أختي الزينبية: حجابُكِ تجسيدٌ لولائكِ...

ملاحظات حول الحجاب السلوكي أولاً: ملاحظات حول المشي: للاعتقاد الأثر البالغ في السلوك بقطع النظر عن مدى إيجابيته من عدمها، ولو تأملنا في الاعتقادات الاسلامية قليلاً لوجدناها كلها تدفع بالإنسان نحو السلوك الحسن والتصرف الإيجابي والأفعال الحميدة والأعمال الصالحة، أبرزها الاعتقاد أننا أينما كنا وأينما حللنا وفي أي وقتٍ كنا وعلى أيِّ حال صرنا فإننا في حضرة الله (تبارك وتعالى)، ولو وضعنا آيةً واحدة فقط مكوّنة من خمس كلماتٍ فقط نصب أعيننا لكان الاعتقاد بها كفيلاً بتصحيح سلوكنا طيلة حياتنا وهي قوله (تعالى): أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) العلق 14 فيا عزيزتي الغالية، وأنت تخطين خطواتكِ المباركة لزيارة السبط الشهيد (عليه السلام)، دعي قلبكِ يستنير بهذا الشعور الجميل، الشعور بأنكِ بحضرة الله (تبارك وتعالى)؛ لينعكس نوره على حركاتك وسكناتك، فلا تتحركين إلا بما يُرضي الشرع ولا تسكنين إلا طاعةً لرب العالمين.. ومن المعلوم أن زيارة الامام (عليه السلام) مشياً على الأقدام لا تكون إلا في الطرقات العامة، أي تكون المرأة طيلة مشيها ذلك في مرأى من الأجانب، وعليه أختي الزائرة لابد من أن تحجِّبي سلوككِ، أي تمتنعين عن كل ما يثير الافتتان بكِ مهما كان يسيراً في نظركِ، وإن كانت نيتكِ سليمة أو لم تكوني تقصدين بالإتيان به إثارة غيركِ أو لفت أنظاره.. فإذا مشيتِ أختي العزيزة فحاولي أن تمشي ضمن مثيلاتكِ في الطريق الذي يخلو من الرجال أو يقل تواجدهم فيه نسبياً، ولتكن مشيتكِ بسكينةٍ ووقار وكأنكِ تنظرين السيدة الزهراء (سلام الله عليها ) أمام ناظريكِ وتقلدينها في مشيتها، وقد ترين وأنتِ في طريقكِ من تحشر نفسها بين الرجال الأجانب، فهذه فرصتكِ أختاه المؤمنة لتنبيهها بلطفٍ ولباقة بأن هذا الوضع لا يليق بالمؤمنات العفيفات، واحرصي على أن تقدِّمي لها البديل كأن توجهي إليها دعوة بالانضمام اليكِ أو تدلّيها على طريقٍ آخر، أو توضحي لها أن التأخر في الوصول الى الامام الحسين (عليه السلام) أو عدم قطع كل المسافة لهو الخيار الأصوب؛ لأنه يحافظ على واجب شرعي وهو (حجابكِ)، كما يحافظ على ثواب المستحب الذي تعبتِ من أجله وهو (زيارتك)، بخلاف خيار التدافع مع الرجال الذي يفقدكِ ثواب المستحب، بل ويحملِّكِ وزر التهاون في أداء الواجب. ومما لاشك فيه ــ أختي المؤمنة ــ أنكِ لحريصة على ستركِ وحجابكِ، ولذا تتمسكين بعباءتكِ خشيةَ أن تنفتح أثناء المسير، ولكن حماكِ الله وأيّدكِ قد تجدين من فاتها هذا الأمر أو تهاونت به لسببٍ أو لآخر، فحاولي توجيهها بكل رفق ولين، وإياكِ أن تكوني سبباً في نفور إحداهن من الدين.. ومن اللطيف أن تحملي معكِ أختي الموالية بعضاً من الدبابيس والخيوط والإبر لتعيني أخواتكِ على إحكام غلق عباءاتهن بواسطة تلك الوسائل البسيطة وبلا شك ستنالين الثواب الجزيل من الله الكريم والمكانة الرفيعة عند سيدتك العقيلة.. وأنتِ أختي الحبيبة كان الله في عونكِ فلكَمْ تعبتِ في قطع هذا الطريق حباً وتقرّباً لسيدكِ ومولاكِ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أفيُعقل أن ترضي بأن تؤذي قلب سيدكِ وأنتِ التي ذرفتِ الدموع تلو الدموع حزناً عليه؟! أم هل تتقبلين أن يُعرض بوجهه الكريم عنكِ وأنتِ التي لتراب قبره كم تمنيتِ لو تقبلين؟! فلا تدعي من تهاونكِ في التمسك بطرفي عباءتكِ وإهمال إحكام حجابكِ أن يقف سداً منيعاً بينك وبين إمامكِ وشفيعكِ.. وإن كان هذا الأمر يصعب عليكِ فمن المستحسن أن تستعيني بالدبابيس أو (الطباقيات) على ذلك، وحينها تضمنين أن العباءة ستكون ساترة لتمام بدنكِ إن شاء الله.. وأثناء مسيركِ المبارك أختي المصونة قد يسقط من يديكِ شيئ ما فتضطرين إلى حمله، فحاولي أن تستعيني بمن معكِ من الصغار لأجل ذلك، وإن لم يكن معكِ من الصغار أحد فحاولي أن لا تنحني عليه بل اجلسي لترفعيه من الأرض، فإن ذلك أقرب إلى الستر والحجاب.. وأما بعد إكمالكِ الزيارة ــ وفقكِ الله أختي المؤمنة وتقبل منكِ ــ فالمرجو منكِ أن تتريثي قليلاً ولا تستعجلي في العودة إلى منزلكِ لئلا تقعي في إشكالية الاختلاط مع الرجال ومحذور احتمال وقوع المنافيات الشرعية ــ لا سمح الله ــ حتى تجدي وسيلة نقلٍ تأمنين فيه على حجابكِ وتحفظين فيها كرامتكِ ... ثانياً: ملاحظات حول الصوت والكلام تميّز الامامية بإحياء مناسبات أئمتهم في الأفراح والأحزان، ولا يقتصر إحياؤهم لتلك المناسبات على مشاركتهم لأئمتهم في فرحهم ومواساتهم في حزنهم وحسب، بل هي بمنزلة تجديد العهد والولاء بالتمسك بمنهجهم المبارك (عليهم السلام) والاقتداء بسيرتهم العطرة أيضاً، وزيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) ــ أختي العزيزة ــ كواحدةٍ من تلك المناسبات الدينية لا بدَّ أن تأخذي بنظر الاعتبار فيها كلا الأمرين ، فتواسين أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الفاجعة المؤلمة أولاً، وتعاهدينهم على التمسك بمنهجهم الحق ثانياً، وكلا الأمرين باطني ولكن لابد أن ينعكسا على الظاهر، بحيث تترجمهما الجوارح بكل وضوح، وتجسدهما الأعضاء بكل جلاء.. ومن أهم صور تجسيد تجديد الولاء أختي الموالية هو عدم رفع المرأة لصوتها أثناء حديثها، فإذا تحدثتِ أختي المؤمنة حاولي أن تخفضي من صوتكِ، ولكِ في السيدة زينب (سلام الله عليها) قدوة وأسوة، إذ طيلة مكوثها في بيت أبيها لم يُسمَع لها صوت. وإنه لمن الصحيح ــ أختي الفاضلة ــ أن تتجنبي الحديث إلى الرجال الأجانب بغير ضرورة، فإن دعتكِ الضرورة إلى الحديث إليهم فتمسّكي بآداب حديث المؤمنات الوارد في القرآن الكريم إذ قال (تعالى): فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) (الأحزاب 32)، وقد جمعت هذه الآية المباركة آداب الحديث في نقطتين: طريقة الحديث، ومحتواه. فأما طريقة الحديث فينبغي على المرأة المؤمنة التحدث بشكل لائق ومُرضٍ لله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وآله) وذلك بالتزام الاسلوب الاعتيادي في الحديث وعدم التشبه بالنساء المتميّعات اللاتي (يسعين من خلال حديثهنّ المليء بالعبارات المحرّكة للشهوة، والتي قد تقترن بترخيم الصوت وأداء بعض الحركات المهيّجة، أن يدفعن ذوي الشهوات إلى الفساد وارتكاب المعاصي)( التفسير الأمثل ج13 ص234) وأما محتوى الحديث فقد عبّر الله (تعالى) عنه بالقول المعروف: وله معنى واسع يتضمّن بالإضافة إلى ما تقدّم نفي (كلّ قول باطل لا فائدة فيه ولا هدف من ورائه، وكذلك .. المعصية وكلّ ما خالف الحقّ)(نفس المصدر). وقد عبّر القرآن الكريم عن القول الذي ينبغي أن تلتزم به نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بـ (القول بالمعروف) دفعاً لما قد يُتصوَر أنّ تعامل نساء النّبي (صلى الله عليه وآله) مع الأجانب ينبغي أن يكون مؤذياً وجارحاً وبعيداً عن الأدب الإسلامي، فعبّرت الآية بالمعروف لتبيَن وجوب أن يكون الحديث بأدب يليق بهنّ، بحيث يخلو من كل صفة مهيّجة وفي الوقت نفسه يتّسم بالأدب والبعد عن الإيذاء.. وهذا حد الاعتدال في الحديث الى الأجانب الذي ينبغي لكل مؤمنةٍ أن تتمسك به.. ثالثاً: ملاحظات حول المبيت والاستراحة والطعام رحلة الزيارة إلى الامام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام لا تخلو من العناء المادي كما هو معلوم، وعليه فللجسم حق الراحة والتزوّد للتقوّي على العبادة وإكمال المسيرة، ومن هنا قام لفيف من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات بنصب مواكب أو بناء حسينيات لغرض استراحة الزائرين والزائرات فيها، مهيئين ــ جزاهم الله خير الجزاء وجزاهن ــ كل ما يحتاجه الزائرون و ما تحتاجه الزائرات من وسائل الراحة.. فيا أختي المؤمنة حاولي أن لا تستريحي على الطرقات أو في الساحات المكشوفة أو على المقاعد المخصصة للجلوس في الشارع حيث تكوني في معرض أنظار الرجال الأجانب، وإن كنتِ بحاجة إلى استراحة خفيفة وقصيرة لا تتجاوز دقائق معدودة مثلاً فلا بأس بالجلوس على تلك المقاعد على أن تختاري البعيد منها عن الأنظار ولتكن جلستكِ بكل وقار وبكامل ستركِ وحجابكِ. كما يفضل أن تحتاطي ولا تستريحي فضلاً عن المبيت في داخل البيوت إلا إذا قطعتِ أنكِ ستكونين بمأمنٍ على نفسكِ وستركِ وشرفكِ، ولعل المكان الأكثر أمناً للزائرات هو المواكب والحسينيات المعدّة للنساء والموجودة على طريق الزائرين؛ لأنها تتوفر على كل ما يحتجن إليه الزائرات من جهة، ويكنَّ فيها أكثر حريةّ حيث لا يتقيدن فيها كثيراً لاقتصارها على النساء من جهةٍ أخرى. ولكن مع ذلك لا بد أن تستفيدي من نباهتك أختي المؤمنة فقد يدخل هذه المواكب والحسينيات بعض الصبيان المميزين لكونهم برفقة أمّهاتهم غالباً، فحاولي التقيد بالحجاب المناسب أمامهم وتنبيه من معكِ من الأخوات الى ذلك أو أن تقومي بالاتفاق مع صاحبة الموكب أو الحسينية لتوفر لهم مكاناً منعزلاً عن النساء، بعد استثمار حكمتكِ ورفقكِ في الحديث إلى والدتهم واقناعها بذلك.. وأما بالنسبة الى الطعام، فحاولي أختي العزيزة أن تكون استراحتكِ في إحدى الحسينيات أو المواكب المعدة للنساء قبل أذاني الظهر والمغرب بنصف ساعة على أقل التقادير لتتمكني من غسل يديك والوضوء والتهيؤ للصلاة والراحة وتناول الطعام، وأما الإفطار الصباحي فحاولي أن تتناوليه داخل الحسينية أو الموكب قبل مغادرتك وإن تأخر عليكِ قليلاً لأن ذلك أفضل بالتأكيد من تناولكِ للطعام بمرأى من الرجال الأجانب.. ولشدة حب الموالين للإمام الحسين (عليه السلام) فإنهم يقومون بتوزيع الوجبات الخفيفة والفواكه والعصائر وما شابه ذلك بين الوجبات الرئيسية على الزائرين والزائرات وغالباً ما يتم التوزيع في الطريق، فحاولي أختاه أن تثبتي للإمام الحسين (عليه السلام) أنت أيضاً حبكِ له بالحفاظ على حجابكِ من خلال عدم مزاحمة الزائرين أو التدافع مع الزائرات من أجل وجبةٍ غالباً ما تكونين لستِ بحاجةٍ ماسةٍ إليها. وأما إن كان السبيل إليها سهلاً ولا يؤثر على حجابكِ وأعجبكِ تناولها فلا بأس طالما ستختارين أختي المصونة محلاً بعيداً عن الأنظار أو داخل إحدى الحسينيات والمواكب لتناول الوجبة.. ولا تنسي أختاه المؤمنة أن تأخذي من الطعام ما يناسب حاجتكِ إليه لئلا تضطري إلى رمي المتبقي منه فتأثمي ــ لا سمح الله ــ، وتذكري دائماً وذكّري من كان بحاجة إلى الذكرى بقوله (تعالى): إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) (الاسراء 27). فإن تناولتِ طعامكِ هنيئاً مريئاً لا تنسي أختي الفاضلة أن تحافظي على نظافة المكان كما أنتِ مواظبة على ذلك في المنزل، وذكّري من حولكِ أن طريق الامام الحسين (عليه السلام) طريق مبارك، فليس من الصحيح أن ترمى فيه النفايات ومخلفات الطعام.. وقد يصادفك بعض باعة الكرزات وما شاكل ذلك من الحلوى، فانتبهي أختاه وفقكِ الله أنكِ لستِ في نُزهة أو سفرةٍ لتغيير الجو وتحسين المزاج لتتسلي بتناول هذه المأكولات، بل تذكري دائماً أيّدكِ الله وذكّري أخواتكِ المؤمنات بأسلوب رقيق وعذب أن الزيارة لأجل المواساة ولا تتفق التسلية بمثل هذه الأمور مع المواساة قطعاً.. رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
2162

صحوة ضمير خائف

كانت تقوم بأعمالها المعتادة وهي تجهد نفسها بإعداد الطعام الذي مهما تفننت بإعداده لابد أن تواجه التقريع وعدم الرضا. مع ذلك اجتهدت وأجهدت نفسها لأنها تعلم أن زوجها قد قرب موعد حضوره إلى المنزل من عمله. وهي في حركة دائبة وإذا بها تسمع صوت جرس الباب يرن ولكن بشدة وبتواصل غير منقطع مما ينذر بوجود حالة غير طبيعية أو أمر جلل قد حصل أسرعت بوجل وخوف نحو الباب وكاد قلبها أن يقفز أمامها وكانت هذه الأمتار القليلة التي تفصلها عن الباب بدت وكأنها آلاف الأمتار. فتحت الباب بدون أن تسال من عليها كعادتها في كل مرة وإذا تفاجأ بزوجها وهو مكفهر الوجه قاطب الحاجبين وصوته يعربد. أين كنت أيتها الحمقاء؟! تراجعت قليلاً إلى الوراء ووضعت يدها على قلبها وتنفست نفساً عميقاً... وقالت له: خيراً أن شاء الله… ماذا حدث؟ قال مستهزئاً: لم يحدث شيء! ولكن ألم يكن معك مفاتيح الباب؟ رد منزعجاً: لقد نسيتها بعد أن استيقظت متأخراً وأنتِ لم تذكريني وهكذا أنتِ دائماً خاملة. هدأت قليلاً بعد أن التقطت انفاسها وهيأت له الطعام وسط سكون يعمّ المنزل، إذ لم يكن لهم إلا ولد واحد وهو متزوج ويعمل في غير مكان ومعه زوجته. بعد تناوله للطعام وبشراهة غير آبه لما اصابَ هذه المسكينة من الذعر والخوف. التفت إليها: سأدخل اضطجع على فراشي قليلاً لا أريد أي مصدر إزعاج. دخل إلى غرفته ونام وهو نائم وفي عالم الرؤية وفي لحظة إيقاظ للضمير أو لنقل في لحظة عطف من رب الرحمة لعباده ليجازيهم على بعض أفعال الخير لأنه مع سوء سلوكه عُرف عنه بره لأبويه في حياتهما نعم في لحظة لطف ورحمة وفي عالم الرؤيا كأنه مات وانتقل إلى العالم الآخر. ويرى نفسه قد ودّعه أهل الدنيا جميعهم ووضع في قبره فبدأ القبر يضيق شيئاً فشيئاً وهو يصرخ: لماذا كل هذا الضيق؟ فأتاه نداء: لأنك كنت سيء الخلق مع عيالك! وهو في ذلك الضيق وإذا به يرى أفعى ضخمة تدنو منه تريد النيل منه وهو يصرخ ولكن لا أحد يستمع أو يسمع صراخه وهو ينادي: ما هذا؟ ما هذا؟ أتاه نداء: هذه ابنة جارك التي اسأت إليها كل ما جاء إليها خاطب واستشارك وسألك عنها فأنت كنت تشوه سمعتها بدون حق وتذكر خصال سيئات ليس فيها. نعم كنت اكره جاري ولا أريد أن يفرح بابنته. إذن نل جزاء ما جنيت. مهلاً... مهلاً... ما تريد هل يمكنها أن تساعدني فهي طيبة الخلق مع الجميع. نعم يمكنها إن اسقطت حقها عليك. سنأتي بها. واحضروها أمامه بدأ يذرف الدموع بنحيب عال وهو يتوسل بها أن تعفو عنه بعد أن اخبرها بكل شيء. اطرقت قليلاً.. وقالت... أعفو عنك بشرط. نعم. أن تعاهدني على ان تترك الكلام عن الناس وتحسن خلقك مع أهلك. نعم… نعم، سأفعل. وأن تقرأ القرآن كل يوم وعفوي عنك معلق على أن تفعل هذه الاشياء. نعم سأفعل أعاهدك أمام الله سأفعل. غابت عن ناظريه ولكن تلك الأفعى بقيت بالقرب منه. واذا بزوجته تسمع صوت زوجها ينادي بأعلى صوته. ابعدوها عني... ابعدوها عني وهو يضرب السرير برجليه بقوة حضرت عنده احضرت له الماء ايقظته وإذا به يتصبب عرقاً وكاد نفسه أن ينقطع ما بك أيها الرجل؟ لا عليك إنه حلم. قام فاغتسل وأمسك القرآن وتوجه بنية صادقة وإذا به يقع بصره على آية ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) نادى على زوجته واعتذر إليها. ثم عاد إلى قراءة القرآن فقرأ سورة لقمان فأيقن أنه لم يكن في هذا العالم توجه إلى الله تعالى ولن يغفر له إلا بعد أن أعلن توبته وهناك من الذنوب التي لا يغفرها الله سبحانه وتعالى قبل أن يغفرها ويصفح له صاحبها. اللهم أعنا على أنفسنا يا ترى كم ومن سننتظر ليصفح عنا من له حق عندنا ... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
2066

نـفــحاتٌ مــلكوتيــة من الــخطاب الــزينبي (٣) "ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك"

لقد فرضت الظروف التي عاشتها السيّدة الحوراء (عليها السلام) مخاطبة ملّة غير ملتها، لا وأيّ ملّةٍ ! يكفي في التعريف بها ما صرّح به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّ الإسلام سوف يُثلم على يدها، وإلاّ فإنّ سليلة الطهر يجلّ صوتها عن أن يصل إلى مسامع الطاغية يزيد وشرذمته (عليهم لعائن الله). لكن السيّدة (عليها السلام) تبدي بيان موقفها من مخاطبته معللةً بأنّ ذلك حصل اضطراراً بسبب جور الزمان وانقلابه على الحسين وآل الحسين (عليه السلام). "ولقد شاهدت السيّدة زينب الكبرى (عليها السّلام) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشدّ أنواع الإهانة والاستخفاف بالمقدّسات ، وأقبح أشكال الاستهزاء بالمعتقدات الدينيّة ، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم في تصرفاته الحاقدة . مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته ، وإنكاره لأهمّ المعتقدات الإسلاميّة. مضافاً إلى ذلك : أنّ يزيد قام بجريمة كبرى، وهي أنّه وضع رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) أمامه، وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه، وهو حينذاك يشرب الخمر ! فهل يصح ويجوز للسيّدة زينب أن تسكت وهي ابنة صاحب الشريعة الإسلاميّة ؛ الرسول الأقدس سيّدنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؟! كيف تسكت وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيّف تلك الدعاوى، وتفنّد تلك الأباطيل؛ لأنّها مسلّحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع، وقدرة البيان وقوّة الحجّة ؟! ولعلّ التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفيّة عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب؛ لأنّ المجلس كان يحتوي على شخصيّات عسكريّة ومدنيّة وعلى شتى طبقات الناس . فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عامّاً لدخول ذلك المجلس ، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان، وقد خدعتهم الدعايات الاُمويّة، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحقّ من الباطل منذ أربعين سنة ؛ طيلة أيّام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد . وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب انتصار السلطة على عصابة عرّفتها أجهزة الدعاية الاُمويّة بصورة مشوّهة . وقد تعوّد أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات . أما ينبغي لحفيدة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تنتهز هذه الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحقّ والحقيقة ، وتعرّف الباطل بكلّ صراحة ووضوح ؟ بالرغم من أنّها كانت أجلّ شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوّث لا يليق بها ؛ لأنّها سيّدة المخدّرات والمحجّبات ، ولكنّ الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات ، وتعيد الحياة إلى القلوب التي أماتتها الشهوات ، وغمرتها أنواع الفجور والانحراف عن الفطرة ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح(1). وإلاّ فإنّ مثلها لا يكلّم مثل ذلك العتلّ صغير القدر، عظيم التقريع، كثير التوبيخ. ورغم اشتماله على جميع الرذائل الخلقية الا انه تمادى وتغطرس في استئصال الشأفة (2). وقولها (عليها السلام) [استصغر قدرك] أي إنّ المنصب الذي تعتليه يا يزيد –منصب الخلافة- صغيرٌ مثلك قضى عمره بين القردة والخمور، والمعازف والفجور، لا يليق بكبر المنصب الذي نصّبه إيّاك مثيلك. وهذا جانب من شجاعتها (عليها السلام) وهي تصدح بكلمة حق في وجه سلطان جائر. وقولها [ استعظم تقريعك] "التقريع: غلطة أو خطأ ولومه المتكرِّر لنفسه على ذلك الخطأ"(3). أي هو اللوم الذي يقصد صاحبه به هداية الآخرين، ولهذا تستعظم السيّدة الدور الذي تقمصه الطاغية وهو دور (الهادي)، فأيّ عاقلٍ يقول بهداية الفاسق للعادل! بل أيّ تقريعٍ يصاحبه نكث ثنايا إمام معصوم كالحسين (عليه السلام)، والله إنّ فعله لشرّ فعل، كيف لا إذ إنّ تلك الثنايا كانت موضع نطق الحكمة ومعالم الدّين القويم الذي اهتدى بها يزيد وأبوه اللئيم. وقولها [استكثر توبيخك] "وبَّخ الشّخصَ : لامَه على خطأ أو تصرُّف بُغْية رَدْعه وإصلاحه. وبَّخ الشّخصَ : أنّبه وعيَّره ، عنَّفه ، بكَّته"(4) أي ما أكثر اسئلتك التوبيخية لنا أهل البيت ! فحتماً هدفه هو كسر التفاف الناس حول آل الحسين (عليهم السلام)، وتشويه سمعتهم كي لا ينشدّوا لهم. لكن نجد فراسة السيّدة زينب (عليها السلام) قد سبقت ما يروم إليه عدو الله، ولهذا لو تتبع القارئ خطبتها لوجد ختام هذه الفقرة الخطابية بـ( كد كيدك، وأسع سعيك، فو الله لن تمحو ذكرنا). وجُلّ ما نلمسه من نفحات في هذا الخطاب هو الجانب البلاغي، ويعلم أصحاب هذا العلم أنّ اسلوب التوكيد، ومناط استعمال أدوات التوكيد في الخبر من عدمها. فالمقطع الخطابي أعلاه يشتمل على أداتين توكيديتين هما (إنّ في قولها إني) و(حرف اللام في قولها لأستصغر). وحيث إنّ الجمل ما بعدها معطوفة على سابقها فحكم التوكيد يشملها. وعليه: حيث إنه إذا كان المخاطَب منكراً للخطاب فيستعمل المخاطِب في خطابه أداتان للتوكيد(5)، وهذا ما طبقته السيّدة (عليها السلام)، فالطاغية ينكر أنّه أخطأ بحق الحسين وآله (عليهم السلام). ___________________ (1) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد، 71. (2) أي قتلت الأصل المبارك. (3) قاموس المعجم الوسيط. (4) معجم المعاني الجامع. (5) ظ: خصائص التركيب، والبلاغة الواضحة. أقائـدةَ الركـب يـا زينب تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ خَطبـتِ فدوّى بسمع الزمان صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ أخاف الطغاة على عرشهم فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ وأسقطتِ قبل فناه يزيدا وضـاق على رأيه المَذهبُ ووَلّـت أميّـة مدحـورة و مـا ظل ذكـر لهم طيّبُ. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
2761

من كالحسين!

يهدرون كالسيل دونما توقف، الغبار يلاحقهم والمطر، الشوك يعترضهم والحجر، لكن ما يدفعهم للأمام ليس الأقدام! بل أشواق بعيدة ، أشواق لذلك الحبيب، الذي يحيون به! سيد ومنحر ، مسك وعنبر، عبرات وعبر، يهدرون ..ويهدرون، ولسيدهم مشتاقون، وحينما يصلون، تتحد الارض والسماء! يا الله! من أنت؟ ومن أنا؟ ماذا أعطاك الله! وماذا أعطيته؟! تربك يعمد القلوب ويزكيها، حبك يقولب النفوس لأتباع الحق، وأرضك جنة الله ولا شك أنها بيته! طوال23 سنة مضت ولم أعرفك بعد! يا للحسين! ومتى سأعرفك؟! أم أني بطيئة في فهم تلك الرسالة، وحتى هذه اللحظة ، أنا لا أعرفك! أنا أحوج ما أكون لمعرفتك ، لكني لا أعرفك للآن ، آمل فيما بعد أن أعرفك، لكن أفكر أحيانا ، هل أحتاج إلى أن أعرف ذلك الحسين؟ فتخبرني نفسي ، أشعلي تلك الجذوة بالشوق ، واستمري بتهيئة السبل لاستمرار إيقادها ، وها أنا ذي! أشعلها بالشوق كل يوم ، وانثر بذار حبي لذلك الطيب الحسين عسى لتلك المضغة أن تعرف سيدها فتتخلق بأخلاقه.. اللهم عرفني حجتك الحسين آمنة العيداني

اخرى
منذ 5 سنوات
980

التربية الفاشلة

يتداول الكثير من الناس وخصوصاً بعض التربويين من المدرسين والمعلمين مقولة ( العصا خرجّت أجيالاً من الأطباء والمهندسين واصحاب الشهادات العليا) ولا اعلم مصدر هذه المقولة، واتساءل هل هي آية قرآنية أو حديث نبوي شريف أو حديث من أئمة أهل البيت أو لتربوي ناجح لتكون منهاجاً ونبراساً للكثيرين من الذين نالهم العنف في أيام طفولتهم؟ نعم، هي مقولة تدل على أن من يتخذها منهجا وخطة لتعديل سلوك طفل هو شخص معنَّف في أيام طفولته، أي إنه تعرض إلى ضرب وقسوة وظلم لتتشكل شخصيته بهذا الشكل الذي تجعله إنساناً فاقداً لصفات الإنسانية الأساسية. واقعاً، إن لسان الكثير اليوم يقول: لقد نشأنا في بيئات قاسية بين احضان والدين لا يعرفون أساليب التربية الصحيحة سوى الضرب والقسوة وبين مدارس تتخذ من أسلوب القسوة والضرب والاستهزاء والنقد والتوبيخ منهجاً لتعديل سلوك الأطفال وتعليمهم. والأغلب من الآباء والأمهات لا يفقهون من أساليب التربية شيئاً، وقد تربوا بهذه الطريقة المعنّفة ويعكسونها الآن على أبنائهم وطلابهم، هذه هي الحقيقة المرة التي نشأنا وتربينا عليها، والمستغرب أنها متّبعة إلى وقتنا الحاضر رغم التطور والتقدم الذي تمر به الأمة، ولكن نأسف عّلى أمة لم تتبع وصايا خالقها ولم تنصع إلى توجيهات نبيها الكريم (صلى الله عليه واله وسلم). والآن إلى ماذا؟ الآن نعاني من ويلات كثيرة: فقدان للثقة، تردد في اتخاذ القرارات، مخاوف من المستقبل، وعيش في ماضي سلبي سحيق، وأبناء غير مسؤولين ولا يتحملون أدنى مسؤولية. هكذا تشكلت أغلب شخصياتنا بسبب التعنيف الاجتماعي الجماعي الذي يمارسه الجميع تقريباً إلا نسبة قليلة من المثقفين الواعين. نعم إنه التعنيف يا سادة! هذا ما يقصده البعض من أن العصا ربّت أجيالاً من الأطباء والمثقفين و... نعم.. أطباء فاقدون للمهنية والإنسانية ويتّفقون مع أصحاب الصيدليات والمختبرات الطبية من أجل سرقة مال الفقراء بشتى أنواع التحايل.. أبناء تمت تربيتهم على الخوف وحب المال دون العناية بغرس القيم التربوية والأخلاقية في نفوسهم فنشؤا بدون إنسانية.. إنها العصا يا سادة يا كرام! الله يقول! والنبي الأكرم يقول! ونحن نقول ونعترض على ما يقوله الخالق ونبينا الكريم (صلى الله عليه وآله)! نقول لهم: إن الله حرم الضرب وهو يستوجب الدية الشرعية على الضارب! يقولون: وإنْ! إننا نضرب ونضرب من أجل تعديل سلوك أبنائنا! نقول لهم: الله ورسوله أعرف بالمصلحة والحكمة! يقولون: كل وقت له قوانين! نعم نحن نأخذ ما ينفعنا وما يلبي رغباتنا وأهوائنا من الدين ونترك ما لا يتفق مع رغباتنا! نحن قوم مزاجيون ومتناقضون كثيراً! ويجب علينا تعديل سلوكنا أولاً لنتمكن من التأثير في أولادنا! يقول أحدهم: عندما أتعامل مع أولادي باللين والحب لا يستجيبون ولا يطيعون، وإذا كنت قاسياً معهم أو استخدمت الصياح والتهديد فأنني أرى استجابة سريعة لهم في إطاعتهم لما أريد وأرغب! ونقول: إن أساليب التربية تحتاج إلى وقت طويل لتعطي ثمار ناضجة وهذه الثمار سنقطفها في الوقت المناسب لأن البناء الصحيح سيكون قوياً ويتحمل صعوبات الحياة واختباراتها... أما ما يأتي بسرعة فأنه سيرحل بسرعة؛ لأنه بدون جذور وأساسه هش وخاوي. ممكن أن تأتي القسوة بنتائج سريعة في طاعة الأبناء وانقيادهم لرغباتنا وتوجهاتنا، ولكنها ستكون بدافع الخوف لا بدافع الإيمان والاعتقاد بما نقول وهذا ما يجعل تأثيرها بشكل وقتي لا يستمر إلى وقت طويل ويبقى هذا التأثير مادام عامل الخوف موجوداً أما إذا زال وتلاشى العامل المؤثر كوجود الأب مثلاً فإن تصرفات الأبناء ترجع إلى أصلها. والأطفال سيتعلمون الازدواجية في التعامل بسبب الخوف، فأمامنا يفعلون ما نريد وخلفنا يعملون شيئاً آخر، أي إننا نقوم بتربيتهم على أساس الخوف لا القناعة، وبالتالي ستكون تربية سلبية قائمة على أساس ضعيف ووقت قصير وسنقوم بإنشاء جيل يكذب ويناقض نفسه ويختلق الأعذار وغير مسؤول وهذا ما يدمر المجتمع... التربية السليمة هي تلك التربية التي تجعل أبناءنا يتصرفون أمامنا وفي غيابنا بوتيرة واحدة وقناعة تامة ناشئة من الاحترام المتبادل بين الأهل والأولاد وهذا ما أكد عليه الشارع المقدس وحث عليه النبي الاكرم وأهل بيته الكرام. قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
2490

المظلوميات الإعلامية للإمام الحسن (عليه السلام) 《٢》

تعددت المظلوميات الإعلامية التي تعرض لها الإمام الحسن (عليه السلام) بتعدد الظروف السياسية والتحديات التي واجهها الإمام وعلى أكثر من صعيد ومنها مسألة صلحه مع معاوية فقد كثر فيه القول والمغالطات والاتهامات الكثيرة وسنمر سريعا على بعض قراءات الواقع الموضوعي لصلح الإمام الحسن (عليه السلام). تتعدد القراءات لأي حدث مهم في الحياة الإسلامية تبعا لخلفيات الواقع الموضوعي المحيطة بذلك الحدث وتبعا لتعدد الايديولوجيات والتوجهات السياسية والاجتماعية لأفراد الأمة، وأيضا البعد الزمني وتعاقب الأجيال كفيل بتغير قراءة الحدث حسب متطلبات وفهم كل عصر ، وصلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية من الاحداث المهمة والمفصلية في حركة الإسلام وللأسف الشديد لم يُقرأ هذا الحدث بصورة صحيحة من كافة جوانبه مما انعكس سلبا على واقعنا الإسلامي حتى يومنا هذا. الإمام الحسن (عليه السلام) قمة سامقة وروح ابية لا تعرف إلا الحق ولا تنحني للباطل فهو سليل النبوة وربيب الإمامة والمسدد من السماء لكنه أرغم على إبرام معاهدة الصلح مع معاوية، وأول قراءة خاطئة لهذا الحدث هي مفردة (الصلح) نفسها ففي اللغة تعني السلم(1) أو الهدنة(2) أي وقف النزاع والحرب وبتعبيرنا العصري وقف إطلاق النار وإن ما يتردد عن معنى الصلح بمعنى الموائمة والموافقة فهو ناجم عن الجهل بمعاني الألفاظ الفصيحة تماما مثل كلمة (ولد) نطلقها على الذكور فقط بينما في اللغة هي كلمة مشتركة بين الذكور والإناث، وايضا كلمة (شاطر) التي نطلقها للمديح بينما معناها اللغوي (الخليع)(3) فتأملوا !! ولعل أهم القراءات لوثيقة الصلح تكمن في أسبابها والواقع الموضوعي الذي فرضها على الإمام الحسن (سلام الله عليه) فبعد ان ابتدأ معاوية الحرب دعا الامام الحسن (عليه السلام) الأمة الى التجهز للحرب ولكنه قوبل بالتجاهل وعدم تحمل مسؤولية الجهاد وهنا تكشـّف للإمام واقع الامة التي يقودها وقد استبد بها الضعف و التخاذل، وأكمل الإمام الحسن مسيرته الجهادية وعسكر في النخيلة وقفل راجعا إلى الكوفة يستحث الناس على الجهاد حتى اكتمل قوام جيش الإمام أربعة آلاف مقاتل ورغم هذا العدد الكبير إلا انه كان جيشا ممزقا يعتريه الخور والفتن والمؤامرات والخيانات لهذا تخلخلت موازين القوى في جيش الامام باتجاه خدمة المصالح الأموية... إضافة إلى إن المقاتلين في جيش الإمام كانت تتنازعها الشعارات والأهواء والمصالح ففيهم من كان يبتغي الغنائم ومنهم من انضم لمجرد حقده على البيت الأموي رغم بغضه لأهل البيت! ومنهم من كان متعاطفا مع وعود بني أمية. إضافة إلى إن روح الملل من الحرب قد سرت في جيش الإمام بعد أن خاضت مع الإمام علي (عليه السلام) حروبه الثلاث: الجمل وصفين والنهروان ولما تندمل جراحها بعد، ورغم أن المخلصين في جيش الإمام كثر إلا إن النوع والكم لا يتناسبان وحجم المؤامرات الأموية داخل جيش الإمام . أما سلاح المال والإغراء فقد لعب دورا كبيرا في قلب المعادلة لصالح الحزب الأموي فقد اشترى معاوية زعماء القبائل بالمال حتى أعلنت ولاءها لمعاوية وعاهدته أن تسلم الإمام أسيرا له في الحرب ولهذا قال (عليه السلام) :(والله لو قاتلت معاوية لأخذ بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لئن أسالمه وأنا عزيز أحبّ إليّ من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن عليّ فتكون سبّة على بني هاشم آخر الدهر)(4). وايضا حرص الامام الشديد على حقن دماء الأمة والمخلصين منها بقوله (عليه السلام) :(إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين داعي)(5) وقوله سلام الله عليه :(ما اردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل)(6) إضافة إلى تحلي الامام الحسن (عليه السلام) بالورع حتى في الحرب فهو لا يغدر او يتآمر كمعاوية ولا يسعى للسلطة و الحكم كما يفعل معاوية. كما كانت محاولات اغتيال الأمام الحسن في معسكره العامل الأكبر للقبول بهذا الصلح فقد تعرض (عليه السلام) لثلاث محاولات اغتيال أولها عندما غدروا به وهو يصلي ولم يفلحوا في قتله، والمحاولة الثانية عندما طعنه رجل بخنجر أثناء الصلاة، وأما المحاولة الثالثة فقد كانت أخطرها عندما هجمت مجموعة على الإمام وانتهبوا فسطاطه وأخذوا مصلاه من تحته وهجم عليه الجراح بن سنان الأسدي وطعنه في فخذه وبقي الإمام طريح الفراش عند عامله على المدائن . كما إن هناك قراءات مهمة جدا لوثيقة الصلح نجدها في بنود الوثيقة نفسها ومنها تسليم الأمر لمعاوية على أن يكون الأمر للحسن من بعده فإن حدث له حدث فلأخيه الحسين وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد وأن يترك سب الإمام علي (عليه السلام) وان الناس جميعا خاصة شيعة علي آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا من أرض الله وأن لا يتبع أحد بما مضى وأن لا يبغي للحسن أو الحسين غائلة سرا و لا جهرا(7) . إن الامام الحسن (عليه السلام) مع اعتداده بالواقع الموضوعي عند اتخاذه قرار الصلح إلا أنه يرى ببصيرته وحكمته النتائج المستقبلية له، وهو افتضاح حقيقة الحكم الاموي وكشف زيفه حيث نكث معاوية جميع العهود والمواثيق بعد الصلح مباشرة بقوله(ألا أن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به)(8). ولعل أهم قراءة لنتائج الصلح تلوح في أفق عاشوراء حيث مهّد الصلح لمشروعية قيام الحسين (عليه السلام) وردّ على جميع الأقاويل من أن الحسين خرج على الحاكم أو أنه خرج طلبا للسلطة وجميعها مردودة من خلال الصلح لو تأملنا فيه قليلاً، خاصة بعد أن أرسل الشيعة كتبا للإمام الحسين (عليه السلام) أيام معاوية تشير عليه بالخروج واتخاذه خليفة، فرفض قائلاً: إن بيني وبينه لعهدا، مشيرا بذلك الى الصلح . وبلحاظ ما تقدم من القراءات المختصرة لأسباب الصلح وشروطه ونتائجه يتبين لنا أن الامام الحسن كان غاية في الحنكة والذكاء في التعامل مع الظروف الصعبة من خذلان الأصحاب وقلة الناصر إضافة الى الدسائس والمؤامرات الأموية التي كانت محيطة به مستخدما الإمكانيات المتاحة في قراءة الاحداث وصناعة القرار قبل الصلح وبعده. الهوامش (1)القاموس المحيط للفيروز آبادي ص221 وجاء في كتاب التعريفات للجرجاني ج1 ص43 الصلح في اللغة: اسم من المصالحة وهي المسالمة بعد المنازعة ،وفي الشريعة عقد يرفع النزاع (2)مجمع البحرين للطريحي ج6 ص240 هدن (المهادنة): المعاقدة على ترك الحرب مدة معلومة بغير عوض والهدنة السكون ، والهدنة الصلح بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين (3)قال الزمخشري في كتابه أساس البلاغة ص 242 (وفلان شاطر :خليع) ، وذكر الفراهيدي في كتاب العين ص118 (يسمى كل شاطر وشاطرة خليعا وخليعة)، وجاء في تاج العروس لأبي الفيض ص3003 (فلان شاطر: معناه أنه آخذ في نحو غير الاستواء) (4)التحتجاج للطبرسي ج2 ص10 (5)صلح الإمام الحسن (عليه السلام) من منظور آخر للأسعد بن علي ص98 (6)صلح الحسن لعبد الحسين شرف الدين ص238 (7) المصدر السابق بتصرف ص 260_261 (8)شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ص234 عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
2231

مِن أسئـلتكم

السائل: السلام عليكم هل أصحاب الجنة يرون الله تعالى؟ المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته جميعنا يقرأ عبارات الآيات القرآنية والروايات الشريفة التي يظهر منها إمكان رؤية الله تعالى، من قبيل ما جاء في الآية الكريمة: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(1) وفي مناجاة الراغبين : ((والزلفى لــديك، والتمتع بالنــظر إليك)). وفي مناجاة المحبين : ((واجتبيته لـمشاهدتك)). وفي مناجاة المتوسلين : ((وأقررت أعينهم بالـنظر إليك يوم لقائك)). وفي مناجاة المفتقرين : ((وشوقي لا يبله إلاّ النظر في وجـهك)). وفي مناجاة الذاكرين : ((ولا تسكن النفوس إلاّ عند رؤيـاك)). وفي مناجاة الزاهدين : ((وأقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتــك)). فكل ما في هذه العبارات ينصرف إلى الرؤية الفؤاديّــة والرؤية بــعين القلب والبصيرة، وليــــس الرؤية بالعين الباصرة ؛ لأنّ رؤية الله عز وجل بالعين مُــمتنعة عقلاً وممنوعة نقلاً. ووجه hمتناع رؤية الله تعالى عقلاً هو: إنّ هناك موجودات مادية – مكن أن ترى كالمخلوقات المرئية- واخرى غير مادية – لا يمكن أن ترى كالروح وذرات الكهرباء- . فإذا عجزت العين البصرية عن رؤية الموجودات غير المرئية فكيف ترتقي وتبصر خالق تلك الموجودات الذي يجب أن يكون أكمل منها ؟! ولهذا يقال: مَن عرفَ نفسه فقد عرفَ ربّه، فهناك تلازم بين ذا وذا، وحيث أنّ كليهما غير متحقق إذاً ثبت عقلاً امتناع معرفة ورؤية الله تعالى. وبعبارةٍ اخرى: لو أمكن رؤيته تعالى لهيمنت عليه أبصارنا وأحاطت به فيكون الرائي(نحن المخلوقات) أقوى وأكمل من المرئي(الله سبحانه) وهذا باطل عقلاً؛ إذ جميعنا يشهد على نفسه بالافتقار إليه تعالى فكيف تنقلب الموازين هنا بجعل الله تعالى فقيراً عن التجرد تحده أبصار مخلوقاته ! وباختصار: أن الله تعالى موجود مجرد عن المادة تماماً، فلا يمكن أن يُرى بالعين المجردة لأنها تقتضي المادية والكون في جهة ووو. أي إنّ الله سبحانه أخبرنا أنّه لامثيل له حتى نجري قانون الرؤية عليه –وسائر ماي نطبق على المخلوقات-، فالعين لا تدرك الاّ الأجسام أو صور الأجسام، والله تعالى ليـــس بجسمٍ ولا صورة جسمٍ حتى تحيط أعيننا به. أمّا وجه امتناع رؤيته تعالى نقلاً فهو: وذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}(2). كما ويقول سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}(3) فالنفي الوارد في الآية واضح؛ معللاً سبحانه بالسبب من عدم رؤيته تعالى بأنّه هو الذي يدرك الأبصار ويحيط بهم حيث هو خبير بشؤون أصحاب الأبصار، وليس العكس. وكذلك قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مناجاة العارفين : ((وانــــحسرت الأبصار دون النظر إلى سُبحاتِ وجهك )) ومن كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد سأله ذعلب اليماني "فقال : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين ؟ فقال (عليه السلام) : أ فأعبد ما لا أرى ؟ فقال : وكيف تراه ؟ فقال : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القــلوب بــحقائق الايمان لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، ولا يشبَّه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو"(4). فالإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بــوجود الخالق العظيم من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالة عليه سوف يرى الله تعالى - بـــقلبه ووجــدانه وعقله المُـذعن، الـخالي عن الماديات، الصـافي من الشكوك والتخيلات - رؤية نورانيّــة معنويـة. وحينئذ يجب تأويـــل كل ما ورد من عبارات أو أحاديث أو أخبار فيما يتعلق برؤيته عز وجل إلـــى الرؤية الفؤاديّــة ونظر القلب و البصيرة. والتأويل ما امتازت به عقيدة الشيعة الإمامية دون غيرها من المذاهب، حيث تفرّد مذهبنا بتنويه الله سبحانه عن الجسمية ولوازمها كالرؤية. ولابد من التنويه إلى أنّ عقيدتنا هي امتناع رؤيته تعالى في عالم الدنيا والآخرة، فمن غير الصحيح تخصيص السؤال حول إمكان أو عدم إمكان رؤية أهل الجنة لله سبحانه. وسبحان مَن هو هكذا، ولا هكذا غيره. ____________________ (1) القيامة: 22-23. (2) الشورى: 11. (3) الأنعام: 103. (4) التوحيد للشيخ الصدوق، ب8، ح5. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
2498

سيرٌ إلى كربلاء أم عروج إلى رب السماء

مع اقتراب يوم العشرين من صفر، يتجدد لعشاق الإمام الحسين (عليه السلام) موعد مع معشوقهم للسعي إليه سيراً على الأقدام، ومع مجيئهم تفتتح مدينة العجائب الحسينية أبوابها لاستقبالهم، فنرى فيها الأعاجيب. أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الشعيرة المقدسة والتي هي واحدة من علامات المؤمن كما ورد في الحديث عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: "علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" من يتأمل يجد فيها شبهاً كبيراً مع السعي إلى قرب الله تعالى، ويمكن إجراء المقارنة التالية: 1- السير الأول مادي ( وهو السير بالجسد) والثاني معنوي (وهو السير بالروح). 2- أن على القاصد لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ان يخرج من بيته ومنزله لَيحث الخطى على طريق كربلاء الحسين، فكذا قاصد القرب من الله تعالى عليه أن يخرج من بيت نفسه ويحث الخطى عن طريق جهاد النفس وترك تلبية أهوائها ورغباتها و السعي لطلب مرضاة الله تعالى وقربه. 3- لابد للسائر أن يتغذى ليتقوّى جسده على السير للوصول إلى الغاية المنشودة، وهكذا هي الروح لا يمكنها المسير من دون غذاء أو زاد "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". 4- السائر في طريق الحسين (عليه السلام) لا نراه يحمل الزاد، بل لعله يخجل من هذا العمل؛ لأنه في طريق الكرم والضيافة الحسينية، وهكذا يُفترض بنا كعباد لرب الجود والكرم أن لانحمل همّا لرزق غد لأن رب العباد قد تكفل به. 5- ولا نرى السائر للحسين (عليه السلام) يتخذ من الحسينيات الموجودة على جانبي الطريق منزلا ومقرا للمكوث فيها الى ما بعد الزيارة الأربعينية فليست هي غايته بالأصل بل هي بالنسبة له مجرد محطات استراحة لتعينه على الاستمرار في السير والوصول إلى غايته، إذاً لماذا نرى الكثير من الناس قد اكتفى بهذه الدنيا منزلا وقرارا وماهي إلا مزرعة للآخرة ومحطة للتزود منها إلى دار القرار. 6- أما قلوب عشاق الحسين (سلام الله عليه) فكل قلب يحمل ما وسعه أن يحمل من العشق الحسيني، فترى منهم من يُحدث نفسه طول الطريق بأنه سيكتفي بإلقاء السلام على الحبيب بمجرد رؤية القباب الذهبية لكعبة الإباء فمولاه لا يحده ضريح ولا يهم إن وصل للضريح أو لا، ومنهم من يحمل حباً في قلبه لمولاه يجعله لا يرضى بدون الاقتراب من ابواب الحضرة القدسية فيكتفي بالمكوث بالقرب من الضريح، ولكن البعض يرى من الغبن أن لا يدخل الصحن الحسيني فهو قد تحمّل أعباء السير ومشاقّه لليالي وأيام وفي النهاية يُلقي السلام من بعيد! ومنهم من أخذ العشق من قلبه مأخذ فهام حباً بمولاه ولا يقَر له قرار دون الوصول للضريح وشمّه وتقبيله حتى لو كلفه الامر أن تزهق روحه. إذن علينا أن نطمح أن نبلغ أعلى مراتب القرب لله تعالى ونسعى لذلك بجهدنا فهذا ما حثّنا عليه أئمتنا (صلوات الله عليهم أجمعين) ونجده في مضامين أدعيتهم، ومنها ما ورد في دعاء كميل: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلةً منك وأخصهم زلفةً لديك فإنّه لا يُنال ذلك إلا بفضلك" تقوى القلوب

اخرى
منذ 5 سنوات
2529

الإمام الحسن (عليه السلام) مُعِز المؤمنين

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):"إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل"(1). على الرغم من تباين البلاءات وتعددها، والتفاوت في قساوتها وشدتها، إلا أن البلاء بإساءة الأصحاب وخذلان الأحباب لهو البلاء الأصعب على النفس، والأشد وجعاً عليها من طعن الرماح، والأقسى ألماً من عميق الجراح. وهذا ما حدث مع سيدنا ومولانا الإمام الحسن (عليه السلام) حيث أساء اليه أصحابه أيما إساءة فهذا (عدي بن حاتم يقول: " أخرجتنا من العدل إلى الجور" . وبشير الهمداني وسليمان بن صرد الخزاعي يدخل كل منهما عليه هاتفاً: "السلام عليك يا مذل المؤمنين ". وخاطبه بعض أصحابه قائلاً: " يا بن رسول اللَّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلى هذا الطاغية ")(2). بل إن بعضهم تمادى كثيراً حتى قال ما يصعب على القلم خطه فضلاً عمّا يعجز اللسان عن التفوه به، ولكن إنما نذكره لبيان عظيم البلاء الذي بلي به الإمام الحسن (عليه السلام)، وشدة مظلوميته ممن بايعه على الطاعة والولاء، إذ قال:" يا عار أمير المؤمنين. فيقول[عليه السلام]: العار خير من النار"(3)، ومنهم من تمادى أكثر حتى صرَّح بتمنيه موت سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث كان يقول: "أما واللَّه لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك"(4). وقد كانوا يعتقدون بأن الامام (عليه السلام) يستحق أن توجه اليه كل تلك الإساءات فقط لأنه قبل أن يهادن معاوية! بينما المتتبع لسيرة الامام (عليه السلام) يجزم بأنه (عليه السلام) لم يكن ليترك الحزب الأموي الفاسد المتمثل بمعاوية، ولم يكن ليميل إلى الهدنة لولا أن الظروف التي أحاطته آنذاك اقتضت منه أن تكون الهدنة خياره الأوحد. فقد كان الامام الحسن (عليه السلام) مصمماً على السير على نهج أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) في قتال الفئة الباغية في الشام وعلى رأسها معاوية منذ تسلمه الخلافة بعد أبيه لاسيما بعد رفض الأخير مبايعته والدخول في طاعته بذريعة أنه أكبر منه سنا وأكثر منه في السياسة والحرب خبرة كما كان يتوهم.. وبما إن سياسة معاوية كانت قائمة على المراوغة والخداع والتجسس والتضليل الإعلامي فقد أرسل جاسوسين إلى البصرة والكوفة لكن الامام الحسن (عليه السلام) سرعان ما كشف أمرهما دونما أن يخبره أحد بذلك وقتلهما ، ثم أرسل كتاباً إلى معاوية يعلمه فيه بالجاسوسين فكانت صفعة قاسية منه (عليه السلام) بحق ذلك الثعلب الماكر فلم يتحمّل فأرسل إلى ولاة البلاد المسيطر عليها بإرسال الجيوش إليه ليقاتل الإمام الحسن عليه السلام. وبمجرّد سماع الامام (عليه السلام) بحركة معاوية للحرب أمر هو الآخر بالتحرك والتهيؤ لها ووضع الخطّة العسكرية اللاّزمة لمجابهة جيش معاوية، فقدّم للجيش مقدّمة في اثني عشر ألفاً، وولّى عليهم عبيد الله بن العباس ثم قيس بن سعد، ويكشف قراره في جعل الإمارة مترتّبة عن حنكته (عليه السلام) العسكرية وحكمته السياسية، إذ لو أمّر عليهم واحداً فبمجرّد سقوطه يضيع الجيش. وقد اختار (عليه السلام) بلاد ساباط لينزل فيها لانتظار التحاق بقية الجيش به من جهة و ليتطلع إلى أخبار المقدّمة المرسلة من جهة أخرى. ولاختبار أصحابه في بلاد ساباط ليعرف مقدار طاعتهم وولائهم له وليعرّفهم أنفسهم وليلقي الحجّة عليهم من جهة ثالثة، فألقى عليهم خطبة قصيرة تضمّنت الحث على طاعته وعدم مخالفة أمره وانّه ناظر لما فيه الخير والصلاح لهم. فظنوا أنه يريد بخطابه ذلك المصالحة لمعاوية، فشدّوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاّه من تحته ورداءه من عاتقه، وجرحه رجل بخنجر في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم. وبذلك كشف مقدار إمكانية اعتماده عليهم فيما لو خاض بهم الحرب مع معاوية، وهم الذين لم تمضِ سوى أيام قلائل على مبايعتهم له بالطاعة والولاء والسلم لمَن سالمه والحرب لمَن حاربه ! وأما جيشه (عليه السلام) فقد تسلّل الكثير من أفراده إلى صفوف معاوية أو إلى الكوفة، بل إن بعضهم كتب إلى معاوية بالطاعة وهم من الشخصيات الذين نقضوا بيعة الإمام الحسن (عليه السلام) سرّاً واتفقوا على قتله إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً.. وعلى الرغم من تفكك عناصر جيش الامام الحسن (عليه السلام) وخيانة بعض قادته وجرحه من قبل من بايعه فقد كان لا يزال في موقف القوة والعزة بدليل أن معاوية هو الذي طلب الهدنة منه، بل وألحَّ عليه بذلك وناشده اللّه في حقن دماء أمة جده، وقد أعلن طلبه هذا فعلمه المعسكران، وكان لطلبه هذا أسباب : أولاً: لاعتقاد معاوية بانّ الهدنة تضفي على تسلطه وحكمه صفة الشرعية. ثانياً: لإسكات الإمام الحسن (عليه السلام) عن المطالبة بحقّه في الخلافة. ثالثاً: لخوفه من نتائج الحرب التي قد تودي بحياة الكثير من أنصاره فضلاً عن حياته، وقد أفصح عن ذلك في جوابه لعمرو بن العاص بقوله: «لا نخلص من قتلهم حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام»(5). رابعاً: لما قد يترتب على الحرب من قتل الإمام الحسن (عليه السلام) الذي يوجب قيام العالم الإسلامي لأنه سيّد شباب أهل الجنة وابن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله). وبهذا فإن الامام الحسن (عليه السلام) عندما قبل بالهدنة لم يكن قبوله من موقع الضعف والذل كما تصور أصحابه وآذوه بذلك، فضلاً عن الأعداء بل كان من موقع القوة والعزة بدليل إنه لم يقبل بالهدنة إلا بشروط دقيقة فرضها على معاوية حمايةً للضوابط الشرعية وحفاظاً على أهل بيت النبوة (عليهم السلام) وشيعتهم في أنحاء الدولة الإسلامية، وسدّ احتياجاتهم المالية والأمنية ورفع السبّ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وانّ الحكم يكون له (عليه السلام) بعده، فإن لم يكن فلأخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وإن لم يكن فليس له تنصيب من قِبَله بل يكون ذلك بيد المسلمين. وأما الأسباب التي دعت الامام (عليه السلام) الى الهدنة فهي: أولاً: لعدم ثقته ببعض أفراد جيشه ممن يزعمون أنهم شيعةً له وما هم بذلك ــ حتى قال فيهم: "أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون انّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي"(6)ــ فضلاً عمن كانوا يدينون بالطاعة والولاء لأعدائه. ثانياً: لأنّ الهدنة فيها حفظ السبب المتصل بين الأرض والسماء المتمثل بشخصه المبارك وحفظ أهل بيته الطاهرين. وقد وضح ذلك قائلاً: « والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما » (7). بل انّ في الهدنة حقن لدم الشيعة كلهم كما قال: «لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتِل»(8). ثالثاً: لأنّ مهادنته لمعاوية وهو عزيز خير من قتله وهو أسير أو المنّ عليه بإطلاقه من الأسر فيكون عاراً على أهل البيت مدى الحياة، وقد كان معاوية يتمنى حصول ذلك لكيلا يكونوا هم الوحيدين بني الطلقاء! وقد كان الامام الحسن (عليه السلام) خبيراً بلؤم نفس معاوية وبخبث سريرته حيث قال: «والله لئن اسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمنّ عليّ فيكون سبَة على بني هاشم آخر الدهر لمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت»(9). رابعاً: لعدم وجدانه الأنصار الذين يعتمد عليهم في خوض الحرب، يقول: «والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ إنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه»(10). خامساً: لأنّ في مهادنته لمعاوية صلاح الاُمّة وكفّ بعض المسلمين عن بعض والإبقاء على المؤمنين. قال (عليه السلام):«إنّي لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللّقا ولا أثبت عند الحرب منّي، ولكنّي أردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه»(11) وقوله في جواب حجر بن عدي: «وما فعلتُ ما فعلتُ إلاّ إبقاء عليك والله كلُّ يوم في شأن»(12). سادساً: خوض الحرب على الرغم من عدم تكافؤ الطرفين ماديا أولاً و عدم تحقيقها لمصلحة مهمة ثانياً إنما إهراق لدماء المسلمين ولذا قال (عليه السلام):«ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً تشخب أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمُه»(13). سابعاً: كان له في جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة سار عليها وصالح معاوية لاتحاد العلتين بين صلحه له وصلح رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة وبني أشجع وأهل مكة حين انصرف من الحديبية كما قال: «يا أبا سعيد علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله لبني ضمرة و... أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفروا بالتأويل»(14). فالإمام الحسن (سلام الله عليه ) قد حفظ الدين والأمة الاسلامية لاسيما الشيعة بل وحفظ المعمورة قاطبة، إذ ليس بالبعيد أن يقضي معاوية اللعين على آل البيت (عليهم السلام) جميعاً فيما لو تمكن منهم لاسيما أن المؤشرات المادية أغلبها تصب في صالحه، وقد روي عن سليمان الجعفري قال: "سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت: تخلو الأرض من حجة ؟ قال: لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها "(15) فقد تصرف الامام الحسن (عليه لسلام) بحكمة بالغة إلا إن أصحابه قد جهلوها أو لم يلتفتوا اليها، فقد روي عنه (عليه السلام):"يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب ان يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ألا ترى الخضر (عليه السلام) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه"(16) وقد صرح (عليه السلام) بأنه لم يذل المؤمنين بهدنته مع معاوية كما روي عنه(عليه السلام):"ما أنا بمذل المؤمنين، ولكني معز المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم "(17) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ميزان الحكمة ج1 ص290 (2) أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع ص85 (3) المصدر السابق (4) المصدر نفسه (5) صلح الإمام الحسن عليه السلام أسبابه ، نتائجه : ص110. (6) الاحتجاج : ج2 ، ص20ـــ (7) المصدر السابق (8) علل الشرائع : ص211 (9) المصدر السابق (10) المصدر نفسه (11) شرح نهج البلاغة : ج16، ص15 ، نقلا عن كتاب المجتبى (عليه لسلام) بين وميض الحرف ووهج القافية ص35 (12) المصدر السابق (13) نفس المصدر (14) علل الشرائع ج1 ص212 (15) مسند الامام الرضا ج1 ص280 (16) بحار الانوار ج44 ص2 (17) ميزان الحكمة ج5 ص233 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
6848

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70482

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51633

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41640

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36242

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
33044

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32303