خاطرة

عندما وقف البعض منا يتحدى الخالق وينكر وجوده، ووقف البعض الآخر يرفع شعار المثليين ليخرق قانون الطبيعة ويتعدى حدود الشريعة، حتى وصل الحد إلى أن نأتي بكل ما نهى عنه الله تعالى على يد أنبيائه ورسله... فلم نترك معصية أتى بها الأقوام السابقون إلا وتفاخرنا بها جهلًا وظلمًا لأنفسنا، وبعد كل هذا نقف وكأننا لم نفعل شيئًا ونتساءل عن سبب هذا البلاء الذي حل بنا.

اخرى
منذ 4 سنوات
433

نهايــةُ رحلـــةٍ

بقلم: حنان الزيرجاوي كيف لمثلي أنْ يصف حكايةً تُبهر العقول، وتخطف الألباب، ويخرس من سمع ملخصها، ولم يعِش تفاصيلها، ولم يعانِ ألمَ فراقٍ، ولا مرارة هجرٍ، ولا بُعد مسافةٍ، ولا أنين ثكلى فاقدة وحيدها، ولم تُحرقْه دموعًا تُغرق مقلتيه، وزفراتٍ يُحرقُ لهيبها جوفه.. نعم، بعضُ صورٍ وليست كلُّ الصور التي رسمتها عيونٌ ترقبُ طريقًا قلَّ سالكوه حتى بدا موحشًا لمن يرومُ النظر إليه. لعلَّ البعض يتساءل: ما هذه السوداوية في نقلِ حدثٍ يُشابهه الكثير من الأحداث؟! وقصةٍ لم تكنْ إلا وليدةَ قصصٍ قد ألفنا قبلها الكثير بعد أنْ أبهرنَ سامعيها؟! نعم، هي تشبهُ تلك القصص من حيثُ إنَّ أبطالَها بشرٌ على هذه الأرض، ولكن تفاصيلها وأحداثها تبدو بكرًا لقصصٍ أتت بعدها وأمًّا لحكاياتٍ سبقتها! بعد عشرين سنة من الزواج وبعد أنْ تمنيا برعمًا ينمو بين أحضانهما لينشر شذاه وسط باحة قلبيهما، ويكسر صمت مشاعرٍ بدا الخرس يتسربُ إلى داخلها إثر تسرَّب اليأسُ إلى قلبِ أبٍ وأمٍ حلما بوليدٍ يؤنسُ وحشتهما، لولا أنْ شاءت حكمة من بيده الهبات أنْ يُغدق عليهما إحدى هباته ليتحول ذلك الصمت الرهيب إلى ضجيج وزغاريد وقبلات تهاني من هنا وهناك، فينظر أحدهما إلى الآخر ويُسدلا على عينيهما بغمضةٍ رسمت كلَّ معاني الحب بينهما وبسمة أمل لحياةٍ جميلة تُكملُ مسيرةَ ما رسماه لها. لقد ضربا أروع مثالٍ للإيثار بينهما فلا هي ولا هو يعرف من كان سببَ عدم الانجاب! فهي تخشى أنْ يكون هو فيشعر بالذنب تجاهها، ولا يرغب هو أنْ تكون هي السبب فيصيبها ألم وحزن يؤذيها، ولكن ها قد جاء من كان ينتظرانه وسط فرحةٍ غامرة. وهما يُمعنان النظر بكلِّ تفاصيله، يترقبانِ طوله يومًا بعد يوم... هكذا حتى بدأ يحبو فيحبوان معه، يتأتئ ببعضِ حروفٍ مبهمةٍ فيتأتآن معه .. ملأ البيت ضجيجًا بعد أنْ كان لا يُسمع فيه حتى الأنفاس. وفي يومٍ من أيام الربيع خرجا وهما يمسكان بيد طفلهما الجميل ليسلكا طريقًا يؤدي بهما إلى الحديقة العامة، لم يُدركا أنَّ القدر كان بانتظارهما ليتلاشى ذلك الحلم الوردي بكلِّ تفاصيله، فقد زلّت قدم الأم لتسقط عن الرصيف وانسحب وليدها معها؛ لأنها كانت ممسكةً بيده وإذا بشاحنةٍ كبيرة مسرعة تصدمهما وسط دهشة الأب المسكين ليفارقا الحياة أمام عينيه، أبى أنْ يتركاه وحيدًا، فما إنْ انكبَّ عليهما حتى رافقهما إثر ذهول الصدمة..

اخرى
منذ 4 سنوات
286

خاطرة

نرى الكثير ممن ينعق ويطبل، لماذا يتم تعقيم المراقد؟ أليس من يدخل حرمهم يتشافى؟ ولماذا تمنع الزيارات؟ أليس هذا ضد احياء الشعائر؟ الكثير لم يستمع لما صرحت به المرجعية الرشيدة ورجال الدين من جهة، والمتخصصين بالطب من جهة أخرى! لا نريد أن نطبق ما يقول العالم لكننا نريد من العالم أن يسكت ويتبع الجاهل! أمن المنطق والعقل ذلك؟!

اخرى
منذ 4 سنوات
278

أهمية نصرة الحسين وضرورة مشاركة المرأة فيها/ الجزء الخامس

بقلم: دعاء الربيعي نصرة الحسين هي امتداد لنصرة صاحب الزمان مما لاشك فيه أنّ هناك صلة وارتباطًا وثيقًا يربط الحركة المهدوية بالنهضة الحسينية فكلاهما يدعوا إلى نصرة الحق واعلاء كلمته وكلا الثورتين يقودهما ويشرف عليهما إمام معصوم مفترض الطاعة وقد وردت الكثير من النصوص التي تدل على هذا الارتباط المبارك بين الإمامين المعصومين وثوراتهما المباركة ومنها ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (لما قتل جدي الحسين صلى الله عليه ضجت الملائكة إلى الله عز وجل بالبكاء والنحيب وقالوا : إلهنا وسيدنا ، اتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك ، فأوحى الله عز وجل إليهم : قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ز ثم كشف الله عز وجل عن الائمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله عز وجل بذلك القائم انتقم منهم) (1) يتضح من هذا الحديث المبارك ان ثورة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) هي امتداد لنهضة الإمام الحسين فهما جولتان في حرب تاريخية واحدة بين جهة الحق وجهة الباطل، كانت واقعة الطف جولة دامية انتصر فيها الباطل ظاهريًا، أما ثورة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فستكون الجولة الحاسمة التي ينتصر فيها صوت الحق على صوت الباطل، ويُطبّق العدل الإلهي في أرجاء العالم، وتتحقق السعادة المنشودة في مسيرة التكامل البشري، إن الإمام الحسين (عليه السلام) قاتل وضحى بنفسه وبأهل بيته من أجل إرساء رسالة السماء وبثورته المباركة أدى دوره المرسوم ووقف في وجه الانحراف الفكري والعقائدي الذي تمثل بالحكومة الأموية الجائرة، وكشف الإمام بثورته زيف وانحراف الخط الأموي عن الخط المحمدي الأصيل، فكانت نهضته المباركة بمثابة هزة قوية أيقظت المسلمين من غفوتهم وسباتهم الذي عاشوه في ظل الحكومة الأموية الجائرة، وأرشدهم الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته إلى صوابهم، وبيّن لهم انحراف الخط الذي يسلكونه مع حكامهم، وكانت لهذه الثورة الجليلة آثار ونتائج تصب في ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) لتكون من المقدمات التي تمهد لهذه الثورة العالمية، ومن أهم هذه الآثار هي رفض الظلم ونصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالمين الطغاة وتغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة، وبما أن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي امتداد لثورة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فنصرة الحسين (عليه السلام) هي نصرة للإمام المهدي ونصرة المهدي هي نصرة للإمام الحسين (عليهم السلام). فإذا كنتم تريدون أن تكونوا من أنصار الإمام الحجة (عليه السلام) عليكم بنصرة الإمام الحسين (عليه السلام). ويبقى السؤال: كيف ننصر الإمام الحجة كي نكون قد نصرنا الإمام الحسين (عليه السلام). إنّ السبيل إلى نصرة إمام زماننا هو نشر مذهب آل البيت (عليهم السلام) من خلال إيضاح منهجهم وبيان دينهم واحياء أمرهم ودفع شبهات المشككين بهم ويمكن تأدية كل ذلك من خلال النشر الواعي الهادف فعلينا أن نواجه المشككين بالكلمة والموقف دون خوف أو وجل فالكلمة هي الأساس والسلاح في أي موقف، فكل فرد منا يمكنه أن يؤدي دورًا ما في ضمن حدود إمكانياتها الثقافية والفكرية والعلمية فيمارس دور النصرة مستندةً وسائرةً على خطى الإمام الحسين (عليها السلام) فيساعد بذلك على نصرة الدين وحمايته من كل ما يتربص به فيتحتم علينا أن نكون يقضين وأعيننا مفتوحة وأقلامنا متهيئة لصد كل الهجمات التي تتعرض لها القضية المهدوية فهناك الكثير من وسائل الأعلام المعادية تتحين الفرص لتوقع بنا ، ويجب علينا أن نعرف كيف نستخدم الكلمة التي تساعد في نصرة مولانا وتعجيل فرجه. ____________________ 1/ ميزان الحكمة لمحمد الري شهري /ج1 ص178

اخرى
منذ 4 سنوات
353

أهمية نصرة الحسين عليه السلام وضرورة مشاركة المرأة فيها/ الجزء الرابع

بقلم: دعاء الربيعي سبب الحث على نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) هناك الكثير من العوامل والأسباب التي تقف وراء نصرة سيد الشهداء، واهمها هي الأحاديث والروايات المباركة الدالة على ضرورة نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) واهميتها. (فعن انس بن الحرث قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: إن ابني هذا – يعني: الحسين _ يقتل بأرض يقال لها كربلاء . فمن شهد ذلك منكم فلينصره ) (1) إنّ الموالي المؤمن الصادق هو من بادر إلى نصرة نبيه وأئمته (صلوات الله عليهم)، ولا سيما نصرة الإمام الحسين المظلوم (عليه السلام)، فنصرة أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) لا تقتصر على الجهاد معه بالسيف في ساحة الغاضرية، بل تصدق نصرته في كل الأزمنة إلى يوم القيامة، وهي تكليف يقع على عواتق المؤمنين الموالين الذين امتن عليهم الحسين (عليه السلام) بحفظ الإسلام بدمه ومهجته وأرواح أحبته، فيجب على كل غيور ومؤمن أن ينصر سيد الشهداء باليد إن تعين ذلك، أو باللسان والقلب والقلم، وإقامة الشعائر والمراسم الحسينية حيثما يستطيع ويتسنى له، بأي صورة إسلامية ممكنة. ولنصرة الإمام (عليه السلام) الكثير من الطرق التي لا يمكن الوقوف عليها بشكل مفصل وسنذكر ان شاء الله تعالى جملة من الأعمال والأمور التي تساهم وتساعد النسوة المؤمنات على نصرة الحق واعلاء كلمة لا اله الا الله التي خرج الحسين (عليه السلام) من أجل احيائها، ومنها: 1/ تعظيم الشعائر: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) (2) في هذه الآية المباركة إشارة واضحة إلى ضرورة احياء وتعظيم شعائر الله (عز وجل)، وبما أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو خليفة الله تعالى على أرضه وحجته على عباده، فشعائره هي امتداد لشعائر الله (عز وجل) لأن رسالة الحسين (عليه السلام) هي رسالة السماء وتعظيم شعائره تكون بإحياء ذكره وبث رسالته إلى العالم اجمع ونشر ثقافة السواد وظاهرة الحزن والمداومة على زيارته وإقامة مجالس العزاء لذكره كما أوصى بذلك أهل البيت بروايات متواترة وعدم ترك هذا الحق أبدًا. 2/ لعن قاتليه: وهذا ما ورد في زيارة عاشوراء (فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم ... اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وال محمد وآخر تابع لهم على ذلك) (3) 3/ زيارة الأربعين: تعتبر زيارة الأربعين من الزيارات الكريمة والمسيرات العظيمة التي تساهم وبشكل فعّال في نصرة الإمام الحسين وديمومة قضيته وقال كتب فيها الكثير الكثير من الموالين والمحبين ومنهم حسن علي الجوادي حيث قال (ان هذا التجمع العظيم لم يكن لأجل نزهة أو رحلة استطلاعية أو زيارة مكان آثار وإنما هي رحلة ومسيرة تختلف عن كل رحلة ومسيرة في الحياة وهذا ما يجعلها تتميز وتتصدر كل المسيرات البشرية فهذا الزحف الرهيب والعجيب يأتي من الأماكن البعيدة والشاسعة فيقطع الملبون لنداء العز والبطولة مئات الكيلو مترات لأحياء هذه النهضة الخالدة متحملين درجات الحرارة الشديدة أو البرد القارص من دون أن يدفعهم أي أحد وما كان ذلك إلّا ليتزودوا رحيق التقوى والإيمان) (4) ولأن المرأة هي المكمل للمجتمع ولها دور أساسي في نهضة المجتمع ورقيه فإن آل البيت (عليهم السلام) حرصوا على ضرورة مشاركة المرأة في الشعائر الحسينية ووقوفها جنبا إلى جنب مع الرجل فقد ورد في الخبر عن ام سعيد الاحمسية قالت حدثني الإمام أبو عبد الله عليه السلام وقال لي (يا أم سعيد تزورين قبر الحسين ؟ قلت : نعم . فقال لي : يا أم سعيد زوريه فأن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء) (5). 4/ البكاء عليه وندبته: من أوجه نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) هو البكاء الواعي عليه فيمكننا أن ننصر الإمام روحي فداه بندبه وتذكر ما جرى على عليه وعلى آل بيته في أرض كربلاء وقد ورد في كثير من احاديث الأئمة أهمية وثواب البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (اللهم ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم أني استودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتى ترويهم على الحوض يوم العطش) (6) وهناك الكثير ممن نصر الإمام الحسين (عليه السلام) بالصرخة والعبرة ومنهم السيدة أم سلمة إحدى زوجات الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) فقد ذكر لنا التاريخ ما نصه (كان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله كان دفع اليها قارورة فيها تربة وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين، فقالت: وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل ...فلما رأتها قد صارت دما صاحت : واحسينا هوا ابن رسول الله ، وتصارخت النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة وخرجت بنت عقيل في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله، فلاذت به وشهقت عنده ثم التفتت إلى المهاجرين والانصار وأنشدت: ماذا تقولون إن قال النبي لكم يوم الحساب وصدق القول مسموع خذلتموه عترتي أو كنتم غيبا والحق عند ولي الأمر مجموع أسلمتموه بأيدي الظالمين فما منكم له اليوم عند الله مشفوع ما كان عند غداة الطف إذ حضروا تلك المنايا ولاعنهن مدفوع فأبكت من حضر . ولم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم ) (7). ______________________ 1/ فاجعة الطف لسيد محمد الطباطبائي الحكيم / ص 25 2/ الحج / 32 3/ مفاتيح الجنان / زيارة عاشوراء ص 488 4/ بين المسيرة والنهضة لحسن جوادي / ص 36 5/ القدة وثورة الحسين / ص 165 6/ كامل الزيارات ل لأبي القاسم جعفر ابن قولويه القمي / ص126 7/ فاجعة الطف / ص103- 104

اخرى
منذ 4 سنوات
527

أهمية نصرة الحسين (عليه السلام) وضرورة مشاركة المرأة فيها/ الجزء الثالث

بقلم: دعاء الربيعي لا زال الحديث متواصلاً حول أهمية نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) وصورها، وتحدثنا عن النصرة بالأموال والنصرة باللسان، ونتحدث الآن عن النوع الآخر وهو : ج/ النصرة بالنفس: وهي من أعظم وأجل وأرفع مصاديق النصرة فإن الذي يضحي بنفسه في سبيل نصرة الدين فهو صادق في إيمانه كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)) (1) وخير مثال على أولئك الصادقون المؤمنون هي السيدة أم وهب التي حباها وشرفها الله ورزقها الشهادة مع إمام زمانها فشاءت إرادة الباري (عز وجل) أن تكون بصحبة زوجها اثناء توجهه للقتال مع الإمام الحسين (عليه السلام) فكانت نِعمَ الزوجة التي تعين زوجها على أداء حقوق الله فشجعته وآزرته وقدمت له الدعم المعنوي الذي يساعده على قتال الأعداء فيروي لنا التاريخ أنها لما رأت زوجها قد أصيب في يده اليسرى أرادت أن تواسيه وتهون ما نزل به، فأخذت عمود خيمتها وصدحت قائلة: (فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (صلى الله عليه واله) فأقبل زوجها عبد الله يردها نحو النساء لكنها رفضت وقالت له: إني لن أدعك دون أن أموت معك. فتوجه نحوها الحسين (عليه السلام) فدعا لها وطلب منها الرجوع نحو النساء، لأنه ليس على النساء قتال، فانصاعت أم وهب لقوله ورجعت إلى الخيمة. ولما قتل زوجها خرجت نحوه وجلست عند رأسه تمسح عنه التراب وهي تقول له : هنيئا لك الجنة . وأسال الله أن يلحقني بك ، فقال الشمر لغلامه رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها) (2) ومن احداث هذه الرواية نفهم ان تلك السيدة الجليلة ابت الا أن تكون ناصرة لإمام زمانها فهي لم تحزن ولم تقنط عندما شاهدت مصرع زوجها بل كانت تتمنى الشهادة معه حتى أنها دعت الله تعالى أن يرزقها الشهادة مع إمام زمانها فاستجاب الله تعالى لدعاء هذه السيدة ورفع الله روحها مع ارواح شهداء الطف الأبرار فهنيئاً لها هذا الموقف البطولي المشرف الذي خدمت به إمام زمانها... وحري بنا نحن النساء أن نحذو حذوها ونكون مستعدين لنصرة إمام زماننا بالنفس كما فعلت أم وهب (رضي الله عنها). والملفت للنظر أن أبا عبد الله (عليه السلام) استطاع أن يختار لنهضته الشريفة من أهل بيته وانصاره من لا يتراجع عنها بعد أن اقتنع بها ، وكان بوسعهم التراجع في أي وقت أرادوا. لكنهم آمنوا بقيادته، وسلّموا لما يقرره حتى النفس الأخير، مع قوة في البصيرة، ومزيد من السرور والشعور بالفوز والسعادة. وقد آمنوا بمشروعه كما آمن هو (عليه السلام) فسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم الطاهرة. د/ نصرة الحسين بأحياء قيمة التي ثار من أجلها: إن حركات التاريخ تنقسم إلى قسمين: الأولى: الحركات التي ترتبط بأوضاع آنية محدودة مؤقتة. كأن تكون مشاكل سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ومن أجلها تنهض حركة من الحركات وتحاول أن تغير الواقع القائم، ومن الطبيعي أن هذا النوع من الحركات ينقضي بانقضاء وقته وتتحول إلى حادثة من حوادث التاريخ. الثانية: الحركات التي ترتبط بقيم إنسانية عامة. فهنالك مجموعة من القيم الإنسانية العامة وهذه القيم لا ترتبط بمكان معين أو زمان معين أو ظرف خاص وإنما يحتاج اليها الإنسان دائما وأبدًا، مثل القيم الإنسانية المتمثلة بقيمة العدل، قيمة الحرية، قيمة الكرامة، قيمة الوفاء، قيمة التضحية، قيمة العبادة قيمة حب الله تعالى وحب عبادته تعالى، هذه القيم دائمة يحتاجها الإنسان في كل عصر. التاريخ البشري كله لم يشهد ولن يشهد حركة ثورية تاريخية كبرى مثلت القيم الإنسانية بأعلى دراجات التمثيل كحركة الإمام الحسين (عليه السلام) ففي هذه الحركة التاريخية نجد أنّ القيم الإنسانية والقيم الإلهية تمثلت، لذلك خلدت هذه الحركة وخلدت صاحبها إلى يومنا هذا، واحدى قيم عاشوراء المحورية هي قيمة الحرية، فالنظام الأموي كان يعامل الناس كعبيد وكصير من الناس للأسف قبلوا بهذا الوضع وخضعوا له وذلك لضعفهم وقوة السلطة آنذاك، لكن مولانا أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) أبى أن يسلم نفسه ودينه لهذه السلطة الجائرة ورفض العبودية لهم، وقدم بثورته المباركة دروسًا في الحرية لكل الأجيال، فالإمام الحسين (عليه السلام) خاطب ذلك الجيش في يوم عاشوراء وقال لهم: (ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في ديناكم ) (3) هذه الحرية التي تمثلت في قضية عاشوراء وتمثلت في أصحاب سيد الشهداء الأوفياء، ونجد هذا الخط التاريخي لا زال عند الشيعة الموالين والمحبين والسائرين على خط سيد الشهداء (سلام الله عليه) وخط الحرية والتحرر من سلطة الظالمين وهذا أثر من آثار تلك النهضة المباركة. أما القيمة الثانية التي مثلتها ثورة الحسين (عليه السلام) فهي قيمة: المساواة، التي لم تستطع البشرية أن تحققها إلى يومنا هذا، فهي حلم الشعوب من الأزل، لكنها تجسدت في تلك النهضة المباركة وفي يوم عاشوراء، فالإمام الحسين (عليه السلام) مشى إلى سبعة أفراد بعد مصرعهم من بني هاشم وأربعة من الأصحاب واحد منهم العباس والثاني القاسم والثالث مسلم ابن عوسجة والرابع الحر بن يزيد الرياحي والخامس جون مولى أبي ذر هذا العبد الأسود أحد حواريي سيد الشهداء، وقف الإمام على مصرع جون ودعا له وقال: (اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد (صلى الله عليه واله9 وعرف بينه وبينه وبين آل محمد (صلى الله عليه واله)) (4) والسادس علي الأكبر والسابع وهو واضح الغلام والعبد، حيث مشى إليه الإمام الحسين (عليه السلام) ووقف عند جسده واحتفى به بنفس الطريقة التي احتفى بها على جسد ابنه علي الأكبر، ويتضح لنا أن الإمام (عليه السلام) لم يفرق بين أصحابه وأهل بيته ساوى بينهم ولم يميز أحدهم عن الآخر ومثّل في ثورته أسمى صور المساواة والعدالة الإنسانية، ومن هنا علينا أن نسعى جاهدين لإحياء قيم الحسين (عليه السلام) التي ثار وخرج من أجلها فإذا استطعنا نحن النساء أن نرسي هذه القيم في أُسَرنا ومجتمعنا، فإننا نكون بذلك قد نصرنا الحسين (عليه السلام) وساهمنا في إحياء أمره وإعلاء كلمة الحق التي نهض من أجلها. وهناك الكثير من القيم العاشورائية التي يجب أن تحط رحالها بيننا وفي مجتمعنا حتى ننعم بحياة آمنة مطمئنة. _________________________ 1/ الحجرات / 15 2/ إبصار العين في أنصار الإمام الحسين / لمحمد السماوي /ص227 3/ بحار الانوار للمجلسي/ ج45. ص 51 4/ إبصار العين لمحمد السماوي / ص 176- 177

اخرى
منذ 4 سنوات
349

أهمية نصرة الحسين (عليه السلام) وضرورة مشاركة المرأة فيها/ الجزء الأول

بقلم: دعاء الربيعي مفهوم النصرة وأهميتها إنّ النصرة هي موضوعة ذات أهمية بالغة على كافة الأصعدة، وقد اهتم ديننا الحنيف بها وأولاها اهتمامًا بالغًا، وللنصرة أوجهٌ وأشكالٌ متعددة، منها نصرة الحق، ونصرة المظلوم، وغيرهما. وقد أكدت الشريعة الإسلامية السمحاء على جسامة النصرة من خلال الآيات والروايات، فقد ورد عن سيد البلغاء (عليه السلام) أنَّه قال: (إذا رأيت مظلومًا فأعنه على الظالم)1 وعنه أيضًا في وصيته للحسنين (عليهما السلام): قولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا)2، وفي هذه الأحاديث وغيرها إشارة جلية وواضحة إلى أهمية نصرة المظلوم والوقوف معه بوجه الظالم المستبد. وبما أنَّ هذا البحث يتمحور حول الإمام الحسين (عليه السلام) ونصرته، وجب التأكيد على أنَّ سيد الشهداء هو إمامٌ مظلوم ثائر للحق ونصرته واجبة وحتمية على كلِّ موالٍ وموالية، وبلا شك أنَّ كتب الشيعة زاخرة بالكثير من الروايات التي تؤكد ذلك، منها ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنَّ ابني هذا - يعني الحسين- يُقتل بأرضٍ يُقال لها كربلاء. فمن شهد ذلك منكم فلينصره)3، كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) صاحب كربلاء قُتِل مظلومًا مكروبًا عطشانًا)4، وعن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) أنَّه قال في زيارة الناحية المقدسة: (السلامُ على القتيل المظلوم السلامُ على المظلوم بلا ناصر)5 ومن هذه الروايات المباركة تنكشف لنا مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك يحتم علينا أنْ ننصره وبكلِّ ما أوتينا من طاقات وإمكانيات، فعلينا أنْ نقف مع هذا المظلوم لنواجه الظالم. والنصرةُ لها وجهان: الأول هو عدم ترك المظلوم وضرورة الوقوف معه وإلى جانبه. والوجه الثاني: هو خوض المعارك ورفع السلاح بوجه الظالم والنزول إلى ميادين القتال لمواجهة الظالمين وصد الهجمات الشرسة ضد المظلوم وضد ما جاء به. إنَّ مجرد التعاطف مع المظلوم والبكاء عليه لا يكفي ولا يغني ولا يعتبر نصرةً حقيقةً، لذا علينا أنْ نكون من أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) قولًا وفعلًا؛ وذلك بأنْ نكون مساندين له ولمنهجه القويم، وحتى لو أننا لم نشهد حربه ضد الباطل، لكن ما زال بالإمكان نصرة مولانا والذبّ والدفاع عن كلِّ ما أرساه وما أمر به، وكلّ ما خرج من أجله. فيتوجب علينا نحن شيعة آل محمد أنْ نقف بوجه أعداء الإسلام وأن نساهم في دحرهم وإفشال مخططاتهم الخبيثة التي يريدون من خلالها طمس الحقائق الحسينية، والابتعاد عن شريعة الباري (جلَّ في علاه). فالواجب يُحتم علينا أنْ نكرس أقلامنا وعقولنا لصدِّ الباطل ونصرةِ الحق وأهله، وحتى نتمكن من ذلك علينا أنْ نتعرف على مفهوم النصرة. النصــرة لغـــةً (الاستعانة والعون، ونَصره أي حالفه وعاهده وقوّاه، والناصر والنصير واحد)6 وأما اصطلاحًا فقد عرف أهل الاختصاص النصرة بــ(الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخية المسلم المستضعف)7. وتعرف النصرة أيضًا على أنَّها من أهم المصاديق التي يَختبر ويَحمص بها العبد ولاءه لمن يوالي ويحب، ففي النصرة يثبت الموالي حبه وتعلقه ووده وانتماءه لمنهج الرسالة الحقة المتمثلة بالعترة الطاهرة الزاكية، والدليل على ذلك هو ما جاء في خطبة الغدير المباركة التي لا زال صدها يدوّي في أذهان وأسماع الموالين والمحبين والمتبعين للخط العلوي، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)8. وقد وجه الرسول (صلى الله عليه وآله) خطابه القيم في ذلك اليوم المشهود ليثبت ويُرسي القواعد والأسس التي سوف تسير عليها الأمة من بعده، ألا وهي اتباع المعصوم ونصرته أينما حلَّ وحيثما وجد، كما بيّن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في خطابه المبارك أنَّ خذلان الإمام وترك نصرته أمر غير ممدوح أبدًا بل هو مذمومٌ، ومن يقدم عليه فسوف يكون مخذولًا من قبل الباري (عز وجل) الذي نص في كتابه الكريم على الحق ونصرته قائلًا: (وكان حقًا علينا نصر المؤمنين)9. وقوله (تعالى): (والله يؤيد بنصره من يشاء)10، وقوله (تعالى): (يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله )11 _____________ 1/ غرر الحكم 4068 2/ ميزان الحكمة ج2ص1780 3/ فاجعة الطف ص25 4/المنتخب الحسني ص 429 5/ المصدر السابق ص 776 6/ تاج العروس للزبيدي 1/3538 7/ هذه اخلاقنا لمحمود الخزندار 57 8/ مفاتيح الجنان /559 9/ الروم -47 10/ال عمران -13 11/الصف – 14

اخرى
منذ 4 سنوات
491

خاطرة

راهب لآل محمد متهجد عابد زاهد أضحى بطامورة مظلمة حبيس سجن الظالم نهارها من ليلها لا يُعرف لكن نور غرة جبينه المشرق أضاء عُتمتها القاتم نوره من نور جده يكسي ظلام القلب نوراً يهدي به العالَم لم يجد من بني العباس إلا حقداً ثم حسداً وسماً حتى ألقي بجثمانه على الجسر أياما بقي كجده الحسين عليه السلام يُنادى عليه: لمن هذه الجنازة وهو ابن الاطائب الاكارم هي لكاظم الغيظ موسى ذاك الذي قُيد بالسلاسل حتى بان الأثر بساق العالِم حليف سجدة طويلة يناجي ويدعو الخالق بتذلل وخضوع خلصني من سجن الظالم يا باب الحوائج لنا حاجة يا رب فرج عنا وارفع ما ألمّ بنا من بلاء ووباء بحق موسى الكاظم

اخرى
منذ 4 سنوات
368

وبعث المصطفى

بقلم: وفاء لدماء الشهداء من قلب غار حراء، أشرقت رسالة السماء، وهبط الوحي بأمر الملك العلام، حاملًا بشرى ميلاد الإسلام، الذي ستشمل أنواره دنيا الأنام، فقد بعث الله تعالى محمدًا (صلى الله عليه وآله) فكان لكل أنبيائه مسك الختام. جاء الرسول صادعًا بالحق، ومربيًا للخلق، أقبل كالنور الساطع، والضياء اللامع، يحمل الهدى للبشرية، ويدعوهم إلى الله (سبحانه وتعالى) والاقتراب من ساحة عطائه القدسية، والتحرر من أسر الدنيا الدنية، ونبذ الخرافة والعصبية التي فرضتها الجاهلية. فما أجمل أن نشد الرحال بقلوبنا اللهفى، لنرتوي من سلسبيل البعثة الأصفى، ونستلهم من هذه الذكرى زادًا يعيننا على اتباع نهج النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)؛ علّنا نحظى برضاه وننال شرف الارتواء من كأس شربه الأوفى. هيا لنحتفل بذكرى بعثته بالشكل الذي يحيينا، ويبعث الروح في تفاصيل حياتنا، ويؤهلنا للنصرة الحقيقية لديننا وعقيدتنا وإمام زماننا فدته نفوسنا، ولنركز عند إحياء هذه الذكرى العطرة على بعض الأمور: ١- إنّ المشيئة الإلهية اقتضت أن تختم النبوة بسيد الكائنات، محمد المصطفى (عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين أفضل الصلاة والسلام والتحيات)، فصارت رسالته خاتمة الرسالات، مما يعني قدرتها على استيعاب لغة الزمن ومختلف التطورات، وبقاءها غضة طرية متى ما فُهمت على النحو الصحيح بعيدًا عن الخزعبلات، وهذا يدعونا الى الاعتصام برسالة الإسلام، ووعي أهدافها واستيعاب مضامينها والدفاع عنها والدعوة إليها على الدوام. ٢- إنّ أول آية نزلت في هذا اليوم هي قوله (سبحانه وتعالى): "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وكأنها تقول لنا: إن بداية السير إليه (عز وجل) تبدأ من الاهتمام بالعلم والمعرفة الكفيلة بإخراج المرء من أنفاق الظلام إلى آفاق الضياء والسلام، فلا بد أن نعقد العزم على جعل هذه الذكرى منطلقاً لوعي الإسلام، والاقتراب الصادق من رحاب أولياء الله العظام أئمتنا (عليهم السلام)، والاهتمام بالعلم والمعرفة الموجبة للارتقاء، والقرب من رب الأرض والسماء. ٣- لابد أن تكون الذكرى مبعثًا للتعرف على الرسول الكريم (عليه وعلى آله الاطهار سلام الرب الرحيم)، ومحاولة جادة للاقتراب من ساحة لطفه العميم، والتأمل في سيرته وخلقه العظيم؛ ليكون لنا في طريقنا إلى ربنا خير اسوة، وفي تحدي صعوباتنا وآلامنا أعظم مثل وقدوة، وأفضل سبيل للتعرف عليه، هو أن نتأمل فيما قاله القرآن الكريم وأئمتنا (عليهم السلام) بحقه، فما ورد فيه عن لسان القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) كفيل بأن يضع أقدامنا على طريق معرفته، ويرسم لنا سبيل الاقتراب من ساحته، ومن ثم السعي الحثيث للتخلق بأخلاقه والاهتداء بسيرته، والبرهنة عن طريق اتّباعه على صدق محبته، كما لا بدّ أن نعلم أنّ ديننا إنما انتشر بخلق النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وتضحيته، فقد كان يجهد نفسه لإيصال نور رسالته، متحديًا القسوة والحصار الذي جوبهت به دعوته، صابرًا على مختلف أنواع الظلم الذي مورس ضده وضد أتباعه وشيعته، فلقد آذوه واحتشدوا لمحاربته، فلم يزدد إلا ثباتًا وتمسكًا بشريعته، هددوه وتفننوا في عرقلة مشروعه الإلهي فلم يعبأ حتى نشر في الآفاق رايته، وفي هذا درس للمؤمنين الرساليين، إذ ينبغي أن يرفعوا شعار الثبات على الحق المبين، ويناضلوا حتى ظهور الإمام الموعود (عليه السلام) وإن طالت الأعوام والسنون. ٤- لا بد أن نعلم ونحن نحيي هذه الذكرى المباركة أنّ الإسلام بدأ غريبًا وما كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) أول الأمر إلا عمه وابن عمه وزوجته (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولكل من هؤلاء الثلاثة دوره في إسناد الرسول والرسالة حتى تحقق بفضل بذلهم ودعمهم وتضحياتهم النصر للإسلام والمسلمين، وإن أقل الوفاء لمن يمر عليه هذا اليوم المبارك أن يعظمهم، ويطلع على سيرتهم، ويتلمس من خلال مواقفهم التي تنم عن أصالة إيمانهم وعظم عقيدتهم وذوبانهم في مرضاة خالقهم كيف السبيل إلى اقتفاء أثرهم، وحمل الإسلام نهجًا ووعيًا في القلب والروح والفكر والعمل كما حملته أرواحهم، وترجمته أفعالهم التي خلدها التاريخ رغم أنوف أعدائهم. * وأخيرًا لا بد أن نعلم أن نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان قد جاء بعد أن عكف الناس على عبادة الأوثان، وتلاشت تعاليم الأنبياء السابقين وغابت آنذاك عن حياة الإنسان، هناك سطع نور النبي العدنان، وأقبل كالشمس حاملًا معه ضياء الإيمان، فجلى عن الأبصار الغمم، وكشف عن القلوب البُهم، وقام في الناس يدعوهم للهداية، ويبصرهم بنور رسالته فيحميهم من الضلالة والغواية، فهداهم إلى الدين القويم، وسار بهم نحو الصراط المستقيم، وهذا ما ينبغي أن يجعلنا نعيش التفاؤل والأمل، إذ إننا مهما اكتوينا بنار الابتعاد عن إمام زماننا (فدته أرواحنا) فإنه سيظهر، وهذا وعد الله (عزّ وجل). نعم سيأتي لينقذنا كما أنقذ جدُّه المصطفى أمته، وسيرفع في كل الآفاق رايته، وسينادى في كل الأقطار باسمه ونسبه وكنيته، سيأتي كالربيع الأخضر، وسنتنسم عبيره الأطهر، ولا شك أننا ينبغي أن نستعد لاحتضان دعوته، ونوطن النفس على مبايعته، وبذل الأرواح دون قضيته، حتى يمحى الكفر من قاموس الوجود، وتتألق الأرواح بحب المعبود، وينتهي زمن الغياب المر ويأتي زمن الحضور والشهود.

اخرى
منذ 4 سنوات
542

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70204

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51272

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41403

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35865

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32682

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32195