من المعلوم أن صحة النتائج تعتمد اعتماداً كبيراً على صحة المقدمات، وأن كمال النهايات وجمالها متوقف حتماً على دقة البدايات وصحتها.. ولذا فمن يرغب في بناء دار رصين يأمن بالعيش في ظله ويشعر بالراحة عند المكوث فيه، لا بد وأن يهتم اهتماماً كبيراً في أساس هذا البناء ومتانته... وكذلك الحال في كل مشروع هام... ومما لا شك فيه أن الزواج يعد من أهم مشاريع الإنسان لما يترتب عليه من آثار هامة من جهة ولصعوبة وعسر تغيير هذا المشروع أو التراجع عنه بعد الولوج فيه خصوصاً فيما لو أثمر أطفالاً من جهة أخرى ... لذا ينبغي تحري صحة جميع المقدمات ومطابقتها للشرع المقدس لا سيما مقدمات ليلة الزفاف، تلك الليلة التي يدخل فيها الإنسان إلى فصل جديد وهام جداً من فصول حياته؛ فينبغي عليه أن يستحضر كل ما من شأنه أن يجذب الخير والسعادة اليه ويبعد الشر والتعاسة عنه ولذا فقد حثت الشريعة المقدسة على جملة من المستحبات لحمدِ الله تعالى وشكره أن وفقه لذلك ولإحلال البركة وإبعاد الشياطين وطلباً للتوفيق الإلهي فيه ولسنا في صدد سرد تلك المستحبات وذكر تفاصيلها فإن لذلك كتباً مختصة بها... إلا أننا عندما نعود إلى الواقع ونشاهد أغلب ليالي الزفاف التي تقام نجد أن هناك بوناً شاسعاً بين ما تريده الشريعة وبين ما هم عليه عاكفون، حيث تجد من ضروريات الزفاف التي لابد منها الأغاني والرقص والحركات المثيرة والسفور والاختلاط المحرم والإسراف والتبذير وكلها عناصر عندما تجتمع فإنها حتماً تطبع ليلة الزفاف بطابع شيطاني، وتحيلها إلى ليلة تُغضِب الله (تعالى) وتُبعد الملائكة وتجذب الشياطين، ولعلَّ هذا الأمر من أهم الأسباب التي تؤدي إلى فشل الزواج وسوء خاتمته ولا غرو في ذلك، إذ كيف يمكن أن يبارك الله تعالى بزواج كان مناسبة لإغضابه ونفور الملائكة والصالحين منه وسبباً لإدخال السرور على أعدائه، من شياطين الجن والإنس ويحدث كل ذلك جهراً وإصراراً؟! أم كيف يوفق الزوجين وهما عاصيين له مخالفين لنظامه مبتعدين عن نهجه وأحكامه غير آبهين برضاه أو غضبه... وقد يتذرع البعض بأن ما يُنشد هو أشعار دينية وولائية (حيث تقرأ المرأة اشعاراً في مدح أهل البيت عليهم السلام بنفس الألحان الغنائية وهذا محل إشكال فإن كان معه موسيقي او دف ونحوه يضرب بكيفية تناسب مجالس اللهو كما هو الحال في محافل العرس فهو حرام قطعاً وإن لم يكن مصحوباً بالموسيقى فهو أيضاً مما لا يجوز على الأحوط والضرب على الميكروفون ونحوه بالكيفية اللهوية محل اشكال)(1). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)موقع سماحة السيد علي الحسيني السيستاني (أدام الله ظله). .
اخرىالأضحية… فلسفتها وأحكامها تعتبر الأضحية من المستحبات استحباباً مؤكداً لمن تمكن منها (أي لمن تيسر له الحصول عليها)، وأما من لم يتيسر له ذلك فيستحب له ان يتصدق بقيمتها، وفي حال اختلاف قيم (الأضاحي) فيكفي التصدق بالقيمة الأدنى منها. ويجوز التبرع بالأضحية عن الحي والميت على السواء بما في ذلك عن الصبي الصغير. فقد ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضحّى عن نسائه، وضحّى عمن لم يضحِّ من أهل بيته، وضحّى عمن لم يضحِّ من أمته. كما كان يضحّي أمير المؤمنين(عليه السلام) كل سنة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأما الغاية من الأضحية فهي الغاية من كل عمل عبادي وهي التقوى، قال (تعالى):"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"(1). فالله غني بالغنى المطلق، وهو ليس بحاجة إلى لحوم الأضاحي،ولا بحاجة إلى أي شيء، بل إنه هو موجد كلّ وجود ومفيض عليه نعمة الاستمرار بالحياة بعد إفاضته عليه نعمة الوجود. فالغاية إذن من الاُضحية والهدف هو أن يجتاز المسلمون مراحل التقوى ليبلغوا الكمال ويتقرّبوا إلى الله(تعالى). إذ إن تقديم الاُضحية فيه من الدروس الاخلاقية ما فيه، كالإيثار والتضحية والسماح والاستعداد للشهادة في سبيل الله . ولا يخفى ما في الأضحية عند توزيعها على الفقراء والمعوزين من مساعدة لهم فضلا عن إدخال السرور على قلوبهم. ولذا فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله):"إنما جعل الله هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم"(2) . بالاضافة الى ذلك، فإنها سبب لغفران الله (تعالى) لصاحبها، فقد روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال:"لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا، أنه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها"(3). كما روي عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلت: ما علة الأضحية؟ فقال:"أنه يغفر لصاحبها عن أول قطرة تقطر من دمها على الأرض وليعلم الله (عز وجل) من يتقيه بالغيب قال الله (عز وجل):"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" ثم قال: انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل"(4). ولا بد من التدبر في قوله (تعالى):"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها "(5)، وذلك لأن اللحوم من الممكن الاستفادة منها فذكرها في محله وأما دماؤها فحيث لا يمكن الاستفادة منها فإذن لا بد ان يكون لذكرها غاية أخرى. ولعلها إشارة الى الأعمال القبيحة التي كان يمارسها أعراب الجاهلية، حيث كانوا يلطّخون أصنامهم وأحياناً الكعبة بدماء هذه القرابين فجاءت هذه الآية المباركة لتنهاهم عن ذلك.. ومما يؤسف له هو أن بعض المسلمين اليوم قد اتّبعوا ممارسة هذه العادات الجاهلية في بعض المناطق حيث يرشّون دماء الاُضحية على باب وجدران منزلهم الجديد، حتّى أنّهم يمارسون هذا العمل القبيح الخرافي في المساجد الجديدة العمران أيضاً. ولذا يجب على المسلمين الواعين الوقوف بقوّة ضدّ هذا العمل. وللأضحية أحكام فقهية لابد من مراعاتها ومن أهمها: * فـــــــي الأضحيــــــة: 1 ــ أن تكون من الأنعام الثلاث الإبل والبقر والمعز والغنم ولا يجزي على الأحوط من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة ومن البقر والمعز إلا ما أكمل الثانية ومن الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع. 2 ــ يجوز أن يضحي الشخص عن نفسه وأهل بيته بحيوان واحد، كما يجوز الاشتراك في الأضحية ولا سيما إذا عزت الأضاحي وارتفع ثمنها. 3ــ لا يشترط في الأضحية من الأوصاف ما يشترط في الهدي الواجب فيجوز أن يضحي بالأعور والأعرج والمقطوع أذنه والمكسور قرنه والمهزول وان كان الأحوط الأفضل أن يكون تام الأعضاء و سميناً ويكره أن يكون مما رباه. 4 ــ يجوز التضحية بأضحية الحيوان الأنثى لمتوفى ذكر. *وقــــــت ذبحهـــــا: أفضل أوقات الأضحية بعد طلوع الشمس من يوم النحر ومضي قدر صلاة العيد. ويمتد وقتها في منى أربعة أيام وفي غيرها من البلدان ثلاثة أيام وان كان الأحوط الأفضل الإتيان بها في منى في الأيام الثلاثة الأولى وفي سائر البلدان يوم النحر. *كيفيـــة توزيعهـــــا: يجوز لمن يضحي أن يخصص ثلثا لنفسه أو إطعام أهله به كما يجوز أن يهدي ثلثا منه لمن يحب من المسلمين والأحوط الأفضل أن يتصدق بالثلث الأخر على فقراء المسلمين.. يستحب التصدق بجلد الأضحية ويكره إعطاؤه أجرة للجزار ويجوز جعلها مصلى وأن يشتري به متاع البيت. فـــي إجزائهــــا عــــن العقيقـــــة: تجزيء الأضحية عن العقيقة، فمن ضحي عنه أجزأته عن العقيقة. دعاء الأضحية عند الذبح: إستقبل القبلة وقل حين تريد أن تذبح:" وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك ولك اللهم تقبل مني بسم الله الذي لا اله إلا هو والله أكبر وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ". ــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحج 37 (2) وسائل الشيعة ج 14 ص 205 (3) وسائل الشيعة ج 14 ص 211 (4) وسائل الشيعة ج14 ص 207 (5) الحج 37 رضا الله غايتي
اخرىيغفل بعض الناس عن المعنى الحقيقي للعيد، فيُقصرون جُلَ اهتمامهم على المظاهر الخارجية من شراء ملابسٍ وتخطيطٍ للنزهات وما إلى ذلك من مظاهر الفرح وأشكال البهجة، ولا مانع من كل ذلك طالما كان في الحدود الشرعية، ولكن في الوقت نفسه لا يصح أن يُختزل به العيد، وإلا فقد يكون للبعيدين عن الالتزام بالتعاليم والأحكام الدينية أكثر مما هو للملتزمين بها. وبالرجوع إلى الروايات نجد أن العيد الواقعي إنما هو للمؤمنين المتقين، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):" كل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد"(1)، ولذا صحّ ما قيل: ليس العيد لمن لبس الجديد إنّما العيد لمن سلم من الوعيد وليس العيد لمن ركب المطايا إنّما العيد لمن ترك الخطايا وليس العيد لمن حضر المصلّى إنّما العيد لمن صام و صلّى وبهذا فإن المؤمن لا يقتصر عيده على الأعياد المعروفة وحسب بل بإمكانه أن يُحيل كل أيامه إلى أعياد، وما ذلك إلا لرحمة الله (جل شأنه).. ومن رحمته (تعالى) ولطفه بالمؤمنين أيضاً أن فسح لمن لم يحج منهم تقديم الأضحية وما يترتب عليها من الثواب العظيم، فقد روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: "لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا أنه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها"(2). ولو عمّقنا النظر في مفهوم التضحية وتقديم الأضحية قربةً إلى الله (تعالى) لاتسعت مصاديقها وتعددت، ولكان من أهمها واكثرها ضرورةً أن ينحر الإنسان نفسه الأمارة بالسوء، أو على الأقل أن يترك معصيةً هو عاكف عليها، والتضحية بشهوات النفس ومنافعها المادية الدنيوية الزائلة التي تُثنيه عن الوصول إلى منافعه الآخروية الباقية. كما قد تكون التضحية من نوعٍ راقٍ وذلك فيما إذا جنّد الإنسان نفسه وبذل جهده وماله وضحّى براحته في سبيل خدمة الدين والمذهب الحق، أو في سبيل خدمة المجتمع والسعي إلى رفع معاناته، ومن المعلوم أن الهدف كلما كان كبيراً كان الجهد في سبيل تحقيقه كثيراً، ولا يفوز بذلك إلا كبار النفوس، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله: وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام وكم هو جميل أن نؤكد كل هذه المعاني في نفوسنا ونؤصلها في أرواحنا في عيد الأضحى المبارك مجددين عهد الحب لله (تعالى) بعقد النية على الإحرام عن المعاصي والإقلاع عن السيئات، والعزم على التمسك بالطاعات وما يقربنا إليه من قربات، والتضحية بهوى النفس والشهوات، والسعي في مساعدة الفقراء وقضاء الحاجات، ورفع ما يمكن رفعه مما يعاني منه المجتمع من معاناة، ورجم النفس الأمارة بالسوء بتشديد المشارطات وتكثيف المراقبات، وحلق آمالها في ارتكاب المحرمات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة ج4 ص71 (2) وسائل الشيعة ج 14 ص 211 رضا الله غايتي
اخرىمن المعلوم أن فلسفة الحجاب الشرعي قائمة –فيما هي قائمة عليه- على ضرورة إبراز الجانب الإنساني فقط للمرأة عند ظهورها للمجتمع، وأما الجانب الأنثوي منها فيجب التحفظ عليه، وذلك من خلال حجب مفاتن المرأة ومحاسنها عند بروزها إلى المجتمع، ووقفها على الزوج، وبذلك تسهم الأنوثة في تكامل البشرية وتطورها وتقدمها؛ لأنها وُظّفت في الوظيفة التي أرادها الله (تعالى). وأما لو حصل خلاف ذلك، فمما لاشك فيه يحصل العكس، حيث تتسافل المجتمعات وتتراجع ويسودها الفساد والتحلل الخلقي، وأول من تدفع ثمن ذلك باهضاً هي المرأة. وأما الإطلالة العصرية ــ كما يُعبِّرون ــ فهدفها الأول والأخير هو أن تظهر المرأة بأبهى طلة، بحيث تأسر العقول وتجذب القلوب وتشد الأنظار، عبر إبراز المفاتن والمحاسن سواء بالملبس المغري وإضافة المساحيق والألوان ورشّ العطور، أو باتّباع الأساليب المغرية من السلوكيات، والمثيرات من الحركات. ومن الواضح جداً أن الحجاب الشرعي يقف على الطرف المضادّ من الإطلالة العصرية بهذا المعنى، ومن المعلوم أن المتضادّين لا يجتمعان، وعليه فإن دعوى الإعلام الموجّه -سواء المرئي منه أو المسموع أو المقروء- للنساء المحجبات بأن يظهرن بإطلالة عصرية إنما هي مغالطة كبيرة ومحاولة صريحة لتفريغ الحجاب الشرعي من مضمونه ومحتواه وبالتالي الحيلولة دون تحقيق هدفه في المجتمع الاسلامي. ومما يؤسف له أن بعض المؤمنات تنطلي عليهن هذه الدعوة لسببٍ أو لآخر فيحرصن على تنفيذها وينجررن وبكل سهولة وراء كل ما تمليه عليهن تلك الإطلالة العصرية من ملبس وسلوك وو.. ولعل من أبرز تلك الأسباب هو ترسيخ وسائل الإعلام المتكرر لعباراتٍ من شأنها أن تزرع حب الإغراء ولفت الانتباه كقيمة مهمة في العقل الباطن لدى بعض النساء من قبيل (كوني الأجمل، تمتعي بإطلالة ساحرة، فاجئي كل من حولك بمظهر جذاب) وما شابه ذلك من عبارات، يعضده جهل النساء المتفشي بالأحكام الشرعية لا سيما الحجاب وفلسفته. وقد تعي بعض النساء هذا التناقض بين الحجاب الشرعي والظهور بإطلالة عصرية بالمعنى المذكور، ولكن ضعف الوازع الديني هو الذي يجرهن الى محاولة الجمع بينهما، أو لشعور بعضهن بعقدة النقص بحيث لا يتقبّلن مظهرهن إلا بعد تزيينه وتلوينه ليصبح جذاباً، ولربما يعود هذا إلى التربية الخاطئة التي تزرع فيهن جمال المظهر مقياساً لقيمة المرأة وكرامتها. نتيجةً لذلك أصبحنا نشاهد محجبات ولكنهن في الحقيقة يفتقرن إلى الحجاب! إذ تحوَل اللباس الفضفاض الواسع الواجب في الحجاب الشرعي إلى ضيّقٍ مجسمٍ للمفاتن، وتحوّل الساتر إلى شفاف تُرى من خلاله البشرة، وأضحى الحجاب ذاته زينة بحد ذاتها إذ صار يُلفُّ بطريقة تحيله إلى تحفةٍ فنيةٍ، ولكي تكتمل اللوحة بأبهى صورة لابد من إضافة بعض الألوان والأصباغ والمساحيق مع إظهار بعضٍ من الشعر ليُعلَم أنها غايةً في الذوق والتنسيق إذ لم تنسَ مراعاة تناسب لونه مع سائر ألوان اللوحة!! ولكي تتم إطلالة المرأة المحجبة بشكل عصري لا بد من اتباع بعض سلوكيات التحضر والانفتاح من قبيل عدم التورع من الاختلاط والمزاح مع الأجانب وتبادل الضحكات والجلوس معهم على مائدة واحدة ومشاركتهم في النزهات وما إلى ذلك.. وإذا كان صدور كل الأمور المتقدمة من النساء المحجبات عجباً، فالأعجب هو رضا الرجال بذلك من الأزواج والإخوة والآباء، فإن كانت المرأة جاهلة بالحكم الشرعي أو عاطفية وانجرَت وراء حبها للجمال والتبرج فما بال غيرة الرجال اختفت؟! ختاماً .. لا بد من التأكيد على أن انتشار الحجاب العصري بالمعنى المتقدم -والذي في الحقيقة لا يصدق عليه كونه حجاباً البتة- ظاهرة يجب التصدي لها ومعالجتها قبل الوصول إلى الأسوأ والأسوأ ــ لا سمح الله ــ وذلك من خلال: *الرجوع إلى القدوات الصالحات من النساء كسيدتهن الزهراء وابنتها الحوراء (عليهما السلام)، والتوقف عن غرس النساء الفاسقات من الممثلات والمغنيات كقدوة في أذهان الفتيات، ويتم ذلك من خلال حضر ومنع الموائد السامة التي تفرشها الفضائيات غير الملتزمة أمام فلذات أكبادنا صباحَ مساءَ. *تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة وبأسلوب راقٍ جذاب لا على نحو النصيحة الهجومية أو الأسلوب المنفر. *نشر ثقافة الحجاب وفلسفته بين النساء خصوصاً الفتيات في أوائل تكليفهن، وإفهامهن بأن الحجاب تشريف لا تكليف، وأن المستفيد الأول منه هي المرأة قبل سواها. *تحفيز غيرة الرجال على نسائهم وتوعيتهم بأن كل رجل مسؤول عن أهله يوم القيامة من خلال البرامج والخطب والمحاضرات وبثّ المبلغين من الشباب الواعي ولكن بشكل غير تقليدي بين صفوف الشباب لتصحيح المفاهيم الخاطئة بعنوان الصداقة أو الزمالة التي تجمعهم لا بعنوان التبليغ والنصح والإرشاد. رضا الله غايتي
اخرىالحجاب حجبٌ للأنوثة، لا حجباً عن الحياة.. تعدُّ المرأة رقماً صعباً في معادلة الحياة؛ لأنها تمثل نصف المجتمع وتؤثر في نصفه الآخر، ومن هنا استهدفها أعداء الدين الإسلامي ووقفوا جُلَّ جهودهم لغرض استمالتها إلى أفكارهم ورؤاهم وتجريدها من هويتها الدينية الحقّة، وكان من أولى دعاواهم الماكرة لأجل استمالتها هي الدعوى إلى تحرر المرأة ومساواتها بالرجل؛ بهدف هدم أهم التشريعات التي من شأنها الحفاظ على المجتمع بأسره من الفساد والتحلل الخلقي، وهو تشريع الحجاب. وقد نجحوا فعلاً وللأسف الشديد في ذلك بالنسبة إلى بعض المسلمات، حيث تحوّلن إلى مجرد ممارِسات لبعض الطقوس الإسلامية، مما ترتب على ذلك تضييع الهدف والغاية من هذا التشريع الهام. ولأجل إسباغ صفة المقبولية على دعواهم تلك من قبل النساء المسلمات، أوردوا العديد من الشبهات على تشريع الحجاب أهمها أنه يحجب المرأة عن الحياة ويحول دون ممارستها لحقوقها المشروعة من التعليم والعمل والمساهمة في بناء المجتمع والدولة، وووو.. وللأسف الشديد قد انطلى هذا التفسير المشوّه للحجاب والشبهة المغرضة على بعض النساء المسلمات الجاهلات بحقيقة التشريعات الإسلامية مما دفعهن إلى تلبية دعوى أعداء الإسلام برحابة صدر والمبادرة إلى التخلي عن الحجاب أو التساهل فيه!! وهو تفسيرٌ خاطئ جملةً وتفصيلاً؛ وذلك لأن الحجاب إنما شُرّعَ لأجل حماية المرأة عند بروزها للمجتمع وتعاملها مع أفراده من جهة، وللحفاظ على نزاهة ذلك المجتمع والمساهمة في صيانة أفراده من الفساد والانحراف من جهةٍ أخرى، وذلك من خلال حجب معالم الأنوثة والجمال التي تتمتع بها عن أنظار الرجال صوناً لها من الوقوع في الأخطار وصوناً لهم من الانحراف واقتراف ما يستحقون باقترافه العذاب والنار.. وبما أن حجب الأنوثة والجمال لا يكون ولا يتحقق إلا بالحجاب الشرعي الكامل للمرأة، لذا فقد أوجبه الحكيم المتعال. كما أن التأريخ الإسلامي يشهد على خطأ ما ذهب إليه أعداء الإسلام من تفسيرٍ للحجاب، فهو يزخر بالكثير من النساء المسلمات اللائي أدَّينَ دوراً فاعلاً في الجوانب الدينية والاقتصادية والاجتماعية بل وحتى السياسية في الدولة الإسلامية، على الرغم من إنهن كُنَّ على قمة التدين والحجاب والخِدر والعفاف. أ فهل حجبَ الحجابُ السيدةَ الزهراء (عليها السلام) عن المطالبة بحق بعلها في الخلافة؟ أم منعها من المطالبة بحقها في فدك؟ أم منعها من التصدق على الكثير الكثير من الأيتام والمساكين عبر تخصيص ريع فدك لهم؟ أم منعها من نشر الأحكام الدينية؟ أم منعها من المساهمة في إصلاح الحياة الاجتماعية؟ وهكذا ابنتها الحوراء (سلام الله عليها) لم يمنعها حجابها من التأثير الفاعل في كل تلك المفاصل، بل وأماطت اللثام عن أعتى الملوك وأكثرهم استبداداً وظلماً، وهو يزيد بن معاوية وفي قعر قصره وبمرأى ومسمع من حاشيته وشعبه الشامي الذي كان يدين له بالطاعة والولاء، ويرى أنه الحاكم الشرعي للبلاد الاسلامية جمعاء!! وكما لم يصدق هذا الإشكال على تشريع الحجاب سابقاً، فإنه لا يصدق اليوم أيضاً، حيث إننا نجد المرأة المؤمنة تمارس حقوقها في التعليم في مختلف الاختصاصات بل وتتفوق في كثير من الأحيان على قريناتها السافرات، كما نجحت في عملها بما يناسبها من مجالات، وتعيش حياتها بالحرية التي لا تصادر حرية غيرها أو تضيِّق عليهم كما هو الحال عليه في السافرات، إذ يحاصرنَ أنظار الرجال بلا حياءٍ وبلا مبالاة، وما أن يولّي أحدهم ناظريه عن متبرجة حتى يسقط على من هي أكثر منها تبرجاً لاسيما في الجامعات، فلم يكن الحجاب يوماً حائلاً بل ولم يحُل الحجاب يوماً النساء المحجبات حتى عن تسنّم المناصب الهامة في الدولة وفي مختلف المجالات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية بل وحتى السياسية. وعليه فإن الحجاب لم يُشرّع لحجب المرأة عن الحياة، ولم يفرض عليها أن تلزم قعر بيتها، بل أباح لها أن تعيش حياتها كما تريد وأن تمارس حقوقها كما ترغب بل وحتى لها أن تتعامل مع الرجال ولكن كل ذلك ضمن تقنين وتنظيم لضمان سلامتها أولاً وسلامة المجتمع ثانياً. ولكن مما يؤسف له حقاً أن تضرب بعض النساء ممن تدّعي أنها من المحجبات ذلك التقنين والتنظيم عرض الجدار، فتخفِّف من الحجاب إلى درجة لا يصدق عليه أنه حجاب! وترتدي ما شفَّ وما ضاق من الثياب، وتطلق لنفسها العنان في تلوين وجهها دون حساب، وتعامل الأجانب دونما حشمةٍ ووقار وبكل طلاقة وحرية وانسياب، فتصبح من حيث المظهر والسلوك أشبه بنساء الغرب وبلا أدنى ارتياب! إذ لم يتبقَ من حجابها حينئذٍ سوى خرقة قد أبلاها شدّ اللفِّ فانحسرت عند أعلى رأسها شبيهةً بسنام الجمل، ليظهر بريق قرطيها الجميلين وعقدها الراقي عسى أن يسحر من يمرُّ عليها من الشباب.. فيا عجباً كيف لها أن تدّعي أنها ممن يرتدينَ الحجاب؟! أ فهل كان الحجاب يوماً إلا نقيض التبرج والسفور؟! أفي تبرجها وسفورها شكٌ؟! أم حالت دون ذلك مجرد خرقةٍ صغيرة لا تملك من الحجاب إلا اسمه الذي سمَوها به؟ ولو سألت إحداهن: لمَ النقص في الحجاب؟ أو: لِمَ التبرج في الحجاب على الأصح؟ لكان جوابها: وهل الدين إلا اليسر وأن الله يريد بعباده اليسر!! أختاه... أ فيُسرٌ هذا الذي يُحيل ليل الشباب إلى آهاتٍ وحسرات؟ أ فيُسرٌ هذا الذي يوقعك في العديد العديد من المشاكل والتحرشات؟! أفيُسرٌ هذا الذي يتسبب في إفساد المجتمعات؟! أ فيُسرٌ هذ الذي يجعلك تتحملين وزرك ووزر من اقترف بسببكِ المحرمات؟! في الحقيقة لا يُسر ولا سهولة إلا في الحجاب، لأنه يُسهِّل على المرأة المؤمنة ممارسة حياتها بشكلٍ كبير، حيث إنه يُلزِم من تتعامل معهم من الرجال بضرورة احترامها، ويُشعرهم بأن هناك حدوداً لا بُدَّ لهم من التزامها، وبالتالي فالحجاب من أهم العوامل التي تصون المرأة وتحفظ كرامتها، بخلاف السفور الذي وإنْ كان قد يمنح المرأة شيئاً من السهولة في الحركة، إلا أنه غالباً ما يفهم منه بعض الرجال أنه بمنزلة الضوء الأخضر الذي يمنحهم الحق في التمتع بالنظر إليها، والتمادي في القول والسلوك عند التعامل معها، والمسامحة في تجاوز حدودها وتخطيها. رضا الله غايتي
اخرىعند مطالعتنا لبعض المقالات أو متابعتنا لبعض البرامج والحوارات نجد البعض يستشهد بمقولة (كذبوا المنجمون وإن صدقوا ــ أو صدفوا) كدليل على عدم جواز التصديق بالمنجمين مدّعياً أنها من أقوال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو أحد اهل بيته عليهم السلام ولبحث هذه المقولة دلالةً لا بد من التطرق أولاً الى معنى التنجيم وسبب المنع من إتباع المنجمين والآثار المترتبة على ذلك لنخرج بحصيلة جواز التصديق بالمنجمين من عدمه، ومن ثم بحثها سنداً لمعرفة مدى صحة نسبتها الى حبيبنا محمد (صلى الله عليه وآله).. التنجيم هو التنبؤ بالمستقبل والتكهن بما سيقع من أحداث بواسطة النظر إلى الكواكب والنجوم ورصد حركاتها ومنازلها المقسمة على مدار الأشهر والسنة والإيمان بأن لها تأثيراً على مصائر الناس. وبما إن الإنسان كان ولازال مهتماً أشد الإهتمام بمستقبله، إذ يأمل أملاً كبيراً في تحقيق أحلامٍ يتمناها، ويقلق قلقاً شديداً من وقوع أحداثٍ يخشاها؛ ولهذا فيحاول البعض جاهداً الإطلاع على ذلك المجهول الذي ينتظره شوقاً لما قد تتحقق فيه من آمال وخوفاً مما قد تسوء فيه من أحوال، فإن وافق هذا الشوق وذلك الخوف جهلٌ من الإنسان تراه دائماً وأبداً منشداً الى أخبار المنجمين، طارقاً أبواب العرّافين، بانياً على أقوالهم شؤون حياته ، ومتخذا منها ركناً شديداً في تكوين قراراته‘ سواء كان ذلك في العمل أو الدراسة أو الزواج أو التجارة وما الى ذلك.. وقد يقول قائل: إن كثيرٌ ممن يتابع أخبار المنجمين ويصدق النجوم هم من المتعلمين والمثقفين بل وبعضهم من حملة الشهادات العليا، فكيف يمكن الإدعاء بأن الجهل هو السبب الرئيسي في تصديق المنجمين؟؟ وفي مقام الإجابة نقول: إن الجهل أمرٌ نسبي، فقد يكون الإنسان عالماً في مجالي الرياضيات والفيزياء ولكنه في الوقت ذاته هو جاهلٌ في أيسر مسائل الدين الإبتلائية، ومن أوضح الأمارات على جهلهم أنهم يدّعون أن بعض المنجمين يتوصلون الى العلم بالأمور الغيبية عن طريق تسخير بعض الجن في حين أن القرآن الكريم قد صرّح وبشكل جليّ أن الجن يجهلون الغيب تماماً كما في قصة نبينا سليمان (عليه السلام) إذ قال (تعالى):" فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)"(1)، بل وصرّح أن الغيب لا يعلمه إلا هو (عز وجل) ومن إرتضى قال (تعالى):" عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ"(2) ولا يمكن أن يكون المنجمون مصداقاً لمن إرتضاه (سبحانه). وأما حجتهم في إتباع المنجمين وتصديق أقوالهم فهو إدعاؤهم بإنطباق بعضها على الواقع، في حين أن الموضوع لا يعدو عن كونه مجرد لعبة أتقنها المنجمون لما يتمتعون به من خبرة جيدة في فن التواصل مع أفكار المتلقي، والقدرة على التأثير فيه وحمله على تصديقهم؛ فهم يكتبون الصفات والتوقعات بإيرادهم عبارات وأساليب تحتمل أكثر من مصداق بل وقد تحتمل مصاديق متعددة ومتكثرة بحيث أن تحقُقَ أيّ منها يوحي الى الشخص بتصديق موردها من قبيل قولهم: سيصلك خبر سار من إنسان تحبه، ومن الطبيعي أن لا يخبرنا الأخبار السارة الا الذين نحبهم، أو قولهم: تواجهك بعض المشاكل المادية، ومن منا لا يواجه مشاكل مادية؟ وقد يخاطبون الناس بأسلوب الناصحين: كأن يقول أحدهم: انتبه وكن حذراً، فصحتك أغلى ما تملكه أو يقولون: واحذر من أصدقاء السوء وهكذا.. كما أن التنبؤ بعددٍ كبير من الأخبار وإن صدر من إنسان لا يعرف التنجيم ولا يفقه في النجوم شيئاً فإنه قد يصادف قد صدقاً فيما أصابَ به الواقع من أخبار؛ وذلك لأن إصابتهم للواقع فيما أوردوه من أخبار إنما كان على نحو المصادفة ليس إلا ومن هنا تصح عقلاً مقولة (كذبوا المنجمون وإن صدقوا) وعلى قول بعضهم (كذبوا المنجمون وإن صدفوا) أي وإن صادف قولهم الواقع. وأما من ناحية الشرع فإن تكذيب المنجمين من الأمور الواجبة أيضاً، فقد ورد ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما عزم (عليه السلام) على السير الى تأديب الخوارج وقال له بعض أصحابه: إن سرتَ في هذا الوقت خشيتُ أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال له الإمام (صلوات الله عليه):" أتزعم أنّك تهدي إلى السّاعة التّي من سار فيها صرف عنه السّوء ؟ و تخوّف من السّاعة الّتي من سار فيها حاق به الضّرّ ؟ . فمن صدّق بهذا فقد كذّب القرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب و دفع المكروه . و تبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربّه لأنّك بزعمك أنت هديته إلى السّاعة الّتي نال فيها النّفع و أمن الضّرّ. أيّها النّاس ، إيّاكم و تعلّم النّجوم إلاّ ما يهتدى به في برّ أو بحر ، فإنّها تدعو إلى الكهانة و المنجّم كالكاهن ، و الكاهن كالسّاحر، و السّاحر كالكافر ، و الكافر في النّار ، سيروا على اسم اللّه"(3). وقد أوضح (سلام الله عليه) الآثار الوخيمة التي تترتب على التصديق بالمنجمين وأهمها: أولاً: تكذيب القرآن الكريم الذي طالما أكدّ على ربط الأحداث بأسبابها، وترتب النتائج على مقدماتها، سواء كانت طبيعية أم اجتماعية، ومنها قوله (تعالى):" وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)"(4)، وهذا المبدأ إلهي كوني وهو من السنن غير القابلة للتبديل أو التغيير، قال (تعالى):"سنة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة اللّه تبديلاً"(5)، فالذي يسعى وبكل جد وتوكل على الله (تعالى) فإنه يحصد نتيجة سعيه مهما كانت حركة النجوم؛ لأن النجاح نتيجة السعي الجاد والتوكل. ثانياً: الإستغناء عن الإستعانة بالله (تعالى) في نيل المحبوب ودفع المكروه. فالذي يربط حركاته وسكناته لتحقيق ما يسره وتجنب ما يضره بحركة النجوم وسكون الكواكب سيهجر التوكل على الله (تعالى) قلبه تدريجياً شعر بذلك أو لم يشعر. في حين أن من أهم أسباب النجاح بعد العمل و الإجتهاد و العزم هو التوكل عليه (تعالى)، قال(عز من قائل):"فإذا عزمت فتوكل على اللّه"(6) ثالثاً: يترتب على التصديق بالمنجمين الشعور بالامتنان لهم وأنهم سبب الهداية والخير دون الله (تبارك وتعالى)، قال (عليه السلام):" و تبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربّه لأنّك بزعمك أنت هديته إلى السّاعة الّتي نال فيها النّفع و أمن الضّرّ ". والعقل قبل الشرع يقر بأن الله(تعالى) هو الأولى بالشكر بل له الشكر المطلق لأنه مصدر النعم ومنبع إستمرارها.. رابعاً: التصديق بالمنجمين يدعو الى الكفر، لأن حركات النجوم تدعو الى الكهانة و ما يترتب عليها من الإخبار رجماً بالغيب، ولهذا فالمنجم كالكاهن في أباطيله و أكاذيبه؛لأنه يدّعي علم الغيب وهذا العلم لله وحده، والكاهن كالساحر في شعوذته و شيطنته، والساحر كالكافر؛ لما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):"من مشى الى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدّقه فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب"(7) إذن فالشريعة الإسلامية لاتجيز التصديق بالمنجمين وعليه فإن مقولة(كذبوا المنجمون وإن صدقوا أو صدفوا) صحيحة دلالةً على كلتا القراءتين، بيدَ أن صحة دلالتها لا يسوّغ البتة نسبتها الى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كما يحلو للبعض أن يدّعي ذلك؛ لخلو الكتب الحديثية منها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سبأ 14 (2) الجن 26 (3) في ظلال نهج البلاغة خطبة رقم 77ج1 ص370 (4) النجم 39و40 (5) الأحزاب 62 (6) آل عمران 5 (7) وسائل الشيعة ج1 ص151 رضا الله غايتي
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىعالم الذر قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)) السؤال: في عالم الذر عندما عرضت ولاية امير المؤمنين (سلام الله عليه) ما الذي جعل البعض قَبِل والآخر تردد وقبل وآخر استكبر ورفض ؟ وهل عرضت الولاية على الناس فقط أم على ما في الكون جميعا من المخلوقات او الاشجار ؟؟ الجواب: اتفق العلماء على كون الآية الكريمة تتحدث عن أخذ الله (تعالى) العهد من ذريّة آدم (عليه السلام) قبل خلقهم، لكنهم اختلفوا في كيفية ذلك إلى عدة آراء تبعاً لاختلافهم في تفسير الآية المذكورة من جهة، وتقييمهم للروايات الواردة في شأن ذلك العالم من جهةٍ أخرى. ونحن نذكر رأيين مهمين هنا. الرأي الأول: وهو ما يُنسب لأهل الظاهر والمحدثين، ومفاده أن الله (تعالى) عندما خلق آدم (عليه السلام) أخرج أبناءه جميعاً إلى آخر نسل له من البشر على هيأة ذرات دقيقة ملأت الفضاء، وكان لهذه الذرّات عقلٌ وشعور يكفيان لاستماع الخطاب ورد الجواب، فخاطبها الله (سبحانه) قائلا (الستُ بربّكم)؟! فَأجابت جميعاً: (بلى). ثم أعاد الله (تعالى)تلك الذرات إلى صلب آدم أو طينته، وهكذا أخذ الله (تعالى) الميثاق والعهد من بني البشر. الرأي الثاني: حاصله أن الله (تعالى) قد منح الذرات الأولى لوجود الإنسان وهي (النطف) قوى وقابليات تَمكِّنه من إدراك حقيقة التوحيد وذلك عند انتقالها من ظهور الآباء إلى أرحام الأمهات، فتكون تلك القابليات والقوى هي العهد والميثاق الذي أخذه (عز وجل) من البشر. وبناءً عل هذا تكون المحاورة بينه (سبحانه) وبينهم محاورة كنائية وليست حقيقية، فكأن الله (تعالى) سألهم عندما منحهم تلك القابليات ألست بربكم؟ وكان لسان حالهم يشير إلى الإيجاب. هذه خلاصة الرأيين المشهورين حول عالم الذر، وقد وردت على الأول منهما إشكالات أعرضنا عن التعرض إليها طلباً للاختصار، لعل أهمها: كيف يمكن أن يحتج الله (تعالى) على البشر بأمر قد نسوه لأنهم لا يتذكرون ذلك الموقف؟ والجواب فيما روي عن زرارة قال سألت الإمام أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل):" واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربك قالوا بلى" قال: "ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه يوماً، ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ولا من رازقه"(1)، أي إن المعرفة بالتوحيد طالما كانت ثابتة فإنها كافية للاحتجاج بها عليهم، وإن لم يتذكروا تفاصيل ذلك الموقف الذي تلقّوا خلاله تلك المعرفة. ولم يرد على الرأي الثاني سوى إشكال واحد حاصله: أن الآية صريحة بالحوار الذي جرى بين الله (تعالى) والبشر الذين كانوا على هيأة ذرّ. ويمكن ردّه بورود أمثال هذا الحوار الكنائي في القرآن الكريم كما في قوله (تعالى):"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)"(2) وعلى كلٍ، فإن مضمون الميثاق ذاته لم يكن مقتصراً على التوحيد فقط، بل وشمل النبوة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) كما ورد ذلك في بعض الروايات الشريفة، ومنها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله (عز وجل):"فطرة الله التي فطر الناس عليها" قال: فقال: "على التوحيد ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أمير المؤمنين (عليه السلام)"(3). وقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن في أخذ الميثاق على البشر وهم لا زالوا ذرّاً وبالتالي تقسيمهم بناءً على ذلك إلى مؤمن وكافر يستلزم الجبر في الإيمان والكفر! إلا أن الأمر ليس كذلك، لأن الله (تعالى) لم يجمعهم في عالم الذرّ ليقرّر مصير كل منهم وعاقبة أمره، وإنما ليودعهم الفطرة الصحيحة وليكشف عن العاقبة التي ستؤول إليها اختياراتهم وسلوكياتهم من الطاعة أو العصيان في الحياة الدنيا؛ لعلمه الأزلي والأبدي عن العاقبة بحال جميع مخلوقاته قبل نزولهم إلى الدنيا، وعليه فإن كفرهم أو إيمانهم في عالم الذر ليس بعلةٍ للكفر والإيمان في الدنيا وإنما مرآةً لهما. وأما السبب الذي جعل البعض يقبل الولاية مباشرةً والآخر يقبلها بعد تردد فيما يرفض غيرهما ويستكبر فلم تُبيِّنه الروايات الشريفة بشكل واضح وصريح، ولكن بناءً على ما تقدم يمكن القول: إن اعتقادات الإنسان في هذه الدنيا وما يؤثر فيها من محيطه وبيئته وما يختاره من اختيارات عند مواجهته لمختلف الابتلاءات والاختبارات هي التي حدّدت سرعة قبوله للاعتقادات الحقة من التوحيد والنبوة والولاية أو قبوله بعد تردد أو رفضه لها واستكباره عليها. وقد يقول قائل: إذا كانت اعتقادات الإنسان وأفعاله في هذه الحياة الدنيا من طاعات ومعاصٍ هي التي حدّدَت إجابته عند سؤال الباري (عز وجل) إيَاه في عالم الذر، فما فائدة ذلك العالم؟ بل وما فائدة سؤال الله (جل وعلا) للبشر وإشهادهم على أنفسهم؟ ويُجاب: يمكن أن نتصور فائدته في المعرفة التي اكتسبها البشر والتي فطرهم الله (تعالى) عليها، كما جاء في خبر زرارة حيث قال الإمام الباقر(عليه السلام):"ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه"(4)، أي إنهم عرفوا أن الله (تعالى) ربّهم وأن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) نبيهم وأن أمير المؤمنين علياً (عليهم السلام) وليهم، إلا أنهم نسوا الموقف الذي تلقّوا فيه تلك المعرفة. وأما فيما يخص السؤال عن كون الولاية عُرِضت على الناس فقط أم على ما في الكون جميعاً من المخلوقات او الاشجار، فمن المفيد قبل كل شيء أن نشير إلى نقطة مهمة وهي: إن مذهباً حقاً كالمذهب الإمامي قائمٌ على أسس رصينة وقواعد متينة هو بلا شك غني كل الغنى عن طرح هكذا تساؤلات قد تُحفِّز بعض أعداء المذهب على السخرية والاستهزاء به من جهة وقد تصدُّ بعض من يحاول البحث في صحة هذا المذهب وحقانيته من جهةٍ اخرى؛ لذا فمن المفيد عدم تداول هكذا موضوعات على شاشات الفضائيات ووسائل الإعلام. وأما في مقام الإجابة فيمكننا القول: بأن مسألة عرض الولاية على جميع المخلوقات بما فيها من جمادات وحيوانات إنما هي فرع التكليف، وبما أن هذه الكائنات ليست مكلّفة لانعدام التعقل فيها، فلا وجه لعرض الولاية أو غيرها من الحقائق الدينية عليها. ولكن قد يقال بأن لعرض الولاية عليها وجوهاً أخرى من قبيل: أولاً: بيان مقام الولاية ومكانتها، ولتعزيز ارتباط الناس بها وإقامة الحجة عليهم من جهة، وبيان شمولها لكل المخلوقات، بمعنى انقياد المخلوقات لها من جهة أخرى. ويلاحظ عليه: بأن بيان مقام الولاية ومكانتها لإقناع الناس بها وبضرورتها إنما يكون باعتماد طريق مقنع تذعن له العقول وتسكن إلى منطقه النفوس، كبيان فضل الولي وضرورة وجوده وسعة ولايته، لا عن طريق مستغرب ويصعب التثبت منه، بل وقد يكون مثار جدل وأخذ وردّ. وأمّا دعوى كون الهدف من عرض الولاية على سائر الممكنات كالحيوانات والجمادات والنباتات لإثبات شمولها لكل ذلك، فيلاحظ عليه: أنّ الولاية التكوينية لا يتوقف جعلها على إذنٍ وقبول ممن جُعلت عليه، بل إن جميع الممكنات منقادة لمن جُعلت له بإذن الله (تعالى) شاءت أم أبت. ثانياً: لا إشكال في عرض الولاية على الحيوانات والنباتات والجمادات لأنها مخلوقات لها نوع من التعقل والإحساس، كما ورد ذلك في بعض آيات القرآن الكريم منها قوله (تعالى):"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا"(5) ويلاحظ عليه: أن التسبيح الذي أشارت إليه الآية المباركة لا يمكن أن يكون تسبيح عقل ووعي وإرادة، وإنما هو نحو من أنحاء الانقياد التكويني للخالق، أي إنه بيان واقع حال المخلوقات نظير قوله (تعالى):" ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"(6) ثالثاً: إمكانية عرض الولاية على الجمادات بدليل القرآن الكريم الذي يصرح بوقوع عرضٍ معيّنٍ عليها، قال تعالى:"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"(7) ويلاحظ عليه: أنّ الآية المباركة في صدد تقديم وصفٍ لواقع حال تلك المخلوقات، حاصله عدم أهليتها الذاتية لحمل الأمانة الإلهية، لا أنّها رفضت طلباً إلهياً حقيقياً توجّه إليها بطلب حمل الأمانة، وإنما تبيان لعدم لياقتها لتحمل الأمانة الإلهية. وبالتالي فهي لم تتمرد عن حملها كما إنها لم تنقسم بين مقرٍ ورافض، وعليه فالآية لا تصلح لأن تكون دليلاً على إثبات القول بعرض الولاية على المخلوقات، كما إنها لا تصلح لنفيه أيضاً، فهي ساكتة عن هذا الأمر. رابعاً: ورود بعض الروايات الدالة على وقوع عرض الولاية على هذه الكائنات، منها ما روي عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "تختموا بالعقيق، فإنّه أوّل جبلٍ أقرّ لله بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية "(8). كما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في خبر طويل: "وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله صار حلواً طيباً ، وما لم يقبل صار مراً، ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أحر ألكن "(9). ويَلاحظ عليها: أولاً: ضعف أسانيدها بأجمعها. ثانياً: على فرض صحة أسانيدها فهي مجرد أخبار آحاد ولا تصلح لإثبات أمرٍ عقدي. ثالثاً: أنّ بعضها مما لا يمكن الأخذ به، لأنّها ظاهرة في تكليف الله (تعالى) لبعض الكائنات وعقابه لها، فالطير الذي لم يوالهم صار ألكناً، والماء الذي لم يوالهم صار مالحاً، ومن المعلوم أنّ التكليف فرع العقل، والعقاب لا وجه له مع عدم العقل. رابعًا: تسرب بعض الروايات من الكتب الحديثية السنية إلى بعض الكتب الشيعية المتأخرة كبحار الأنوار كرواية أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله):"كلوا الباذنجان فإنّها شجرة رأيتها في جنة المأوى، شهدت لله بالحق، ولي بالنبوة، ولعلي بالولاية، فمن أكلها على أنها داء كانت داء، ومن أكلها على أنها دواء كانت دواء"(10) . وقد أدرج هذا الحديث بعض أعلام السنة في عداد الأحاديث الموضوعة والباطلة، منهم الفتني في كتاب تذكرة الموضوعات، والعجلوني في كشف الخفاء وغيرهم. ختاماً نقول: إن الله (تعالى) قد كرّم الإنسان على سائر من خلق بأن منحه جوهرة العقل وجعله مختاراً؛ ولذا فقد اختصه بالتكليف من بينهم؛ لدوران التكليف مدار العقل كما هو المستفاد من الحديث الشريف المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام):"قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْعَقْلَ قَالَ لَه: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وعِزَّتِي وجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ إِيَّاكَ آمُرُ وإِيَّاكَ أَنْهَى وإِيَّاكَ أُثِيبُ وإِيَّاكَ أُعَاقِبُ"(11). وعليه لا يمكن القول بأنه (جل جلاله) قد كلّف الحيوانات التي منحها الموهبة اللدنيَة لتسيير مصالحها لقوله(تعالى):"أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً"(12) فضلاً عمن سواها من نباتات وجمادات، والله أعلم.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مختصر بصائر الدرجات ج1 ص223 (2) فصلت 11 (3) بصائر الدرجات ج1 ص100 (4) مختصر بصائر الدرجات ج1 ص223 (5) الإسراء 44 (6) فصلت 11 (7) الأحزاب 7 (8) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 2 ص 75، بحار الأنوار ج 27 ص 280 (9) ألكن أخرس بحار الأنوار ج 27 ص 262 (10) مكارم الاخلاق: 184 ، البحار: ج66 ص223 (11) الكافي ج 1 ص 26 (12) الفرقان 44 رضا الله غايتي
اخرىمما لا شك فيه أن الملاك في جعل يومٍ من الأيام عيداً إسلامياً هي الأدلّة الشرعية: القرآن الكريم أو السنّة المطهرة. وعليه فلا يمكن إطلاق لفظ العيد شرعاً على يومٍ ما مهما كانت عظمته أو بلغت أهميته في الإسلام ما لم يُطلق عليه الشرع ذلك. وعلى الرغم من الأهمية البالغة لبعض الأيام في الدين الإسلامي كيوم المبعث النبوي الشريف، أو يوم دحو الأرض أو يوم عرفة أو أيام ميلاد المعصومين (عليهم السلام) وعلى رأسهم سيد الكائنات (صلى الله عليه وآله)، إلا أنها لم يرد في حق أيٍّ منها إطلاق لفظ العيد عليها. على حين أطلقت بعض الروايات لفظ العيد على يوم الغدير، بل وصرّحت بأنه أفضلها وأعظمها. وأول من اتخذ يوم الغدير عيداً هو الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث روي عنه أنه قال: "يوم غدير خم أفضل أعياد امتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله تعالى فيه الدين وأتم على امتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام دينا ، ثم قال عليه وآله السلام : معاشر الناس! ان علي بن أبي طالب مني وأنا من علي ، خلق علي من طينتي وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبو الأئمة المهديين"(1) كما عظّم أهل البيت (عليهم السلام) عيد الغدير أيضاً ونشروا بين الناس فضائله وأهم ما يستحب فيه من أعمال، فقد روي عن الحسن بن راشد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: " قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن وأعظمهما وأشرفهما، قال: قلت له: فأي يوم هو؟ قال: هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس، قلت: جعلت فداك وأي يوم هو؟ قال: إن الايام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، قلت: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : تصومه يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمد وآله ، وتبرء إلى الله ممن ظلمهم، فإن الانبياء كانت تأمر الاوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يُتخذ عيدا ، قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال : صيام ستين شهرا "(2) كما روي عن أبي الحسن الليثي عن الإمام الصادق(عليه السلام): أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيّد اللَّه به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: اللَّه ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال: لا. قالوا: أفيَوم الأضحى هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما؛ وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وإنّ رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خمّ أمر اللَّه (عزّ وجلّ) جبرئيل(عليه السلام) أن يهبط على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وأن ينصبه علماً للناس بعده، وأن يستخلفه في اُمّته"(3) وقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم تساؤلٌ عن السبب في كون يوم الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ وفي مقام الإجابة نقول: إنّ عيد الغدير جاء للمسلمين بخير الدنيا والآخرة وهذا ما لا يتوفر في سائر الأعياد، وللمزيد من التوضيح نورد الأسباب الآتية: أولاً: إكمال الدين وإتمام النعمة فقد أنزل الله (تعالى) فيه: "اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً"(4)، كما روي عن رسولُ الله (صلى الله عليه وآله):"وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ وأتمَّ علَى أمّتِي فيه النعمةَ ورَضِي لهُم الإسلامَ ديناً"(5). مما يعني أن الدين الإسلامي لم يكن ليصبح كاملاً وأن النعمة لم يكن الله (تعالى) ليتمها على المسلمين لولم يتم تعيين خليفةً للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وعليه فإن عيد الغدير ليس يوماً خاصاً بأمير المؤمنين (عليه السلام) وحده، بل هو يوم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لا بل هو يوم الله (تبارك وتعالى)، لأنّ مراد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في طول إرادته (تعالى). ثانياً: يأس الكفار من الدين الإسلامي قال (تعالى):" الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ"(6) لقد كان الكفار يتصورون أن الدين الإسلامي مهما قويَ فإنه ما إن يموت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حتى يضمحل وينتهي، وأن الأوضاع ستعود كما كانت في عهد الجاهلية، ولكن عندما نصّب الرسول الأكرم أخاه (عليهما وآلهما السلام)، ورأوه بأعينهم وهو يؤكد التنصيب بأخذ البيعة له من المسلمين، فإن سيلاً من اليأس قد غشيهم؛ وذلك لأنهم يعلمون علم اليقين أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الرجل الفريد في علمه وتقواه وقوته وعدالته، وبذلك فقدوا الأمل في إمكان عودة الأمور إلى صالحهم وأدركوا أن دين الإسلام باق راسخ. ثالثاً: عيد الغدير هو السبيل للعيش الرغيد فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"وَلَو أنّ الأمَّة منذ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّه اتّبعُوني وأطاعُوني لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم ومِن تحتِ أرجُلِهِم رَغَداً"(7). والرغد في اللغة: من العيش الكثير الواسع الذي لا يُتعب فيه و في التنزيل العزيز :"فكلوا منها حيث شئتم رغداً"، و يقال: هو في رغد من العيش رزق واسع و عيشة رغد واسعة طيبة(8) وعليه فلو أن ما جاء في عيد الغدير تحقق على الأرض وتقلد الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) مقاليد الحكم كما نصت السماء على ذلك لعاش المسلمون في نعيم ورفاه، ولساد السلام والأمان، ولما عشنا اليوم مأساة إراقة الدماء والحروب، ولما تألمنا لمعاناة الفقر والمنازعات والأمراض والكروب. رابعاً: هبة الله (تعالى) لأمير المؤمنين(عليه السلام) المواهب نقرأ في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في عيد الغدير المروية عن الإمام الهادي (سلام الله عليه) والزاخرة بالكثير من المضامين العالية والمفاهيم الراقية، ومنها ما يخاطب به الإمام الهادي (عليه السلام) جدّه الأمير (عليه السلام) قائلاً: "لقَد رَفَعَ اللهُ في الأولى مَنزِلَتَك، وَأعلى في الآخِرَةِ دَرَجَتَك، وَبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلى مَنْ خالَفَك، وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَواهِبِ الله لَك"(9). وفيها إشارة إلى أن أعداءه الذين حالوا دون تطبيق القرار الإلهي في عيد الغدير بتنصيب الإمام علي (عليه السلام) إنما حالوا بينه وبين مواهب الله (تعالى) إليه (عليه السلام). ولو تأملنا في معنى تلك المواهب التي حيل بينها وبين الإمام (عليه السلام)، فإنها لا يمكن أن تكون علمه، ولا عصمته، ولا مقامه ولا إمامته، ولا درجاته عند الله (جل وعلا)؛ لأن كل ذلك لم يُسلب عن الإمام (سلام الله عليه) عندما حالوا بينه وبين الخلافة الظاهرية، إذن يتحصّل أن تكون المواهب تلك أمراً آخر، ولعلها تطبيق ما وهبه الله (تعالى) له في إدارة شؤون الأمّة. وأيُّ نعمةٍ عظيمةٍ وموهبةٍ جسيمة قد خسرتها الأمة الإسلامية بذلك، حيث حُرِّفت الكثير من الأحكام الدينية، وأبيدت وتباد ظلماً وجوراً الكثير الكثير من الأنفس الطاهرة الزكية، بل وأصبحت بعض دور الفتوى أبواقاً لأعداء الإسلام والمسلمين، يكفَّرون منهم الملايين تلو الملايين، ويُصدرون ظلماً وعدواناً فتاوى بقتل الأبرياء المؤمنين. علاوةً على انتشار الفقر والظلم والأسقام التي غدت تفتك بالفقراء والمساكين، بسبب الاستئثار بالسلطة من قبل الظالمين والفاسدين والمفسدين. خامساً: الاحتفال بعيد الغدير شكراً على الولاية من المعلوم أن المسلمين إنما يحتفلون بالأعياد ويفرحون بها لتوفيق الله (تعالى) إياهم لأدائهم طاعةً من الطاعات ولقيامهم بفريضة من الفرائض. وعيد الغدير هو عيدٌ يبتهج به المؤمنون فرحاً لمبايعتهم لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولأدائهم فريضة الولاية، وبما أن فريضة الولاية هي من أهم وأعظم الفرائض التي فرضها الله (تعالى) على المسلمين، فقد روي عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "بني الاسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية"(10)؛ لذا كان عيد الغدير هو أهمها وأعظمها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بشارة المصطفى ج5 ص5 (2) وسائل الشيعة ج1 ص441 (3) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ج3 ص309 (4) المائدة 3 (5) بشارة المصطفى ج5 ص5 (6) المائدة 3 (7) بحار الأنوار ج26 ص65 (8) المعجم الوسيط ج1 ص741 (9) مفاتيح الجنان زيارات الأمير المخصوصة / الزيارة الثانية (10) الكافي ج2 ص28 رضا الله غايتي
اخرىعالم البرزخ السؤال: عندما يرتكب الانسان الذنوب هل سيكون الحساب في عالم البرزخ أم يوم القيامة؟ وإذا حاسبه الله في عالم البرزخ على ذنوبه إذاً يوم القيامة على ماذا سيحاسب؟ هل ينتهي حسابه في البرزخ ويوم القيامة يدخل الجنة؟ الجواب: لا يقتصر حساب الله (تعالى) للإنسان على يوم القيامة فقط، وإنما يمر بعدة مراحل منذ نزع الروح وحتى انتهاء حسابه النهائي في يوم الآخرة وتقرير مصيره إما إلى الجنة أو النار؛ لما ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله):"إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، فاعبدوا الله كأنكم ترونه، واستغفروه كل ساعة"(1) وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: "إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، يرى ما له من خير وشر"(2). من هُنا يُعلَم أن الإنسان بلا شك يُحاسب في عالم البرزخ، فيُثاب على عمله الصالح ويعذّب على عمله الطالح ــ كما سيتضح ــ. وعالم البرزخ هو عالمٌ بين عاَلَمي الدنيا والآخرة، وقد ذُكِر في كل من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، قال (تعالى):"وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ"(3) وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):"والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ, فأمّا إذا صار الأمر إلينا, فنحن أولى بكم"(4)،يقصد (سلام الله عليه) الشفاعة يوم القيامة. وقد ذكرت بعض الروايات مراحل يتجلى فيها حساب الإنسان في عالم البرزخ، منها: ما روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قيل للصادق (عليه السلام):"صف لنا الموت؟ قال: للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كله عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولذع العقارب أو أرشد. قيل: فإن قوماً يقولون: إنه أصعب من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض ورضخ بالأحجار وتدوير قطب الأرحية في الأحداق. قال: كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين بالله (عز وجل)، ألا ترون منهم من يعاني الشدائد فذلكم الذي هو أشد من هذا ألا أن من عذاب الآخرة فإنه أشد من عذاب الدنيا. قيل: فما بالنا نرى كافراً يسهل عليه النزاع فينطفئ وهو يحدث ويضحك ويتكلم، وفي المؤمنين أيضا من يكون كذلك وفي المؤمنين والكافرين من يقاسى عند سكرات الموت هذه الشدائد. فقال: ما كان من راحة للمؤمن هناك فهو عاجل ثوابه وما كان من شديدة فتمحيصه من ذنوبه ليرد الآخرة نقياً مستحقاً لثواب الأبد لا مانع له دونه وما كان من سهولة هناك على الكافر فليوفَ أجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه العذاب وما كان من شدة على الكافر هناك فهو ابتداء عذاب الله له بعد حسناته ذلكم بان الله عدل لا يجور"(5). فالرواية المتقدمة تشير بوضوح إلى إن كيفية نزع الروح ترتبط بكيفية الإنسان نفسه وما عليه من اعتقاد وعمل صالح أو طالح، فإن كان مؤمناً لا ذنب عليه سهّل الله (تعالى) عليه النزع وذلك عاجل ثوابه، وإن كان عليه بعض الذنوب شدّد الله (تعالى) عليه الموت تنقيةً له منها، وأما إن كان كافراً فإن كان له بعض الحسنات سهّل الله (تعالى) عليه النزع وفاءً لأجر حسناته وإن لم تكن لديه حسنات شدّد عليه الموت وذلك أول العذاب. كما أن لذنوب الإنسان أثراً واضحاً في سؤال منكر ونكير له كما روي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "إن المؤمن إذا اخرج من بيته شيعته الملائكة إلى قبره يزدحمون عليه حتى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الارض: مرحباً بك وأهلاً أما والله لقد كنت أحب أن يمشي عليّ مثلك لترين ما أصنع بك فتوسع له مدّ بصره ويدخل عليه في قبره ملكاً القبر وهما قعيدا القبر منكر ونكير فيلقيان فيه الروح إلى حقويه فيقعدانه ويسألانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: الاسلام، فيقولان: ومن نبيك؟ فيقول: محمد (صلى الله عليه وآله)ـ فيقولان: ومن إمامك؟ فيقول: فلان، قال: فينادي مناد من السماء: صدق عبدي افرشوا له في قبره من الجنة وافتحوا له في قبره بابا إلى الجنة وألبسوه من ثياب الجنة حتى يأتينا وما عندنا خير له، ثم يقال له: نم نومة عروس، نم نومة لا حلم فيها، قال: و إن كان كافراً خرجت الملائكة تشيعه إلى قبره يلعنونه حتى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الارض: لا مرحباً بك ولا أهلاً أما والله لقد كنت أبغض أن يمشي علي مثلك لا جرم لترين ما أصنع بك اليوم فتضيق عليه حتى تلتقي جوانحه، قال: ثم يدخل عليه ملكا القبر وهما قعيدا القبر منكر ونكير. قال أبو بصير: جعلت فداك يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة؟ فقال: لا، قال: فيقعدانه ويلقيان فيه الروح إلى حقويه فيقولان له: من ربك؟ فيتلجلج ويقول: قد سمعت الناس يقولون، فيقولان له: لا دريت ويقولان له:ما دينك؟ فيتلجلج، فيقولان له: لا دريت، ويقولان له: من نبيك؟ فيقول: قد سمعت الناس يقولون، فيقولان له: لا دريت ويسأل عن إمام زمانه، قال: فينادي مناد من السماء: كذب عبدي، افرشوا له في قبره من النار وألبسوه من ثياب النار وافتحوا له بابا إلى النار حتى يأتينا وما عندنا شر له، فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات ليس منها ضربة ألا يتطايرقبره ناراً لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميماً"(6) ومن الجدير بالذكر أن للكافر مصاديق كثيرة سوى الكافر المعهود والذي نعرفه، ولذا فإن لفظ الكافر في الرواية المتقدمة لا يقتصر عليه، ومن تلك المصاديق ما جاء في قوله (تعالى):"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)"(7)، ومنها قوله:" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)"(8) فمن لا يشكر الله (تعالى) ومن لا يؤدي فريضة الحج رغم وجوبها عليه هما من مصاديق الكافر وإن كان المسلمون يعاملونهم معاملة المسلمين، وبالتالي فلا نظن أنّنا بمنجاة عن هذا اللون من العذاب في البرزخ طالما كنّا نقترف تلك الذنوب. ومن البديهي أن عذاب البرزخ لا يكون بمستوىً واحد لجميع الناس وإنما يختلف ويتفاوت بين بعضهم البعض حسبما يقتضيه استحقاق كل منهم لعدالة الله (تعالى) وحكمته، بل قد تقتضي عدالته وحكمته أن يستحق بعضهم العذاب في البرزخ والآخرة، على حين لا يستحق البعض الآخر العذاب إلا في البرزخ فقط، فيما يستحق سواهم العذاب في الاخرة فقط, وكل هذا راجعٌ الى حكمته وتقديره, فهو (سبحانه) جعل لكل نوعٍ من العصيان نوعاً من العذاب, فعقوبة عالم البرزخ تكون على ذنوب تختلف عن الذنوب التي أوعد الله عليها العذاب في يوم القيامة. فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: "عذاب القبر يكون من النميمة والبول وعزب الرجل عن أهله"(9). وعن الإمام الصادق (عليه السلام):"ان جل عذاب القبر في البول"(10). ومن الجدير بالذكر أن عالم البرزخ وإن كان عالم حسابٍ ولا عمل وهو بهذا يختلف عن عالم الدنيا، إلا أنه في الوقت نفسه هو عالمُ تكاملٍ، وهو بهذا يشابهها، غير أن التكامل فيه لا يكون بالعمل مباشرةً وإنما بآثاره كما ورد ذلك في بعض الروايات منها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):"من سنَّ سنة حسنة عمل بها من بعده كان له أجره ومثل اجورهم من غير أن ينقص من اجورهم شيئا"(11)، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، ومصحف يقرأ فيه ، وقليب يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجريه، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده "(12). وبما أن آثار عمل الإنسان تسهم في تكامله في عالم البرزخ، إذن من الممكن جداً أن تسهم في رفع عذاب ذلك العالم عنه، كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):"مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل فاذا هو ليس يعذب، فقال على نبينا وآله وعليه السلام : يا ربّ مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعّذب ، ثم مررت به العام فاذا هو ليس يعذّب، فأوحى الله (عزّ وجل) إليه :يا روح الله أنه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه ...."(13) بل ورد في بعض الروايات أن هناك أعمالاً تخلِّص الانسان من عذاب القبر، كما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب القبر"(14). ولا يقتصر التكامل في عالم البرزخ على رفع العذاب وتخفيفه بل وتشمل رفع درجات المؤمن كما في تقوية المسكين في دينه، فالمسكين تارةً يكون مسكيناً مادياً وأخرى يكون مسكيناً معنوياً، ومن أخطر المسكنة: المعنوية المسكنة في الدين أي الضعف فيه، ولذا كان العمل على تقوية هذا الجانب هو الأفضل اثراً في عالم البرزخ، فقد روي عن الإمام على بن أبي طالب (عليه السلام):"من قوى مسكيناً في دينه، ضعيفاً في معرفته على ناصب مخالف، فأفحمه لقنه الله (تعالى) يوم يدلى في قبره أن يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني. فيقول الله: أدليت بالحجة، فوجبت لك أعالي درجات الجنة، فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة"(15) وكما أن هناك تكاملاً للإنسان في عالم البرزخ، فإن هناك تسافلاً أيضاً نتيجةً لآثار الأعمال السيئة في الحياة الدنيا فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله):" ومن سنَّ سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا "(16) فتزيد عذاب الميت أو قد تؤبده إلى قيام الساعة كما في بعض الفتاوى التي يصدرها بعض وعاظ السلاطين من الجهلة الذين يدّعون العلم والتي تحصد على مر الزمن النفوس البريئة تلو النفوس، وتدمر الأواصر الاجتماعية جيلاً بعد جيل، وتفتت الشعوب القوية وتحيلها إلى فريسةٍ سهلة لأعداء الإسلام. من كل ما تقدم يتضح تجلّي اللطف الإلهي للإنسان إذ منَّ عليه بعالم البرزخ؛ لأنه يتيح له فرصة التكامل من جهةٍ وهي فرصة لتنقية بعض المؤمنين مما اقترفوه من ذنوبٍ ليكونوا مؤهلين برحمة الله (تعالى) لدخول الجنة من جهةٍ أخرى. كما يتضح فيه تجلّي العدل الإلهي، إذا يُبقي على سجل الظالمين الطغاة مفتوحاً ليُسجّل فيه كل نتيجةٍ لأعمالهم الطالحة، وكل أثرٍ من آثار جرائمهم الفادحة في الحياة الدنيا وعلى مر العصور والأزمان. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ميزان الحكمة ج4 ص244 (2) المصدر السابق (3) المؤمنون 100 (4) بحار الأنوار ج6 ص214 (5) علل الشرائع ج1 ص374 (6) الكافي ج3 ص240و241 (7) إبراهيم 7 (8) آل عمران 97 (9) وسائل الشيعة ج1 ص340 (10) المصدر السابق (11) ميزان الحكمة ج3 ص470 (12) تسلية الفؤاد ص 134 (13) الخصال ج1 ص331 (14) الكافي ج6 ص4 (15) المصدر السابق ج2 ص851 (16) بحار لأنوار ج6 ص229 (17) ميزان الحكمة ج3 ص470 رضا الله غايتي
اخرىفي مجلـس يزيـد فــي الشام قولها (صلوات الله عليها) : « صدق الله (سبحانه) ، كذلك يقول: « ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) »(1). عاقبة كل شيء : آخره، أي: إن آخر الأمر الذي يؤول إليه من أساؤوا إلى نفوسهم بالكفر بالله وتكذيب رسله، وارتكاب المعاصي و قتل عترته هو السوأى: وهي الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته، أي عذاب النار. و كأنها بأبي هي و أمي تقول: لا غروَ يا يزيد إن أنكرت الإسلام والإيمان اليوم بأشعارك المشوبة بالكفر والطغيان، متمنياً أن يشهد انتقامك من بني هاشم الكرام من قُتِل في بدر من أسلافك الكفرة اللئام ، فقد قال أصدق القائلين ومن ليس فوق كلامه كلام:" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ "(2). وأما قولها: «أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، واصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أن بنا هوانا على الله، وبك عليه كرامة»؟! فقد انصب على تفنيد تصور يزيد المحدود الفكر، والقصير النظر، الذي اعتبر أن الانتصار في الحرب دليل على كونه على حق، وعلى قربه من الله (تعالى)، وكرامته عنده (عز وجل)، فاستولت عليه نشوة النصر والظفر، وتضخم في نفسه الطغيان والتجبر والكبر. فشرعت في نسف هذا التصور الكاذب بمخاطبته (سلام الله عليها) باسمه الصريح لا بما غصبه من ألقاب تشير الى الخلافة أو الى إمرة المؤمنين، لتلفت انتباهه الى عدم اعترافها بخلافته. ثم استرسلت بوصفها لحالها، وأحوال من معها من العائلة المكرمة، وكيف أنهم كانوا في أشد الضيق، كمن أخذوا عليه -أي: منعوه- من جميع الجوانب وحاصروه من كل الجهات، فلم يتركوا له منفذاً للخروج من وضعه، ولا يمكنه التخلص مما هو فيه. ومن بعد التضييق والتشديد أصبحنا نساق كما تساق الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها، في طابور واحد طويل، وقد كان جميع أفراد العائلة المكرمة، بما فيهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب ( عليهما السلام ) مربوطين ومكتفين بحبل واحد!. فلا تظنن يا يزيد ونحن على هذا الحال من الضعف، أنه ليس لنا جاه ومنزلة عند الله، لأننا مغلوبون، وأنك على هذا الحال من القدرة و السيطرة، أن لك عند الله جاهاً وكرامة فمكّنك من الظفر بنا و النصر علينا، فقتلت رجالنا، وسبيت نساءنا! الى أن قالت:« فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله ( عز و جل ): « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين»(3). ومهلاً: أمهل، ولا تسرع، أي: تمهل يا يزيد، فالأمر ليس كما تعتقد وكما تتصور، فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر. فإن الله (تعالى) أعدل من أن يترك مجرماً بلا عقاب، ولا يقدم ظالماً الى الحساب، وإنما يُطيل للظالمين المدة والمجال، لا حباً بهم ولا خيراً لهم أو منه (سبحانه) إهمال، وإنما ليزداد إثمهم وليُملأ سجلهم بالمعاصي وقبيح الفعال، ليجزيهم يومئذ الله العادل المتعال، الخلود في العذاب الأليم والعقاب المهين وبئس المآل. وأما قولها:« ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك »(4) أي: لا تطول أيام حياتك، و عما قريب سيزول ملكك، وسريعاً وعاجلاً ستموت، وتنتقل إلى عالم الآخرة، وبما أنك وأسلافك على شاكلةٍ واحدة من الكفر والعصيان ،والفجور والطغيان، فإنك لن تلبث طويلاً حتى تلحق بهم في جهنّم فتشهدهم في العذاب المهين، ولكنهم لا يرونك، أي: لا تجتمع معهم في مكان واحد؛ لأن جرمك قد فاق جرمهم أضعافاً مضاعفة، فتستحق عليه من العذاب الأشد، وسيكون مقرك في دركة أسفل منهم في طبقات نار جهنّم، فتراهم حين نزولك إلى ذلك المكان الأسفل، فتراهم ولكنّهم لا يرونك. وقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:« إنّ قاتل الحسين بن علي .. في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، مُنكّس في النار، حتى يقع في قعر جهنّم، وله ريحٌ يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، مع جميع من شايع في قتله، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله (عز وجل) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم، لا يُفَتّر عنهم ساعة، ويُسقَون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار»(5) وقد تجلى العدل الإلهي في عبارتها الغاية في العمق والبلاغة «ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك» بدقة بالغة حيث إنها لم تتعرض الى العدل الجزائي كما في عباراتها السابقة وحسب، بل و أشارت الى دقة العدل الالهي، حيث إن الله (تبارك وتعالى) وإن أدخل الظالمين والكافرين نار جهنم، إلا أنه لا يضعهم في دركة واحدة من دركات جهنم، بل يضع كلاً منهم في الموضع الذي يستحق من العذاب، والدركة التي تناسبه من العقاب. وأما دعاؤها (عليها السلام) على يزيد ومَن شاركه في ظلم آل رسول الله الطيّبين الطاهرين بقلبها الملتهب بالمصائب، حيث قالت:« اللهم خُذ بحقّنا، وانتقم من ظلمنا، واحلُل غضبك على من سفك دماءنا، ونقضَ ذمارنا، وقَتلَ حُماتنا، وهتك عنّا سدولنا»(6) فهو بحد ذاته قولٌ بعدل الله (عز وجل)،وإلا كيف يتوقع من غير العادل أن يقتص من الظالم وينتقم للمظلوم؟ وقولها (عليها السلام):«ولتردن على رسول الله بما تحمّلتَ من سفك دماء ذريّته، وانتهاك حرمته في لحمته وعترته، وليخاصمنك حيث يجمع الله (تعالى) شملهم ويلم شعثهم ،ويأخذ بحقهم »(7) أي سترِد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة حاملاً على ظهرك من الجرائم العظام والمعاصي الجسام ما لا تحملها الجبال الرواسي، فيُخاصمك حينئذٍ على كل جريمة أشدّ أنواع الخصومة. وسيجمع الله (تعالى) آل الرسول الأكرم(صلى الله عليه و آله) عنده (عليه و آله أفضل الصلاة و أزكى السلام) في جبهة واحدة فيَشكو كلّ واحد منهم (عليهم السلام) إلى النبي الكريم كلّ ما لقيَ من الناس مِن عداءٍ وظلم . وقد جسد قولها (عليها الصلاة والسلام):«وحسبك بالله وليّاً وحاكماً، وبرسول الله خَصماً، وبجبرائيل ظهيراً»(8) العدل الإلهي بأوضح معانيه، وأجلى صوره، حيث أشارت الى عقد محاكمة عدل إلهية مكتملة الأطراف من أجل إنصاف المظلوم من ظالميه. فالله (تعالى) هو وليّ الدم، والآخذ بالثأر، لأن الإمام الحسين (عليه السلام) هو: وصيّ رسول الله، وسيّد أوليائه (عز وجل)، فمن الطبيعي أن يكون ( جل جلاله ) هو الطالب بثأره، والوليّ لدمه. وهو الشاهد لمصيبة قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو أيضاً القاضي والحاكم، وهو (سبحانه) يَعرف عظمة المقتول ظلماً، وهو يعلم أهداف ودوافع القاتل . وقد روي عن الصحابي ابن عباس أنّه قال: «لمّا اشتدّ برسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي مات فيه، حضَرتُه وقد ضمّ الحسين إلى صدره، يسيل من عرَقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: «ما لي وليزيد! لا بارك الله فيه، اللهم العن يزيد». ثمّ غُشيَ عليه طويلاً وأفاق، وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرُفان ويقول: أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله»(9). وقولها (عليها السلام):«فلئن اتّخذتنا مغنَماً، لتجدُنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك، وأن الله ليس بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المُعَوّل»(10) أي إنّك قد أمرت بأسرنا، وعاملتنا أنت وأعوانك معاملة السبايا والغنائم الحربيّة، ولكنك قريباً عاجلاً ستجد نفسك محاصراً بالمعاصي التي اقترفتها بحقنا، مُثقَلاً بالذنوب التي عليك دفع ضريبتها في محكمة العدل الإلهية، حيث تحاول الدفاع عن نفسك، ولكنك لن تجد معك إلا ما يُدينك من الجرائم الفظيعة والجنايات الشنيعة، فيحكم الله (تعالى) عليك بما قدمته يداك لأن الله ليس بظلام لعبيده، بل سِمتُه العدل، ولذا فإنما شكوانا من ظلمك وطغيانك إليه والاستعانة به. ومن العدل الإلهي أن الله (تعالى) قد يعجّل العقوبة على بعض المعاصي الكبيرة في الحياة الدنيا، وهذا ما أشارت إليه الصديقة الكبرى في قولها:« وأيّامك إلا عدد »(11) أي إنك سوف لن تمكث في هذه الدنيا طويلاً، إذ إن عمرك بعد قتلك للإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه لن يكون إلا قليلاً. وبالفعل فقد أثرت جريمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) تأثيراً سلبيّاً واضحاً في مقدار عمره، فقد جاء في التاريخ (أنّ يزيد عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام)(12) . وكما إن العدل الإلهي يقتضي أن يعاقب العاصي لعصيانه، و يعذب الطاغي لطغيانه، فإنه أيضاً يقتضي أن يجزى المحسن بالإحسان، و يثاب من أطاع الله (تعالى) بالخلود في الجنان. و يمكننا أن نلمس هذا المعنى في قولها (عليها السلام):« فالحمد لله الذي حَكَم لأولنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة » وليس عجباً أن تحمد الله (تعالى) الصديقةُ الصغرى، فقد قدّمت أخاها قرباناً لله (عز وجل) بعد أن رأته ذبيحاً من القفا، مقطعاً أوصالاً على رمضاء كربلاء، بكل صمود وإباء على الرغم من رقة قلبها العطوف، وحبها المنقطع النظير لأخيها الرؤوف. ومن يقرأ كلمات السيدة الطاهرة (عليها السلام) يجزم بأنها لم تكن تنظر الى الأحداث بعين ملكية كسائر البشر، بل إنها قد قرأت الأحداث بعينها الملكوتية كأولياء الله و من اصطفاهم، ولِمَ لا؟! وهي المعصومة بالعصمة المكتسبة، وهي العالمة غير المعلمة، ويتضح ذلك جلياً من قولها "الذي حكَم لأوليائه بالسعادة " فأي سعادةٍ يا مولاتي، وأجسادهم مقطعة الأعضاء، ورؤوسهم مرفوعة على القنا؟ لولا رؤيتك لباطن الأحداث وحقيقتها، و لعلها قصدت السعادة الأبدية. ولذا فلقد كان العدل الإلهي يتجسد أمام ناظريها بحيث إنها لم تكن ترى الجريمة إلا ورأت عقابها معها، ولم تكن ترى الظلامة إلا ورأت ثوابها معها؛ لإيمانها المطلق بالعدل الإلهي، فلا غرابة إذن إن تجلى العدل الالهي في كلماتها (سلام الله عليها) فلقد نبعت من قلبها الذي تجسدت فيه جميع العقائد الحقة، وتشكلت فيه جميع ما شاهدت وما رأت وما عانت ولكن بهيئتها الملكوتية . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف 595 (2) الروم 10 (3) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف : 596 (4) السيد محسن الأميني : لواعج الأشجان في مقتل الإمام الحسين (ع) ج1 ص225 (5) المجلسي : بحار الأنوار ج44 ص30 (6) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف ص597 (7) المصدر السابق ص598 (8) المصدر نفسه ، نفس الصفحة (9) المجلسي : بحار الأنوار ج44 ص266 (10) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف 598و599 (11) المصدر السابق ص599 (12) الطبري : تاريخ الطبري ج 4 ، ص37 رضا الله غايتي
اخرىنشهد هذه الأيام ازدحام المحال التجارية بالملابس السوداء من جهة، وازدحام المقبلين عليها من الناس للشراء لا سيما النساء من جهة أخرى. ولا عجب في ذلك فموسم الحزن على الأبواب، بل إن هذه الظاهرة من الظواهر التي تفرح القلب وتثلج الفؤاد أن يستعد الموالون للحزن على أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)؛ لأنها علامة من علامات الولاء، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"إن الله تعالى اطلع إلى الأرض فاختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أنفسهم وأموالهم فينا فأولئك منا وهم معنا في الجنان "(1) إلا إن ما يحزن القلب حقاً تفاصيل تلك الملابس و طريقة خياطتها وصنعها بحيث تكون مُظهرة لمفاتن المرأة، موضحة لجماليتها، جاذبةً للأنظار، باعثة على الإغراء، داعية الى الافتتان، بل إن بعضها -وأقولها بأسف بالغ- ملابس خليعة بمعنى الكلمة بحيث يصلح ارتداؤها للحفلات الغنائية لا حتى لمحافل المؤمنات الملتزمات بالأحكام الشرعية، فضلاً عن مآتم أهل البيت (عليهم السلام). فإلى متى يبقى الغرب الكافر ومن يسير على خططه ونهجه يخططون ويصممون، وأفكارهم اللاأخلاقية لنا يصدرون؟! والى متى نبقى أناساً حتى للأفكار وثقافة غيرنا مستهلكين؟! وبديننا وأحكامه الشرعية متهاونين، وثقتنا بهويتنا مهتزة، وبثقافتنا الدينية غير متمسكين؟! وقد تقول الملتزمة بالحجاب الشرعي منهن: لا ضير فيما نرتدي في مجالس العزاء وإن كان خليعاً طالما الرجال لا يحضرون تلك المجالس وهي مقتصرة على النساء فقط. نجيبها بتساؤل: لو توفي شخص عزيز علينا، أ فهل كنا نتخير الملابس الخليعة لحضور مأتمه؟ أم كنا نلتفت الى إظهار المفاتن وإبراز جماليتنا بمجلس عزائه؟ أم أننا نتجنب كل ذلك خجلاً من ذوي المصيبة؟ وحياءً من أهل العزاء وحفاظاً على مشاعرهم ؟ أوَهل أصبح أهل العزاء من سائر البشر أهم لدينا من العترة الطاهرة الذين اصطفاهم الله (تعالى)؟ أم أصبح الاهتمام بمشاعر ذوي المصيبة من أقراننا وأمثالنا -نحن المذنبين- أهم من الاهتمام بمشاعر من حفظ لنا الدين وضحى بالغالي والنفيس لنعيش بعزٍ مسلمين ومهد لنا سبيل النجاة للفوز بجنة رب العالمين؟ أم أصبح الميت منا أهم وأحبّ إلينا من الإمام الحسين ومن استشهد معه (عليهم السلام أجمعين)؟ أم أصبح حياؤنا من صاحب المصيبة أهم من حيائنا من خاتم المرسلين وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وزينب الحوراء عقيلة الهاشميين (عليهم السلام) ومن إمام زماننا (عجل الله فرجه) و كلنا على علم بحضوره لمجالس العزاء واطلاعه على جميع أعمالنا ؟ ثم ألا يكفيهم في موسم الحزن حزناً على مصائب كربلاء لنزيد الى حزنهم حزناً ولنضيف الى ألمهم ألماً؟ ثم ندّعي بعد كل ذلك أننا موالون ولحزنهم حزينون؟! أ فهل ولاؤنا لهم بهذا التعامل مع مآتمهم يعد ولاءً حقيقياً؟! أم إننا بهذا التعامل نشرع بالابتعاد عنهم يوماً فيوماً ونحن غافلون؟! وكل همنا الإطلالة المشرقة والتميز في الجمال التي رسختها في أذهاننا خطط الكافرين عبر البرامج والأفلام والمسلسلات والإعلانات .. فلنعد إلى وعينا وإلى ديننا وإلى ثقافتنا وإلى أئمتنا قلباً وقالباً وليس بمجرد الادعاء؛ لأن هناك يوماً تبلى فيه السرائر ويظهر كل منا على حقيقة ما يعتقد وحقيقة ما يصنع ولا ينفع يومئذ لا جمال خارق ولا لباس أنيق و لا موضة العصر ولا ولا ولا.. إلا من أتى الله بقلب سليم. أقول كلامي هذا لكل من تدّعي أنها تملك حب الحسين (عليه السلام) ولكل من تسعى الى رضا صاحب الزمان (عجل الله فرجه) .. و رحم الله امرءً سمع القول فاتبع أحسنه ... ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص61 رضا الله غايتي
اخرى