أمنياتٌ أم أهداف؟!

بقلم: رضا الله غايتي قلوبٌ تنبض بالكثير الكثير من الأمنيات، ونفوسٌ عطشى لتُحقق ما حلمت به من لحظات، وأرواحٌ تترقب برجاءٍ تارةً وقلقٍ وخوفٍ تارةً أخرى لما هو آتٍ، وعيونٌ أضناها الواقع الأليم وأرّقها الحزن المقيم لما تعانيه من حوادثٍ وأزمات، فسارع بعضها لتطالع وبكل شوقٍ ما قد ينشره المنجمون في مختلف المواقع والصفحات. مشاهدٌ مؤلمةٌ حقاً، لكني توقفت لأتأمل قليلاً، تُرى أيهما أشد أيلاماً، هل ما يعانيه معظم الناس من آلامٍ ومعاناة؟ أو السبل التي يلتجأ إليها بعضهم لحل مشاكلهم وتحقيق ما تراودهم من أمنيات؟ وجدتُ نفسي وإن أقررتُ بمرارة ألم المحزونين وقساوة ما يكابدونه من الأسى في هذه الحياة، أكاد بل أجزم أن سبل الحل التي يهرع إليها البعض لتغيير واقعهم نحو الأفضل لهي أعظم المأساة.. تُرى هل خُلِق الإنسان مسيّراً ليقف مكتوف اليدين لا يبذل من الجهد سوى التمني والتألم والحسرات؟ أو هل كان قاصراً ليُنصِّب النجوم وصيةً عليه يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها في تسيير مختلف شؤونه في الحياة؟ أو هل كان زمام تغيير أحواله بيد سواه ليتظلم ويتألم مجسداً دور الضحية في مختلف السلوكيات؟ لا، وألف لا، وهيهات أن يكون ذلك المخلوق الدنيّ صنع الخالق العظيم القويّ، بل هو أكرم مخلوق لأعظم خالق، ما خلقه ليخوض غمار هذه الحياة إلا بعد أن بيّن له خارطة الطريق وزوّده بأذكى وأرقى الأدوات. فبالعقل الذي مكّن الإنسان أن يبتكر ما شاء الله من أدق الأجهزة وأعقد الآلات، يمكن أن يُحقَق به ما قد يُتصور أنه من المحال أو المعجزات، ولكن ليس بالسلبية والاقتصار على أحلام اليقظة وإطلاق الأمنيات، بل بتحويلها إلى أهداف والعمل الجاد على تحقيقها من خلال وضع ما يناسبها من برامج ومخططات. فالأمنية والهدف كلاهما أمرٌ مرغوبٌ به من قبل الانسان، إلا أن بينهما بونًا شاسعًا ربما كالفرق بين العدم والوجود. فالأمنية لا تعدو أن تكون مجرد رغبة تعيش في قلب الانسان وتحيا في مخيلته، وربما تتردد على لسانه، أو تقض مضجعه، لكن لا أثر لوجودها في الخارج، ولا سعي لتحصيلها على أرض الواقع. وأما الهدف فهو وإن كان رغبة كما الأمنية إلا أن له انعكاسات في الخارج تزداد شيئاً فشيئاً حتى يكلل بالتحقيق التام إن شاء مسبب الأسباب. ولكي يتحقق أي هدف من الأهداف على الوجه الأمثل مهما بدا لنا أنه هدفٌ يسير ــ كالدراسة اليومية مثلاً بالنسبة للطلبةــ لا بد أن تتوفر فيه شروط أهمها: أولاً: أن يكون الهدف مرتبطاً بالمرحلة التي يعيشها الانسان الهادف، فلا يصح مثلاً أن يكون هدف طالب الإعدادية هي دراسة علم الفلك؛ لأن ما يناسب مرحلته من أهداف هي دراسة مواده الدراسية والتمكن منها أولاً. ثانياً: أن يكون الهدف قابلاً للتحقيق: إذ من المحال أن يكون الهدف دراسة جميع المواد الدراسية في يوم واحد فقط. ثالثاً: أن يكون الهدف محدداً: ويتحدد في الدراسة مثلاً بتحديد المادة فيكون دراسة مادة الكيمياء مثلاً. رابعاً: أن يكون قابلاً للقياس: للتعرف إلى نسبة تحقيقه، فيكون الهدف: أن أدرس مادة الكيمياء الفصل الثاني الذي هو عبارة عن عشرين ورقة مثلاً. خامساً: أن يكون محدودًا بوقت؛ لأن الأهداف التي لا تحدد بوقت غالباً ما يؤجل تنفيذها مرة بعد أخرى حتى ينتهي الأمر بالفشل في تحقيقه، فيكون الهدف في مثالنا: ان أدرس الفصل الثاني من مادة الكيمياء من الساعة التاسعة وحتى الحادية عشرة صباحاً. وتختلف الأهداف في المدة الزمنية التي ينبغي رصدها لأجل تحقيقها، ولذا فهي على أقسام ثلاث: فمنها أهداف يستلزم تحقيقها زمنًا طويلًا، وجهدًا وفيرًا، وهي أهداف طويلة المدى تمتد لعشرين سنة أو أكثر. ومنها أهداف متوسطة المدى وتمتد لخمس سنوات، ويمكن للإنسان الهادف أن يستعين بهذه الأهداف كمقدمات أو مراحل لتحقيق الأهداف طويلة المدى. وبما أن هذه الأهداف هي الأخرى تقتضي مدة زمنية ليست بالقليلة لذا يمكن الاستعانة بالأهداف قصيرة المدى وهي أهداف سنوية. ومن الجدير بالذكر أن هناك عوامل مهمة لتحقيق الأهداف أهمها: الصبر والإصرار وتكرار المحاولة مع تحري الطرق المختلفة والسبل المتنوعة في كل مرة حتى تحقيق الهدف، فقد نُقل أن أديسون حاول مائتين وواحدًا ستين محاولة (بل قيل: 999 محاولة) حتى نجح في ابتكار المصباح، وكل محاولة كان يأتي بها بشكل مغاير عن المحاولات السابقة. وبما أن أرقى الأمنيات هي أمنيات المؤمنين، فكم هو جميل أن ينقلوا تلك الأمنيات السامية إلى عالم الأهداف، فتتحد الأيادي البيضاء، وتسرع النفوس في سبيل التزكية، وتتنافس الهمم العالية، وتتسابق العزائم نحو الكرائم، ، وتستبق القلوب نحو الخيرات. وتنطلق الأرواح للرقي في الدرجات، عندئذٍ يحصدون كل خير. هذا وقد ذكرت بعض الروايات بعضًا من جوانبه منها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ولأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم"(1). كما ورد في توقيع له (عجل الله فرجه):" ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا. و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا ، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم"(2). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تحف العقول ص303 (2) معجم أحاديث المهدي ج5 ص463و464

اخرى
منذ 5 سنوات
1921

مفتاح النجاح ..الثقة بالنفس

من مقومات قوة الشخصية: الثقة العامرة بالنفس، حيث تبرز الثقة عبر مواقف الحياة. وقبل التوغل في ذلك، لابد أن نبين تعريف الثقة بالنفس. فهي عبارة عن قول وعمل واعتقاد مثل الإيمان، وهي عبارة عن قناعات تستقر في القلب وعن كلمات ينطق بها اللسان وحركات تأتي بها الأركان . والسؤال المفتاح الذي لابد من طرحه الآن يقول: ترى هل الثقة بالنفس فطرية أم مكتسبة؟ هناك من يعتقد بأنها فطرية، وهذا خطأ فادح، لأن الثقة بالنفس فطرياً تعادل نسبة 6% فقط، بينما عن طريق التدريب والممارسة فهي بنسبة 100%. وقد بيّن المختصون مكونات الشخصية فقالوا: إنها تتكون من: ( الروح ، الانفعالات العاطفية ، المظهر الخارجي، الحالة الاجتماعية، والقدرات العقلية ) وتعد الروح الأساس المهم الذي يضم كل المكونات الأخرى . فنجد في حياتنا رجالا أو نساء تجاوزوا مرحلة الشباب ومع هذا نستشعر بأرواحهم تعتمر بالحيوية والنشاط والعمل حتى وكأننا ننسى أعمارهم الأصلية ، في حين نجد أرواحاً ذابلة لشباب في عمر الورود وقد غلبت على أرواحهم أشباح اليأس او الكسل او الحزن فذوبت تلك الروح الشبابية ووقفت حراكهم المرتجى! أما المكون الثاني للشخصية المتمثل بالانفعالات الشخصية، فالسؤال التالي يكشف جانباً من شخصيتنا: ماذا لو مررنا بموقف مفاجئ كانسكاب قدح شاي على ملابسنا ونحن في مكان عام ؟ أو وقوعنا فجأة أمام الناس ؟ هل سيظهر ارتباكنا ونتلعثم وتهتز شخصيتنا في حينها؟ أم إننا سنعالج الأمر بكل بساطة على انه حدث عابر تاركين خلفنا ابتسامة وتصرفاً حكيماً؟ كذلك يعد المظهر الخارجي قوام الشخصية الواثقة على ان لا يكون في ذلك مبالغة أو خروج عن جادة الطريق بارتداء ما ينتهك أحكام الله تعالى، ومع أهمية الاعتناء بالمظهر الخارجي إلا انه لا يساوي شيئاً مهما بلغت درجته من حيث الأناقة والأبهة والجمال إذا كان مرتديه حاملًا لصفات أخلاقية هابطة كالتكبر أو الخيلاء أو غيرها، فحينها ينتفي شعورنا بجمال ذلك المظهر الخداع . هذا والحالة الاجتماعية والقدرات العقيلة تعدان ايضا من مكونات الشخصية، فإن جاه احدهم أو ماله أو مركزه العلمي يهبه مقداراً كبيراً من الثقة بالنفس، على أن تتوافق تلك المكونات مع مقومات الأخلاق والسلوكيات الحسنة على أحسن ما يكون . وفي ختام كلامنا نقول : على أي كائن بشري استشعار ثقته بنفسه لأنه بدونها لن يتمكن من تحقيق أي انجاز، فكُن على الدوام: واثقا بنفسك مؤمنا بقدراتك . منتهى محسن

اخرى
منذ 5 سنوات
8180

بناء شخصية الطفل

بقلم: قاسم المشرفاوي يحتاج الطفل الى رعاية واهتمام بالجانب المادي والروحي ليتم بناء شخصيته بشكل سليم، فالطفل لا يحتاج الى الغذاء والشراب فقط، وإنما يحتاج إلى حاجات نفسية لكي ينمو عاطفياً ونفسياً ويتناسب هذا النمو مع بناء جسده مادياً، فلا يمكن الاقتصار على تقديم الحاجات المادية للطفل واهمال الجانب الروحي كما يفعل بعض الآباء والأمهات، فشخصية الطفل يتم بناؤها منذ اللحظة الأولى لانعقاد النطفة مع البيضة، فالجنين يتأثر بكل الظروف التي تمر بها الأم، فيشعر بما تشعر به أمه من فرح وسرور وألم وحزن. فالطفل تنتقل له بعض الصفات الوراثية عن طريق العوامل الجينية بواسطة الكروموسومات كما ذكر ذلك العلم الحديث وأكدته الروايات الشريفة منذ وقت بعيد، فالصفات الخلقية والأخلاقية ممكن أن تنتقل إلى الأبناء، فالكرم والشجاعة والجبن والبخل والسخاء صفات ممكن أن ينتقل بعضها إلى الأبناء، وقد ذكر ذلك الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في أكثر من حديث حيث قال: "لا تسترضعوا الحمقاء…" وقال أيضاً: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس... فهذا دليل واضح على إمكانية انتقال الصفات النفسية إلى الأبناء عن طريق الوراثية ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن تعديل الصفات السيئة التي ورثها الأبناء، وإنما يمكن تعديلها وعدم السماح لها بالظهور إذا استخدم الأبوان الطرق الإيجابية في تربية الأبناء منذ اللحظات والسنوات الأولى، فالبيئة التي يعيش فيها الطفل وأسلوب الأبوين كفيلان بتعديل سلوك الطفل وتهذيبه نحو الأحسن. فطبيعة تفكير الوالدين وأفكارهما تنتقلان إلى الأبناء تلقائياً عن طريق التأثر البيئي، فالطفل يعيش في البيت ويتأثر بأفعال أبويه ومن يعيش معه من إخوانه، لذلك فإن الأسرة لها الدور الأول في صناعة شخصية الطفل وبلورتها. إن الأطفال في السنوات الأولى يحتاجون الى حاجات عديدة ليشعروا بالحب والأمان ،وحب الأهل لأبنائهم يجب ان تكون له مظاهر على ارض الواقع ليشعر الابناء بذلك ومن هذه المظاهر : 1/التقبيل: وهذا الأمر والتصرف مهم جداً ليشعر الابناء بأن لهم منزلة وحب في قلوب آبائهم وأمهاتهم فلا يكفي ان نقول لأبنائنا اننا نحبهم بدون ان نقبلهم ،فعن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) حيث قال: من قبّل ولده كتب الله له حسنة. وقال: أكثروا من قُبلة أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام . 2/اللعب: وهو من الحاجات النفسية الضرورية التي تجعل الطفل يشعر بالراحة والاستقرار لأنها حاجة بيولوجية تساعد في توازن نمو الطفل العاطفي والنفسي، لذلك أمرنا النبي الكريم باللعب مع الأطفال والتصابي لهم حيث قال: من كان له صبي فليتصاب له. 3/ الاحتضان: فاحتضان الأطفال يجعلهم يشعرون بأن لهم مكانة وقيمة في نفوس آبائهم ويشعرهم بالاستقرار والتوازن العاطفي كما أنه يزيد من سعادتهم فالعلم الحديث أثبت افراز الجسم لهرمون الدوبامين اثناء عملية الاحتضان. 4/ الاحترام والتقدير: فالطفل تزداد ثقته بنفسه إذا شعر باحترام الكبير له، مما يزيد من تقدير الذات لديه وهذا ما يجعله يثق بقدراته وامكانياته أكثر، وهذا ما يجب على الآباء والامهات ان يفعلونه مع أبنائهم ،ومن مظاهر احترام الاهل لأبنائهم هو: - عدم مقاطعتهم اثناء الحديث وترك المجال لهم بإبداء آرائهم مهما كانت بسيطة.. - الاستماع والإنصات إليهم بشكل جيد عن طريق النظر في عيونهم والتواصل بإيماءات الوجه... - مناقشة أفكارهم بأسلوب يطور من قابليتهم على التحليل لتطوير قابليتهم على صياغة افكارهم بأسلوب أكثر نضوجاً... كل هذه الأشياء تساهم في بناء شخصية الطفل بشكل لائق يناسب البيئة والعصر الذي يعيشه مما يجعله يطور من قابلية التأقلم مع مختلف الظروف والتحديات العصرية التي تعصف بالمجتمعات بشكل سريع.

اخرى
منذ 5 سنوات
2437

وغَرّنِي سِترُكَ المُرخى عليَّ

بقلم: حوراء مالك لقد كانت الجو ممطراً، ولازالت السماء ملبدة بالغيوم، وصوت القران المؤدي إلى آذان المغرب يصدح صوته في أرجاء المدينة، لقد تعب (علي) من تراكم المشكلات والشكوى وعدم حصوله على عمل، كان يدرك جيداً أنها حصيلة أعماله السيئة، لقد شعر بندم كبير وشعر بالغربة الشديدة وتولدت لديه رغبة بأن يلتجأ إلى ذاك المسجد أمامه، الذي كانت بابه مفتوحة على مصراعيها الذي كتب على جهته اليمنى الآية القرآنية: قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ]. (1) ما أن أتم قراءة الآية حتى غرقت لحيته بالدموع وكأن شخصاً احتواه، وكأن أبواب السماء فتحت له الطريق... بدأ يسير ببطيء خطوة بعد خطوة، وبدأت السماء تمطر مجدداً ورأى أحد الاخوة يسرع للالتحاق بصفوف الجماعة وسمع أحدهم يقول لصاحبه بمزاح: هيا اسرع سنسبقك إلى الجنة... شعر بأنها رسالة له ودعوة من الله له فاشتد بالبكاء بعد أن أتم الوضوء دخل وسلم على المصلين. توجد علامة استفهام على وجه بعض المصلين، وأما البعض فرحب به بابتسامة وخاصة إمام الجماعة سيد (أحمد). لقد كانت مميزة في حياته لقد تاب (علي) الى الله، وشعر أن الله تقبّله، وعزم على عدم العودة للإفساد، وإصلاح ما افسد. بعد أن أتم صلاته ودعواته، التقى (علي) بصديق له في منطقته ولكن لم يلتق به منذ فترة، بعد السلام أجاب صديقه (بلال) (علامة عدم الرضا والاستفهام باديه على وجهه): وعليك السلام يا (علي) ماذا تفعل هنا؟ أ هي مصيبة جديدة تود ان تعملها؟! وفي بيت الله؟! لقد جرحت هذه الكلمات قلب (علي) الذي تاب توبة نصوحة ولكنه أطرق برأسه إلى الأرض ولم يعتب على (بلال). قال علي: لقد تغيرت يا (بلال) ولقد تبت إلى الله حقاً ولم أعد لأعمالي السابقة… قال بلال: أنت تغيرت! لا أصدق، وأفعالك السيئة التي فعلتها وعلاقاتك المحرمة وأذيتك للناس! سوف تعود يا (علي) لن أصدقك ولا أحد يعمل مثلك! قال علي : نعم أنا أعترف بأخطائي وسأصلح ما أفسدته، لقد مررت بظروف صعبة وغلبني هواي وشيطاني، أنا لا أريد أن أبرر لنفسي، ولكن الآن أنا مختلف أنا رجعت إلى رحاب الله وسيعينني الله لأنه لا يخذل من عاد إليه. وأنا الآن أطلب منك مساعدتي أن أعمل في شركتك لو سمحت لي. قال بلال (بتعجب) : تعمل في شركتي! وهل جننت لكي أجعلك تعمل فيها ،ستجلب السمعة السيئة إليها. قال علي : لكني تبت يا (بلال) سأصلح ما أقدر على اصلاحه وسأعتذر إلى الناس. قال بلال : أنا لا أصدقك، ستعود إلى حماقاتك ولن أسمح لشخص مثلك بمس باب شركتي ولن يغفر الله لك. هنا انكسر قلب علي وبدأت دموعه تتساقط ولكنه أدار وجهه ومسحها. قال علي: لقد قلت لك إني تبت، وإن الله وعد التائب بالمغفرة وإعانته على إصلاح أموره، وأنا أردت أن أعمل لكي أحصل على مال حلال لكي أعيد للناس حقوقهم، كلنا نخطأ يا (بلال) وتضعف إرادتنا ويغلبنا الهوى في يوم من الايام. قال بلال (بغضب وأشار بيديه إلى نفسه): أنا أخطأ وأعملُ كما فعلتَ! أنا لست ضعيف الارادة مثلك ولن أكون… اذهب يا (علي) فأني لن اسمح لك... هنا [وأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً] به مباركاً ومصفقاً لـ(بلال) . لقد تكبر (بلال) وأدّى به الغرور الى إيذاء (علي) بأشد الكلام قسوة، لم يعلم أن الله هو من أنعم عليه بالحصانة وأن نفسه لم تكن قادرة لولا رعاية الله. وهنا أطرق (علي) برأسه، وكلمة (بلال)《 لست ضعيف الارادة مثلك 》ترن في أذنه. وذهب يجدد وضوءه ويغسل دموع عينيه، ورجع إلى المسجد الذي خلا من كل أحد سوى سيد (أحمد) فطرح مشكلته عليه ووجد صدره رحبًا لسماعه والأخذ بيده. هنا ركب (بلال) سيارته وهو يردد بينه وبين نفسه: أنا لن أكون مثله يوماً! وكيف كان يتجرأ بعلاقاته المحرمة! وهنا دخل (بلال) بالامتحان الإلهي وبدأ يتكلم بصفة الأنا... وهو يستهزأ بـ(علي) وإذا بامرأة تقف أمام السيارة وتحت هذه الامطار الغزيرة، ضربها بلال بالسيارة! صُدم بما حدث، وبدأ يصرخ: يا الهي، ما الذي جاء بهذه المرأة بهذا الليل هنا! أوقف سيارته ووقف أمامها يردد: يا سيدة هل انت بخير! يا سيدة... لا جواب! اضطربت حالته وأخذها للمستشفى بعد إجراء العملية، جاء الطبيب وأخبره أن صحتها تحسنت وتحتاج الى قسط من الراحة ولكن. قال بلال : ولكن ماذا يا دكتور؟! الطبيب: نحن نعتذر لقد فقدت الآنسة ذاكرتها. هنا تورط (بلال) ورطة جديدة... بعد أن بحث في أغراضها لم يجد شيئًا يدل على عائلتها أو مكانها فقرر أخذها إلى البيت الى أن يجد حلًا لهذه المشكلة...لقد تفاجأت زوجته بمجيء هذه المرأة فأخبرها بقصتها. بعد مرور الأيام قرر (بلال) أن يجعل هذه الآنسة التي أعطوها اسم (سمانة) مربية لأولاده تساعدهم بالدراسة وترتيب أمورهم! مرت الأيام وبدأت تفتعل المشكلات وتسيء الى زوجة بلال وتثير غيرتها وتحاول أن تقوي علاقتها بـ(بلال) وعندما تشتكي زوجته منها يقول لها: أنت تغارين وأنها غريبة ليس لها أحد... لقد ازدادت المشاكل يوماً بعد يوم وخاصة عندما وجدت (بلالًا) يضحك ويتسامر مع (سمانة) . خرجت زوجته إلى بيت أهلها باكية وتردد: لقد تدمرت حياتنا منذ دخول هذه الشيطانة إلى بيتنا. حاولت (أم بلال) أن تتوسط بالموضوع وإرجاع زوجته ولكنه رفض وقال أمام سمانة: فليحدث ما يحدث أنا لن اتخلى عن سمانة وسأتزوجها. فابتسمت (سمانة) ابتسامة خبيثة ولم تكن صادقة بمشاعرها لأنها تريد ان تسلب كل امواله وتسيء الى سمعته وتهرب. لقد تجادل مع أمه ولم يبدِ لها أي احترام، ولقد أمسكت بقميصه تترجاه ولكنه دفعها وخرج. لم يعلم (بلال) أن أمه سقطت أرضًا بسبب هذه الصدمة ودفعتِه لها - وهو الذي كان يجل ويقدر أمه- وكم حاولت الوصول الى علبة الدواء ولكن لم تفلح، بعدها فارقت روحها الدنيا. عندما عاد الى المنزل صدم بموتها وبدأ بالبكاء والنحيب... لقد جلس يقبل قدم أمه يعتذر، وبدأ يراجع حساباته وندم على كل شيء، وشعر أن هواه غلبه، وهنا تماثلت صورة (علي) أمامه وغرق في بكاء عميق، وشعر بندم كبير... أراد ان يطرد (سمانة) لم يجدها! بحث عن الأولاد لم يجدهم! هنا صُدم ، لقد قامت (سمانة) بخطفهم! لقد اتصل بالشرطة واعطاهم مواصفاتها ومواصفات الاولاد.... وبعد دفن والدته وإكمال مجلس الفاتحة، جاءه اتصال من مركز الشرطة يخبره بأن أولاده بخير. بعد عودتهم الى المنزل، قرر الذهاب الى بيت أهل زوجته لكي يعتذر منها ويرجعها الى بيته فوافقت، ورجعت هذه العائلة السعيدة بعد أن شارف عمودها الى التهدم. لقد كانت صورة (علي) لا تفارق فكر (بلال) وعلم أنه درس إلهي له وأن الانسان معرض للخطأ، وأن الله غفور رحيم لا يطرد عباده التائبين. كان يردد بعد الصلاة: إلهي أنا نادم لقد اخطأت، إلهي العفو. [ إلهِي أَشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّنِي، وَشَيْطانَاً يَغْوِينِي، قَدْ مَلاَ بِالْوَسْواسِ صَدْرِي ] . (2) إلهي [ خَطيئَةٌ عَرَضَتْ وَ سَوَّلَتْ لي نَفْسي ، وَ غَلَبَني هَوايَ ، وَ اَعانَني عَلَيْها شِقْوَتي ، وَ غَرَّني سِتْرُكَ الْمُرْخى عَلَيَّ ، فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَ خالَفْتُكَ بِجَهْدي ، فَالاْنَ مِنْ عَذابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُني ، وَ مِنْ اَيْدي الْخُصَماءِ غَداً مِنْ يُخَلِّصُني ، وَ بِحَبْلِ مَنْ اَتَّصِلُ اِنْ اَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنّي ] . (3) لم يهدأ لـ(بلال) بال حتى يجد (عليًا) ويعتذر له ويجعله يعمل بشركته. قرر الذهاب الى المسجد هذه الليلة بعد فراق دام أشهرًا وسنوات لعدم دخوله للمسجد... وما إن شارف بالدخول وإذا وجد أن سيد (احمد) غير موجود، وأن أحد الشيوخ جالس بدل عنه بعد اقترب عرف أن هذا الشيخ هو (علي)! وإن الحاضرين يسلمون عليه بكل حب ويحترمونه ويسألونه المسائل الشرعية. لقد صدم ولكنه في نفس اللحظة أطرق براسه وتذكر خطأه الفادح... عندما قام (علي) للاستعداد للصلاة وإذا بعينيه تلمح (بلالًا)، لقد ابتسم عندما رآه وقام بنفسه بالذهاب إليه وألقى السلام عليه... بدأت عيون (بلال) تتساقط وهو يقول: أنا اعتذر يا (علي) لقد اسأت إليك كثيراً قال علي: لا يا أخي أنا قد سامحتك منذ زمن بعيد والحمد لله إذ منّ الله عليّ بفضل سيد (أحمد) وسلكت طريق العلم ونشكر الله على نعمه، ولقد قمت بفتح حلقة دراسية في مسجد المنطقة وتشرفنا بحضورك يا (بلال). قال بلال: بل أنا من يشرفني ويسعدني أن أدرس تحت يديك يا شيخ (علي). لقد تعلم (بلال) درساً لن ينساه أبداً، وهو أن لا يستهزأ من الذين أذنبوا، لأن ربما يكون واحداً منهم يوماً ما وتنقلب الأمور . فعن العبد الصالح الخضر (عليه السلام) في وصيته لنبي الله موسى (عليه السلام): يا بن عمران! لا تعيرن أحداً بخطيئة، وابك على خطيئتك. (4) قال نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله): [من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله]. (5) ينبغي أن لا نغتر بأنفسنا ولا نستهزأ بالآخرين. ولا ندري في أي حال تكون عاقبة أمورنا. قالوا: فِي الأَنا، لَن تجِدَ "حاءَ الحُبّ"، بَل سَتجدُ "نُونَ نفسِكَ" وَحيدةً، غارقةً بَينَ أنَاكَ لَا سِواها. وَلَن تُحلِّق الى رحاب الله بِأنَاكَ . ______________________________________ (1) سورة الزمر ، أيه 53 (2) مناجاة الشاكين (3) دعاء ابي حمزة الثمالي (4) ميزان الحكمة، ج3 ، ص2212. (5) ميزان الحكمة ، ج3، ص2212.

اخرى
منذ 5 سنوات
1649

ابني يريد الزواج بغير محجبة!

بقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم السؤال: ابني أصبح شاباً ويريد الاقتران بفتاة ليست محجبة، وصارح شقيقته بالأمر، لأنه يخشى ردة فعلنا _ أنا وأبيه_ لو اطلعنا على قراره، وشقيقته طلبت منه أن يشترط على الفتاة ارتداء الحجاب، فقال: إنها لا تقبل بذلك، كما أن أهلها لا يحبون الحجاب. وقال أيضاً: إن الأمر ليس مهمًا فهناك من لا ترتدي الحجاب وهي عفيفة، وهناك من ترتدي الحجاب وليست عفيفة، فلمَ أشترطُ عليها الحجاب وأنا أعلم مدى عفتها... ساعدوني لإقناع ابني الضال هذا... الجواب: أول كلامنا سيكون معك عزيزتي الأم… عليك أن تعلمي أن الشاب الواقف أمامك لم يعد الطفل الذي ولدتيه قبل عشرين عاماً، حاولي أن تتقبلي الأمر رغم صعوبته عليكِ. كلنا نشعر أن أبناءنا مهما كبروا، فبدون إشرافنا لن يُلحقوا بأنفسهم إلا الضرر، وشفقتنا عليهم وهم صغار لا تتغير مهما تقدموا في العمر، الأمر الذي يكون في بعض الأحيان سبباً في تعاستهم في الحياة دون أن يكون قصدنا ذلك. إن الابن بعد البلوغ يشعر أنه أصبح كبيراً بما يكفي ليعرف الخطأ والصواب في كل ما يعترضه أو يقدم عليه، ولهذا يكون دائم العناد مع والديه، فكلما منعاه من شيء أصرّ على القيام به، وكل ذلك ليثبت لهم أنه كبير. وهذا واضح من خلال كلامك عنه أنه خائف من إخباركما بنيّته، وهذا الخوف مبشّر جيد ، إذ يُشير إلى أنه يحترمكما ويريد رضاكما مع إرضاء نفسه وإثبات وجوده لكما. فهو من جانب يريد أن يرضيكما، ومن جانب يريد أن يكون كبيراً يتخذ القرارات التي تخصه بنفسه، لشعوره بأنه يجب أن يستقل عنكما. قد يكون السبب في ذلك أنكما لم تعاملاه بشكل جيد في فترة المراهقة، ولم تشعراه أنه مستقل وهو لكم وزير تستشيرانه وتعتمدان عليه، كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه واله): (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلا فلا خير فيه) (١). فجعله يلجأ للتمرد والثورة عليكما لإثبات الذات ولو بتدمير نفسه وحياته. إذن الآن عليكما أن تتعاملا معه بحذر شديد، ولا تجرحاه وتتصرفا معه كطفل بأسلوب: لا يعني لا! أنتِ -بالخصوص- عليكِ أن تكوني له صديقة محبة ومرشدة، اكسبي ثقته عبر عدم الاعتراض على كل ما يفعل، دعيه يخترْ وحده، وإن سقط أمسكي يده وساعديه على النهوض. إن ترك أبناءنا يدبرون شؤونهم بحرية تجعل ثقتهم بأنفسهم أكثر وإطاعتهم لنا أعمق، فلا بأس بأن نتقبل قراراتهم -التي نعلم بأنها خرقاء وستضرهم- إن لم يقنعوا بما نريد. نعود لسؤالك عن موضوع الزواج: أولاً: بادئ ذي بدء عليك بالإطراء على خطوته وقراره كثيراً، وأشعريه إنكِ فرحة بأنه صار رجلاً يريد أن يتزوج وأن يستقل في حياته، وإنكِ عشت لتريه عريساً و... هذا سيسعده بشكل لا يمكن أن تتصوريه، سيشعر أنه حصل على بغيته، وهي لفت نظركِ إليه وكسب تقديركِ واحترامكِ له، و كما يقال: أرضي غروره الرجولي قبل أن تأمريه. ثانياً: وهو الأهم: أن عليك الدعاء لولدكِ بالصلاح والهداية والتوفيق فلا معين ولا هادي سواه تعالى، الشارع الحنيف أكّد كثيراً على أهمية الدعاء للأبناء من قبل آبائهم ومدى تأثير الدعاء في اصلاحهم. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر). فلا تقصري بالدعاء له في صلاتك وبعدها، ادعي له ما استطعتِ ليصلحه الله تعالى لكما والله تعالى لا يرد عباده الصالحين. ثم اكتبي له رسالة أو كلميه بصورة مباشرة إن كان ممن يمكنه الإصغاء لكِ فالكلام أفضل، وقولي له: ابني الحبيب يا مهجة قلبي وثمرة فؤادي، لا زلت أذكر كل اللحظات التي قضيناها معاً منذ حملت بك وحين كنت صغيراً وحتى كبرت وصرت رجلاً. حمداً لله أن عشت لأرى ابني العزيز اصبح شاباً وسيماً يملئ السمع والبصر، يمكنني أن افارقه باطمئنان لأنه صار يعتمد على نفسه ويمكنه أن يتخذ القرارات التي تكون في مصلحته. بعد أن رأيت هذا اليوم سيمكنني أن أرقد بقبري بسلام لو وافاني الموت الذي لا بد منه... هذه العبارة ستهز كيانه ومشاعره، أولادناً لا يتحملون فكرة أننا راحلون عنهم أبداً، لذا يلجؤون إلى نسيان الأمر، ذكريه به ليلين قلبه لكِ ويسمعكِ أكثر. أكملي معه التالي: جُل ما أريد أن تعلمه أنك ابني وروحي، سواء كنت كبيراً أو صغيراً مخطئاً أو مصيباً وأنا معك دوماً. ابني العزيز، الآن وقد أصبحت شاباً راشداً، اعلم أن ولايتنا عليك صارت محدودة ويمكنك أن تفعل ما تشاء شرط أن لا يكون فعلك مؤذياً لنا حتى لو كان يخصك، فأعظم الناس حقاً عليك والداك، قال (صلوات الله عليه وآله) في جوابه لأحدى المسلمات: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل فقال (والداه)(٢). وجاء في حديث قدسي (إني أنا الله لا إله إلّا أنا من رضي عنه والداه فأنا منه راض، ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط) (٣). أبعدك الله من عقوق الوالدين كل البعد وأرضانا عنك ما حيينا وأدعو الله أن لا أراك نادما أبداً. الآن أريد منك أن تتأمل كلامي وخذ بمشورتي، فما ندم من استشار. لقد أبلغتني شقيقتك بكلامك، وإن كنتُ أتمنى لو صارحتني أنا بالموضوع بنفسك وناقشتني فيه، لكن لا بأس، فشقيقتك لا تقل محبتها لك عني إن شاء الله تعالى. كلامك وَرَدَ فيه الكثير مما ينبغي أن نناقشه معاً. وارتأيت أن أجعل النقاش على نقاط لنفصل كل مسألة على حدة ونفهم وجهات نظر بعضنا بشكل أدق. أولاً: سأتطرق لمسألة مهمة طرحتها في كلامك، ألا وهي: (هناك الكثير من غير المحجبات وهن عفيفات والكثير من المحجبات غير عفيفات فلو تزوجت من سافرة لا يعني أنها ليست عفيفة). دعني أخبرك أن كلامك أثار استغرابي كثيراً، كيف يمكن أن تفكر بهذه الطريقة وأنتَ ما عليه من عقل وفهم؟ من قال: إن المحجبة ترتدي الحجاب لتبدو عفيفة؟! أو من قال: من خلعت حجاب رأسها ليست عفيفة؟ وهل إن من كانت عفيفة يسقط عنها وجوب الحجاب؟! وهل إن الحجاب شُرّع فقط للتمييز بين العفيفة وغير العفيفة؟ من يمكنه أن يحيط علماً بأحكام الله تعالى سواه؟ لا أظنك انجرفت مع تيار اللذين لا عقل لهم بتفسير أحكام الله تعالى وإعطاء علل لها وتصنيف عللهم أنها العلة الحقيقية متناسين أنهم لن يحيطوا بربهم وبعلمه وهو محيط بهم؟ هم مخلوقون له وهو الذي يعلمهم من علمه ما شاء ويخفي عنهم ما شاء، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.) ثم هل تظن أنه يمكننا الحكم على الناس وتصنيفهم: هذا عفيف وهذا غيره؟ مسألة الحجاب يا عزيزي أعلى من هذه الجزئيات البائسة. المحجبة تبرهن على التزامها بدينها وخضوعها لله تعالى، وأنها جاريته لا تتبع سواه ولا يخدعها بريق السراب يحسبه الضمآن ماء. ومن لا تتحجب تبرهن على تمردها على الله تعالى وجرأتها عليه وعدم رجاحة عقلها وانخداعها بتقليد الفنانين والغانيات اللعوب اللاتي كانت أرخص بضاعة يقدمْنها للبيع هي اجسادهن، فأغلبهن جاهلات خُدعْن، وعلينا أن نشفق عليهن وندعو لهن بالصلاح. فلا مجال لقياسك هذا بهذا إطلاقاً، فكما توجد عدة مرتديات الحجاب غير عفيفات توجد مثلهن وأكثر ممن لم ترتدِ الحجاب ولا تملك من الحياء حتى رسمه، وأنت أعرف الناس بهذا فلا تخادع نفسك بهذا الكلام. ثانياً: عليّ أن أبارك لك خطوتك بطلب الزواج، فهو أمر محبّب في الشريعة وإكمال نصف دين المرء، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (ما بُني بناءٌ في الاسلام أحب إلى الله من التزويج) بارك الله بك لسعيك لما يحب ويرضى. واعلم إن لك الحق بالزواج مستقلاً عن رأي والديك، فأنت بالغ وراشد ولو كنت غير ذلك لما أجاز لك الشرع بهذا الأمر. وإنّ حدّ طاعتك لنا كأبوين بما يحسن العشرة وبما لا يكون خلاف أمرنا النابع من شفقتنا عليك، واعلم أنك إن لم تقنع أباك بمن تريد الزواج منها، فإنك ستؤذيه، بما أن من اخترتها ليست كفوءة لك، وأن رفضه نابع من شفقته عليك فستكون آثما عند الله تعالى، أوَ تظن أن زواجاً قام على إثم وعصيان يباركه الله ويجعل بينكما مودة ورحمة لتستمرا مع بعضكما مدى الحياة؟ كلا لن يكون ذلك قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ثالثًا: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوماً وقال: ( أيها الناس إياكم وخضراء الدمن قيل وما خضراء الدمن؟ قال (صلى الله عليه وآله): المرأة الحسناء في منبت السوء) . هل فطنت لما يريد النبي الأكرم ولي أمر كل مؤمن أن يبين لك؟ إن الزواج مهما كان عظيماً في الشريعة فلابد أن نراعي فيه مَن نتزوج. تزوجْ، لكن اختر بعناية، فليست كل من خلقها الله تعالى أنثى صالحة لتكون زوجة. الزواج ليس شراكة مالية تنتهي بأجل محدد، أو عقد ايجار ينتهي بحلول سنة، الزواج شراكة جسدية وروحية بين إنسانين مختلفين تماماً قررا الاتحاد، فانظر مع من تريد أن تتحد معها ما بقي من حياتك. إن كلمات العقد الشرعي قد اعتبرها الله تعالى الميثاق الغليظ قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، لأنك بهذه الكلمات ستعيش معها مدى الحياة وتنجب منها الأبناء ويستمر وجودك. فكن دقيقاً لمن تعطي الميثاق الذي ستقف عليه طويلاً بين يديه تعالى. رابعاً: اعلم بني أننا الآن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لا تظن أن بإمكانك كأسلافك أن ترغم زوجتك على العيش كما تريده وترتضيه. فالناس أدركوا جيداً أن الله أعطى حرية الاختيار للإنسان ذكراً كان أو أنثى وليس لأحد سلطان على أحد. فزوجتك ستتصرف وتفعل وتتقيد بما تريده وتقتنع به هي، لا بما تريد أنت أن ترغمها عليه، قد تقول إني سأقنعها، حسناً، وماذا إن لم تقتنع؟ هل فكرت بهذا الأمر؟ أنا أيقنت أنك محب لها بعد قبولك الاقتران بها مع ما هي عليه من مخالفة قطعية للشريعة، ويقينك برفض أبويك لهذا الزواج، فأنت لأجل الوصال صرت مستعداً للتخلي عن كل شيء حتى رضا الله تعالى ووالديك، وأن تقع بالعصيان والذنب وتخاطر بمصير أبنائك وسمعتك بين الناس... مع أنك جعلت لقاء كل هذا ثمناً بخساً جداً، كان عليك أن تطلب عرش سليمان النبي لقاء كل هذه البضاعة التي بعتها. لكن ماذا عنها؟ فكّرْ معي، ما الذي تخلّت عنه لأجلك؟ لم تستطع أن تضحي برأي والديها وتتحجب محبة فيك واحتراماً لك، هل ستظن أن بإمكانك إقناعها بعد الزواج؟ من لا يعطيك درهمًا هل سيهديك سيارته؟ أعد هذا السؤال على نفسك مراراً: ماذا لو رفضت الحجاب ولم تقتنع برأيك كيف ستتصرف؟ تخيل الموقف وأكتب حلك لها. هل ستضربها وترغمها بالتهديد على الحجاب؟ هل تظن أن الضرب يرغم الإنسان على الطاعة كما يرغم الحيوان على الرضوخ؟ هل نسيت أن الإنسان حريص على ما مُنع، وأنه لو أراد شيئًا فلا يمكنك أن تفعل شيء سوى التفرج؟ وقوة الضرب لن تذيب قناعات الشخص وصلابة إرادته. هل تبادر للطلاق؟ هل الطلاق أمر هين يمكنك أن تجريه وقت تشاء أينما تشاء؟ وإن كان بينكما أولاد وانفصلتما، هل ستترك أبناءك يدفعون ثمن اختيارك الخاطئ بالزواج من أمهم ثم الاختيار الخاطئ بإنهاء هذا الزواج؟ حسناً، لم يبق إلّا أن تصبر مدى حياتك على العيش مع امرأة تشعر بالعار منها اجتماعياً، لأن الناس لن تحترمك وأنت لا يمكنك حتى أن تختار لك زوجة تشاطرك طريقة حياتك. زوجتك التي لا تتحجب بالتأكيد ستكون مضطراً للخروج معها إلى أماكن والسفر معها والتجوال، فهي ليست قطعة أثاث في منزلك يمكنك ان تخبئها، هل ستتحمل نظرات اصدقائك لساقيها وجسدها الذي تكسيه ألوان الثياب لا الثياب؟ ولو تجرأ أحد على التحرش بها بحجة -المجاملة- هل ستتحمل الأمر وتعتبر قوله لها: لم أر أروع منكِ وأكثر رشاقة وأجمل شعر... مجاملات لا تخفي وراءها الانتقاص منك لأنك لا تستحق الاحترام لمسايرتك امرأة ليست من شأنك؟! ناهيك عن عذابك النفسي وتوقك لزوجة تكون كما تحب تفتخر بها أمام الناس، تخرج معها لكل مكان دون أن تُحرج من ملابسها وتقليدها الأعمى لملابس المغنيات والفنانات الرخيصات. زوجة يؤلمك غيابها ويسرك حضورها، تتوق لوجودها دوماً، حتى حين نموت لا تشعر معها بأنك اصبحت وحيداً بعد عائلتك، تبقى بجانبك دوماً تعمل المستحيل لأجلك . ابني، الزوجة أمك حين تحتاج الحنان، وأختك حين تحتاج اللطف والثقة، وعشيرتك حين تشعر بالغربة، وأبوك حين تحتاج الأمان. أن لذة العيش مع امرأة يمكنك أن تسعد معها لا تعادلها لذة العيون الخضراء والجفون الناعسة لمن اردت زوجة لك رغم كل مساوئها الأخرى. المشاكل بينكما نتيجة اختلاف الراي ستكون أساس حياتكما بدل المحبة والمودة. دعني أروي لك قصة صديقين درسا في أوروبا وأحبا فتاتين أجنبيتين، أحدهما استطاع الاقتران بمحبوبته، والآخر رضخ لرفض والده وتزوج من أخرى تشاطره الرأي والمسلك. وتمر السنوات والابن يشعر بمقت لأبيه الذي منعه من حب حياته كما يتخيل، حتى صادف أن التقى بصديق الطفولة فسأله عن أحواله غابطًا إياه لاقترانه بمن يحب، في حين تزوج -هو- ممن ليست الحب الأول وأنجب منها، فقال له صديقه: أنت مسكين حقاً هل تظني سُعدت معها بأكثر من شهر… تسأل عن احوالي أي أحوال؟ عن بيتي الذي لا أرى فيه أحدا أغلب الوقت واعود لأُكلم جدرانه؟ عن زوجتي التي ترتدي أي معروض على الشاشات مهما كان فاحشاً ومتعرياً ونكثت اتفاقي معها أن تحتشم بعد الزواج بحجة مواكبة العصر؟ تنتظر ماذا ترتدي جنيفر لوبيز أو كيم ..... وكل سيداتها الرخيصات لتقلدهن بطريقة نسخ لصق؟ عن أبنائي الذين لا أدري من أين أبدأ لك بالشكوى منهم؟ لأني لم أَجِد لهم أماً تربيهم على أن رضى الله من رضى الوالدين؟ عن ابنتي التي انتهجت منهج أمها وأسوء. دهش الصديق كثيراً وفكر ملياً بكلام صديقه ثم ودّعه راكضاً لأبيه ليقبل قدميه لمنعه إياه أن يخطأ كما أخطأ صديقة، فيعيش تعيساً مدى الحياة. لكن أنّى، والموت قد خُط على بني آدم مخط القلادة على جيد الفتاة... فأبوه متوفى وترك له سلاماً بيد إخوته طالباً منه ان يسامحه على منعه من الزواج بالأجنبية لأنه لم يستطع أن يرى ولده يرمي بنفسه من الجبل لأنه ظن أن يمكنه التحليق. خامساً: أبناؤك عزيزي هل فكرت بهم؟ كيف ستتمكن من أن تجعلهم متمسكين بدينهم وأنت جلبت لهم أماً لا تعترف بدينها؟ كيف ستتمكن من أن تمنع ابنتك من انتهاج سيرة أمها وخالاتها وأن تعيش كما عشت أنت في عائلة محافظة ومتزنة؟ فكّر بكل هذا قبل أن تقدم على ما تريده، يا بني، واعلم أن حزنك على فراقها أيامًا خير لك من العيش بالندم طوال العمر. وقلبك الذي خفق لها سيخفق لغيرها وأفضل منها، فالإنسان رُزِق النسيان كي يستمر في الحياة، ولولا النسيان لرأيت الناس يفترشون المقابر مع أحبائهم. وإن كنت تتـأمل إصلاحها فتمهل في الأمر حتى تقنعها، واختبر مدى حبها لك بتنازلها عن هذا الأمر البسيط، فإن الحياة الزوجية دون بعض التنازلات من الطرفين تصبح جحيماً لا يطاق، وحتى لو كانت عائلتها غير صالحة سأحاول أن أقنع والدك بالأمر وأنت تعلم مدى حبه لك وتوقه لزواجك، فدعنا نحاول أنا وأنت إصلاحها إن كنت مصرّاً على إمكانية إصلاحها وعسى أن يهدينا ربنا لأهدى من هذا رشدًا. ومن ترك شيئًا لله تعالى عوضه خيراً منه. _________________ 1.الكافي في الحديث 1 من الباب 82 . 2. مستدرك الوسائل , ج 14 , ص237. 3. جامع السعادات ج2 ص202. 4. مكارم الاخلاق، ص 203.

اخرى
منذ 5 سنوات
7422

ما كذَّب الفؤادُ ما رآى

حينما عُرج برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء رأى ما لم يره ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، حتى أخذ البعض يماريه على ما رآه، كما تخبرنا سورة النجم المباركة. وهنا تنقدح عدّة أسئلة في ذهن قارئ القرآن حينما يقرأ تلك السورة، ومن هذه الأسئلة: -كيف رأى النبي ربّه؟ -هل الله تعالى في السماء؟ -ماذا فوق السماء السابعة؟ -ما معنى الآية {ولقد رآه نزلةً اخرى}؟ -وهل يمكن أن نرى الله تعالى؟ -ماذا لو قلنا: إنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام؟ ففي مقام الجواب نقول: نعم النبي محمد (صلى الله عليه واله) رأى ربّه لكن رؤية قلبية وليست بصرية. وركزت الروايات على السماوات؛ لأن فيها ملكوت الله تعالى، وملائكته المختصة بشؤون مخلوقاته، وليس الله سبحانه بذاته موجود فيها؛ فهو سبحانه موجودٌ في كلّ مكان، وهذه عقيدة الشيعة الامامية فقط، بدليل الآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}(١). وجاء في التوحيد، بإسناده إلى محمد بن الفضيل قال: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أ مَا سمعت الله عز وجل يقول: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد"(٢). فالدليلان متعاضدان يؤديان معنى واحداً مفاده: نفي كون الله تعالى في السماء، ونفي رؤيته رؤية بصرية؛ لأنّه لو كان في السماء للزم أن لا يكون في الأرض، وهذا ينافي صريح آية (وهو معكم أينما كنتم). بل يلزم منه الجسمية والمحدودية، وهي خلاف وجوب الوجود. وهكذا لو أمكن رؤيته بصرياً للزم أن يكون جسماً، والجسم مركب من أجزاء، وبالتالي يكون محتاجاً لأجزائه، والاحتياج صفة المخلوقات وليس من صفات الخالق الغني المطلق. ويقول العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في تفسيره: "ثم أنّه لا بدع في نسبة الرؤية (وهي مشاهدة العيان) إلى الـفؤاد، فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشـهوديّ وراء الإدراك بإحدى الحواس الظاهرة والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة كما إنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى، وليــــست هذه المشاهدة العيانيّة إبصاراً بالبصر ولا معلوما ًبالفكر، وكذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع ونشم ونذوق ونلمس، ونشاهد أنّنا نتخيل ونتفكّر، ولــــيست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواس الظاهرة أو الباطنة. فإنّا كما نشاهد مدركات كل واحدة من هذه القوى بنفس تلك القوة كذلك نشاهد إدراك كل منّا لمدركها وليس هذه المشاهدة بنفس تلك القوة بل بأنفسنا المعبّر عنها بالفؤاد. كما أنّه ليس في الآية ما يدل على أنّ متعلّق الرؤية هو الله سبحانه وأنّهُ المرئيٌّ للنبي (صلى الله عليه وآله)، بل ما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) هــو الأفـق الأعلى والدنو والتدلي"(٣). وقد يشتبه قارئ القرآن بقرائته لقول الله تعالى: ﴿ولقد رآه نزلة أخرى﴾ بأنّ هذه الآية كررت رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) لربه مرة اخرى، إلاّ أنّ اشتباهه في غير محله، ولابد من الرجوع إلى التفاسير المعتبرة والاستضاءة بمراد الله سبحانه من كل كلمة في كتابه. جاء في تفسير :النزلة بناء مرة من النزول فمعناه نزول واحد، وتدل الآية على أن هذه قصة رؤية في نزول آخر والآيات السابقة تقص نزولًا آخر غيره [غير النزول الأول لجبرائيل على النبي عليهما السلام وعلى الآل الكرام]. فالنزلة نـزول جـبريل عليه (صلى الله عليه وآله) ليعرج به إلى السماوات"(٤). ولعل سؤال السائل انطلق من آية: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ ظناً منه أنّ منتهى السماء السابعة مكان يوجد فيه الله تعالى وهو ما يسمى بسدرة المنتهى ! لكن ظنه يمكن أن يؤدي به إلى نسبة الجسمية لله تعالى حينما يقول (عند سدرة المنتهى)، وهذا ضربٌ من ضروب الكفر بالله تعالى والعياذ به، بل روي "عن أبي جعفر الجواد عليهما السلام أنه قال: من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه"(٥). وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "أنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة"(٦). لذا نكرر ونقول: لابد من الرجوع إلى تفسير الآيات، وعدم أخذها على ظاهرها. جاء في تفسير الآية: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ حيث فسرت العندية بأنها "ظـرف للـرؤية لا للنزلة، والمراد برؤيته رؤيته [جبرائيل] وهو في صورته الأصلية. والمعنى: أنّه [جبرائيل] نزل عليه [النبي] (صلى الله عليه وآله) نزلة أخرى وَعــَرج به إلى السماوات وتراءى له (صلى الله عليه وآله) عند سدرة المنتهى وهو في صورته الأصلية. وقوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾ السدر فسر في الروايات أيضا بأنّها شـجرة فـوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم. وقوله: ﴿عندها جنة المأوى﴾ أي الجنة التي يأوي إليها المؤمنون وهي جنّة الآخرة"(٧). ___________________ (١) الحديد: ٤. (٢) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب الرؤية، ح١٧. (٣) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، سورة النجم. (٤) المصدر نفسه. (٥) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب الرؤية، ح١١. (٦) المصدر نفسه، ح٢٠. (٧) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، سورة النجم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ والصفوة الميامين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
4615

الغيث والمطر: لغة، وقرآنياً، واستعمالاً.

الفرق بين الغيث والمطر في اللغة: قيل في اللغة في مادة (غوث): "الغَوْثُ" يقال في النّصرة، و"الغَيْثُ" في المطر، و "اسْتَغَثْتُهُ" طلبت الغوث أو الغيث، و "فَأَغَاثَنِي" من الغوث، و "غَاثَنِي" من الغيث، و"الغيْثُ" المطر .(1) و(الغيث) ما كان نافعًا في وقته، وقِيل: "الغيث" المطر الآتي بعد الجفاف، سمي "غيثًا" بالمصدر لأن به غيث الناس المضطرين.(2) أما ما قِيل في اللغة عن مادة (مطر): "المَطَر" الماء المنسكب، وقيل إنّ "مطر" يقال في الخير، و"أمطر" في العذابِ.(3) و"المطر" قد يكون نافعاً وضاراً في وقته وغير وقته.(4) مصاديق الغيث والمطر في القرآن الكريم والفرق في استعمالها: اُستعملت مفردة (الغيث) في القرآن الكريم في موارد عدة: ١- بمعنى المدد على مستوى القوة والنصر كما في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (الأنفال: 9). ٢- بمعنى المدد لكن بالجانب السلبي كما في قوله تعالى:{...وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} (الكهف:29). ٣- بمعنى نزول المطر لسقي الحرث والنسل كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ...} (لقمان: 34). ٤- بمعنى امدادهم بالأمل بالحياة بعد أن أجدبت الأرض وانعدمت مظاهر الحياة فيها. كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } (الشورى: 28)، وهذا مرتبط باستشعار ولاية الله تعالى علينا من خلال معرفة أن الحياة بكل مظاهرها منه سبحانه، وبالتالي يرتب الانسان أثرًا، أي يكون بحالة حمد وشكر بالقول والعمل على ما ينشره تعالى من رحمة تمدنا بالتنعم بالحياة، فلا يقنط لعارض أو بلاء. ٥- تجسيد مَثل حسي لتقريب الصورة للأذهان حول تقلب احوال الدنيا وزوال زينتها ومُتعها كنزول المطر الذي يسقي الأرض ويَعجب الزرّاع ما زرعوا فينشغلون بما تثمر الأرض، مع أنها لابد وأن تزول بقطفها، أو يأتيها عارض فيزيلها. فالإنسان هكذا في انشغاله بزينة الدنيا مع أنها الى زوال؛ أما أن يفارقها باختياره أو عن عارض يصيبه، كما في قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (الحديد:20). أما استعمال مفردة (مطر) في القرآن الكريم: وفق استقراء الآيات الكريمة، تأتي بمعنى نزول نوع من العذاب والسخط على أقوام تلك الأماكن على أثر عنادهم، وكالتالي: 1- على أثر كونهم مجرمين، في قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (الأعراف:84). 2- هم يطلبون نزول العذاب على شكل مطر لكي يصدقوا! في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء...} (الأنفال:32). 3- على أثر عدم انتهائهم عن فعل السيئات، في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} (هود:82). 4- على أثر ظلمهم، في قوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} (الحجر:74). 5- على أثر عدم ايمانهم بالمعاد، في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} (الفرقان:40). 6- على أثر عدم انتفاعهم بالنذر وايذائهم للرسل من خلال محاولة اخراجهم من ديارهم وتكذيبهم، في قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}(الشعراء:173). وفي قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} (النمل:58). 7- على أثر جهلهم في التعامل مع الرسل وعدم تصديقهم لما به يوعدون، وفي قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأحقاف: 24). علمًا أن ما ذكرناه من فرق بين الغيث والمطر لا يمثّل القاعدة العامة، وإنما هو فرق غالبي في آيات القرآن الكريم. __________ (1) رابط ( http://iswy.co/e12j2j)، نقلاً عن: مفردات الراغب:617. (2) كذلك، نقلاً عن: التحرير والتنوير: 25/ 156. (3) كذلك، نقلاً عن: مفردات الراغب:770. (4) كذلك، نقلاً عن: القرطبي:16/ 29 . فاطمة الركابي

اخرى
منذ 5 سنوات
6160

من قوانين النجاح في حياة الإنسان

بقلم: زينة عبد الزهرة زاير حسين مع العزيمة والاصرار والانضباط يأتي التفاؤل وحسن الظن بالله، ليحقق في حياة الإنسان كل ما يرجوه من خير، وهذه الجملة النبوية الكريمة (تفاءلوا بالخير تجدوه) بها 672 قانون من قوانين نشاط العقل الباطن، قانون العقل الباطن أن كل شيء تفكر فيه يتسع وينتشر مع الوقت وعندما أتفاءل بالخير سأجده... سأجده من القوانين التوقع وقانون الانجذاب وقانون العودة وقانون الرجوع ... (سأجده) من القوانين ما يحقق لي ما أفكر فيه وأرجو إنجازه ... كل هذا داخل الإنسان (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) بداخلك التقدير الذاتي وتحقيق الذات والثقة بالنفس والمثل الاعلى الذاتي والقيم والاعتقادات والقدرات... إلخ. إن الله تعالى يقول (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) فليس تقويم الإنسان عادياً أنه أحسن تقويم أحسن بناء القدرات وبالإضافة اليها سخر له الكون وما فيه لخدمته يذكر أحد علماء النفس: أنه سمع إنساناً يكثر الشكوى من الفقر فقال له: إنك تملك الكون وما فيه ولا يستطيع أحد أن يمنعك من الاستمتاع بالطبيعة وجمال السماء وخضرة الحقول ... أراد أن يعلم الرجل أن مصدر الشكوى هي نفسٌ كئيبة لا ترى الجمال، كم تشتكي وتقول: إنك معدم *** والأرض ملكك والسماء والأنجم ولك الحقول وزهرها وأريجها*** وعبيرها والبلبل المترنم والماء حولك فضة رقراقة *** والشمس فوقك عسجد يتضرم فمشاعر الغنى والفقر مصدرها النفس... فكن جميلاً... ترى الوجود جميلاً... انظر في قدراتك ومواهبك وملكاتك التي أعطاك الله إياها، وحسّن فيها وحاول أن تكتسب المزيد مما تحتاجه مثل تعلم اللغات والمهارات التي تعينك على تحقيق هدفك. وانتبه جيدًا... بعد أن تحدد أهدافك الوسائل وتبدأ في خطوات التنفيذ لا تهتم إلا بعمل اليوم وواجب الوقت الحاضر، ولا تنشغل بما هو أبعد منه فيشغلك عن واجب اليوم ... بهذه الطريقة ستجد نفسك تصعد السلم درجة بعد أخرى... واحذر أن تنشغل بالماضي وما فيه من ضياع حظ وفوات رزق حتى لا تغطي سحبه على شمس يومك فتقف مكانك وأنت تعمل للمستقبل... احذر من هذا كل الحذر وافهم جيداً: إذا أخذت قرارك الواعي بالوصول إلى النجاح وحددت أهدافك ووسائلك وبدأت في التنفيذ بلا تردد وعزمت على الاستمرار وعدم التوقف، فأخلص التوكل على ربك ليحبك ويرعى لك مسعاك... ما أجمل هذه الآية الكريمة (فإذا عزمت فتوكل على الله أن الله يحب المتوكلين) ولا تأخذ من الماضي إلّا ما يزيدك عزما وإصراراً على العبور للمستقبل

اخرى
منذ 5 سنوات
1281

أميرة المؤمنات

بسم الله الرحمن الرحيم السلام على أم أبيها ومسند بنيها، وحامية شيعة زوجها وأبيها، السلام على فاطمة من مهد الحضارة، إلى موت الاحتضار، فهي الحضارة، وبقتلها كل العالمين احتضر، فهي الأميرة التي جمعت عاليها بدانيها، ودانيها بعاليها، فكانت هي باب الله الذي منه يؤتى... أميرة ليست كالأميرات لم تجلس على عرش الأمارة. ولم ترتدِ ملابس الأميرات، رغم أنها بنت خير البشرية، خير الأنام، زوجة اشجع الفرسان، وأم الائمة الكرام، وهذه الأميرة لم يراعوا حقها، لم يصونوا حجابها، رغم أنها لم تنازعهم على خزائن الدنيا وملذاتها، ولم تطلب شيئاً لها منهم، كأن الكون أصم... لم يسمع صوت فاطم وهي تنادي (وابتاه ومحمداه) شيئًا فشيئًا نقترب من الفاجعة الأليمة ... شيئًا فشيئًا نرى الظلام يحل في ذلك البيت الذي كان يسطع نوراً لأعنان السماء، يا ترى ما سبب هذا الظلام؟! ماذا حدث في هذا اليوم الحالك بالهموم؟! آه آه على بيت الوحي على أعتابه حطب وا أسفاه لبنت النبي… اليوم ألم الفراق يكابد قلب الحسنين، اليوم تصبح الحوراء حزينة ويتيمة، لوحدها لا تستطيع حمل هذا المصاب الفجيع... أن ترى ضلع أمها بالباب يكسر، وهي تنادي بأنفاس ثقيلة وصوت ضعيف: أيا فضة سنديني، فوالله قد اسقطوا جنيني، وترى القوم انتهكوا بيتهم، ولم يراعوا حقهم، ولم يرحموا حال الصغار حينما قاموا بحرق الدار… أما الوصي يا حزنُ فقد أطال مكوثه، فدمعه على الخد يراق، وكان الصوت يتردد وهي تقول: خلّوا عن ابن عمي... ما اسرع لحاقها بالرسول. ماذا أكتب أيها القلم؟ أ أكتب دموعًا وأشجانًا؟! أم أكتب آهات وأحزانًا ودمعات؟! أم أكتب لوعات ومصائب حلت بأهل بيت النبوة وموضع الوحي... اكتبي ولا تتردي، لإن كتبت عن أميرتك وسيدتك فأنني ارتقي لألوح أعنان السماء، وأنا أنثر أنقى الكلمات وأعطر الهمسات وأكون رقيقاً جداً كالتي كتبت في شأنها. اظن أنني سأكتب بك بالإشارة دون إمساكك، ولا اضغط عليك لأنك بذلك تنكسر كما كسر ضلعها، ومهما كتبت من أحرف وكلمات، وصغت فيها العبارات، فهذه الكلمات الممزوجات لا تستوفي حق الزهراء المزهرة في سماء الرحمة والعطاء، وما الرحمة إلا محمد (صلى الله عليه وآله) وما العطاء إلا هي وعلي (عليهما السلام): (إنا اعطيناك الكوثر)، فكانت هي كوثر النفس بالتنفيس عن هموم شيعتها ومحبيها، وكانت هي العقل الواعي في زمن الظلم والتدهور والتداعي، وكانت هي القلب القابل على الله بالنور والهداية، وكانت هي الروح الباقية من أمر الله تعالى، ولكن ما رعوها حق رعايتها، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولعن الله ظالميها من الآن إلى قيام يوم الدين. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
1088

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70042

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51064

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41255

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35540

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32476

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32167