بين ثنايا سورة!

بقلم: أميرة غربي/ الجزائر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من خلال مدارستِنا لسورِ القرآن الكريم وقصص الأنبياء ومن بينها سورة يوسف التي تضمنت قصته (عليه السلام)، نلاحظُ بين طيّاتها كيف أنّ الله (تعالى) أعدّ وصقلَ نفوس الأنبياء (عليهم السلام)، فالنبي يوسف (عليه السلام) كانت مطيته الابتلاء، ربّاه الله (عز وجل) على حبِّ الخير للغير فأنزل عليه الوحي، وأولُ وحيٍ كان عبارة عن (رؤيا) رآها النبي يوسف (عليه السلام) في المنام. وبذلك بدأت قصته برؤيا وبشرى من الله (جل جلاله) أنّه سيكون نبيًا وسيدًا على قومه؛ لذلك كان لا بُدّ أنْ يمرَّ بعدةِ اختباراتٍ لتتجسد فيه علاماتُ النبوة وتستجمعُ النفس قواها وتبرزُ جدارتها في حملِ الرسالة الربانية. تعرّض النبي يوسف (عليه السلام) للظلمِ من طرف إخوته، فتعلمَ أنّ أقرب الناس له يمكن أنْ يؤذيَه إذا أذن الله (سبحانه وتعالى) بذلك، وهو أولُ ابتلاءٍ له فصبر عليه ولم يعترضْ. وتعرّض للظلم من طرف زوجة العزيز، وسُجِن فتعلّم أنْ يتوكل على الله (تعالى) ولا يستعين بغيره. فُتِنت بجماله كلُّ نساءِ مصرَ ومع ذلك لم يمدح الله (تبارك وتعالى) جماله، بل مدح إخلاصه وإحسانه. قصةُ النبي يوسف (سلام الله عليه) التي قصّها الله (تعالى) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) قائلًا: "نحنُ نقصُ عليكَ أحسنَ القصص"؛ لأنّها تُعلِّمنا الكثير من الأمور، فهي تحكي قصة التحوّل من الذلِّ إلى العزّ، ومن الفقر إلى الغنى، ومن أنْ يكون الإنسان مظلومًا إلى منصورٍ بإذن الله (جل جلاله). علمتنا سورة يوسف أنَّ الخليفة الحقّ يجب أنْ يكون: صابرًا، حكيمًا، يصبرُ على مصابه بحكمة، فلا يقنط من روح الله (سبحانه). الابتلاءُ مطيةُ، والأنبياء (عليهم السلام) هم أكثرُ أهلِ الأرضِ ابتلاءً، إلا أنهم رغم ذلك تجاوزوا الابتلاء وجدوا في الصبر. الإخلاصُ الذي وُجِدَ في يوسف (عليه السلام) قد أهّلَهُ لأن يكونَ من الأنبياء والخلفاء "إنّه كان من المخلصين" التقوى التي جعلته يخشى الله (تعالى) كأنّه يراه من أبرز الصفات التي يجبُ أنْ تتجسد في الأنبياء (عليهم السلام). الذلُّ مهانةٌ إلا الذل للهِ (تعالى) فإنّه عزٌّ، لقد أراد إخوة النبي يوسف (عليه السلام) من إذلاله عندما بيعَ بثمنٍ بخسٍ فكانت النتيجة عزًّا وتحقيقًا للرؤيا. الأمانةُ، فقد اؤتمن يوسف (عليه السلام) على ملكِ العزيز "خزائن الأرض" فأحسنَ أداءها وأحسن إليها.. حسنُ الظنِ بالله (جل جلاله)، عندما خسر النبي يعقوب (عليه السلام) ابنيه أحسنَ الظن بالله (تعالى) ولم يقنطْ. حتى الصالح يمكن له أنْ ينتكس، وخيرُ مثالٍ إخوة يوسف (عليه السلام)، فهم أولاد نبيٍ ومع ذلك ارتكبوا جرمًا في حقِّ يوسف (عليه السلام) العفو، رغم كل ما واجهه النبي يوسف (عليه السلام) من بلاءاتٍ بسبب إخوته إلا أنّه عفا عنهم.. كظم الغيظ، فالنبي يوسف (عليه السلام) رأى إخوته أمامه، إخوته الذين تسببوا في فراقه عن أبيه لكنه كظم غيظه وأسرّ كلامه في نفسه، ولم يُرِد أنْ يردَّ السيئة بالسيئة.. حسنُ الكلامِ مثل حسنُ الجوارِ، لولا أنْ أحسنَ يوسف (عليه السلام) الحديث مع الناس فدعاهم إلى عبادة التوحيد لما تبعه الأهل وأتمنه الناس.. معجزة النبي يوسف (عليه السلام)، أنَّ قميصًا واحدًا كان دليلًا على براءته، وشفاءً لأبيه، وأيضًا دليلًا على افتراء إخوته.. نجدُ كلَّ الأنبياء (عليهم السلام) قد كرّمهم بمعجزات عن بقيةِ البشر، ويوسف (عليه السلام) قد علم تأويل الأحاديث . الذي ينظرُ إلى قصةِ النبي يوسف (عليه السلام) السجين، المظلوم، عزيز مصر، الذي أوتي الحكمة ولين الجانب وحسن الخطاب، يجدُ أنَّ كلَّ هذه الصفات أهّلته وصقلته ليكون ممكنًا في الأرض. هذه السورة التي قيل عنها: "ما قرأها مهمومٌ إلا استراح"؛ لأنها تحملُ البشرى بين ثناياها.. نسأل الله (تعالى) أنْ يُعلِّمنا مما لا نعلم ويرزقنا تدبر القرآن الكريم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطاهرين..

المناسبات الدينية
منذ 3 سنوات
400

عدوى الصَّبابة

بقلم: منارُ المهديّ قال لي أبي وهو يصِفُ ذاك الرّجُل الجنوبي الأسمر: ركِبَ إلى جانبي في سيّارة الأُجرة، تجاذبنا أطراف الحديثِ حول مواضيعَ شتّى، ثم عرّج بحديثه على ذِكر أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: "الحُسين"... أتبعها بشهقةٍ ملأت صدره، فلم يستطِعْ مواصلة الكلام وراح يمسحُ دموعه الفائِضة بكُمِّ قميصه! نحنُ الذين لم نصلْ لبواكير العِشق بعد، استغربنا شهقاتِ ذاك الغريب وعبَراته. لا أدري لماذا بقيَ هذا الموقف مخزونًا في جزءٍ ما من ذاكرتي الغضّة آنذاك، وظلّت تفاصيل ذلك المشهد -الذي غبتُ ببصري عن إدراكه- يحفِرُ في قلبي، وطفِق عقلي ينسجُ عشرات الأسئِلة، عن الرجل كيف وصل؟ ما الذي أحسَّ به؟ هل رأى الإمام؟ لِمَ تُراهَ بكى -حسب وصف والدي- بتلك الحُرقة؟ والأهم هل سأُصبِحُ مثله يومًا.. يُدمي ذكر الحُسين مُقلَتي؟! وذات ليلةِ قدر، رأيتُ الإمام الحُسين (عليه السلام) في كلِّ شيءٍ، ذُقتُ عطشَه في كأسِ الماء الدِّهاق الذّي عزفتْ نفسي عن شربِه في السّحور، ورأيتهُ بين أسماءِ ذي الجَلالة في دُعاء الجوشن الكبير! لكأنّ البُكاء أصبح قُربتي إلى الله (تبارك وتعالى) ليلَتها، حُشاشتي المتجمّرة تستصرخني لأصُبّ دمعي، لكن كيف لي أنْ أخبرها أنَّ عيني جامِدة لا تملك الدُموع؟ أسعفني صوتٌ مُتيّمٌ كربلائي أطلق قصيدةً بصوته المُعتّق بالشجن العاشورائيّ التليد، فأزاح قشّة الغفلة من مجرى أدمُعي، ومن يومها أصبحت قصيدتهُ تلك حارِسةَ مدمعي الخبيرة، لا أحد يثقُب زُجاج عيني الجامد كما تفعلُ هي! أما العاشِق الأشيَب ذاك، فلا أزالُ أتذكّره عند كُلِّ بُكاءٍ رغم سُلو ذاكرة أبي والزمان لتفاصيله... حقًّا ما يُقال: إنّ عشق أبي الأحرار يُعدي!

اخرى
منذ 3 سنوات
281

خاطرة

لا تخفْ من العنكبوت، التي ألقت بخيوطها على قلبكَ، ونسجت بيتها فيه. قاومْ للتخلصِ منها وتذكّرْ: أنْ مهما كان العنكبوتُ متقنًا لنسجِ بيتِه بدقةٍ، فلن يصمد أمام عقلك، فمع دقةِ العنكبوت لكنّ بيته أوهن البيوت كنْ صاحبَ إرادةٍ وأزلْ تلك الخيوط بقوةِ الإرادة

اخرى
منذ 3 سنوات
256

هم له وهو لهم

بقلم: فاطمة فاضل مجيد بعد تعبٍ مُظنٍ في العمل وبذل ما يمكن بذله، تأتي ثمار العمل غير ناضجة أو فاسدة، فتُصاب بضيقٍ في التنفس أشبه بما لو لُفَّ حبل المشنقة حول عنقك، وجنونُ القلب حاله كحالِ من يركلُ ما حوله بلا وعيٍ تتبعه صرخاتُ الإغاثة، وانكسارُ الظهرِ كما لو قمت بمحاولاتِ حمل صخور الجبل الثقيلة، وتراخي الأطراف العليا والسفلى، كما لا تستطيع فعل أيّ شيءٍ سوى حمل رايةٍ بيضاء، وملء العينين بماءٍ غزير يحملُ معاني الاستسلام. لا يمكن فعل شيءٍ صحيح، هذا ظنُ الجميع لكن إلا هم! أتعرفون من هم يا أيُّها القراء الأعزاء؟ أ حزرتم؟! هم بعد كلِّ هذا يقفون ويضعون أيديهم على قلوبهم، ليتلفظوا بكلِّ معاني الجد والاجتهاد، قائلين: (بردًا وسلاًمًا على قلبك يا أبا صالح أبا العزِ والإباء) قال لي أحدهم: ما أن أنهي هذه الجملة حتى يراودني شعورٌ غريب، هذا الشعور يكيل لي قوةً تدمر كلَّ ما ألمَّ بي من حسيس الانهيار. كأن الإمام يردُ عليّ بـ( بردًا وسلامًا على قلبكِ يا موالي) للشيعة قوةٌ عظيمةٌ لا تفتر، لوجود الإمام الحنون الهمام المقدام بينهم. (هم له وهو لهم في كلِّ تفاصيل الحياة).

اخرى
منذ 3 سنوات
245

العصمةُ جوهرُ الإمامةِ

بقلم: رضا الله غايتي العِصْمَةُ: لغةً: الإمساكُ والمنعُ(1)، واصطلاحًا: هي التنزّه عن الذنوب والمعاصي، صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان، وإن لم يمتنعْ عقلاً صدور ذلك عن المعصوم. وقد اختلفت المدرستان (الإمامية والعامية) في شرطيّة العصمة في الإمام، تبعًا لاختلافهما في تفسيرها (الإمامة)، فذهبت مدرسة الخلفاء إلى أنَّ الإمامة لا تعدو أنْ تكون منصبًا دنيويًا يتصدى من يتسنمه للحكم، بقطع النظر عن كيفية الوصول إليه، ومقامه العلمي، ومدى مطابقة سلوكه للأحكام الدينية؛ ولذا فهي لا تشترط العصمة. على حين عَرّفت المدرسةُ الإماميةُ الإمامةَ بأنَّها منصبٌ إلهي يخلُفُ فيه الإمامُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) في القيام بجميع وظائفه سوى تلقّي الوحي الرساليّ، أيّ إنَّها امتدادٌ للنبوة؛ ولذا ذهبت إلى أنَّ العصمةَ عنصرٌ ذاتيٌّ من ذاتيات الإمامة، مُستندةً في ذلك إلى الأدلة العقلية والنقلية، فأما عقلًا، فلأنَّ الإمامَ واسطةٌ بين الله (تعالى) وخلقه، يبلِّغهم بأحكامه، ويكونُ لهم أسوةً ليهتدوا به، ولله (تعالى) عليهم حجة. وكلُّ هذه المقامات: مقام التبليغ، ومقام الأسوة، ومقام الحُجيّة لا تتحقق إلا إذا كان الإمامُ معصومًا؛ إذ لو كذب مثلًا، فلا يُمكِنُ الوثوقُ بتبليغِهِ الأحكامَ حينئذٍ، كما لا يكونُ أهلًا للاهتداءِ به، فضلًا عن قُبح الاحتجاج به واللهُ (سبحانه) منزَّهٌ عن كلِّ قبيح، فيلزمُ من كلِّ ذلك أنْ يكونَ معصومًا علمًا وعملًا، أي لا يُخطِئُ في استقبال المعلومةِ ولا في تحليلها ولا في تبليغها، مثلما أنَّه لا ينحرفُ، ولا يسهو، ولا ينسى. وأما نقلًا فهناك الكثيرُ من الأدلةِ، منها قولُهُ (تعالى): "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"(2)، والمقصود من الظلم في كلمة (الظالمين) ما يقابل العدل، وبما أنَّ العدل: وضعُ الشيءِ في محلِّهِ، إذن فالظلم يشملُ كلَّ ما هو عكس ذلك من مصاديق، فالشركُ ظلمٌ عظيمٌ؛ لأنّه يضع العبادةَ في غير محلها، وعليه لا يقتصر معنى الظلم هنا على ظلم الآخرين فقط، بل يشمل مطلق الظلم، بما فيه ظلم النفس. والناسُ بحسب القسمة العقلية بالنسبةِ إلى الظلم على أربعةِ أقسامٍ لا خامس لها: من كان ظالمًا طوال حياته، ومن هو ظالمٌ في أول حياته فقط، و من هو ظالمٌ في آخرها فقط، ومن لم يظلم طوال حياته. ولا يستحقُّ الإمامةَ أيٌّ من الأقسام الثلاثة الأولى؛ لأنّ الله (جل جلاله) قد استثنى كلَّ من ارتكب ظلمًا ولو بمقدار ذرّة، فيتعيّن أنْ لا أحد يستحقُها سوى القسم الرابع؛ لأنّه لم يرتكبْ ظلمًا قط وهذا هو المراد من المعصوم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)معجم مقاييس اللغة ج4ص331 (2) البقرة 124

اخرى
منذ 3 سنوات
278

خاطرة

مضمارُ سجن! مضمارُ سجني يُرهِقُني وروحي تموجُ غِبتَ في بطنِ الحوتِ ولكنّك لم تغِبْ عن عينِ العليمِ البصيرِ الحكيمِ.. ولا تدري ما الحكمةُ من ذلك؟! رحمةٌ هي.. أم لطفٌ.. أم حبٌّ.. إذ نأى بك في هذا المكان ولعله... أبعدك عن الآلامِ والمحن... أو لتتوجه إليه بكُلِّكَ... بدعاءٍ... مناجاةٍ.. انكسارِ قلبٍ.. وهنا تيَقنْ أنَّك عند الله (تعالى) وهو معك.. إذ.. إنّه عند المنكسرة قلوبهم.

الخواطر
منذ 3 سنوات
305

حوارٌ بين الكتاب وجهاز Tab!

بقلم: شيماء المياحي - مرحبًا يا صديقي الـ Tab كيف حالك؟ - الحمد لله، أنا بخير، والجميع يحتاجني ولا أحتاج لأحد، ماذا عنك أيُها الكتاب المسكين؟ - لستُ مسكينًا، أنا مصدر العلم والمعرفة. - أنت متوهمٌ يا صديقي، فما أنت إلا عددٌ من صفحاتٍ تحتوي على جملةِ معلوماتٍ، أنا من أستحقُّ هذا اللقب، بل وأكثر منه، أنا بحرٌ من العلم والمعرفة. - نعم كما تفضلت يا صديقي الـ Tab ، ولكن فيك الكثير من الأخطار، فقد يغرق فيك من لا يُتقِن خوض البحار، أما أنا فنور علمي ينتفع به الكبار والصغار. - ومن يطلبك يا صديقي الكتاب، وأنا موجودٌ وأغمر حياة الجميع بالسعادة، وأُمتّعهم بالتجوال من عالمٍ إلى عالم بلا ملل ولا ضجر؟ - وماذا بعد هذا التجوال الذي ليس له قرار؟ - القرار بيد المستخدم فهو صاحب القرار، يتصفحُ ما يروقه ويختار، إما يجني مني أطيب الثمار، وإما يخسر ساعاتِ وأيامِ عمره القصار. - إذن، ها أنت ذا اعترفت بأنّ ما تحتويه فيه النجاة، وفيه الكثير من الأضرار. - نعم، لا أنكر ذلك فأنا مجرد أداةٍ وإنْ أُطلِقَ عليَّ أسم (جهازٌ ذكي)، ولكن من يستخدمني له عقل ويمكنه تجنب الأخطار. - إذن أنت المسكينُ يا صديقي؛ لأنك بحرٌ متاح للجميع، وقد يخوض فيك من لا يُحسن الخوض وتكون نهايته الغرق ويلتقمه كبار مخلوقات البحار. - لا ذنبَ لي سوى أنّي أستجيبُ لمن يستخدمني، فالكبارُ لهم عقل يرشدهم، والصغارُ لهم الأهل والمرشدين الأخيار.

اخرى
منذ 3 سنوات
235

خطواتُ مَن؟

بقلم: أم مهدي قبل أنْ تُفكرَ في اقتناء أحدثِ الأجهزةِ وتنزيل أحدثِ التطبيقات... حاولْ الموازنة، فإنّ هذه الأجهزة تُسمى بـ(الذكية)، وهي بالفعل ذكية؛ لأنّها استطاعت ومن ورائها مُنتِجوها سلب توفيق البعض في اقتناءِ كتابٍ رغم غناه بالمعلومة وزهد ثمنه قياسا بها! هنا نحتاج إلى وقفةٍ حازمةٍ وخطوةٍ جريئة قد لا يستطيع كاتب هذه الكلمات أنْ يخطوها إلا بتوفيقٍ من الله (تبارك وتعالى) وحزم وعزم. نحنُ في صراعٍ حقيقي ولكنه صامت، يحتاجُ فيه الإنسان أنْ يستجمعَ قواه ليتغلب على هوى نفسه ورغباته في الجلوس لساعاتٍ أمام هذا الساحر العجيب الذي ينقله إلى عالمٍ من الخيال الرقمي. فأوصيكم ونفسي أنْ نستشعر هذه اللحظة، ولتكنْ لدينا القوة لقطعِ حبائل الشيطان وشراكه فعلى بركةِ الله (تعالى) فلتكن خطواتنا لا وفق خطواتِ الشيطان.

الخواطر
منذ 3 سنوات
287

تطويرُ ذاتِ المرأة بعد الأربعين

بقلم: نجاة رزاق روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: "ليس منا من لم يحاسب نفسه في كلِّ يومٍ، فإنْ عمل خيرًا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإنْ عمل شيئًا شرًا استغفر الله وتاب إليه"1 يحمل هذا الحديث دلالةً واضحةً على تطوير الذات، فنظر الإنسان إلى عمله في كلِّ يومٍ، ومراقبةُ أفعاله وتقييمُ سلوكه ثم الحكمُ على نفسه، فإنْ كان العمل خيرًا، حمد الله (تعالى) وطلب منه الاستزادة، وإنْ كان شرًا استغفر الله (تعالى) ونوى عدم العود إلى مثله. وفي هذه المقالة أود أنْ أسلط الضوء على زاويةٍ من زوايا تطوير الذات وأتحدث عن فئةٍ معينة من المجتمع، وهي فئة النساء في أواخر الأربعين. في هذه السنوات من عمر المرأة تكون قد قطعت شوطًا مضنيًا من حياتها، فهي قد قضت أجمل سنوات عمرها في السعي لتلبية حاجاتِ أفراد أسرتها مُضحيةً بأحبِّ الأشياءِ لديها، فقد تغافلت عن أمورٍ كمالية وجمالية كثيرة؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية لزوجها أو الاجتماعية التي لا تناسب مكانتها، بل ولطالما ضحت براحتها وربما ببعض أهدافها لأجل عائلتها، وبعد هذه السنوات يكون شعورها كمن شارفَ على الجانبِ الآخر من الشاطئ وتوشك سفينتها على الوصول إلى المرسى بسلام. في هذه الفترة التي تكون قد زوّجت أولادها أو بعضهم، ووفّرت لهم السكن الدافئ مع شريك حياتها، تبدأ عواصف جديدةٌ تهبُّ في حياتها ليس لها وجهةٌ معينةٌ، فسنواتُ العمر أوشكت على الانتهاء، والصحة بدأت بالتنازل إلى ما لا تشاء، رسوم الوجه بدأت تتغير، بعض الخطوط تشابكت على جبينها، سوادُ الليل في رأسها بدا فيه الصبح ضاحكًا على أيامٍ غادرت إلى حيث لا عودة! فماذا تفعل؟ هل تجلس تنظر إلى هذا وذاك، وتتحسر على أشياء لم تستطعْ تحقيقها؟ بعض النساء وللأسف الشديد تشعرُ بأنّها قد انتهى دورها ولا فائدةَ من وجودها، فتبدأ بافتعال المشاكل مع الكنائن، تمنُّ على أولادها بأنّها قدّمت كذا وكذا لهم... حالةٌ من الاكتئاب، واليأس، والشعور بالإرهاق والضجر تعتريها بين فترةٍ وأخرى في اليوم الواحد. لكن هل هذه حالةٌ طبيعية؟ هل إنَّ هذا الشعور يحدثُ لكلِّ النساء؟ الجواب: ربما نعم، فهذه حالةٌ طبيعيةٌ بسبب طبيعةِ الهرمونات في الجسم في هذه المرحلة؛ بسبب انقطاع الطمث، فهنالك هرمون في رحم المرأة يسبب نقصه بعض الأعراض المرضية والنفسية، وهو هرمون الأستروجين الذي يُعدُّ أهم هرمون للمرأة؛ إذ يعمل على تطوير وإطلاق بويضةٍ واحدةٍ كلَّ شهرٍ عندما تكون جاهزةً للتلقيح، وتستعد بطانة الرحم لاستقبال البويضة المُلقحة. ومع تقدّم النساء في العمر، يقلُّ مخزون البويضات لديهن فتتوقف الإباضة والدورة الشهرية والحمل، ويتوقف جسم المرأة تدريجيًا عن إنتاج هرمون الأستروجين الذي يتحكم في العملية برمتها. وبسبب هذا النقص تظهر أعراض مثل هشاشة العظام، ارتفاع ضغط الدم، القلق والاكتئاب، جفاف الجلد، تساقط الشعر وغيرها. ولكي لا يأخذ الموضوع منحىً طبيًا، كما أنّه ليس غرضنا من المقال ولا اختصاصنا، أقول: ماذا تفعل المرأة في هذا السنِّ لكي تطوِّر من ذاتِها، وتخفف من حدّة التألم لجميع هذه الأعراض؟ طرحت هذا السؤال على أستاذة التنمية الأخت منتهى محسن فأجابت مشكورة: تلاحظون أنَّ بعض النساء تعاني من أمراضٍ مزمنةٍ ومستعصيةٍ وهي في بداية حياتها ولكنها لا تدع لتلك الأمراض مجالًا بأنْ تمنعها من تحقيق طموحها وأهدافها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المرأة في هذا السن، إذ تستطيع أنْ تحدد لحياتها المقبلة هدفًا، تسعى إلى تحقيقه، صحيحٌ أنّ جسمها بدأ يتغيّر وتحتاج إلى الراحة أكثر لكن لابُدّ أنْ تستثمرَ وقتَ الفراغ في هذه المرحلة. كما يجبُ أنْ لا تنسى أنَّ الله (سبحانه وتعالى) خلقنا لنكون خلفاءَ الأرض، وهذه الخلافة لا تنتهي إلا بنهاية حياة الإنسان، فلا بُدَّ أنْ تتذكر المرأة أنّها في الشوط الأخير من حياتها، فلا بُدّ أنْ تعوِّد نفسها على الإمساك بمسبحتها وذكر الله (جل جلاله) كثيرًا، فإنّ في ذكره حياةً للقلوب. وإذا كانت هذه المرأة متعلمةً فبإمكانها الالتحاق بإحدى الحوزات العلمية أو دروس تلاوة القرآن، فمن أروع الأمور مصاحبة القرآن الكريم. كما تستطيع أنْ تؤسس مجموعةً خيريةً لمساعدة المحتاجين مثلًا، فأهم شيء أنْ يكون لها هدفٌ فيما بقيَ من حياتها. فضلًا عن ذلك، تستطيع المرأة بخبرتها في الحياة أنْ تُقوِّي الروابط الأسرية بين أفراد عائلتها، فتجمع الكنائن والأحفاد حولها بطيبِ أخلاقها وحسن معاملتها، عند ذلك سوف تكون أمًّا لهنّ. وأخيرًا ننوه أنَّ هذا الأمر لا يحدث للجميع بل الغالبية من النساء، وإلا فما زلنا نشاهد بعض الأمهات في الستينات وما زالت تتحمل مسؤولية البيت وتقوم بالأعمال المنزلية على أكمل وجه. حفِظ الله أمهاتنا وأدامهنَّ تاجًا فوق رؤوسنا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- ميزان الحكمة، الريشهري، ج ١، ص٦١٩

اخرى
منذ 3 سنوات
468

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69409

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50352

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41065

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34900

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32055

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31628