Profile Image

مدونة الكفيل

خاطرة

أُحِبُكَ ... ليسَ لأنّكَ ستحضرُ لحظةَ وفاتي ولا لأنّك ستُنيرُ وحشةَ قبري ولا لأنّك ستكفُ مساءلة منكرٍ ونكيرٍ إيّاي ولا لأنّك ستأخذُ بيدي فوقَ الصراط ولا لأنّك ستشفعُ لي يومَ الحساب ولا لأنّك ستُسقيني من حوضِ الكوثر لا لذلك فقط... وإنّما أعشقُكَ؛ لأنّكَ عشقتَ إلهاً لا يُعبدُ سواه وعبدتَ مربوبًا لا يُطاعُ غيرُه ولأنّك كنتَ نعمَ العبدِ، ونِعمَ الأخ، ونِعمَ الزوج، ونِعمَ الأب تجسّدتْ بكَ الوحدانيةُ ورويتَ قلوبَنا وفاءً ورأفةً ورحمةً فأصبحنا لا نهابُ الموتَ؛ لأنّنا مُتيمون بحُبِّك فليُقطِّعونا إربًا إربًا... وهل سيشعرُ بالألمِ من تذوّقَ من كأسِ ولايتِك!؟ #يومُ_الغدير_يومُ_الولاية

اخرى
منذ 3 سنوات
303

الغديرُ؛ إكمالًا للولاية، وإسقاطًا للمشاريعِ الأخرى

بقلم: عباس قاسم المرياني قد يتصورُ من ليس لديه اطلاعٌ كبيرٌ وواسعٌ بالتاريخ الإسلامي عمومًا، والسيرة النبوية خصوصًا أنَّ حادثةَ الغدير أمر طبيعي؛ إذ نادى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بأصحابه في موقعِ غدير خم أنَّ عليًا مولاكم ومولى كلِّ مؤمنٍ وانتهت القضية. كلا ليس كذلك بل حادثةُ الغدير جاءت: 1. مكملةً لآياتٍ وأحاديثَ الولاية الأخرى، منها آيةُ الولاية "إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، وقد اتفقت أغلب التفاسير على أنَّ هذه الآية نزلت بحقِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)عندما تصدّق بخاتمه وهو قائمٌ يصلي، وآية طاعة أولي الأمر "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم" الذين هم الأئمة من آل البيت (عليهم السلام)، وحديث المنزلة "يا علي إنّك بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي". 2. جاءت لإسقاط المشاريع السياسية التي كانت تعتقد أنّ أمر الدين الاسلامي سينتهي بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخذت تُهيأ لذلك. كما أنّه من غير المنطقي، أو المعقول أنْ يترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الأمّة الإسلامية الفتية الناشئة توًا، التي لم يترسخْ فيها الدين الإسلامي بشكلٍ كبيرٍ، كريشةٍ في مهب الريح. فهل من الحكمة أن يترك رجلٌ حكيمٌ، وصاحبُ رسالةٍ سماوية، ثم مُصلحٌ ديني كبير كرسول الله (صلى الله عليه وآله) مشروعه لإرادة جماعته؟! أو أنْ يترك أمر الأمّة لكلِّ من هبَّ ودب؟! ثم هل ضَمنَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أنْ تكون إرادة جماعته صحيحة وموافقة لمشروعه الإلهي؟ أو هل ضَمنَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أنْ لا يتفتت هذا المشروع، وينتهي عمله المُضني طوال سنين كفاحه المقدس؛ لإظهار هذا الدين وترسيخ قواعده ونشره إلى كافة أرجاء المعمورة بالطريقة التي تليق بمبادئ هذا الدين وقيمه العظيمة الحقّة التي أشار إليها القرآن الكريم وأحاديثه النبوية الشريفة. فضلًا عن ذلك فإنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) لم يكنْ يطمحُ لتأسيس دولةٍ على وفقِ نظام حكمٍ معين فقط، ولم يكن الأمر الذي بُعث به لفترة معينة أو محدودة، ثم يزول وينتهي كل شيء، بل إنّ أمره هو ترسيخ دين سماوي شمولي أُرسل به لجميع العالم، فمن السذاجة والجهل أنْ نعتقد، أو أنْ نتصورَ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك أمّةً كالأمّةِ الإسلامية الفتية دون من ينوب عنه، ويقوم مقامه ويكمل مسيرته الدينية والدنيوية. واستكمالًا لذلك فإنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) في أثناءِ غزواته التي غزاها، أو أثناء الشعائر الدينية التي كان يؤديها، لم يتركِ المدينة من دون أنْ يولي أحدًا مكانه، على الرغم من أنّ تغيُّبه كان لفترةٍ محدودةٍ لا تتجاوز بضعة أيام، فهل يُعقل عند وفاته التي لا رجعة فيها يترك أمته سُدى أو إلى مصيرٍ مجهول؟! الولاية ليست قيادةً فقط، بل قيادةٌ ورسالةٌ سماوية وشرائعُ وشعائرُ وطقوسٌ دينية، لا بُدَّ أنْ تكتمل معالمها. وهي حتمًا لا تكتملُ دون اختيارِ الشخصِ المناسب وتنصيبه لهذه المُهمّة لإكمالِ المسيرة، وهو الأمر الذي حصل كما أكدته المصادر التاريخية.. يُنقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: "لمّا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى مكةَ في حجةِ الوداع ، ولمّا انصرفَ منها ، وقد شيّعه من مكةَ اثنا عشرَ ألفَ رجل من اليمن، وخمسة آلاف رجلٍ من المدينة جاءه جبرائيل (عليه السلام) فقال له: يا رسول الله إنّ الله (تعالى) يُقرؤك السلام... وكان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بموضعٍ يُقال له غدير خم وقال له: يا رسول الله قال الله (تعالى): "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس". فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه المقالة قال للناس: أنيخوا ناقتي، فوالله ما أبرحُ من هذا المكان حتى أبلغَ رسالة ربي، وأمرَ أنْ يُنصب له منبر من أقتاب الإبل، وصعدها وأخرج معه عليًا (عليه السلام) وقام قائمًا، وخطب خطبة بليغة ووعظ فيها وزجر، ثم قال في آخرِ كلامه: يا أيُّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، ثم قال: قُمْ يا علي، فقام علي، وأخذ بيده فرفعها حتى رؤي بياض إبطيه، ثم قال: ألا من كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ثم نزل من المنبر وجاء أصحابه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهنئوه بالولاية، وأولُ من قال له عمر بن الخطاب: يا علي أصبحتَ مولاي ومولى كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ"، وبها نزل جبرئيل (عليه السلام) بآية إكمال الدين: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا". من هذا نجدُ أنّ حادثةَ الغدير جاءت مُكمِّلةً لكلِّ آياتِ، وأحاديثِ الولاية الأخرى. فهو تأكيدٌ لولايةِ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإسقاطٌ للمشروعِ السياسي الذي كانت تهيئ له بعض الجماعات بعد وفاةِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما حصل بالضبط بعد وفاته (صلى الله عليه وآله).

اخرى
منذ 3 سنوات
228

هلا اوقفت سخريتك..

بقلم: علياء يعاني الآلافُ من البشرِ من مرضٍ يُدعى (الوسواس). لا يعرفُ المُصابُ أسبابَه ولا حتى متى بدأ؟ وكُلّما طالتْ مدّةُ المرضِ صَعُبَ علاجُه أكثر. وفي مقابل هذا المرض نَجِدُ أنَّ الكثيرَ يسخرون من صاحبِه (المصاب بالمرض)! فهلّا أصغيتَ لي لحظةً يا صديق، لِمَ السُخرية؟ لِمَ كُلّ تلك الضحكات والكلمات الساخرة التي لا يعرفُ مدى ألمها إلا من أطلقت سخريةً منه؟ هل عرفتَ الألمَ الذي يُعانيه هذا الشخص؟ أم هل سمعتَ صرخاتِ روحه؟ وهل لامستَ الحزنَ في عينيه؟ أم أنّك فقط رأيته بشكلِهِ الظاهري ومدى تكراره للغُسلِ والوضوء و... ؛ ولذلك فقط قُمتَ بالسخرية منه.. لا تظنن أنّي معه، وأعي تمامًا أنّ بإمكانِ أيّ شخصٍ التخلص من هذا المرض بقوةِ إرادته وإيمانه، لكن ما يُثيرُ الاستغراب والعجب هي السخرية والاستهزاء ممن هم حوله. فهلّا أبدلت سخريتك بالمساعدة... فبدلًا من أنْ تسخرَ ابحثْ عن حلول وساعدْ هذا الشخص في إيجادها ومعالجته لهذا المرض، أو اتصل بطبيبٍ نفسيٍ ليُساعده، بلى قد تعجزُ عن مساعدتِه أو لستَ مُتفرغًا لذلك، إذن اغلقْ فمك أو انصحْ بلا تجريح... فلا داعي للسخريةِ؛ فأنت لا تدري كم دمعة قد أنزلت، وكم قلباً قد جرحتَ بثرثرتك هذه...

اخرى
منذ 3 سنوات
288

ربِّ افرغْ قلبي من حبِّ الناس

بقلم: علياء هي جملةٌ رددتُها مرارًا في أشدِّ اللحظاتِ قسوةً رددتُها ودموعي تنهمر.. رددتُها والألمُ يعتصرُ قلبي؛ بسبب أناسٍ قد تعاظمَ حُبُّهم في قلبي... فقلَّ اهتمامهم لي، وابتعدوا لعدّةِ أسباب.. رددتُها دون وعيٍ وإدراك لمعناها.. وفي لحظة هدوءٍ، خاطبتُ نفسي قائلةً: مهلًا، كيف للإنسان أنْ يحيا دون الحب؟! وكيف له أنْ يشعرَ بالسعادة دون أنْ يرى من أحبّهُم إلى جانبه؟! أوَليسَ كُلّما نشعرُ بالحزن نتكئُ على كتفِ صديقٍ نبثُّ له شكوانا؟! أم هل نسينا دعاءنا لأحدهم في وقتِ ضيقه، ِلمَ دعونا له؟! ليُصبحّ بخيرٍ فقط، أم لأننا نُحِبُّه؟! أم أيّ قوةٍ قد نمتلكها بسببِ ابتسامةِ والداتنا وحُبّهن لنا؟ نعم، قد نشعرُ بالألمِ والحبِّ معًا، لكن هذا لا يعني نسيان الحب؛ فالكرهُ أشدُّ ألمًا ويصعبُ العيشُ معه.. لنحيَ بسلامٍ وطمأنينة.. لندعْ قلوبنا تُزهِرُ بالحبِ دومًا حتى وإنْ خيّبَ الكثير آمالنا.

اخرى
منذ 3 سنوات
271

خاطرة

القراءةُ.. قبسُ نورٍ يُضيءُ لنا الطريقَ إلى النجاح وشعاعٌ يرسمُ لنا سبيلَ التألقِ والفلاح .. ففي عُتمةِ الليلِ واشتدادِ حُلكةِ الظلام، يكونُ الكتابُ رفيقَ الصالحين إلى عوالمِ السمو والسلام.. يُسافرون معه، يجوبونَ العوالمِ برفقته، يكتشفونَ المجهول، ويخرجونَ بحصيلةٍ رائعةٍ تؤمِّنُ لهم وقودَ الوصول...

اخرى
منذ 3 سنوات
243

كيف يا سيّدي كيف؟

بقلم: سيدي يا حسين ها هو صباحُ العاشرِ يعودُ مرةً أخرى ترتجفُ به الأيدي فلا قلمَ يُعبِّرُ، ولا دمعَ يشفي الغليل ولا حروفَ اللغةِ تستوعبُ ما جرى ولا عقولَنا تستوعبُ الفكرة كُلَّ سنةٍ نُحاولُ دونَ جدوى ماذا نقولُ؟ وكيف نقولُ؟ نلطمُ؟ نبكيُ؟ نصرخُ؟ نركضُ حفاةً؟ نشقُّ الجيوبَ؟ نُهيلُ الترابَ على الرؤوس؟ لا شيءَ يُريحُ قلوبَنا الحرّى لمُصابِ الحُسين فكيفَ نُعبِّرُ يا سيّدي، كيف؟ وولدك يبكي عليك بدلَ الدموعِ دمًا فكيف نواسيه؟ وماذا نفعل؟ #واحزناه_عليك_ياأباعبدالله

اخرى
منذ 3 سنوات
251

عليٌ والرواتبُ المزدوجة

بقلم: الدكتور عزيز سنبه يومُ الغدير ليسَ يومَ توزيعِ المناصب، إنّه يومٌ حدَّد فيه الرسولُ (صلى الله عليه وآله) معالمَ وأُسسَ الحضارة الجديدة التي تتخطى المكونات والقوميات والاختلافات البشرية. ولم يكنْ بيانُ وتوضيحُ معالم ونهجَ وأسس ومسلك هذه الحضارة ليتحقّقَ بغيرِ علي (عليه السلام)، المُجسِّم روحًا وفعلًا لهذه الحضارة. أهمُّ المناهجِ التي اتبعها عليٌ (عليه السلام) لتأسيسِ هذه الحضارة هو بناءُ مجتمعٍ تسودُه المساواة والعدالة الاجتماعية، وفقَ أسسٍ في مقدمتها التوزيعُ العادلُ لثروات الدولة. وتوضيحُ هذا الأمر يتطلب التطرُّقَ لبعضِ التفاصيل السياسية المتعلقة بالأحداث التي رافقتْ تطبيق هذا المنهج عند استلامه للخلافة وربطها بواقعنا الحالي، ومن خلالِها نفهمُ من هو عليٌ (عليه السلام)؟ ولماذا اختاره الرسولُ الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟ الخطوةُ الأولى التي رسمها عليُ (عليه السلام) هي إلغاءُ جميعِ الامتيازات التي يتمتعُ بها السياسيون وغيرهم وفق قوانين العدالة الانتقالية؛ فقرارُه الأولُ كان إلغاءَ قانونٍ عمره ثلاثةٌ وعشرون عامًا (منذُ خلافةِ عمر) الذي ميّزَ "المجاهدين" المهاجرين الأوائل عن غيرهم، ومواطني الداخل عن مواطني الخارج، والذي كان يمنحُ الرواتبَ المُزدوجة وامتيازاتٍ لفئاتٍ دون أخرى. ومن المؤكد أنَّ الكثيرَ من البدريين والدُعاة والسُجناء السياسيين وأصحابِ الامتيازاتِ لم يَرُقْ لهم هذا الإلغاء؛ لأنّها -حسب تصورهم- حقوقُهم، ليسَ لأحدٍ الاقترابُ منها؛ لأنّها خطٌ أحمر! فاجتمعتِ الأحزابُ والكياناتُ السياسية المُعترضة، ووصل خبرُ اعتراضِهم لعليٍ (عليه السلام) الذي ارتقى المنبرَ وخطبَ؛ ليُبيّنَ لهم فسادَ القوانين التي كانت توزَّعُ الثرواتُ وفقًا لها، وقد أصرَّ على قرارِ الإلغاء، فقال: "ألا وأيُّما رجلٍ من المهاجرين والأنصار من أصحابِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) يرى أنَّ الفضلَ له على من سواه لصحبتِه، فإن الفضلَ النيّرَ غدًا عند الله، وثوابه وأجره على الله. وأيُّما رجلٍ استجاب للهِ وللرسول، فصدَّق ملتَنا، ودخلَ في ديننا، واستقبلَ قبلتنا، فقد استوجبَ حقوقَ الإسلامِ وحدوده؛ فأنتم عبادُ الله، والمالُ مالُ الله، يُقسَّمُ بينكم بالسويّة، لا فضلَ فيه لأحدٍ على أحد، وللمُتقين عندَ الله غدًا أحسنُ الجزاء، وأفضلُ الثواب. لم يجعلِ اللهُ الدنيا للمتقين أجرًا ولا ثوابًا، وما عند الله خيرٌ للأبرار". ولاحظَ المُقربون من علي (عليه السلام) والمخلصون له أنّ المعترضين والمتضررين من هذا القرار يمثلون كياناتٍ سياسيةً لها نفوذُها وتأثيرها على الرأي العام والإعلام، فتحدّثوا إليه بطريقةٍ لمّحوا فيها إلى ضرورةِ التهدئةِ السياسيةِ وفقَ حوارٍ وطني، وطاولةٍ مُستديرة، وتوافقاتٍ سياسية؛ من أجلِ ألّا تسقطَ العمليةُ السياسيةُ، وإلّا انتقلوا إلى المعسكر الآخر، وانضموا إلى تنظيمِ القاعدة وحزبِ البعث المُنحل. كما لمّحوا لعليٍ (عليه السلام) أنَّ ذلك خسارةٌ كبيرةٌ مقابلَ الإبقاء على رواتبهم وامتيازاتهم السابقة. فما كان من ابن أبي طالب (عليه السلام) إلا أن ازدادَ غضبًا وهو يرى أنَّ أقربَ مُقربيه لم يستوعبوا قراره ولم يفهموه؛ فارتقى المنبرَ ثم صاحَ بأعلى صوتِه: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فإنْ توليتُم فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكافرين" ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار! أتمنّونَ على الله ورسوله بإسلامِكم، بل اللهُ يمنُّ عليكم أنْ هداكم للإيمان إنْ كنتم صادقين...حتى قال: وهذا كتابُ الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهدُ نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرضَ به فليتولَ كيف شاء؛ فإنَّ العاملَ بطاعةِ اللهِ والحاكمَ بحكمِ الله لا وحشةَ عليه". وبذلك أنهى جميعَ المساراتِ التي كان البعضُ يعتقدُ أنّها ستؤثرُ على عليه. ولأنَّ عليًا (عليه السلام) ديمقراطي النزعة، فقد قرّرَ الاستماعَ إلى هؤلاء المعارضين والمتضررين من إلغاء (قوانين العدالة الانتقالية)؛ لعلّهم يُقنعونه بوجهةِ نظرهم أو يُقنعهم، فبعث إليهم، واستمع. وكان حديثهم في موضوعين: الأول: طلبوا أنْ يكونوا شركاءَ في القراراتِ السياسية التي تخصُّ الدولة، لاسيما في الموازنةِ العامة للدولة، فقالوا: "أعطيناك بيعتنا على ألّا تقضى الأمور، لا تقطعها دوننا، وأنْ تستشيرَنا في كلِّ أمرٍ، ولا تستبد بذلك علينا، ولنا من الفضلِ على غيرنا ما قد علمت؛ فأنتَ تقسمُ القسم وتقطعُ الأمر، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا". وأما الطلبُ الثاني: فقد كانوا فيه أكثرَ وضوحًا وصراحةً، وهو الأساس، يتعلق بإنقاصِ رواتبهم، فقالوا: "إنّك جعلتَ حقنا في القسمِ كحقِّ غيرِنا، وسوَّيتَ بيننا وبين من لا يُماثلنا فيما أفاء اللهُ (تعالى) علينا بأسيافِنا ورماحِنا وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا...". فهم يجدون أنفسَهم أصحابَ فضلٍ في سقوطِ النظام السابق، وأنه ليسَ من العدل مساواتُهم مع غيرهم في الرواتب والامتيازات. أجابهم عليٌ (عليه السلام) بخصوصِ الطلب الأول بأنَّ القراراتِ التي اتخذها كانتْ وفقًا لنصوصِ الدستور الموضوع الذي (قاتلتم) من أجله، وتداعون به، فقال: "...نظرتُ في كتابِ اللهِ وسُنةِ رسوله، فأمضيت ما دلّاني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه، ولا رأي غيركما، ولو وقعَ حكمٌ ليس في كتابِ الله بيانُه ولا في السنةِ برهانُه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه". أما المسألةُ الثانية المُتعلقة بالامتيازات والمُخصصات والرواتب المزدوجة فقد أكّدَ عليٌ (عليه السلام) أنّها عديمةُ السندِ الدستوري؛ فلا كتاب الله تعالى يؤيدُ هذه الامتيازات، ولا سنة الرسول (صلى الله عليه وآله)؛ إذ قال: "وأمّا القسم والأسوة، فإنَّ ذلك أمرٌ لم أحكمْ فيه بادئ بدءٍ، قد وجدتُ أنا وأنتما رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يحكمُ بذلك، وكتابُ الله ناطقٌ به، وهو الكتابُ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ" أمّا موضوعُ الخدمةِ الجهادية فأجابهم عليٌ (عليه السلام): إنَّ اللهَ هو من يوفيكم عنها، وليست الموازنة العامة للدولة. وإنَّ هناك من هو أسبقُ منكم في الإسلام وقتَ الرسول (صلى الله عليه وآله) ولم يُميّزهم (صلى الله عليه وآله) بشيء، فقال: "وأمّا قولُكما: جعلتَ فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا، سواءً بيننا وبين غيرنا، فقديمًا سبقَ إلى الإسلام قومٌ ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يُفضِّلْهم رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) في القسم، ولا آثرهم بالسبق، والله (سبحانه) موفِ السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلا هذا، أخذ اللهُ بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق..." هذا أحدُ المشاهد التاريخية التي يُفترضُ أنْ يُقرأ كدرسٍ من دروسِ علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلم يُهادنْ؛ لأنّه لا يطلبُ نصرًا بالجورِ وببخسِ حقوقِ الآخر بحججِ الحفاظِ على العملية السياسية والوحدة الوطنية كذبًا وزيفًا. هذا الرجلُ الذي اختفتْ لديه المنطقةُ الرماديةُ؛ فلم يرَ سوى طريق الحق مسلكًا لا بديل له. ستبقى سيدي أسطورةً وأمثولةً، وستبقى مسعى البشرية أبدًا.

اخرى
منذ 3 سنوات
235

لو كانوا مخلصين!

بقلم: شيماء عبدالواحد المياحي لم يشهد الدين الإسلامي انتشارًا واسعًا كما هو عليه اليوم منذ بعث الله (تعالى) نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالرسالة المحمدية من حيث سهولة وتعدد سُبل نشر العلم على أرض الواقع أو عبر المواقع الإلكترونية، وانتشار الشعائر الحسينية على أوسع نطاقٍ؛ حيث أنَّ بعض المواسم يشهدها الملايين من البشر من مختلفِ الأديان والقوميات، وربما يكون أكبر تجمعٍ بشري هو في مواسم الزيارة ولا سيما زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام)؛ وهذا مما يسهل على المتصدين للتبليغ الديني والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممن هم أهل له. ولكن، في المقابل لم تمر على البشرية فترة تشهد انتشارًا واسعًا جدًا للفساد وتهيئة مقدماته بكلِّ أنواعها كما نحن عليه اليوم والتي أحد اسبابها أيضاً التقدم التكنلوجي وإتاحة التواصل مع العالم بأكمله، وكثرة المغريات التي يشهدها المرء بقصدٍ أو من دونه، مما قد تودي به وبمرور الوقت إلى الوقوع في الهاوية، خصوصًا مع عدم وجود الرادع الذي يردعه من الانجرار وراء ما تملي عليه غرائزه ونفسه الأمارة بالسوء، حتى يصل إلى مرحلةٍ يخرج فيها عن الإنسانية وينحط إلى درجةِ البهائم والعياذ بالله. وهنا يأتي سؤالٌ: أين ثمرة عمل المصلحين والمبلغين؟ قال البعض: لو كان عملهم بإخلاص لأثّمر، ونسب إلى عملهم التبليغي بعض الغايات الدنيوية! نعم، بلا شكَّ أنَّ الإخلاص أحد شروط قبول العبادات والتبليغ من أسمى العبادات فقد جاء في كتاب الله العزيز: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة"(١). ولكن لا يمكن القول بأنَّ كلَّ من تصدى للتبليغ غيرُ مخلصٍ في عمله. إذن ما هو السبب؟ يكمن الجواب في عدة نقاط: أولًا: قانون القابل والفاعل: ففاعلية الفاعل ليست على وتيرةٍ واحدة، بل هي متناسبة مع قابلية القابل. ومثاله: البحرُ فاعلٌ - بمعنى من المعاني - والنهر قابلٌ كذلك، والمستقي منهما هو القابل، ولكن البعض يأخذ من البحر فنجانًا، فيما يأخذ البعض الآخر بحيرة، كبعض البحيرات المتصلة بالبحر، فصاحب الفنجان هذه قابليته، وصاحب البحيرة هذه قابليته أيضًا. وعليه فالمرشد والمبلغ فاعلٌ - والفاعل الأعظم هو الله (تعالى)- وكلًا يستقي من علمه حسب قابليته. ثانيًا: الله (تعالى) هو خالق الأنفس، وهو الذي يتحكم بتغييرها، ولكنه (تعالى) ألقى الحجة على عباده وبيّن لهم الأسباب التي تقربهم منه (سبحانه وتعالى)، ولم يجبرهم على شيء قال (تعالى): "إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"(٢) إذن التغيير والإصلاح يبدأ من الإنسان نفسه. ثالثًا: الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) أرفدونا بما يصلح الإنسان ومن ذلك ما وردنا عن الإمام الجواد (عليه السلام): "المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه"(٣) فمتى ما اجتمعت هذه الخصال الثلاثة في أيِّ إنسانٍ سيتغلب على نفسه الأمارة وأهوائه ورغباته التي تحول بينه وبين إصلاح نفسه والاتعاظ بغيره. رابعًا: ذكر لنا التاريخ أنَّ قومًا من الناس قضوا وطرًا من حياتهم تحت منبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكانوا يأتمون به في كلِّ فريضةٍ ويستقون من بحر علمه كلَّ يومٍ، ولكنهم لم يتأثروا به (صلى الله عليه وآله)، فهل يمكن أنْ يُعزى سبب ذلك إلى عدم إخلاصه (صلى الله عليه وآله)؟! لذا فعلى الإنسان أنْ يسعى لإصلاح نفسه، وأنْ يطلب من الله (تعالى) التوفيق لما يحب ويرضى، ولا يلقي باللوم على غيره، ولابُدَّ من ترك التذرع بهذه الحجج وأمثالها؛ لأنها ليست مبررًا للتهاون في الامتثال لأحكام الدين. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. -------------------------- (١) الأنبياء ٢٥ (٢) الرعد ١١ (٣) بحار الأنوار ج٧٥ / ٣٥٨

اخرى
منذ 3 سنوات
244

خاطرة

حقيقةٌ علينا الاعترافُ بها ".... وقليلٌ من عبادي الشكور" شُكرُ النعمةِ يُحركُك للعمل بها وتزكيتها كما أنَّ زكاةَ العلمِ نشرُه وزكاةَ المالِ إنفاقُه كذلك باقي النعمِ، حركيةُ الإنسانِ تدلُّ على مدى وعيه بهذا الأمر وإلا فهو بالتأكيدِ من الواقفين في أحدِ الطابورين الطوال.

اخرى
منذ 3 سنوات
204

خاطرة

كانتْ سفرةً فيها الكثيرُ من المتاعب والآلام، وفيها الكثيرُ من الدروسِ والعبر، فما هي نهايةُ هذه السفرة؟ المركبُ واحدٌ ولكنِ النوايا مختلفة الآنَ قاربتِ الرحلةُ على الانتهاءِ، فصاحبُ القلبِ السليمِ ضاحكٌ مستبشر، إنّها النهايةُ السعيدةُ، إنّها الجنةُ، وأما الذي غرّتْه الدنيا .. فالآنَ أدركَ أنَّ الطريقَ الذي سلَكَه مظلمٌ لم يرَ النورَ فيه.

اخرى
منذ 3 سنوات
285

خاطرة

سُئلَ حكيمٌ: ماذا علَّمَتْكَ الحياةُ؟ فقال: علَّمَتني أنْ أقفَ بجانبِ نفسي، ولا انتظر أحدًا يقفُ بجانبي، أو يدعمني فأنا كفيلٌ بدعم نفسي.

الخواطر
منذ 3 سنوات
369

هل في الدين كهنوت؟! (التقليدُ الفقهي نموذجًا)

بقلم: مرتضى الأغلامي دائمًا ما تُثارُ شبهاتٌ على الدينِ، ولعلَّ نصيبُ الأسدِ منها ارتبط بالعلماءِ وبرجالِ الدين والإصاباتُ كثيرة!! سنركز في هذا المقال على واحدةٍ من تلك الشبهات، حيثُ يقولُ البعض ويدّعي أنّ رجالَ الدينِ قد حوّلوا الدينَ إلى كهنوتٍ، وحوّلوا العلاقةَ بين الإنسانِ وربِّه إلى علاقةٍ كهنوتية؛ ولتوضيح صحةِ دعواهم من عدمها سنتكلم بعدةِ نقاط: الأولى: ما المقصود من الكهنوت؟ الكهنوتُ: مفردةٌ مأخوذةٌ من الكهانةِ ومن كاهن، وكانت تُستعملُ عند العرب حتى في الجاهلية. فالكاهنُ هو الشخصُ الذي يرتبط بالله (تعالى)، بحيث هو الذي يوصلُ للناس تعاليمَ الإلهِ؛ فهو الناطقُ الرسمي باسمها. وقد ارتبط الكاهن بمعرفةِ الغيب من هذه الجهة؛ فتكهَّن أيّ عَلِم الغيب في بعض معانيها. ثم بعد ذلك ارتبط مصطلح الكهانة بالكنيسةِ، فصار تعبيرًا كنسيًا بامتياز؛ وذلك لأنّ في الكنيسةِ منصبًا اسمه (الكاهن). والكاهنُ هو الشخصُ الذي يتفرّغُ لدراسةِ علمِ اللاهوتِ الكنسي فترةً طويلةً، فإذا وصل إلى مرتبةٍ معينة يُعطى سرُّ الكهنوت، ومنذُ ذلك اليوم يُسمى بـ(كاهن) نعم، بعد الثورةِ الفرنسيةِ توسّعَ استعمالُ هذا المصطلح، حيثُ أصبح يُطلقُ على اختصاصِ فئةٍ بشيءٍ معينٍ، وترى أنّه حقٌّ لها، مثلُ هؤلاءِ يُسمى بـ(كهنوت). النقطة الثانية: الشُبهة: هل يوجد كهنوتٌ دينيٌّ في الوسطِ الديني، لاسيّما في مدرسة أهلِ البيت (عليهم السلام)؟ البعضُ يقولُ: نعم، موجودٌ، ويتمثّلُ في مسألةِ التقليد، حيثُ العاميّ(1) لابُدّ أنْ يأخذَ أحكامَه من المجتهد، وإلا فعمله باطلٌ. والعامي لا يحقُّ له العمل بما توصّل له هو، فهذا ممنوعٌ، وهذا هو الكهنوت، حيثُ حُصِرتِ الفتوى وأخذ الأحكام الشرعية بالمجتهد فقط، ومُنِعَ سائرُ الناسِ من ذلك حتى وإنْ كانوا متعلمين. وفي مقامِ الجوابِ نقول: أولًا: من قال: إنّ مدرسة أهلِ البيت (عليهم السلام) تُلزِمُ العامي بالتقليد حيثُ يمكن له أنْ: 1/ يكون مجتهدًا، والاجتهادُ ليس حكرًا على المراجع. 2/ يحتاط، بأنْ يجمع بين أقوالِ العلماء في المسائل المُختلف فيها بينهم والتي يحتاجُ في إفراغ ذمته احتياطًا إلى الجمع بينها. 3/ يُقلِّد، إذا لم يكن مُحتاطًا ولا مُجتهدًا. فالمكلفُ أمام ثلاثةِ طرق، والأفضلُ أنْ يكونَ محتاطًا؛ لأنّه سبيلُ النجاة. إذن لا حصر في المقام، ومن ثم فالتقليدُ ليس كهنوتًا. ثانيًا: ما هي دائرة التقليد؟ *هل يقلّد المكلفُ المجتهدَ في الأصول الاعتقادية؟ -لا يجوز التقليد في الأصول. *وهل يُقلّد المكلفُ المجتهدَ في كلِّ الفقه؟ - ليس كلّ الفقه تقليديًا، بل الضرورياتُ لا تقليدَ فيها، إذنْ دائرةُ التقليدِ ليست عامة، بل دائرته في الفقه النظري فقط. وحتى في الفقه النظري هذا ليس كلُّ شيءٍ فيه تقليدًا، حيثُ تشخيصُ الموضوعاتِ يكونُ على المقلِّد نفسه، بل يمكنُ له أنْ يُخالفَ المجتهد إذا علِمَ بضعف مستنده- على تفصيل في الفقه- فأين هذا من الكهنوت؟! وأين من إسقاطِ بعضِ المثقفين هذه المصطلحات على رجالِ الدين في مدرسةِ أهل البيت (عليهم السلام)، وما هو إلا إسقاطٌ فاشل. ثالثًا: قد يُقالُ: حتى التقليد في الأحكام الشرعية النظرية لا أريدُ الرجوع فيها إلى رجلِ الدين المجتهد. فنقول: هذا الرجوع صغرى لكبرى قاعدةٍ عقلائية، مُسلَّمة، وكلُّ حياتِنا تقومُ عليها، وهي رجوعُ غير المُتخصص إلى أهلِ الاختصاص، فإنْ كنتَ ترى في التقليد كهنوتًا فحياتُك كُلُّها كهنوتية!! النقطة الثالثة: قد يقولُ شخصٌ: سلّمنا بالرجوع إلى المتخصص، ولكن لا نُسلِّم أنّ المجتهدين أهلُ تخصص؟ فإشكالي في الصغرى، فلا أسلِّمُ أنّ الدينَ تخصصٌ، بل الدينُ للجميع، كُلُّنا سواسيةٌ أمامَ الدين، فلا تفرقةٌ أبدًا، وقد يقول: إنّي دكتور في التخصص الفلاني، وقد درستُ في أفضلِ الجامعات، فلا أُقلد، إذ لا تخصص في الدين، ومن ثم يحقُّ لي أنْ آخذَ بفهمي. وفي مقام الجواب، نقول: إنَّ هذا الكلام مبنيٌّ على عدّةِ خلطاتٍ بين عدّةِ أمور: الخلط الأول: صاحبُ هذه الدعوة خلَطَ بين الانتماء للشيء وبين لزوم فهمه، فإذا انتميت لجهةٍ من الجهات، هل بالضرورة يقتضي هذا الانتماء الإحاطة بكلِّ جهاتها؟ فمثلا أنا أنتمي لدولةٍ، هل يعني هذا معرفتي بكلِّ قوانينها؟ قطعًا لا ضرورة في ذلك، فقد ينتمي الشخص لدولة ولا يعرف عن قوانينها شيئًا؛ لذلك يوكلُّ محاميًا للدفاع عنه في المحكمة حتى وإنْ كان مطلعًا على القانون بشكلٍ إجمالي؛ لأنّه يجهل بتفاصيله، كما أنَّ فهمه للقانون ليس بحجة. وكذا فالانتماءُ إلى الدين حقٌّ للجميع ولكن لا يعني ذلك قدرة المنتمي له على فهمِ نصوصِه لمجرّدِ انتمائه، فهذا خلطٌ بين حقِّ الانتماء وبين حُجّية فهم ما ينتمي إليه، إذن في الانتماء يوجد تساوٍ، ولكن في الفهم لا يوجد تساوي. الخلط الثاني: وهو مُركبٌ من شقين: أ‌- هل اطلاعُ شخصٍ على شيءٍ يجعلُ منهُ قادرًا على فهمِ ذلك الشيء؟ فقد يقولُ شخصٌ: اطلعتُ على كلِّ ما اطلعَ عليه المجتهد، ولكن نقول: هذا يجعلُ منك مُثقفًا، ولا يجعلُ منكَ مُختصًا، وهناكَ فرقٌ بين الثقافةِ والاختصاص. فلو قرأتَ ألفَ كتابٍ في الطبِّ مثلًا فإنّك ستكونُ مُثقفًا بثقافةٍ طبية، ولكن لا تصير بذلك طبيبًا قطعًا؛ لأنّ المثقف من عنده سعة اطلاعٍ، ولكن كلامه يبقى سطحيًا، خلاف المُتخصص الذي يتكلم بعمقٍ. ثم إنَّ الثقافةَ في علمٍ ما لا تُعطي للشخص الحقَّ في إبداء رأيه في ذلك العلم كمتخصصٍ، وعليه، فكونه مثقفًا في الجانب الديني لا يُعطيه الحقّ في إبداء رأيه كمتخصصٍ، كأن يُفتي مثلًا. ب‌- كونُ الإنسانِ متخصصًا في علمٍ من العلوم، لا يجعله مُتخصصًا في علومٍ أخرى، وهذا واضحٌ. فرجلُ الدين ليس له حقٌّ أنْ يقول: أنا أتكلمُ في كلِّ شيءٍ، وهكذا بالنسبةِ إلى سائر التخصصات غير الدينية، لا يحقُّ للمتخصصِ فيها أنْ يتكلم في الدين، بمعنى يعطي رأيًا يكونُ حجةً على الآخرين وعلى نفسه، وعليه يلزم أنْ يرجع غير المتخصص إلى المتخصص. سؤال: ما هو الدليل على أنَّ آلية الاستنباط هي التخصص؟ الجواب: عمليةُ الاستنباط هي عمليةٌ تدخلُ فيها عدةَ علومٍ، فإنْ أنت إذا سلَّمت أنّ هذه العلوم هي تخصص فأنت متخصص، التصحيح فإنْ أنت أحطت بكلِّ هذه العلوم فأنت متخصص. ومقدماتُ عمليةِ الاستنباط هي: 1/ مصادر التشريع عندنا هي: القرآن الكريم والسنة الشريفة، والقرآنُ الكريم نصٌ بالعربية، فلا يُمكنُ لأيِّ شخصٍ فهمه بغيرها، أو بغير إحاطته بجميع العلوم العربية المتعددة. وعليه، لابدّ للمستنبط أنْ يدرسَ علوم اللغة العربية جميعها وبدقةٍ. أما السنة الشريفة فنتعامل معها من ثلاثٍ زوايا: أولاها- بحث الصدور، أي صدور الرواية، هل أنّها ثابتة للمعصوم أم لا؟ وهذا يتوقف على مراجعة التراجم، وعلم الرجال، وعلم الدراية للحكم على سندِ الروايةِ بكامله. كما يحتاجُ إلى البحثِ عن صحةِ نسبةِ الكتابِ لصاحبه، وهل إنّ هذا الكتابَ هو نفسُ الكتاب الأصلي؟ أم نَقُصَ منه أو زيدَ عليه؟ وهنا لابُدَّ من الرجوعِ إلى علمِ المخطوطات، هذا إذا كانت نظرية الفقيه هي الاعتماد على السند. وتوجدُ نظريةٌ أخرى هي عدم الاعتماد على السند فقط، بل نعتمد على القرائن أيضًا، فمتى ما كانت القرائن تعطينا قطعًا بصحةِ صدور الحديث نأخذ به، كأن يكون الحديث موافقًا للقرآن الكريم. ثانيها- فهم دلالة النص، فنحتاجُ إلى الإحاطةِ بعلوم اللغة. ثالثها- بحث جهةِ الصدور، فمعرفتنا بصحة الصدور، وبمعنى متن الرواية ليست كافيةً، إذ لا بُدَّ من بحثٍ آخر وهو هل إنَّ الإمامَ كان جادًا في هذا المعنى، فقد يكونُ كلامه تقيةً مثلًا. ولأجلِ معرفةِ أنّ الفتوى في هذه الرواية كانت لتقيةٍ أم لا يلزمُ النظر فيها، هل كانت موافقةً للأطراف التي اتقى منها الإمام لذلك الزمان وذلك المكان، وعليه، لابُدّ أنْ نعرفَ الآراء في زمانه ذاك، حتى نرى مدى موافقة فتوى الإمام لها، فلابُدّ أنْ نعرفَ الفتاوى للمذاهب في كلِّ زمن الأئمة (عليهم السلام). وهذه العلوم كُلُّها تخصصية، إذن عملية الاستنباط اجتهادية، ومثل هذه الدعاوى غير معقولة؛ إذ مثل هذه الدعاوى قد يكون(2) غرضها إدخال المجتمع المؤمن في الفوضى؛ لأنّ عدم الرجوع لأهل الاختصاص في الدين يصنعُ الفوضى؛ ولذلك كانت المرجعية (باعتبارها الجهة المتخصصة في الدين) صمامَ أمانٍ، أما إذا كانتِ الفتوى لكلِّ من هبَّ ودبَّ فتحصل فوضى عارمة ويصيرُ كلُّ شخصٍ له حقُّ الفتوى. ومن هنا نحتاجُ أنْ نكونَ أصحابَ بصيرةٍ ولا ننخدع بسرعة، وعندما نسمعُ أيَّ دعوى من هذه الدعاوى فلننظر إلى ما ورائها(*) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا يُراد من كلمة (العامي) معنىً سلبيًا، بل يُرادُ منه: غير أهل الاختصاص، فيُطلق على كلِّ مقلِّدٍ حتى طلاب العلم. (2) وهذا ليس من باب نظرية المؤامرة، بل هذا واقعٌ حاكمٌ، ومحتملٌ قويٌ وواردٌ. (*) أساس هذا المقال محاضرةٌ لسماحة الشيخ أحمد سلمان (حفظه الله).

اخرى
منذ 3 سنوات
330