينا في المستوى الثقافي والاجتماعي. آثـــار الطلاق العاطفي يعد الطلاق العاطفي من أوضح العلامات التي تشير الى انتهاء صلاحية الزواج بين الطرفين طالما لم يشرعا في علاجه، وهو بلا شك في هذه الحالة يعد الحلقة الأخيرة في سلسلة الحياة الزوجية التي قد تنتهي بالطلاق الفعلي، إلا أن البعض يفضل تحمّل معاناته وآلامه، إما حفاظاً على الأبناء من الضياع أو حفاظاً على الشكل الخارجي للعائلة في المجتمع لأن المجتمع يستنكر الطلاق عادةً... والطلاق العاطفي لا تقل آثاره السلبية عن الطلاق الفعلي، بل قد تكون أشد في أحيان كثيرة، فأما بالنسبة للزوجين فهو ينتزع من قلبيهما الحب والود لبعضهما ويجردهما من الاهتمام ببعضهما، وأي حياةٍ هي تلك التي تخلو من الحب وتتجرد من الاهتمام؟ إنها ظاهراً حياة وأما باطنها فالجحيم عينه؛ لأنها تولد مشاعر الإحباط والحزن فضلاً عن الفراغ العاطفي، وكل ذلك يتصل اتصالاً وثيقاً على المدى البعيد بحالات الاكتئاب والقلق والاضطرابات في الصحة النفسية والجسمية على حد سواء.. بالاضافة إلى أنه يُضيّع فرصتهما في بدء حياة جديدة من خلال زواج آخر قد يجدان فيه ما يفتقدانه من دفء وأمان وحب وحنان. وعلى الرغم من أن الطلاق العاطفي يترك آثاره السلبية على الطرفين إلا أنه يكون على الزوجة أشد وأصعب، لأنها الأكثر حاجة إلى العاطفة والاهتمام من جهة، ومن جهة أخرى لأن الزوج بإمكانه أن يعوض ما قد يفتقده في حياته الزوجية هذه في حياة زوجية أخرى، وأما الزوجة فليس لها ذلك، ولذا يمكن إعتبار الطلاق العاطفي من أهم الاسباب التي تدفع الزوجة الى الخيانة والعياذ بالله وإن كان ليس مبررا لها. وأما بالنسبة للأبناء، فهم الخاسر الأكبر، إذ تتمزق زهرة طفولتهما بأشواك هذا الداء العضال حيث يغرس أنيابه ومخالبه في جسد أسرتهم فيحيلها إلى أسرة آسرة للطفولة مصادِرة لأحلامهم الجميلة قاتلة لسعادتهم. حيث الوالدان لا يلتفتان سوى إلى الإحتياجات اليومية للأسرة، غير مكترثين لمشاعر الأبناء مما ينعكس ذلك على مرحلة المراهقة في صورة انحراف بحثاً عن الحنان الذي يفتقدونه داخل الأسرة، فضلاً عن حالة القلق التي تلازمهم لسوء العلاقات بين والديهما وتوترها والتي قد تصل أحيانا إلى السُباب والضرب؛ ولذا فإن أغلب الأبناء في حالة الطلاق العاطفي يعانون من الاكتئاب وعدم القدرة على مواجهة الحياة، فضلاً عن انطباع صورة سلبية مشوّهة للزواج في أذهانهم... وقد يتصور الزوجان أنهما إنْ نجحا في إخفاء الطلاق العاطفي عن الأبناء فسيجنبونهم آثاره السلبية إلا أنه تصور عارٍ عن الصحة إذ إن الابناء سيستشعرون حتماً الطاقة السلبية المشحونة بين الأبوين علاج الطلاق العاطفي تقدم أن الطلاق العاطفي يعد الحلقة الأخيرة في سلسلة الحياة الزوجية في حال عدم معالجته، وأما إذا ما عولج بالشكل الصحيح فإن هناك أملاً بعودة الحياة الزوجية إلى مسارها الطبيعي، ومن أهم النصائح التي تنفع في علاج الطلاق العاطفي: أولاً: اعتراف الزوجين بوجود فيروس خطير قد اخترق جسم الحياة الزوجية وعمل على إعاقته وهو الطلاق العاطفي. والاتفاق على ضرورة تكاتفهما وبذل كل ما في وسعهما من جهود من أجل القضاء عليه لتستعيد حياتهما الزوجية كامل صحتها وتمام جمالها.. ثانياً: العمل على تأصيل سمة الصراحة والوضوح في التعامل بين الزوجين ليتمكن كل منهما من فهم الآخر وفهم مشاعره بالشكل الصحيح، والتعرف على احتياجاته وأفكاره و مشاكله و مخاوفه التي تساعد كثيراً على فهم الآخر وتعميق العلاقة بينهما وتقويتها. ثالثاً: اعتماد لغة الحوار والتفاهم بين الزوجين والابتعاد عن الاتهام والتجريح والحرص على الخروج من الحوار بثمرة مفيدة تتمثل في الحل الذي يرتضيه الطرفان .. رابعاً: تقدير كل من الزوجين الأعمال التي يقدمها الآخر وشكره عليها مهما كانت بسيطة، والاهتمام بإيجابياته ومدحه عليها والامتنان منه لغرض تعزيزها. خامساً : احترام الطرف الآخر وتجنب فعل أو قول كل ما يشعره بالإهانة مهما بدا بسيطاً. وإشعاره بأهميته البالغة في حياة شريكه وجعله من أولوياته ومنحه الاهتمام اللازم. سادساً: الاهتمام بالعلاقة الخاصة بين الزوجين والإقلاع عن إشعار الطرف الآخر بأنها مجرد تأدية واجب. سابعاً: مشاركة كل طرف هوايات واهتمامات الطرف الآخر. ثامناً: اعتماد اللطف والرقة في الأقوال والأفعال مع الطرف الآخر لجذب وده ومحبته. تاسعاً: أكثر ما يجمد العلاقات هو الروتين اليومي فمن المفيد إدخال أمور جديدة في الحياة الزوجية لكسر هذا الروتين من قبيل القيام بنزهات أسبوعية أو زيارة الأماكن التي كانا يزورانها معاً في أيام الخطوبة وبداية الزواج لإستذكار تلك الذكريات الجميلة العبقة بحب الطرف الآخر... عاشراً: على كل من الطرفين أن يحاول تقبُّل الطرف الآخر وغض الطرف عما قد يشتمل عليه من عيوب، وتذكُّر أننا لسنا بمعصومين ومن الطبيعي أن تصدر منا بعض الأخطاء، ومن لا يغفر لصاحبه اليوم خطأه كيف يتوقع منه أن يغفر له أخطاءه بعدئذ؟ إذن فالطلاق العاطفي على الرغم من أعراضه الأليمة وآثاره الوخيمة إلا أنه بالإمكان معالجته إذا ما توفرت النية الصادقة لدى الزوجين وعزما على القضاء عليه وإعادة الحيوية والنشاط إلى علاقتهما الزوجية من جديد. رضا الله غايتي
اخرىإن من أهم الأشياء التي يمتلكها الإنسان وتدفعه لنيل أعلى المطالب وتسمو به إلى أحسن المراتب هي الإرادة، ولكن... كيف ننمّيها؟ الإرادة بطبعها تحتاج إلى قوة دافعة يفعّلها الإنسان ليصل إلى مراده الذي يبتغيه ، وهذه القوة الموجودة في شخصية الإنسان يمكن حصرها بمقدار الكفاح الذي يتحمله الشخص. فكلما كان الكفاح عنيداً فإنه يستطيع مقارعة الرياح العاتية التي بطبعها إذا أدركت الضعيف أهلكتهُ، ولكن إذا حصّنّا ذلك الكفاح بقوة الإرادة استطعنا ردعَها والثبات أمامها. وتلك الإرادة القوية بطبيعة الحال سوف تَصقِل الشخصية وتتعدى بها إلى النجاح. فشخصية الإنسان معرضة لعدة عقبات ، ومطبات ، وطرق شائكة، فتراه تارة يتخطاها وينتصر وينجح، وتارة أخرى تنقلب عليه وتسجنهُ في أجوائها الدامسة. فالابتلاءات كثيرة ومشاكل الحياة عديدة لاتكاد تنتهي، فلا يمكن الخلاص منها إلاّ بامتلاك شخصية قوية ذات إرادة حقيقية كامنة لاتنفَد. فكم من الأشخاص المرموقين وبشتى المجالات والاختصاصات استطاعوا أن ينهضوا بعد صراع طويل مع الحياة ومشاكلها، وقد تعرضوا إلى إخفاقات متعددة خلال مسيرتهم العلمية والعملية،وقد تكون في بعض الأحيان كارثّية، ولكن رغم ذلك شَحَنوا إرادتهم وغذّوها بقوة شخصيتهم وأنطلَقوا إلى جادة النجاح. والأمثلة كثيرة على ذلك لامجال لذكرها مراعاةً لحجم المقال ، قد يكون شخص ما دخَل إلى عالَم التفقّه ، وحقّق نجاحاً باهراً بعدَ كسرهِ لحاجِز الفشل الذي أعترض مسيرتهُ العلمية ولكن في نهاية الصراع وبقوة الإرادة والعزيمة أصبح فقيهاً ناجحاً يُشار إليه بالبَنان، أو ربما طبيباً بعدَ إخفاقات متكررة أصبح طبيباً ناجحاً و....هكذا وقد ذكرَ صاحب كتاب (كيف تصبح كاتباً ناجحاً) مثالاً رائعاً حول هذا الموضوع حيث يقول (أحد الكتّاب المعروفين حين بدأ ممارسة الكتابة، بدأ بكتابة المقالات ، فكان يكتب المقال ويُرسله إلى إحدى المجلاّت لتنشرَه ، فترفُض المجلة نشره ، ثم يكتب المقال الآخر ويبعثه إلى المجلة فترفض نشره وهكذا... استمر على هذه الحال إذ كان يكتب المقالات وتُرفَض كلها باعتبار أنها ليست في مستوى النشر. وكان يأمل بالتقدم ولم ييأس، حتى كتب ألف مقال روفِضَت كلها، وقُبِل المقال المرقم بألف وواحد، وبذلك دخَل هذا الكاتب قائمة مشاهير الكتّاب. وكذلك من الأمور المهمة للوصول إلى النجاح بعد تحقّقّ صفة الإرادة ، هي البحث والاستقصاء وبذل الجهد فيهما. ويرى أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة ميلون باروتش فيشهوف (أن بعض أفدَح الأخطاء في أخذ القرارات يعود إلى إهمال أجزاء تفصيلية في القضية المطروحة. وبالطبع فإن على المرء أن يكون جاداً وذا شخصية قوية وأن لايتردد في حسم الأمور لكي يصل إلى الطريق المنشود، وعليه أن يؤطِر شخصيته بإطار التقوى والإخلاص بعد بذور الإرادة التي زَرَعها في نفسهِ فأثمرت ماكان يصبوا إليه وهو النجاح. فالسعي مطلوب ، ويجب أن يكون بقوة دون كلل أو ملل فعليه أن يكدّ ويتعب ويجتهد ويختمها بالصبر الجميل فيحصَل على ماهو جميل ، ليرى سَعْيَه وقد ارتكز في واحة المبدعين والناجحين. يقول الله سبحانه وتعالى ((وأَنَّ ليّس للإنسان إلاّ ما سَعَى *وأَنَّ سَعّيَهُ سوفَ يُرَى )) فهنيئاً لمن سَهَروا الليالي وبحثوا واجتهدوا وصبروا فنجَحوا. حيدر عبدالكاظم الشمري
اخرىفي احد الايام .. وفي احدى جلساتي المتكررة مع صديقاتي سالتني إحداهن: هل انت مغرمة او تمرين بقصة حب؟ قلت لها : وهل هنالك شخص لا يحب ؟! وكيف يعيش الشخص حياته بلا حب ؟1 وهل هناك طعم للحياة بدون حب ؟ نعم فأنا مغرم’ وعاشقه الى حد الجنون.. ولكن لا أعلم هل هو يحبني أم لا؟ أنا أريد أن أراه دائما... لكنني لا استطيع أنا أتمنى رؤيتة حتى ولو في منامي ولكن متى .....واين..........؟! سألتُ روحي العاشقة :كيف تُغرمين به وأنتِ لم تتقربي منه ؟! ولاتعرفين اين وكيف يعيش ومع من؟ فكيف أصبح هذا الحب وأنت تسلكين ما ربما لا يرضى به؟! ويحزن قلبه ... فقلت له: إن من يحب إنساناً فهو يحاول ارضاءه باي طريقة كانت فكيف بقلبي الذي يعشق من هو رضاه من رضا الله ألا يجب ان ارضيه بكل الطرق الممكنة ماحُييت... الى ان اراه وهو راضٍ عني "متى اراك سيدي ومولاي فقلبي يتقطع لفراقك " #إشراقة
اخرىيعيش الطفل تسعة أشهر في بطن أمه في عالم صغير محدود. عالم ليس فيه مفآجات ولا مسؤوليات! كل شي جاهز له! يأخذه ببساطة وبدون تكلّف، من أمه! بدءاً بالطاقة وانتهاءً بكل ماتشعر به الأم من فرح وسرور!!! ومنذ تلك اللحظة تبدأ عملية التربية والنهوض بواقع الطفل قبل خروجه إلى عالم مليء بالتحدّيات ومليء بالمتاعب والمصاعب، بل أن التربية تبدأ قبل هذا الوقت، كيف ومتى؟ عندما ذكر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في حديث مبارك وأوصى باختيار الزوجة الصالحة فقال:- "تخيّروا لنطفكم فان العرق دساس". وقال أيضاً: "لاتسترضعوا الحمقاء". مبيّناً ما لعملية الوراثة من دور فعّال في نقل بعض الصفات والسمات إلى الطفل عن طريق الجينات الوراثية وقد أثبت العلم الحديث الآن ذلك… ولكن نرجع ونقول: إن الدور التربوي يتدخل في تعديل تلك الصفات وتغييرها وفقاً لاستعداد الإنسان وميوله الفطرية... فالله تعالى يقول في محكم كتابه المجيد ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10))) سورة الشمس. فاستعداد الإنسان منوط بالميل إلى اختيار أحد الطريقين: إما الخير وإما الشر، فالله قد أودع الإنسان العقل وهذه الجوهرة هي التي تحرك الإنسان وفقاً لميوله المكنونة وما يلحق به من مؤثرات من المحيط! هنا ينبغي تنمية الفطرة السليمة منذ الوهلة الأولى في نفس الطفل لأن الطفل سهل التوجيه في الأيام الأولى، ويمكن توجيهه نحو الصلاح والخير، لأنه لم يلوث بالذنوب والخطايا بعد، والتي تكون مانعاً وحاجزاً من تقبل الخير... فعمل الخير والإحسان أمام ناظري الطفل يساعده على الاعتقاد والإيمان بهذه الأعمال مما يُقوِّي لديه الوازع الإيماني والعقائدي الذي يدفعه نحو التسليم المطلق بأعمال الخير والبر! فالسنوات الأولى للطفل وخصوصاً الأربع منها يجب أن تكون مرتكزة على زرع القيم والمبادئ بطرق بسيطة، كقراءة القصص التربوية الهادفة والقدوة الحسنة أمامه، واستخدام أساليب الحوار الهادفة. فشخصية الطفل يمكن تنميتها وبناؤها بشكل سليم وقوي إذا تم استخدام الأساليب الصحيحة في التعامل معه كإنسان محترم له قيمة وكرامة ورأي، لأنه سيشعر بقيمته الذاتية التي من خلالها يستمد قوته وثقته بنفسه، وبالتالي ينشأ عنده الشعور بالمسؤولية في وقت مبكر، وهذا مانصبو اليه ونتمناه، فيكون طفلاً صالحاً وسليماً ومعافى نفسياً وواثقاً من نفسه وراضياً ومعتزاً بذاته... قاسم المشرفاوي
اخرىإنّ التربية هي علاقة تفاعل بين الأبوين والأبناء. وكلما زاد هذا التفاعل ازداد الانسجام وأصبحت الرؤيا التربوية أكثر وضوحاً للأبوين، وأصبح الأمر أقل تعقيداً، فالتربية عملية شاقه لايفهما الا اللبيب الحاذق من المربين، والزمن في تغير مستمر وتعقيد كثير، بسبب التطور التقني والمعلوماتي الذي يمرّ بسرعة لذلك وجب علينا الاستعداد بشكل كامل لمواجهة كل التغيرات الحاصلة التي من شأنها أن تؤثر سلباً على طريقة تعاملنا مع أبنائنا، إذا لم نحسن التصرف بشكل صحيح، وما أجمل تلك الحكمة الرائعة التي قالها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حين قال: (لاتقسروا أبناءكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم) قد بين أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ مايقارب 1400 سنة ما سيحدث من تطور معلوماتي تقني يؤثر في كل محطات الحياة فالتغير السريع، الذي شهدته التكنولوجية قد سرّع من التغيرات الحياتية والاجتماعية في كل شيء وأصبحت الفروق بين جيل وجيل شاسعة للغاية وهذا ما سبب فوضى عارمة لدى كثير من الأسر المسلمة، والآن نعاني من صراع مستمر بين أصول وتقاليد تربوية راسخة وبين رغبات وتطلعات الأجيال الجديدة؛ فالآداب تتغير مع مرور الأيام وتغير الزمان، فطريقة اللبس والآكل مثلاً تغيرت وفقاً للتقدم السريع الذي مر به الزمن ولاضير من ترك المجال للأبناء في التعبير عن أفكارهم وتطلعاتهم وآرائهم ما دامت في طول الشريعة السمحاء لا في عرضها؛ فالتربية السليمة هي تلك التي توفر الأفكار والأدوات والأساليب التي تساعد الصغار على الأستعداد للعيش وفق أسس الأسلام المحمدي الأصيل انسجاماً مع التطور الحضاري والتقني ....... قاسم المشرفاوي
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى