سقيمٌ وخدمتكَ تُشفيني (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ)

بقلم: زهراء علاء إنَّ حُبّ محمدٍ وآل محمدٍ (صلوات الله عليهم أجمعين) فطرةٌ وضعها الله تعالى في قلوب مُحبيهم، وهذه الفطرة كالنبتةِ تحتاجُ إلى سَقيٍ بِماء الإيمان.. كُنتُ ألتمس هذا الشعور - شعور الحُب - الذي غُرِس في داخلي لهم، حيث كان نقي السريرة .. كُنتُ أبحثُ عنه منذ نعومة أظافري، رجوتُ الله (تعالى) أن يثبت أعمدة هذا الحبِّ وأنْ لا يحول بيني وبين الطريق المؤدي إليه، وكنتُ انتظرُ الأيام التي أرى فيها ثمره هذا الحب قد أينعت .. كانت جُلَّ أمنياتي أنْ يكون الحسين (عليه السلام) هو من يتولى زمام أمرِ هذا الحبِّ ويرشدني إلى الطريق الأمثل، فتنهيدةُ هذا الطلب أراقت دمعتي وقضَّت مضجعي. كُنتُ أحلم أنْ أخدم في حرمه الشريف، وعندما كانت تخبرني صديقتي عن أيامها التي قضتها في الخدمة الحسينية أيام زيارة الأربعين، كان الحزن يُخيّم على قلبي ويمتطي اليأس نفسي، فلقد كان أهلي يرفضون ذهابي إلى هناك خوفًا عليّ.. وهكذا ظلت روحي تعاني من هذا الأمر كُلّما اقترب موعد الخدمة إلى أنْ ساقَ الله (تعالى) في طريقي أشخاصًا يمهدون لي سُبل السير إليه.. يا لِتعاستي، فلقد مرّت هذه السنون عبثًا دون أنْ أحظى بخدمتك يا أبا عبد الله. انطلق الجميع للزيارة وبقيتُ أنا مع خَيبتي والغُصة تملأ فمي الناشف، لكن لم يهُن دمعي وانكساري على الله (تعالى)، وعرفتُ أنَّ تأخير طلبي كلَّ هذه السنين حيث هيأ ذهابي في الوقت المناسب، الوقت الذي فقدتُ فيه الأمل، وأوشك هذا الحب أنْ يتلاشى فأفقد أجرَ صبرِ كلِّ هذه السنين. (زينب...) إحدى الهبات الإلهية التي وضعها الله في طريقي، كُنت دائمًا ما أتكلم عنها أمام أهلي، حتى غُرِس حبها في قلوبهم، فكانوا يطمئنون عليّ عندما أكون معها؛ ولهذا زال خوف أهلي عندما رأوا إلحاحي وطلبي للذهاب للخدمة برفقتها، اقترب موعد الزيارة وأنا كُلي أملٌ أنْ أكون هذه السنة بين صفوف خادمات الإمام (عليه السلام). اتصلت بي زينب وهي تخبرني بأنَّها ستذهب إلى الزيارة والخدمة بنفس الوقت، عندها انشرح صدري وسال الدمع من عيني شوقًا وحبًا إلى الإمام الحسين (عليه السلام). يا الله لقد استُجيب دعائي! أوشكت نفسي من نفسي تضيع، هل حقًا تحقق حلمي؟! بعد أنْ كادَ أنْ يُحطَّم سراج الأمل في داخلي عندما فشلت جميع محاولاتي في الذهاب لخدمتك يا أبا عبد الله .. هل فعلًا قبلتني؟! هل قبلت أنْ تتكفل بهذا الحُب؟ حينها أخبرتُ أهلي، فأذنوا لي بالذهاب مع زينب .. ذهب أبي مسرعًا لإحضار سيارته ليوصلني إلى المستشفى التي تعمل بها (زينب)، وأنا في طريقي إليها شعرتُ بأنَّ روحي قد حلّقت عاليًا في السماء، وصلت إلى (زينب)، وعندما رأيتُها دعوتُ الله (تعالى) أنْ يوفقها في حياتها؛ لأنها كانت سبباً في تسهيل طريق خدمتي لأبي عبد الله (عليه السلام). انطلقنا وانطلق معنا التوفيق الإلهي في مسيرنا صوب كربلاء، وقبل أنْ نصل شعرتُ بشعورٍ غريب لا يمكن للحروف أن تصفه، طوال الطريق وأنا أحدث نفسي: ماذا أفعل عندما أراك؟ ماذا أعمل لشكرك! وعلى هذه الحال دخلنا الحرم الحسيني الشريف، دخلنا لمكان يسمى بـ(شعبة الزينبيات)، سلَّمتُ على صديقاتي وشعرتُ بالأمان التام والتسليم المطلق. وكنتُ متشوقةً جدًا للخدمة. انتهينا من الصلاة وأحضرت لي (زينب) وشاح الخدمة .. أتت اللحظة التي انتظرتها كلَّ هذه السنين، لحظة أنْ أكون بين صفوفِ الخادمين عند أبي عبد الله (عليه السلام).. كان مكان خدمتي عند الرأس الشريف، للتوِّ سكنت الروح وسكتَ أنينُها، وانفرجت أسارير قلبي .. تموّجت روحي بين الحزن والفرح؛ الفرح باللقاء والحزن على مصابه الأليم. شُغِفتُ في العمل بقربه، وقفتُ دقيقةَ صمتٍ لأستجمع شعوري، لا بل نفسي التي تاهت عند رأسه الشريف قائلةً: (يا أبا عبد الله كُنتُ أبحثُ عن الحُب فوجدتك أهلًا له، أدركتُ أنّك مُقيمٌ بين أوصالي، وغايتي في البحث عن الشيء المفقود في نفسي توقفت؛ إذ لا فقدَ بوجودك ولا وجودَ بفقدك، يا بهيَّ الطّلعة، يا غاية المُنى، فبعزتِك لا تحرمني من هذا العطاء، وأنْ تثبت لي قدمَ صدقٍ معك يوم الورود وتسهل لي طريق البحث عن الموعود). وعندما انتهى وقت خدمتي رجعتُ إلى الشعبة، استلقيتُ في فراشي، وبدأتُ أتمعن في تفاصيلِ المكان، حينها رأيت لوحةً مكتوبًا عليها على ما أتذكر: "أختي الزائرة اخفضي صوتكِ فأنتِ في أرضٍ سارت عليها السيدة زينب ورقية (لا أتذكر صيغةَ النصِ كاملًا) لكن كان نصًا مؤثرًا جدًا، بكيتُ حينها وتذكرتُ عندما كُنتُ في الثانوية وكُنتُ أذهب إلى كربلاء وأنا لم أرتدِ العباءة بعد إلا عند دخولي إلى الحرم الشريف، وعندما كنت أضحك بصوتٍ عالٍ أنا وصديقاتي).. هنا أدركتُ ماهي كربلاء وقدسيتها! غفوتُ على تنهيدةِ تلك الأيام التي ذهبت دون أنْ أدرك أهمية الأمر، حتى أيقظني صوت هتافات الزائرين بـ(لبيك يا حسين)، التي كانت تملأ الغرفة، وهيّجت الشوق.. كان الكلُّ نائمًا في الغرفة، أخذتُ وشاحي بكلِّ هدوءٍ وذهبتُ إلى الحرم، ومن ثم عملتُ في المفرزة الطبية، وتعلّمت أشياءً كثيرةً أضافت خبرةً لدراستي. حينها قالت لي إحدى الأخوات: هل تذهبين للسقاية؟ لم أكن أعرف ما هي، لكني وافقتُ وبدأتُ بتوزيع الماء إلى الزائرات المتوجهات صوبَ أبي عبد الله (عليه السلام).. يا الله، كان المنظرُ حزينًا جدًا؛ فالكلُّ متعطشٌ ومتلهفٌ لشرب الماء، ساعد الله تعالى قلبك يا حبيبي يا أبا عبدالله. شارفت الزيارة على الانتهاء، ودّعتُ سيدي بركعتي شكر وامتنان له ووعدته وعودًا كثيرةً، أهمها البحث والتعمق بمعرفة صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وطلبت منه أنْ يشرف بنفسه على هذا الوعد وأنْ يسهل لي طريقي إليه إذا تعسّر المسير. رجعتُ إلى المنزل أخبرت أهلي بكافةِ التفاصيل ومن شدةِ الفرح أكررُ نفس الموضوع عليهم في ذلك الحين. عندما ذهبت إلى فراشي تذكرتُ كلَّ موقفٍ وكلَّ دقيقهٍ مرّت هناك .. نمتُ من شدةِ التعب جراء السفر من كربلاء عندئذٍ رأيتُ في المنام أنّي ما زلتُ في الخدمة الحسينية، أسمع تلك الهتافات التي لم تفارق مسمعي (لبيك يا حسين ... لبيك يا حسين) وعندما أفقتُ بكيت وتألمت. تمنيت لو أنَّ عمري ينقضي بجوارك يا أبا عبد الله بقيت على هذه الحالة ثلاثة أيام أرى نفس الرؤيا حينها كان النوم صعبًا جدًا .. قررت أن أباشر بتنفيذ الوعود التي وعدتُ أبا عبد الله (عليه السلام) بها، تغيّرتُ جدًا، فأصبحت أكثر حرصًا على إيماني وأكثر شغفًا وحبًا للموعود. فيا سيدي أبا عبد الله، لاريب عندي أنّك أنت من عززت أواصر الحُب بيني وبين صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وجعلتني أسير على خطى أختك الحوراء في عفتها وحيائها.. أنت من جعلتني أحيى من جديد، من أضفتَ لونًا لأيامي .. عَلَيْكَ مِني سَلامُ اللهِ أبَدًا ما بقيتُ وَبَقِيَ الليْل والنهار.

اخرى
منذ 3 سنوات
287

الممهدون مستبشرون فرحون

بقلم: فاطمة فاضل مجيد الممهدُ لإمامِ زمانه لا يعرف الحزنُ طريقًا إلى قلبه.. سأخبرُكم سَرًا، لا يعرفهُ إلا الممهد لإمامِ زمانه، يُقال: إن إنسانًا ملّت الدُنيا من ابتسامته. يا للعجب! إيُّ إنسانٍ لم يُجرب ملامحَ الحُزنِ على وجهه.. لكن كيف، وقد مُلئت هذه الدُنيا بالكثيرِ من الأشياءِ التي لها علاقة وثيقة بتقليصِ امتدادِ شفتي الإنسان، وتقطيب حاجبيه، وملء عينيه بالدموعِ، وصدره بضيق النفس، وظهره بإحساسِ الثقل، وجرح قلبه حتى ينزف دمًا، وتسريب الألمِ إلى كلِّ أعضائه واحدًا تلو الآخر، وأمثال ذلك .. الحرب، الجوع، الفقر، الظلم، الخيانة، الخذلان، إعطاء العهود الكاذبة، والأصعب فقدان الأحبة .. كلُّ هذا مؤلمٌ، صحيحٌ ذلك، لكن في عالمِ الممهد كلُّ هذا هيّنٌ ليّنٌ.. لكن كيف؟ هل سيفرح إذا سمعَ أبواقَ إعلانِ الحرب مثلًا؟! أجل، وسيكون في المقدمةِ! لأنه سيقول: لِمَ لا أفرح، إذا كان العدو عدوًا لإمامِ زماني سأرتدي لباس الحرب وأحملُ السلاح، وأعرضُ جسدي للبردِ وللحرِّ ولأطلاقِ رصاص العدو وقنابله! وأزيدكم، سيقول لكم: إنَّ حَلمي يتمثل بابتسامةٍ، بتشهُدٍ عند تناثر أعضاء جسدي على الأرضِ، بأنْ أرى إمام زماني آنذاك راضيًا عني! لكن لماذا هذا كله، أتعلمون؟! فقط من أجلِ أن يرسمَ ابتسامةً على شفاه إمامِ زمانهِ الحزينة.. ثم ماذا بعد، لو كان هذا الممهد فقيرًا، تُرى هل سيكون فرحًا مبتسمًا؟ يا عزيزي! قلبٌ حظيَ بنظرةٍ من إمامِ زمانه أ يُعدُ فقيرًا؟! حسنًا حسنًا، الأصعب فقدانُ الأحبة، الأم .. الحنان .. ولكن حنان إمامه لا تفهمه عُقولُ وقلوب الأمهات! الأبُ العزة! كلُّ العزِّ هو بالانتماءِ للإمامِ ولا يوجد بعدهُ عز! الأخ السند! من كان سندهُ إمام زمانه لا يعرفُ للسقوطِ معنىً في حياته! فلا تعجبوا من إنسانٍ ملَّت الدُنيا من ابتسامته... والآن قد عرفتُم مصدرَ السعادة الحقيقية في هذه الدُنيا الفانية.. أجل، يجب أنْ تَعرفوه، وأنْ تتيقنوا أنَّ كلَّ ما كان لأجله هو، أصبحَ هيّنًا ليّنًا جميلًا. جربوا الارتباطَ به في كلِّ شيء، يجبُ أنْ تُجربوا قبل أنْ تفترق أرواحكم عن أجسادكم، وتكونوا قد خسرتُم حلاوةَ الارتباطِ بمصدرِ السعادة الحقيقية في هذه الدُنيا الفانية.

اخرى
منذ 3 سنوات
293

لآلئ من نهج البلاغة الحكمة الرابعة: الفصل الرابع: الْوَرَعُ جُنَّةٌ

بقلم: يا مهدي ادركني كلمة من أمير المتقين (صلوات الله وسلامه عليه) يتقاطر منها الشهد المصفى، الرؤوس تنحني والسباق يتوقف ها هنا، فالورع يتمثل بشخصه (سلام الله عليه) وأما عند الآخرين فهو فضلة وفتات من رغيف يعسوب الدين (صلوات الله وسلامه عليه). فمن أراد أن يلتقط بعض حبات الورع ليتقوى بها على السير في طريق التكامل فليُشمّر عن ساعده وليستعد للخوض في لجج بحر المتقين. معنى الورع: هو الكف عن المحارم والتجنب عنها، وبه يصل الإنسان إلى أعلى درجات التكامل، فهو والتكامل تجمعهما علاقة طردية فكلما ازداد ورع المؤمن كلما ارتفع في سُلّم التكامل. معنى جُنّة: هي الستر والوقاية، قالوا: حب علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما) جُنّة أي يقي من أهوال يوم القيامة، وينجي من نار جهنم. ولكي تتم الفائدة علينا أن نلتفت إلى النقاط التالية: الأولى: الورع فضيلة: مما لا شك فيه أنّ الورع فضيلة فهو كبح لهوى النفس والابتعاد عن الرذائل، هو امتثال لأوامر المولى (جل وعلا) والحرص على أن يجدك حيث يحب في مواطن طاعته، فتروض نفسك على أن تسبق بدنك وتتسارع للوصول إلى ساحة العشق الإلهي. ثانيًا: أنواع الورع: إن للورع درجات وأدنى درجاته تقيك من نار الحطيم، وأعلى درجاته ترفعك إلى أعلى جنات النعيم، ويمكن تلخيصها بثلاث مراتب: الأولى: هي الإتيان بكل الواجبات والامتناع عن كل المحرمات، وهي أدنى درجات الورع. الثانية: هي اجتناب الشبهات والمكروهات والإتيان بالمستحبات، فلعل تلك المكروهات تزل بقدمك وتسحبك بحبالها إلى الإتيان بالحرام، فبالتقوى تتجنبها نفسك، وتتشوق لتحصيل كل ما يقربك من المولى (عز وجل) لتنال رضاه. الثالثة: وهي أعلى المراتب وأفضلها وهو ورع الصديقين، وفي هذه المرتبة يسعى من يصل إليها إلى عدم التفكر بما هو فيه شبهة ويعرض عنها قلبه فهو لا يقدم عليها حتى بجوانحه حتى تصبح لديه ملكة تجعله يشم رائحة العمل الصالح فتصبو نفسه إليه ويشمئز مما فيه نفور للنفس فيمتنع عنه. وجه الملازمة بين الورع وكونه جُنّة: وهنا إضاءة نبدد بها الضبابية التي قد تشوش على وجه الملازمة بين الورع وكونه جُنّة، وبيان ذلك: مما تقدم ممكن أن نعطي عنوانًا للورع، وهو الحجب النورانية التي تقي المؤمن من الأهوال والعقاب المحتوم، فهو بمثابة درع حصين كلما توغل الإنسان فيه كلما قوي ذلك الدرع وازداد متانة ليصد صاحبه عن عذاب يوم الآخرة، وهذا هو معنى الورع جُنّة.

اخرى
منذ 3 سنوات
1183

لآلئ من نهج البلاغة/ الفصل الثالث: الزُّهْدُ ثَرْوَةٌ

بقلم: يا مهدي أدركني المعاني اللغوية: الزهد: هو ترك الشيء والإعراض عنه، وقالوا: هو الرغبة عن الشيء لاحتقاره واستقلال أهميته، وقد عرفّه صاحب جامع السعادات بأنّه الرغبة عن الدنيا عدولًا إلى الآخرة. الثروة: هي الأموال الكثيرة التي تُغني صاحبها عن طلب ما بيد الغير، وهي قد تطلق على كلِّ ما يتراكم لدى الفرد، فتكون ثروة العالم معلوماته، وقد تكون كلّ ما هو ثمينٌ ومصدر للاكتفاء، فالأنبياء والأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ثروة الأمة. ومما تقدم يمكن أنْ نخلص إلى نتيجة وهي: أنَّ كلَّ ما يتحقق به الاكتفاء وعدم الحاجة إلى الغير ما سوى الله (تعالى) فهو ثروة. ولمّا كان الزهد هو استغناءً عن كلِّ ما بيد الغير فهو بحدِّ ذاته ثروة. فكم من غنيٍ يملك أموالًا طائلة ولكنَّ شرَهَ نفسه لا يتوقف عند حدٍ ولا تشبع بطنه من ملذاتِ الدنيا أبدًا، فهو في الحقيقة في قاعِ الفقر ولا تستطيع ثروته أنْ ترفعه منه. فكيف لنا تحصيل الزهد؟ وهل هناك أنواعٌ للزهد؟ إنَّ الزهد فضيلةٌ من سمات الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وهو من الصفات التي حثّ القرآن الكريم على الاتصاف بها ومدحها في مواضع عديدة منها قوله (تعالى): "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ"[سورة طه: آية 113]. والزهدُ من المفاهيم المُشككة فهو له مراتب تختلف بالشدة والضعف، ومنها يُفهم أنَّ له منازل وأنواعاً. وهنا أمران: الأول: أنواع الزهد لما كان الزهد صفة الأنبياء والأوصياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وكذلك نجده مما يسعى إليه العلماء فهو بالتأكيد تختلف درجاته وهو في أعلى درجاته لدى الأنبياء والأوصياء . ومراتبه: المرتبة الأولى: إنَّ الزهد لدى الأنبياء لم يكن فقط هو الرغبة عمّا في الدنيا والميل إلى الآخرة، وإنّما هو الزهد حتى عن ملذات الآخرة، فإنَّ طاعتهم ليست من أجل الفوز بالجنة وزهدهم عن الدنيا ليس من أجل الفوز بجنة الفردوس، بل إنَّهم وصلوا إلى مراحل العشق الإلهي والذوبان في طاعته رغبةً في الحصول على مرضاته. المرتبة الثانية: من زهدَ عن الدنيا وما فيها ولم يأخذ منها إلّا ما يُقوّيه على الطاعة والعيش بكرامة، راغبًا عنها من أجل الفوز بجنان الخلد، وهذا النوع من الزهد مشروعٌ بل هو من الأمور الممدوحة والتي يسعى المؤمنون إلى التحلي بها. المرتبة الثالثة: زهدُ من يحاول أنْ ينزع حب الدنيا عن قلبه ويجاهد في سبيل ذلك. الثاني: تحصيل الزهد: لمن أراد أنْ يتصف بالزهد عليه أنْ يتبع هذه الخطوات الثلاثة: الأولى: أنْ يعلم بأن هذه الدنيا فانية، ولن يأخذ منها سوى عمله. الثانية: أنْ يتحلى بسلاح الصبر الذي أشرنا إليه في الفصل الثاني ويجعل منه درعًا ضد أهواء نفسه. الثالثة: أنْ يقلع من قلبه ما يجعله متعلقًا بهذه الدنيا حتى وإن كان ولده، فإنَّ حبَّ الأولاد قد يكون سببًا من أسباب الفتنة. إنارة قرآنية: إنَّ الله (تعالى) لخّص مفهوم الزهد في آيةٍ هي من أجمل آيات الذكر الحكيم، تلك الآية التي جعلها قانونًا لمن أراد أنْ يتصف بالزهد فإن اتبعها فقد استطاع أنْ يحصل أطراف الزهد ويحقق غايته. قال (عزمن قائل): "لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"[سورة الحديد: آية 23] وفي روايةٍ عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): "الزهدُ في الدنيا ثلاثة أحرف : زاء ، وهاء ، ودال ، فأما الزاء فترك الزينة، وأما الهاء فترك الهوى، وأما الدال فترك الدنيا"(1) الخلاصة: مما تقدم تبيّن لنا أنَّ الزهد هو صورة من صور جهاد النفس للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي عمّا في أيدي الناس. وإذا تحقق هذا الأمر حينها يستشعر الفرد بأنَّ لديه ثروة عظيمة لا يحتاج معها إلى غير الله (تعالى) وإنْ كان فقيرًا؛ لأنَّ زهده قد أفاض عليه الشعور بالاكتفاء. ______________________ 1- جامع الأخبار : 297 ح 811

اخرى
منذ 3 سنوات
480

لآلئ من نهج البلاغة الحكمة الرابعة/ الفصل الثاني والصَّبْرُ شَجَاعَةٌ

بقلم: يا مهدي أدركني روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "الصَّبرُ مِنَ الإِيمانِ بِمَنزِلَةِ الرَّأسِ مِنَ الجَسَدِ، فَإِذا ذَهَبَ الرَّأسُ ذَهَبَ الجَسَدُ، كَذلِكَ إذا ذَهَبَ الصَّبرُ ذَهَبَ الإِيمانُ".(1) أكد الإسلام كثيرًا على أهمية الصبر، وذلك من خلال آيات الذكر الحكيم والروايات الشريفة، فما هو السر وراء ذلك؟ إن الصبر هو حالة نفسانية يمكن لأيِّ فردٍ شاء أنْ يكتسبها وينميها حتى تترسخ لديه وتصبح ملكةً يصعب زوالها عنه، ولكي يتضح لنا معنى الصبر أكثر وتتضح لنا صورته سنتعرض للنقاط التالية باختصار: الأولى: معنى الصبر في اللغة الصبر: هو حبس النفس وانتظار وتحمل مع الرضا من دون شكوى، وهو ضد الجزع. الثانية: الصبر فضيلة إنَّ هناك العديد من الصفات التي لا يمكن حصرها لكثرتها، ولكن قسّمها العقلاء إلى قسمين وهما (الفضيلة والرذيلة)، فكلُّ صفةٍ من تلك الصفات إذا كانت تضيف نوعًا من التكامل للإنسان سُميت فضيلة، وإلا فإنّها رذيلة. ومما لا شكَّ فيه أنَّ الصبر من الصفات التي تفتح طريق التكامل غير المتناهي للإنسان، وهذا الأمر لا يختلف عليه اثنان، لذا عدّ الصبر من الفضائل التي يسعى الإنسان لاكتسابها، بل هو أم الفضائل وأساسها؛ فإنَّ الإنسان إذا تحلى به أصبح قادرًا على أنْ يتحكم بنفسه وأهوائها، وبها يمسك به لجام الغضب، ويكبح به شهواتِ النفس التي تسوقه إلى هوانه وإذلاله. الثالثة: طعم الصبر إنَّ الصبر من الألفاظ التي إذا ما ذُكِرت يتسارع الذهن إلى معنى الألم وطعم المرارة، حتى أصبح من المتعارف عند الناس إذا أرادوا أنْ يصفوا طعم شيءٍ مرّ وصفوه بالصبر تمامًا كمن يريد أنْ يصف الطعام الحلو بالعسل، فهو أصبح لازمًا له ولا ينفك عنه عرفًا. والسبب في ذلك أنَّ الصبر عادة ما يكون على الأمر الصعب الشاق الذي فيه عناء وتعب للنفس، والنفس بطبيعتها تميل إلى كلِّ ما هو سهلٌ وفيه راحة، وتنفر مما هو صعب عسير. الرابعة: الصبر وجهاد النفس 1- إنَّ الإنسان خلق في دار الدنيا لا لأجل الراحة واللهو واللعب، وإنّما خُلِق ليتكامل. 2- إنَّ الواقع الذي نعيشه يطرح لنا نماذج متفاوتة من التكامل بين البشر. 3- إنَّ وجود هذا التفاوت دليلٌ على أنَّ التكامل أمرٌ ليس بالسهل، وأنَّ هناك موانعَ تعرض عليه وتحول دون الحصول عليه. 4- نجد في عالمنا الكثير ممن استطاعوا أنْ يتخطوا تلك الموانع ويصلوا إلى درجات تكاملية عالية جدًا. نخلص مما تقدم إلى نتيجتين: الأولى: أنَّ وجود ذلك التفاوت في التكامل لدى البشر إنّما كان نتيجةً لتعاملهم مع الابتلاءات التي تعرّضوا لها، فإنَّ طريق التكامل هو طريقُ صعودٍ نحو القمة، وعادةً ما يكون الصعود شاقًا ويستغرق وقتًا للوصول إليه، لذا فمن أراد أنْ يسلك هذا الطريق عليه أنْ يعلم أنَّه سيواجه الكثير من العقبات، فهو ليس طريقًا مفروشًا بالورود. الثانية: أنَّ من أراد أنْ يسلك طريق التكامل عليه أنْ يعلم أنَّه لا يستطيع أنْ يخطو خطوةً واحدة فيه من غير الصبر، فالصبر هو عكازه الذي يساعده ليصل إلى القمة، ومن دونه لا يستطيع الوصول، وحتى لو ارتفع قليلًا ولكن السقوط سيكون حينها سريعًا وموجعًا. فكلما ارتفع وازدادت قوةُ الصبر لديه كلما ازداد جهاد النفس، فالعلاقة طردية، حتى يغلب هوى نفسه. فهو في الحقيقة في معركةٍ عدوها نفسه والصبر سلاحه، والشجاع من استطاع أنْ يمسك بهذا السلاح ويغلب هوى نفسه ويروضها ويؤدبها لينال وسام الشجاعة. فالشجاعةُ الحقيقية هي: أنْ تكتم غضبك أنْ تعفو عمّن أساء إليك وأنت قادرٌ على رد إساءته. أنْ تتحمل أنواع البلاءات وتستأنس بها تلك الشجاعة التي لا يمكن لها أنْ تتقوم من دون سلاح الصبر، وهذا ما أشار إليه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) مُخاطِبا أصحابهُ: "قَدِمْتُم خَيرَ مَقْدَمٍ، وقَدِمْتُم مِن الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجهادِ الأكْبَرِ: مُجاهَدَةِ العَبدِ هَواهُ". ..................... المصادر 1- الكافي: ج 2 ص 87 ح 2 2- كنز العمّال: ج 4 ص 430 ح 11260

اخرى
منذ 3 سنوات
755

لآلئ من نهج البلاغة الحكمة الرابعة- الفصل الأول

بقلم: يا مهدي ادركني بسم الله الرحمن الرحيم عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "الْعَجْزُ آفَةٌ والصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، والزُّهْدُ ثَرْوَةٌ والْوَرَعُ جُنَّةٌ، ونِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى". الفصل الأول: الْعَجْزُ آفَةٌ. في مجمع البحرين: (العجز ترك ما يجب فعله بالتسويف وهو عام في أمور الدنيا والدين). وفي التعريف قيد احترازي وهو (ما يجب فعله) وبهذا القيد خرج ما هو غير مهم أو واجب فإن عدم القيام بالأمور غير الواجبة لا يعدّ عجزًا. والعجز هو الضعف وعدم الاستطاعة، وقد يكون أمرًا اختياريًا وقد يكون غير اختياري، فإن من يتكاسل عن أداء الفريضة في أول وقتها يعتبر متعاجزاً عن أدائها ولكن باختياره، فهو قد سلم نفسه إلى هواها، أما من عجز عن المشي مثلًا بسبب عاهة ما أو بسبب كبر سنه فهذا النوع من العجز غير اختياري ولذا سمي الشخص الذي هرم (عجوزًا) لضعف بدنه وقلة استطاعته. وأما (آفة) فهي مفرد آفات وهو كل ما يصيب أمرًا فيفسده. بيان الحكمة: عند الرجوع إلى كلمات أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) تهب علينا نسائم عليلة تنعش قلوبنا، وإذا ما تطلعنا إلى سماء بلاغته نستنير بنجوم حكمه، ومنها هذه الحكمة التي سنحاول أن نقطف بعض ثمارها لننتفع منها، وللخوض في لججها لا بد لنا من الإشارة إلى بعض أنواع العجز ومنها: الأول: العجز المطلق الذي يقابل القدرة المطلقة وهو الذي يتمثل بعجز المخلوق أمام الخالق، فالإنسان مخلوق ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا بل هو عاجز حتى عن إيجاد نفسهـ ومحتاج للواجب أن يفيض عليه وجوده، بل هو محتاج إلى الواجب في استمرارية بقائه ووجوده، وهذا ما أشار له القرآن الكريم حكاية عن النبي موسى (صلوات الله وسلامه عليه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [سورة القصص: آية24]. الثاني: العجز التكويني وهو ما يقابل القدرة التكوينية، وبعبارة أكثر وضوحًا: إن الإنسان الذي لا يكون له الاختيار في الفعل او الترك وإنما هو مسلوب أحد طرفي الإرادة، فيكون إما فاعلًا أو غير فاعل لا بإرادته، كالمشلول الذي لا يستطيع أن يحرك يده فهو عندما لا يمسك بالقلم مثلًا ليس لأنه لا يريد، وإنما لأن هناك ما سلبه القدرة تكوينًا عن الفعل. الثالث: العجز التشريعي العجز التشريعي هو الاضطرار على ترك الواجب او فعل المحرم لأمر أوجب منه، كما في الاضطرار إلى أكل الميتة للحفاظ على النفس. الرابع: العجز البدني. وهو عجز اختياري عن الإتيان بالواجب، (وهو عدم القدرة على التصرّفات البدنيّة عمّا من شأنه أن يقدر) (1) وقد يكون سببه التسويف او الكسل. الخامس: العجز النفساني وهو على نوعين: عجز روحي وآخر عقلي، أما الأول فهو ضعف النفس عن أن تقاوم هواها فتقع في شباكها لتصاب بآفات الروح كالحسد والكبر والرياء وغيرها من الأمراض القلبية، وأما الثاني فهو ما يصيب العقل من خمول وتكاسل عن طلب العلم فيقع في دوامة الجهل. وبعد أن عرفنا أنواع العجز وعرفنا ان هناك ما هو الاختيار وغير الاختياري، وأما محل كلامنا هنا هو العجز البدني والنفساني. أسبابه: الأول: كثرة النوم. فإن النوم الزائد عن حاجة الإنسان يكون مدعاة إلى الخمول والكسل، فإن البدن يحتاج إلى ساعات معينة من النوم ليجدد نشاطه ولكن بشرط أن لا تصل حد الإفراط، وإلا فإن الخمول الناتج عن كثرة النوم يثبط من الإرادة والعزيمة من إداء الواجبات. الثاني: سوء التنظيم. فإن كثرة المشاريع التي ينوي الفرد للقيام بإنجازها من دون التخطيط المسبق لها، يؤدي إلى تشوش الذهن وتشتت الأفكار وضياعها مما يدفعه إلى التسويف في أداء مهماته. الثالث: كثرة الطعام. فإنها تورث الخمول، فإن كثرة الطعام من أسباب سقم البدن فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): (إنَّ صِحَّةَ الجِسمِ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ، وقِلَّةِ الماءِ)(2)، ومن كان بدنه سقيمًا فسيكون ضعيفًا عن أداء واجباته فيصيبه العجز. الرابع: مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه بحد ذاتها آفة إن أساء الفرد استخدامها وأفرط فيها، فإنها تحرق وقته وتستهلكه كما تحرق النار الحطب، وإن الإفراط فيها قد يؤدي إلى وصول الفرد إلى حالة الإدمان عليها فتجده يهمل كل شيء بل قد يهمل حتى السعي في طلب قوته وقد يصل الأمر إلى الاستغناء عن ساعات نومه التي يحتاج إليها بدنه. الخامس: عدم الإخلاص في النية. فإن اي عمل يقوم به الفرد إن كان فيه نية خالصة فإنه ينمو، وتكون تلك النية هي مصدرًا للطاقة الدافعة لإنجاز عمله وإتقانه، فعن الإمام الصّادق (عليه السلام): ما ضَعُفَ بَدَنٌ عمّا قَوِيَت علَيهِ النِّيَّةُ(3). آثاره عندما كان العجز آفة فهذا يعني أنه سيفسد ويهلك حياة الإنسان، وقد يصل الأمر إلى الخسران والخزي في الحياة الآخرة، فإن العجز إن ترسخ في النفس هذا يعني أنه سيكون كأغصان نبات صحراوي شائك تمزق وتخدش كل ما يلامسها. إن العجز يفسد الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية، وهو من الأمراض المعدية التي إذا تفشت في المجتمع فستحوله إلى مجتمع استهلاكي اتكالي غير منتج. وتلك الحالة اللا صحية قد تتسرب إلى قلب المؤمن فتسلبه لذة المناجاة والدعاء، فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ أعجَزَ النّاسِ مَن عَجَزَ عَنِ الدُّعاءِ. (4) علاجه: على من أراد السير في طريق التكامل أن ينزع الشوك ويزيح الأحجار المتناثرة عن طريقه ليتمكن من تحقيق هدفه، ولما كان العجز هو أحد تلك الأحجار فلا بد له من إزالته وإزالة ما يحيط به من أشواك، ويكون ذلك عبر الخطوات التالية: الأولى: تنظيم الوقت. وهو من أهم أولويات الإنسان الناجح، فإن الوقت الذي لديه هو ذات الوقت الذي يملكه الإنسان الفاشل غير أن الأول أحسن تنظيمه واستثماره فيما يفيده أما الثاني فقد فرّط فيه وخسره. الثانية: التقنين في عدد ساعات النوم وكمية الطعام ونوعه. فإن لذلك الأثر الكبير في نشاطه اليومي الذي يزيد من قدرته على أداء واجباته. الثالثة: القيام بأعمالك بنفسك وعدم توظيف الآخرين للقيام بها. فإن الحركة هي من أهم مصادر الطاقة البدنية، هذا فضلًا عن ان أداءك لعملك بنفسك ستكون نتائجه افضل بكثير من تلك التي يقوم بها غيرك. الرابعة: صدق النية والتوكل على الله تعالى. فإن لذلك مدخلية في نجاح عملك وهذا مما يؤدي إلى دفع وساوس الشيطان الذي يسعى إلى التثبيط من عزيمتك بالتسويف. إن المؤمن يعمل بدون توقف كخلية النحل ولا يؤجل عمله ولا يترك فرصة لهوى نفسه ان يغلبه. الخامسة: الدعاء. وهو من أهم طرق الوقاية والعلاج من الأمراض الروحية والبدنية، وقد أكد عليه أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) فقد ورد في الدعاء المنسوب للإمام السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل...). _________________ 1- شرح نهج البلاغة، ج 5، ابن ميثم البحراني، ص 240 2- تحف العقول ، ص 172 3- الفقيه : 4 / 400 / 5859 4- الأمالي للمفيد : ص 317 ح 2

اخرى
منذ 3 سنوات
701

حجٌّ إليك

بقلم/ د. حسن عبيد المعموري يهوي إلى ذِكْر الزكيّ كلامي *** ويطوفُ سبعًا في علاه غرامي وأظلُّ أسعى في معالِم جُوده *** مُتَهيِّبًا ومُلازمًا إحرامي إذ أيُّ ركنٍ أستظلُّ ظلالَهُ *** أم أيُّ حِجْرٍ طاهرٍ ومَقامِ ومُلَبِّيًا أنْ لا إلهَ سوى الذي *** يَرضى بآلِ مُحَمّد إسلامي مُسْتَمْسِكًا بالنور أحْمِلُ فَجْرَهُ *** أرمي به شيطانَ كلّ ظلامِ وأَفيضُ من ذاك الشموخِ مُقَصِّرًا *** فالسعيُ لم يَبْلغْ مَحِلَّ تَمامِ يَتَوَسَّلُ الغُفرانَ مَشْعَرُ خُطْوتي *** مُتَزَوِّدًا بالحُبِّ فَيضَ غَمَامِ وأُتِمُّ في سِبْطِ النّبيِّ مَنَاسِكي *** يَتَعَجَّلُ الحُسْنى لديه وِئامي أرنو إلى قُرْبٍ يَبُلُّ جَوَانحي *** ظمآنَ جئتُ إليه بين زِحامِ وأطوفُ في تلك الشمائل وارِدًا *** لا ماءَ زمزمَ بل ولاءَ إمامي ********* يا ليلةَ الميلاد أسرى ضوؤُها *** بين القلوب ليستفيقَ هُيامي توَّجْتِ منتصفَ الصيام بشُعلةٍ *** عَلَويّةِ الساعاتِ والأيّامِ فبدا بكِ الحسنُ الزكيُّ على الدُّنا *** بدرًا تَعاهَدَه السَّنا بذِمامِ وبنور وجههِ أستطيبُ لياليًا *** بيضاءَ، يمنعُ صفوُهُنَّ مَنَامي لأهيمَ في ألقٍ فريدٍ مُجْتبى *** من جَذْوتينِ فأنتشي بمُدامي يا سيدي هذي بضاعةُ والهٍ *** خَجِلٍ، فإنّي ما بلغتُ مَرَامي فإليكَ ميثاقَ المودّةِ سرمدًا *** وعليكَ يا ابنَ الطيبين سلامي

اخرى
منذ 3 سنوات
415

خاطرة

إنه ابن الرسول (صلى الله عليه وآله) ما كان للحُسن اسم قبل وجوده شَق له الرحمن هذا الاسم فكان الحسن! خلاصة النسل الطيب من علي وفاطمة. فاطمة تعني النبي الأمجد محمد بن عبدالله والسيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام وعلياً... يعني الكافل والمحامي والناصر أبا طالب والجليلة فاطمة بنت أسد فماذا بعد هذا المجد يا نور تلألأ في المدينة فاشرق نوره في أرجائها

اخرى
منذ 3 سنوات
292

الشهــــادة

بقلم: غدير فاضل حينما مَضت السنوات الأولى من عُمري، لك أكن أعرفُ ما معنى "الشهادة"، كنتُ أحسبُ أنَّ كلَّ من ينظمُ إلى الحشد ستكون حياتهُ في خَطـر، أُفكر دومًا مـا الذِي يدفعهم للذَهاب إلى الموت بأنفسهم؟ هل لأجَل شيءٍ أنا لا أعرفهُ ؟ لأجَل ماذا أذاً؟ ولكني الآن أيقنتُ سرَّ ذهابهم إلى الجبهات... أيقنتُ أنْ ليس لأراوحِ الشُهداء مثيلٌ، هُم رمزٌ وقدوةٌ لكلِّ الشباب... شتانَ بينهم وبين من يعيش حياته من دون أن يعلم ما يريد هو نفسه!. أسوةٌ للذِين هم متمسكون بالعيش في هذه الدنيا الفانية، أشعر أنّي مدينةٌ لهم بروحي، وإنْ كان هنالك أغلى من الروح سأقدمها لأجلهم؛ لأنهم مضوا لأجل الله، و في سبيل الله، وإلى الله. الشهادة رزقٌ لن ينالها إلا ذو حظٍ عظيم..

اخرى
منذ 3 سنوات
282

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70200

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51264

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41403

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35860

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32677

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32195