أحلامنا هي مصدر آمالنا

بقلم: زينب ضياء لا يوجد فرد في هذه الدنيا إلّا لديه أحلام وطموحات يريد أن يحقّقها أحيانًا تكون هذه الأحلام صغيرة وأحيانًا أخرى تكون كبيرة، فمنا من يستطيع أن يحقق ما يريد، ومنا من تتلاشى أحلامه مع الأيام، وتصبح فقط ذكريات. تبقى الأحلام هي مصدر الأمل لدى الكثير منا فهي التي تعطيه القوة للاستمرار في الحياة ومواجهة صعوباتها. أحيانًا ما تكون هذه الأحلام كبيرة وصعبة وتحتاج إلى القوة والمثابرة للوصول إليها، وهنا يكمن الامتحان الحقيقي للفرد للتغلب على المشكلات ومواجهة الصعوبات ليصل إلى ما يريد، وبذل المزيد من الجهد ليحقق ما يطمح إليه. حتى إن سقط وتعثر ولم يستطع الوصول إلى تحقيق أحلامه فالمشكلة ليست البتة في السقوط والتعثر، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن يظل الساقط والعاثر في مكانه بلا حراك، فمن أراد الوصول للأعلى فليستعن بالله ويصعد بكلّ ما لديه من عزم، ومن أراد البقاء في الأسفل فعليه أن يعلم أنّ الحياة للأقوى والأصلح. تحقيق الاحلام والوصول إليها يبدأ من الذات، فإذا أنت كنت واثقًا من نفسك وتدرك في قرارة نفسك أنك سوف تصل إلى ما تريد وتقول باستطاعتي أن أنجح، فستصل بإذن الله تعالى إلى تحقيق حلمك فيصبح حقيقة. كل الأحلام هي خيال في بداياتها، وتبدأ مهمتك من جعل هذا الخيال واقعًا جميلًا... استثمر خيالك، وضع الخطوط الأولى لبناء حلمك في الواقع، والإيمان بأن أحلامك سوف تتحقق. أحلامك مهما كانت كبيرة، تعتبر هذه أول الخطوات. كما يجب تحديد مواطن الضعف في شخصيتك والنقاط السلبية التي تعرقل تحقيق حلمك وتخلص منها، ويجب على الفرد أن يتحلى بالإصرار وعدم التراجع أو الانسحاب في منتصف الطريق، فمجرد التفكير بالانسحاب هو بداية الفشل، ومن الممكن أن تواجه الذين يعرقلون من عزمك ويرفضون أحلامك فلا تعطي الفرصة لهم لتقليل من عزمك مهما كانت الظروف. كما أن تحقيق الأحلام لا يزدهر من دون الذين يدعمونك، فلا بد من أن يحصل الشخص على الدعم والمؤازرة ممن هم حوله ومن يؤمنون بقدراته، ويحاول تكوين علاقات جديدة أو توسيع شبكة معارفه والتواصل مع زملائه في العمل، من خلال الفعاليات المهنية مثلاً أو المؤتمرات والنقاشات تساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أهدافك. تأكد دائمًا أن أحلامك سوف تحقق في يومًا ما إذا عملت بجد للوصول إليها وجعلت من العقبات سلّمًا للوصول إلى ما تريد.

اخرى
منذ 4 سنوات
3202

لآلئ من نهج البلاغة: الحكمة الثانية (1)

بقلم: يا مهدي أدركني قال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): "أزْرَى بِنَفْسِهِ مَن اسْتَشْعَرَ الطَمَعَ، وَرَضِيَ بِالذُّلِ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَليْهَا لِسَانَهُ". مقدمة: إن الإنسان هو مخلوق مركب من جزئين: (مادي ومجرد)، والبدن يمثل الجزء المادي، أما الروح أو النفس فتمثل الجزء المجرد، والإنسان عادةً يولي رعايةً فائقةً لذلك الجزء المادي، فيهتم بمأكله ومشربه وملبسه وإذا ما مرض يهرع إلى الطبيب باحثًا عن علاجٍ مهما كان باهض الثمن ليعالجه، وهذا أمر لا بأس به، إلا أنه قد يتناسى -في وسط كل ذلك الزحام- الاهتمام بالجزء الثاني المجرد –الذي هو في الحقيقة الجزء الأهم- إذ إن الجزء المادي بمجرد انفصال الروح عنه يموت ويتفسخ ولن يستطيع حتى أن يدرأ عن نفسه ما يصيبها من تغيرات تحوله إلى جيفة نتنة، في حين أن الجزء الباقي هو ذلك الجزء المجرد الذي يحتاج أيضًا إلى مراعاة واهتمام كي لا يتوعك، فكما للبدن أمراضه الخاصة به، فللروح أيضًا أمراضها الخاصة بها، وبعضها أمراض بسيطة يمكن علاجها فيما إذا تداركها صاحبها، والبعض الآخر يكون فتاكًا يؤدي إلى الهلاك الأخروي لهذه الروح، ومن هذه الأمراض (الطمع والحسد والغيرة وكثرة الشكوى وضعف النفس وما إلى ذلك). وكما عودنا أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فهم لم يتركوا حالة مرضية بدون تشخيص فضلًا عن تحديد العلاج لها، بل حتى كيفية الوقاية منها. وسنتحدث عن هذه الحكمة ضمن التالي: الفصل الأول: الطمع قال (عليه السلام): "أزْرَى بِنَفْسِهِ مَن اسْتَشْعَرَ الطَمَعَ". بيان معاني المفردات أزرى بنفسه: أزرى بالشيء أي أهانه وحقره أو تهاون به وقصره وحط من قيمته، والمراد هنا: حط من قيمة نفسه وحقَّرها. استشعر: أي حس به وضمره في داخله ولم يبينه، يقال: استشعر بالثوب أي لبسه تحت ثيابه. الطمع: الرغبة الشديدة في الحصول على الشيء والاستحواذ عليه، وهو عكس القناعة. شرح الحكمة: في الحقيقة قولنا (شرح الحكمة) إنما هو تعبير مجازي، فقلمي الفتي بالكاد يحبو في أروقة نهج البلاغة وهو عاجز عن الوصول إلى بلاغة أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، ولكن كما يقولون :ما لا يدرك كله لا يترك جله، لذا سنحاول أن نفهم العبارة التي أراد أمير المؤمنين (سلام الله عليه) أن يوصلها لنا: نلاحظ أن في كلماته (عليه السلام) دومًا اشارة إلى أن الإنسان هو مخلوق مخير بيده أن يرتقي سلالم الكمال حتى يضاهي الملائكة ويتباهى به الله (عز وجل) أمامهم، وبيده أن يتسافل حتى يصل إلى درجة ما دون الحيوانات والعياذ بالله فقد قال (عز من قائل): {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} سورة الفرقان: آية (44) حيث وصفهم الله تعالى بأنهم أضل من الأنعام، وذلك لأن الأنعام لم يكرمها الله تعالى ولم يعطها ما أعطى للإنسان، فإذا عمل الإنسان على التخلي عن جوهرة العقل فقد أصبح أسوأ من الحيوان. فالإنسان مخير له وله الإرادة على أن يرتقي بنفسه لتتكامل، قال الله تعالى في كتابه الكريم: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} سورة الشمس: آية (9،10). والطمع هو أحد الأمراض الروحية، التي إذا ما أصابت القلب أخذت بالروح إلى الهوان والتسافل. فما هو الطمع؟ إن في الطمع جانبين: أحدهما إيجابي والآخر سلبي، ولكي نفرق بينهما يجب أن نعرف معنى الطمع ومتى يكون إيجابيًا محمودًا ومتى يكون سلبيًا مذمومًا. معنى الطمع: عرف العلامة النراقي (قدس سره) الطمع في كتابه (1) فقال: هو التوقع من الناس في أموالهم وهو أيضًا من شعب حب الدنيا ومن الرذائل المهلكة. وهذا هو الجانب المذموم منه، ففي الطمع تعلق في الدنيا، ومن تكون هذه الرذيلة صفة ملازمة له يكن ممن نسي الله تعالى وغفل عن كونه هو الرازق الذي بيده كل شيء، وتوجه إلى ما هو بيد الناس، وهذا يقوده إلى نكران قدرة الله تعالى المطلقة، وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها: (بئس العبد عبد له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله) (2). أما الجانب الإيجابي فهو الطمع في الله (عز وجل) والطمع في رحمته (جل وعلا)، وهو في حقيقته استغناء عما في ايدي الناس وافتقار الى الله تعالى، وهو –على هذا- من الأمور التي توجب التقرب الى الله تعالى، فهو ضد اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، فإن حسن الظن بالله تعالى من موجبات الرزق فقد جاء في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي، فلا يظن بي إلا خيرًا) (3). وقد أشار الله تعالى الى مفردة (الطمع) في القرآن الكريم وسلط الضوء على كلا الجانبين المحمود والمذموم. الطمع في القرآن الكريم: أولًا: أما الطمع المحمود، فهو الذي فيه أمل ورجاء وهو ضد اليأس والقنوط الذي أمر الله تعالى به وجعله صفة للمتقين حيث تميل نفوسهم بل هي تتوق الى رحمة خالقها وتسعى شوقًا للتقرب إليه، ولتوضيح ذلك نذكر بعض الآيات الواردة في ذلك: 1- قال تعالى {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} سورة الشعراء: آية (82). 2- قال تعالى {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} سورة السجدة: آية (16). 3- قال تعالى {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الشعراء: آية (51). 4- قال تعالى { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الأعراف: آية (56). من مجموع الآيات نلاحظ أن الله تعالى جعل صفة الطمع صفة ملازمة للمؤمنين، وذلك لأنهم مستغنون عما في ايدي الناس مفتقرون إلى الله تعالى طامعون في سعة رحمته ونيل مغفرته التي مهما بلغ الإنسان في الاجتهاد في طاعته لن ينالها باستحقاقه وإنما ينالها برحمة الله الواسعة وكرمه، ففي الآية الأخيرة نجد أن الله تعالى يأمر المؤمنين أن يتخذوا الطمع لباسًا يزينون به دعاءهم. ثانيًا: وأما الآيات التي حذرت من الطمع وجعلته مذمومًا فذلك لكونه طلبًا لما في ايدي الناس وأخذه دون بذل أي جهد، وهو نوع من أنواع الجشع والبخل وقد يصل إلى الحسد، وسنكتفي بذكر آية ورواية واردة في ذلك: قال تعالى {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} سورة طه: آية (131)، والآية واضحة فيها نهي عن الطمع عما في أيدي الناس وتنبيه من عدم الغفلة عن كون الله تعالى هو الرزاق. 2- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "فساد الدين الطمع" فالطمع هو من أحد مصادر ارتكاب الذنوب، فإن من اتخذ الطمع ملكة له أفتقر، وأما من جعل القناعة ملكة له اغتنى. الأسباب والدوافع المؤدية إلى الطمع: إن لكل علة معلولًا ولكل مرض بدني فيروسًا أو بكتريا، وهكذا هي الأمراض الروحية والقلبية، فإن لها أسبابًا تؤدي بصاحبها إلى الوقوع فيها، وعلة الطمع الأساسية هي: قلة الإيمان، وكلما ضعف الإيمان ووهَنَ كلما اشتد الطمع في قلب صاحبه. إن القلوب الخالية من الإيمان تميل الى الدنيا وتتعلق بها تعلقًا شديدًا، فتنجرف تلك النفس وراء المغريات وتنظر الى ما في ايدي الآخرين فتتعلق به وترغب به، وهكذا حتى تنسى تلك النفس رازقها فتغرق شيئًا فشيئًا في بحر الطمع، حتى يصل الأمر بصاحبه الى أن لا يتورع من ارتكاب المعاصي لنيل ما ترغب تلك النفس المريضة، لذا حذر مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) من الوقوع في شباكه.

اخرى
منذ 4 سنوات
3900

ولدت لتحيا

اسمها لا يزال يشدني وكأنه قادم من عمق التاريخ يحمل لنا أنباء وأخبار ذلك الزمان، اسم يشع جلالا، وهيبة، فيحتار العقل في وصف تلك المراءة العظيمة... خديجة.... قالوا في معناه: أنه اسم علم مؤنث عربي ويعني المولودة قبل أوان وضعها وتحيا. امرأة من جنس النساء، ولكنها أبت إلا أن تكون سيدتهن؛ بوضعها أموالها ونفسها وروحها بين يدي سيدها. لم يكن الصادق الأمين زوجا لها فقط إنما كان وليا واماما ورسوﻻ ... قال عنها: آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله اوﻻدها وحرمني اوﻻد الناس. لقد عقم الزمان أن ياتي بمثلها لتكون شريكة الخاتم في الرسالة وسبب ذريته وأصل لفرعه الأزهر فاطمة الذي كان كلما اشتاق للجنة قبلها وشمها. لقد تحدت السيدة خديجة عليها السلام تقاليد وقيود مجتمعها الغارق في الجاهلية. إنها تلك العظيمة التي رغم أن التأريخ وصناعه لم ينصفوها إلا أن فضلها وعظيم منزلتها قد ملأ الخافقين... للمتدبر!!! تلك المرأة التي ولدت لتحيا طاهرة كريمة النفس واليد شريفة في زمن شحت فيه تلك الاخلاق .... فريدة عصرها جاها،وشرفا، وجﻻلا، وجمالا. كانت من الحكمة والفطنة بأنها أدركت بعقلها الراجح شخصية ذلك الشاب الذي اذنت له كي يتقدم لخطبتها، ولم تعر أهمية لما عدا أخلاقه، ورجاحة عقله، ومنزلته في قومه؛ فهو الصادق الأمين. إن ما بذلته من روحها وأموالها لم يكن بسبب حب رجل، أو لمجرد زوج، وأنما كان تحديها وإنفاقها عن فكر صائب، وعقيدة راسخة وإيمان بالواحد الاحد؛ لم تزلزلها مقاطعة نسوة مكة 1، ولا حصار الشعب في السنوات العجاف2، وكانت نعم المؤمنة طاهرة القلب واليد، فنجد ذلك في كلمات النبي صلى الله عليه وآله وهو يمدحها في طول عمره الشريف، وبقى يحب من احبت ليس برا بزوجة فقط وإنما بمؤمنة نصرت الله ورسوله ودين الحق بكل ما تملك. هكذا كانت أول أمهات المؤمنين عطر فاح في الأرجاء شذاه. .... ومازالت لنا قدوة وأسوة في تكوين الأسرة، وعدم السير مع تيار المجتمع الفاسد. فسلام على الراحلة في شهر الصيام، سيدة نساء العالمين والتي تفردت في هذا الكون حين حظت بسلام من رب العزة ومبعوث الرسالة3. فالسلام على من وسَّدها الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في كفنين أحدهما سماوي والآخر أرضي 4. 1.ورد أنها وبسبب زواجها من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وحين وﻻدتها لم تحضرها نساء مكة وإنما خدمنها نساء الجنة السيدة آسيا بنت مزاحم والسبدة مريم وكلثم أخت موسى. 2. حصار قريش للمسلمين في شعب أبي طالب لمدة 3سنوات قضى فيهن أبي طالب والسيدة خديجة عليهما السلام. 3.تفردت السيدة خديجة عليها السلام بأن الله خصها بالسلام على لسان جبريل الأمين. 4.ورد أن الله سبحانه أنزل لها كفنا من الجنة وأيضاً كفنها النبي بكفن آخر. بقلم العلوية أم مهدي

اخرى
منذ 5 سنوات
2412

لا تنسَ... اصنع حسابًا لأخطاء الآخرين

بقلم: إسلام نادي قاعدة مرورية هامة "اصنع حساباً لأخطاء الآخرين"، إن كنت من سائقي السيارات فأنت تعلم هذه القاعدة جيدًا، ربما لا تكتب هذه القاعدة على اللوائح ولكن الجميع يؤمن بها ويردّدها، والقليلون هم من يعملون بها ويأخذون أخطاء الآخرين في حسبانهم. ولكن، هل قطار الحياة يصنع حسابًا لأخطاء الآخرين؟ هل ستتوقف عجلة القطار إذا كنت ملقىً على جنبك على القضبان الحديدية لا تستطيع الحراك؟ في الحقيقة، قطارات الحياة لا تصنع حسابًا لأخطاء أحد، حتى أنها لا تصنع حسابًا لسائق القطار نفسه، أما أنت يا صديقي فعليك أن تصنع حسابًا داخل العربة لأخطاء الركاب، فربما يطأك أحدهم بقدمه إن كنت جالسًا في الطرقة، وربما يهوى كوب الشاي من يد أحدهم فتستقر على فخذيك وأنت جالس على الكرسي، وربما يأخذ أحدهم حقيبتك بالخطأ أثناء نزوله. في مآرب الحياة وأزقتها لا أحد يصنع حسابًا لخطئك، عليك أن تقود نفسك باستقامة وتركيز كي لا يصطدم بقلبك أحد، أو يدهسك أحدهم بأفعاله وأقواله، وأيضًا عليك أن تصنع حسابًا لأخطاء جميع من حولك كي لا تقع في عواقبها ونتائجها. 《أن تصنع حسابًا لأخطاء الآخرين خيرٌ لك من أن تلومهم على الخطأ الذي ارتكبوه》. قطار الحياة كقطار خط الصعيد في مصر، لا ينتظر أحد، أوَ تدري لماذا؟ لأنه محمّل بقدر كبير من الركاب لا يسمح له بانتظار أحد آخر، فلا يهتم لأخطاء أحد، من يخطأ ربما يؤدي به خطؤه لأن يفقد حياته، ولكن جميع الركاب ينبغي على كل واحد منهم أن يصنع حسابًا لأخطاء الآخر، فهذه حياتهم هم وليست حياة القطار، إنْ حدثت مشكلة فبماذا يفيد اللوم والخطأ قد وقع، فلا تتسارع أثناء قيادتك لحياتك وأنت غاضبٌ أو متهور وتقنع نفسك بأنك ستأخذ حقك إنْ أحدث سائق السيارة بجوارك خطأ أدّى لإصابتك. في حياتك لا تستسغ إلقاء اللوم على الآخرين بعد فشلك المتلاحق في تجاوز المنعطفات، لا تبرر قائلًا "لقد أشعلت ضوء الإشارة اليمنى الصفراء ولكنه لم يفهمها"، أو تقول "هذا الطريق ملئ بالمرتفعات"، أخطأت في الأولى لأنك لم تصنع حساباً لأخطاء القادمين خلفك، أليس من المعلوم لدي الجميع أن رخص القيادة تخرج بالأموال لا بتجاوز الاختبارات، وفي الثانية أخطأت لأنك لم تؤهل نفسك للقيادة في المنحدرات أو المرتفعات. هذه هي القوانين في الحياة، المخطئ لن يعيد لك ما فقدته، وأنت لا يجدر بك الخطأ فضلًا عن تكراره، فخذ قرارك قبل أن تقود السيارة، وإن انتهى بك القرار للقيادة فهيئ نفسك لدخول جميع المسارات، لا تُحاول أن تخطأ بمبررات لا تُجدي بعد وقوع الخطأ، وإن أخطأت ووقعت من عربة القطار فكن قويًا وحاول أن تسرع قبل أن تدهسك عجلاته، ودائمًا يجب أن تضع نصب عينيك أن (الوقاية خيرٌ من العلاج) لذلك اصنع حسابًا لأخطاء الآخرين كي تتلافى الوقوع.

اخرى
منذ 4 سنوات
1201

وأن الراحل إليك قريب المسافة

بقلم: صفوان الجمال الراحل مشتق من رحل وهو يدل على مضيٍّ في سفر. المسافة: البُعد المعنى إن الذي يسافر إليك يا الله فبعده عنك قريب. مقطع من دعاء سيد الساجدين (صلوات ربي عليه)، المسمى بدعاء أبي حمزة الثمالي، لو حللنا هذا النص لوجدنا فيه أمرين: ١- الراحل، ولكن ليس أي راحل بل الراحل إليك سبحانك. ٢- قريب المسافة. ولكي يكون الإنسان قريب المسافة عليه أن يوفر صفة الراحل إلى الله تعالى في نفسه، فإذا صدق عليه ذلك، كان قريب المسافة، والمسافة والقرب وإن كان من الأمور المادية، ولكن الإمام (عليه السلام) استعملهما في القرب والمسافة المعنويين، فإن القريب من الله (عز وجل) هو المرضي عنده سبحانه، فلكي يكون العبد قريبًا منه سبحانه ومرضيًا عنده لابد أن يرحل إليه، والرحلة تكون بالعزم على طاعته في كل واجباته والانتهاء عن محرماته، والاهتمام بتعلم الأحكام الشرعية لكي يتم الالتزام بها على الوجه المطلوب في تحقيق هذه الصفة المقربة إليه تعالى، وكلما التزم العبد أكثر واهتم بالمستحبات وترك المكروهات، وكان أكثر دقة في التعامل في الأحكام الشرعية، كان راحلًا بمستوى أكبر وأقرب بمقتضى أن الراحل قريب. وعليه فلا بد أن يصب الاهتمام على كيفية توفير هذه الصفة في أنفسنا، وما هو الطريق الذي لابد من سلوكه لتوفير هذه الصفة؟ إن ذلك يتم من خلال تعلم أوامره ونواهيه تعالى، مضافًا إلى التعرف إليه والتحلي بالأخلاق الفاضلة والتعامل مع الناس بما يرضيه وما إلى ذلك من تفصيلات كثيرة لا يسعها المقام. ثم إنه لا بأس بذكر مصداقين مهمين يمكن الركون إليهما لتوفير هذه الصفة: المصداق الأول: التوبة قد يحاول العبد التقرب والرحلة إلى الله تعالى ولكنه كثيرًا ما يعاني من الوقوع في بعض المخالفات التي تضعف همته للوصول إليه تعالى، والشعور بالإحباط من كثرة الذنوب، بحيث يظن أنه صار مطرودًا من صنف الراحلين إليه تعالى، ولكن ما تعلمناه منه سبحانه ومن نبينا نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ينبه بشكل واضح إلى لزوم عدم الشعور باليأس من الوصول إليه سبحانه ومن العودة إليه مرارًا، فقد ورد أن العبد عليه بالتوبة كلما ارتكب ذنبًا حتى لو حصل منه سبعمائة ذنب في اليوم ولكن الراحل عليه أن لا يقع في هكذا عدد من الذنوب إذ لا خير في هكذا عبد. روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): من قال استغفر الله مائة مرة في يوم غفر الله له سبعمائة ذنب ولا خير في عبد يذنب في كل يوم سبعمائة ذنب. والذي نريد أن نصب النظر إليه أن المطلوب من العبد التوبة ولو وقعت منه المعصية مرارًا فإن الله (عز وجل) يحب العبد الذي يكثر من التوبة، فقد قال تعالى في محكم كتابه الحكيم: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)، والتواب هو كثير التوبة، وقال تعالى أيضًا (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي من عاد بعد ظلمه ولو كان قد ظلم مرارًا بحسب اطلاق الآية، وروي عن أبي جعفر (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى أشدّ فرحًا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها"، فالله أشد فرحًا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها. فلا تيأس من رحمة الله تعالى، وتب كلما وقعت في ذنب، فهذه طبيعة البشر، يعقدون النية على أمر ثم يقعون في خلافه، حتى أن أحد المؤمنين عرض هذه المشكلة على الرسول (صلى الله عليه وآله) فأمره بالاستغفار والتوبة بعد كل ذنب. روى صاحب الوسائل عن الديلمي صاحب الإرشاد أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستغفر الله في كل يوم سبعين مرة يقول: استغفر الله ربي وأتوب إليه وكذلك أهل بيته (عليهم السلام) وصالح أصحابه، يقول الله تعالى (واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ)، وقال رجل يا رسول الله إني أذنب فما أقول إذا تبت؟ قال (صلى الله عليه وآله): استغفر الله، فقال الرجل: إني أتوب ثم أعود، فقال (صلى الله عليه وآله): كلما أذنبت استغفر الله، فقال: إذن تكثر ذنوبي، فقال: عفوا الله أكثر فلا تزال تتوب حتى يكون الشيطان هو المدحور. المصداق الثاني: الصلاة هنالك عبارة معروفة تقول: إن الطرق الى الله تعالى بعدد انفاس الخلائق، ويبدو أن المقصود أن الطرق إليه سبحانه كثيرة جدًا، إذن يمكن صدق صفة الراحل باتخاذ أي طريق من هذه الطرق، وخيرها وأفضلها هو قربان كل تقي ومعراج المؤمن والذي كل شيء تبع له، وهي الصلاة، وإنها كبيرة إلّا على الخاشعين. ومما ورد في أن أفضل شيء للتقرب إلى الله تعالى هي الصلاة هو ما رواه معاوية بن وهب حيث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم أحب ذلك إلى الله (عز وجل)، ما هو؟ فقال (عليه السلام): ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أن العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: (واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا). بل قد ورد أكثر من ذلك في شأن الصلاة، فقد ورد أن كل أعمال الإنسان وشؤونه تابعة لصلاته، فإن صلحت الصلاة صلح شأن الإنسان، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "اعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك". والاهتمام بالصلاة فيه جوانب متعددة، منها الاهتمام بالصلاة في أول وقتها وقد نقل في هذا الشأن عن بعض علمائنا -رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين واطال في أعمارهم- أنه كان ينتظر الزوال تحت الشمس ويمسك سبحته بيده ويجعلها بشكل عمودي نازلة من يده وهو ممسك بها، ليعرف الزوال في أوله فيشرع بالنافلة ماشيًا الى المسجد ثم يكمل نافلته فيه وبعد ذلك يشرع في صلاة الظهر، لكي يحرز أنه يصلي في أول الوقت، وفي الروايات الكثير مما يؤكد على اهمية أول الوقت.

اخرى
منذ 5 سنوات
2868

العلاقة بين المحبة والعبادة

بقلم: تقوى القلوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل النّاس من عشق العبادة، فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا، على عسرٍ أم على يسر. لسبر أغوار الرواية والنّهل من نمير عطائها علينا أولاً أن نبين المعاني اللغوية لبعض المفردات الواردة في الرواية. فضلَ: غلبه في الفضل، فضّله على غيره: حكم له بالفضل عليه، صيّرَه أفضل منه(1). عَشِقَ: تعلق قلبه به، العشق (مصدر): إفراط الحب(2). عبدَ عبادةً وعبودية الله: وحّده وخدمه وخضع وذلّ وطاع له(3). تعرضت الرواية الشريفة إلى بيان مَن هم أفضل النّاس وذكرت عدة أوصاف وعلامات لهم، وبدأت بالقول: (من عشق العبادة) أي إنه ليس حبًّا طبيعيًّا وإنما هو الإفراط في الحب للعبادة، والعبادة ليست فقط هي فقط الطقوس الدينية من صلاة وقراءة قران وصيام و... وإنما تشمل الذل والخضوع والطاعة من العبد لمولاه، فهي مفهوم واسع يشمل الكثير من الأعمال والممارسات. ولكن بشرط أن يكون القصد في إتيان هذا العمل هو القربة لله تعالى، فالنية هي جزء جدًا مهم من العبادة، وعدم توفرها يوفر القدرة على تحويل العمل الذي يكون ظاهره عبادة إلى شرك، كما في إتيان الصدقة رياءً (والعياذ بالله) فهنا سيتحول من عمل مقرب إلى الله تعالى إلى عمل فيه شرك يستحق فاعله العقاب، كما إنّ النّية الخالصة لله تعالى ممكن أن تحول عملًا ظاهره دنيوي إلى عبادة، كمن ينام أول ساعات الليل للاستعانة على قيام الجزء الأخير مِنه، فيتحول هذا النوم إلى عبادة وهكذا، وهناك مضمون رواية عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): "يا عليّ إن استطعت أن لا تأكل إلا بنيّة فأفعل" أي حتى الطعام الذي تتناوله اجعل له نيّة قربية لله تعالى وبذلك تتحول ممارساتنا اليومية التي هي للمحافظة على انفسنا ستتحول إلى عبادة للاستعانة بها على الطاعة لله، فيتحول العبد إلى مصداق من مصاديق الآية الكريمة: "قُل إنَّ صَلاتِي وَنُسُكي وَ مَحيَايَ ومَمَاتي لِلهِ ربِّ العَالَمِينَ". من ثم قالت الرواية: فعانقها وأحبها بقلبه. الفاء هو أحد حروف العطف ويُفيد الترتيب والتعقيب ومعنى الترتيب أي إن الثاني بعد الأول والتعقيب أي عقيبه بلا مهلة، أي إنّه بعد أن عشق العبادة عانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده، والترتيب هنا رُتَبي أي: ما باشر العبادة ومارسها بجسده إلا بعد أن وصل مرحلة من الحب إلى درجة العشق، وبما أن هناك شبهًا في بعض الأمور بين الروح والجسد سنذكر حقيقة علمية تقول: إنّ أكل الطعام بشهيّة يساعد في جودة وسرعة هضمه وبالتالي الحصول على الفائدة من هذا الطعام والذي هو تغذية الجسد وتقويته، ففي شهر رمضان المبارك مثلًا نجد الكثير من يوفق للتوبة والكثير من المؤمنين يحرص على تأدية الكثير من الأعمال كالأدعية الواردة في الشهر الفضيل وصلة الأرحام والبذل والعطاء في سبيل الله تعالى و.....الخ وما ذلك إلا لأن الأرواح مقبلة على الطاعات لأن الشياطين في هذا الشهر الفضيل مغلولة ولأن الروح بفعل الصيام تكون انقى وأصفى، فالطريق لمعانقة العبادة بالروح مفتوح وإتيانها بحب يؤتي ثمارها بشكل أقوى وأسرع، ونحن نعلم أن الغاية من الطاعة وممارسة العبادات بأنواعها هي لتطهير الروح من الشوائب المادية والارتقاء بها إلى مدارج كمالية عالية تؤهلها للقرب من الله تعالى. ثم قالت الرواية: وتفرّغ لها. التفرغ ليس بالضرورة أن يكون تفرغاً مادياً فليس الهدف من الشريعة المقدسة هي أن يتحول النّاس إلى زهاد وعباد معتكفين في مساجدهم فقط للعبادة، وإنما قد يكون القصد هو التفرغ القلبي لطلب القرب من الله تعالى، اي يتفرغ من باقي النوايا والأهداف فتصبح نية إتيان كل عمل صالح ونية الابتعاد عن كل عمل طالح هو للقرب من الله تعالى ونيل رضاه. كما إنّ الرواية ذكرت نتيجة هذا العشق وما يُوصِل إليه هذا العبد، وأيضًا ممكن أن نحتسبها علامة من علامات هذا العبد ألا وهي: أن يتساوى لديه حال العسر واليسر، فهو قد وصل إلى مرحلة من اليقين والاطمئنان والرضا بما قسم الله تعالى إلى درجة أن تساوى عنده العسر واليسر..... اللّهمّ إنّي أسألُك إيماناً تُباشرُ به قلبي ويقيناً حتى أعلم أنّه لن يُصيبَني إلا ما كتبت لي ورضّني من العَيش بما قسمت لي يا أرحمَ الراحمين. ___________________ 1- كتاب المنجد. 2-نفس المصدر. 3- نفس المصدر.

اخرى
منذ 4 سنوات
3982

الأبعاد العقائدية في أدعية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دعاء طلب تفريج الهموم والغموم نموذجًا

بقلم: دينا فؤاد الحلقة الثانية المبحث الثاني الأبعاد العقائدية في دعاء طلب تفريج الهموم والغموم مفهوم الأبعاد العقائدية في اللغة والاصطلاح الأبعاد لغة: (جمع بُعد، والبعد: اتساع المدى. أبعاد مسألة: أهمية، مظاهر عمليّة). (39) والعقيدة في اللغة: (العقد: الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل، وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعاني نحو: عقد البيع، العهد، وغيرهما، كقوله تعالى: {عقدت إيمانكم} (40). (41) وأما العقيدة اصطلاحاً: (هي القاعدة الفكرية التي ينطلق منها الإنسان إلى الحياة، لأنها ترسم له خارطة تحركه الحضاري وفق نظام حياتي عملي ناجح يقوده في النهاية إلى ما ينشد من الكمال اللائق به). 42 دعاء طلب تفريج الهموم والغموم في الصحيفة الفاطمية تعد الصحيفة الفاطمية إحدى الآثار الدعائية المهمة، والتي يعجز عن بيانها فطاحل البلغاء، وهي إحدى الموسوعات الدعائية المهمة بالإضافة إلى الصحيفة العلوية والسجادية، وقد اعتبرت الصحيفة الفاطمية من أشرف الصحف، وقد قام الكرام الكاتبون بتسجيلها في كتبهم المطبوعة. (43) ويعد دعاء طلب تفريج الهموم والغموم أحد أدعية الصحيفة الفاطمية، وعند التأمل في هذا الدعاء نجد الكثير من الأبعاد العقائدية، وفيما يلي نص الدعاء: " اللهم إني أتوجه إليك بهم، وأتوسل إليك بحقهم العظيم، الذي لا يعلم كُنهه سواك، وبحق من حقهُ عندك عظيمٌ، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التامات التي أمرتني أن أدعوك بها، وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت إبراهيم ـ عليه السلام ـ أن يدعو به الطير فأجبته. وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم فكانت، وبأحب اسمائك إليك، وأشرفها عندك، وأعظمها لديك وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهلهُ ومستحقهُ ومستوجبهُ وأتوسلُ إليك، وأرغبُ إليك، وأتصدقُ منك، وأستغفرك وأستمنحك، وأتضرعُ إليك يديك،، وأسألك وأخضع بين وأخشع لك وأقر لك بسوء صنيعتي، وأتملقك وألح عليك، بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك، صلواتك عليهم أجمعين، من التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، من أولها إلى أخرها، فإن فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى أتقرب إليك، وأسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تفرج عن محمد وآله وتجعل فرجي مقروناً بفرجهم (وتقدمهم في كل خير) وتبدأ بهم فيه، وتفتح أبواب السماء لدعائي في هذا اليوم، وتأذن في هذا اليوم وهذه الليلة بفرجي، وإعطائي سؤالي وأملي في الدنيا، فقد مسني الفقر، ونالني الضر، وسلمتني الخصاصة وألجأتني الحاجة، وتوسمت بالذلة، وغلبتني المسكنة، وحقت عليّ الكلمة، وأحاطت بي الخطيئة، وهذا الوقت الذي وعدت أوليائك فيه الإجابة. فصل على محمد وآله، وأمسح ما بي بيمينك الشافية، وأنظر إلي بعينك الراحمة، وادخلني في رحمتك الواسعة، واقبل إلي بوجهك الذي إذا أقبلت به على أسير فككته، وعلى ضال هديته، وعلى جائز أديته، وعلى فقير أغنيته، وعلى ضعيف قويته، وعلى خائف أمنته، ولا تخلني لقاء عدوك وعدوي، يا ذا الجلال والاكرام. يا من لا يعلم كيف هو، وحيث هو وقدرته إلا هو، يا من سد الهواء بالسماء، وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمى نفسه بالاسم الذي به تقضى حاجة كل طالب يدعوه به. وأسألك بذلك الاسم، فلا شفيع أقوى لي منه، وبحق محمد وآله محمد (أسألك) أن تصلي على محمد وآل محمد، وان تقضي لي حوائجي، وتسمع محمداً وعلياً وفاطمة، والحسن والحسين وعلياً ومحمداً، وجعفراً وموسى، وعلياً ومحمداً وعلياً، والحسن والحجة ــ صلواتك عليهم وبركاتك ورحمتك ــ صوتي، فيشفعوا لي إليك وتشفعهم في، ولا تردني خائباً، بحق لا إله إلا أنت، وبحق محمد وآل محمد، وأفعل بي "كذا وكذا" يا كريم. (44) الأبعاد العقائدية في دعاء طلب تفريج الهموم والغموم هناك العديد من الأبعاد العقائدية في دعاء طلب تفريج الهموم والغموم للسيدة الزهراء (عليها السلام)، وفيما يلي توضيح لبعض هذه الأبعاد. 1- التأكيد على أن التوسل عبادة توحيدية: الذي نريد أن نثبته في هذا البعد هو أن التوسل والتوجه بالوسائل والوسائط التي جعلها الله لخلقه هو التوحيد التام، فالتوحيد التام يكون من خلال انصياع العبد وخضوعه أمام الأبواب التي جعلها واسطة بينه وبين العبد. (45) وهذا ما أكدته الزهراء (عليها السلام) في دعائها، حيث ابتدأت مستهل الدعاء "اللهم إني أتوجه إليك بهم، وأتوسل إليك بحقهم العظيم"، فالتوجه والتوسل بالواسطة التي نصبها الله لخلقه (الرسول وأهل بيته) هو التوحيد التام، فبهم يقبل الدعاء، وبواسطتهم تقع الإجابة. وهناك الكثير من الأدلة القرآنية الدالة على أن التوجه والتوسل بالوسيلة الذي جعلها الله للبشر، ومنها قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} (46)، فالله سبحانه قرن قبول الاستغفار والمجيء إليه بالمجيء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأئمة أهل البيت هم نفس الرسول، فيكون المجيء إلى الأئمة وتقديم في الدعاء هو المجيء لله تعالى، فتقبل هذه العبادة أي الدعاء، وتستجاب دعوة صاحبها. 2- الترسيخ الروحي والعقدي لقضية أهل البيت (عليهم السلام): يأتي في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى. _______________ 39. العطية، مروان، معجم المعاني الجامع، مادة أبعاد. 40. سورة النساء، الآية: 33. 41. الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مادة عقد. 42. طارق محمد علي، عقائدنا الواجب معرفتها على كل مؤمن، ح2، ص4. 43. ينظر، الكجوري، الخصائص الفاطمية، ص43. 44. محمد باقر مرتضى، الصحيفة الجامعة لأدعية سيدة نساء العالمين، ص24ـ26. 45. ينظر، التميمي، قيصر، الإمامة الإلهية، ج4، ص30. 46. سورة النساء، الآية: 64.

اخرى
منذ 4 سنوات
7184

الأبعاد العقائدية في أدعية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دعاء طلب تفريج الهموم والغموم نموذجًا

بقلم: دينا فؤاد الحلقة الأولى المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الغر الميامين. أما بعد... من المعلوم أن الكلام عن دعاء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يعني الكلام الذي تضمن واشتمل على معانٍ عظيمة للمرأة التي احتلت لقب سيدة النساء للعالمين من الأولين والأخرين، فقد كانت الزهراء (عليها السلام) الجوهرة التي صيغت شخصيتها وصقلت في بيت النبوة والإمامة، في البيوت التي ذكرها الله تعالى بقوله: {في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فيها اسمُهُ يُسَبِّحُ فيها بالغُدُوِّ وَالآصَالِ}. (1) وسنحاول من خلال هذا البحث الموسوم بـ (الأبعاد العقائدية في أدعية الزهراء (عليها السلام) دعاء طلب تفريج الهموم والغموم نموذجاً) بيان جملة من الأبعاد العقائدية في هذا الدعاء الذي دعت به المحور والقطب الجامع لرحى النبوة والإمامة، حيث أن له من الأهمية المغيبة عن الأنظار، وليست الأهمية في هذا الدعاء فقط، بل في كل دعاء وخطبة صدحت بها حنجرة البضعة الطاهرة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فالدعاء لم يكن مجرد كلام لغوي ينطق، وإنما هو عبائر ومداليل لها أبعاد ومصاديق مقصودة. وقد تناول هذا البحث دراسة لأهم الأبعاد العقائدية التي تستخلص من دعاء الزهراء (عليها السلام) لطلب تفريج الهموم والغموم حيث ان هناك حاجة ماسة في وقتنا الحالي لهذا الدعاء للظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا، وقراءة الدعاء قراءة عابرة بدون فهم العبارات، لن يولّد الإحساس والتوجه الحقيقي للقاضي للحاجات الخالق القادر، فإذن لابد ان تكون هناك معرفة ولو إجمالية لمضامين الدعاء. التمهيد: أهمية دعاء الزهراء (عليها السلام) من المعلوم ان النتاج الفكري الكبير للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد ضم في طياته العديد من المواضيع، والتي تناولتها بأسلوبها الخاص من خلال الدعاء والذي يُعرف بأنه سلاح المؤمن، حيث لا يوجد عبادة تقرب الإنسان إلى ربه أفضل من الدعاء، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "عليكم بالدعاء فإنكم لا تتقربون بمثله" (2). لقد طرقت أدعية الزهراء الباب لأنواع مختلفة من المواضيع، سواء أكانت عن الجانب السياسي أم الديني أم الاجتماعي أم غيرها. ولقد انتهجت الزهراء (عليها السلام) في أدعيتها منهاجاً خاصاً تُيسر للغير من خلاله انتهاج سلوكه والاقتداء به بأبسط الصور، فالكل بحاجة إلى الدعاء، وهذا الاحتياج هو الذي يمثل حلقة الاتصال بالله سبحانه، ومن منا لا يريد هذا الاتصال، ومن منا يعرف طرقه وأساليبه، ومن منا يحسن مناجاته سبحانه بتلك الكيفية من العبائر الموضوعة بأدق الألفاظ، وأجلّ المعاني المكنونة التي يعجز عن إعطاء وصفها البلغاء، وهذا ما جعل أدعيتها (عليها السلام) تحتل الأهمية البالغة كسائر أدعية المعصومين (عليهم السلام). المبحث الأول: الدعاء أهميته وأنواعه: مفهوم الدعاء في اللغة والاصطلاح الدعاء في اللغة: كلمة الدعاء في الأصل هي مصدر لقولك: دعوت الشيء أدعوه دعاءً، أي أن تميل الشيءَ إليك بصوت والكلام يكون منك (3) دعاه: صاح به واستدعاه، ودعوت الله له وعليه ادعوه دعاءً (4) وأصل الدعاء هو الطلب دعا - يدعو - ادعى، فقد جاء في القرآن الكريم: {تدعو من أدبر وتولى} (5)، (أي يأخذه بالعذاب كأنه يدعو إليه) (6). (والدعوة: المرة الواحدة، والدعاء: واحد الأدعية). (7) والدعاء اصطلاحاً: هو الكلام الموجه حصراً، حيث يطلب فيه العبد من ربه القبول والغفران والحاجة لأمرٍ ذي بال، وطلب القبول معتمد على توجه العبد وتخصيص للرب (8)، والدعاء هنا بمعنى السؤال بدليل قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}. (9) لمحة عن تاريخ الدعاء لقد عاش الإنسان منذ بدء الخليقة وإلى حد الآن في أطوار مختلفة تكتنفها الصراعات التي تتداخل مع الحياة، وأيضاً الحاجات والرغبات التي لا تنتهي ولا تقف عند حد ما دام على قيد الحياة، فكانت له مطالب بالقضاء على الصراعات وسد الحاجات والرغبات والتغلب عليها، فكانت هناك العديد من الوسائل لكي يحيى الإنسان بسلام مع كل ما يحيط به من الظروف والملابسات، وهذه الوسائل أَخبر بها الله سبحانه على لسان أنبيائه، وكانت أرقى وأهم هذه الوسائل هي الدعاء، حيث إن الهدف منه إصلاح ذات البين بين العبد وربه، والطلب منه عز وجل خاصة، ودعاؤه بالسراء والضراء، والأهم من ذلك أنها مرضية للرب سبحانه (10)، يقول الله عز وجل في محكم كتابه: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلّا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرّعون} (11)، فأصبحت المجتمعات البشرية تعتمد على الدعاء كوسيلة من وسائل الدفاع عن النفس. (12) فضل الدعاء في روايات المعصومين (عليهم السلام) هناك الكثير من الروايات والأخبار الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) تحث على الدعاء وتبين فضيلته ووجوب التمسك به في كل الأحوال، ومنها: 1/الدعاء سلاح المؤمن: ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الدعاء سلاح المؤمنين وعمود الدين ونور السماوات والأرض". (13) وكان الإمام الرضا (عليه السلام) يقول لأصحابه: "عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء". (14) 2/الدعاء أفضل العبادة: جاء عن معاوية بن عمار أنه قال: قلت لأبي عبد الله: رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة، فتلا هذا القرآن، فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا أكثر، فكان دعاءه أكثر من تلاوته أيهما أفضل ...، فقال (عليه السلام): الدعاء أفضل، أما سمعت قول الله عز وجل: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (15)، هي والله العبادة، هي والله أفضل ...". (16) 3/الدعاء أحب الأعمال إلى الله: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله سبحانه في الأرض الدعاء وأفضل العبادة العفاف ومنها أنه ينجي من الأعداء وأهل الشقاق ويفتح أبواب الأرزاق". (17) 4/الدعاء يغير القضاء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر". (18) وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل م السماء وقد ابرم إبراماً". (19) 5/بالدعاء ينال الداعي الفضل والرحمة الإلهية: قال أبو عبد الله (عليه السلام): "ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله عز وجل أن يردها صفراً حتى يجعل فيهما من فضل رحمته ما يشاء. فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه". (20) القرآن والدعاء لقد ذُكر الدعاء في القرآن الكريم بصور وأشكال مختلفة، وسنقوم بتقسيمه إلى ثلاث صور: 1/دعاء الأنبياء في القرآن: عندما أرسل الله سبحانه أنبيائه إلى الناس جعلهم النموذج الكامل للإنسان البشري، لكي يُقتدى بهم، ويُطاعوا في أوامرهم التي هي أوامره سبحانه، فالأنبياء هم مثال الإنسانية والنموذج الأسمى في البصيرة والحكمة والأخلاق وإلى غير ذلك من الصفات التي توجب لهم الكمال الإنساني، وقد كانوا جميعاً متعلقين بأدب الدعاء (21)، وقد كان دعاؤهم على نوعين: النوع الأول: دعاء عام لهداية البشر إلى طاعة الله وعبادته ورحمتهم ووجوب شكرهم على نعمائه، وهناك أمثلة وردت في الكتاب الكريم، منها ما ورد على لسان نوح (عليه السلام): {قال رب أني دعوت قومي ليلاً ونهاراً} (22) ، ولسان إبراهيم (عليه السلام): {فاجعل أَفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشركون} (23)، وأيضاً قول إبراهيم: {رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات}. (24) ومن هذا النوع ما كان الدعاء من الأنبياء على الناس وليس لأجلهم، بسبب إجرامهم وطغيانهم وفسادهم في الأرض، كما في قوله تعالى: {وقال نوح ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (25)، وكذلك قوله تعالى: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}. (26) النوع الثاني: وهو دعاء الأنبياء (عليهم السلام) لأنفسهم باعتبارهم بشر، فهم كغيرهم محتاجين إلى الرحمة الإلهية وكذلك الرزق وكل ما يتفضل به سبحانه هم في حاجته، كما في دعاء نوح (عليه السلام): {قال ربِّ إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلّا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} (27)، ودعاء إبراهيم (عليه السلام): {ربِّ هب لي من الصالحين}. (28) 2/دعاء الصالحين في القرآن: وهذا النوع من الدعاء يوجد في الكتاب الكريم بكثرة، ويمتاز باشتماله على كل مظاهر الخضوع والخشوع للخالق، واستشعار روح العبودية في نفس الداعي، كما في قوله تعالى: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} (29)، وقوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ...}. (30) 3/دعاء الإنسان في القرآن: وكثيراً ما يقع هذا الدعاء نتيجة الغفلة والتهاون والرجاء والتمني مع قلة الأمل أو انعدامه في الإجابة، كما في قوله تعالى: {لولا أخرتنا} (31)، وقوله: {قال ربِّ ارجعون} (32)، وأيضاً قوله تعالى: {ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين}. (33) دعاء فاطمة الزهراء (عليها السلام) ان دعاء السيدة الزهراء (سلام الله عليها) هو مزيج ما بين دعاء الأنبياء ودعاء الصالحين، فهي سليلة النبوة ومعدن الرسالة، فالزهراء تمثل الأنموذج الكامل والمتكامل ذاتياً وتربوياً، فقد تجمعت فيها سائر الكمالات البشرية، فهي ابنةٌ للمعصوم، وزوجةٌ للمعصوم، وأمٌ للمعصومين (عليهم سلام الله أجمعين). (34) وأيضاً هي كانت مهبط للملائكة، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "سُميت فاطمة مُحدثة؛ لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" (35)، فلابد أن تكون أدعيتها جامعة لكلا الطرفين (الأنبياء والصالحين)، فمن الخصائص التي خصصت بها فاطمة الزهراء (عليها السلام) تساويها مع بعض الأنبياء العظام، وهذا له دلالة على أفضليتها على نحو الإجمال. (36) لقد حرصت السيدة الزهراء كما حرص الرسول والأئمة (سلام الله عليهم) على توجيه الناس أصحاب الفطرة السليمة والإيمان الصادق بالاتجاه الذي يكونون من خلاله قادرين على الاتصال بالله تعالى، فحرصوا على تعليم الناس الدعاء لكي يسيروا على وفق خط ومنهج سليم بعيداً عن الثغرات التي تخترق الطريق، فكان الدعاء هو الوسيلة الحقيقية الباعثة في نفس الإنسان (قوة الإيمان والعقيدة وروح التضحية في سبيل الحق، وتعرفه العبادة، ولذة مناجاة الله تعالى والانقطاع إليه، وتلقنه ما يجب على الإنسان أن يصلحه لدينه، وما يقربه إلى الله تعالى زلفى، ويبعده عن المفاسد والأهواء والبدع الباطلة) (37)، ولقد عُرف عن السيدة فاطمة الزهراء كثرة أدعيتها، حتى كان لها (سلام الله عليها) صحيفة أطلق عليها (الصحيفة الفاطمية)، ولهذه الصحيفة سمات عظيمة وجليلة، وخصائص متبعة، ومزايا رفيعة، وقد اختص بها الله أولياءه دون سواهم، حيث لا يوجد من يشاطرهم أحد مما خلق (38)، وهذا ما يدل على عظم وسمو منزلتها (عليها السلام) لقد أصبحت الأدعية الفاطمية ورداً يُتعبد به أغلب المؤمنين، فبالإضافة إلى ما حباها الله سبحانه به من خصائص وامتيازات، فقد امتازت أدعيتها (عليها السلام) بالآثار التربوية والنفسية والاجتماعية والتي لها الأثر البالغ في نفس الداعي، وهذا بحد ذاته تربية روحية للإنسان. _____________________ 1. سورة النور، الآية: 36. 2. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص293. 3. ينظر، أحمد بن فارس، مقاييس اللغة، ج2، ص279. 4. ينظر، الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، ج2، ص221. 5. سورة المعارج، الآية: 2. 6. أبو هلال الحسن بن عبد الله، الفروق اللغوية، 1421:3. 7. ابن عصفور، شرح جمل الزجاجي، ج2، ص540. 8. ينظر، مفتاح الفلاح، ص207. 9. سورة غافر، الآية: 60 10. ينظر، الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج7، ص264. 11. سورة الأعراف، الآية: 94. 12. ينظر، محمد حسين فضل الله، في رحاب الدعاء، ص15. 13. ابن طاووس، فلاح السائل، ص28. 14. الكليني، الكافي، ج2، ص468، ح3. 15. سورة غافر، الآية: 6. 16. الميرزا القمي، غنائم الأيام، ج3، ص92. 17. ابن طاووس، فلاح السائل، ص26. 18. الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص523. 19. الكليني، الكافي، ج2، ص469، ح3. 20. ن.م، ج2، ص471، ح2. 21. ينظر، حسين أنصاريان، شرح دعاء كميل، ص17. 22. سورة نوح، الآية: 5. 23. سورة إبراهيم، الآية: 37. 24. سورة البقرة، الآية: 126. 25. سورة نوح، الآية: 26. 26. سورة يونس، الآية: 88. 27. سورة هود، الآية: 47. 28. سورة الصافات، الآية: 100. 29. سورة الممتحنة، الآية: 4. 30. سورة البقرة، الآية: 286. 31. سورة النساء، الآية: 76. 32. سورة المؤمنون، الآية: 99. 33. سورة المنافقون، الآية: 10. 34. ينظر، مرتضى علي الحلي، الصديقة الزهراء الأسوة الحسنة، ص11. 35. الطبري الصغير الشيعي، دلائل الإمامة، ص81. 36. ينظر، الكجوري، محمد باقر، الخصائص الفاطمية، ج1، ص533. 37. المظفر، محمد رضا، عقائد الإمامية، ص89. 38. ينظر، رسمية عبد الكاظم الموسوي، مصحف فاطمة بين النفي والإثبات، ص60.

اخرى
منذ 4 سنوات
3689

قدح من لبن

بقلم: إيمان صاحب طالعت السماء بطرفها الحزين وشفتاها تتحرك بكلمات العتاب، لم يسمعها أحد إلا أمها الثكلى، ثم ارتفع صوتها المخنوق بالعبرة: أين ذلك الرجل الحنون؟ لماذا لم يطرق الباب ما الذي جرى له؟ ربما انشغل عني بغيري من الأيتام هم أشد فقرًا مني؟! أو يكون على سفر بعيد! ولكني أنتظر قدومه برغيف الخبز وابتسامة شفتيه كلما نظرتُ إليه. كان وجهه يشع بالنور وأنامله الرقيقة تمسح على خصلات شعري حينما يلاطفني… أه يا ربي لماذا تركني؟! التفتت إلى أمها قائلة: سوف أبحث عنه في أزقة الكوفة وبيوتها، لعلّي أجده هناك، تنهدت الأم وفي قلبها الموجوع ركام من الأحزان: بُنيتي أين تجدينه وأنت لا تعرفين حتى اسمه! ألا تذكرين كم مرة سألتِهِ عن ذلك ولم تحصلي على إجابة، سوى أنه عبد من عباد الله؟ انتظري يا مريم، لعلّه يأتي هذه الليلة… قاطعتها الصغيرة والدموع تملأ عينيها: لا استطيع البقاء أكثر من هذا، سوف أذهب الآن... استدارت نحو الباب وإذا بصوت أُمها من خلفها: انتظري سوف اتي معكِ... توقفت الصغيرة ريثما أتت أُمها، ثم ذهبتا معًا. كانت مريم تمشي مسرعة وهي لا تدري إلى أين؟ تنظر في وجوه المارة، تسأل هنا وهناك، لكن دون جدوى، وبينما هي كذلك، إذ أوقفتها قدماها عند بيت التفّ حوله جمع كبير من الناس، أقبلت على أحدهم تسأله، ما الخبر؟ أجابها بقلب منكسر: ألا تعلمين بما حصل منذ يومين ومولانا مسجىً على فراشه؟! لقد أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) بسيف المرادي (عليه لعنة الله والأنام)! سألته مرة أُخرى: أرجوك صف لي هذا الأمير؟ أجابها الرجل بأوصاف ليس لها نظير سوى أوصاف ذلك الرجل الكريم، حينها تيقنت أنه هو! حاولت أن تتماسك لكي لا تنهار علّها تراه، وبينما هي كذلك إذ فُتحت الباب، وإذا برجل يخرج منها، أحاط به الناس يخاطبونه: أيها الطبيب، ما حال مولانا؟ أشار بيده قائلًا: إنه ليس على مرام، ادعوا الله له بالشفاء، جرحه عميق والسم قد سرى في جميع الأعضاء! انصرف الطبيب... ضج الجميع بالبكاء والنحيب، قال بعضهم: علينا أن نحضر اللبن له ليخفّف عنه السم... وما أن سمعت ذلك مريم حتى ركضت إلى بيتها، دخلت... تلفتت يمينًا ويسارًا... لاحظت أمها أنها تبحث عن شيء لتبيعه وتشتري بثمنه قدح من لبن، ولكنها لم تدع الصغيرة في حيرتها بل اعطتها جبة قديمة كانت لأبيها وما كان من مريم إلّا أن تنطلق بها إلى السوق... نست ما بها من جوع ولكنها لم تنس أن عليها أن تسرع بقدح اللبن الذي كانت تمسكه بقوة... أقبلت على الباب... لكن فاجأها ما رأت! نساء تحث على رأسها التراب، وهي تندب وا إماماه وا علياه، وبلا شعور سقط القدح من يدها وأريق ما فيه من لبن... حينها صرخت بوجه الباب، لماذا لم ينتظرني؟ لماذا لم يشرب من يدي سيدي؟ أطعمتني بيديك كل ليلة، ولم أستطع أن أسقيك شربة واحدة... أنّا عديمة الوفاء... أنّا لا أستحق منه كل ذلك السخاء... اليوم أصبحت يتيمة وليس بالأمس... سامحني مولاي لقد تأخرت عنك ولم أعلم برحيلك... كُسر قلبي كزجاج القدح المنثور إمامي... وداعًا يا إمامي.

اخرى
منذ 4 سنوات
671

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
71300

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
52397

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41950

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
37395

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
34117

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32544