ليالي العطاء

بقلم: صفاء الندى إنَّ لكلِّ شيءٍ حقيقة، فالإنسانُ قوامه بروحه، والعبادةُ مخها الدعاء، والشجرةُ أصلُها بجذورها، فكذلك شهر رمضان عِماده وحقيقته ليلة القدر. نعم، هي ثلاثُ ليالٍ جعلها الله (عزَّ وجل) فرصًا إضافية ثمينة لعباده؛ لكي يتلقفوا فيها نفحات رحمته وعفوه وكرمه وجزيل هباته المعنوية والمادية. وإنّ الحديث عن واحدةٍ منها يشمل أخواتها وإنْ كان بينهن مفاضلة فهي غير جوهرية، فبعضُ الروايات تجمع الليالي الثلاث وتُعطي كلَّ ليلةٍ وظيفة محددة في منظومة عملٍ واحدة. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "التقدير في ليلة تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرون، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرون". ولفهم الرواية أكثر نستتبعها برواية أخرى وهي الواردة عن هشام بن الحكم أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنَّ الله إذا أراد شيئًا قدّره وإذا قدّره قضاه وإذا قضاه أمضاه". ولنقرب المعنى نوضح مراحل التقدير الإلهي مع مثالٍ من حياتنا اليومية: المرحلة الأولى: التقدير، بمعنى وضع المخطط (لبناء المنزل) المرحلة الثانية: القضاء، بمعنى إعداد الأسباب ( شراء المواد) المرحلة الثالثة: وهو الإمضاء (إتمام المنزل).'١ كم هو مهمٌ المنزل الذي سنسكن فيه سنوات معدودة؟ ولكن منزلنا في الآخرة أهم؛ لأننا سنكون مخلدين فيه إلى ما لا نهاية. فلننظر كيف نحيي ليلتنا المصيرية هذه التي جعلها الله (عزَّ وجل) في الثلث الأخير من الشهر كمادة امتحانٍ نهائي استمر لأسابيع يُختم بنتيجةٍ معينة، تتبع جهد الطالب نفسه ومدى رغبته بالتفوق أو النجاح المستحق أو مكتفيا باكتساب درجات متدنية وليس مهتمًا لبلوغ الدرجات العالية التي بها رضا الأستاذ وينال التكريم بسببها من الجميع. ولا يعتمد إحياء ليلة القدر على كثرةِ الأعمال التي تؤدى، وعدد ساعات القيام، فمن الحسن إشغال ليالي شهر رمضان بالعبادة والذكر المتواصل والتضرع وبالخصوص ليالي القدر، ولكن الأحسن ويجب التمعن جيدًا ومراجعة استحضار القلب في كلِّ حينٍ وآن أيضًا في هذه الليالي وغيرها. ويمكننا القول: إنَّ من يُحدد ليلة القدر هو العبد نفسه ومقدار خشوعه وعمله وإخلاصه وتفكره في هذه الليلة العظيمة، فالتفكر ومذاكرة العلم أيضًا من أفضل العبادات في ليلةِ القدر كما تذكر بعض الروايات. فإن وفقني الله (تعالى) في ليلة التاسعة عشر وكنتُ أكثر قربًا وإخلاصًا إليه، وواصلتُ أعمالي وفق ما يرضيه كانت ليلة قدْري هي، وإن وُفِّق آخرٌ لإحياء ليلة الحادية والعشرين على أتمِّ مقاييسِ العبودية الحقّة فهي ليلة قدره، وإن أحيى ثالثٌ ليلة الثالثة والعشرين مُستحضرًا قلبه وروحه فيها كانت هي ليلة قدْره. فلكلِّ منّا ليلة قدر خاصةٍ به، وهذا الأمرُ يُستشف من رواية زرارة حيثُ أنّه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن ليلة القدر، فقال (عليه السلام): "هي إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال زرارة: أليس إنَّما هي ليلة؟ قال الإمام (عليه السلام): "وما عليك أنْ تفعل خيرًا في ليلتين" . أو في روايةٍ أخرى "أيسر ليلتين عملت بها"٢ لننثر بذورنا الطيبة في هذه الليالي المباركة، ولنحرص أنْ تكون خاليةً من كلِّ رياءٍ وسمعةٍ؛ لنجني ثمارَ أعمالنا الصالحة، وتكون مقبولة عند الله (تعالى) فيجازينا بالمدة القصيرة الفانية الثواب الجزيل الباقي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١-محاضرة للسيد منير الخباز ٢-بحار الانوار ج٩٤ ص٤

اخرى
منذ 3 سنوات
347

رجُـولــــة

بقلـم: زينب أحمد السعدون أنْ تعي أنّك رجلٌ أهمُ لديّ مـن أنْ تمارس رجولتك على من حولك. الرجولةُ لم تُعرف يومًا بالصلابةِ والقوةِ، أو بتلك العضلاتِ المفتولة. إنْ ظننتها كذلك فأنتَ حتمًا لم تُدركها جيدًا، إنْ كُنت تبحثُ عن رجلٍ مثالي يحملُ تقاسيم الرجولة بحذافيرها سأرشدك على "لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ". فـلا يغرنّك تقلبَ الجاهليةِ لمضامين القوة؛ فهي تكمُن عندما تملكها دون استخدامها في تجريحِ من حولك. لا تستغل مُسمى (رجل) في فرضِ شخصيتك على المرأة مهما كانت تقربُ لك، بل افرض الحُب والرحمة في قلوبِ من حولك. فذلك رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) يُرشدك للوجهةِ الصحيحة. فلتتفطن جيدًا لهذهِ الصورة، والكثير من تأريخنا العبق برجالٍ "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ". عليك أنْ تُتقن فنَّ الرحمةِ في كلِّ شيءٍ. لا تجعل مُسمى "الرجولة" يأخذك إلى عالمٍ أخر يتناقض مع رسالة البشرية، تحرّر من معتقداتك الخاطئة، ولا تصب قواك في كسرِ الخواطر؛ فالخلقُ عيالُ الله تعالى. لم أجدْ أحنَّ وأرقَّ من المؤمن المُتعفف في إثباتِ ذلك، قلبهُ أرقُّ من جنحِ فراشة خرجت توًا من يرقتها؛ لأنَّ قلبه مُلِيء بحُبِ الله (تعالى)، وبات يعي مكمن قوتهِ، فليست الأجساد المفتولة توحي بالقوة، إنّما الأقوال المصحوبة بالأفعال التي تتجسد عندما تملك القدرة على تهشيم رأس أحدهم بسبب فعلٍ أو قول يؤذيك، لكنك لم تفعل فــ "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ". عندما تتحرر من هوسِ القوة المرادفة للعنف، ستجدُ روحك تسمو؛ لأنّك تحرّرت من قيودِ غضبِ الشيطان، فكن قويًا في الإنسانية، فالحُب والعطاء يُقدس بظلِ الرحمة.

اخرى
منذ 3 سنوات
336

علامات المودة في الإمام الحسن ( عليه السلام)

بقلم: أنعام يعقوب عندما يطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرًا استثنائيًا ويجعله أجرًا حصريًا لِتبليغ الرسالة بل يوجبه، فذلك لأهمية الأمر الذي ينفع كافة البشر ورحمة لهم قال تعال: {وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَـلَمِينَ} (١)، وذلك الأمر هي المودة في القربى، فهي نظام للملة كما ورد عن الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الفدكية: "فجعل طَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً لِلْفُرْقَة"، فعندما نقول إن طاعتهم نظام وإمامتهم أمان، أي إن الثروة الروائية التي ثبتت عنهم فيها نظام متكامل لكافة جوانب الحياة. كلمة قد نرددها ونستشعرها كثيرًا في المحافل وهي أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) مظلوم لقلةِ ذكره والحقيقة هي أننا ظلمنا أنفسنا لِقلة ذكره ولا نقصد الذكر له التهنئة وإقامة حفل أو مجلس عزاء، فهذا جزء من المودة له وهو الحب، والرسول (صلى الله عليه وآله) لم يطلب أي مودة كيفما اتفقت وإنما المودة الحقيقة ومن علاماتها: •المعرفة: فالمودة لا تتحقق إلا بالمعرفة، ولا يمكن أن ينتمي الإنسان لأمر إلّا بمعرفته ومحبته، وينبغي أن يزداد الإنسان معرفة بهم في كل ذكرى لهم، وبالتالي تتحقق المودة، ومحور هذه العلامة الأولى لمودة الحسن (عليه السلام) يكون في الإجابة عن سؤال نطرحه على أنفسنا، ما هو مقدار معرفتنا بالإمام الحسن (عليه السلام) الذي تعتمد عليه مقدار المودة؟ •النماء المتواصل: مبدأ رائع يشير إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث مروي عنه يقول: "من اعتدل يوماه فهو مغبون" (٢)، والحديث هنا ليس مُختصاً باليوم، إنما مبدأ يعيشه المؤمن بجميع جوانب حياته عقيدته، سلوكه، علمه، تجارته، وغيرها يسعى دومًا لتطوير هذه الجوانب بهاجس الازدياد المتواصل، ومن هنا نسأل هذا السؤال، ونحن نعيش ذِكرى الإمام الحسن (عليه السلام): هل ازدادت المعرفة عن العام الماضي وعن احياء ذكراه السابق؟ وهل أثر ذلك على جانب من جوانب حياتنا ووقفنا وقفة تغييرية نحو الأفضل؟ إذا كان الجواب نعم فهذه علامة من علامات المودة. • ذِكر سيرته (عليه السلام) ومُذاكرتها على طول العام علامة للمودة. فالمحب يلهج بذكر الحبيب دومًا، والحب علاقة تفاعلية متبادلة من الطرفين وأهل البيت يحبون مجالس ذكرهم، ورد عن -الإمام الصادق (عليه السلام)- لفضيل: "تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إنّ تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا" (٣). إذا من علامات المودة بالحسن (عليه السلام) حُب مجالس ذكره وإقامة تلك المجالس، ولا تنحصر بيوم ولادته أو استشهاده، بل كل ما سَنحت الفرصة. •حقيقة المودة لأهل البيت (عليهم السلام) هو أن يروا شيعتهم حيث أمرهم الله تعالى ولا يراهم حيث نهاهم. وهذا ما يقرب المؤمن للإمام حيث روي عن الإمام الحسن (عليه السلام): القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه. والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه" (٤). وقال (عليه السلام) في وصف أخ له كان صالحاً: "كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه" (٥). مما تقدم يتضح أنّ مودة أهل البيت (عليهم السلام) وحقيقة ذِكر الإمام الحسن (عليه السلام) هو في التفقه في رواياته وآثاره، والاستنارة بها، وإتباع العلماء العاملين بنهج أهل البيت (عليهم السلام). ___________________ ١- سورة الأنبياء آية (١٠٧). ٢-ميزان الحكمة/ محمد الريشهري/ج٢. ٣-ميزان الحكمة/ محمد الريشهري/ج١. ٤-تحف العقول/ ابن شعبة الحراني. ٥-نفس المصدر أعلاه.

اخرى
منذ 3 سنوات
439

الليلة الموعودة

بقلم: نورا كاصد وما زلت أركع عند أعتاب بابك، كانتزاعِ الروح من الجسد كانت تُنتزع التنهيدة من قلبي، آخرُ آهٍ خجلةٌ تأبى الخروج، وترفض المكوث، ولا تعلم كيف تطلب العفو! تتجمع الغصاتُ عقب الغصات، فتتحرر صرخةٌ ملؤها الندم! لِمَ تمّ اختياري أنا لهذا الاختبار الصعب، يتمتمُ لساني بأحرفٍ متقطعة: س.. ي ...د ... ي يا علي! جئتُ بكلِّ حسراتِ قلبي التي تندبُ حظها، أودُّ أنْ أعلِّقَ روحي بضريحك يا مولاي قطعةَ قماشٍ لسيدةٍ خُطف ولدها، أو لطفلةٍ يتيمة تزورك بين الحين والآخر تشكو إليك ظلماً ألـمَّ بها! وتعدّكَ أهلها، وكلُّ من حولها يرونها طفلةً تشكو لوالدها! أنا لستُ سوى ليلةٍ بائسةٍ كُرِّمتُ باسمك وذكرك! قَسَتْ عليَّ الثلاثُ ليالٍ التي سبقتني فتحملتُ أنا عنهن هذا العبء الثقيل. كيف لي أنْ أشرح للناس من أكون؟ ومن أين أتيت؟ كيف لي أنْ أدخل يا مولاي وأنْ أخلع همومي عند ضريحك؟ كم أغبط أولئك المتشبثين قربَ قبرك، رغم أنَّ همهم ليس بعِظَمِ همي، وذنبهم ليس بجسامة ذنبي! ليلةٌ ليست كمثل الليالي، بل أكملت الباقي! أرفعُ يديَّ بكلِّ قوتي التي أكَلها الضعف، يعلوهما رمادُ اليأس وأدمعي المتناثرة! وبين حنينٍ وشوقٍ لتعلقي بشباك ضريحك، مرّت فوقي سحابةٌ بيضاءُ أمسكتْ بيدي وأخذتني إلى داخل الضريح المبارك بمشهدٍ ترتعش له الأبدان، صوت القرآن يختلط بالدعاء والبكاء، وتتعالى أصواتُ المؤمنين بطلب العون بتوجّه صاحب المشهد المعظم لله (عزَّ علاه) لرفع الهموم وكشف الكرب. خفتُ كثيرًا، وما عدتُ قادرةً على النطق، هويتُ أرضًا مغشىً عليَّ، صحوتُ بعدها وأنا أردد: أنا الليلة التي استشهد فيها الإمام علي (عليه السلام)، أنا تلك المسكينة التي ينتظرني المؤمنون؛ كي يُحيوا بي فرائض الطاعة، أنا التي لو علموا بحزني لما انتظروني، أنا تلك التي لايزال في قلبي أملٌ، أن أطلب العفو ويعفو عني أميري. وقفتُ ببابِ بيتك وقد وهن عظمي وملأ الشيبُ رأسي ولم أعد قادراً على حمل اسمي أو عنواني، أنا النكرةُ التي لولاك لما عرفني أحدٌ. يا مولاي، أنا طيفُ الأحلام الميتة وقت استشهادك، جئتك من زمن الليالي؛ كي أتعافى فيك، فقد أصابني قدرُ الله تعالى بك حتى شاخَ هذا العالم، ورأسي إلى اليوم جريح، امحُ زلتي؛ كَوني أنا الليلة التي قضت على كلِّ أحلام أيتامك. وعسى أن يوزعني ربي من عنده عمرًا؛ كي أقطن عند بابك أرجو عفوك إلى يوم يبعثون.

اخرى
منذ 3 سنوات
302

مشاكلُ المراهقين ومعالجتها في فكرِ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأسباب والحلول (٢)

بقلم: حنان الزيرجاوي بعد أنْ بيّنا في المطلب الأول تعريف المراحل العمرية المختلفة مع التركيز على المرحلة التي نخصّها في بحثنا هذا، نأتي لبيان المطلب الثاني الذي هو بعنوان: (بيان التغيّرات والظواهر التي تبرز في مرحلة المراهقة) تُعدُّ فترة المراهقة مرحلةً عمرية انتقالية يمرُّ بها الإنسان، وهي فترةٌ مهمة ومؤثرة جداً في حياته، فهي من أهم وأخطر المراحل شأنًا في حياة أبنائنا بعد اجتيازهم لمرحلة الطفولة بسلام، وقد أطلق عليها بعض العلماء مرحلة "الولادة الثانية"؛ لما لها من خصائص وتغيّرات أساسية واضطرابات شديدة فسيولوجية كثيرة وسريعة تحدث في العديد من الجوانب الجسدية والانفعالية والاجتماعية وغيرها والتي لها الأولوية في تشكيل شخصية كلا الجنسين. وهذا لا يعني أنَّ النمو من مرحلةِ الطفولة إلى المراهقة يحدثُ بشكلٍ مفاجئ، وإنما يكون نموًا تدريجيًا ومستمرًا ومتصلًا. فالمراهق لا يتركُ عالم الطفولة ويصبح مراهقًا بين عشيةٍ وضحاها، إنّما يكون انتقالًا تدريجيًا على الصعيدين الداخلي والخارجي. إنّ معرفة سيكولوجية النمو والتغيرات التي تطرأ على هذه المرحلة مهمةٌ في حدِّ ذاتها؛ فإنها تصقل معرفتنا لطبيعة معايير نمو الإنسان من كافة الجوانب، لكي يتسنى لنا التحكم في العوامل والمؤثرات التي تؤثر في النمو وفي أساليب سلوك المراهق التي تتزامن مع هذا النمو. فهناك اختلافٌ بين شخصٍ وآخر، وتفاوتٌ في هذه التغيّراتِ حسب الظروف التي يمرُّ بها ذلك الشخص وحسب المؤثرات الوراثية وغيرها من أسباب. ومعرفة تلك التغيّرات تساعد كلا الطرفين؛ فمن جهةٍ تُمكِّن الأهل من فهم مراحل نمو أولادهم والتغيّرات التي تحدث لهم وكيفية التعامل مع هذه التغيرات لإعانتهم على تخطي تلك المرحلة بسلام ومن دون انحرافٍ بجميع أشكاله، ومن جهةٍ ثانية تساعد الفرد المراهق ذاته في تكوين مفهومٍ صحيحٍ وواضحٍ نحو جسمه ونفسه ليُدرك أنَّ الله (تعالى) قد خلق الإنسان لينمو تدريجيًا، وجعل تفاوتًا في القدراتِ والإمكانياتِ من حيث الجسد والذكاء وغيرها بين شخصٍ وآخر، يجب على الفرد أنْ يتقبله؛ ليتكيّف مع وضعه في كلِّ مرحلةٍ من مراحل النمو. لذا سنسلّط الضوء على أهم التغيّرات العامة والشائعة التي تنتاب الفرد في هذه المرحلة بعد تقسيمها إلى ثلاثة أقسامٍ وهي: أولًا/ النمو الجسماني ثانيًا/ النمو الانفعالي ثالثًا/ النمو الاجتماعي وهي ما سيأتي تفصيلها بعون الله (تعالى)..

اخرى
منذ 3 سنوات
362

وردةٌ تستقي رحيقًا

بقلم: يا مهدي أدركني البنت: السلامُ عليكِ يا أمّاه. الأم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي. البنت: هل أستطيع أنْ أجلس معكِ قليلًا يا أمّاه؟ الأم: نعم يا حبيبتي بالتأكيد فقد اشتقتُ لعطرِ الزهور. البنت (مُبتسمةً): أمّي لديّ سؤال. الأم: نعم، تفضلي يا صغيرتي. البنت: لقد سمعتُ من مُدرّسةِ التربية الإسلامية بأنَّ شهر رمضان يجعلنا نشعر الفقراء، فهل الفقير يجوعُ فقط في النهار؟ وهل ينامُ وبطنه ممتلئة بالطعامِ الشهي؟ نحنُ ننتظرُ شهرَ رمضان بشوقٍ، فله أجواءٌ وطقوسٌ نحبها كثيرًا، نحنُ نجتمعُ مع العائلةِ على سفرةٍ شهية، فأنتِ يا أمّي تقفين طويلًا في المطبخ لتُعدّي لنا أشهى الأطباق وألذها كي نقوى على الصيام في اليوم التالي ولا نشعر بالجوع. وأبي يُكافئنا في نهايةِ الشهر بهديةٍ ثمينةٍ وملابس جديدة، فهل هذا هو شعورُ الفقراء يا أمّي؟ الأم: أحسنتِ السؤال يا صغيرتي، فهو سؤالٌ ذكي جدًا. في البدايةِ يجبُ أنْ تعلمي يا حبيبتي أنَّ الغاية الحقيقية من صومِ شهرِ رمضان غير منكشفةٍ لنا، وكلّ ما نعلمه قد يكون جزءًا بسيطًا جدًا من علة الصيام. وهناك الكثير من الروايات الشريفة التي تؤكد على أهمية الصيام وعلى فوائده الكثيرة، ومنها الحديث المروي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "صوموا تَصِحّوا"(1). ولعل ما سمعتيه من مُدرّستكِ هو أحدُ آثارِ الصوم التي إذا ما طبَّقها المؤمن بصورةٍ صحيحةٍ فهو قد يستشعرُ آثارها. فهناك الكثير من الأحكام التي نؤديها ولكن ليس على وجهها الصحيح، مثلًا جاء في القرآن الكريم: "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ"(2) ولكن مع هذا نجد الكثير ممن يُصلّون ولكنهم لا ينتهون عن ارتكاب الذنوب والفواحش؛ لأنَّهم لا يؤدونها بشكلها الصحيح الذي يؤثرُ فيهم، فإنَّ جوارحهم فقط هي التي تصلي، أما الجوانح فهي ساهيةٌ لاهيةٌ في دنيا فانية. وهناك من أصبح همه كيف يسدُّ مكان الشيطان في شهرِ رمضان، وكأنّه ماقتٌ على أمةِ الإسلام؛ لأنَّ الشيطان في هذا الشهر المبارك مغلولٌ لا يستطيع أنْ يغوي الإنسان فيقوم هو بدوره. فتجدين يا صغيرتي برامج الطعام تنشطُ في هذا الشهر؛ لتقيّد المرأة في المطبخ ساعاتٍ طويلةٍ، لاهيةً عن العبادة، ومسرفةً في أطباق الطعام، وأما برامج اللهو والغناء والطرب والمسلسلات فهي تبثُّ سمومها في البيوت وتقتلع جذور العفّة من البنات وتُجرِّئ الأولاد على عقوق الوالدين، هذا فضلًا عن برامج التواصل الاجتماعي التي تنشرُ ثقافة الأنانية، وعدم الاكتراث بمشاعرِ الآخرين بنشر صور الطعام غير مكترثين بمن يتضور جوعًا. البنت: الآن فهمتُ يا أمّي لماذا لا تسمحين لنا بمشاهدة التلفاز في هذا الشهر، ولماذا تسعين أنتِ ووالدي للإكثار من جلسات القرآن، فإنّي أرى أنَّ الشيطان الآن موجودٌ في كلِّ بيتٍ، مقيدًا بجهازِ التلفاز، يضحكُ على الإنسان؛ لأنّه هو أصبح أدهى من الشيطان. الأم: أحسنتِ الوصف يا صغيرتي، للأسف هذه هي الحقيقة. البنت: أمّي ماذا علينا أنْ نفعل لنغلب هوى أنفسنا ونفوز بهذا الشهر العظيم الذي كرمنا الله (تعالى) به وأغلَّ الشيطان فيه لأجبنا؟ الأم: إنَّ من أهمِ الموائدِ الشهية في هذا الشهر الشريف هي مائدة القرآن الكريم، فلتكن قراءتك فيه بتدبرٍ وتفكر، وإنْ أتممتِ قراءة القرآن انتقلي إلى طبقِ الدعاء؛ فإنَّ له حلاوةً تبقى إلى العام القادم في الأرواح، ولا تنسي أنْ تروي عطش فؤادكِ بمناجاةِ صاحب الزمان (عجّل الله (تعالى) فرجه الشريف)، فالصائمُ يحتاجُ إلى الماء في وقتِ إفطاره أكثر من أيِّ نوعٍ آخر من الطعام والشراب. البنت: شكرًا لكِ يا أمّاه، فقد استفدتُ كثيرًا من هذا الحديث. الأم: صغيرتي، أنا أشكرُ الله (تعالى)؛ لأنّه رزقني ببنتٍ ذكية مثلكِ مؤمنة وتفوحُ منها رائحة حب الله (تعالى)، باركَ اللهُ بكِ وجعلكِ من أنصارِ الإمام صاحب الزمان (صلوات الله وسلامه عليه). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- بحار الأنوار ج 96 ص 255 ح 33 2- سورة العنكبوت آية 45

اخرى
منذ 3 سنوات
274

زيارةُ القبورِ طاعــةٌ للـّهِ لا شركٌ به (1)

بقلم: رضا الله غايتي المقدمـــــــة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، حبيبنا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين. وبعد يُعدُّ التوحيد أعلى أصول الدين وأهم القضايا التي أرسل الله (تعالى) من أجلها الأنبياء والمرسلين، وهو الحدُّ الفاصل بين الدين واللا دين، وبه تثبت للإنسان المسلم حقوقه، وبالحكم عليه بخلافه يُجرَّد من جميعها بما فيها حقّه في الحياة –في بعض الأحيان-، كما أنَّه يُحكم عليه بالخلود في النار الى أبد الآبدين؛ ولذا فقد كان احترامه وعدم المساس به من أكثر المسائل التي أكّد عليها حبيب إله العالمين، كما نهى عن التكفير والاتهام بالشرك لما له من الضرر العظيم والخطر الجسيم، فقد أخرج أبو داود عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "أيّما رجل مسلم أكفر رجلًا مسلمًا فإنْ كان كافرًا وإلا كان هو الكافر"(1) ولما تفطن أعداءُ الإسلام إلى هذه المسألة الحساسة اتخذوا منها سيفًا صارمًا للتفريق بين المسلمين، فزرعوا بينهم فرقةً أشبه ما تكون بالخلايا السرطانية التي لا همَّ لها سوى تدمير الجسد، وغذّوها بالدولارات ودعموها بالحكم والسلطان لتنشر وباءها الخبيث وتجتث من جسد الإسلام صفوة المؤمنين. ولمّا كان محبو أمير المؤمنين (عليه السلام) وعشاق الإمام الحسين (عليه السلام) هم تلك الصفوة؛ فقد تميّزوا بالعقائد المحكمة والتنمر بذات الله تعالى، وهم الذين أقضّوا مضاجع الاستعمار والمستعمرين، فقد سدّدَ الاستعمار سهامه لضربهم لتكون أول طائفةٍ يُكفِّرها أتباعهم من الجهلة الوهابيين. وبناءً على ذلك فقد وضعوا مبانيهم الاعتقادية وسنّوا أحكامهم الشرعية وكأنّها قد فُصِّلت تمامًا لغرضِ تكفير شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالوا: "من قال: لا إله إلا الله لا يخلو أنْ يكون واحدًا من اثنين: إمّا أنْ يقولها دون أنْ يُشرك بالله شيئًا، أي لا يزور قبرًا، ولا يبنيه، ولا يُصلي عنده لله، ولا ينذر له، ولا يمسّه، ولا يتمسح به، ولا يطوف حوله، وإما أنْ يقولها، ويفعل شيئًا من ذلك، والأولُ لا يُسأل عن شيء، ولا يُحاسب على شيء، وإنْ أتى بمليء الأرض ذنوبًا "(2) وبناءً على ذلك فقد قسّموا الأمة الإسلامية إلى قسمين: قسم أشبه بما ادعوه اليهود (شعب الله المختار)، وقسم عاصٍ مُشرك لا يستحقُّ في الحياة الدنيا سوى قتلِ الأنفس وإزهاق الأرواح وسبي النساء والذراري واستباحة الأموال، ولا يستحقُّ في الحياة الآخرة سوى الخلود في النار! وقد أشاروا إلى القسم الأول بقولهم: «إنَّ التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنّه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه، وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض»(3) على حين أشاروا إلى القسم الثاني بقولهم: «كما هو الواقع في هذه الأمة ـ أي أمة محمد والواقع منهم هو العصيان ـ وهذا هو الشرك الأكبر المنافي للتوحيد ـ إلى أنْ قال ـ فأثبتوا ما نفته كلمة التوحيد، وتركوا ما أثبتته من التوحيد»(4) ومن هنا فقد عدَ الوهابيون زيارة القبور وما يستتبعها من التبرك بها والاستشفاع والتوسل بمن يرقد فيها من الصالحين وما إلى ذلك أولى علامات الكفر والشرك! ولأجل ذلك فقد استُبيحت الدماء، وانتُهِكت الأعراض، ونُهِبت الأملاك، بل وتحوّلت بعض البلدان الإسلامية التي ضمّت أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إلى ساحةِ حربٍ بينهم وبين هؤلاء التكفيريين بدعمٍ استعماري في وَضَحِ النهار وتأييدٍ صهيوني مُبين. ولأهميةِ مسألة زيارة القبور فقد ارتأيتُ أنْ أناقش أبرز ما توجّه للزائر الكريم من شُبُهاتٍ ترميه بالبِدعةِ تارةً وبالشركِ أخرى وبالكفرِ ثالثة، بدءًا من شدِّهِ الرحال لزيارة قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، مرورًا بالتبركِ بقبورهم والتوسل بذواتهم الطاهرة والاستشفاع بمنزلتهم الرفيعة عند الله (تعالى)، إلى الصلاةِ عند قبورهم والإسراج عليها وانتهاءً بزيارةِ النساء لقبورهم المباركة. ولمناقشةِ هذه الشبهات بشيءٍ من العلمية، كان لابُدَّ من تقسيم البحث إلى فصلين: الأول منهما: يتناول التوحيد وخطورة التكفير. وقد جاء على ثلاثة مباحث: الأول منها: عن التوحيد الحق. أما الثاني فكان عن التوحيد وفقًا للرؤية الوهابية لتتضح مناشئ التكفير والاتهام بالشرك. ليكون الثالث عن خطورة التكفير. وأما الفصل الثاني: فقد تناولتُ فيه الشُبُهات التي أطلقها الوهابيون حول زيارةِ القبور وهي: شُبهة تحريم شدِّ الرحال إلى ما سوى المساجد الثلاثة. شُبهة تحريم التوسل والاستشفاع بمن يرقد في القبور من الصالحين واتهام المتوسل بالشرك في الربوبية. شُبهة تحريم التبرك بقبور الصالحين واتهام القائم بذلك بالشرك في الألوهية. شُبهة تحريم الصلاة عند القبور. شُبهة تحريم الإسراج على القبور. وأخيرًا شُبهة تحريم زيارة النساء للقبور. وقد أفردتُ لكلِّ شبهةٍ مبحثًا خاصًا، وللخروج من هذا البحث المتواضع بثمرةٍ مفيدةٍ فقد ختمتهُ بخاتمةٍ أدرجتُ فيها النتائج. ختامًا، أسأل الله (تعالى) أنْ أكونُ قد وُفِقت ببيان وتوضيح موضوع البحث ولو بشكلٍ يسير، كما أسأله القبول. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1ـ سنن أبي داود ج4 ص221 2ـ هذه هي الوهابية ص111 3ـ فتح المجيد ص54 4ـ المصدر السابق ص101

اخرى
منذ 3 سنوات
268

فرصةُ خيرٍ لا تُفوَّت

بقلم: أم باقر الربيعي روي عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي (عليه السلام): "انتهزوا فرص الخير، فإنَّها تمرُّ مر السحاب"(1). إذا تأملنا حياة العظماء والمفكرين والقادة والناجحين على مرِّ التأريخ، فإننا نصلُ إلى حقيقةٍ مهمة وهي: أنّ الاغتنام الصحيح للفرصة الذهبية واستثمارها بالنشاط والجد والمثابرة والثقة بالنفس، هي السبب في هذا النجاح والتميُّز، دون تضييعها بالكسل والتقاعس وهدر الوقت في التأسف عليها لاحقًا، بعد أن كانت الكرة في ساحتك ومتناول يدك. والحياةُ أيضًا عبارة عن فرصةٍ منحها الباري (جلَّ وعلا) للإنسان، بعد أنْ أعطاه هبة عظيمة لا تقدر بكنوز الدنيا أو جواهره الثمينة وهو العقل، موضع الإدراك والتحكم السليم في جسم الإنسان، والذي به يُثاب وبه يُعاقب، فما دام الإنسان في هذه الحياة فعليه أن يستثمرها، بالطاعة والعبادة والعلم النافع الواقي له من مرديات الفتن، وخصوصًا في فترة الشباب فترة النشاط والطاقة والحيوية. فليستثمر وقته في حفظ القرآن الكريم مثلًا ومعرفة تفسيره، أو مطالعة كتاب ديني أو علمي أو تاريخي يثقف نفسه ويكثّف معلوماته وينمي طاقاته وقدراته، ويبدع في إبراز هواياته قبل أن يهرم وتشيخ كل قواه وتمرض، وحينئذ يعجز حتى عن إمساك الكتاب وتصفحه، بل وتخونه ذاكرته في جمع المعلومات أيضًا، فالحياة والشباب والصحة كلُها فرصٌ أُتيحت لبني البشر ليرتقوا من خلالها سُلّم الكمال والتكامل، فالباري (جل وعلا) لم يخلق الإنسان عبثًا بل خلقه لحكمةٍ وغايةٍ قال (تعالى): "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ"(2). وفي شهر الخير والبركة، منحنا الباري (جلَّ وعلا) فرصة خيرٍ وجودٍ وكرمٍ لا تعوض؛ حيث دعانا إلى ضيافته، وبسط لنا موائد رحمته، ونوّعها بما تجود عطاياه وكرمه، وزيّنها بقناديلَ حلمه، ليهرع إليها المذنبون، ويلجأ إليها المحبون، ويتلذذ بها المشتاقون، ويغترفُ منها المحتاجون، ويأملها الراجون. فنفحاتُ ألطافه تغمرُ هذا الشهر الفضيل بأيامه ولياليه، فلنكثر التزوّد من مائدة الكريم الجواد، قبل فوات الأوان، وعضِّ إصبع الندامة والحسرة على ما فرّطنا في جنب الله تعالى، فالطريقُ موحشٌ مظلمٌ مليء بالأحجار والأشواك؛ التي تحول دون الوصول إلى الحق (تبارك وتعالى)، والنزول بساحة جماله وجلاله، والتشرف والابتهاج بجوار أوليائه. وقول الإمام الآنف الذكر لهو درسٌ من دروس التنمية البشرية، ففرصِ الخير تمرُّ كمرِّ السحاب على عُجالةٍ ودون تريُّث، والحاذقُ الذكيّ من انتهزها واستثمرها، فهلّا انتهزنا شهر الخير واستثمرنا موائده الروحية بما تقربنا إلى الله زلفى لننال فوزه ورضاه ونحظى بجواره! وتلك هي السعادة الحقيقة. __________________________ 1- ميزان الحكمة - محمد الري شهري - ج 3 - الصفحة 2398. 2- سورة المؤمنون : آية 115.

اخرى
منذ 3 سنوات
371

خاطرة

ها قد تسارعت أيامه مضى نصفه ونحن بين مذهول ومفزوع فهو كماء المطر لا ينتظرك يهطل عليك بخيره فإن وسّعت وعاءك ربحت وإن غفلت عنه خسرت فسارع لما تبقى منه فهو ضيف خفيف سريع المرور ولكنه يترك خلفه أثرًا فينا

اخرى
منذ 3 سنوات
325

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70197

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51259

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41402

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35857

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32674

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32194