لا يوجدُ شخصٌ سعيدٌ تمامَ السعادة ولا آخرُ مُكبَّدٌ بالحزنِ والشقاءِ الدائم فالحياةُ فيها الجانبُ المُشرقُ والجانبُ المُظلمُ لكنّك تنظرُ إلى الجانبِ المُظلمِ فقط وتعيشه الحزنُ والسعادةُ متعلقانِ بتفكيرِك أنت التفتْ إلى ما حولَك .. فهُناكَ الكثيرُ من النِعَمِ التي تستحقُّ أنْ تكونَ سعيدًا لأجلِها.
اخرىبقلم: نرجسة الزمان الموسوي يلوكُنا الوقتُ كالنارِ في الهشيم، من بينِ أناملِنا تبدّدتِ الساعاتُ والأيامُ كلمحِ البصر، لا نفقهُ ما يجري! ندنو رويدًا رويدًا إلى المنية، على حين غرةٍ نرقدُ في اللحد، حينها نستنجدُ فزعين: "ربِّ ارجعون لعلّي أعملُ صالحًا فيما تركت ...".. ولات حين مناص.. فالآن اغتنمِ الفرصةَ، وازرع يومَك بالخيرِ حتى تحصدَ ثمارَه غدًا في الجنان.
اخرىبقلم: يقين محمد نعمة تحدثني ذات الجرح العبائي وتشكو لي بحرقة، بنبراتِ صوتٍ مُتعبٍ، وتصف لي ذلك اليوم قائلة: ذلك اليوم المرعب لا أنساه أبدًا، حيث كان الجوُّ معتدلًا، والرياح تتربص بي في ذلك الموقف، آهٍ ،آهٍ كان كصعقةٍ شديدةٍ بالنسبةِ إليّ، كان الهواءُ يتغنّى بجرحي ويعلمُ بأنني مجروحة! لم أنتبه إلى ذلك الجرح حينها؟ فكانت الرياح تدغدغ جرحي المكشوف الذي لم يندمل! لا أنسى ذلك اليوم ذا الرياح أبدًا، عندما تطايرتْ عباءتي ولم أنتبه لها نعم... بعدها تضمَّد جُرحي ولكن بقيَ مكشوفًا في قلبي إلى الآن نعم، مكشوف إلى الآن! حينها اغرورقت عيناي، وكأنني وصلتُ إلى نفس الجرح، فأمسكت بيديها ونظرت إليها لأقول: ضمَّدتكِ الحوراء (عليها السلام)، ومسحت على رأسكِ الزهراء (عليها السلام)، اسأليهما الدعاء عزيزتي..
اخرىبقلم: صفاء الندى ما أجملَ أنْ يكون رفيقُك الدائم كتابًا.. يسيرُ بك إلى أفضلِ سبلِ المعرفة.. ويفتحُ في عقلك نوافذَ متأهبة لاستقبال الآراء والأفكار ومن مصادرَ شتى، ليس للأخذِ بها بالجملةِ، بل لتوسيع أفق الحياة لديك، ولتكون أكثرَ تفهمًا لمن آمن بها.. إنّها مسيرةُ العاشقين لكلِّ معلومة.. تبدأ بقصةٍ ملونةٍ ولهفةِ صبيةٍ هامت بالحروف، ولا زالت ولن تنتهي.. نعم، لا تنتهي؛ لأنّ كلَّ وعاء يضيقُ بما فيه، إلا وعاء العلم فإنه يتسع ويتسع وبلا مدى..
اخرىبقلم: صفاء الندى لستُ سوى مادة تؤدي للموت.. فللموتِ أسبابُه وأنا أحدُها.. والكلُّ يعرفني، ويتجنّبني، وأنا مطمئنٌ لهذا الأمر.. مطمئنٌ أنّي لن أؤذي بشرًا إلا بعلمه واختياره، أو بالخطأ، أو يستعملني لفائدةٍ يراها.. ولكن ما باتَ يؤلمُني حقًا، أنّي أصبحتُ أداةً بيد الظالمين.. لقد صيّروني نقمةً على آل محمد.. إنّه معاويةُ اللعين، أولُ من سنّ هذه السُّنة السيئة.. ومن بعدِها لم أعُدْ أرى نفسي إلا من أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله).. إنَّ ضميري يهتزُّ عندما أشعرُ بما ينزلُ على الأئمة (عليهم السلام) من ألمٍ وعذابٍ بسببي.. لا تتعجّبوا .. أنا أيضًا لديّ ضمير لا يُحبُّ الغدرَ ولا المكر ولا القتل.. ولكن ليس بمقدوري فعلُ شيءٍ، فلا بُدَّ للسمِّ أنْ يظلَّ مفعولُه مستمرًا، فلهذا وُجد وخُلق.. وقد مضتِ السنون، وأنا بعيدٌ عن متناول الظالمين.. فهذا الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) أمامي أراه سليمًا ولم يمسسه سوء.. وكلُّ يومٍ يمضي والإمامُ معافىً، أحمدُ الله (تعالى) كثيرًا وأناجيه: يا إلهي إنْ كان الطاغيةُ هشام بن عبدالملك يريدُ قتلَ الإمامَ الباقر فليكن لسببٍ آخر.. أتوسلُ اليك يا سيّدي.. فليقتلوه بالسيفِ علانيةً كما فعلوا بالحُسين (عليه السلام).. فليُسقطوه من شاهقٍ غدرًا ..ليصاب بداءٍ ما يُفضي لمنيته.. فليكن ما تشاء يا إلهي.. ولكن اعفني من هذا الجُرمِ الكبير الذي يؤرقني.. ليتني خُلِقتُ عَرقًا يسيلُ، يشمئز منه الناس ويحتقرونه.. لا سُمًّا يسري في عروقِ الأئمة (عليهم السلام) يستقوي به الظالمون عليهم متى ما هاجت نفوسُهم بنارِ الحقدِ التي لا يُطفئها إلا تجريعهم إيّاي.. وقد جاءتني بإحدى الايام أنباءُ التخطيطِ لمقتلِ الإمامِ الباقر (عليه السلام).. وأنّهم بدأوا يتناقلون اسمي مُجددًا كأحدِ أفضلِ الأدواتِ الآمنة والصامتة لقتله كما فعلوا بآبائه السابقين.. آهٍ.. يا ويلي.. عُدتُ أتحسسُ الشقاءَ والحسرةَ ثانيةً بعدَ أنْ ارتحتُ لسنواتٍ عديدةٍ فرِحًا ببقاءِ الإمامِ الباقر (عليه السلام) حيًّا بيننا.. جاء أحدُهم ملأ مني قارورةً وذهب مُستبشِرًا لِما سيحصلُ عليه من أموالٍ من وزيرِ الأمير المُقرَّب الموكل إليه مهمة تصفية الإمام الباقر (عليه السلام).. لم يَطُلِ الأمرُ كثيرًا ووجدتُ نفسي في جوفِ الإمام (عليه السلام) عن طريقِ حبّاتِ عِنبٍ بريئةٍ مغلوبة على أمرها كما حالي.. وقد اقتحمتُ دمَه الطاهر، و بدأتْ أعراضي المُعتادة تُحيطُ به بلا رحمة.. سبّبتُ له آلامًا واختناقًا وإعياءً شديدًا.. وحانتْ لحظات الإغماء التي أهابُها، فَمع كلِّ إغماءةٍ يبدو لي أنّها نهايةُ الإمام أزدادُ اضطرابًا وخوفًا.. يا إلهي.. أليس بالإمكانِ تعطيلُ مزِيّة التسميم وتجعلني كماءٍ زلالٍ بارد يدخلُ جوفَ الإمامِ كما جعلتَ النارَ بردًا وسلامًا على إبراهيم (عليه السلام)؟ توسلتُ.. وابتهلتُ ولكن بلا فائدة (فكلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت).. رحلَ الإمامُ الباقر(عليه السلام) راضيًا مرضيًا صابرًا محتسبًا.. وبقيتُ أنا القاتلُ الصامتُ أتجرّعُ حسراتي ابتلاءً وامتحانًا.. ابتلاءً لأبناء الرسول (عليهم السلام)؛ لأعلِنَ للملأ عن عمقِ ثباتِهم وإيمانهم وفنائهم بدينهم.. وامتحانًا للظالمين؛ لأظهرَ حقيقتَهم الشيطانية جليّةً.. فمن أسوءُ سريرةً من أصحابِ الدسائس والمكايد والحاقدين على أولياءِ الله (تعالى)، الذين يقتلون عباده غدرًا وغيلةً وعلى مرِّ السنين..
اخرىالتاريخُ يُعيدُ نفسه كانُ ولا زال عبيد الدُنيا يلهثُون خلف الطّمعِ والجشعِ، واضعين أكفَّهم على أعيُنهم؛ لتكون حاجبًا عن رؤية الحق وإن كان بوضوح شمس النّهار ... بالأمس ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم وأمتثلوا لطاعة ابن زياد وغدروا بسفير الحق والحقيقة، سفير حُجة الله (تعالى) على خلقة في أرضه... وها هم اليوم يستأنسون بالغفلة عن شمس الحقيقة وسبيل النجاة نواب الإمام الحٌجة ابن الحسن (عليه السلام) ويتبعون ورثة أبن زياد، مع أن الحق واضحٌ وجليّ، ولكن هيهات هيهات كيف يرى الحق من أعمى قلبه باتباع الهوى وطاعة النفس والشيطان.
اخرىقلبي في يوم عرفة كصخور جبلها قسى عليه الزمان وحرارة الشمس فشققته عطشًا وزادته صلابة ينتظر في كل سنة أن تطأه قدمان طاهرتان ولكن هيهات هيهات كيف لهذا القلب البائس الملوث بالذنوب واللذائذ أن يتشرف بوطئ أقدامك سيدي ليس لدي سوى دموع الندم ولسان يندب حاله ليركع بين قدميك متأسيًا بركوع الحر يسألك التوبة فهل من نظرة عطف تطفئ جمرة البعد
اخرىاليوم تُمسي أزقّةُ الكوفةِ موحشةً بعدَ فقدانها أُلفة بركةِ وجوده أخالُ الكوفةَ فرِحتْ ورقّتْ أحجارها وطرَبَت للغريب الذي ٍوطئ أرضها، تتبّعتْ خطواتِه وشربتْ وقعَ اقدامِه فلا يزورها أمثالُ مُسلمٍ كُلَّ يوم... تظنُه يترفّقُ حتى بتُرابِها عندما يمشي، فلا تكادُ قدماهُ تُلامسانِ الدربَ تحتهُما ... أمّا كيفَ تعرفُه، فليستْ شحيحةَ وفاءٍ كي تنسى رائحةَ عليٍّ (عليه السلام)! واليوم تراهُم يرمونَ بهِ على ظهرها بقوّةٍ، يذبحونَه بسكّينٍ عَمياء، فتحتضنهُ بقوّةٍ أكبر، إنّها المرّةُ الأولى التي يرمونَ على وجهِها وردةً... تلقّفَتْه بسرعة، غطّتْه بالتُّرابِ، وغطّت وجهها، فلا تُريدُ أنْ تُصدّقَ أنّ التي سالتْ منه هي دماءٌ وستبقى توهِمُ نفسَها أنّها قطراتٌ من الكوثرِ
اخرىبقلم: أم حوراء النداف عجيبةٌ تلك اللوحةُ التي رسمَها الدهرُ، تبدو مألوفةً وإنْ كانت مُعنونةً باسمٍ خاص. إنّها لوحةٌ ملحميةٌ، تخالُها تنطقُ عن لسانِ التأريخ لتصفَ بسالةَ بطلٍ هُمامٍ وقائدٍ مقدامٍ يقفُ بقامته الشمّاء ليحتلَ من اللوحةِ مساحةً تليقُ ببطولاته الفذّة وتضحياته العظيمة نصرةً لدين الله الحنيف، وثباتًا على ولاء إمام زمانه.. قد أحكمَ قبضةَ يده اليُمنى على مِقبضِ سيفه في مواجهةِ جلاوزةِ الطُغاةِ المُلتفّين حوله، وقد بدوا كأقزامٍ في مواجهةِ ماردٍ عملاق، في حين امتدتْ يده اليسرى عاليًا لترفعَ رايةَ الحقِّ وقد كُتِبَ عليها "يا منصور أمت" ومن خلفِه اصطفَّ آلافُ الجنود بزيّهم العسكري، لكنهم ورغمَ قربِهم منه قد أداروا ظهورهم، وبدتْ وجوهُ بعضِهم من الطرف الآخر وهي باسرةٌ ترنو بأبصارٍ مهطعةٍ نحو قصرٍ بعيد تعلوهُ سحبٌ حمراء، ويتدفّقُ من بواباته دخانٌ أسود لاحَ بين جنباتِه أشباحُ رجال. وفي الجانبِ الآخر من اللوحة يقفُ ثلةٌ من الرجال قد بانتْ عليهم أماراتُ العلمِ والعبادة، وهم منشغلون بالتفكّر والتأمّل، قطبوا جبينهم متبرمين منزعجين كمن أسقط في يده، لا يهتدون للحقِّ سبيلًا. وفي الأُفُقِ البعيد هنالك صحراءُ وقافلة... فهل كانَ موقفُ مسلمُ بن عقيل حجةً على أهلِ زمانِه وحسب؟! كم مرةً تكرَّر هذا المشهدُ عِبرَ التأريخ؟! وكم قصةً رواها لنا القرآنُ الكريمُ عن أبطالٍ خذلّهم قومُهم، وعن طغاةٍ خدعوا الشعوب بأوهام وأباطيل ليبثوا فيهم الرعب، ثم لم يلبثوا أنْ تهالكوا بقوّةِ الدماء الطاهرةِ الزكية فينقلب المتخاذلون نادمين متحسرين بعد انقشاعِ سُحُبِ الوهمِ وبطلانِ أهاويل إبليس. كم مرةً يجبُ أنْ يُغربلَ القومُ ليميزَ الخبيثُ من الطيب؟! كم مسلمًا يجبُ أنْ يُرمى من على السطح، أو يُعدَم بالرصاص، أو في أحواضِ التيزاب، أو يُقتل بين أحضان أولاده؟! حتى يتعرفَ الناسُ على عدوِّهم الحقيقي، ومدى ضعفه، فلا سلاح لديه سوى الوهم، ذلك الدخانُ الأسودُ الذي يبعثُ الرعبَ في قلوبِ الضُعفاء، لكنّه مجرد دخان...... الوهمُ الذي يقذفُه في قلوبِ المُتشككين والمُترددين فيزدادوا شكًا وريبةً، الوهمُ الذي يزرعُ الحقدَ والعداوةَ فيفرق الجمعَ ويبعثر الشتات، فتضعف العزيمةُ وتخور القوى. حتى متى نرى اللوحةَ بالمقلوبِ ونبكي على الشهيدِ ونحنُ أولى بالبكاء على أنفسِنا، فلا زلنا ننتفضُ عند بواباتِ القصور، ونستجدي الحياةَ من تُجّار الموت، ولا زلنا نُخدعُ بأكاذيب شُريح القاضي... والحسينُ ينتظر ... الإمامُ ينتظر ....... ينتظرُ رجالًا صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، لا تأخذُهم في اللهِ لومةُ لائمٍ، يحملونَ قلوبَهم على دروعِهم وشعارُهم عن علمٍ ويقين: "يا منصور أمت"
اخرى