أنت المحمد في العالمين

بقلم: رجاء محمد بيطار "أولنا محمد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد،... كلنا محمد" كلمات قدسية رفرفت أمام ناظري، فشدّت بصري إلى عليين... حديث نطق به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فكان -كما كل حديث شريف- نبراسًا نهتدي به، فنخرج من الظلمات إلى النور، فالله ولينا وهو رسوله،... به نؤمن ونقتدي، وبأهل بيته، بحبهم نستمسك، فهم العروة الوثقى، وهم الصراط المستقيم،... وهم كلهم "محمد"! أتوقف عند الكلمة وأتأمل مليًا ثم أغض الطرف، فمن أنا لأُفسر وأستنبط؟! ولكن قلبي يخفق فتتململ الكلمات في وجداني، وعشقي ينطق فيتمايل اليراع ويتأرجح فوق بناني، ويهتز كياني... إنه "محمد"، وإنهم "محمد"، وإن لم تكن لدي كل أدوات التفسير إلّا أنني أحمل قلبًا يعرف ربًا ويميز دربًا ويطلب من علاهم قربًا. وتنبثق من الكلمات -سوى الهدى الذي ترويه- أنوار مستفيضة... لا تعشي العيون فحسب، بل هي إلى القلوب أدنى وأقرب، تغشاها بألق مستديم لا يحول ولا يزول ولا يريم. وأخط شعاعًا من ذلك الألق فوق القرطاس، سطوري تنهج الصراط المستقيم، وكلماتي أرسمها غيضًا من فيض تلك الكلمات، بل عبيرًا فاح وراح يهز الكائنات... وأجد النجوى إليّ أقرب... فلماذا أتحدث بصيغة الغائب مع من ليس بغائب، وصيغة المخاطب هي الأنسب، لأنه في كل لحظة أمامي، يسكن فؤادي ويملأ أيامي، تمامًا كما يملأ مشاعري وكلامي... "مولاي" كلمة أرقى بها إليك... هي فوق ما أراه لنفسي أضعافًا مضاعفة... ولكن قاموس الكلمات لا يسعفني أكثر، فاعذرني ، وامنحني -أنت الجواد حتى أقصى غاية الجود- أن أُناجيك وأنا الهباء المتناثر تحت تراب قدميك... مولاي... يا كل النور المتألق في فضاء الكون... أنت بيننا، فوق رؤوسنا، متغلغل في سويداء أفئدتنا... بل أنت في متناول أبصارنا لو لم تكن كليلة دون رؤيتك، بعدما أعمتها الذنوب والأهواء والعيوب... وأنت يا مولاي تقول: "إن وجه الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشمس إذا غطاها السحاب" إذًا تبقى لنا القلوب نستدل بها على معرفتك ونخاطبك بها في حضورك وغيبتك، يا معشوق القلوب، واسمح لي بأن أتجرأ وأقول، يا أحب حبيب ومحبوب... مولاي يا "محمد"! ويتلجلج اليراع من جديد، فبين "محمد" و"محمد" تتلاحق الأنفاس وتجهد... عذراً مولاي... عذراً، فدون ما أبغي أشواط وأميال، وأحلام وآمال، لست أدري إن كنت قادرة على بلوغ مداها، ودون ما أبغي آهات وحاجات، فعذرًا يا مولاي، عذرًا لأننا نحن البشر تغلب علينا حاجاتنا، ونتخذها دخلًا بيننا وبين أحبتنا، حتى ولو كان هؤلاء الأحبة هم أحبة الأرواح لا أحبة القلوب فحسب... ولكن، أراني اللحظةَ أتأمل وأتفكر، وما كنت ناسية لأتذكر... هي لحظات عشتها قبل سنوات، فحملتني إلى قمةٍ ما كنت أظن أن أبلغها يوماً، ولا في الأحلام، أنا القليلة القليلة حتى الانعدام... لحظة ما زلت أحياها وأتنفس شذاها، وأستلهم كنه معناها... لحظة، كنت فيها بين يدي مولى المتقين "علي"...نفس "محمد"...كان مثواه يمتد بين خافقيّ وناظريّ، هو في قلبي يحتلّ كله،...هو في وجداني يحتلّ كله، فكيف وقد أضحى أمامي في المكان حولي يحتلّه كله؟ قلت: إننا بشر تغلب علينا حاجاتنا، ولم أقل: إننا بشر تغلب علينا حواسنا وإدراكنا. وإذا المكان والزمان يتوحدان، يتداخلان. والروح والفؤاد يتداخلان؛ هاهنا مثوى يعسوب الدين، إمام المتقين وقائد الغر المحجلين... هاهنا مَن صفاته تضيق بها الحروف والكلمات، فأبحث عنها بين حنايا الخفقات والعبرات، فتسعفني وتنجدني وأذرفها مع الآهات... وتضيع كل الحاجات في ذروة ما بعدها ذروة، وتتلجلج العبارات... إذ كيف أطلب لدنيا أو لآخرة، وحاجتي الكبرى قد تناهت إليّ... لقد بلغتك يا غاية المأمول فدونك كل مأمول، وما بي حاجة إلى المزيد... فهل فوق ما أنا فيه من نعمة؟!... وهل يطلب بالغ الجنة أكثر من الجنة؟!... ...وأعود إليك يا مولاي،... ما فارقتك لأعود إليك، فكلكم "محمد"، و"علي" نفس "محمد"! حري بي وأنا بحضرتك، أنت الماثل أمامي في كل آونة "كالشمس خلف السحاب"،... أن تعتريني نفس تلك اليقظة التي اعترتني هناك، أن لا أطلب لكي أجاب،... بل أن أتدفأ وأستنير، وأنعم بدفئك ونورك بلا سؤال ولا جواب،... إذ يكفيني أن أُقبل الأعتاب، وأن أذرف دمع العشق على كل باب،... ويطرح السؤال نفسه،... مولاي،... نحن نعيش حزن السنين،... وتعيش أنت حزن الدهور... نحن على ما ابتلينا به صابرون،... وأنت أنت الصبور الشكور... نريدك يا أمل الآملين،... ولا نزرع البر في الزارعين... أنهوى رجاك ونرجو علاك،... ونمضي مع الخلق في الخائضين؟ فكيف نكون لنصرك ذخرًا،... ولسنا نمد إليك اليمين أ مولاي قد أخرتك الدهور،... وصبرك مع آلك الصابرين فهلا تنفست فينا بتقوى الإله لنصبح آل اليمين أ مولاي عذرًا، وصبرًا وشكرًا، فعفوك عفو النبي الأمين وصبرك صبر الوصي الحزين، وشكرك شكر القوي المتين فأنت "المحمد "في الأولين... وأنت "المحمد" في الآخرين،... وأنت "المحمد" في العالمين...

اخرى
منذ 5 سنوات
1745

آمنة بنت الهدى .. رمزٌ لامرأة نصرت حسين عصرها

بقلم: حنان الزيرجاوي كانت الطالبات في داخل الصف بانتظار مدرستهن المحبوبة لديهن. نعم، مدرسة التربية الإسلامية التي اعتادت الطالبات على بسمتها الجميلة وكلماتها الدافئة وهي تنصح هذه وتلاطف تلك وتغضب أحيانًا ولكن حتى غضبها محبب لديهن لأنها تعرف ما تعاني كل واحدة وتساعد من تحتاج المساعدة في رأي أو مشورة. كُنّ في الانتظار وأعينهن تربو صوب باب الصف، فدخلت عليهن وأدّت تحية الإسلام التي دأبت عليها مع طالباتها. ولكن هناك شيئاً غريبا يحدث اليوم! فالحزن والوجوم قد وشح وجهها. هنا بدأت كل واحدة تهمس مع الأخرى. وإذا بصوتها الحنون الذي ينساب إلى أسماعهن كماء رقراق عذب يوقف الهمسات، يوقف كل حركة داخل الصف. بناتي العزيزات... حبيباتي الغاليات... أعلم بما تتهامسن به، نعم أعلم ولكن لأقطع عليكن تلك السلسلة من الأفكار والتساؤلات واشبع لديكن هذا الفضول. من منكن تعرف أي ذكرى أليمة تمرّ علينا اليوم؟ أجابت فاطمة وهي تكاد تنزل الدموع من عينيها: اليوم ذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام). أحسنتِ عزيزتي أحسنتِ. إذن هذا سبب حزني، سبب وجومي، سبب ألمي إذن سنجعل درس هذا اليوم عن سيرة فاطمة الزهراء (عليها السلام). عن عبادتها عن زهدها عن عفتها عن جهادها ونبحث ونقلب صفحات التاريخ ونسبر أغواره لنقتدي بمن سارت على نهجها لنعرف من ارتبطت بها. لقد كانت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) مثالًا في كل شيء لمن تبحث عن القدوة. وهنا سألت إحدى الطالبات: اسمحي لي... تفضلي عزيزتي. كيف تجرأ القوم على ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ كيف، وكيف؟ إنه النفاق عزيزتي، إنه الانقلاب على الأعقاب. أستاذتي. نعم: زينب، تفضلي. آه، آه… اسمك يا زينب بهيج آلامًا اسمك زينب واسم أبيك علي، أليس كذلك؟ نعم... نعم أستاذتي. فنزلت دمعة من عين المدرسة وهي تحاول أن تخفيها عن طالباتها، ولكن اختناق صوتها فضح ما أرادت أن لا تظهره، فشاركتها بعض الطالبات بأن انسابت دموعهن كاللؤلؤ يتناثر صفائح بيضاء نقية. حاولت أن تعيد جو الصف الطبيعي... فأشارت إلى زينب، قائلة: نعم زينب تفضلي يا بنتي... ماذا كنتِ أن تريدين قوله؟ استاذتي... نعم... هل هناك نساء في عصرنا شابهت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) أو مولاتنا زينب (عليها السلام) في بعض مواقفها؟ بوركتِ عزيزتي... بوركت من تتخذ الزهراء أو زينب قدوة لها لابد أن يظهر ذلك على كل مواقفها. عزيزاتي... سمعتن سؤال زينب؟ من تذكر لنا مثالًا لامرأة شابهت الزهراء (عليها السلام) أو مولاتنا زينب (عليها السلام)؟ مَن مِن نساء عصرنا تركت أثرًا؟ أجابت سندس: نعم استاذتي نعم... تفضلي عزيزتي... إنها بنت الهدى شقيقة الشهيد الصدر. وكيف عرفتِ ذلك؟ ومن هي هذه المرأة؟ استاذتي... لقد جمعنا أبي يومًا أنا وأخواتي الثلاث، وبدأ يحدثنا ويسدي لنا النصائح، ومن ضمن كلامه قال: من تريد أن تنجح في حياتها وتفوز بآخرتها لابد أن تقتدي بمولاتنا زينب (عليها السلام) أو تقتدي ببنت الهدى. فاستغربنا من ذكر هذا الاسم الذي لم نألفه. فبادرت أختي لسؤاله: ومن هي بنت الهدى؟ فتنهّد أبي طويلًا وقال: رحمك الله رحمك الله يا بنت الهدى. عزيزاتي... إنها شقيقة السيد محمد باقر الصدر، هذه المرأة المجاهدة العابدة الزاهدة التي آلت على نفسها إلا أن تشابه موقفها موقف زينب مع الحسين...

اخرى
منذ 4 سنوات
806

هل نبحث عنه؟

بقلم: وفاء لدماء الشهداء وأنا أعيش لوعة مصاب سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأكتوي بنار فقدها الأليم، انتقل من ألم إلى ألم، ومن رزية إلى رزية، فيذوب قلبي أسى، وتحترق عيوني دمعة، ويستوقفني وأنا أتقلب في رحاب ذكراها الحزينة، مشهد حب منقطع النظير، حب مقدس رعته صاحبة الذكرى بكل وجودها، وغذته من ربيع حياتها، إنه حبها لإمام زمانها الإمام علي (عليه السلام) لا أريد الحديث عن مصاديق هذا الحب وصوره في رحلة حياتها المضنية معه، ابتداءً من رحلتها مع الأمير (عليه السلام) وصبرها وجهادها، مرورًا بكل المواقف التي خلدها التاريخ لتبقى رمزًا ونموذجًا أمثلًا لكل امرأة رسالية، وانتهاء بما تحملته من مشاق وما كابدته؛ لإرجاع الحق المسلوب، وإيقاظ النفوس الميتة من سباتها المدمر، ولو بالطواف على بيوت المهاجرين والأنصار، وتذكيرهم بوصايا الرسول (صلى الله عليه وآله)... ولكني سأذكر موقفين اثنين أثّرا فيَّ، وأقدحا في ذهني عاصفة من التساؤلات. الموقف الأول: بعد إسقاط الجنين وحادثة الباب الأليمة، وما حدث من عظيم الرزايا على يد تلك الزمرة الخبيثة اللئيمة، كانت أولى كلماتها (عليها السلام): أين علي؟ لم تلتفت إلى حالها وما جرى عليها، بل بحثت عن إمام زمانها وسيدها وأميرها علي. أما الموقف الآخر، فحينما أخذ الأمير (عليه السلام) مقيدًا، هنا خرجت (سلام الله تعالى عليها) خلفه؛ لتهدد أولئك الأجلاف الذين لم يحفظوا حق ذوي القربى، وتنكروا للكتاب والرسول والرسالة، وضربوا بكل ذلك الكم الهائل من الآيات والروايات عرض الجدار، خرجت لتنقذ إمام زمانها علي (عليه السلام) من بين أيديهم الملوثة بالآثام، تلك الأيدي المعتدية على الله تعالى ورسوله بإزالة الحق عن محله، وغصب الأمر في وضح النهار من أهله، دون حياء أو خجل، أو خوف أو وجل، وبالفعل كان لخروجها أثر في رجوع الإمام علي (عليه السلام) معها دون أن يصيبه منهم أذى في بدنه، وإن كان لا يساورني أدنى شك في أنه كان يذوب بلوعة المصاب؛ لتنكُّب الأمة عن الصراط المستقيم، وضلالها عن الطريق الواضح القويم. هنا دعوني أتساءل: ترى هل نبحث عن إمام زماننا؟ هل نعيش لوعة فقده؟ هل نكتوي بنار غيابه؟ هل نبذل جهدًا لإزاحة غيوم الغيبة عن سماء الفرج؟ هل نخطط لكيفية إشراق الأرض بنوره بعد كل هذه المعاناة الطويلة؟ ما هو دورنا؟ وماذا نعمل؟ وكيف نفهم الانتظار يا تُرى؟ هل نفهم الحب والانتظار كشعارات وكلمات نرفعها هنا وهناك؟ أم حركة وعمل، وعطاء وجهاد وبذل، وسعي دؤوب لأداء التكاليف بروح المحبة والأمل؟ إن مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) أحبّت إمام زمانها علي (عليه السلام) بعد أن عرفته، فالحب وليد المعرفة وهذا هو الطريق الذي ينبغي أن نسلكه؛ كي نحظى بحب الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). فما أجمل أن تكون ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) ملهمة لنا، وما أجمل أن نتعلم في كل ذكرى تمر علينا درسًا منها، نضيء به حياتنا، ونزداد قربًا وحبًّا من خالقنا، فما هو رأيكم لو جعلنا هذه الذكرى بكل ما فيها من آلام وأحزان، ودروس لحياة الإنسان، باعثًا ومنطَلقًا لتعميق علاقتنا مع إمام الزمان؟ إن وافقتموني فلا بد أن نعقد العزم على معرفته، ونقترب من ساحة لطفه ورعايته، ونبدأ في دراسة حياته وتضحياته وغيبته، ونقرأ بشكل آخر تاريخ المحن والآلام الذي مر على أحبّته وشيعته، لنعيش مع كل عام مرّ بعد غيابه، حرارة الفقد ولوعة الابتعاد. نعم لنحاول أن نقرأ الأحداث التي تشهدها الأرض المعذّبة قراءة أخرى، نرى فيها كمّ الظلم والمحن والفتن؛ فنستغيث من عمق أرواحنا التواقة للعدل والسلام، أين أنت يا بن الحسن؟ حبذا لو التفتنا إلى أنفسنا، وعملنا على إصلاح واقعنا، وانطلقنا من دائرة أسرنا إلى ساحة مجتمعنا؛ لنعمل على زيادة عدد المنتظرين، المتسلحين بالعلم والمعرفة والالتزام والوعي والهم الرسالي، ليكن إحياؤنا لذكرى شهادة الزهراء (عليها السلام) هذا العام وكل عام وعيًا لحركتها، وسيرًا على هديها، فهذا ما يقر عينها، ويسعد قلبها، ويساهم في تعجيل فرج ولدها الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

اخرى
منذ 5 سنوات
830

الذكاء العاطفي

بقلم: منتهى محسن ظهرت في الآونة الأخيرة دراسات وكتب تتحدث عن نوع جديد من الذكاء وهو ما يدعى " الذكاء العاطفي" الذكاء العاطفي: هو مصطلح يعبر عن قدرة الفرد على التعرف على عواطفه الشخصية، وفهمها بصورة سليمة، وإدراك مدى تأثيرها على الأشخاص من حوله، ويستطيع الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء عاطفي عالٍ السيطرة على سلوكهم وضبطه، ولديهم فعالية أكثر على معرفة وإدارة مشاعرهم الخاصة، وإدارة مشاعر الآخرين أيضاً، وكلما ارتفعت مهارات الذكاء العاطفي، أدى ذلك لعلاقات شخصية فعالة وناجحة بشكل أكبر. ويعتقد بأنه يساهم بأكثر من 80 % من احتمال نجاح الفرد أو فشله في الحياة في حين أن الذكاء التقليدي يساهم بأقل من 20 % فقط. ويتمثل الذكاء العاطفي بقدرات خمسة: 1- قدرة الشخص على فهم ومعرفة مشاعره الخاصة: وذلك بمراقبة مشاعره النفسية أثناء حدوثها وإدراكه لأسبابها وفهمه لأبعادها في سكونها وتقلباتها، والأشخاص الأكثر تفهمًا هم أكثر قدرة على إدارة دفة حياتهم وأكثر ثقة في قراراتهم الخاصة. 2- القدرة على السيطرة والتحكم بمشاعرهم النفسية: ولا تتحقق هذه القدرة إلا بتحقق القدرة الأولى، والأشخاص الأكثر قدرة على التحكم بمشاعرهم هم الأكثر قدرة على النهوض بعد السقوط والتغلب على المحبطات. 3- القدرة على تحفيز النفس على العمل: هذه القدرة تعمل على تحقيق الأهداف والتحكم بالنزوات وتقديم العمل وتأخير الراحة، والذوبان في العمل بكل المشاعر والعواطف. 4- القدرة على ملاحظة وفهم وإدراك العواطف والمشاعر الإنسانية لدى الآخرين: والأشخاص ذووا القدرة العالية بهذا المجال قادرون على التقاط وملاحظة التغييرات الاجتماعية البسيطة فيمن حولهم وفهم احتياجاتهم النفسية، وهم أفضل من غيرهم في التعامل مع البشر. 5- القدرة على التعامل مع العلاقات الشخصية والتحكم بها: هذه القدرة هي التي تحدد مدى شعبية الشخص وتقبل الناس له وقدرته على الرئاسة والقيادة، والخطير في الأمر أنّ هذه القدرات الخمس تتكون في السنوات الأولى من عمر الشخص وما فقد منها يصعب استدراكه. هذا والذكاء العاطفي لا يقتصر على المستوى المهني أو الاجتماعي فحسب، بل يشمل بشكل أساسي استخدام العواطف بذكاء في العلاقة بين الشريكين إن كان قبل أو بعد الزواج. لقد أثبتت الدراسات بأن الأزواج السعداء ليسوا أذكى أو أغنى أو أكثر ثقافة من الأزواج التعساء، وليسوا بالطبع متخصصين في علم النفس أو فن التواصل أو في تقنيات المفاوضات، بل هم يتجادلون ويختلفون مثل بقية الأزواج. ولكن ما يميز هؤلاء الشركاء هو امتلاكهم لذكاء عاطفي متقدم عن الآخرين يجعلهم قادرين على بلورة حياتهم بعدم السماح للمشاعر السلبية بأن تطغى أو تسيطر على العلاقة، مما يجعلهم يجدون دائمًا اللذة والحافز للبقاء سويا. أن نطلب أي أن لا نتردد في التعبير عن رغباتنا وحاجاتنا أمام الشريك، أن نعطي أي أن نشارك الآخر بأروع ما لدينا من مشاعر وأفكار وأعمال إيجابية، ومنها أبسط الأشياء كالابتسامة الصادقة أو إطراء جميل يشعر الآخر كم هو محبوب ومرغوب ومميز في نظرنا، أن نعطي العلاقة ما تستحق من انتباه وعناية مستمرة في أوقات الفرح والمحنة أيضًا، أن نتذكر دائمًا المناسبات الحميمة. كما إن للذكاء العاطفي أهميته لدى الأطفال والذي يشمل ضبط النفس والحماس والمثابرة والقدرة على تحفيز النفس، وهذا المهارات يمكن تعليمها لأطفالنا لنوفر لهم فرصًا أفضل، أيًّا كانت ملكاتهم الذهنية... حيث تشير الدراسات أن مجموعة التفاعلات والمشاعر التي يعيشها الطفل في أعوامه الأُولى تؤسس وتؤصل مجموعة دروس عاطفية تبقى مدى الحياة كمرجعية راسخة للتعامل مع محيطه والبشر من حوله ولهذا عندما تستثار هذه العواطف يكون أول تصرف لهذا الشخص انعكاس لهذه العواطف الدفينة التي تذهل الشخص نفسه عند حدوثها، وهذا ما يسمى في علم النفس: (اختطاف النفس). والجدير بالذكر أن الدماغ لا يخزِن المعلومات فحسب بل يخزن المشاعر والعواطف في جزء من الدماغ، لذا كان من الأهمية عرض موضوع "الذكاء العاطفي " ومحاولة إلقاء الضوء عليه، ونطمح في الأخير أن نكون قد فهمنا معنى وكيفية ربط الذكاء بالعاطفة وأهمية ذلك على نجاحنا في كافة أصعدة الحياة...

اخرى
منذ 5 سنوات
933

ضبعًا مع الضباع

بقلم: ابنة الأمير النفس تحترق حزنًا ولكن بلا دخان يسد آفاق السماء. فالاحتراق خالٍ من ثاني وأول أوكسيد الكاربون بل هو خالٍ من أي رائحة كريهة. هرعت إلى طبيب حاذق علّه يرشدني لمعرفة السبب، والحمد لله أن طبيبي لم يكن كباقي القصّابين (يبحث عن العلّة فيعالجها ثم يزرع بأنامله علّة جديدة اسمها العوز والفقر عند المرضى). قال لي: بُنيتي احتراقكِ ليس من عالم الماديات ولذلك لا تجدين له أثراً في الخارج فلعلكِ تحتاجين لعلاج خاص أيضاً ومعالجكِ غائبٌ الآن ولكن قولي لي: لمَ الحزن؟ رفضتُ البوح بما في خلدي فالسكّين المغروز في قلب المصاب يؤلمه جدًا لو أخرج من قلبه. فحتى نحافظ على المقتول يجب أن لا نخرج السكين وإن كان مقتولًا لا يشعر بالألم بل لمراعاة القاتلين الواقفين على رأسه، فملابسهم بيضاء ناصعة ولعلها تتلوث بقطرات دم الأبرياء. قررتُ اغتيال هذا الجرح ولن أتكلم عنه مرة بعد مرة فالأصوات قد بحّت والكلمات قد ذبلت ولساني الذي كان صادحًا بات اليوم كالحجر في فمي (لقلّة الاستعمال أو لانتهاء الصلاحية). سأبقى منتظرةً، ساهرةً، نائمةً (على الجمر)، وأنا أنظر لهذا الدين وقد أصبح غريبًا بين أهله ووليمة للضباع، فالأسد إن غاب كانت المملكة مملكة ضباع تسرح وتمرح... منتظرةٌ لك سيدي حتى يأذن ربك وربي بالخروج والفرج، ولكن سيدي أخبرك بأن الضباع تزداد وتنتشر في كل الأرجاء وأنا أخاف على نفسي أن تموت بعد الاحتراق فتكون ضبعًا مع الضباع! (اللهم عجّل لوليك الفرج).

اخرى
منذ 4 سنوات
529

دقيقةٌ في حضرةِ إمامٍ غائب

بقلم: أم قنوت تطّلُ النظريات العلمية المتوالية لتبهرنا بقوة العقل البشري بكل خلاياه المتناهية الصغر المتقبلة للبرمجة والتكيّف مع الأوامر، بقاعدةٍ لعلم النفس مُرادفة لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ما ضَعُفَ بدن عمّا قويت عليه النيّة" (١). يُشير مضمون القاعدة إلى أن ممارسة ما ينوي الشخص اكتسابه من العادات يوميًا لمدة: واحد وعشرين يوماً كفيلٌ بتحويلها إلى عادةٍ ثابتة، وكعادة البحوث العلمية التي تتزاحم بـ "معَ أو ضد" وتتراكم باقتراحاتٍ جديدة، تأتي توصيات أحدث بأرقام ونتائج أكثر واقعية بأن اكتساب العادة الجديدة قد يستغرق مدة أدناها ثمانية عشر يومًا وأقصاها عشرة أسابيع حسب نوعها (٢)، فترك عادة التدخين على سبيل المثال تحتاج مدة أطول من عادة تنظيم ساعة معينة لوجبة طعام، فالأولى تستهلك عوامل مساعدة أكثر من الثانية ويأخذ الجانب النفسي منها حيزًا كبيرًا عند التطبيق. نظريةٌ تدعو إلى التفاؤل... فلو ابتدأ الشخص اليوم بالتنفيذ، فسينتهي بعد عام واحد مكتسباً ما لا يقل عن خمس عادات على أقل تقدير. ولو كانت منها واحدة على الأقل في الجانب الديني فالنتائج ستصبح أكثر إبهاراً، فاستغلال فترة مُستقطعة من اليوم لأداء ما فات من الصلوات لقضائها سيصبح عادة، وقراءة دعاءٍ ما يوميًا سيصبح عادة، وعندها سيُنفَّذ قول الإمام الصادق (عليه السلام) بحذافيره حيث بالفعل لن يضعف البدن عمّا قويت عليه النيّة. ما كانت النيّة أن يكون المقال علميًا جافًا وإن كانت المعلومة المذكورة مفيدة، لذا سافِرْ معي في رحلة روحانية لنطبّق يوم النصف من شعبان، يوم ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) القاعدة المذكورة في دقيقة! نعم! دقيقةٌ واحدة من الوقت نقضيها يوميًا في حضرة إمامٍ غائب... دقيقةٌ واحدة فقط من أربع وعشرين ساعة، تُفرغ فيها ذهنك مما يحمله من فوضى، وترجع لفطرتك البريئة، وتُلقي كل الهموم جانبًا، وتطهر قلبك من الصدأ، وتكفكف دموع قلبك التي أسالتها الهموم، لتستعد لدموع عشق إمام بعيد يسكن من الأرض أخفاها وأقصاها (٣)، ولكنّه قريب يسكن جوف قلبك... دقيقةٌ تتناحر ثوانيها ما بين دعاءٍ له ودعاءٍ لك، نعم سيزهر في قلبك، ستراه وتسمعه، لا بحالته المادية بل بالروحية، فحبه لك أكبر وأعمق من حبك له، فلمَ لا يُشرق ونهار قلبك قد أسفرَ عن نورِه؟ دقيقةٌ من وقتك ستتحول لاحقاً لساعات تُشعرك بالطمأنينة والسلام الداخلي.. دقيقةٌ ترفع عن كاهلك أثقال الحياة وتدفعك للإنجاز اللامتناهي.. دقيقةٌ إحدى ثوانيها تتلو سلامٌ على آل يس، والثانية ترتل دعاء الفرج. _____________________________ ١- الأمالي للشيخ الصدوق. ‏٢- Debate & analysis. Making health habitual, the psychology of “habit-formation” and general practice. Benjamin Gardner, Phillipa Lally, Jane Wardle. ‏http://blogs.ucl.ac.uk/bsh/2012/06/29/busting-the-21-days-habit-formation-myth/ ٣- مكيال المكارم، المجلد الأول، من قول الإمام المهدي عجل الله فرجه:" إن أبي عليه السلام عهد إليّ أن لا أُوطّن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها إسراراً لأمري....".

اخرى
منذ 5 سنوات
724

نصيحة شيطان

بقلم: ابنة الأمير أمسكتُ القلم أريد أن أكتب موضوعًا جديدًا في هذا الباب... عقلي الصغير لم يكن قادرًا على النطق هذه المرة! لماذا؟ لا أعرف السبب، ولكن لا بد لي من الكتابة، فقد أصبحت هي وجهي الحقيقي الذي من خلاله أتكلم بكل حرية بلا نفاق أو كذب، ولأن النفاق أصبح خبز الحياة الذي من دونه تتساقط الوجوه بدأت أصاب باليأس والضجر. قال لي: أكتب عني. من أنت حتى أكتب عنك؟ قال: أنا شريك الإنسان في عمله وسكونه، كلامه وصمته، لا أتركه حتى ينام في ملحودته. قلت له باسمًا: إذًا أنت إبليس الملعون! قال: نعم أنا الملعون، واللعنة تلاحقني أينما حل اسمي في مكان أو حديث، ولكن لا تنخدع كالآخرين، فأنا محبوب عند الكثيرين وإن لعنوني، أنا أيضًا أعاني مثلك من كثرة النفاق! سـألته: أوَ لست أنت سيد المنافقين وشيخهم؟! قال: لا، هذه الأوصاف لم أحصل عليها بعد، إنما أنا تلميذ أتعلم عند ولد آدم هذه الفنون والألوان من الخداع والنفاق... أنا امتنعت عن السجود لأبيك لا أكثر، أما أنتم يا أولاد آدم فأنكم ترتكبون الحماقة تلو الحماقة والذنب بعد الذنب وبكل وقاحة تنسبونها لي، (لعنة الله على إبليس)! ولكن إذا اختلى بي أحدكم قال: أنا معك يا صديقي ويا حبيبي، مرني بما تشاء فإني لك سماع مطيع، ولا تؤاخذني بشتمي ولعني إياك أمام آ، فعلاقتنا لا بد أن تكون ملفوفة بغطاء السر والكتمان وإلا افتضح أمري وخسرت ما أنا عليه من مركز ونفوذ في قلوب الآخرين... ثم سكت هنيهة وأردف قائلًا: ألم أقل لك أنني أعاني مثلك من كثرة النفاق والاحتيال! ضحكت من كلامه الذي بدا كالسم يسري في أوداجي: يا لعين، كأنك تصور نفسك نعجة أو حملًا وديعًا لا حول لك ولا قوة. ردني بضحكة عالية مبديًا أنيابه الصفراء: هكذا يظن بي أغلبكم وأنت واحد منهم، أنني ذو قوة وسلطة ونفوذ على ولد آدم، مع أنني مخلوق بسيط وضعيف، مشكلتكم إنكم لا تريدون أن تفهموا قرآنكم، هاك هذا السر الذي لا أعطيه لأحد: اقرأ الآية (76) من سورة النساء ستعرف من أنا! ثم انصرف عني لا أعرف هل هذه وسوسة شيطان أم نصيحة، وأي شيطان هذا يعطي النصائح لا أعرف! "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا"

اخرى
منذ 4 سنوات
741

عباس... احتار فيك الفكر والقلم

بقلم: رحاب سالم ورور البهادلي ابتدأتُ النهار أسمع صوت قطرات المطر النازلة من أوراق الأشجار، بعد أن هدأت الأجواء وسكنت السماء من بكائها، فكانت قطرات الماء تنزل من أوراق الأشجار بهدوء، بعد ميل تلك الأوراق من أغصانها، فآلت الشمس على نفسها أن تبزغ كي تدفئ بنورها أهل الأرض وأن تحتضنهم بحرارتها... بزغت الشمس وهدأت السماء وأخذت الطيور والعصافير تعزف أنغامها وتحلق في أجواء جميلة وصافية، ونهار سعيد... وأنا كالعادة أقف في المطبخ أحضر كوب القهوة كي أفتتح به صباحي الجميل، وبعد أن أكملت إعداد القهوة جلست في حديقة المنزل، أنظر إلى الأجواء الجميلة وأمسك قهوتي بيدي واليد الأُخرى تحتضن قلمي وخاطري يرسم لوحة تحاكي قصصًا، منها من الواقع ومنها الذي يحكيه خيالي، أكملت قهوتي ولا زال فكري شاردًا بأفكاره وخيالي يحاكي أبطاله وقلمي يرسم لوحة، فذهب فكري إلى بطلٍ شجاع وشهم يجسد اسمه وحياته لوحة عشق وتفاني تحاكي التاريخ، وأصبح مضرب الأمثال بالنبل والشجاعة والمروءة... لم يقبل عقلي هذه المرة أن يطلق العنان للأفكار، أو بأن يكتب عن أبطال من نسج الخيال، ونحن نشهد شهراً قد ولد به أبطال لم يُشهد مثلُهم في التأريخ هم و آباؤهم. حاولت أن أكتُب عن هذا المقدام الذي يجسد في واقعنا نهضة، يرسم بما فَعَل وَفُعِلَ بهِ لوحة عشق وإيمان، مع سيدهِ وأخيه كي يُحكى عن قصته إلى العالم، ويروي التاريخ أمجاد حياته، احتار قلمي عن هذا البطل كيف يكتب وكيف يعبر؟ احتار قلمي وفكري، وبادراني بالسؤال: أيها الكاتب، احترنا في هذا البطل؟ هل تريد أن نكتب عن شجاعته كفارس؟ أو عن طاعته لسيده وأخيه؟ أو عن أخوتهِ وغيرته؟ أو عن كفالته وهو الكافل؟ أيها الكاتب، أنا قلم أخط ما يبادرني بهِ فكرك، لكن فكرك حيرني ولم أعرف ما أخط! قُل لي أيها الكاتب من هذا البطل؟ ودعني أكتب عنه كلمةً يُعرف بِها دون أن أُطيل على قارئي؟! (الكاتب): أنا احترت أيضاً أيها القلم ولم استطع التفكير، خيالي وكلماتي عجزت أمامه، ألا تُساعدني فأكتب أيها القلم والقارئ سيفهم معنى كلامي حتى وإن كان قليلً.. اكتُب (عباس راعي الجود جاد بنفسه).

اخرى
منذ 5 سنوات
2054

تأملات في تراتبية المواليد الشعبانية

بقلم: عبير المنظور شهر شعبان هو شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيه من النفحات القدسية والعبادات القُربية ما يعمّق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن سلسلة من التهيئة الروحية تبدأ من شهر رجب شهر أمير المؤمنين (عليه السلام) مرورًا بشعبان شهر سول الله (صلى الله عليه وآله) وصولاً إلى الذروة في شهر رمضان شهر الله تعالى. وللعبادة في شهر الرسول (صلى الله عليه وآله) أجر عظيم، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «‌قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله فمن صام يوماً من شهري كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن صام ثلاثة أيام من شهري قيل له استأنف العمل...» (١) ومن أبرز مصاديق تعميق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) هي المودة في القربى التي جعلها الله تعالى أجر الرسالة المحمدية في قوله تعالى في آية المودة: (ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢) ومن لطائف وأسرار هذا الشهر الفضيل أنه يتضمّن بين طيّات أيامه الغراء ذكرى مواليد عطرة لقربى أهل بيت النبوة لستة من الأقمار الزاهرة وهم بالترتيب: الإمام الحسين والعباس والسجاد وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن والحجة المنتظر (عليهم جميعاً سلام من الله ورضوان) ومودتنا لهم هو أهم ما نقدمه للنبي (صلى الله عليه وآله) خاصة في شهر شعبان، مع ملاحظة أن المودة القلبية لا تكفي في إعطاء أجر الرسالة ما لم نشفعه بإيماننا بهم وحسن الالتزام بسيرتهم (عليهم السلام). ولو تأملنا قليلاً في المواليد الخمسة الأولى للاحظنا أنها تخص الشموس الزواهر لأهم شخصيات معركة كربلاء الحسين، معركة الإصلاح، معركة رفض الظلم والاستكبار، معركة بسط العدل في مجتمع ضاعت كل قيمه ومبادئه وثوابته، فكانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) رمز الاصلاح على مرّ العصور، وكان دوره أساسياً ومركزياً في نهضة الأمة بعد تقهقرها، وصناعة إنسان رسالي بعد أنْ تشوَهتْ معالم إيمانه، متخبّط الخطى في ظل سياسة القمع والإرهاب والتجهيل من خليفة غرّ نزق شارب للخمر ملاعب للقرود ليُصبح بين ليلة وضحاها خليفة رسول الله وحاكماً للمسلمين! أعادتْ ثورة السبط الشهيد الهمّة في الأمة الخائرة القوى، وأصبحتْ تعرف مسؤولياتها جيدًا في ظل الظرف السياسي والاجتماعي الحرج الذي مرّت به الأمة بعد واقعة الطف. ولم يكن هذا الجانب الاجتماعي المشرق في دور الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء الذي أدّى غرضه في الأمة فقط، فسلوكه الفردي مع أهل بيته وأصحابه كان الوهج الذي استضاءت به الأمة على قرونًا طويلة لتربية أجيالها على أسس الإسلام الصحيحة. ففي كربلاء دروس وعبر لا تنتهي في التعامل مع الأخ أو الأخت أو الابن أو الطفل أو الشيخ أو القربى أو الأصحاب بل وحتى الأعداء، كلها إصلاح في إصلاح. كما تجسّـدت قيم الأخوّة والبطولة والفداء والوفاء والغيرة والحمية في نفس أبي الفضل العباس (سلام الله عليه) فهو بعد أخيه الحسين فضلاً وشرفاً وكرامةً، ودوره البطولي الكبير في الحروب والدفاع عن الإسلام الذي لا يقل بطولة عن أخلاقه العالية والمفاهيم الإنسانية والأخوية التي غرسها في الأمة بعد أخيه خاصة مسألة التعامل بين الأخوة غير الأشقاء، فقد علّمنا العباس (عليه السلام) بحبه وإيثاره بنفسه وإخوته الأشقّاء في سبيل إخوته غير الأشقاء كالحسين وزينب (سلام الله عليهم أجمعين)، علّمنا كيف نجمع الأخوة بدون فوارق، وكيف نذيب الأنانية في نفوسنا وأن نصهرها بحب الله فقدّم إخوته غير الأشقاء على نفسه وأشقائه لأنهم حجج الله على خلقه. ولا يخفى التأثير الكبير في عطاء الإمام السجاد (عليه السلام) بعد كربلاء في ظل الأسر والسبي والتشديد والتضييق والإقامة الجبرية، فلم ينكفئ (عليه السلام) عن الدعوة إلى الله وتربية الأمة في أحلك الظروف، فربّى الأمة بالدعاء والمناجاة والانقطاع إلى الله بالعبادة، فلم تمنعه القيود وأغلال الجامعة والحبس الجبري عن أداء واجبه الرسالي والقيام بدوره في صناعة الإنسان وصناعة أمة واعية تقدر قيمة إصلاح مجتمعها بأي وسيلة متاحة لديه مهما أباد الطغاة أهله وأخوته وبني عمومته، فهو من أكمل مسيرة كربلاء بعد أبيه الحسين بقوة إرادته عن طريق زرع مفاهيمها الحقة في الأمة رغم الصعوبات التي واجهها. وللشباب الملتزم والواعي دوره الكبير في بناء المجتمع الصالح الذي أراده الرسول (صلى الله عليه وآله)، علي الأكبر (عليه السلام) مثال للشاب الذي جعل من إيمانه بالمبدأ نقطة الانطلاق نحو المجد والخلود بحماسة الشباب وعنفوان مشاعرهم، فكانت كلماته الخالدة (لا نبالي أن نموت محقين) (٣) شعار لكل الشباب الرسالي الغيور على دينه ومجتمعه من الانتهاك، وخير مثال على طاعة الوالدين واحترامهم. ومع القاسم بن الحسن (عليه السلام) لنا وقفة مع الأشبال، حيث عّلمنا القاسم على صغر سنه معالم التربية الحسنة والوعي لتحديات الظرف المرحلي وهو ناجم عن الملكات النفسية الخاصة لهذا الغلام واستعداده الكبير لتحمل مسؤولية عجز عنها الكثير من الرجال المتخاذلين عن نصرة امام زمانهم فشع فهبّ القاسم وهو غلام لم يبلغ الحلم ليرسم لنا أروع صور النصرة وبأبهى أشكالها. كل وقفة من وقفات مواليد ابطال كربلاء في شهر شعبان كفيلة بأن ترسم لنا ملامح التربية الحقة على أسس ومفاهيم تعمل أولاً على تهذيب ميدان النفس الأمارة بالسوء لتنطلق نحو الأسرة بجعلها لبنة صالحة في مجتمع يصلح بصلاحها، فننطلق بالتربية والتهذيب من الجانب الفردي إلى الجانب الاجتماعي ولا يخفى تأثير ذلك على الصبغة العامة للمجتمع ورقيه وتطوره بوعي أفراده من أصغرهم إلى أكبرهم. من كربلاء وشخوصها وشواخصها ننطلق بالتدريج نحو الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في منتصف الرحلة الملكوتية في هذا الشهر الفضيل -مع ملاحظة أن القمر في منتصف الشهر العربي يكون البدر كاملًا- وربما هو كناية عن كمال الدين وإتمام النعمة في ولادة المنقذ والمخلّص ومهدي هذه الامة الذي سيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئتْ ظلماً وجوراً بثورة تصحيحية شاملة، أي عاشوراء أخرى لتصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الوعي ورفض الظلم والاستكبار العالمي الذي أخذ يُحكمْ قبضته ويُحيطُ بأذرعه الأخطبوطية كل مفاصل الحياة من سياسة واقتصاد وإعلام وتكنولوجيا وغيرها لصالحه وأخذ يتحكّم في العقول وتوجيهها نحو مخططاتهم الشيطانية عن طريق التشكيك بالأديان وتوسيع رقعة التيار الإلحادي في العالم، فعلى المنتظِر لإمام زمانه في زمن الغيبة والشبهات أنْ يتسلّح بالإيمان والوعي لنصرة إمام زمانه والتمهيد لظهوره المبارك بعد أن يحصّن نفسه أولاً بالمفاهيم والعِبر التي استقاها من ملحمة كربلاء وشخصياتها الخالدة. وكما نعلم أن شهر شعبان محطة روحية مهمة لتهيئة النفس قبل شهر رمضان المبارك وهو شهر الله الذي دُعينا فيه إلى ضيافته تعالى، فعليه يكون ظهور الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) هو تحقيق الوعد الإلهي في بسط العدل على الأرض عندها ستكون البشرية كلها في ضيافة الله وعدله حتى قيام الساعة. ________________________ (١) فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص ٤٤. (٢) سورة الشورى/٢٣. (٣) الإرشاد، الشيخ المفيد، ص٢٢٥.

اخرى
منذ 5 سنوات
5707

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70852

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51935

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41792

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36512

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
33463

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32357