رواية ﴿﷽وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (1) بين الفيض والفضل، نهر ينبع دروس الجلالة والكرامة، أجمل ماقُدم في موضوع الفداء، حتى قيل: إن الفضل يتلقى شر الظلام بنفسه ليصده عن الفيض في ملحمة الخلود، بذرة زُرعت من صلصال عظيم كان عنوانه ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4))(2) أُحصِدَت بعد أن سُقيَت من ذلك الخلق النابع عطفاً وحباً من فوق أظلة العرش... فيض الرحمة وفضل الجود، صفتان متلازمتان في شخصين نادرين في الوجود، حتى إن ظهور أحدهما كان ملازماً لظهور الآخر، وكذا الحال في اختفائهما، أصحاب الصفتين كانا حريصين على طاعة الله ولزوم عبادته ونقل دينه بأتم وجه، وسرعان ما تلاقيا في وجه الضد لتلك الفكرة، ولم تنتكس رايتيهما، ولم يضعفا في المواجهة، لكن الذي قيّدهما أمنيات بريئة لاتطلب دمى الألعاب أو غيرها سوى صدى أصوات وهي تقول "الماء الماء الماء" أصوات رقيقة كتغاريد صغار العصافير الجائعة والمتلهفة لمجيئ من يسقيها ويطعمها، ذلك ما أنهك قوى الحسين والعباس (عليهم السلام) ارتمت السهام نحو أصحاب اليمين وما إن تجدهم إلا أنهم متشوقون إلى الله وجدهم الذي سافر منذ زمن طويل الى عالم الرحمة و الخلود، فتجد أحدهم يقول للثاني {دعني أذهب قبلك ليتني القى جدي وأنا مبتشر مبتسم برؤياه دعني ياأخي}! وما تجد إلا {ليتني أحمل صبر الفراق، جزعتْ نفسي وجزعتْ روحي من هذه الدنيا دعني أنا أذهب يا أخي وسأبلغ رسول الله عنك السلام} تلك هي خطاباتهم وأمنياتهم، أقتربت منهم سهام أصحاب الشمال ولم تغادر صفة الفضل صاحبها حتى تفضل بأحتضانها بجسده الشريف وحتى في أم عينه! قدّم نفسه للحسين ولم يبخل بها حتى إن شرارهم أعطاه الأمان قبل ذلك إنْ صافحهم، فأبت له نفسه وهو غاضب عليهم. أهَل يوجد في العالم مثل تلك التضحية؟ هل يوجد من قدّم نفسه للموت وهو يراه بعينه قبل أخيه؟! سأل السائل عن مجهولٍ من في حوض أخيه يطوف؟ لاغير العباس جواباً للسائل وهو المعروف. كان العباس (عليه السلام) يُدعى بظهر الحسين (عليه السلام) وفي وقوعه إلى الأرض وهو مستقبلها بالسهام والنبال سمع صوتاً حزيناً يقطع نياط القلب يقول: " الآن انكسر ظهري " انكسر ظهر الحسين (عليه السلام) وهو على قيد الحياة، يا له من صبر! ويا له من ثبات! أهَل صبر أيوب أعظم من هذا؟! لا وألفُ لا... وما صَبرُ أيّوبٍ الاّ مثلٌ ضربهُ الله على صبر أعظم منه وتخفى الحقائق الكبيرة والعظيمة للاختبار (أعني صبر الحسين عليه السلام)، كما أن مريم العذراء (عليها السلام) هي مثلٌ ضربه الله في القرآن على فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولايخفى علينا أن منزلة الزهراء (عليها السلام) أعظم من العذراء مريم عليها السلام وتخفى الحقائق الكبرى والعظمى للاختبار... فالعباس (عليه السلام) كان أطروحة قدّمها علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لكل البشرية فلولا وجود لمسات العباس (عليه السلام) في واقعة الطف لما اكتملت تلك اللوحة العظيمة التي رسمت لنا الطريق إلى الله بكل وضوح، العباس (عليه السلام) ضرورة قصوى لاستمرار دين الله، تلك هي الإرادة الإلهية التي جمعت بين شخصين الحسين والعباس (عليهما السلام) فهما كالشمس والقمر لا تكتمل الحياة والخلق الأكبر إلا بشمس تضيء الظلام وقمرٍ منيرٍ، لايفترقان ابد الدهر ومابعده.فأختفَى وجودهم ولاوجود الا بوجود أثرهم وبصمتهم الإلهية تلك هي من معاجز الله فأين أصحاب الأملاك والسلطة الذين حاربوهم ؟! لا شيء لهم يذكر ولا شيء بهم يقال، وسبحان من أحيا الحق وأظهره، وسبحان من جمع بين السماوات الأرضين وبين النجوم والكواكب وبين الشمس والقمر، مثلما جمع بين الحسين والعباس (عليهما السلام) فسلام الله عليهما بما صبرا وفدى نفسيهما الطاهرتين في مرضاة الله وسلام عليهما يوم ولدا ويوم استشهدا ويوم يبعثان احياء. __________________________ الهامش // (1)سورة القيامة آية (9) (2)سورة القلم اية (4) •بقلم✓ { كاظم أمين الحمداني } °تصميم الصورة✓ {حسين جبر الهلال}
اخرىفدك الأربعين.. ......بقلم فدك الزهراء تتسابق اصابعي في تصفح هذا العالم الافتراضي الذي تمسك ببوابته يدي وتلتقط حركات عيني الكم الهائل من الانباء والمعارف والعلوم التي يبثها وتتداخل همسات العالم وصرخاته بكل صنوفه واجناسه من خلاله بينما يهتف باسماعي صوت الناعي عبر اجهزة التسجيل التي اعلنت عن حزنها (ياشهر عاشور ما مثلك شهر بيك ابو السجاد دلاله إنفطر يا شهر عاشور هيجت الحزن بيك جسم حسين ظل بلا دفن) توقفت يدي عن ذلك البحث واصابني الوجم امام احد المشاهد التي بدات بالانتشار كالنار في الهشيم وتتلاحق معها عبارة عاجل....عاجل....وردنا توا.....اصابني العجز ومنعني من الحراك. يحاول بصري ان يجمع شتات ذلك المنظر مع ما يشع منه من الم وتكسرت احرفي على لساني وانا احاول ان انطق كلمة يا الله بصرخة صورة منظر لصحراء مقفرة وارض ممتدة تناثر على صعيدها اجساد مضرجة بالدماء بين امراة وفتى ورجل سفكت دمائهم رصاصات البغضاء من ايدي قتلة وقد اضافوا لمن قتلوا جسد ابا ممد مضرج بدمه وعلى صدره وبين ذراعيه جسد اخر الذي طلب النجاة فالتحق بابيه مظلوما بلا ذنب ولطفله البراءة المذبوحة تنطق على شفتيه "واذا الموءودة سئلت باي ذنب قتلت". هامت في داخلي مشاعر الآلام وخيم على روحي الحزن وزاغت عيوني صعودا ونزولاً بين تلك الصورة وبين افق تلك الصحراء واخذ فكري يمزج بين ما يراه وصور الاهات في داخلي حيث ابصر خيالات الجموع الزاحفة وهي تمر من هنا في رحلتها السنوية هائمة في حب ذبيح عطشان وعلى صدره رضيعه المذبوح وهو ينادي باي ذنبا قتلت. تتلاحق خيالات الجموع في فكري على امتداد الافق وهي تنادي براياتها السوداء التي ترفرف يا حسين ياحسين........ كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء احستت اني لا املك قوتي لابقى صامدا فهويت على ركبتي وانا اعيد نظري لصورة المقتول العائد من زيارة الحبيب ليعيش مع احد مصائبة وكانه ينادي "لا يوم كيومك ابا عبد الله" رفعت يدي لخيالات الجموع بين اصابعي مع افق المغيب في صوب نهاية رحلتهم ومرقد غايتهم واردد معهم السلام عليك ابا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك
اخرىقبل سنتين كان ذلك الشاب المملوء بالحياة (احمد) قد اكمل دراسته الجامعية في احدى الجامعات العراقيه في كلية التربية وكانت والدته فرحه بأن ولدها قد اكمل دراسته وانه سيقوم باعانتها وتحمل اعباء المعيشة. كان احمد ولدها الوحيد لاربع بنات. كانت تنتظر هذه الحظة بفارغ الصبر وتحققت لكن احمد بسبب البطاله وقله التعيين سأم الحياة اصبح يعاني من الفراغ القاتل اين مايذهب لايجد عمل ليعينه في تكوين نفسه والاستعداد للزواج ليتقدم لتلك الفتاة التي كان يخفي حبها في داخل قلبه طوال سنوات الدراسة لايريد ان يعطيها امل ووعد بالزواج ويخلف وعده بسبب سوء الحالة المادية لذلك لم يبوح لها بمشاعره. بينما هو في زحام وتلاطم امواج الافكار سمع نداء المرجعية والدعوة للجهاد فقرر احمد ان يهجر الدنيا بملذاتها ويرحل المعشوق لمبتغاه الذي طالما كان يفكر به. بقا احمد متحير كيف يخبر والدته عن هكذا قرار فهذا خبر ليس من السهل على الام تقبله... احمد /امي انتي تعلمي انني اعاني من الفراغ وعدم العمل. والدته /نعم ياولدي ولكن الحمد لله على كل حال فأننا نعيش حياة لابأس بها الراتب التقاعدي الذي تركه لنا والدك يكفينا للعيش . احمد /اعلم يا امي ذلك ولكن تعرفين انني اصبحت في سن الزواج وارغب ان اجهز نفسي مثل اي شاب من اصدقائي . الوالده /نعم ياولدي انت اختار الفتاة التي تناسبك وانا بعون الله ساحاول ان ارتب الامور بما يتناسب مع وضعنا . احمد /امي انتي سمعتي ماهو ثواب الشهادة فإن الشهيد يدخل الجنة. والدته /ماذا تريد ان تصل اليه يا احمد، انت ولدي الوحيد وانت سندي في هذه الدنيا مالذي يدور في ذهنك ياولدي. احمد/ امي انا قررت ان اذهب للالتحاق بفتوى المرجعية وانظم الى صفوف الحشد الشعبي وانا ان لم يكتب لي الله الشهادة فانا احصل على ثواب وكذلك ساعمل كمدافع عن وطني وشرفي وان كتب لي الله الشهاده فانتي والدة الشهيد وتأسي يا اماه بما حصل لاهل البيت عليهم السلام واطلبي منهم الصبر. وارجوا ان تقبلي طلبي هذا. الوالده/ ما الذي تتكلم عنه ياولدي ومن لي غيرك كيف تترك امك وحيدة وترحل ؟! من بعد محاولات كثيره حاول اقناع امه بالذهاب وكان امنيته ان يستشهد رحل صاحب الوجه المبتسم. رحل ودموع امه وراءه. اخذت امه قليل من الماء وقامت برميه خلفه. لعله يعود ولدي سالما وازوجه. مرت الايام ...ومرت اشهر ...والام تسمع اخبار الانتصارات والتحرير والام تفتخر بولدها المجاهد وعاد بعض الشباب المجاهدون الى اهليهم باجازه وهي تنتظر ولدها ان يعود وقررت ان تقوم بطلب الفتاة حالما يعود ولدها وتزوجه. اصبح الصباح والام تنتظر كعادتها كل يوم ان يتصل احمد بها ليطمنها. لكنه اليوم تأخر اتصلت به الجهاز مغلق. فتقول في نفسها... آه ما بال قلبي اليوم يعتصر من الالم مالذي حدث لولدي... يجب ان افرح فولدي سوف يعود هذه الايام وازوجه وافرح به . واخفت في داخلها ذلك الالم في قلبها. وفجأة اذا بالهاتف يرن لاخبارهم انه تم الهجوم ليلا واستشهد احمد مع مجموعه من الشباب وانهم سيأتون بجسده الطاهر اليوم او يوم غدا لتراه عيون امه وهو ملطخ بدماء الشهاده والقاء النظرة الاخيرة لولدها الغالي. حملوه وحملوا معه قلب امه ودموع اخواته الحزينة. رحل ذلك الشاب الذي طالما كان يتمنى الشهادة هاهي الشهادة قد اتته وعلى ارض وطنه كان ذلك اليوم صعب جدا على اهله وكل من يعرفه. ساعد الله قلب والداته التي كانت تتمنى ان تنظر اليه عيونها وهو يزف لعروسه وان تراه ابا لاحفادها لطالما كانت تاخذها احلام اليقضة لترى ولدها سعيدا. لكن المجرمين لعنة الله عليهم لم يجعلوا لهذه الاحلام ان تتحقق وهذه الامنيات ان تشرق عليه شمس النهار وتتم بخير وسعادة قد قاموا بسحق كل احلام الامهات والشباب آه ياعراق ...آه ياعراق ...كم وكم تحملت مثل هذه القصص لشباب بعمر الزهور وآهات ولوعات الامهات الفاقدات لفلذات اكبادها، ولكن تبقى شامخا رغم كل الجراحات ولاتدنسك يد الارهاب والفساد تبقا بلد الحضارات والمقدسات ونبقى نضحي عنك بكل مانملك . والجود بالنفس اقصى غاية الجود.
اخرىزوجها استشهد بالحرب العراقية الايرانية ليس لها معين الا ربها كانت تعمل كل عمل يتوفر لها بشرف مره تخبز للناس ومره تبيع الاغراض ومره تطبخ لتكسب معيشتها وتطعم ولدها الوحيد لها فهي لم تنجب غير ذلك الولد فدته بكل ما تملك تعبت عليه حتى اكمل دراسة كبرت اصبحت طريحة فراش والابن ليس لديه تعين والشهادة تحت سريره يملأها الغبار اعلنت المرجعية الجهاد فداهم الام القلق كيف تتحدث مع ولدها وتوصل اليه رغبتها .... قالت يابني انا ساذهب عن قريب هل تود الذهاب معي قال والعين باكية سلامتك امي من عمري على عمرك كررت السؤال هل تريد ان تاتي معي قال انا معك امي قالت اذن اذهب وانصر وطنك وعرضك لوجه الله تعالى ..امي ومن لك ...ماذا تقول ياولدي الله لي ولك ذهب وانضم الى الحشد الشعبي حارب وحارب حتى وكزه قلبه بقوة مسك قلبه وسقط على الارض قال امي هل حصل عليك شيء ثم نهض وحارب وحارب حتى استشهد رجعوا بجنازته الى البيت وجدوا والدته ايضا انتقلت الى رحمة الله وجدوا رسالة تحت وسادتها مكتبوب بها وصية بيتي متبرعة به الى حماة الوطن حماة الاعراض انصار الحسين الحشد الشعبي المقدس
اخرىقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «إنَّ يَومَ الحُسَينِ عليه السلام أعظَمُ مُصيبَةً مِن جَميعِ سائرِ الأيّامِ ؛ و ذلكَ أنَّ أصحابَ الكِساءِ الّذينَ كانوا أكرَمَ الخَلقِ عَلَى اللّه تَعالى كانوا خَمسَةً فَلَمّا قُتِلَ الحُسَينُ عليه السلام لَم يَكُن بَقِيَ مِن أهلِ الكِساءِ أحَدٌ لِلنّاسِ فيهِ بَعدَهُ عَزاءٌ و سَلوَةٌ ، فَكانَ ذَهابُهُ كَذَهابِ جَميعِهِم كَما كانَ بَقاؤهُ كَبَقاءِ جَميعِهِم». المصدر:(علل الشرائع ج1 ص225) اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ فلتسجد الارض خشوعا ولتذرف السماء دموعا ولتنحني الجبال ركوعا ولتهتف الناس جميعا. قال الامام الرضا ع ( إن المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دمائنا، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونسائنا ، واُضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهبت مافيها من ثقلنا ، ولم تُرعَ لرسول الله حرمة في أمرنا . إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلي يوم الإنقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام . أمالي الصدوق ١١١ دروس يجب ان نفهمها، وانتم الذين لم تعرفوا من هو الحسين عليه السلام وماذا يعني لنا...ابحثوا عن الحقيقة لتكتشفوا اننا مقصرون بكل مانفعله من شعائر مهما كان نوعها... ما خاب من قال حب الحسين جنني . كل دروس الحياة وكل النظريات والدراسات لم تنجح اذا لم يكن هناك فرعين لتطبيق النظرية او الدراسة لكي تنجح ويستفاد منها وهي القسم النظري والقسم العملي او التطبيقي... هدف الحسين عليه السلام من الخروج ضد طاغية زمانة وجميع ماحدث في طريق الحسين عليه السلام وماحدث على اهل بيته دروس وعبر لنا لانه من هوان الدنيا على الله ان يقتل ابن بنت نبيها وان تسبا حرمه. فهي دروس التضحيه والوفاء ومواجهه الظالم والنهضه وغيرها..... هل نفهمها فقط بقراءة قصة واقعة الطف؟ هل نستطيع ان نتذوق طعم مآساة ماحدث فقط بالاستماع؟ هل يريد منا الامام عليه السلام اننا نذكره فقط داخل المساجد والحسينيات والمجالس ونقول قد قتل مظلوما؟ هل يامرنا اهل البيت عليهم السلام بزيارة سيد الشهداء عليه السلام هل فقط من اجل التعب او المشي والمشقة فقط.... بكل تاكيد لا طبعا لان الامام المعصوم عليه السلام عندما يتحدث لاينطق الا اذا كان هناك حكمه لله في ذلك. هناك الكثيرون من الذين ينتقدون الشعائر الحسينية ويتهموننا بالجهل والشرك لانهم لم يدركوا ماهو معناها وماهو الهدف من ورائها كل انسان اذا اراد ان يطبق نظريه او يأمر بمعروف لايستطيع النجاح اذا لم يطبقها على نفسه ويعمل بها . فطريق الحسين عندما يأمرنا ائمتنا بالزيارة. والسير على الاقدام لمن يستطيع ذلك لم تكن الغاية من ذلك فقط هي الزيارة . انما عندما نمشي نستطيع ان نحس ببعض ما مر من التعب والمشقة على عيال الحسين عندما تمشي رغم الفارق الكبير بين زائر موقر موفر له كل شيء ومع اهله وبين ان تقتل اهل بيته وياخذون سبايا مع القتلة الى طاغي زمانهم .... عندما تمشي وتنظر النساء تمشي وبحشمة ووقار وستر تتذكر مسير السبايا وانتهاك الحرمات لاهل البيت...... عندما تمشي تتذكر الاطفال عندما تمشي وتضرب وتبكي وروؤس ابائهم امامهم تسير. تستطيع ان تكتشف انه هذا المسير لايأتي تعبه قطرة في بحر من معاناة السبايا ويجب ان تفهم ماذا اراد الحسين عليه السلام من هذه التضحية ....وللحديث تتمه بعون الله ايتها المرأه هل قدمتي وفهمتي ماذا اراد الحسين لك من الكرامة والعفاف والحشمة ومواجهة الظلم والاعداء وفي اصعب المواقف وبكل الاحوال. اختي العزيزة قفي وتفكري وافهمي الدرس جيدا فإن الحسين عليه السلام واخته زينب عليها السلام قدموا لنا دروس قيمة وتضحية كبيرة. يجب ان نجعلهم قدوتنا في الحياة وخاصة في السير الى كربلاء. فليكن مسيرك يرضي الله ورسوله واهل بيته عليهم السلام. لايكون سهم في صدر الامام صاحب العصر عجل الله فرجه الشريف لاننا نذهب للعزاء والمواساة لهم وهو المعزى روحي له الفداء بهذا المصاب الجلل. قتل الحسين وقدم الدماء للحفاظ على شرف المرأة وعفتها وقيمتها وعدم ظلمها فكان خدر زينب عليها السلام اعظم عليه من قتل ابنه علي الاكبر عليه السلام. بالرغم انه كان يعرف من هي زينب عليها السلام وماهي عفتها وهي العالمة غير معلمة ولكن ارادت ان تلفت انتباه اخاها عندما راته محني الظهر لمقتل ولده فهي تعلم ان عفتها وخدرها عزيز . اختي الغالية عندما تذهبين للزيارة يجب ان تفهمي ان لك قدوة وهي سيدتك زينب عليها السلام التي انتي ذاهبة لتواسينها وتتحملين متاعب الطريق وتاركة بيتك. فإهتمي بالستر وكل خطواتك. اختي الكريمة فإن مولاتنا زينب سلام الله عليها لاتريد ان تاتي لها من لاتهتم بسترها وحجابها وهذا لايختص فقط في المسير لكربلاء لافي كل مكان تستطيعين ان تكوني ممن تواسي زينب عليها السلام. فالتزمي وعاهدي زينب عليها السلام ان تسيري على نهجها ونهج اهل البيت عليهم السلام هكذا تكونين قد واسيتي زينب عليها السلام.
اخرىاصلاح الذات هل نحن ملتزمون بما قالهُ الإمام الصادق عَـلَـيـْـهِ السَّــلام ؟؟ اللَّهُمّ صَلِّ على مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد قال الإمام الصادق عَـلَـيـْـهِ السَّــلام : ﴿ حَـقُّ عَــلـَىٰ کُـل مُـسـلِـمٍ يَـعـرِفُـنـا اَن يَـعـرِضَ عَـمَـلَـهُ فـي کُـل يَـومٍ وَ لَـيـلَـةٍ عَــلـَىٰ نَـفـسِـهِ، فَـيَـکُـونَ مُـحـاسِـبَ نَـفـسِـهِ، فـإن رَأی حَـسَـنَـةً اسـتَـزادَ مِـنـهـا، وَ اِن رَأی سَـيِّـئَـةً إسـتَـغـفَـرَ مِـنـهـا، لِـئَـلاّ يَـخـزىٰ يَـومَ الـقِـيـامَـةِ ﴾ ( تحف العقول/ ص301 ) الإنسان في هذه الحياة تصقله التجارب والابتلاءات والمحن ثم تخرج منه الحكمة الجميلة كي يستفيد منها الناس والمعدن الاصيل يزداد بريقه كلما صقل اكثر ان الانسان يتعرض لكثير من الابتلاءات والمحن وهناك من يستطيع ان يصمد وينجح ولكن هناك من يخفق، فالنفس تختلف في تحمل هكذا اختبارات ومنهم من يقع وتتحطم نفسيته والكثير يغفل عن معالجتها ينشغلون بمعالجة اجسادهم من المرض ولاينشغلون بمعالجة ارواحهم من هذه الامراض الروحية. يقول أحد الحكماء: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يُعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة، فالشدائد تكشف كوامن الأخلاق، وتسفر عن حقائق النفوس، فالمواقف والفتن والأزمات هي من تبلور لنا حقيقة ما عليه المرء، وتكشف لنا جوهره الحقيقي، ومن يدعي الفضيلة بلا ابتلاء لافضل له، لانها دعوى مجردة من التطبيق. اهم عمل يجب أن يقوم به الإنسان في هذه الحياة هو إصلاح النفس فعندما يصلح الإنسان نفسه تتفتح له آفاق الحياة الرحبة في البناء الإنساني والاجتماعي والعلمي والفكري وعندها تتطور الحياة فحتى لو كانت هذه الحياة لاراحة فيها فسوف يشعر بالسعادة والطمأنينة فيها لأنه يتحرك ويعمل في واقعها. عندما نتوقف عن خداع انفسنا ونتصالح مع الواقع الذي نعيشه ستنفتح امامنا مجالات كثيرة يمكننا تحقيق ذاتنا وسعادتنا من خلالها وتصبح انوار تضي درب البسمه والسعاده لتضيف على حياتنا بصمه فرح ورضا، لان رغباتنا اذا كانت تخالف قيمنا وتخالف واقعنا وتخالف ما اراد الله لنا في هذه الحياه تسبب لنا تعب ومشاكل وعدم نجاح وان شعورنا بالرضا بما كتب لنا الله والتسليم لله في كل امورنا والرضا عن انفسنا يجعل لدينا طاقه ايجابيه تشع لنا وتضي لنا درب الحياة ونقطف ثمار افعالنا وذلك يجعل لدينا الحافز والدافع لتحقيق المزيد من النجاح والتطور الحياة سحابة عابرة تمر بسرعة حاملة معها ذكريات وآمال أيام وليالي واللبيب من أتقن صنع لحظاته بما ينفع لخير الدنيا والآخرة فيجب علينا ان نيقظ النفس من غفلتها ولا نتركها مع أوهام الأمل الذي سرعان ما ان يضمحل تاركاً خلفه أمل بلا عمل.
اخرىالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين. ان كثرة المشاكل التي يقع بها الشباب المراهقين والفتيات المراهقات لها اسبابها الخاصة التي تقود بالمراهق لارتكاب الخطا. نحنوا لانعطي مبررات للشاب والشابة لفعل الخطا لكن هناك اسباب يمكن معالجتها وتفاديها قبل وقوعها لكي نحصل على جيل مثقف وواعي من الشباب. ان المشكلات التي تطرا علي المراهقين يكون سببها الرئيسي هو عدم فهم طبيعة واحتياجات المرحلة من قبل الاباء والمربين، وكذلك عدم تهيئة الطفل والطفلة لهذه المرحله قبل وصولها ولهذا يحتاح المراهقون في هذه الفترة الحساسة من حياتهم الى التوجيه والارشاد بعد فهم ووعي لهذه السلوكيات. وذلك من اجل ضبط تصرفاتهم وتهذيب أنفسهم حتى نحافظ عليهم من الانحراف والانجراف وراء رغباتهم ونزواتهم ونحتاج لذلك الى تعامل يتسم بالهدوء والشفافية. واللطف بعيدا عن القسوه في التعامل الذي لاينتح عنه سوى العناد والاصرار على الخطا. وعلئ هذا المنظور اشتمل بحثنا الحالي بتناول المشكلات التي يواجهها المراهقين وكيفية تعامل الاسرة معها وضرورة متابعتها من قبل الاهل من البداية والوقاية خير من العلاج وبناء على ماتم الاطلاع عليه من مراجع ومصادر متعدده حاولت جمع هذه الحلول وارجوا الفائده منها والله ولي التوفيق . عدم متابعة الاسرة للمراهقين والتبعات التي يقعون بها بعد ذلك . ان المدة الزمنية التي تسمى مراهقة لاتستمر مع الافراد خلال هذه الفترة فهي تختلف من شخص لاخر ومن مجتمع لمجتمع اخر فهي في المجتمع الريفي تختلف عن المجتمع المدني او المنفتح وفي المجتمع المسلم عن المجتمع الكافر. ويختلف الشخص المتزوج عن الاعزب لوجود الاسباب المختلفة التي اما ان تساعد على تخطي المرحلة بسهولة ويسر او تتاخر معه اكثر من السنوات. لذلك تتضح بنا حقيقة مهمة وهي ان النمو لاينتقل من مرحلة الى اخرى فجاة ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل . فالمراهق لايترك عالم الطفولة ويصبح مراهقا بين عشية وضحاها ولكن ينتقل من مرحلة الى مرحلة انتقالا تدريجيا ويتخذ هذا الانتقال بشكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه مما يمكن ان نلخصه بانه نوع من النمو السريع حيث ينمو الجسم من الداخل والخارج معا . ان الاسرة التي تريد ان تحافظ على تربية اولادهم بشكل صحيح واخلاقي يجب عليهم ان يعدو عدتهم لهكذا مرحلة. فان تربية الاطفال تحتاج الى اهتمام وعناية فعندما يقترب الولد او البنت من سن المراهقة فيجب على الاهل توعية اولادهم بهذه المرحلة والتغيرات التي تطرا عليهم بجسمهم وعقلهم وعواطفهم وبشكل صحيح بدل ان يتركوهم لكل من هب ودب. ويجب على الاسرة تدريب المراهقين على الحوار والنقاش وتبادل الاراء واول خطوة في النقاش مع المراهقين هي الاعتراف بان اراءه ومواقفه تستحق الاستماع وعندما ترفض اراء المراهق تزيد المشكلات وعندما تقبل رايه وتعترف به يعطيك فرصة للحوار وهذا الحوار الذي تستخدمه معه حتى في المواقف الحازمة. لابد ان يكون هناك قانون وعقوبة في ارتكاب المخالفه وانجح القوانين هي التي يشترك الوالدان والابناء في وضعها. والكلام العاطفي والاسلوب اللطيف في التحدث مع المراهق هو من اهم الاساليب في وضع الاتفاقات بين الاهل. يجب على الاهل والمربيين استثمار مرحلة المراهق والقدرات التي لديه ايحابيا وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصيا ولصالح الاهل والمجتمع ولكن بدوام اجباره على شي لايرغب به لانه سيعود بمردود سلبي اذا كان لايرغب بذلك. وهذا لن يحصل الا اذا منح المراهق الدعم العاطفي والحريّة ضمن حدود الدين والمجتمع والثقة وتنمية تفكيره الابداعي وتشجيعه على القراءة والاطلاع وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤلية واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع. لا ان تستغل المراهقة وتمحي شخصيته ووجوده بل ان تعطيه الحرية بتكوين شخصية قوية ناجحة وانت تسانده وتقف بجانبه. هناك الكثير من الاخطاء التي يرتكبها الاهل في تربيه ابنائهم وهم بايديهم يقومون بدفع اولادهم وبناتهم لارتكاب الاخطاء والانحراف في الطريق الغير صحيح مما يؤدي الئ ضياع مستقبلهم وبالاخر يقولون هذا الولد فاشل او هذه البنت فاشله، فماقمتم به انتم هذا بما زرعتم فأنتم من قام بزرع هكذا تصرفات عند اولادكم . فهناك بعض العوائل بسبب الجهل وبسبب التقاليد يعطي صلاحية كاملة للولد الذكر بالتصرف بمصير اخواته وتمنع البنت من ابسط حقوقها ويقوم هو في البيت من يقرر بعد الاب بمصير هذه الفتاة حتى وان كان هذا الولد لايفهم شي من الحياة او اصلا هو يحتاج الى تربية لانه مراهق فمصيرها ومستقبلها معلق براي هذا الاخ. وهذا الظلم والضياع كثيرا مانجده بمجتمعنا . وهناك بعض الاسر تهمل اولادهم في السنين الاولى من التربية بعذر انه لازال طفل ويهملون تربيته وغرس الاخلاق وتعليمه وبالتالي عندما يكبر يصعب عليهم معالجة تصرفاته . انت ايها الاب وانتي ايتها الام من تقومون بزرع ماتريدون من اخلاق وادب وتعطون الفرصه لاولادكم بتكوين شخصيه فاذا عملتم على ان تزرعوا في داخله حب التعلم وحب النجاح وانه شخص ناجح ويجب ان يجتهد وان الحياة امامه وانه يجب ان يسير بالطريق الصحيح للنجاح فهذا يجعله يفكر اكثر بان يكون رجل مستقل ناجح ويجب ان تساندوه في تحقيق اهدافه لا ان تقف موقف المتفرج لما يتعلمه من الخارج. وتهمل تربيته ولاتعلم مايفعل بالشارع او المدرسه ولاتعرف مستواه الدراسي وبالاخر عندما يفشل تتكلم وتضع العقوبات على الولد . لا يا اب ولا يا ام عذرا بل انتم من يحتاج الى عقوبة كبيرة لانكم اهملتم هذه الأمانة الكبيرة التي جعلكم الله انتم مسولولون عليه وعلى تربيته الى ان يكبر.
اخرىخيوط العنكبوت قف، تأمل، إبتسم، عش حياتك نعيش في زمن غريب أصبح كل شيء فيه غريباً، حياة تعيسة مملوءة بالهموم والمشاكل. بيوت يعمها الحزن بسبب الخلافات بدل المحبة والوئام. مجتمع يؤجج الخلافات لأسباب تافهة. زمن يشعل نار الحرب أكثر من ان يخمدها. مشاكل لاداعي لها. أسباب مضحكة. نتائج فضيعة .حياة تعيسة. هذا الواقع الذي تعيشه أغلب عوائلنا، وأمام هكذا حقيقة لابد لنا أن نقف وقفة تأمل، كل شخص يجب أن يقف ويتأمل حياته ليكتشف العلاج الصحيح والمناسب لوضعه. فلكل إنسان شخصية تختلف عن الآخر وأسلوب كلام وقوة تحمل، لذلك لابد من معالجة أنفسنا ومساعدة بعضنا البعض لحل هكذا مشاكل وخير مانستطيع أن نستعين به هو القرآن الكريم والسنة النبوية وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) التي أعطتنا الأمور الأساسية والقواعد المهمة في بناء حياة أسرية سعيدة وروابط اجتماعية رصينة، وسنتناول بعون الله بعض هذه المشاكل ونسأل من الله ان نستطيع ان نعطي للموضوع حقه ويستفيد منه الناس وللحديث تتمة إذا شاء الله ذلك. إن الهدف من بحثنا هو تسليط الضوء على جملة من المشاكل الاجتماعية التي تواجهها أغلب عوائلنا والتي تقوم على تعطيل حركة أفرادها وعدم بناء أسرة سعيدة. فالإشكالات التي تعاني منها الأسرة في الوقت الحالي في المجتمعات المعاصرة ليست وليدة يوم أو يومين فهي نتيجة تراكم. لعلنا لانستطيع أن نذكر كل المشاكل التي تواجه الأسرة ولكن نحاول ذكر بعضها. فكل فرد من الأسرة تختلف مشكلته عن الآخر فكل إنسان بداخله أفكار مختلفة فالزوجة تريد شيئاً والزوج يريد شيئاً والأولاد يريدون شيئاً والكل يريد أن تُطبق فكرته لكي يرتاح. ولكن العلاج لكل هذه الاختلافات يتحقق إذا كان هناك تعاون ومساعدة وتلاقح للأفكار فيما بين الأفراد مما يجعل كل فرد يبدع في مجاله الخاص. ولو نلاحظ ما حولنا وكل شيء نراه في حياتنا كجهاز أو آله كهربائية أو سيارة كل شيء متكون من عدة الآلآت وكلها تتحرك فتولد قوة تشغيل هذا الجهاز ليعطينا الفائدة التي صنع من أجلها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل استطعنا أن نقوم بالعمل الذي لأجله خلقنا الله؟ فهل عبدنا الله أحسن عبادة؟ فهل جعلنا من البيت سكناً وسكينة؟ هل اعطينا الأمومة حقها؟ هل اعطينا الأبوة حقها؟ و............والخ. إن دور الأسرة يهدف بشكل رئيسي إلى تحقيق مجموعة من الوظائف التي يجب أن يفهمها جميع أفراد الأسرة. فكل فرد في الأسرة له دور محدد مختص به فيجب عليه احترام هذا الدور واعطاؤه حقه. فسابقاً كانت الأسرة مكتفية بذاتها في الجانب الاقتصادي والاجتماعي فالاسرة سابقا كانت انتاجية وهذا يجعلها مكتفيةً اقتصادياً. بمعنى آخر إن الأكتفاء الاقتصادي للأسرة له تأثير مهم في سعادة الأسرة. وكانت تقوم بالتنشئة الاجتماعية ومنح المكانة لافرادها وتحديد التوجهات الدينية وأنواع الترفيه وكانت يعمها التعاطف والمحبة وهذا يجعلها مكتفية اجتماعياً، مما يؤدي إلى قلة الخلافات الأسرية. ويمكن القول إن التغيرات الثقافية والاجتماعية تنعكس سلباً أو إيجاباً في داخل الأسرة حسب طريقة استخدام هذه التغيرات والتطورات . فلذلك يكون أهم أعضاء الأسرة هو الزوج والزوجة فيجب أن تكون العلاقة بينهم علاقة تكامل وتفاعل ومودة لاعلاقة تنافر وصراع وتخاصم. حتى يتمكنوا من بناء أسرة متكاملة ومتوازنة وسعيدة . نتطرق هنا إلى عنصر مهم من عناصر الأسرة ألا وهي الزوجة للزوجة مكانة عظيمة في المجتمع، وقد أعطاها الله منزلة رفيعة فهي الأم والأخت والزوجة وقد جعل الله الجنة تحت أقدامها، الزوجة باعتبارها فرد من الأسرة إلا أنها تعتبر نصف المجتمع فهي التي تناط بها قضية بناء المجتمع فإن صلاح المجتمع من صلاح الزوجة، من هنا يتضح لنا أن أي مشكلة وإن كانت صغيرة تصدر من الزوجة فإنها تؤثر وبشكل كبير على الأسرة لأنها الشخص الوحيد المتصل بالأولاد اتصالاً مباشراً ولذلك فان على المرأة أن تعي حجم المسؤولية المناطة بها من أجل إبعاد الأسرة عن المشاكل. تحدث عادة الخلافات الزوجية بعد الزواج حيث إن الطرفين يدخلان في حياة جديدة لم يعتادا عليها فنجد الزوجة قد لاتستطيع أن تتأقلم في بداية زواجها لأنها وجدت عادات وتقاليداً وطباعاً غير التي اعتادت عليها، وكذلك الزوج يجد عند زوجته طباعاً مختلفة ومن أجل الحفاظ على نسيج الأسرة يجب على الطرفين تقديم التنازلات من أجل استمرار الحياة فإن هذه المشاكل لا قيمة لها وتعتبر تافهة في قبال الأسرة التي بدورها تنتج لنا مجتمعاً مترابطاً متماسكاً فعلينا أن نحافظ على هذا المكون العظيم. هناك الكثير من المشاكل التي تواجهها الزوجة في البيت رغم كثرة المسؤوليات عليها وهذا يحتاح إلى الكثير من الذكاء والفطنة من الزوجة التي تريد أن تجعل أسرتها وأطفالها وزوجها سعداء وناجحين. فالمرأة داخل البيت لها التاثير الكبير في نجاح أو تحطيم الأسرة. فالزوجة تحتاج إلى قوة تحمل وإرادة قوية لتستطيع أن تواجه كل المعوقات التي تتعرض لها. فالكثير من المشاكل التي تتعرض لها الزوجة في البيت -خاصة في مجتمعنا الشرقي- التي قد يعيش أهل الزوج وإخوانه وأخواته في نفس البيت فهذا له علاقة كبيرة وواضحة في كثرة المشاكل بين الزوجين . وكذلك الموروث الاجتماعي له تأثير وعبئ ثقيل على الزوجة لأن هناك الكثير من الناس تتوقع أن الزوجة مسؤولة عن خدمة كل أفراد أسرة الزوج وعليها أن تقوم بكل اشغال البيت ورغم عنها، وعليها أن لا تعترض علي أي شيء حتى وإن كان يخصها هي وزوجها، فيعتبرونه تدخل شرعي منهم فهو ابنهم وهكذا الكثير من الأمور والقوانين الموروثة اجتماعياً التي لايمكن بسهولة تغييرها رغم أن فيها كثيراً من الظلم. خاصة اذا كان الموروث الاجتماعي متخلفاً دينياً وثقافياً فإن له أثراً كبيراً على تكوين الأسرة الجديدة فلذلك الكثير من المشاكل تحدث بسبب ذلك . قد تواجه الزوجة بعض المشاكل ومن هذه المشاكل قضية اتخاذ القرار حيث تكون خارجة عن سلطة الزوج اذا لم يكن الزوج صاحب القرار وكان القرار بيد أحد أفراد الأسرة فهذه مشكلة قد تترك آثاراً سلبية على حياة الأسرة ومثالنا على ذلك في مجتمعاتنا الشرقية عادة يكون سكن الزوج مع أبويه في بداية حياته الزوجية وفي هذه الحالة قد يكون القرار بيد الأب أو الأم فلهم الحق في ذلك، فهما الأسرة الأولى والشجرة الأولى التي تفرع منها الأولاد وبهذا يكون بعض الأزواج في حالة انصياع تام للأبوين ومايريدانه وهنا تبدأ بعض المشاكل حيث أن بعض الزوجات تريد الإشتراك في القرار ونحن كما ذكرنا أن القرار ليس بيد الزوج وإنما يصدر من جهات أعلى منه رتبة، وفي هذه الحالة على الزوجة ان تتحلى بالصبر وتكون مطيعة لزوجها كما هو مطيع لوالديه فإن في ذلك رضا الله وسعادة الأسرة أيضاً واستمرار الحياة قائم على هذا التفاهم فعلى الزوجة أن تنظر أنها ستصبح في يوم من الأيام أماً ويعود الدور عليها، إذن ما عليك أيتها الزوجة إلا الحفاظ على نسيج هذه الأسرة من خلال مؤازرة زوجك. وهناك نقطة مهمة يجب على أهل الزوج أن يفهمها وهي أن زوجة الابن ليست ملزمة بأعمال البيت والطبخ والتنظيف لجميع أفراد أسرته وهذا إحسان وطيب أخلاق منها لهم إن فعلته، فيجب عليهم أن يشكروها ويحترموها فإنها ليست خادمة إنما هي زوجة ابنهم والمطلوب منهم مراعاتها واحترامها كأنها ابنتهم وكما تحبون أن تحترم ابنتكم في بيت زوجها احترموا بنات الناس. ومع افتراض كل هذه المشاكل والمعوقات التي قد تواجهها الزوجة من قبل أهل زوجها أو من زوجها يجب عليها أن تصبر وتحتسب أجرها عند الله ولاتجزع لكسب محبة الزوج ومن باب الاحترام والصبر على البلاء. لأن الابتلاء له طرق كثيرة وامتحانات يختبرنا بها الله سبحانه وتعالى قد تكون عن طريق شخص يؤذينا بكلام أو تصرف، وفي مثل هكذا مواقف تظهر التربية والأخلاق والخوف من الله. فإذا كانت الزوجة تريد بناء أسرة سعيدة يجب عليها الصبر والتغافل عن تصرفات تزعجها ولاتجعل لها تأثيراً على علاقتها بزوجها وأطفالها . لانقصد أنها تتعرض للإهانة والإيذاء ونقول اصبري، كلا ومن باب الإنصاف انه هناك أُناساً ظلمة ولاتراعي مخافة الله مع الزوجة حتى في الأمور الشرعية، وقد تكون الزوجة نفسياً لاتتحمل كل هذا. ولكن نقول إن تدقيق الزوجة لكل مشكلة وكل كلمة تسمعها هذا يتسبب في تحطيم حياتها الزوجية وزرع الكراهية فيجب عليها الأخذ بعين الأعتبار أن الزوج هذا ولدهم وقد يحدث بعض الكلام والمشاكل فيجب عليها. أن تقف موقف خير ومخافة الله لأنك أيتها الزوجة في يوم ستكونين أماً وتتعرضين لهكذا أمور. من المشاكل التي قد تكون الزوجة سبباً هي مشكلة الآراء المستوردة: ونقصد بالآراء المستوردة هي كل فكرة أو رأي تأتي به الزوجة من خارج بيتها سواء كان بيت أهلها أو أي مكان آخر على المرأة أن تعي مسألة مهمة، وهي أنها تعيش في بيت خاضع لضوابط وقوانين اجتماعية خاصة تختلف عن بقية العوائل والمجتمعات ذلك ان كل عائلة في هذا المجتمع تخضع لضوابط وقوانين وعادات اجتماعية موروثة من الآباء والأجداد لايمكن تغييرها بسهولة، هنا على الزوجة أن لا تأتي بآراء سواء من أهلها أو صديقاتها أو أي مكان آخر لأن الذي يعطي تلك الآراء يعيش في بيئة وعائلة تختلف عادةً عن بيئة عائلة الزوج وأن آراءه تنطبق اولاً وبالذات عليه لا على غيره، فاذا قامت الزوجة بجلب تلك الآراء والأفعال لبيتها قد تواجه بعض المشاكل التي هي في غنىً عنها وما عليها إلا أن تقوم بدراسة تلك الأفكار التي حصلت عليها من خارج البيت فإن وجدتها مفيدة جاءت بها وطبقتها وإن وجدتها غير مفيدة وتجلب المشاكل تركتها. فيجب الانتباه لذلك، فمن أجل ان نحيا حياة سعيدة طيبة علينا أن نبتعد عن هذه الأمور التي لاتجدي نفعاً وما عليكِ أيتها الأخت العزيزة إلا التحلي بالحكمة والنظر إلى سعادة هذه الأسرة وكيف تجعلينها تعيش حياة هانئة خالية من المشاكل. من المشاكل التي تواجه المرأة هي مشكلة الإهمال الشخصي: يعتبر الإهمال من المشاكل التي تواجه الزوجة نتيجة الإهتمام ببعض الامور والإبتعاد عن أمور أخرى ومن هذه الأمور الإهتمام المفرط بالأولاد حيث نجد أن الكثير من الزوجات تهمل نفسها مقابل الإهتمام بأطفالها وهذه مشكلة أيضاً إذ يجب على الزوجة أن لاتهمل هذا الجانب من حياتها فكما أن للأطفال حقاً كذلك للزوج أيضاً حق. فيجب عليها الإهتمام بنفسها قدر المستطاع لأن هذا الجانب يعتبر من الجوانب المهمة التي تديم العلاقات الاجتماعية، ومن هنا نجد البعض من الأزواج يتوجه للبحث عن علاقات أُخرى ويبحث عن سبل كثيرة والسبب في ذلك هو الإهمال. نحن لا ننكر أن الزوج أحد المسببين في هذا الموضوع لأنه ترك تربية الأولاد مناطة بالزوجة فقط فتصبح الزوجة محاطة بالكثير من الأعمال ومنها الأعمال المنزلية بكل اشكالها أضف إلى ذلك تربية الأولاد ومتابعتهم في كل ظروف حياتهم اليومية وكذلك الإهتمام بمتطلبات الزوج فيحصل الإهمال، فلو تعاون الزوج مع زوجته في أمور الأولاد فإنه حينئذٍ يرفع عبئاً من أعبائها ويزيل هماً من همومها، ومن هنا على الزوج مشاركة زوجته على قدر المستطاع في تربية ومتابعة الأولاد. أما بالنسبة للزوجة فإنها تستطيع أن تقضي على هذا الإهمال من خلال تقسيم وقتها مابين المنزل والأولاد والزوج وحياتها الشخصية فإن لنفسها عليها حقاً، هذا ونلاحظ في بعض العوائل إهمال واضح من الزوجة لأطفالها نتيجة صرف إهتمامها في مسائل أُخرى أمثال البيت وما شابه ذلك. لاشك أن للمنزل أهمية خاصة عند الزوجة فهو البيئة الأساسية التي يتكون منها المجتمع والحفاظ عليه مسؤولية كبرى تقع اولاً وبالذات على عاتق الزوجة ومن هنا فإن مسؤوليتها كبيرة تجاه البيت لكن هذا لايمنع من الإهتمام بالأطفال ورعايتهم ومتابعتهم، فنجد بعض الزوجات تولي مسؤولية أطفالها لاي شخص متفرغ في البيت وهذا خطأ تربوي، إذ لايمكن تركهم بهذه الصورة لأن حنان الأم وعطفها على أطفالها لايعوضه أي شخص وهذا ما نشاهده في حياتنا اليومية فإننا نجد الشوارع قد امتلأت بالأطفال وللأسف الشارع في هذه الايام فيه الكثير من القضايا السلبية التي يجب أن نحفظ أطفالنا منها فهناك من يتعلم الألفاظ البذيئة والنابية وهناك من يتعلم المعصية وهناك من يتعلم الإنحراف والكثير من هذه القضايا التي انتشرت في مجتمعاتنا. من هنا على الزوجة أن تقوم بدورها الأساسي في متابعة أطفالها والنظر في أحوالهم وكذلك متابعة ما ينطقونه من كلام وألفاظ وأفكار من خارج المنزل ومعالجة كل هذه الأخطاء فإن استطاعت فبها ونعمت، وإن لم تستطع أخبرت زوجها ليتخذ الإجراء اللازم في ذلك، نحن لانقول إن على الزوج أن يعلم بصغائر الأمور وكبائرها ولكن هناك بعض المشاكل لايمكن للزوجة أن تخفيها عن زوجها، ومن هنا ما عليكِ أيتها الزوجة العزيزة إلا أن تعطي أطفالك الإهتمام الكبير من أجل أن نخرج بمجتمع واعٍ مثقف، منبعه الأول الأسرة. بعض النساء إذا اصابتها شدة أو مكروة تقول ماحيلتي هذه إرادة الله وتبقى تندب حظها وتجزع وهذا يؤدي بها للتقصير في واجباتها ويتحول الزواج إلى جحيم وعذاب، ودائما تقول الله أراد ذلك، ولا أستطيع أن أغير القدر. لا يا أُختي العزيزة هذا الكلام غير صحيح فالمسؤولية في جميع الاحوال تقع على الإنسان. لأن الإنسان كلما كان قوي الإرادة والإصرار يصبح أكثر عظماً وأكثر تأثيراً في مجتمعه وكلما كان يمتلك نفسا كبيرة كان أقدر على التغيير في نفسه واُسرته ومجتمعه قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (1) أختي العزيزة إبدائي بتغيير نفسك اولاً لكي تعيشي سعيدة لأن تعظيم الأمور التافهة تؤدي إلى تفاقم المشاكل ويصبح الحقد والبغضاء في نفسك وفي نفوس أسرتك، أن من شأن الباطل والشيطان أن يجعل من نفس الانسان ظلاماً دامساً ويزرع الحقد والبغضاء، بخلاف الحق الذي ينور الطريق ويبدد الظلام ودائماً الباطل ياتيك متلبس بالحق ويظهر أنك مظلومة وأنتي على حق ويجب أن تأخذي حقك. لا يا أختي يجب عليك التحلي بالصبر لتبني أسرة سعيدة ولتجعل بيتك مملوأً بالراحة والسكينة وقد ذكر الله في كتابه الكريم (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(2) فأنتِ لاتتخذي الباطل والشيطان الذي يأمر بالبغضاء والمشاكل ولياً، والله يدعو للسكينة فلا تبني بيتاً كبيت العنكبوت . قفي وتاملي حياتك وفكري وعيشي كما أراد الله لك كانثى. _______________________________ (1) سورة الرعد آية (11) (2) سورة العنكبوت آية (41)
اخرى{{ بيعة إمام زماننا هي بيعة الله ، وكل العهود والعقود والمواثيق هي له ومعه }} . جاء في دعاء العهد الشريف : ( اَللّـهُمَّ إنّي أُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أزُولُ أَبَدا). هل سألنا أنفسنا يوماً ما هي حقيقة هذه البيعة؟ هل هي أخلاقية أم سياسية أم رمزية؟ وما هي الآثار المترتبة على من ينكث هذه البيعة ؟ نأتي إلى الجواب من القرآن الكريم: من سورة الفتح المباركة الآية العاشرة حين قال سبحانه وتعالى مخاطبا النبي "صلى الله عليه وآله": . (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)) (1) فرسول الله "صلى الله عليه وآله" بايعه الناس وكانت يده فوق أيديهم والقرآن عبر عنها أنَّها كانت بيعة مع الله وعن يده أنَّها يد الله لأنَّه رسوله وهو يمثله في اﻷرض، فبيعة الرسول هي بحقيقتها بيعة الله بنص القرآن الكريم، ولأن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يمثلون الرسو الاعظم (صلى لله عليه وآله وسلم) فتكون بيعتهم بيعته وبالتالي بيعة الله (عز وجل). ولذلك فقد بويع إمامنا الرضا (صلوات الله عليه) بنفس الطريقة التي بويع فيها النبي (صلى الله عليه وآله)، كما جاء في إرشاد المفيد، في حديث بيعة الإمام الرضا (عليهِ السَّلام) قال: "وجلس المأمون ووضع للرضا "عليهِ السَّلام" وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا "عليهِ السَّلام" في الحضرة وعليه عمامة وسيف. ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا "عليهِ السَّلام" يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة فقال الرضا "عليهِ السَّلام": إن رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم". (2) . وهنا يأتي السؤال، كيف يمكننا مبايعة إمام زماننا الغائب (عليه السلام)؟ في زماننا نحن نبايع إمام زماننا، وكما تبين لنا أن معنى البيعة مع صاحب الزمان "عليه السلام" هي بيعة مع الله، والبيعة مع إمامنا هي بيعة في أصل العقيدة، ولابد أن تمتزج هذه البيعة بالعقول والأرواح والقلوب ولابد أن تكون أولى الأولويات عند المؤمن لأنها بيعة إلهية. إذا كانت البيعة بهكذا قيمة ومكانة إذن، ما هي صفات الشخص المبايع للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف؟ لابد أن يتصف المبايع لإمام زمانه بصفات، منها الإمان والإخلاص والتقوى وغيرها من الصفات حتى يستكمل بيعته مع إمام زمانه الحجة بن الحسن وهو الفوز العظيم، . (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (3) كيف نوفي بالعهد ولا ننقض بيعتنا مع إمام زماننا الحجة بن الحسن؟ جاء في زيارة الإمام الحجة عجل الله فرجه ونحن نخاطبه: (فلو تطاولت الدّهور وتمادَتْ الأعمار لم أزدَد فيكَ إلاّ يقيناً ولكَ إلاّ حبّاً وعليكَ إلاّ متَّكِلاً ومعتمِداً ولظهوركَ إلاّ متوقِّعاً ومنتظِراً، ولجهادي بين يديكَ مترقِّباً، فأبذُلُ نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك، والتصرف بين أمرك ونهيك. مولاي فإن أدركت أيامك الزاهرة، وأعلامك الباهرة، فها أنا ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك، أرجو به الشهادة بين يديك، والفوز لديك، مولاي فإن أدركني الموت قبل ظهورك، فإني أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله تعالى، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي ). (4) وورد أيضا أنَّ مِن تمام الوفاءِ بالعهد والبيعة مع إمام زماننا، هُو زيــارة الأئمةِ (صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم)، ﻷنَّنا حِين نزورُ الأئمةَ إنّما نُجدّدُ العَهْـد معَ إمام زماننا "صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه"، كما قال إمامُنـا الرّضـا "عليهِ السَّلام" : (إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسنِ الأداء زيارةَ قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمّتُهم شفعاءَهم يومَ القيامة) (5). وهذا العهد يتجدد يومياً بيننا وبين إمامنا "صلوات الله عليه" كما ذكرنا في دعاء العهد : (اَللّـهُمَّ إنّي أُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أزُولُ أَبَدا) (6). وهذه بعض الأمثلة من الزيارات واﻷدعية التي تبين حدودنا اتجاه إمام زماننا والصفات التي يجب أن نتحلى بها حتى نوفي العهد والبيعة ﻹمام زماننا، فنحن عبيده كما مر، (فها أنا ذا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك)، وإنْ كُنّا لا نستحقُّ هذا الانتساب ولكنّهُ التَشريفُ من إمامنا (صلوات الله وسلامه عليه). فإذا عرفنا هذه الحدود سوف نبدأ بالمسير الصحيح بالبيعة مع إمام زماننا، ولا نغفل بأنَّ المعرفة هي أساس العهد والبيعة مع إمامنا وهي التي تزيد قوة الرابطة بيننا وبين إمامنا ، كما قال باقرُ العترة (صلوات الله عليه): (ذِروَةُ الأمر، وسِنامهُ، ومِفتاحُه، وبابُ الأشياء، ورِضا الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته) (7). مثال على ذلك هل نحن نستشعر معنى البيعة بكل معانيها؟ إذا أخذنا هذا المقطع من دعاء الندبة وطبقناه على أنفسنا فهل هو فعلاً منطبق علينا أو فقط لقلقة لسان والمقطع هو : (بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا) أي لم يغب عن عقولنا وأرواحنا وحركاتنا وظاهرنا وباطننا، هل هذه الحالة فعلاً نعيشها مع إمام زماننا؟ والجواب تجدونه في نفوسكم، لأنه من لا يستشعر معنى العبودية من نفسه اتجاه إمام زمانه لم ولن يصل لهذه المرحلة لأن العبد هو الذي يستشعر هذه الحالة مع مولاه. الخاتمة نذكر هذه القصة : (مر الإمام الكاظم (عليهِ السَّلام) على دار بشر ببغداد، فسمع أصوات الغناء والطرب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البيت فرمت بها في الدرب، فقال (عليهِ السَّلام) لها: يا جارية، صاحب هذا الدار حرّ أم عبد؟ فقالت: بل حرّ. فقال (عليهِ السَّلام) : صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه.. فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟ فقالت: حدثني رجل بكذا. فخرج بشر حافياً حتى لقي مولانا الكاظم "عليهِ السَّلام" فتاب على يديه) (8). هذه الاية شرط من شروط البيعة وفيها فوائد عمليّة مترتّبة كثيرة نذكر منها: الشعور بالارتباط بالقائد الإلهيّ الّذي يشكّل امتداداً واضحاً لمسيرة الأنبياء والأوصياء عبر مراحل مختلف الأديان السماويّة. وهو وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). أنّ المرتبط ببيعة للإمام المنتظر المدرك لمقتضيات هذه البيعة، سيكون شديد الصلة بنائبه الّذي أمر (عليه السلام) بالرجوع إليه لابد ان يكون له بعد عقائديّ صحيح في عصر الغيبة الكبرى. قال الامام الصادق (عليه السلام): (كل رايه ترفع قبل القائم صاحبها طاغوت يعبد من دون الله) (9). يجب الحذر من الركون إلى الظالمين لأنّ من يبايع قائداً إلهيّاً أساس دعوته توحيد الله ونفي الآلهة المصطنعة. فسيشكّل ذلك حاجزاً نفسيّاً بينه وبين الطواغيت الّذين يعيثون في الأرض فساداً ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى. والحمد لله رب العالمين... __________________________ (1) سورة الفتح آية (10) (2) كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (3) سورة التوبة آية (111) (4) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج99 ص 118 (5) الكافي، ج 4 ص 567 (6) بحار الأنوار ج 53 ص 95 (7) وسائل الشيعة ج1 ص 29 (8) (9) كتاب الكافي ج 8 ص 265
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى