بعد أن امتزجت دماء الآل بأديم كربلاء ووضعت المعركة أوزارها، نبّ صوت من رحم تلك الفاجعة، فملأ صداه الافق لتسمعه الأمم والاجيال المتعاقبة (أَلا من ناصر ينصرنا)... النداء الذي اطلقه الحسين عليه السلام في العاشر من محرم الحرام، كان بمثابة استنهاض للعقول التي تأخرت عن نصرته والتي لم تسمع به إلا بعد فوات الاوان.. هو نداء العزة لمن استجاب له. والاستجابة قد تكون بالحضور الجسدي، أو الروحي أو حتى بالاكتفاء بالزيارة عن بعد... وقد تمت ترجمة هذا الحضور بعد واقعة الطف على أشكال متنوعة تطورت ضمن كبرى إحياء الشعائر وتلونت بألوان عديدة، ومنها ما كان من هرولة من مركز تجمّع المعزين وصولاً الى مرقده الشريف باكين لاطمي الرؤوس، وهم يهتفون: لبيك يا حسين! وبتعاقب الازمنة صارت هذه الهرولة أشبه بالشعيرة المهمة -أو قل: عادة للناس- في اليوم العاشر بعد صلاة الظهر حيث عرفت هذه الهرولة أو الركضة بركضة طويريج .... أصل (ركضة طويريج) كما نُقل يرجع لسنة ١٨٨٥م، وذلك عندما كان الناس يستمعون الى قراءة المقتل الحسيني في الدار الكبيرة للعلامة السيد صالح القزويني، ومع نهاية المقتل ضجَّ الناس بالبكاء والعويل والنحيب بشكل لا إرادي، حيث فقدوا مشاعرهم لهذه الفاجعة واخذوا يلطمون على رؤوسهم. ولشدة المصيبة فقد طلبوا من السيد صالح القزويني الذهاب ركضاً الى المرقد المقدس لسيد الشهداء لتقديم العزاء لإمامهم المظلوم (عليه السلام) و فعلاً استجاب السيد لطلب الناس، حيث اركبوا السيد على ظهر الفرس، ثم تقدمهم بالمسير وهم يسيرون خلفه، وفي الطريق انضمت إليهم جموع من المعزين وهم يصيحون: وا إماماه، وأصبح الموكب هذا أشهر المواكب الحسينية على الإطلاق، إذ يمتاز بالركضة، ولأن غرضه التعبير عن الاستجابة لقول الامام الحسين (عليه السلام): الا من ناصر ينصرني… وسميت هذه الركضة بهذا الاسم وفق ثلاث تصورات الاول طويريج هو تحريف محلي لعبارة two way reach الانكليزية على اساس ان البلدة كانت المحطة الوحيدة الموصلة بين الطريقين الرئيسيين المتجهين الى الحلة شرقا لأحدهما والى كربلاء غربا للثاني، زاعمين ان تلك العبارة وضعت كعلامة مرور نصبتها القوات البريطانية المحتلة على مدخلي المدينة ومكثت فترة طويلة بعد انسحابها منها ثم تطورت التسمية مع الزمن فأصبحت "تويريج" ثم طويريج لصعوبة نطقها بالنسبة لمعظم الناس تلك الايام، الا ان هذا التفسير ضعيف ، اذ ليس هناك وقائع او وثائق تثبت وجود علامة مرور كتلك، كما أنه قيل: إن المس بيل التي زارت المدينة في 1917 واخذت لها صورا عديدة كتبت اسم طويريج هكذا: Tuwairij وليس كـ "two-way-reach" في عدة رسائل مهمة لها احداها في الاقل الى هنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق تزف له نبأ احتلال طويريج التصور الثاني في كتاب "تاريخ المدن العراقية"، يذكر المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني أن مدينة طويريج كانت في بدايتها تسمى "طريق المبتغى" الى كربلاء اذ انها في رأيه كانت الطريق الاقرب للوصول الى كربلاء لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) ثم صغرت هذه الكلمة فقالوا على غير القياس (طويريق) ثم جرى عليها تصحيف آخر فأبدلت القاف جيما فصارت: طويريج. ثمة تصور ثالث لا يستبعد الاصل البدوي المحض لاسم طويريج بعد ان تأكد لدينا وجوده لدى القبائل العربية اذ يحمله عدد من الزعماء او الامراء منهم مثلا الامير طويريج بن هدل التميمي من شيوخ الشريفات في منطقة حفر الباطن. بيد أنه يعتقد البعض ان الاسم بابلي الاصول من ناحية المعنى في الاقل، وان الاسم البابلي مشابه للاسم الحالي على صعيد اللفظ ايضا ويعني الطريق الأقصر. وبالتالي فإن معنى طويريق كان لدى البابليين "طريق المبتغى" لزيارة كربلاء التي وقبل ان تصبح طريقا لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) كانت مزارا مقدسا وينبغي التنبيه على أنه قد يكون لمناسبة أو شعيرة ما سلبيات معينة، ولكن بالتالي من الممكن معالجتها وتطويرها بما يواكب زمان ومكان ذلك الحدث. ففي التدافع وعدم الانتظام في الانسياب مثلا تأثير على الزيارة المخصوصة لسيد الشهداء في نهار العاشر، ولكن يمكن معالجة هذه الامور بتخصيص لجنة لمتابعة هذه الركضة وتنظيمها بشكل انسيابي، والاخذ على عاتقها بتحضير خطاب لكل سنة يذاع مع الركضة على المستوى الثقافي والديني، متضمناً أحكاماً شرعية، وكذلك حتى على المستوى العسكري من قبيل تعبئة المعزين وتثقيفهم ورفع همتهم عقائدياً، وبث فيهم روح التضحية من اجل المقدسات والدين. وهو ما نراه بمستوى جيد هذه الأيام من خلال إحياء ركضة طويريج بشكل انسيابي قدر الإمكان. رجاء الأنصاري
اخرىالسائل: إحدى الأخوات تسأل عن سلوك زوجها بأنه يستمع إلى الأغاني والموسيقى الهادئة في بعض الأحيان ولا يتجاهر بهذا الأمر أمام الناس وتقول إنها لا تستطيع أن تمنعه بالقوة لكي لا يتولد لديه ضغوطات نفسيه تؤثر في حياتهما الأسرية الجواب: سنذكر لكم جوابين متقاربين عن ذلك: الجواب الأول: أن في مثل هكذا حالات يجب أن نشخص الموضوع فيها جيداً قبل أن نتصرف بشكل يؤدي إلى إثارة المشاكل الزوجية، فالزوج يمكن أن يكون يمرّ بحالات توتر داخلية تجعله يلجأ إلى التخفيف عن نفسه بهكذا أمور وأشياء يعتقد أنها تزيل آلامه وأحزانه وتبدد الكبت الذي يعاني منه، ويمكن أن يكون سبب ذلك اشياء كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كالشعور بالنقص العاطفي والاحتياج الجنسي يدفعه للتنفيس بهكذا طريقة أو أن ضغوطات العمل تسبّب له ضغطاً نفسياً مما يرفع لديه هرمون الكرتزول وهذا ما يجعله متوتراً من الداخل، فالزوج هنا يكون من النوع الكتوم والذي يكتم آلامه ويحاول التعبير عنها داخلياً،. لذلك يجب على الزوجة أن تتعامل مع تصرفات زوجها بشكل طبيعي ولا تنزعج منها أو تبدي انزعاجها فكل إنسان يعرف تكليفه الشرعي وواجباته جيداً وإذا كان الأمر يقع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيمكن تقديم النصيحة بشكل غير مباشر على أن يكون نقداً غير مباشر ومن دون تهجم فالزوج الذي يفهم من كلام زوجته بأنه انتقاص وإهانة سيزداد عناده أكثر ويصر على فعل هذه الأمور، لذلك يجب على الزوجة أن تقدم النصيحة بالحسنى وبدون مبالغة في الأمور، فإذا كان لا يعتقد بالغناء كجزء من حياة ويرفضه أغلب اوقاته فهنا يكون تصرفه ناتجاً من صراعات داخلية يمكن أن تكون أحد أسبابها ما ذكرناه سابقاً، من النقص العاطفي وعدم اهتمام الزوجة عاطفياً بزوجها وابتعادها جسدياً عن زوجها بحجة أن زوجها يفعل الحرام، وهذا ما تقع فيه العديد من الزوجات وهو من فعل الشيطان وتسويلاته. أحب أن أوضح أمراً بأن بعض الفقهاء كسماحة السيد السيستاني يجوّز الاستماع إلى الموسيقى الهادئة ( الكلاسيكية) والتي تعتبر علاجاً لراحة الاعصاب والتي لا تكون متناسبة مع مجالس اللهو الطرب،. فليس كل الموسيقى محرمة بل يوجد ما هو جائز شرعاً. وقد أجاب مكتب سماحة السيد السيستاني عن موضوع الغناء وكان نص جوابهم على سؤال أحدهم عن الغناء سؤال: ما حكم الاستماع إلى الغناء؟ وما هو معنى الغناء؟ الجواب: أما معنى الغناء فالظاهر أنه الكلام اللهوي – شعراً كان أو نثراً – الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب، والعبرة بالصدق العرفي، وأما الاستماع إليه فهو حرام كحرمة فعله والتكسّب به. وأود أن أوضح أيضاً أنه يجب على الزوجات والأزواج أن يبتعد كل واحد منهما عن جرح مشاعر الآخر بقصد النهي عن المنكر فطرائق اصلاح الإنسان يجب أن تكون بشكل لا يثير غيض الآخر ، بل يجب أن تكون جذابة ومؤثرة وبأوقات مناسبة لتأخذ تأثيرها في النفس، لأن اغلب الرجال سيمتنع ويقاوم عن الاستماع إلى زوجته بسبب نقدها الجارح، فالرجل هنا سيقوم بإثبات ذاته والمكابرة على خطيئته ولا يعترف بأن ما يقوم به هو سلوك غير صحيح وغير صائب. في هذا السؤال اعتقد أن الرجل يظن بأن ما يستمع إليه لا يصدق عليه عنوان الغناء فهو ليس من محبي الغناء وإنما يلجأ إليه بين الفينة والأخرى للتخفيف من مشاكل وضغوطات الحياة. يتوجب هنا على الزوجة أن تتأكد جيداً من اعتقاد زوجها بموضوع الغناء وكيف ينظر إليه. فإذا كان لا يعتقد بأنه غناء محرم بل مباح وجائز فهنا يتوجب على الزوجة اقناعه بأن ما يسمعه يقع ضمن الغناء المحرم. أما إذا كان الزوج من النوع الذي لا يهتم بالحلال والحرام أو لنقل إنه زوج لا أبالي ولا يتفق فكرياً مع زوجته في هذا الأمر ويرفض التوجيه والنصائح، فهنا يسقط عن الزوجة الأمر بالمعروف لأنها ستقع في مشاكل زوجية عديدة. وعلى كل حال، عليها أن تعاشره بالحسنى وتسعى جاهده للحصول على السعادة وراحة البال. الجواب الثاني: الاسلوب المباشر في الكلام يبدو صعباً نوعاً ما مع أشخاص تعاشرت أرواحهم بأشياء محرمة ويجدون الأنس بها .. ولكن مما يدعو إلى الأمل ،، إنه ليس بشكل دائم او أمام الأخرين ،، وذلك يرجع لأسباب تنم على طهارة قلبية مندثرة او اثار عمل حسن .. أول الامر عندما تريدين أن تكلميه بموضوع كهذا فلابد من مقدمة لذلك، تبتني أولاً على تحسين علاقتكم الزوجية اكثر ،، اجعلي اشياء اخرى تضاف الى حياته تجعله يرتاح فيها وينسى ما يقلقه لأنه يلجأ إليها ليس بشكل دائم .. اسألي عن احواله في العمل وما يواجه من مشاكل هناك . وابدي اقتراحاتك وحلولك بالكلمة الطيبة وكوني سندا له في كل شيء وشاركيه في اموره كلها.. ابدئي بحوار بسؤاله عن يومه أو أي شيء تعرفين أنه من اهتماماته .. وبعدها ادخلي في صياغ الموضوع مثلا، قولي له : باعتقادك هل الله أرحم الراحمين ويحب عباده ويريد مصلحتهم؟ قد يجيب : نعم. قولي له : باعتقادك يا فلان ان الله ظالم أم عادل ؟ لعله يجب : بلا شك هو عادل .. قولي : إذا كان الله يحبنا ويحب الخير لنا إذا لماذا يمنعنا من اشياء جميلة حسب اعتقادنا وما يجعل أعصابنا هادئة !! يا فلان، أن أعمال الخير التي يقوم به الانسان لا تعود بالنفع على الله، والعمل السيئ لا يعود بالضرر عليه جلّ وعلا. إنما الفائدة والمضرة تقع على الإنسان نفسه دون الله او غيره .. إذن لماذا الله يأمرنا بفعل معين كالصلاة مثلا وينهانا عن فعل معين ليس إلا لأنه يحبنا كثيرا ولا يريد بنا السوء، فنظر (عز وجل) أي الاعمال فيها فائدة وخير كثير روحيا وجسديا وعمليا للإنسان في هذه الحياة الدنيا وعالم القبر والأخرة فجعلها واجبة عليه لكي يفيض بالمنفعة عليه والرحمة .. ونظر الى الاعمال السيئة التي تضر الإنسان بسلوكه في حياته وفي عالم القبر وعالم الاخرة فجعلها محرما وامر بالاجتناب عنها، حتى وإن شاهدنا أن الأمر جميل، فهذا مجرد تزيين من قبل الشيطان .. ودائما اقول لنفسي: إن لم اعرف سبب حرمة الشي، فأقول: لا شك أن فيه ضرراً عليّ فحرمه الله لأنه عادل وحكيم ويحب الخير لعباده . هكذا هو الله وهذه رحمته، فهو أرحم بنا من الأم التي لا تريد الضرر لأبنائها أبداً.. وهنالك شيء اخر ينبغي أن تعرفه، وهو أنه فعل الخير ليس جزاءه الجنة فقط، فهذا مفهوم خاطئ، فإذا أدّيت الصلاة بوقتها فهذا لا يعني أن أثر الصلاة فقط في الجنة بل إن لها آثاراً هنا، فلعل ما يسهل كل امور الحياة ويسبّب التوفيق بالعمل هو اداء الصلاة في وقتها! بالإضافة إلى أثرها في عالم القبر. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ عمود الدين الصلاة، وهي أوّل ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظِر في عمله وإن لم تصح لم يُنظر في بقيّة عمله .. (1) وكذلك فإن الصلاة تقوّم سلوك الإنسان وتجعله ينهى عن الفحشاء والمنكر، وإن الالتزام بها يعد نفحة تمهّد لظهور الإمام الحجة اروحنا فداه ..ويدخل السرور على قلب صاحب الزمان .. إذا كان أثر فعل الخير هكذا، فما هو الاثر السلبي للفعل المحرم؟! إن من أثار ارتكاب الحرام او سماع الحرام أو أكل الحرام هي التالي: - الاثر المتعارف هو العقاب - إنه يسلب التوفيق. - يولد قسوة القلب وتندثر حالة الخشوع لدى الإنسان شيئا فشيئا و يختلط على الإنسان الحق والباطل وتنعدم حالة التنبيه لدى الضمير .. - إنه يدخل الحزن على قلب صاحب الزمان ويؤخر ظهوره عجل الله تعالى فرجه... ومن هذا الحرام هو استماع الغناء! روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال : بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة , ولا تجاب فيه الدعوة , ولا تدخله الملائكة .. ( 2) وكذلك عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال : الغناء مجلس لا ينظر الى اهله , والغناء يورث النفاق , ويعقب الفقر .. (3) وإن الاستماع للغناء لا يحلّ المشكلة ولا يُذهِبُ القلق. فلما لا نلتجئ إلى الله الذي هو أرحم الراحمين والذي بيده كل شيء ويغير كل شيء لأجلنا، لا شك أنه سيكون نعم السند ونعم الوكيل وقد قال في كتابه العزيز ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .. (4) ألا يستحق إمامنا ان نفعل لأجله شيئاً وان نترك فعل محرم لأجله، فندخل البهجة على قلبه ويشملنا بدعواته وتسديداته؟! ______________________ (1) تهذيب الأحكام ج2 ص 237 (2) مستدرك الوسائل ج13 ص213 ح5 (3) مستدرك الوسائل ج13 ص219 (4)سورة البقرة اية 186 بقلم: قاسم المشرفاوي وحوراء مالك
اخرىروي عن الإمام الصادق (عليه السلام):"إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل"(1). على الرغم من تباين البلاءات وتعددها، والتفاوت في قساوتها وشدتها، إلا أن البلاء بإساءة الأصحاب وخذلان الأحباب لهو البلاء الأصعب على النفس، والأشد وجعاً عليها من طعن الرماح، والأقسى ألماً من عميق الجراح. وهذا ما حدث مع سيدنا ومولانا الإمام الحسن (عليه السلام) حيث أساء اليه أصحابه أيما إساءة فهذا (عدي بن حاتم يقول: " أخرجتنا من العدل إلى الجور" . وبشير الهمداني وسليمان بن صرد الخزاعي يدخل كل منهما عليه هاتفاً: "السلام عليك يا مذل المؤمنين ". وخاطبه بعض أصحابه قائلاً: " يا بن رسول اللَّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلى هذا الطاغية ")(2). بل إن بعضهم تمادى كثيراً حتى قال ما يصعب على القلم خطه فضلاً عمّا يعجز اللسان عن التفوه به، ولكن إنما نذكره لبيان عظيم البلاء الذي بلي به الإمام الحسن (عليه السلام)، وشدة مظلوميته ممن بايعه على الطاعة والولاء، إذ قال:" يا عار أمير المؤمنين. فيقول[عليه السلام]: العار خير من النار"(3)، ومنهم من تمادى أكثر حتى صرَّح بتمنيه موت سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث كان يقول: "أما واللَّه لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك"(4). وقد كانوا يعتقدون بأن الامام (عليه السلام) يستحق أن توجه اليه كل تلك الإساءات فقط لأنه قبل أن يهادن معاوية! بينما المتتبع لسيرة الامام (عليه السلام) يجزم بأنه (عليه السلام) لم يكن ليترك الحزب الأموي الفاسد المتمثل بمعاوية، ولم يكن ليميل إلى الهدنة لولا أن الظروف التي أحاطته آنذاك اقتضت منه أن تكون الهدنة خياره الأوحد. فقد كان الامام الحسن (عليه السلام) مصمماً على السير على نهج أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) في قتال الفئة الباغية في الشام وعلى رأسها معاوية منذ تسلمه الخلافة بعد أبيه لاسيما بعد رفض الأخير مبايعته والدخول في طاعته بذريعة أنه أكبر منه سنا وأكثر منه في السياسة والحرب خبرة كما كان يتوهم.. وبما إن سياسة معاوية كانت قائمة على المراوغة والخداع والتجسس والتضليل الإعلامي فقد أرسل جاسوسين إلى البصرة والكوفة لكن الامام الحسن (عليه السلام) سرعان ما كشف أمرهما دونما أن يخبره أحد بذلك وقتلهما ، ثم أرسل كتاباً إلى معاوية يعلمه فيه بالجاسوسين فكانت صفعة قاسية منه (عليه السلام) بحق ذلك الثعلب الماكر فلم يتحمّل فأرسل إلى ولاة البلاد المسيطر عليها بإرسال الجيوش إليه ليقاتل الإمام الحسن عليه السلام. وبمجرّد سماع الامام (عليه السلام) بحركة معاوية للحرب أمر هو الآخر بالتحرك والتهيؤ لها ووضع الخطّة العسكرية اللاّزمة لمجابهة جيش معاوية، فقدّم للجيش مقدّمة في اثني عشر ألفاً، وولّى عليهم عبيد الله بن العباس ثم قيس بن سعد، ويكشف قراره في جعل الإمارة مترتّبة عن حنكته (عليه السلام) العسكرية وحكمته السياسية، إذ لو أمّر عليهم واحداً فبمجرّد سقوطه يضيع الجيش. وقد اختار (عليه السلام) بلاد ساباط لينزل فيها لانتظار التحاق بقية الجيش به من جهة و ليتطلع إلى أخبار المقدّمة المرسلة من جهة أخرى. ولاختبار أصحابه في بلاد ساباط ليعرف مقدار طاعتهم وولائهم له وليعرّفهم أنفسهم وليلقي الحجّة عليهم من جهة ثالثة، فألقى عليهم خطبة قصيرة تضمّنت الحث على طاعته وعدم مخالفة أمره وانّه ناظر لما فيه الخير والصلاح لهم. فظنوا أنه يريد بخطابه ذلك المصالحة لمعاوية، فشدّوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاّه من تحته ورداءه من عاتقه، وجرحه رجل بخنجر في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم. وبذلك كشف مقدار إمكانية اعتماده عليهم فيما لو خاض بهم الحرب مع معاوية، وهم الذين لم تمضِ سوى أيام قلائل على مبايعتهم له بالطاعة والولاء والسلم لمَن سالمه والحرب لمَن حاربه ! وأما جيشه (عليه السلام) فقد تسلّل الكثير من أفراده إلى صفوف معاوية أو إلى الكوفة، بل إن بعضهم كتب إلى معاوية بالطاعة وهم من الشخصيات الذين نقضوا بيعة الإمام الحسن (عليه السلام) سرّاً واتفقوا على قتله إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً.. وعلى الرغم من تفكك عناصر جيش الامام الحسن (عليه السلام) وخيانة بعض قادته وجرحه من قبل من بايعه فقد كان لا يزال في موقف القوة والعزة بدليل أن معاوية هو الذي طلب الهدنة منه، بل وألحَّ عليه بذلك وناشده اللّه في حقن دماء أمة جده، وقد أعلن طلبه هذا فعلمه المعسكران، وكان لطلبه هذا أسباب : أولاً: لاعتقاد معاوية بانّ الهدنة تضفي على تسلطه وحكمه صفة الشرعية. ثانياً: لإسكات الإمام الحسن (عليه السلام) عن المطالبة بحقّه في الخلافة. ثالثاً: لخوفه من نتائج الحرب التي قد تودي بحياة الكثير من أنصاره فضلاً عن حياته، وقد أفصح عن ذلك في جوابه لعمرو بن العاص بقوله: «لا نخلص من قتلهم حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام»(5). رابعاً: لما قد يترتب على الحرب من قتل الإمام الحسن (عليه السلام) الذي يوجب قيام العالم الإسلامي لأنه سيّد شباب أهل الجنة وابن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله). وبهذا فإن الامام الحسن (عليه السلام) عندما قبل بالهدنة لم يكن قبوله من موقع الضعف والذل كما تصور أصحابه وآذوه بذلك، فضلاً عن الأعداء بل كان من موقع القوة والعزة بدليل إنه لم يقبل بالهدنة إلا بشروط دقيقة فرضها على معاوية حمايةً للضوابط الشرعية وحفاظاً على أهل بيت النبوة (عليهم السلام) وشيعتهم في أنحاء الدولة الإسلامية، وسدّ احتياجاتهم المالية والأمنية ورفع السبّ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وانّ الحكم يكون له (عليه السلام) بعده، فإن لم يكن فلأخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وإن لم يكن فليس له تنصيب من قِبَله بل يكون ذلك بيد المسلمين. وأما الأسباب التي دعت الامام (عليه السلام) الى الهدنة فهي: أولاً: لعدم ثقته ببعض أفراد جيشه ممن يزعمون أنهم شيعةً له وما هم بذلك ــ حتى قال فيهم: "أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون انّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي"(6)ــ فضلاً عمن كانوا يدينون بالطاعة والولاء لأعدائه. ثانياً: لأنّ الهدنة فيها حفظ السبب المتصل بين الأرض والسماء المتمثل بشخصه المبارك وحفظ أهل بيته الطاهرين. وقد وضح ذلك قائلاً: « والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما » (7). بل انّ في الهدنة حقن لدم الشيعة كلهم كما قال: «لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتِل»(8). ثالثاً: لأنّ مهادنته لمعاوية وهو عزيز خير من قتله وهو أسير أو المنّ عليه بإطلاقه من الأسر فيكون عاراً على أهل البيت مدى الحياة، وقد كان معاوية يتمنى حصول ذلك لكيلا يكونوا هم الوحيدين بني الطلقاء! وقد كان الامام الحسن (عليه السلام) خبيراً بلؤم نفس معاوية وبخبث سريرته حيث قال: «والله لئن اسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمنّ عليّ فيكون سبَة على بني هاشم آخر الدهر لمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت»(9). رابعاً: لعدم وجدانه الأنصار الذين يعتمد عليهم في خوض الحرب، يقول: «والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ إنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه»(10). خامساً: لأنّ في مهادنته لمعاوية صلاح الاُمّة وكفّ بعض المسلمين عن بعض والإبقاء على المؤمنين. قال (عليه السلام):«إنّي لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللّقا ولا أثبت عند الحرب منّي، ولكنّي أردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه»(11) وقوله في جواب حجر بن عدي: «وما فعلتُ ما فعلتُ إلاّ إبقاء عليك والله كلُّ يوم في شأن»(12). سادساً: خوض الحرب على الرغم من عدم تكافؤ الطرفين ماديا أولاً و عدم تحقيقها لمصلحة مهمة ثانياً إنما إهراق لدماء المسلمين ولذا قال (عليه السلام):«ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً تشخب أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمُه»(13). سابعاً: كان له في جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة سار عليها وصالح معاوية لاتحاد العلتين بين صلحه له وصلح رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة وبني أشجع وأهل مكة حين انصرف من الحديبية كما قال: «يا أبا سعيد علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله لبني ضمرة و... أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفروا بالتأويل»(14). فالإمام الحسن (سلام الله عليه ) قد حفظ الدين والأمة الاسلامية لاسيما الشيعة بل وحفظ المعمورة قاطبة، إذ ليس بالبعيد أن يقضي معاوية اللعين على آل البيت (عليهم السلام) جميعاً فيما لو تمكن منهم لاسيما أن المؤشرات المادية أغلبها تصب في صالحه، وقد روي عن سليمان الجعفري قال: "سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت: تخلو الأرض من حجة ؟ قال: لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها "(15) فقد تصرف الامام الحسن (عليه لسلام) بحكمة بالغة إلا إن أصحابه قد جهلوها أو لم يلتفتوا اليها، فقد روي عنه (عليه السلام):"يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب ان يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ألا ترى الخضر (عليه السلام) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه"(16) وقد صرح (عليه السلام) بأنه لم يذل المؤمنين بهدنته مع معاوية كما روي عنه(عليه السلام):"ما أنا بمذل المؤمنين، ولكني معز المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم "(17) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ميزان الحكمة ج1 ص290 (2) أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع ص85 (3) المصدر السابق (4) المصدر نفسه (5) صلح الإمام الحسن عليه السلام أسبابه ، نتائجه : ص110. (6) الاحتجاج : ج2 ، ص20ـــ (7) المصدر السابق (8) علل الشرائع : ص211 (9) المصدر السابق (10) المصدر نفسه (11) شرح نهج البلاغة : ج16، ص15 ، نقلا عن كتاب المجتبى (عليه لسلام) بين وميض الحرف ووهج القافية ص35 (12) المصدر السابق (13) نفس المصدر (14) علل الشرائع ج1 ص212 (15) مسند الامام الرضا ج1 ص280 (16) بحار الانوار ج44 ص2 (17) ميزان الحكمة ج5 ص233 رضا الله غايتي
اخرىالنهايات تشبه البدايات عادةً هيجان الارض واهتزازها حمله الى الشعور ذاته قبل عشرين سنة، فبين الماضي والحاضر قلب يتلوى بصوت مذبوح يلملم دموعه المختنقة لينثرها مع كل هدهدة يشق بها سكون الليل على مهدٍ بات مسرحاً للأحداث كان يصغي اليها بعمق وهي تترنم بأبيات لقصة وقعت منذ الف عام عشق هذه الترنيمة سمعها الف ليلة حيث الحسين على الثرى خيل العدى طحنت ضلوعه قتلته ال امية ظامٍ الى جنب الشريعة ورضيعه بدم الوريد مخضب فاطلب رضيعه حتى بلغ الحلم ليتمخض ذلك العشق عن موكب صغير ليكون انطلاقه نحو سفر الخلود موكب راهب ال محمد اول مأدبة نصبه احمد على طريق زائري ابي عبدالله عليه السلام هو ابن الاثني عشر ربيعا عله يلتقي بأبطال قصته الحقيقيين فقلبه الصغير مازال يحلق باحثا في الوجوه لعله يلقاهم لم يهدأ قلبه ولن يستكين حتى يعايش الاحداث ولو من خلال تمثل الادوار، فروحه المثخنة بحكايات العاشقين ترنو وتخفق كطائر يصارع تقلبات تشرين ليلتحق بالسرب لكن قلبه انتكس اكثر عاد باكيا الى البيت يواري دموعه عن امه ولما استخبرته عن حاله قال وبمرارة ان دور الشمر في التشابيه اوجع قلبي تراءت لي مولاتي زينب و السياط تتلوى على متنها تقوم تارة وتسقط اخرى من هول المصيبة تنادي ولا من مجيب، عين منها على الخيم وعين منها على الجسد الشريف وروح تظلل اشلاء القمر رأيت شر خلق الله كيف يكشر عن انيابه ليسخط السماء بأفعاله تعثرت في خطاي وخارت قواي وانا امسك السوط فالدور يحتم علي أن اضرب وبقسوة وقلبي ينزف كنزف المنحر صياح الاطفال نحيب اليتامى دخان الخيم نحر ينزف دما عبيطاً كف وقربة مشهد يدمي القلب ولكنه انتصف لدموعه في العام التالي حين تسنّم دور الحر شعور بالرضا ملا حناياه وكأنه اختصر المسافات للحسين المواكب كانت مرتعا لسنوات عمره فعاشوراء لم تكن وليدة مهد وترتيلة بل هي سفر روحي بين طف كربلاء وذاته المتعطشة ليعيش ولو جزء من احداثها حب الحسين أجنّني... يلامس همس العاشق ونبض القلب يثور يمزق اوصاله صبرا ايتها الروح، يوماً ما سيحين الوصال ليختزل كل المسافات فالروح حبلى والمخاض قريب فها هو ابليس يستنفر جنده ويجلب خيله ورجله نعيق وعواء ونباح يعلو في مدائن الموتى ثمة مؤامرة تحاك خيوطها تحت السقيفة المشؤمة العد التنازلي قد ابتدأ.. سقطت موصل والانبار الظالم امتشق سيفه يحصد بالأرواح ويذبح عاد الابقع متكئا على غرائزه، رائحة زفيره المتعفنة سموم ملئت الارجاء اكفهر وجه السماء فالساعات اصبحت اياما والليل زاد حلكة ..الفجر كعجوز اجهضه المرض الهدوء عم الارجاء ثمة كلمات دوّت تحت القبة رددت الايام أصداءها وسمع ترجيعها في الارجاء (الا من ناصر) سالت الف دمعة لتغسل عيون العاشقين فاض الشوق وقرب المراد ستتكلم البندقية بلغة الارواح هبّ احمد والألم يعتصر قلبه فقد ضاقت به الارض بما رحبت لا لن يدخلوا كربلاء كما دخلوا الموصل والانبار اخبر والديه بعزمه على الالتحاق بصفوف المقاتلين رُفض طلبه من قبل والديه بادئ الامر لصغر سنه ، إلا أن احمد ذا العشرون ربيعا استطاع اقناعهم بالقول: ألستم ترددون دائما: يا ليتنا كنا معكم! فهذه هي الفرصة لتكونوا مع انصار الحسين عليه السلام... استطاع اقناعهم وبل جعلهم فخورين به لأنه كان يترقب هذه الفرصة فقلبه المتّقد يتوهج كالجمر في مواقد الشتاء الليل ضيف ثقيل يكتم انفاس الصباح فثمة روح ترتقب تحت استاره بزوغ الفجر ليلتحق بصفوف المجاهدين تنفس الصباح، تألقت عيناه حمل حقيبته تزود من النظر الى وجه والديه ففي غياهب نفسه احتشدت كلمات الوداع الا انه اكتفى بالقول: في حجكم هذه السنة نحو قبلة الاحرار لا تنسوني من الدعاء انسابت كلماته في اعماقهم وتركت صداها: اذكروني في دعائكم. كانه ينعى نفسه! حمل حقيبته ثم لوح بيديه مغادرا: أراكم بخير حل شهر صفر وبدأ كرنفال الزحف الحسيني يشق طريقه من اقصى نقطة على الارض الى كعبة الاحرار. وقعات خطواتهم وتراتيلهم مزجت بعطر النبوات المنعبث من قباب ذهبية عانقت السماء شموخا فبين وقع الخطى وازيز الرصاص كان اليراع يخط في سفر الوجود اجمل القصص عن رجال لهم قلوب كزبر الحديد يترجمون عشقهم تراتيل تعزفها سمفونية الشهادة لتسكب ارواحهم في قارورة الخلود ففي قاطع محكول أزفت لحظة الرحيل واحتشدت الارواح لتلتحق بركب الملكوت الاعلى فها هو الحسين عليه السلام يسقيهم من كأسه الاوفى واقعة الطف تستحضر احداثها في مخيلة احمد التفت الى اصدقائه مودعا وهو يتلو: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى غفت عيناه على قلادة من دم نحره تزين وجهه ابتسامة رضا لقد نال مبتغاه ارتقى سلم الوصال يشق الناس طريقهم من كل فج عميق ليالي وأيام بخطى تعجز الارض عن عدها وفي كل مرة تنتحب ان فقدت وقع اقدامٍ عهدتها اول الماشين تهتف باسمه في كل غرف النداء الا ان احمد اختصر الطريق واخترق حدود الزمن وعبر العوالم ونال قرب معشوقه صار يرى الماشين للحسين عليه السلام كما لم يرهم من قبل المشهد من الاعلى اكثر عظمة رأى امرأة تحمل صورته تمشي بعنق مشرأب والنساء يرشقنها بعبارات لائمة جارحة ما اقسى قلبك! قذفتيه في اللهوات كان غضا فتيا شبّ لتوه ترد عليهم بحزم: هيهات هذا جمال صحيفتي وزينتها عند الحسين وفداء له رأته ذات ليلة في عالم الرؤيا يحمل مفاتيح وهو يبتسم: مفاتيحكم انت ووالدي بيدي لكل هاتف رمز سري يحتفظ به صاحبه مغلق الا احمد بقى هاتفه مفتوحا برصاصة اخترقت شاشته ليستقر في ساقه..... رجاء الانصاري
اخرىلقد فرقت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة بين الإمامة والنبوة والرسالة من حيث المفهوم والحقيقة ، فالنبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية بين الحق تبارك وتعالى وبين خلقه ، بما يوحى إليها من قبل الحق تبارك وتعالى ، فالنبي هو الذي ينزل عليه الوحي ، وما يستلمه من الوحي يعطيه للناس ، ولا يجب على النبيّ عليه السلام الإبلاغ في حال عدم طلب الناس منه ذلك ، بخلاف الرسول ؛ فإنّه يجب عليه الإبلاغ وإن لم يطلب منه الناس ذلك ، وقد يجتمع الأمران في شخص واحد فيكون نبياً ورسولاً في آن واحد . وأمّا الإمامة ، فهي مقام يوجب على صاحبه قيادة الأمّة دينياً واجتماعياً وسياسياً ، وفق ضوابط وقواعد الشرائع السماوية الموجبة لإيصال كل فرد من أفرادها إلى كماله وهدفه المطلوب منه . وهي منزلة قيادة البشرية ، فالإمام يسعى إلى تطبيق أحكام الله عملياً عن طريق إقامة حكومة إلهية ، واستلام مقاليد الأمور اللازمة ، وإن لم يستطع إقامة الدولة يسعى قدر طاقته في تنفيذ الأحكام . بعبارة أخرى : مهمة الإمام تنفيذ الأوامر الإلهية ، بينما تقتصر مهمة الرسول على تبليغ هذه الأوامر ، وبتعبير آخر أيضاً ، مهمة الرسول ، إراءة الطريق ، ومهمة الإمام الإيصال إلى المطلوب . . . ومن نافلة القول أن كثيراً من الأنبياء ، كنبي الإسلام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام حازوا على المنازل الثلاث ، كانوا يستلمون الوحي ، ويبلغون أوامر الله ، ويسعون إلى إقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام ، وينهضون - بما لهم من تأثير روحي - بمهمة تربية النفوس . فختمت النبوة لخاتمية الرسالة والشريعة فكانت الشريعة الاسلامية تامة وشاملة لجميع نواحي الحياة إلى يوم القيامة ، وكملت بتعيين من تستمر بهم مهمة تطبيقها وحفظها وحمايتها وإيصال الناس إلى المطلوب الإلهي وهم الأئمة الهداة صلوات الله عليهم ، فهم الحافظون للشريعة والمحامون عنها والمطبقون لها بتفسير وتبيين حقائقها ودقائقها مما علّمهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وما أُلهموا به من علومهم الخاصة الربانيّة ، فعن النبي صلى الله عليه وآله في احتجاجه يوم الغدير حيث قال : علي تفسير كتاب الله ، والداعي إليه ، ألا وإن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأُعرّفهما ، فأمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فأمرت أن آخذ البيعة عليكم والصفقة منكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده ، معاشر الناس تدبروا وافهموا آياته ، وانظروا في محكماته ولا تتبعوا متشابهه ، فوالله لن يبين لكم زواجره ، ولا يوضح لكم عن تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده .(وسائل الشيعة ج 18 ص143 ). الشيخ مصطفى الفرهود
اخرىتعددت المظلوميات الإعلامية التي تعرض لها الإمام الحسن (عليه السلام) بتعدد الظروف السياسية والتحديات التي واجهها الإمام وعلى أكثر من صعيد ومنها مسألة صلحه مع معاوية فقد كثر فيه القول والمغالطات والاتهامات الكثيرة وسنمر سريعا على بعض قراءات الواقع الموضوعي لصلح الإمام الحسن (عليه السلام). تتعدد القراءات لأي حدث مهم في الحياة الإسلامية تبعا لخلفيات الواقع الموضوعي المحيطة بذلك الحدث وتبعا لتعدد الايديولوجيات والتوجهات السياسية والاجتماعية لأفراد الأمة، وأيضا البعد الزمني وتعاقب الأجيال كفيل بتغير قراءة الحدث حسب متطلبات وفهم كل عصر ، وصلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية من الاحداث المهمة والمفصلية في حركة الإسلام وللأسف الشديد لم يُقرأ هذا الحدث بصورة صحيحة من كافة جوانبه مما انعكس سلبا على واقعنا الإسلامي حتى يومنا هذا. الإمام الحسن (عليه السلام) قمة سامقة وروح ابية لا تعرف إلا الحق ولا تنحني للباطل فهو سليل النبوة وربيب الإمامة والمسدد من السماء لكنه أرغم على إبرام معاهدة الصلح مع معاوية، وأول قراءة خاطئة لهذا الحدث هي مفردة (الصلح) نفسها ففي اللغة تعني السلم(1) أو الهدنة(2) أي وقف النزاع والحرب وبتعبيرنا العصري وقف إطلاق النار وإن ما يتردد عن معنى الصلح بمعنى الموائمة والموافقة فهو ناجم عن الجهل بمعاني الألفاظ الفصيحة تماما مثل كلمة (ولد) نطلقها على الذكور فقط بينما في اللغة هي كلمة مشتركة بين الذكور والإناث، وايضا كلمة (شاطر) التي نطلقها للمديح بينما معناها اللغوي (الخليع)(3) فتأملوا !! ولعل أهم القراءات لوثيقة الصلح تكمن في أسبابها والواقع الموضوعي الذي فرضها على الإمام الحسن (سلام الله عليه) فبعد ان ابتدأ معاوية الحرب دعا الامام الحسن (عليه السلام) الأمة الى التجهز للحرب ولكنه قوبل بالتجاهل وعدم تحمل مسؤولية الجهاد وهنا تكشـّف للإمام واقع الامة التي يقودها وقد استبد بها الضعف و التخاذل، وأكمل الإمام الحسن مسيرته الجهادية وعسكر في النخيلة وقفل راجعا إلى الكوفة يستحث الناس على الجهاد حتى اكتمل قوام جيش الإمام أربعة آلاف مقاتل ورغم هذا العدد الكبير إلا انه كان جيشا ممزقا يعتريه الخور والفتن والمؤامرات والخيانات لهذا تخلخلت موازين القوى في جيش الامام باتجاه خدمة المصالح الأموية... إضافة إلى إن المقاتلين في جيش الإمام كانت تتنازعها الشعارات والأهواء والمصالح ففيهم من كان يبتغي الغنائم ومنهم من انضم لمجرد حقده على البيت الأموي رغم بغضه لأهل البيت! ومنهم من كان متعاطفا مع وعود بني أمية. إضافة إلى إن روح الملل من الحرب قد سرت في جيش الإمام بعد أن خاضت مع الإمام علي (عليه السلام) حروبه الثلاث: الجمل وصفين والنهروان ولما تندمل جراحها بعد، ورغم أن المخلصين في جيش الإمام كثر إلا إن النوع والكم لا يتناسبان وحجم المؤامرات الأموية داخل جيش الإمام . أما سلاح المال والإغراء فقد لعب دورا كبيرا في قلب المعادلة لصالح الحزب الأموي فقد اشترى معاوية زعماء القبائل بالمال حتى أعلنت ولاءها لمعاوية وعاهدته أن تسلم الإمام أسيرا له في الحرب ولهذا قال (عليه السلام) :(والله لو قاتلت معاوية لأخذ بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لئن أسالمه وأنا عزيز أحبّ إليّ من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن عليّ فتكون سبّة على بني هاشم آخر الدهر)(4). وايضا حرص الامام الشديد على حقن دماء الأمة والمخلصين منها بقوله (عليه السلام) :(إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين داعي)(5) وقوله سلام الله عليه :(ما اردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل)(6) إضافة إلى تحلي الامام الحسن (عليه السلام) بالورع حتى في الحرب فهو لا يغدر او يتآمر كمعاوية ولا يسعى للسلطة و الحكم كما يفعل معاوية. كما كانت محاولات اغتيال الأمام الحسن في معسكره العامل الأكبر للقبول بهذا الصلح فقد تعرض (عليه السلام) لثلاث محاولات اغتيال أولها عندما غدروا به وهو يصلي ولم يفلحوا في قتله، والمحاولة الثانية عندما طعنه رجل بخنجر أثناء الصلاة، وأما المحاولة الثالثة فقد كانت أخطرها عندما هجمت مجموعة على الإمام وانتهبوا فسطاطه وأخذوا مصلاه من تحته وهجم عليه الجراح بن سنان الأسدي وطعنه في فخذه وبقي الإمام طريح الفراش عند عامله على المدائن . كما إن هناك قراءات مهمة جدا لوثيقة الصلح نجدها في بنود الوثيقة نفسها ومنها تسليم الأمر لمعاوية على أن يكون الأمر للحسن من بعده فإن حدث له حدث فلأخيه الحسين وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد وأن يترك سب الإمام علي (عليه السلام) وان الناس جميعا خاصة شيعة علي آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا من أرض الله وأن لا يتبع أحد بما مضى وأن لا يبغي للحسن أو الحسين غائلة سرا و لا جهرا(7) . إن الامام الحسن (عليه السلام) مع اعتداده بالواقع الموضوعي عند اتخاذه قرار الصلح إلا أنه يرى ببصيرته وحكمته النتائج المستقبلية له، وهو افتضاح حقيقة الحكم الاموي وكشف زيفه حيث نكث معاوية جميع العهود والمواثيق بعد الصلح مباشرة بقوله(ألا أن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به)(8). ولعل أهم قراءة لنتائج الصلح تلوح في أفق عاشوراء حيث مهّد الصلح لمشروعية قيام الحسين (عليه السلام) وردّ على جميع الأقاويل من أن الحسين خرج على الحاكم أو أنه خرج طلبا للسلطة وجميعها مردودة من خلال الصلح لو تأملنا فيه قليلاً، خاصة بعد أن أرسل الشيعة كتبا للإمام الحسين (عليه السلام) أيام معاوية تشير عليه بالخروج واتخاذه خليفة، فرفض قائلاً: إن بيني وبينه لعهدا، مشيرا بذلك الى الصلح . وبلحاظ ما تقدم من القراءات المختصرة لأسباب الصلح وشروطه ونتائجه يتبين لنا أن الامام الحسن كان غاية في الحنكة والذكاء في التعامل مع الظروف الصعبة من خذلان الأصحاب وقلة الناصر إضافة الى الدسائس والمؤامرات الأموية التي كانت محيطة به مستخدما الإمكانيات المتاحة في قراءة الاحداث وصناعة القرار قبل الصلح وبعده. الهوامش (1)القاموس المحيط للفيروز آبادي ص221 وجاء في كتاب التعريفات للجرجاني ج1 ص43 الصلح في اللغة: اسم من المصالحة وهي المسالمة بعد المنازعة ،وفي الشريعة عقد يرفع النزاع (2)مجمع البحرين للطريحي ج6 ص240 هدن (المهادنة): المعاقدة على ترك الحرب مدة معلومة بغير عوض والهدنة السكون ، والهدنة الصلح بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين (3)قال الزمخشري في كتابه أساس البلاغة ص 242 (وفلان شاطر :خليع) ، وذكر الفراهيدي في كتاب العين ص118 (يسمى كل شاطر وشاطرة خليعا وخليعة)، وجاء في تاج العروس لأبي الفيض ص3003 (فلان شاطر: معناه أنه آخذ في نحو غير الاستواء) (4)التحتجاج للطبرسي ج2 ص10 (5)صلح الإمام الحسن (عليه السلام) من منظور آخر للأسعد بن علي ص98 (6)صلح الحسن لعبد الحسين شرف الدين ص238 (7) المصدر السابق بتصرف ص 260_261 (8)شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ص234 عبير المنظور
اخرىيهدرون كالسيل دونما توقف، الغبار يلاحقهم والمطر، الشوك يعترضهم والحجر، لكن ما يدفعهم للأمام ليس الأقدام! بل أشواق بعيدة ، أشواق لذلك الحبيب، الذي يحيون به! سيد ومنحر ، مسك وعنبر، عبرات وعبر، يهدرون ..ويهدرون، ولسيدهم مشتاقون، وحينما يصلون، تتحد الارض والسماء! يا الله! من أنت؟ ومن أنا؟ ماذا أعطاك الله! وماذا أعطيته؟! تربك يعمد القلوب ويزكيها، حبك يقولب النفوس لأتباع الحق، وأرضك جنة الله ولا شك أنها بيته! طوال23 سنة مضت ولم أعرفك بعد! يا للحسين! ومتى سأعرفك؟! أم أني بطيئة في فهم تلك الرسالة، وحتى هذه اللحظة ، أنا لا أعرفك! أنا أحوج ما أكون لمعرفتك ، لكني لا أعرفك للآن ، آمل فيما بعد أن أعرفك، لكن أفكر أحيانا ، هل أحتاج إلى أن أعرف ذلك الحسين؟ فتخبرني نفسي ، أشعلي تلك الجذوة بالشوق ، واستمري بتهيئة السبل لاستمرار إيقادها ، وها أنا ذي! أشعلها بالشوق كل يوم ، وانثر بذار حبي لذلك الطيب الحسين عسى لتلك المضغة أن تعرف سيدها فتتخلق بأخلاقه.. اللهم عرفني حجتك الحسين آمنة العيداني
اخرىملاحظات حول الحجاب السلوكي أولاً: ملاحظات حول المشي: للاعتقاد الأثر البالغ في السلوك بقطع النظر عن مدى إيجابيته من عدمها، ولو تأملنا في الاعتقادات الاسلامية قليلاً لوجدناها كلها تدفع بالإنسان نحو السلوك الحسن والتصرف الإيجابي والأفعال الحميدة والأعمال الصالحة، أبرزها الاعتقاد أننا أينما كنا وأينما حللنا وفي أي وقتٍ كنا وعلى أيِّ حال صرنا فإننا في حضرة الله (تبارك وتعالى)، ولو وضعنا آيةً واحدة فقط مكوّنة من خمس كلماتٍ فقط نصب أعيننا لكان الاعتقاد بها كفيلاً بتصحيح سلوكنا طيلة حياتنا وهي قوله (تعالى): أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) العلق 14 فيا عزيزتي الغالية، وأنت تخطين خطواتكِ المباركة لزيارة السبط الشهيد (عليه السلام)، دعي قلبكِ يستنير بهذا الشعور الجميل، الشعور بأنكِ بحضرة الله (تبارك وتعالى)؛ لينعكس نوره على حركاتك وسكناتك، فلا تتحركين إلا بما يُرضي الشرع ولا تسكنين إلا طاعةً لرب العالمين.. ومن المعلوم أن زيارة الامام (عليه السلام) مشياً على الأقدام لا تكون إلا في الطرقات العامة، أي تكون المرأة طيلة مشيها ذلك في مرأى من الأجانب، وعليه أختي الزائرة لابد من أن تحجِّبي سلوككِ، أي تمتنعين عن كل ما يثير الافتتان بكِ مهما كان يسيراً في نظركِ، وإن كانت نيتكِ سليمة أو لم تكوني تقصدين بالإتيان به إثارة غيركِ أو لفت أنظاره.. فإذا مشيتِ أختي العزيزة فحاولي أن تمشي ضمن مثيلاتكِ في الطريق الذي يخلو من الرجال أو يقل تواجدهم فيه نسبياً، ولتكن مشيتكِ بسكينةٍ ووقار وكأنكِ تنظرين السيدة الزهراء (سلام الله عليها ) أمام ناظريكِ وتقلدينها في مشيتها، وقد ترين وأنتِ في طريقكِ من تحشر نفسها بين الرجال الأجانب، فهذه فرصتكِ أختاه المؤمنة لتنبيهها بلطفٍ ولباقة بأن هذا الوضع لا يليق بالمؤمنات العفيفات، واحرصي على أن تقدِّمي لها البديل كأن توجهي إليها دعوة بالانضمام اليكِ أو تدلّيها على طريقٍ آخر، أو توضحي لها أن التأخر في الوصول الى الامام الحسين (عليه السلام) أو عدم قطع كل المسافة لهو الخيار الأصوب؛ لأنه يحافظ على واجب شرعي وهو (حجابكِ)، كما يحافظ على ثواب المستحب الذي تعبتِ من أجله وهو (زيارتك)، بخلاف خيار التدافع مع الرجال الذي يفقدكِ ثواب المستحب، بل ويحملِّكِ وزر التهاون في أداء الواجب. ومما لاشك فيه ــ أختي المؤمنة ــ أنكِ لحريصة على ستركِ وحجابكِ، ولذا تتمسكين بعباءتكِ خشيةَ أن تنفتح أثناء المسير، ولكن حماكِ الله وأيّدكِ قد تجدين من فاتها هذا الأمر أو تهاونت به لسببٍ أو لآخر، فحاولي توجيهها بكل رفق ولين، وإياكِ أن تكوني سبباً في نفور إحداهن من الدين.. ومن اللطيف أن تحملي معكِ أختي الموالية بعضاً من الدبابيس والخيوط والإبر لتعيني أخواتكِ على إحكام غلق عباءاتهن بواسطة تلك الوسائل البسيطة وبلا شك ستنالين الثواب الجزيل من الله الكريم والمكانة الرفيعة عند سيدتك العقيلة.. وأنتِ أختي الحبيبة كان الله في عونكِ فلكَمْ تعبتِ في قطع هذا الطريق حباً وتقرّباً لسيدكِ ومولاكِ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أفيُعقل أن ترضي بأن تؤذي قلب سيدكِ وأنتِ التي ذرفتِ الدموع تلو الدموع حزناً عليه؟! أم هل تتقبلين أن يُعرض بوجهه الكريم عنكِ وأنتِ التي لتراب قبره كم تمنيتِ لو تقبلين؟! فلا تدعي من تهاونكِ في التمسك بطرفي عباءتكِ وإهمال إحكام حجابكِ أن يقف سداً منيعاً بينك وبين إمامكِ وشفيعكِ.. وإن كان هذا الأمر يصعب عليكِ فمن المستحسن أن تستعيني بالدبابيس أو (الطباقيات) على ذلك، وحينها تضمنين أن العباءة ستكون ساترة لتمام بدنكِ إن شاء الله.. وأثناء مسيركِ المبارك أختي المصونة قد يسقط من يديكِ شيئ ما فتضطرين إلى حمله، فحاولي أن تستعيني بمن معكِ من الصغار لأجل ذلك، وإن لم يكن معكِ من الصغار أحد فحاولي أن لا تنحني عليه بل اجلسي لترفعيه من الأرض، فإن ذلك أقرب إلى الستر والحجاب.. وأما بعد إكمالكِ الزيارة ــ وفقكِ الله أختي المؤمنة وتقبل منكِ ــ فالمرجو منكِ أن تتريثي قليلاً ولا تستعجلي في العودة إلى منزلكِ لئلا تقعي في إشكالية الاختلاط مع الرجال ومحذور احتمال وقوع المنافيات الشرعية ــ لا سمح الله ــ حتى تجدي وسيلة نقلٍ تأمنين فيه على حجابكِ وتحفظين فيها كرامتكِ ... ثانياً: ملاحظات حول الصوت والكلام تميّز الامامية بإحياء مناسبات أئمتهم في الأفراح والأحزان، ولا يقتصر إحياؤهم لتلك المناسبات على مشاركتهم لأئمتهم في فرحهم ومواساتهم في حزنهم وحسب، بل هي بمنزلة تجديد العهد والولاء بالتمسك بمنهجهم المبارك (عليهم السلام) والاقتداء بسيرتهم العطرة أيضاً، وزيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) ــ أختي العزيزة ــ كواحدةٍ من تلك المناسبات الدينية لا بدَّ أن تأخذي بنظر الاعتبار فيها كلا الأمرين ، فتواسين أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الفاجعة المؤلمة أولاً، وتعاهدينهم على التمسك بمنهجهم الحق ثانياً، وكلا الأمرين باطني ولكن لابد أن ينعكسا على الظاهر، بحيث تترجمهما الجوارح بكل وضوح، وتجسدهما الأعضاء بكل جلاء.. ومن أهم صور تجسيد تجديد الولاء أختي الموالية هو عدم رفع المرأة لصوتها أثناء حديثها، فإذا تحدثتِ أختي المؤمنة حاولي أن تخفضي من صوتكِ، ولكِ في السيدة زينب (سلام الله عليها) قدوة وأسوة، إذ طيلة مكوثها في بيت أبيها لم يُسمَع لها صوت. وإنه لمن الصحيح ــ أختي الفاضلة ــ أن تتجنبي الحديث إلى الرجال الأجانب بغير ضرورة، فإن دعتكِ الضرورة إلى الحديث إليهم فتمسّكي بآداب حديث المؤمنات الوارد في القرآن الكريم إذ قال (تعالى): فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) (الأحزاب 32)، وقد جمعت هذه الآية المباركة آداب الحديث في نقطتين: طريقة الحديث، ومحتواه. فأما طريقة الحديث فينبغي على المرأة المؤمنة التحدث بشكل لائق ومُرضٍ لله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وآله) وذلك بالتزام الاسلوب الاعتيادي في الحديث وعدم التشبه بالنساء المتميّعات اللاتي (يسعين من خلال حديثهنّ المليء بالعبارات المحرّكة للشهوة، والتي قد تقترن بترخيم الصوت وأداء بعض الحركات المهيّجة، أن يدفعن ذوي الشهوات إلى الفساد وارتكاب المعاصي)( التفسير الأمثل ج13 ص234) وأما محتوى الحديث فقد عبّر الله (تعالى) عنه بالقول المعروف: وله معنى واسع يتضمّن بالإضافة إلى ما تقدّم نفي (كلّ قول باطل لا فائدة فيه ولا هدف من ورائه، وكذلك .. المعصية وكلّ ما خالف الحقّ)(نفس المصدر). وقد عبّر القرآن الكريم عن القول الذي ينبغي أن تلتزم به نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بـ (القول بالمعروف) دفعاً لما قد يُتصوَر أنّ تعامل نساء النّبي (صلى الله عليه وآله) مع الأجانب ينبغي أن يكون مؤذياً وجارحاً وبعيداً عن الأدب الإسلامي، فعبّرت الآية بالمعروف لتبيَن وجوب أن يكون الحديث بأدب يليق بهنّ، بحيث يخلو من كل صفة مهيّجة وفي الوقت نفسه يتّسم بالأدب والبعد عن الإيذاء.. وهذا حد الاعتدال في الحديث الى الأجانب الذي ينبغي لكل مؤمنةٍ أن تتمسك به.. ثالثاً: ملاحظات حول المبيت والاستراحة والطعام رحلة الزيارة إلى الامام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام لا تخلو من العناء المادي كما هو معلوم، وعليه فللجسم حق الراحة والتزوّد للتقوّي على العبادة وإكمال المسيرة، ومن هنا قام لفيف من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات بنصب مواكب أو بناء حسينيات لغرض استراحة الزائرين والزائرات فيها، مهيئين ــ جزاهم الله خير الجزاء وجزاهن ــ كل ما يحتاجه الزائرون و ما تحتاجه الزائرات من وسائل الراحة.. فيا أختي المؤمنة حاولي أن لا تستريحي على الطرقات أو في الساحات المكشوفة أو على المقاعد المخصصة للجلوس في الشارع حيث تكوني في معرض أنظار الرجال الأجانب، وإن كنتِ بحاجة إلى استراحة خفيفة وقصيرة لا تتجاوز دقائق معدودة مثلاً فلا بأس بالجلوس على تلك المقاعد على أن تختاري البعيد منها عن الأنظار ولتكن جلستكِ بكل وقار وبكامل ستركِ وحجابكِ. كما يفضل أن تحتاطي ولا تستريحي فضلاً عن المبيت في داخل البيوت إلا إذا قطعتِ أنكِ ستكونين بمأمنٍ على نفسكِ وستركِ وشرفكِ، ولعل المكان الأكثر أمناً للزائرات هو المواكب والحسينيات المعدّة للنساء والموجودة على طريق الزائرين؛ لأنها تتوفر على كل ما يحتجن إليه الزائرات من جهة، ويكنَّ فيها أكثر حريةّ حيث لا يتقيدن فيها كثيراً لاقتصارها على النساء من جهةٍ أخرى. ولكن مع ذلك لا بد أن تستفيدي من نباهتك أختي المؤمنة فقد يدخل هذه المواكب والحسينيات بعض الصبيان المميزين لكونهم برفقة أمّهاتهم غالباً، فحاولي التقيد بالحجاب المناسب أمامهم وتنبيه من معكِ من الأخوات الى ذلك أو أن تقومي بالاتفاق مع صاحبة الموكب أو الحسينية لتوفر لهم مكاناً منعزلاً عن النساء، بعد استثمار حكمتكِ ورفقكِ في الحديث إلى والدتهم واقناعها بذلك.. وأما بالنسبة الى الطعام، فحاولي أختي العزيزة أن تكون استراحتكِ في إحدى الحسينيات أو المواكب المعدة للنساء قبل أذاني الظهر والمغرب بنصف ساعة على أقل التقادير لتتمكني من غسل يديك والوضوء والتهيؤ للصلاة والراحة وتناول الطعام، وأما الإفطار الصباحي فحاولي أن تتناوليه داخل الحسينية أو الموكب قبل مغادرتك وإن تأخر عليكِ قليلاً لأن ذلك أفضل بالتأكيد من تناولكِ للطعام بمرأى من الرجال الأجانب.. ولشدة حب الموالين للإمام الحسين (عليه السلام) فإنهم يقومون بتوزيع الوجبات الخفيفة والفواكه والعصائر وما شابه ذلك بين الوجبات الرئيسية على الزائرين والزائرات وغالباً ما يتم التوزيع في الطريق، فحاولي أختاه أن تثبتي للإمام الحسين (عليه السلام) أنت أيضاً حبكِ له بالحفاظ على حجابكِ من خلال عدم مزاحمة الزائرين أو التدافع مع الزائرات من أجل وجبةٍ غالباً ما تكونين لستِ بحاجةٍ ماسةٍ إليها. وأما إن كان السبيل إليها سهلاً ولا يؤثر على حجابكِ وأعجبكِ تناولها فلا بأس طالما ستختارين أختي المصونة محلاً بعيداً عن الأنظار أو داخل إحدى الحسينيات والمواكب لتناول الوجبة.. ولا تنسي أختاه المؤمنة أن تأخذي من الطعام ما يناسب حاجتكِ إليه لئلا تضطري إلى رمي المتبقي منه فتأثمي ــ لا سمح الله ــ، وتذكري دائماً وذكّري من كان بحاجة إلى الذكرى بقوله (تعالى): إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) (الاسراء 27). فإن تناولتِ طعامكِ هنيئاً مريئاً لا تنسي أختي الفاضلة أن تحافظي على نظافة المكان كما أنتِ مواظبة على ذلك في المنزل، وذكّري من حولكِ أن طريق الامام الحسين (عليه السلام) طريق مبارك، فليس من الصحيح أن ترمى فيه النفايات ومخلفات الطعام.. وقد يصادفك بعض باعة الكرزات وما شاكل ذلك من الحلوى، فانتبهي أختاه وفقكِ الله أنكِ لستِ في نُزهة أو سفرةٍ لتغيير الجو وتحسين المزاج لتتسلي بتناول هذه المأكولات، بل تذكري دائماً أيّدكِ الله وذكّري أخواتكِ المؤمنات بأسلوب رقيق وعذب أن الزيارة لأجل المواساة ولا تتفق التسلية بمثل هذه الأمور مع المواساة قطعاً.. رضا الله غايتي
اخرىثانياً: الحجاب الباطني : وهو حجابٌ لا يقتصر على النساء فقط بل يشمل الرجال أيضاً، والمقصود به: ما يحجب الانسان عن الرذيلة والفساد وعن كل ما من شأنه أن يغضب الله (تعالى) ويسخطه، ويتمثل بالعفة والحشمة وغض البصر، وعدم الرضوخ للشهوات المحرمة والانجرار وراء الملذات الممنوعة.. ولذا أختي الفاضلة فإن الحجاب لا يتم إلا بحجب قلبكِ عن الوقوع في العشق المحرم ونفسكِ عن الشهوة المحرمة والعياذ بالله، ومن أهم أبوابهما العين والأذن، فاجتهدي أختاه في غض البصر وحجبه عمَا حرَم الله (تعالى) فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عز وجل لا لغيره أعقبه الله إيمانا يجد طعمه (1). ولذا فقد نهى الله (تعالى) عنه قائلاً في خطابه إلى نبيه (صلى الله عليه وآله): قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ (2) وحاولي أختي المؤمنة أن تُحجِّبي سمعك هو الآخر فلا تسترقي السمع إلى ما لا يعنيكِ شأنه؛ فقد قيل قديماً أن الأذن لتعشق قبل العين أحياناً. وركزي جهدكِ طيلة مسيركِ على المصائب التي حلَت في واقعة الطف المفجعة واستذكري مصارع الكرام المؤلمة، واستحضري مواساة سيدة النساء وابنتها العقيلة عليهما السلام والنسوة الطاهرات فإن من شغلت ذهنها بهذا الأمر العظيم لا ترى ما يصادفها من مغريات إلا أمراً تافهاً وحقيراً فتترفع عنه بيسرٍ وسهولة. وقد يتحجج بعض الشباب والشابات بصعوبة غض البصر وبالتالي عدم تحقيق الحجاب الباطني لكثرة المغريات وشدتها التي تتزامن مع فوران الشهوة لديهم وثورتها، ولا ننكر صعوبة الأمر لاسيما في التجمعات التي يكثر فيها الاختلاط كالمعاهد والجامعات ولكن مع ذلك فإن الأمر ليس مستحيلاً إذا ما جُعِلَ زمام القيادة بيد العقل وكانت النفس منقادة إليه تأتمر بأوامره وتنتهي عن نواهيه. كما إن الله (تعالى) قد احتج على كل من الرجال والنساء، فأما الرجال فقد احتج عليهم ببطل الورع والتقوى والطهارة النبي يوسف (عليه السلام) الذي كان شابّاً كباقي الشباب يحمل جميع الأحاسيس والغرائز في هذه المرحلة العمرية ولكنه عقَلَها بقوة العقل والتقوى والايمان، فصمد أمام نسوة مصر وإغرائهن لاسيما امرأة العزيز التي اجتهدت في اغرائه وتهيأة كل الظروف المناسبة لما كانت تخطط له . وأما النساء فقد احتج عليهن بالسيدة الطاهرة مريم العذراء (عليها السلام) إذ عاشت طاهرة مطهرة نقية الجيب، حتى كان يضرب بها المثل بين الناس في العفة والتقوى. وقد نسمع من بعض الفتيات المؤمنات اليوم أنهن لا يأبهن أي خطر على عرضهن طالما كُنَّ على ثقةٍ من ورعهن وعفتهن، وهذا خطأ كبير فالقرآن الكريم عندما نقل إلينا طريقة تعاطي سيدة العفاف مريم (عليها السلام) مع المَلَك الذي دخل عليها في خلوتها على هيأة رجل جميل لم تكن على هذا النحو... نعم، هي لم تضعف عند دخوله في محل خلوتها لأنها كانت مطمئنة إلى عفتها وورعها ولكنها في الوقت نفسه داخلها الرعب والاضطراب لأنها تجهل الشخص الذي أمامها كما تجهل نيته، فالتجأت الى الله (تعالى) مباشرةً وقالت: إِنّي أعوذ بالرحمن منك إِن كنت تقياً (3) فذكرت اسم الرحمن الدال على شمول رحمته وعمومها لجميع خلقه ترغيباً لهذا الرجل في التقوى وليرتدع إِن كانت له نيّة سيئة في ارتكاب المعصية، ولم تهدأ حتى علمت بأنه رسول ربها إليها. ولعل هذا المعنى المقصود من الجبن المحبب في المرأة. أختي الكريمة كما أن غض البصر وحجب السمع عمّا حرم الله (تعالى) من أهم سبل الحفاظ على الحجاب الباطني فإن بعض المقدمات التي قد لا ترين فيها إشكالاً قد تكون من الأبواب المؤدية الى المحرمات، كالحديث البريء بين الجنسين والذي لا تشوبه شائبة محرمة أو نيَة فاسدة ولم يكن في خلوة إلا أنه بالرغم من ذلك قد يشكل مقدمةً لارتياح كل منهما للآخر، والذي ربما يمثل مدخلاً من مداخل الوقوع في المحرمات والعياذ بالله ولو بصورة تدريجية.. وليست المحادثات التي تتم بين الجنسين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأقل شراً من ذلك الحديث المباشر بينهما فإنها قد تجر المرء رويداً رويداً نحو الحرام والعياذ بالله خصوصا وإن الشيطان الذي لا يتمكن من إيقاع المؤمن والمؤمنة مباشرةً في المحرمات فإنه يبذل كل ما في وسعه لتحقيق ذلك ولو بخطواتٍ صغيرة تلو خطوات، ولذا حاولي أختي المصونة الابتعاد عن كل ذلك والاقتصار فقط على ما هو ضروري جداً منها كما لو كان الحديث لأجل التعلم او العمل مثلاً ... مما تقدم تبين جلياً أن من أهم مقدمات تحصيل الحجاب الباطني وصونه ، هو غض البصر وحجب السمع إضافةً إلى تجنب الوقوع في بعض المقدمات وإن كانت مباحة التي قد تؤدي إلى هتكه.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)ميزان الحكمة ج10 ص383 (2)النور 30و31 (3)مريم 18 رضا الله غايتي
اخرىإنه أحد أيام شهر الله المبارك وكنا نتهيأ لحرب بدر الكبرى وقد تركنا ما تركنا من متاع الدنيا وزبرجها ولحقناه نصرة له ولدينه ، وما أجمل الانصياع لأوامره ،إنه ألذ من الشهد ، نصطف صفوفاً وقد لبسنا القلوب على الدروع ، نستمع بوعي لكل كلمة تنطقها شفتاه القرمزيتان. لطافة روحه تظلل علينا فلا نشعر بحر ولا عطش . أراه أمامي يروح ويغدي فيختمر الهواء بأنفاسه العذبة فتلطف الجو من حولي ، ما أكرم السماء حين تغدق علينا بسخاء مكنونات صدرها ، وهو أعظم ما أجادت به علينا . ما زال يروح ويغدي أمامنا ويسكب في عاقلتنا العظات البالغة، إنه متكلم مفوه وخطيب مصقع ، عارف نابه. رباه ،إنه يقترب وتزداد نبضات قلبي وكأنه يحاول أن يقفز من مكانه ليعانقه ، محياه سرق عقلي، فجماله يمخر عباب قلبي فهو لا بالطويل الشاهق ولا بالقصير اللاصق، أبيض اللون مشرب بالحمرة، اقنى الأنف، أدعج العينين، أزجّ الحاجبين، رقبته كأبريق فضة، وعيناه كحيلتان، جعد الشعر شديد السواد كالليل المظلم،. وتلك الشعرتان النازلتان والمتصلتان في شحمة أذنه لهما رائحة كالمسك الأذفر، لقد أخذ بمجامع قلبي فلا أبصر غيره، كلما دققت النظر في وجهه يبدو لي كالشمس الساطعة لا أتبين غير ذلك النور الذي يصهر الذنوب. يقترب أكثر ورائحة المسك تملئ أنفاسي. أخذ يعدّل الصفوف ويقوم بتسويتها بعود سواك بيده يعدل الصفوف لتكون متراصة، ومن دون شعور مني خرجت من الصف شوقاً له، فوخزني في بطني قائلاً :استوِ يا سواد، لا أعلم أي شعور خالجني لحظتها فانطلق لساني سابقاً كل جوارحي _لقد أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني.. لم أعرف من قبل بحذاقة لساني وتعقله! بدون تردد منه كشف لي عن بطنه وقال لي :استقد! لحظات مرت وكأن الأرض تميد بي ما أشد تواضعه وما أشد إنصافه لغيره ! إنها لحظات لو خيرت بين غايتي وبين حمر النعم ما ابدلته بهم أبداً . فهويت على بطنه الشريفة اقبلها وأشم ريح الجنان منها، قال لي: ما حملك على هذا يا سواد؟ وأي جواب يفي بهذا المقام ! قلت :يا رسول الله ، حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك يمس جلدي جلدك.. وبعدها سللتُ سيفي فبتّ لا أخاف أن وقعت على الموت أو وقع الموت علي .. سماهر الخزرجي
اخرىبين المروج الخضراء واريج الورد تفتحت عاقلتي ونمت ، كنت كالفراشة أنتقل من غصن لغصن من وردة لوردة، استنشق رياحين الطبيعة .فقد ولدت لأب من بلاد فارس ومن دهاقينها وكان من كبار الزرادشتيين في أصفهان، كان له نفوذ وسلطة على بعض الفلاحين ، كان يملك بعض المزارع، لذا كنت ما انفك عن التجوال فيها ، لكن هذه الحرية لم تدم لي طويلاً فقد كنت الابن الأثير لأبي فقد حبسني في البيت كما تُحبس الجارية، كانت الأيام تمر ثقيلة جداً فلم أكن من قبل قد أعتدت على التقييد ! فبرقت لي بارقة أمل لأبدد وحشة أيامي فأصبحت اجتهد في المجوسية حتى صرتُ خادماً في بيت النار، مرّت الايام حبلى بالأحداث وربّ حدث صغير يغير مسار الحياة برمته ! في يومها أرسلني أبي إلى ضيعة له ، وفي طريق رحلتي مررتُ بكنيسة النصارى فدخلت عليهم ، استولت على عاقلتي صلاتهم، فسألتهم عن أصل هذا الدين قالوا: في الشام . في طريق العودة كانت نفسي تصارعني في الهرب إلى الشام فهربت من أبي إلى الشام ، حتى قدمت عليها ، فدخلت على الأسقف ، فتودّدتُ إليه وصرتُ أخدمه وأتعلم فقد استمال قلبي بطيب خلقه، وما كادت تمر الأيام حتى فاضت روحه على يدي بعد أن طلبت منه أن يوصي بي لأحد فقال: قد هلك الناس ، وتركوا دينهم إلا رجلاً بالموصل فالتحق به. حثثت الخطى وفي قلبي تتماوج الفرحة ، الأرض اطويها بين قدمي جذلاً مسروراً، وكيف لا وسوف أصفي نفسي من كدورات الدنيا وشوائبها ، فما مرّت إلا أيام ولحقت لذلك الرجل ، فمكثُ معه أياماً استسقي من علومه، فما إن دنى أجله حتى أوصى بي إلى رجل قال إنه الوحيد الذي بقي على الطريقة المستقيمة في نصيبين ثم مكثتُ عنده سنيناً حتى أحتضر ،فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم، فلحقته، وكنت كالفصيل اتبعه باحثاً عن دين الحق ، فلما حضرته الوفاة كالذين سبقوه ،أقبلت عليه أن يوصي بي من هو على حق لاتبعه ، فكان لي ناصحاً أميناً ، فأشار لي بإصبعه المرتجف : هناك في أرض العرب تزهر الأرض بنبي مبعوث بدين إبراهيم فيهاجر إلى أرض بين حرتين لها نخل ، فرحتُ أسأله بلهفة فما علامته؟ فأجابني: وهو يباعد بين أجفانه التي تكاد أن تنطبقان على هذه الدنيا: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة . فرحتُ أشد الرحال شوقاً ، فمر بي ركب من كلب فخرجت معهم ، كنت فيهم كأحدهم فما أن وصلنا وادي القرى حتى غدروا بي فباعوني من يهودي، بقيت نيراً من الزمن تحت رق العبودية أعمل في زرعه ونخله. كثيراً ما تأتي النعمة مغلفة بالبلاء ، فما أكرم عطايا الرب ، فما مرت أيام إلا واقبل ابن عم له فابتاعني منه وحملني إلى المدينة ، هناك حيث يسكن النبي المبعوث ، فصرت أتحين الفرص للقياه، وأناجي الرب ليعجل لي اللقاء به فما لهذا القلب من قرار ، حتى لقيته ذات يوم مع اصحابه جالساً ، خامرني شعور غريب ، مزيج من الفرح والهيبة التي ملئت نفسي من رؤيته فرحتُ مهرولاً احمل بيدي طبقاً من رطبٍ على إنها صدقة ، كنت أرقب بدقة تصرفاته فرأيته قد أمرَ أصحابه بأن يأكلوا ولم يأكل هو ،لأنها كانت صدقة فقلت في نفسي لقد تحقق واحدة من العلامات ، كان ذلك في قباء . توالت الأيام وقلبي لا يسكن من وجد شوقي له ، حتى لقيته في المدينة وقدمت له رطباً على إنها هدية ، فأكل منه ، اغرورقت عيناي بالدموع ،فبعد رحلاتي الطويلة سأحظى برفقة النبي المبعوث . وشاءت الاقدار ان ألتقي به في بقيع الغرقد وهو يشيّع أحد اصحابه، سلمت عليه واستدرت خلفه فرأيت ختم النبوة بين كتفيه الشريفتين، لا أعلم كم من الوقت مضى وأنا منكب عليه وأقبله وأبكي ، إنه كان أشد شوقاً لي مني، فكانت تلك اللحظة هي بداية ولادتي حيث أسلمت علي يديه، واشتراني من صاحبي فأعتقني. الايام عذبة رقيقة كنسمة هواء رغم قساوة العيش وشظف الحياة إلا أن مرافقتهم ومجاورة أهل البيت عليهم تبدد كل تلك الغيوم القاتمة المحملة بالأرزاء... لقد قرب موعد الرحيل ولقد تزودت لها _فخير الزاد التقوى- فشددت رحالي ورحتُ أحثُ الخطى للحبيب في عليائه كما حثثت الخطى سابقا للقياه ... سماهر الخزرجي
اخرىاحد ابطال زيارة الاربعين، صاحب وخادم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري(رضي الله عنه ) بل هو وجابر أول من زار الحسين عليه السلام في العشرين من صفر بعد استشهاده. لكن مما لفت انتباهي وأثناء الكتابة عن زيارة الأربعين وفضلها هو ان هذا الرجل ليس خادماً فقط بل هو من كبار الشيعة مفسّرٌ، محدثٌ، فقيهٌ، شيعيٌ جَلدٌ؟!! فشمرت عن ساعدي للبحث عن سيرته الطيبة في هذه المقال البسيط تاركا تفصيل الكلام للأخوة القراء. اسمه ونسبه وولادته... هو عطية بن سعد ابن جنادة العوفي الكوفي الجدلي القيسي أبو الحسن من مشاهير التابعين ومن أهل القرآن والحديث وكان شيعيا وبسبب ذلك ضعّفه البعض.(١) الا أنّ أبن سعد في طبقاته قال: (وكان ثقة ان شاء الله وله أحاديث صالحة) (٢) وسيأتي في هذا المقال أسباب تضعيف أحاديثه . وللأسف يُغمط حقه عادة مع أهمية دوره وربما لا يذكر اسمه في المحافل إلا كونه غلاما أو خادما لجابر، ولم يكن غلاما فحسب، وإنما هو تلميذ نجيب لجابر وأبي سعيد الخدري(الكلبي) وراوٍ واعٍ لأحاديثهما وصاحب مواقف.. كان أبوه سعد بن جنادة وهو من بني جديل أول من أسلم من أهل الطائف، وصحب النبي ، وروى عنه عددا من الأحاديث، وبعد وفاة رسول الله كان ممن عرف أمير المؤمنين ، ووالاه وشارك معه في حروبه، وروى عنه بعض الأحاديث. وربما كان في أواخر خلافة أمير المؤمنين عندما ولد له ابن، جاء به إلى الإمام لكي يسميه، فقال هذه عطية الله، وسماه عطية. وقد نشأ عطية في الكوفة، ولذا لقب بالكوفي، إضافة إلى (العوفي) وتشرب التشيع من أجوائها. شيءٌ من سيرته... ولد في خلافة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام. روي أنّ عبد اللَّه بن الزبير دعا محمد بن الحنفية إلى بيعته فأبى ، فحصره ومن معه من بني هاشم في الشِّعب ، وتوعّدهم بالإحراق ، فبعث المختار أبا عبد اللَّه الجدلي في أربعة آلاف ، فسار القوم حتى أشرفوا على مكة ، فجاء المستغيث : اعجلوا فما أراكم تدركونهم ، فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد العوفي ، حتى دخلوا مكة فكبّروا تكبيرة سمعها ابن الزبير فانطلق هارباً ، فأخرجوا ابن الحنفية ومن معه وأنزلوهم مِنى. كما أن عطية كان من جملة الثائرين على الحجاج الثقفي وظلمه زمن الحجاج في ثورة عرفت بثورة القراء فقد خرج عطية مع ابن الأشعث وسعيد بن جبير وغيرهم على الحجاج ، فلما انهزم جيش ابن الأشعث هرب عطية إلى فارس فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي عامله فيها أن: ادعُ عطية فإن لعن علي بن أبي طالب ، وإلَّا فاضربه أربعمائة سوط ، واحلق رأسه ولحيته ، فأبى عطية أن يفعل ، فضربه ابن القاسم السّياط وحلق رأسه ولحيته ، واستقر بخراسان بقية أيام الحجاج ، فلما ولي العراق عمر بن هُبيرة أذن له في القدوم فعاد إلى الكوفة فلم يزل بها الى ان توفي عام ١١١ للهجرة وقيل ١٢٧ للهجرة . ما ورد من شعره نسب ابن شهر اشوب في المناقب ابياتا الى عطية تفيض عشقا وولاءً ومعرفة بأمير المؤمنين علي عليه السلام... رأيت عليا خير من وطأ الحصى واكرم خلق اللّه من بعد احمد وصي رسول اللّه وابن عمه وفارسه المشهور في كل مشهد تخيره الرحمن من خير أسرة لأطهرِ مولود واطيب مولد اذا نحن بايعنا عليا فحسبنا ببيعته بعد النبي محمد(٣) سمّاه الإمام علي عليه السلام عطية قال أبو جعفر الطبري في كتاب ذيل المذيَّل: عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس يكنَّى أبا الحسن، قال ابن سعد أخبرنا سعد بن محمد بن الحسن بن عطية قال: جاء سعد بن جنادة( ابو عطية) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنه قد ولد لي غلام فسمِّه فقال الامام: هذا عطية الله فسُمِّيَ عطية وكانت أمه رومية(٤) . مع القرآن الكريم قال المحقق القمي: (وحكي عن ملحقات الصراح قال: عطية العوفي ابن سعد له تفسير في خمسة أجزاء، قال عطية عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات على وجه التفسير وأما على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين مرة). وهو مطبوع حاليا وموجود في المكتبات. مع الحديث قال المحقق القمي: إن عطية أحد رجال العلم والحديث يروي عنه الأعمش وغيره وروي عنه أخبار كثيرة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو الذي تشَّرف بزيارة الحسين (عليه السلام) مع جابر الأنصاري الذي يُعدُّ من فضائله أنه كان أول من زاره (٥). وقد أخذ عنه أبان بن تغلب ، وخالد ابن طهمان ، وزياد بن المنذر ، كما ذكره النجاشي في تراجم هؤلاء . قال ابن قتيبة : كان عطية بن سعد فقيهاً في زمن الحجاج ، وكان يتشيع . وقد ضعّف عطية جماعة ، منهم : النسائي وأبو حاتم . قال السيد الخوئي : يظهر أنّ تضعيفه ، انّما هو من جهة المذهب ، فقد أكدوا أنّه كان يُعدّ من شيعة أهل الكوفة ، وأنّه كان يتشيع ، قال الساجي فيه : ليس بحجة وكان يقدّم علياً على الكل وقول الجوزجاني : مائل . وعليه فإنّ تضعيفهم إياه لا يُعبأ به ، فقد روى عنه جلَّة الناس ، كما قال البزار ، أو جماعة من الثقات في قول ابن عدي ، وروى له البخاري في( الأدب المفرد ) وأبو داود والترمذي وابن ماجة . ووثّقه ابن سعد وابن معين كما تقدم ، ثم إنّ الرجل معروف بجهاده وثباته، وقد نُكَّل به وعُذّب لحبّه وموالاته لأمير المؤمنين - عليه السّلام (٦). وقد وجدت أثناء بحثي هذا ان تضعيف هذا الرجل كان بسبب نوعية الأحاديث التي رواها فإنه احد رواة حديث الثقلين(٧)، وأن الأئمة اثنا عشر(٨)، وحديث سفينة نوح(٩)، وتفسير آية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» في أهل البيت(١٠)، وحديث الغدير، والمنزلة وسد الأبواب غير باب علي ، وحديث إعطاء النبي فدكا، وروى خطبة الزهراء الفدكية وروى عن رسول الله في المهدي أنه «رجل من أهل بيتي) رضي الله عنه من مؤمن صابر مجاهد ، ومفسر ومحدث وفقيه من فقهاء الشيعة وجمعنا وإياه مع محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ____________________________ (١) سير اعلام النبلاء، الذهبي. (٢) الطبقات الكبرى، ابن سعد . (٣) مناقب آل ابي طالب، ابن شهر آشوب. (٤) ذيل المذيل، الطبري. (٥) الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي . (٦) معجم رجال الحديث، للسيد ابو القاسم الخوئي. (٧) مسند أحمد بن حنبل ج٣ (عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله أني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). (٨) كفاية الأثر للخزاز القمي عن عطية العوفي، عن ابي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله يقول: الائمة بعدي تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم. (٩) المعجم الصغير، الطبراني ج ٢ ص ٢٢ :عن عطية عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يقول (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) و (إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له). (١٠) المعجم الأوسط، الطبراني ج ٢ ص ٢٢٩ في تفسير آية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» وأنها في أهل البيت: عن عطية العوفي قال سألت أبا سعيد الخدري من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فعدهم في يده خمسة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال أبو سعيد في بيت أم سلمة أنزلت هذه الآية. علي جابر
اخرى