لا تستغربوا.. واستمعوا قليلاً.. وستجدون أنَّ لهذا السؤال واقعاً.. لكن علينا أن نلتفت أوّلاً إلىٰ أنَّه ليس المقصود من الموت هي مفارقة روح الإمام لجسده وخروجه من الدنيا، كلَّا. فإنَّ من يقول بهذا الأمر الآن يُعتَبر كافراً بما ثبت عن رسول الله من أنَّه لا بدَّ من قيامه. فقد ورد عن رسول الله الأعظم أنَّه قال: «... المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً، لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتَّىٰ يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسىٰ بن مريم فيُصلّي خلفه، وتشـرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(1). بل لو مات الإمام، فهذا معناه أنَّ الأرض ستبقىٰ بلا إمام، وعندئذٍ لا يمكن أن تستمرَّ الحياة، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لو أنَّ الإمام رُفِعَ من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(2). إذن، نقصد من الموت هنا معنىٰ آخر. فكيف مات الإمام المهدي؟ لقد مات الإمام في قلب من لا يذكره. لقد مات الإمام في قلب من لا يعرفه. لقد مات الإمام في قلب من يتذكَّره عند المعصية فيتناساه. لقد مات الإمام في قلب من لا يقف حبُّه حائلاً دون المعصية. لقد مات الإمام في قلب من لم يُعرِّف أولاده بإمامهم. لقد مات الإمام في قلب من لم يجعل وقتاً خاصّاً لزيادة معرفته به. لقد مات الإمام في قلب من أنكره. لقد مات الإمام في قلب من يئس منه ومن ظهوره. لقد مات الإمام في قلب انشغل بحبِّ شهوي دنيوي وتناسىٰ آخرته. وهناك ألف قلب وقلب مات الإمام فيه! في رواية أبي سعيد الخراساني، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وسُمّي القائم لأنَّه يقوم بعدما يموت، إنَّه يقوم بأمر عظيم»(3). وفي رواية الصقر بن دلف، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، ولِـمَ سُمّي القائم؟ قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته»(4). هذه الرواية وأمثالها تدعونا إلىٰ أن نراجع أنفسنا، وأنَّه هل نحن فعلاً من الذاكرين للإمام القائم (عليه السلام) أم من الناسين له؟! وفي نفس الوقت تدعونا إلىٰ العمل علىٰ أن نكون من الذاكرين له في صلواتنا ودعائنا وصدقاتنا وجميع أحوالنا حتَّىٰ لا نكون ممَّن مات ذكر القائم في قلوبهم. فهل مات الإمام في قلوبنا؟! _________________ (1) كمال الدين للصدوق: 279 و280/ باب 24/ ح 27. (2) بصائر الدرجات للصفّار: 508/ ج 10/ باب 12/ ح 3. (3) بحار الأنوار للمجلسي 51: 30/ ح 6. (4) بحار الأنوار للمجلسي 51: 30/ ح 4. من كتاب على ضفاف الانتظار/ صفحة (24-27) الشيخ حسين عبدالرضا الأسدي
اخرىآية من السبع المثان، نُردِدُها في كل صلاة فريضة، كانت ام نافلة ،فلا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. فما هو الصراط المستقيم؟ وأي صراط ندعو الله أن يوفقنا ويهدينا اليه؟ الصراط لغة:-هو الطريق(١)، أو سبيل ومسلك(٢). وأما في علم التفسير، فقد فُسر الصراط في كتب الحديث وكتب التفسير بعدة تفسيرات، وذلك اعتماداً على رواياتٍ واردة عن اهل بيت العصمة والطهارة (عليهم أزكى التحيات والسلام)، منها: عن الامام أبي عبد الله(عليه السلام) قال: الصراط أدق من الشعر واحد من السيف، فمنهم من يمر عليه مثل البرق، ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر عليه ماشياً، ومنهم من يمر عليه حبواً، ومنهم من يمر عليه متعلقاً فتأخذ النار منه شيئاً وتترك منه شيئاً(٣). وعن رسول الله(صلى الله عليه واله)قال: إنه(اي الصراط)دين الله الذي نزل به جبرئيل على محمد(صلى الله عليه واله)(٤). فهو دين الله، أي الدين الذي لا يُقبل من العبد غيره. ولكن ما هو دين الله؟ الدين لغةً: الجزاء والمكافأة، فيقال كما تدين تدان، أو الطاعة(٥). وأما الدين اصطلاحاً فهو:-وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير بالذات(٦). أو هو:-مجموعة العقائد والمفاهيم والأحكام والأخلاق التي يحملها مذهب ومنهج معين(٧). وبما أن عقولنا -نحن بني البشر- قاصرة عن إدراك كل ذلك ؛ لأننا لم نصل إلى الكمال المنشود، والذي خلقنا الله لنصل إليه، فلابد من أن يكون هناك من يتكفّل ببيان الدين الحق(دين الله)؛ لأنه يستحيل على الله تعالى أن يتركنا بلا راعٍ، فيكون منافٍ للغرض من الخلق، وهذا يستلزم العبث على الله تعالى وحاشا لله ، ومن لطف الله بنا أن بعث لنا من وصلوا إلى اعلى مراحل الكمال الروحي والتقوى الكاملة، وهم الأنبياء والأوصياء، فهم معصومون منزّهون عن السهو والخطأ وارتكاب المعاصي -مع قدرتهم على ارتكابها- لكنهم يترفعون عن ذلك باختيارهم، فكانوا هم الصراط المستقيم الموصل الى الله تعالى ، والواسطة والوسيلة بيننا وبين الحق تعالى، وبالأخص هم اصحاب الكلمات التي ابتُلي الله إبراهيم (عليه السلام) بهن فأتمهن وجعلهُ بهن إماماً، هم (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(٨). ولو دققنا وتعمقنا أكثر في الروايات وفي كتب العامة والخاصة، لوجدنا ان الصراط المستقيم هو امام المتقين ومولى الموحدين ويعسوب الدين الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)،واليكم بعض الروايات التي تثبت ذلك: روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه واله) لعلي بن ابي طالب: انت الطريق الواضح، وانت الصراط المستقيم، وانت يعسوب الدين"(٩). وعن حماد عن ابي عبد الله(عليه السلام)في قوله الصراط المستقيم قال هو امير المؤمنين(عليه السلام)ومعرفته والدليل على انه امير المؤمنين قوله((وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم))(١٠). ومن هذا يتضح أن الصراط المستقيم هو الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) ورُب سائل يسأل: ألا يوجد تناقض وتعارض بين قولكم: الصراط المستقيم هو علي بن ابي طالب(عليه السلام) وبين قولكم: إنه جسر ادق من الشعر وأحدّ من السيف؟ الجواب: كلا لا يوجد تعارض، ويجيبنا على ذلك صادق العترة (عليه السلام)، فيما روي عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصراط؟ فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل، وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم"(١1). فربي اهدنا وعرفنا صراطك المستقيم ،والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سادات خلقه محمد واله الطاهرين. ................................. ١-لسان العرب: ابن منظور،ج٢،ص٤٣٠،مختار الصحاح: محمد عبد القادر،ص١٩١. ٢-معجم اللغة العربية المعاصرة: احمد مختار عمر،ص٢٩٩٧. ٣-تفسير القمي: علي بن ابراهيم،ج١،ص٢٩. ٤-تفسير فرات الكوفي: فرات بن ابراهيم،ص٥٢. ٥-مختار الصحاح، مصدر سابق،ص١٢٠. ٦-شرح المصطلحات الكلامية:٥٤٢. ٧-بداية المعرفة: حسن مكي العاملي،ص٢٢. ٨-انظر تفسير فرات الكوفي،ص٧٥. ٩-قادتنا كيف نعرفهم: محمد هادي الميلاني،ج٢،ص٢٠٨ نقلاً عن شواهد التنزيل. ١٠-تفسير القمي: مصدر سابق،ص٢٨. ١١- بحار الانوار: محمد باقر المجلسي،ج٨،ص٦٦. بقلم: الحوراء
اخرىشاء الله تبارك وتعالىٰ أن يجعل هذا القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية التي أنزلها للناس، فهو الدستور الذي يمكنه أن يأخذ بأيدي الناس عموماً إلىٰ الوصول إلىٰ السعادة الأبدية، وهذا الأمر يقتضي بطبيعته أن تتوفَّر في القرآن خصائص متعدِّدة تجعله بهذا المستوىٰ من الهداية وتوفير سُبُل الحياة الطيِّبة. وكان من أهمّ خصائصه، هو أنَّه متجدِّد مع الزمن، فرغم أنَّه نزل علىٰ صدر نبيِّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أكثر من أربعة عشـر قرناً، إلَّا أنَّ آياته ما زالت غضَّة طريَّة كأنَّها وُلِدَت اليوم، وما زالت نظرياته في مختلف المجالات الحياتية ثابتة لم تُنقَض، ولن تُنقَض أبداً. روي أنَّ رجلاً سأل أبا عبد الله (عليه السلام): ما بال القرآن لا يزداد عند النشـر والدراسة إلَّا غضاضةً؟ فقال: «لأنَّ الله لم يُنْزِله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كلِّ زمان جديد، وعند كلِّ قوم غضٍّ إلىٰ يوم القيامة»(1). وقيل لجعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): لِـمَ صار الشعر يُمَلُّ ما أُعيد منها، والقرآن لا يُمَلُّ؟ فقال: «لأنَّ القرآن حجَّة علىٰ أهل الدهر الثاني، كما هو حجَّة علىٰ أهل الدهر الأوَّل، فكلُّ طائفة تتلقّاه غضًّا جديداً، ولأنَّ كلَّ امرئ في نفسه متىٰ أعاده وفكَّر فيه تلقّىٰ منه في كلِّ مرَّة علوماً غضَّةً، وليس هذا كلُّه في الشعر والخُطَب»(2). وهذا يعني أنَّ كلَّ إنسان يمكنه أن يفتح صفحات هذا الكتاب العظيم، ليجد فيها من يروي ظمأه، لكن بشرطين أساسيين هما: الأوَّل: التأمُّل والتدبُّر فيه، وليس المرور عليه مرَّ الكرام, قال تعالىٰ: "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفالُها" (محمّد: 24). الثاني: الاستعانة الحصـرية بأهل البيت (عليهم السلام) في فهم آياته وكلماته، لأنَّهم الأعرف بما فيه، فهم أهل البيت، وأهل البيت أدرىٰ بما فيه. والذي يكشف عن هذا الأمر، هو حقيقة واقعية لا ينكرها إلَّا مكابر، وهي أنَّ التاريخ حفظ لنا وثائق مهمَّة، تؤكِّد وبكلِّ وضوح أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا بحاجة إلىٰ أيِّ أحد في تفسير وفهم القرآن الكريم، وفي نفس الوقت، كان الكلُّ محتاجاً إليهم في تفسيره وبيان خفاياه. روي أنَّه تزوَّج رجل امرأة من جهينة، فولدت له غلاماً لستَّة أشهر، فانطلق زوجها إلىٰ عثمان، فأمر برجمها، فبلغ ذلك عليّاً، فأتاه فقال: «ما تصنع؟»، قال: ولدت غلاماً لستَّة أشهر، وهل يكون ذلك؟ فقال عليٌّ: «أمَا سمعت الله تعالىٰ يقول: "وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً" [الأحقاف: 15]، وقال: "وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ" [البقرة: 233]؟ فكم تجد بقي إلَّا ستَّة أشهر؟»، فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، عليَّ بالمرأة، فوجدوها قد فُرِغَ منها، وكان من قولها لأُختها: يا أُخيَّة، لا تحزني، فوَالله، ما كشف فرجي أحدٌ قطُّ غيرُه. قال: فشبَّ الغلام بعد فاعترف به الرجل، وكان أشبه الناس به...(3). فقد ذهبت هذه المرأة مظلومة، مغضوباً علىٰ من حكم برجمها جهلاً، ولو رجعوا من بداية الأمر لأمير المؤمنين (عليه السلام) لأعطاهم الحلَّ ناجعاً. ___________________ (1) عيون أخبار الرضا للصدوق 1: 93/ ح 32. (2) المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيَّة الأندلسي 1: 36. (3) سبل الهدىٰ والرشاد للصالحي الشامي 11: 289. من كتاب قطاف شهر رمضان/ صفحة (99-102) الشيخ حسين عبدالرضا الاسدي
اخرىما هو العيد؟ هل هو بلبس الثوب الجديد؟ أم بالاختلاط المحرم؟ أم بالذهاب إلى أماكن المعصية والغفلة بحجة الترفيه؟ العيد –عيد الفطر- هو احتفال بمناسبة، وهو أول يوم يأتي بعد شهر النور وموسم البركة. أول يوم يأتي بعد ثلاثين يوماً من تلاوة كتاب الله العزيز. ثلاثون ليلة والمؤمن يدعو : اللهم إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة تُعزُّ بها الإسلام وأهله وتُذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. ثلاثون ليلة يردد (اللهم إنّي أسألك من بهائك بأبهاه) وهذه المضامين العالية الواردة في أدعية أهل البيت (عليهم السلام) تشحن الروح برفع سقف الطموح والطلب من رب العالمين . ويأتي العيد بعدها... ولو تأملنا في أهم الأعمال الواردة فيه والتي هي: 1- إخراج زكاة الفطرة: وهي درس بليغ في التكافل الاجتماعي. 2- صلاة العيد وخطبتيها: وهي الأخرى عمل جماعي. 3- قراءة دعاء الندبة: وهنا المؤمن يعيش حالة الحزن والأسى والهم لفقد إمام زمانه وهو يتضرع إلى الله: فأغث يا غياث المستغيثين عبيدك المبتلى، وأره سيده يا شديد القوى وأزل عنه به الأسى والجوى .... فكيف يُزال الأسى؟ بالركون والهدوء؟! أم بالعودة للمعاصي والذنوب؟! إذن العيد هو الانطلاقة بعد التعبئة المادية والمعنوية التي حصل عليها الصائم من شهر الخير، والعمل حينها لا بد أن يكون على محورين: الأول: أن يحافظ المؤمن على المكتسبات الروحية التي حصل عليها في شهر النور. الثاني: الانطلاق للعمل الحثيث والدؤوب على الإصلاح والتمهيد لدولة العدل المقدس. فهل ما يفعله الكثير منا متوافق مع هذه الحقيقة! فهل يصح ان يكون العيد يوم غفلة ولهو بل يوم التعدي على الحرمات والحدود الإلهية بحجة أنه عيد! بقلم: تقوى القلوب
اخرىأيقونة الجمال الإلهي التي تترجم المثول لأمر الله تعالى والانقياد لحكمه وطاعته، وقصة يستسيغها الغيارى، أنا حشمة الفاضلات العفيفات، وقلادة الفخر على جيد الحرائر، اللاتي اتخذنَ من خطى السيدة الزهراء في حياتهن منهجاً وطريقاً أنا لحن الحياة برضا الله (عز وجل) وكل من يرمقني يزداد ثقة بأنني نبض العقيدة الحقة وأنني الشرف المنيف... أما البعض، فيرمقني بنظرة ازدراء، كأنني ولدت من لا شيء... يتناسون أنني ولدت من رحم الحقيقة وماذا بعد، يتخذونني هزوا وينعتون كل من يباهي بي (بالسذاجة والتخلف) يعتبرون التغني بأمجادي رجعية ويصفونني بالإرث القديم، رغم أن مقتهم لي هو عين التخلف! يدّعون الحذاقة وهم للغباء أقرب! فمن ذا الذي يبدل نعمة الرب لأجل الدنيا! وهي دنيا! أنا سورة النور وأسورة يخيل إليك أنها من حلي الجنان! وجل خُرزاتها حياء وكبرياء! وأي فخر بعد رضا الله تعالى ترجو منْ راعت الله في حجابها، وتكملت وتجملت بستر الصالحات من المؤمنات… انا حجاب المرأة الملتزمة… بقلم: رشا عبدالجبار
اخرىعندما نشاهد في زماننا -ونحن في عصر غيبة إمامنا الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف- الظلم والاضطهاد والفساد والإفساد بمختلف أشكاله وتمظهراته وتكالب الفتن علينا وما تستتبعه من الهبوط في الهاوية وانزلاق كثير من الناس فيها ووقوعهم في شراكها ، مضافا إلى الحروب التي لا تنتهي والتي أصبح لها أشكال متنوعة وما تخلفه من الآلام والقتل والتشريد يطرح على أذهان بعض الناس تساؤل حول الحكمة من عدم بعث الله تعالى للأنبياء والمرسلين واوصيائهم لكي يخلصونا من هذه المحن العصيبة، فقد ورد في الروايات أن عدد الأنبياء الذين بعثهم الله في الأزمنة الغابرة مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ورسول ، فضلا عن أوصيائهم وخلفائهم مع أن البشرية كانت أقل عددا و أضيق موطنا؟ ! وللجواب هذا التساؤل وحل هذه الاشكالية نذكر جملة من الأمور توضح المغالطة التي وقع فيها السائل وتعالجها : الأول : إنّ الغاية من بعث الرسل والأنبياء هي هداية البشر وإلقاء الحجة كما في قوله تعالى (( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما )) ، فالغاية الأساسية لبعثهم هي البشارة بالثواب والإنذار من العقاب الذي يلزمه الهداية واتمام الحجة على البشر بعد حجة العقل الذي هو الرسول الباطن . الثاني : صريح الكتاب العزيز يؤكد على عدم خلو أمة من نذير فقد جاء في قوله تعالى ((وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)) فاطر/24 ، وهذا يفسر لنا كثرة الانبياء والرسل في العصور الغابرة لتشتت الأمم وتباعد مواطنها في أصقاع مترامية على سطح المعمورة ، مما يجعل التواصل معدوماً غالباً فيما بينها ، فليس المعيار على كثرة الناس وإنّما على ابلاغهم الحجة ووصولها إليهم ، وفي الأزمنة القريبة العهد من زمن الرسول صلى الله عليه وآله وزمان المعصومين عليهم السلام لم تبق أمة لم تصلها الحجة ولم تبلغها الرسالة فضلاً عن زماننا. الثالث : تبيّن أن ليس المعيار على كثرة البشر في تعدد الأنبياء ، بل على بلوغ الحجة ، وكذلك أن لا حجة -الآن وفي أي زمان - لأي أمة على الله عز وجل . الرابع : إنّ وقوع الفساد والافساد والفتن وسفك الدماء ...إلخ ، واقع بقدم تاريخ البشرية من زمن نبي الله آدم عليه السلام وشيطانه إلى زمن نوح عليه السلام وطوفانه إلى زمن ابراهيم عليه السلام ونمروده إلى زمن موسى عليه السلام وفرعونه إلى زمن رسولنا الأكرم صلوات الله عليه وآله وقريشه وسقيفتهم وإلى زمن الإمام الحسين عليه السلام ويزيده حتى يمتد إلى يوم القيامة ، فليست مهمتهم (عليهم السلام ) منع وقوعه، فالدنيا دار ابتلاء وامتحان - خصوصاً مع عدم قدرتهم -وإنما ارشاد الناس وهدايتهم وإلقاء الحجة عليهم. الخامس : إنّنا نعتقد أنّ الحجة في زماننا – الغيبة الكبرى - والهادي لنا هو الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، فهو غائب مستور وغيبته لا تمنع من الانتفاع بوجوده المبارك كما ورد في الحديث الشريف عنه صلوات الله عليه (وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحابُ) كمال الدين /الباب 45/ص485. السادس : إنّ الإمام عليه السلام قد خط لنا طريقاً رابطاً بالمشروع المحمدي صلوات الله على صاحبه وآله ، وهو الرجوع إلى الفقهاء العدول العالمين بالأحكام والمطلعين على مداركها من الكتاب والسنة ، فجعلهم حجة علينا ونصّبهم للقضاء وللبت في الحوادث الواقعة ، فقد جاء في التوقيع الشريف ( وأمّا الحوادث الواقعة ،فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم) كمال الدين /الباب 45 /ص484 . فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف ، وبيان الأحكام ، ودفع الشبهات ، وهداية الناس لما فيه صلاحهم وخيرهم في العاجل والآجل . فهذا هو منهج أئمة أهل البيت عليهم السلام وهذه هي طريقتهم ، فلم تنقطع عنّا سبل الهداية ولم نٌعدم طريقها ، وظهر لنا تجلّي لطف الله فيهم إلى يوم القيامة. بقلم الشيخ مصطفى الفرهود
اخرىتتعدد أساليب الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى الله تعالى المذكورة في القرآن الكريم بتعدد الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل أمة من الأمم ، وفي حقيقة الأمر فإن كل أسلوب من هذه الأساليب تعتبر منهجاً متكاملاً في الحياة من خلال دراسة تلك الظروف والخروج بمحصلة من النتائج المهمة، والتي توضح لنا مبادئ قرآنية ثابتة ومفاهيم يجب معرفتها عند ربط الآيات القرآنية بعضها مع البعض الآخر ، ومن هده المفاهيم القرآنية المهمة: مفهوم الاعتزال. وقبل أن نشرع ببيان هذا المفهوم بالتفصيل، سنمر بنظرة سريعة لأنواع الاعتزال في القرآن ، ورد الاعتزال في القرآن الكريم بثلاث صور بحسب استقرائي البسيط لآيات القرآن الكريم وهي: 1- اعتزال النساء في المحيض في قوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/222). 2- اعتزال الأقوام المعاهدة مع المسلمين في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) (النساء/90). 3- اعتزال الأنبياء والأولياء لأقوامهم الكافرة، وهو المفهوم القرآني الذي أودّ الحديث عنه ، فقد ورد ذكره في عدة آيات من القرآن الكريم، وتوضح هذا المفهوم القرآني من خلال ترتيب الأحداث في الآيات والسياق القرآني لها . والاعتزال في اللغة هو: التنحّي عن الشيء ، والاعتزال عن الناس: الابتعاد عنهم وتركهم. وقد يتبادر للأذهان هذا السؤال : هل يعقل أن يكون الاعتزال أسلوباً من أساليب الدعوة إلى الله تعالى بالنظر إلى ما للاعتزال من انهزامية وتقهقر بعكس ما تتطلبه الدعوة إلى الله جل جلاله من الإقدام والصبر على تكذيب ومعاندة الكافرين ؟! والجواب ببساطة شديدة: نعم، فإن جميع الأديان والرسالات السماوية هي حركية ومعطاءة ولا مجال فيها للسلبية والانهزامية، وكما أشرنا سابقاً فإن أساليب الدعوة إلى الله عز وجل متعددة ومختلفة باختلاف أوضاع الأمم، فاتخذت صوراً من النصح والإرشاد والجدال والمناظرة والاستفهام الاستنكاري والترغيب والترهيب والتأييد الإلهي بالمعاجز حتى ينتهي الأمر بأسلوب اعتزال الكفار، وهو لربما يكون في الغالب آخر أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله تعالى، وأحيانا قد يتقدم أو يتأخر أسلوب الاعتزال عن بقية الأساليب الأخرى، فعامل التوقيت هو الفيصل في نجاح هذا الأسلوب بحسب كل نبي وطبيعة قومه والظرف المرحلي الذي تمر به الأمة ووعي الرعية وسياسات الطغاة تجاهها، فهو -أي الاعتزال- حلقة من سلسلة حلقات مترابطة وممنهجة في الدعوة إلى الله جل وعلا . وبكلمة أخرى: فإن أسلوب الاعتزال لا يتصدر أساليب الدعوة بل قد يأتي بعد جملة من تلك الأساليب بعد أن يستيئس الرسل من صلاح أقوامهم ، وهنا تمر علينا التفاتة رائعة من خلال المصطلح القرآني (الاستيئاس) الوارد في قوله تعالى (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) (يوسف/110) ويقصد بالاستيئاس هنا: أن الرسل قد بذلوا كل ما في وسعهم ولم يدّخروا جهداً من طاقاتهم البشرية في تبليغ الرسالات، ولا زالت أقوامهم بعيدة كل البعد عن جادة الصواب ومنحرفة عن الشرائع الإلهية والنواميس الطبيعية، وهنا يعبر القرآن بـ (استيأس الرسل) أي استيأسوا من صلاح أقوامهم . وهنا قد يتساءل البعض : هل يمكن اعتبار مرحلة استيئاس الرسل هي مرحلة يأس واستسلام؟ فنقول: كلا ، لا يجب على المؤمن العادي أن يستسلم لليأس بعد الاستيسئاس، فكيف بالأنبياء المعصومين عليهم السلام ، لأن اليأس قد يدفع بالإنسان الجاهل إلى الاعتراض على عدالة الله تعالى وحكمته في توزيع الابتلاءات على بني البشر، بعكس الاستيئاس الذي وضحنا معناه سابقاً من أن الرسل قد استيئسوا من صلاح العباد لا من رحمة رب العباد، لأنه (...... وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف/87) ، وبعد أن يصل الرسل لمرحلة استيئاسهم من صلاح الأمم بعد جملة من أساليب الدعوة والتبليغ وإصرارهم على الكفر والمعاندة والاستكبار، تتدرج هذه الأساليب لتصل في نهاية المطاف إلى مرحلة الاعتزال أو المقاطعة، وهو ليس بالأسلوب السلبي كما يظنه البعض، بل إنه أسلوب قوي للتعبير عن شدة غضب الأنبياء والرسل ورفضهم لعبادة الأصنام والشرك بالله تعالى وإقامة الحجة عليهم، ولإفساح المجال لهم للإيمان بالله تعالى. وجميع ذلك من رحمة رب العباد بهم. ولتقريب الفكرة: يمكننا تشبيه مفهوم الاعتزال في الوقت الحاضر بالمقاطعة، ولا يخفى تأثيرها وتبعاتها، كسياسة قطع العلاقات الخارجية مع دولة معينة، أو مقاطعة منتجاتها على تلك الدولة كما حصل في مقاطعة المنتجات الدنماركية إثر الإساءة لرسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه واله) حيث أتت المقاطعة بنتائج مذهلة، حيث سببت للدنمارك تخلخلاً اقتصادياً، إضافة إلى سقوط مكانتها في الأوساط العالمية المتشدقة _ولو ظاهراً_ بالحرية واحترام حقوق الانسان. وبالإضافة إلى ما ذُكر، فإن اعتزال الرسل للكفار يعتبر تعويضاً إلهياً للأنبياء والرسل على جهودهم في الدعوة وتبليغ الرسالة، فنرى دائماً في آيات اعتزال الأنبياء والصالحين للكافرين أنها تعقبها آيات تُبيّن كيفية اشتمال الرحمة الإلهية لهؤلاء المرسلين والهبات الربانية العظيمة كمكافأة لهم، وباستعراض سريع لتلك الآيات يتوضح جيداً هذا المفهوم. فقد ورد في سورة مريم عن لسان نبي الله ابراهيم عليه السلام (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا . فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا.) (مريم/48- 49) وما أجمله من تعويض إلهي بأن رزقه ذرية جميعهم من الأنبياء. ولعل النكتة في هذه الآية بأنْ ذكرت ابنه النبي إسحق (عليه السلام) وحفيده النبي يعقوب (سلام الله عليه) دون ذكر ابنه النبي إسماعيل (عليه السلام) هو لكون إسحق ويعقوب (عليهما السلام) كانا تحت كنف النبي إبراهيم (عليه السلام) وكان يستأنس بهما بعد أن رزقه الله الذرية على كبر ، وأن إسماعيل (عليه السلام) كان بعيداً عنه في قصة مشهورة . وورد أيضا مفهوم التعويض الإلهي لاعتزال الصالحين للكافرين بشكل جلي في قصة أصحاب الكهف في قوله تعالى : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) (الكهف/16) لاحظوا معي التعويض الإلهي لأشخاص عاديين وليسوا بمعصومين، وصفهم القرآن بـ (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) فرفضوا الشرك والكفر وعبادة الأصنام وتحمّلوا النصب والعذاب في سبيل إعلاء كلمة التوحيد، فشملتهم رحمة ربانية عظيمة بأن جعلت منهم معجزة لجميع العصور في قصتهم المعروفة لمن أراد التفكر والتدبر والتأمل . وفي التأمل في سياق بعض الآيات الكريمة المتفرقة وجمعها وتفسيرها، نجد مفهوم الاعتزال واضحاً في قصة النبي موسى (عليه السلام) عندما اعتزل قومه أربعين ليلة لإتمام ميقات ربه، فكانت هبته الإلهية بأن أُنزلت عليه الألواح وفيها الموعظة والتفصيل من كل شيء . وفي قصة اعتزال النبي نوح (عليه السلام) لقومه بوحي من الله عز وجل وانشغاله ببناء السفينة التي كانت هي السبيل في نجاة المؤمنين جميعاً وهلاك الكافرين جميعاً. وكذلك اعتزال رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه واله) لقريش في غار حراء تعبيراً عن رفضه للكفر وعبادة الأوثان والعادات الجاهلية المقيتة، فكان التعويض الإلهي من أعظم ما عُوض به نبي أو رسول أو ولي في مفهوم الاعتزال ،حيث حباه الباري عز وجل برحمته وحُبِّه فأصبح حبيب الله ونبيه بوحي الرسول الأمين في أعظم كلمة ابتدأ بها أي دين سماوي آخر (اقْرَأْ) ولعمري لهو من أعظم التعويضات الإلهية، حيث لم تشمل الرحمة الرسول محمد (صلى الله عليه واله) فقط، بل امتدّت لتشمل البشرية على مرّ العصور باتّباعها لهذا الدين القويم والإيمان بالنبي العظيم والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين . بقلم : عبير المنظور
اخرىبينما كانت مُسنِدةً رأسها على ذراعي كنتُ أفرِّق خصلات شعرها الناعم بين أصابعي ثم أجمعها، يروق لي تحسس جمال نعومته الذي أضفى الى لونه الفاحم جمالاً آخر، كما تأسرني نظرات عينيها وهما تلمعان ببراءة الطفولة... لطالما كنتُ أهمس في أذنها صوتاً لا يسمعه إلا قلبي المكلوم: بُنيتي إياكِ أن تكبري، ابقي صغيرةً كي لا تقتحمي معترك الحياة التعيسة، ولا تُصدمي بوحشية بعض البشر، وأنانية البعض الآخر، ولا يؤرقكِ همٌ، ولا يُبكي عينيك فقدٌ، ولا يؤلم قلبكِ حزنٌ، وبينما كنتُ في الجانب المظلم من الحياة أُحيطُ ابنتي العزيزة بنسيجٍ من الخوف نسجتُه من خيوط آلامي بإبرة آهاتي مطرزاً بالقلق والوجل ومزيناً بفقدان الأمل، وإذا بنبرات صوتها الملائكي الهادئة تمزق ذلك النسيج المظلم بسؤالها المشرق: أماه ماذا تحلمين أن تكوني عندما تكبرين؟! أعجبني سؤالها، ولطالما كانت كذلك طفلتي نبهةً ذكيةً، ما إن تستمع الى مفردة حتى تفتش عن معناها، وما إن يحوم حول خاطرها سؤال حتى تسرع إليّ متلهفة للإجابة. نقلني سؤالها للحظة من عتمة الحياة إلى الخيال الزاهي والأحلام الوردية، ولكن لم يَطُل بي الأمد، فقد تذكرت سريعاً أني أصبحت في الرابعة والثلاثين من عمري، فأي مستقبل أنتظر؟ وبأي حلم يحلِّق قلبي؟ كما اعتدنا أن نفكر هكذا. فأجبتها: عزيزتي، لكل منا أحلام يسعى الى تحقيقها، وحلمي أن تصبحي طبيبة لتعالجي الفقراء من المرضى الذين أضحوا سلعةً رائجةً يتاجر بها معظم الأطباء، بل ويبرمون حولها صفقاتهم التجارية دون رحمة بهم أو رأفة أو إنسانية... ولكنها لم تكتفِ بإجابتي، وقالت: أماه أنتِ ماذا ستصبحين؟ أنتِ بماذا تحلمين؟ سبق ألمي تفكيري بالإجابة واسترسلتُ قائلةً: أما أنا يا حبيبتي، فقد سُرِقت أحلامي في هذه الحياة الدنيا، ولكن أملي بالله (تعالى) كبير أن أحقّق أحلامي في الآخرة، رضاه والجنة. سألتني وبكل براءة: أماه ومن هو سارق الأحلام؟؟ وبينما أنا أُفتِّش عن السارق وإذا بذاكرتي قد أمطرتني بوابلٍ من الصور السقيمة والمواقف الأليمة التي حُفِرت في ذاكرتي عن أحداث مرّت بي وبمن يهمني أمرهنّ من قريباتي وصديقاتي. والتي غُرِست في قلبي فصار ينبض ألماً لا دماً.. وأثمرت في واقعي أسىً وهماً، وصيّرتْ حياتي حزناً وندماً، فصورةٌ لظروفٍ قاسيةٍ تحيط بالمرء وتحجزه عن نيل مناه، وصورةُ لمخادعٍ كانت عفوية وبراءة بعض الناس معه جوازه في مصادرة حلمهم، وصورةٌ لأفكار أتُبِعت ولم تكن صائبة، وصورة لأناس يروق لهم دس المعلومات الكاذبة، وصورةٌ لأناس قدّموا النصيحة الخاطئة، وصورةٌ... وصورةٌ... وصورةٌ... وبينما أنا أغرق في صور الجُناة، الذين أحالوا أحلامنا الى رُفات، وإذا بطفلتي قد نامت بعد أن يئست من الإجابة على ما يبدو، فهممتُ بأن أضعها في وضع مريح بكل هدوء لكنها صرخت ألماً، قلقتُ عليها سائلة: صغيرتي ما بكِ؟ أجابت: أماه لقد جُرِحت يدي، وأنا أحاول إتمام بعض الأعمال اليدوية، سامحيني يا أمّاه لأني لم أستمع الى كلامك وأكفّ عن المحاولة، فرغبتي في إتمامها كانت كبيرة جداً، سألتها: وهل أكملتِها يا حبيبتي؟ أجابت: نعم، إنها على الطاولة. أسرعتُ الى الطاولة أقلِّبُ زهرية طفلتي التي صنعتْهَا بيديها الصغيرتين، ولكن بنفسٍ طموحةٍ، وروحٍ صبورة، ٍفوجدتُها من أبهى الأعمال، تسرُّ الأنظار وتمتِّعها بما تركت عليها من بصمات الإبداع والجمال... حينها فقط أدركتُ أننا نحن من نُفرِّط بأحلامنا؛ حين نُريح أنفسنا من همِّ التفكير ونعفي عقولنا من الإصرار على المحاولة والتغيير، متّهمين سوانا بسرقة أحلامنا... بل ويبرمون الآخرين على ذلك كأبنائنا مثلاً فننتزع منهم روح العزيمة والإصرار... وعليه فمن يدّعِ سرقة أحلامه إما أنه لم يكن جادّاً في حلمه بها، فأهمل سلوك سبيل الوصول إليها، ولم يحرص على السعي للحصول إليها، وأما أن يكون جادّاً في حلمه بها ولكنه ضَعُفَ عند أولى العوائق التي اعترضت سبيله، واستسلم عند أدنى العراقيل التي حالت بينها وبينه. وإلا فالإنسان الذي يروم تحقيق حلمه حقاً لا يكفُّ أبداً عن المحاولة، ولا يتوقف قط إلا بعد تجريب كافّة الطرق الممكنة.. فلقد وهبنا الله (تعالى) تلك الجوهرة السامية (العقل) التي بها بلغ الإنسان القمر، فعجباً كيف يُقنع نفسه بعجزه عن بلوغ أهداف هي أدنى من ذلك؟! بل إن بعض العراقيل قد تؤثر في الحلم إيجاباً لو صحّ التعامل معها، فتجعله يتحقق بأفضل الاحتمالات وأعلى الدرجات، كالطائرة الورقية التي لا تزيدها سرعة الرياح المعاكسة وقوتها إلا علواً وارتفاعاً. إذن ليس من يسرق الأحلام هو خداع الآخرين وأنانيتهم، أو سوء الظروف وقساوتها، وإنما عدم حكمة بعض الحالمين أنفسهم، وضعف إرادتهم، وكسلهم عن الوصول اليها، وتقاعسهم عن الدفاع عنها... ومن المفاهيم المغلوطة في مجال الطموح وتحقيق الأحلام، والتي يتمسك بها البعض هروباً من المواجهة، وركوناً الى الراحة، هو: مايروق للبعض أن يسميه توكلاً. وما هو في الحقيقة إلا تواكل؛ لأن التوكل على الله (تعالى) لا يكون إلا بعد السعي إلى المطلوب، وتهيأة الأسباب للوصول إلى الأمر المرغوب، وتمهيد السبيل ما أمكن لبلوغ المحبوب، ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال للرجل الذي سأله قائلاً: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل"(1)، أي قم بواجبك المتمثل في تهيأة المقدمات اللازمة والأعمال الواجبة ومن ثم توكل على الله (تعالى). إذن فلتحقيق أحلامنا لابُدَّ أن نعلمَ أن لا مستحيل إلا بعد استنفاذ كافة الطرق المتاحة وتجربة كل سبيل، وما أروع أن نُحيي في داخلنا ذلك الطفل الجميل، الذي شوّهته الأفكار البالية والمعتقدات الفاسدة.. أَوَ لم نُصرَّ في صغرنا على تعلم المشي رغم كل ما لحقنا من كدمات؟ ورغم كل ما آلمنا من سقطات؟ حتى تمكنّا منه، بل ولم نكتفِ به بل نزعنا إلى الأفضل ونجحنا في تعلم الركض بكل إصرار وثبات؟! فما بالنا عندما كبرنا خسرنا تلك الهمة والعزيمة، وركنّا الى التهاون والكسل، وسكنّا الى التردد والوجل؟! فلم نحصد نتيجة ذلك سوى الألم والحزن، والتحسر والشجن، وصاحبَنا الندم على ما فرطنا، ورافقتْنا الحسرة على ماخسرنا... وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن الله تعالى قد لا يحقّق بعض أحلامنا رعاية لمصالحنا أو لحكمة هو يعلمها، فما علينا في هذه الحالة إلا الرضا بقضائه وقدره طالما أننا بذلنا كل جهدنا وقدمنا كل ما في وسعنا .... على المرء أن يبذل قصارى جهده وليس عليه أن يكون موفقا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مشكاة الأنوار ج1 ص245 بقلم: رضا الله غايتي
اخرىيُروِّج أعداء الإسلام إلىٰ فكرة ضدِّ القرآن الكريم والإسلام مفادها: أنَّه ليس في الإسلام اقتصاد، وأنَّه لم يتعرَّض القرآن الكريم لبحوث اقتصادية، وهذا يُعتَبر نقصاً فيه. وهذا كلام ليس واقعياً أبداً، ويكشف عن جهل المتحدِّث به بالقرآن الكريم، فإنَّ التدبُّر في آيات القرآن الكريم وقوانين الإسلام يكشف لنا عن اقتصاد متكامل يحلُّ المشكلة الاقتصادية الإنسانية من أصلها، وسنذكر بعضاً قليلاً من قوانينه في هذا المجال. ففي مجال أساس المشكلة الاقتصادية لا يعتبر الإسلام أنَّ الأساس فيها هو التناقض المستمرُّ بين زيادة البشـر ونقص الموارد الطبيعية - كما تقول الرأسمالية -، ولا يعتبر الأساس فيها هو التعاكس بين قطاعي الإنتاج والتوزيع - كما تقول به الماركسية الاشتراكية -، بل يعتبر أساس المشكلة ومفتاح حلِّها هو الإنسان، قال تعالىٰ: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ 32 وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ 33 وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 32 - 34). ويُقرِّر الإسلام ثلاثة أنواع للملكية: عامَّة وخاصَّة وملكية الدول، وهذه الأنواع كلُّها تُعبِّر عن حالة طبيعية في الاقتصاد الإسلامي، لا كالرأسمالية التي تعتبر الملكية العامَّة شذوذاً، ولا كالماركسية التي تعتبر الملكية الخاصَّة شذوذاً، ومع هذا فإنَّ القرآن الكريم يعتبر ملكية الإنسان - علىٰ اختلاف أنواعها - ملكية اعتبارية، فالملكية الحقيقية هي لله تعالىٰ، قال تعالىٰ: (وَلِلهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَإِلَىٰ اللهِ الْمَصِيرُ) (النور: 42)، وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا المعنىٰ. وما دام الملك لله تعالىٰ فإنَّه قد كلَّفنا بحقوق معروفة في الشـرع الإسلامي، ومن تلك الحقوق: الإنفاق في سبيل الله تعالىٰ، قال تعالىٰ: (يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 254). وقال تعالىٰ: (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد: 7). وقال تعالىٰ: (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ...) (النور: 33). وروي أنَّه قال الإمام الصادق (عليه السلام): لعيسىٰ بن موسىٰ: «يا عيسىٰ، المال مال الله، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً، ويشـربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، وينكحوا منه قصداً، ويركبوا منه قصداً، ويعودوا بما سوىٰ ذلك علىٰ فقراء المؤمنين...»(1). إنَّ الإسلام يصبغ اقتصاده بصبغة واقعية تتلاءم مع طبيعة الإنسان، فلا يأمره بترك المادّيات مطلقاً، ولا يأمره بترك الروح مطلقاً، بل (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77). كذلك فإنَّه يُؤطِّر اقتصاده بالأخلاق، وبتقديم المصلحة العامَّة علىٰ المصلحة الخاصَّة، فيما لو تعارضتا، (فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام)(2). ثمّ إنَّ لدىٰ الإسلام في مذهبه الاقتصادي موارد ماليةً يروي بها خزينته، وهي باختصار: الموارد الطبيعية من أراضٍ وأنهار وعيون وآبار وعناصر وغيرها من الموارد الطبيعية، والخمس، والزكاة، والخراج، والجزية. وبعد هذا جاء الإسلام بقوانين اقتصادية تُنظِّم الحياة الاجتماعية وتُنعِش الحركة الاقتصادية وتحلُّ المشكلة الإنسانية ، يقول تعالىٰ: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ...) (البقرة: 275)، ويقول تعالىٰ: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (المطفِّفين: 1). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «المحتكر ملعون»(3)، وقال: «من جمع طعاماً يتربَّص به الغلاء أربعين يوماً فقد برئ من الله وبرئ الله منه»(4). وقال تعالىٰ { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ...النساء 29 } . وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «تعرَّضوا للتجارة، فإنَّ فيها غنىٰ لكم عمَّا في أيدي الناس، وإنَّ الله يُحِبُّ العبد المحترف الأمين»(5). ____________________ (1) أعلام الدين للديلمي: 269. (2) راجع: الكافي للكليني 5: 294/ باب الضرار/ ح 8. (3) عوالي اللئالي للأحسائي 2: 242/ باب المتاجر/ ح 3؛ مستدرك الحاكم 2: 11. (4) بحار الأنوار للمجلسي 59: 292. (5) الخصال للصدوق: 621/ حديث أربعمائة. من كتاب/ قطاف شهر رمضان/ صفحة (١٠٢ـ ١٠٤) الشيخ حسين عبدالرضا الاسدي
اخرىكثيرا ما عرض على أذهان البعض التساؤل القديم الجديد حول صلح الإمام الحسن عليه السلام وثورة الإمام الحسين عليه السلام، حتى أصبح من الجدليات المتداولة والتي تجد صداها عند بعض النفوس . فترى من يميل بطبعه إلى الاستسلام والدعة يتساءل لِـمَ ثار سيد الشهداء ولم يقتد بأخيه الحسن السبط عليهما السلام؟ ومن يميل إلى الثورة والصراع يكيل الاتهامات ويوجهها على الصلح الذي عقده الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ويحاكم بنزعاته وما يرغب به السبط المظلوم الحسن الزكي عليه السلام، وكأن الإمامين عليهما السلام لا بد أن يفعلا بما يرغب به هذا الشخص أو ذاك. متناسين قول المصطفى (صلى الله عليه وآله) في حقهما، وأنهما إمامان قاما أو قعدا، وكذلك ما خُصّا به عليهما السلام من العصمة الإلهية بأعلى مراتبها، وأيضا متغافلين عن أنهما وبقية المعصومين عليهم السلام نور واحد، فمثلهم كمثل مشكاة فيها مصباح .... كل هذا حدا بنا إلى رسم بعض الأمور التي تسلط الضوء على الظروف الموضوعية آنذاك والتي ألجأت الإمامين عليهما السلام إلى هذه الاختيارات الصعبة التي يراها الناظر ﻷول وهلة أنها متناقضة، وسيكون الكلام ضمن عدة نقاط، فنقول : أولاً: أنّ الأئمة صلوات الله عليهم من بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وما حصل بعده من التآمر على حقهم الذي رسمه الباري عزو جل لهم في هذه الأمة ، كانوا على بصيرةٍ ودرايةٍ أنّ الاصلاح وارجاع السلطة في الاسلام إلى مسارها الصحيح بعد الانحراف متعذرٌ لعوامل كثيرة لسنا بصدد ذكرها . ثانياً : إنّ كثيراً من المسلمين آنذاك عندما بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بعد الثالث كانوا يرونه امتداداً لما يسمى بمبدأ الشورى وإجماع الأمة الذي سلكه مَن قبله ، لا لأنهم قد عادوا إلى رشدهم وايمانهم بأحقيّته صلوات الله عليه ، وهذا ما أشار إليه صلوات الله عليه بقوله (ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).(نهج البلاغة 1: 37 خطبة (3) الشقشقية). وقوله (عليه السلام) كما ينقله ابن عباس : دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله, فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال (عليه السلام): (والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً).(نهج البلاغة 1: 80 خطبة (33)). ويؤكد ذلك تنصلّهم عن البيعة فيما بعد حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين . ثالثاً : لم يكن وضع الإمام الحسن عليه السلام بأفضل حال من أبيه عليه السلام ، فكذلك كان يُنظر إليه بأنّه الامتداد الذي جاء عن طريق هذا المبدأ ، فهو صاحب السلطة والحكومة بنظرهم وهو صاحب الشرعية إن صح التعبير، فقام عليه السلام بما يمليه عليه واقعه وظروفه، وجهز جيشاً لقتال معاوية لخروجه عن الأمة و تأمّره على رقاب المسلمين عنوة في الشام ، حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه من خذلان أنصاره وسريان الفتنة في صفوف جيشه وتفرّقهم ، مما دعاه للحفاظ على كرامة الأمة وعزّتها وهيبتها، فركَن إلى الصلح مع معاوية للحفاظ على الكيان العام للأمة. وبعبارة أخرى: نجد أنّ هناك فئات في المجتمع الإسلامي كثيرة وغالبة ترى أنّ السلطة لا بد أنّ تكون على ضوء ما رسمه ما يسمى بمبدأ الشورى ولا يرون بأحقيّة الأئمة بمعنى تنصيبهم من قبل الله عز وجل لهذا الأمر ، وهناك فئة قليلة ترى ذلك وهم الشيعة الأتباع الذين لا يرون بأحقية غير الأئمة صلوات الله عليهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلذلك كان تصدي أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك ولده الحسن عليه السلام لها من باب الحفاظ على الأمة بأجمعها وعدم ضياعها ، ويشهد لذلك أنهم كانوا يؤكدون على أحقيتهم وهم على رأس السلطة ليدفعوا ما سيطر على أذهان العامة من المبدأ المبتدَع . رابعاً : كان من مهمات الصلح أن يُظهر زيف معاوية وعدم أهليّته للتصدي لأنه ناقض للعهود والمواثيق ، وإنما باحث ولاهث للتسلّط على رقاب المسلمين ، فظهر للعامة ذلك من خلال نقضه للصلح ، و كذلك لقتله خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك توليته لابنه شارب الخمور وفاعل الفجور واجبار المسلمين على مبايعته بعده بالإمارة ، فشك العامة بأحقيّته، بل عندما جاء يزيد وقام الامام الحسين عليه السلام بثورته المباركة كانت صرخة في وجه المتخاذلين والمشككين ، وأيقنوا بأنهم على ضلال ولا بد أنّ تسلب عن هذه السلطة شرعيتها في الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنّها كانت عبارة عن سلطة تنفيذية ظالمة ودكتاتورية ( قيصريّة وكسرويّة) ولا تمثل الشرعية والخلافة عن الله وعن رسوله. خامساً : هذه الصرخة الحسينية المدويّة التي غيّرت من عقلية الأمة وحثّتها نحو الاصلاح ، تحتاج إلى تضحيات جسام وإلى ذخيرة كبيرة ، فكانت ذخيرتها بعض من حافظ عليهم صلح الحسن عليه السلام ففي حديث له (عليه السلام ) مع حجر بن عدي قال : ( إني رأيت هوى عظم الناس في الصلح وكرهوا الحرب ، فلم أحب أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت بقياً على شيعتنا خاصة من القتل ، ورأيت دفع هذه الحروب إلى يومٍ ما ، فإنّ الله كل يوم هو في شأن ) .الأخبار الطوال ص 220. واحتاجت هذه الصرخة إلى من يقوم بحفظها ورعايتها وحمايتها على طول الخط ، فجاء دور الأئمة عليهم السلام بعدها وأمروا أتباعهم وشيعتهم بالحفاظ على أنفسهم وجعلوا مبدأ التقية بارزاً في تصرفاتهم وحثوا اتباعهم عليه ، وأمروهم بالارتباط الدائم بسيد الشهداء عليه السلام من خلال حثّهم على زيارة قبره الطاهر و اقامة العزاء الدائم وخصوصا ً في ذكرى الفاجعة العظيمة ، جميع ذلك ليحفظوا ما نتج عن ثورة الحسين عليه السلام وما قام به من تضحيات جسيمة لكي تكون معلّماً إلى قيام الساعة ، وليكون المؤمنون حقاً هم أصحاب هذا الطريق والامتداد الطبيعي له ، فلا حاجة لتضحية أخرى تماثل تضحية سيد الشهداء عليه السلام بعد أن استوفت غرضها الأهم ، فكانت ثورة الحسين هي صلح الإمام الحسن وهي سجن الإمام موسى وهي جلوس الإمام الرضا في بلاط الخليفة ، وكانت هذه الثلاثة هي ثورة سيد الشهداء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ، فهم مع تعدد أدوارهم يحملون هدفا واحدا . وأخيراً : وبإضافة عنصر العصمة الذي كان يتحلًى به الأئمة الطاهرون عليهم السلام يتضح لنا أنّ ما قاموا به هو الصواب ، وهو الملائم لظروفهم الموضوعية ،وهم من يقوم بتحديد الأهم من المهم في ذلك الظرف ، وهذا ما نبّه عليه الإمام الحسن عليه السلام في حديث طويل له مع أبي سعيد عقيصا قال عليه السلام ( يا أبا سعيد، إذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا. ألا ترى الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله ، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي . هكذا أنا ، سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل ) علل الشرائع ج 1 ص211 . بقلم: الشيخ مصطفى الفرهود
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىقال تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ) (1) الرؤيا هي التي يتعطل فيها الزمان والمكان حيث يجتاز فيها النائم حاجز الغيب الزماني والمكاني ويرى الاشياء قبل حدوثها زمانا او يرى أشياء وقعت قي مكان بعيد عنه .. انواع الرؤيا : قال الأمام الصادق عليه السلام " الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن وتحذير من من الشيطان وأضغاث احلام " (2) ونحن في صدد البحث " البشارة الصادقة من الله لعبده المؤمن " وقد تكون للأنبياء والأئمة وقد تشمل الأولياء الصالحين لكن هنالك فرقا بين رؤياهم بلا أدنى شك فإن رؤيا الأنبياء وحي من الله كما قال أمير البلاغة الأمام علي عليه السلام " رؤيا الانبياء وحي " (3) فتكون حجة بينما رؤيا الأولياء الصالحين لا تؤدي إلى الجزم اليقيني وبالتالي فلا حجية لها في أمور الدين فهي بشارة لهم .. ورؤيا النبي إبراهيم عليه السلام هي إنكشاف تجريدي حيث رأى الحقيقة كما هي في عالم الحقائق العالم الأول نتيجة لما وصل الى مرتبة من الأرتقاء الروحي وخلع النفس وهي لا تحتاج الى تفسير أو تعبير .. الجانب التربوي والاخلاقي من الآية الشريفة -- وضوح الرؤية : نجد أن النبي أسماعيل عليه السلام يعلم منذ صغره إن رؤيا الأنبياء حق وهي وحي من الله لذا نجده يقول لإبيه ( أفعل ما تؤمر ) -- السمع والطاعة والبديل السريع للبر والطاعة : فقد استسلم النبي اسماعيل لطلب والده على الرغم من صعوبته وعندما يطيع الأنسان ربه او يطيع والديه في امر يكره فعله فأن الله يعوضه خيرا فنال النبي أبراهيم وأسماعيل جائزة فورية نتيجة نجاحهما في الاختبار -- أعمل صالحا وأترك أثرا : فالعمل الصالح عمره طويل واثره كبير لهذا أصبحث قصة الذبح تاريخا للناس حتى قيام الساعة -- الصداقة التربوية : يتضج من الحوار الذي دار بين الأب وابنه إن العلاقة بينهما قوية جدا بحيث وصلت الى مرحلة الصداقة مما يصعب تحصيلها في مرحلة المراهقة --الحوار الناجح : إنه على الرغم من ان النبي ابراهيم تلقى امر الذبح من الله إلا أنه إستشار ابنه وأخذ رايه ( ماذا ترى ) وهي علاقة تربوية تشير الى إن الحوار مع الأبناء حتى في الامور المسلمة من قبل الله ، لأن الأبناء يرون الحوار معهم احتراما وتقديرا لهم اذ إن طبيعة الشاب انه لا يحب الفرض والقسر .. -- الصبر على الامور الصعبة : ستجدني إن شاء الله من الصابرين " فالنبي أسماعيل صبي ولكنه يعرف معنى الصبر ويعيشه بشكل عملي ويستعين بربه ليعينه عليه ، وهذا مؤشر لنجاح تربية النبي أبراهيم عليه السلام فالنبي اسماعيل تربى على قيمتين الأولى الصبر والثانية الأستعانة بالله -- الابتلاء العظيم : " إن هذا لهو البلاء العظيم وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الاخرين " إن النبي أبراهيم لم يرزق بولد حتى بلغ به الكبر وقد جاء بعد انتظار واذا بالامر الالهي يريد منه ذبح هذا الولد المنتظر والأصعب حينما يكون تنفيذ امر الذبح بيده فلما نجحا في الأختبار جازاهما الله بمكافأة عظيمة وصارت سنة للمسلمين حتى قيام الساعة .. ____________________ (1) سورة الصافات اية 102 (2) الكافي ج8 ص 482 (3) الأمالي للشيخ الطوسي 338 بقلم: حوراء مالك
اخرى