بـوارق التوحيد الجلي عند الحسين بن علي (2) "عميَتْ عينٌ لا تراكَ عليها رقيبا"

لقد وازن الإمام الحسين (عليه السلام) بين الرؤية البصرية والقلبية بدعائه هذا، ويكأن دعاءه كان فيه عبرة لشيعته؛ إذ إنّ الإنسان المنغمر في عالم المادة يألف الماديات، ويروم الإحاطة بها بحواسه، لذا حين استشعار الرقابة الإلهية على العبد أن يلقّن نفسه قائلاً بلسان حاله: إنّ تلك العين الجارحة التي تحيط بالمحسوسات عميت إن لم تستشعر رقابة خالقها ومحسوساتها. والمراد من الرقابة الإلهية: علم الله سبحانه بأقوال وأفعال العباد، وإلى ذلك أشار سبحانه في كتابه الكريم بقوله: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(1) فلحظات العيون محاطة برقابة خالقها، ومن هنا يتعيّن على العباد بالإضافة إلى الامتثال للأوامر والانزجار عن النواهي تهذيب النفس وصولاً للكمال، ذلك الجزاء الأعلى رتبة من الجنان وهو الرضوان من الرحيم الرحمن {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(2). ولو تساءلنا: ما هو مقصود الإمام الحسين (عليه السلام) بالعمى؟ وماهي العين التي وصفها الإمام (عليه السلام) بالعمى حين عدم استشعارها الرقابة الإلهية؟ هل هي العين البصرية؟ أم العين القلبية؟ بل هل للقلب عيون حتى نقول عميت عيناه؟ هذا ما سنتناوله في المطالب الثلاثة الآتية. المطلب الأول: المراد من العمى: يمكن توجيه العمى بنحوين: النحو الأول: مَن لا يستشعر الرقابة الإلهية ويتغطرس في الحياة الدنيا وشيئاً فشيئاً ينسى ذكر ربّه ولا يتدبر في صنائعه. فهو أعمى دنيوياً عن إبصار حقيقة الإيمان، وعن العيش الرغيد. وأخروياً عن أبصار لطائف المنّان من حور وجنان، وإلى ذلك أشار سبحانه في كتابه الكريم حيث قال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا}(3). النحو الثاني: عمى عن العقيدة الصحيحة التي تنزِّه المولى سبحانه عن الرؤية؛ لأنّ المرئي محدود، وكلّ محدود فهو مخلوق، والله تعالى خالق لا مخلوق. فمَن ينكر التسليم بوجود رقيب خارج عن الحدود فهو أعمى العقيدة. المطلب الثاني: عمى العيـن: إنّ العين البصرية يستحيل أن تحيط بالله جلّ جلاله عقلاً ونقلاً، لهذا نستطيع توجيه قول الإمام (عليه السلام) بأنّ الذي يقول بإمكان رؤية الله تعالى بالعين البصرية هو أعمى. ووجه الاستحالة عقلاً: (لو كان الواجب مرئياً لكان في جهة) والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. بيان المقدم: (لو كان الواجب مرئياً) "المرئي إمّا أن يكون مقابلاً للرائي كما لو نظرت مباشرة إلى الشيء، وإمّا أن يكون بحكم المقابل للرائي كما لو نظرت بواسطة –كالمرآة مثلاً- إلى الشيء. والله سبحانه يستحيل أن يكون مقابلاً للرائي أو بحكم المقابل"(4). بيان التالي: (لكان في جهة) "إنّ الجهة هي مقصد المتحرك ومتعلق الإشارة الحسية"(5) فالجهة تعني تحيّز الشيء، وكل متحيّز فهو جسم. والجسمية منفية عنه تعالى؛ لأنها من سمات الممكن دون الواجب، بدليل: ص/الجسم مفتقر إلى المكان ك/ كل مفتقر إلى المكان فهو ممكن ن/ الجسم ممكن. ووجه الاستحالة نقلاً: قد نهى سبحانه في كتابه الكريم عن أن يكون مبصَراً بقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(6). وروائياً جاء "عن أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لابي جعفر (عَلَيْهِ السَّلام) لا تُدْرِكُهُ الابْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الابْصارَ فَقَالَ يَا أَبَا هَاشِمٍ أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لا تُدْرِكُهُ فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ"(7). إذاً مَن يعتقد بالرؤية البصرية فهو أعمى. المطلب الثالث: عـمى القلب: إنّ الله سبحانه يتنزه عن الرؤية البصرية كما أسلفنا ولكن يمكن أن تتم رؤيته بالرؤية القلبية، وتلك حقيقة أفاضها علينا أهل بيت النبوة (عليهم السلام) في موروثهم الروائي عن مبد الأنوار الازلي ومنتهى العروج الكمالي محمد النبي (عليه وعلى آله السلام الأبدي)، حيث جاء "عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلام) أَسْأَلُهُ كَيْفَ يَعْبُدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ لا يَرَاهُ؟ فَوَقَّعَ (عَلَيْهِ السَّلام): يَا أَبَا يُوسُفَ جَلَّ سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَالْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَعَلَى آبَائِي أَنْ يُرَى. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ هَلْ رَأَى رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) رَبَّهُ؟ فَوَقَّعَ (عَلَيْهِ السَّلام): إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ"(8). بـل وبعض الروايات تبيّن وجود ملازمة بين الرؤية القلبية والعبادة إذ بتلك الرؤية تتحقق العبادة بعد المحبة والمعرفة –كما سيأتي في المقال القادم- حيث جاء "عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ: جَاءَ حِبْرٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ حِينَ عَبَدْتَهُ؟ قَالَ فَقَالَ وَيْلَكَ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ. قَالَ: وَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: وَيْلَكَ لا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الابْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الايمَانِ"(9). إذاً الرؤية القلبية تتقوم بحقائق الإيمان وهي الاعتقاد بتنزيه الله سبحانه عن الجسمية ولوازمها. وعيون القلب التي لا ترى الله سبحانه هي عيون عمياء. وقد استعملت لفظة (العمى) للقلوب في القرآن الكريم كما في قول الله سبحانه: { وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(10). ولهذا نجد أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أردف عبارة دعائه "عميت عينٌ لاترك عليها رقيبا" بعبارة "وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبّك نصيبا"_ __________________________ (1) سورة غافر: 19. (2) سورة التوبة: 72. (3) سورة طه: 124-125. (4) ظ: الباب الحادي عشر، 61. (5) المصدر نفسه، 52. (6) سورة الأنعام: 103. (7) الكافي: ج1، باب ابطال الرؤية ،ح11. (8) المصدر نفسه، ح1. (9) المصدر نفسه، ح 6. (10) سورة الحج: 46. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
3178

حروف نيرة

أجلس ولده البكر في حجره وهو يلثم وجنتيه الناعمتين وثغره الذي ما كاد أن تسعه شفتاه رغم صغر طفله لكن ابتسامته كانت عريضة ملأت وجهه. نعم كان يشعره بالحنان والطفل تعلق برقبة أبيه يدغدغه والأب يسقط يميناً وشمالاً يلوذ بالهواء لعله يجد ما يستتر به من همسات طفله، وكان فرحاً لهذه اللحظات. ثم التفت إلى من شاركته هذه اللحظات وإن كان في نفسها بعض الغيرة من طفلها! وهي ترى أنه استولى على أحد ممتلكاتها بشكل كامل! نعم التفت إليها مخاطباً اياهاً: عزيزتي، ولدنا سيدخل المدرسة هذه السنة فعلينا أن نشتري له أجمل الملابس وحقيبة جميلة. فبادرته بابتسامة الفرح مع نشوة من الزهو وأومأت برأسها مبدية الإعجاب والموافقة. وانسلّ عنها منزوياً بغرفته وأخرج ورقة وقلماً وبدأ ينثر حروفه، وقبل أن يبدأ مداده بخط تلك الحروف خرج وقال لها: سأكتب بعض الكلمات وأدعها في ذلك الدرج، فإن كنت هنا سآخذه بنفسي إلى المدرسة في اليوم الأول، وإن كنت غائباً عنك في ذلك الوقت اذهبي به أنتِ ولكن احملي معك هذه الورقة لمدير المدرسة. نعم يا عزيزي سأفعل. ولكن هل لي أن أعرف ما في طياتها؟ عندما يقرأها المدير ستعرفين. قالها وهو مبتسم ودخل غرفته. بعد دقائق خرج ومازح أهله. ولما انقضت أيام إجازته ودّعهم وقال لها: سآتي إن شاء الله في موعدي لأصحبه إلى المدرسة. ومرت الأيام وكانوا بانتظاره، وفي يوم موعد إجازته، سمعت اصوات موسيقى عسكرية حزينة وأصوات رجال يكبرون ويهلّلون فاطلت من شباكها لترى نعشاً يحُمل على الأكتاف، وقد لُفّ بالعلم العراقي متجهاً نحو بيتهم، دققت النظر لترى صورة زوجها فوق ذلك النعش! فبدأت رحلتها الجديدة من تحمّل ألم ومرارة الحياة. ولتكون هي الأم والأب في آن واحد ولتحقق رغبة زوجها مع ابنهم. في الموعد المحدّد لبدء العام الدراسي الجديد ألبسته أمه أجمل ثيابه ووضعت صورة أبيه الشهيد على صدره وحملت الرسالة بعد أن شمتها ورطّبتها بقطرات دموعها . وصلت إلى المدرسة وسلّمت على مديرها وقدمت أوراق قبول ولدها، ثم أعطته تلك الرسالة، فتحها وبدأ يقرأ ما سطر بها من حروف، وهو ينظر بين لحظة وأخرى إلى ذلك البرعم الجميل، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، والأم لم تستطع أن تخفي دموعها رغم ارتدائها النقاب. فسألته بشغف كبير: ماذا كتب فيها؟ فأجابها مدير المدرسة والعبرة تتكسر في صدره: اسمعي... الاستاذ الفاضل مدير المدرسة المحترم. السلام عليكم. ها انت تقرأ تلك الحروف التي كنت على يقين أنك ستقرأها لأني أيقنت السفر إلى الخلد. عزيزي... ها قد حان بدء العام الدراسي الجديد وجاء أبناؤنا إلى صفوفهم، وقد اعتاد الآباء أن يصطحبوا أولادهم الجدد إلى المدرسة، ليكونوا بقربهم ولكن ولدي شاء الله أن يفقد أباه في مثل هذا اليوم. لذا ارجو أن تكون له مثل أبيه ولكل طفل يتيم فلا تقهروه... لقد عرفتك حنوناً عطوفاً وأنا لا اوصيك بذلك ولكن خوف الوالد على ولده جعلني أكتب هذه الكلمات! واختنق المدير بعبرته ولم يكمل الرسالة وهو يحتضن الطفل اليتيم. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
2416

بوارق الــتوحيد الجـلي عند الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)

قال الإمام الحسين (عليه السلام) مناجياً ربّه: "متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليلٍ يدل عليك؟!(1). إنّ النسبة بين الإدراكات مشكّكة، ففي جميع التنبيهات والاستدلالات يحتاج العقل إلى طريقةٍ تحاكي مستوى ادراكه. فبعد أن يدرك بداهةً (أنّ لكلّ معلولٍ علّة) يكون تعامله مع الحياة المعرفية على ضربين: الضرب الأول: العقل لا ينفك عن التعامل مع المعلولات بحيث لا يمكن له أن يصل إلى العلة لـولا معرفة تلك المعلولات، كأن يستدل على وجود الله تعالى (العلّة) من خلال وجود المخلوقات (المعلول)، فهنا ينتقل معرفياً من المعلول إلى العلّة. وإلى ذلك أشار الله سبحانه في كتابه الكريم: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(2). وقد أشارت العلوم العقلية إلى هذا الاستدلال ووسمته بالبرهان الإني: وهو الاستدلال بالمعلول على العلة، ويكون الحد الأوسط الذي يربط مقدمتي البرهان هو واسطة في الإثبات فقط أي في العلم والتصديق الذهني(3). وهذا الضرب بصورة عامة هو ديدن عوام العباد ما خلا محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم جميعاً)، وهو حسن عقلاً ويدعو إلى التأمل في مخلوقات الله جلّ جلاله ثم استشعار عظمته ووجوده، وإن كان هذا الطريق ليس الطريق الكامل لمعرفة الله تعالى، لكنه حسن عقلاً، بل نجد أنّ المولى سبحانه قد حثّ عباده على هذا الضرب من الاستدلال بقوله في كتابه الكريم: { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ *وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}(4) فهنا دلالة صريحة على حثّ العباد على النظر والبحث في خلق المخلوقات وكيفية خلقها؛ ليتوصلوا بعد ذلك إلى وجود خالق عظيم. الضرب الثاني: العقل ينفك عن التعامل مع المعلولات بحيث يستدل بالعلة على المعلول، وهو ما يوسم بالبرهان اللمي: وهو الاستدلال بالعلة على المعلول، ويكون الحد الأوسط فيه الذي يربط مقدمتي البرهان هو واسطة في الثبوت والإثبات أي في العلم والواقع الخارجي(5). وقد أشار إليه الله تعالى في كتابه الكريم إليه في آية: { أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض}(6). فالله تعالى (علة) هو نورٌ كاشفٌ عن وجود المخلوقات (معلول) فهو المنوِّر –بالكسر- لا المنوَّر –بالفتح- كما في الضرب السابق - ذهناً-. وإذا كان الله تعالى يعرف بغيره لكان ذلك الغير أنور و أظهر منه تعالى، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. إذاً يكون الاستدلال الأكمل من العلة إلى المعلول، وهو فيضٌ إلهي على ذوي الحظ العظيم، الراسخين في العلم بنص العزيز الحكيم، محمد وأهل بيته سادة النهج القويم. وها هو الإمام الحسين (عليه السلام) يستعمل الاستفهام الاستنكاري ليعطي معنى التعجب وهو غير المعنى الحقيقي للاستفهام –بلاغةً-، لكنه (عليه السلام) يعلم بتفاوت إدراكات أذهان العباد، لذا لم يقل متى غبتَ حتى يحتاج العباد إلى دليلٍ يدل عليك، بل كان كلامه مناجاةً خاصة بينه وبين خالقه تليق بمقام قدس الله ونسبة ادراكه (عليه السلام). فلسان حاله يقول: كيف أجعل الله تعالى (العلة) غيباً ومخلوقاته (المعلول) ظاهرة تدل عليه؟!. فالحسين (عليه السلام) ليس كالمنغمسين في عالم المادة، أو ممن كثفت الحجب بينه وبين الأسرار الملكوتية، لذا كان محلاً لسطوع شعاع شمس التوحيد من الرب المجيد ليكون للعباد خير هادٍ ورشيد. ووجه معرفة الإمام الحسين (عليه السلام) لربه هو أنّ المولى سبحانه أعطى للمعصوم صفة خاصة يعي من خلالها الاستدلال بالعلة الظاهرة (الله تعالى) على المعلولات المغيبة (المخلوقات)، دون أن يعرف ماهية الذات، كما لو عرّف المهندس نفسه بكونه مهندساً فقط، دون أن يفصح عن جنسه وسائر مشخصاته. وهو ما يمكن أن نسميه بالعلم اللدني. فلا يمكن القول بأنّه (عليه السلام) أكتنه ذات الله تعالى؛ فالمعصوم أو النبي (عليهما السلام) مهما بلغ من كمالات إلاّ أنّه لا يحيط بخالقه؛ لتنزه الخالق عن أن يكون محاطاً، فهو المحيط بخلقه، ولا يحيط المحاط بالمحيط، لذا نجد أنّ الله جلّ جلاله قال في كتابه الكريم آمراً عباده بتوحيد ربهم بنفي التركيب عنه وهذا أدنى المعرفة به سبحانه وبه يكتفى، حيث قال تعالى: {قُل هُوَ اللهُ أَحَد}(7) وسوف يقرّ العباد بداهةً ببساطة الذات الإلهية، ثم ينسد باب المعرفة، وتعجز الأوهام والقلوب عن أيّ معرفة، وتشغل الحيرة العقول لعوام العباد وسيّدهم وآل الرسول عن اكتناه الغيب المطلق. _______________________ (1) مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة. (2) سورة فصلت: 53. (3) ظ: منطق المظفر، ج3، ص315. (4) سورة الغاشية: 17-20. (5) ظ: منطق المظفر، ج3، ص315. (6) سورة ابراهيم: 10. (7) سورة التوحيد: 1. وسبحان الله الذي تفرّد بالعز والبقاء، وتردّى بالنور والبهاء، وجلّ عن مقارنة الاشياء، المنعم خلقه بأشرف الحباء، الذي أوجد بكلمته ما يشاء، وصل اللهم على محمدٍ وآله الاتقياء. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
3255

ظاهرة الترحم على الفسّاق

أن تكون قضية مقتل فنانة متبرجة بل ومتجاهرة بالفسق هي الشغل الشاغل لوسائل الإعلام غير المنضبطة دينياً وخلقياً من فضائياتٍ وإذاعاتٍ ووو، لهو أمرٌ لا غرابة فيه، فلطالما كان هذا هو اهتمامها، والترويج لهؤلاء وأمثالهم من أهم أهدافها، أما أن يصل الأمر إلى درجة تشتعل معها وسائل التواصل الاجتماعي بهذه القضية التي لم ولن تكن قضيةً مستغربةً على مجتمعنا البتة، إذ لطالما طالت يد الاغتيال ولاتزال الكثير الكثير من الشخصيات الدينية والعلمية والعسكرية بل وحتى الفنية أيضاً، ففي الحقيقة أن هذه الظاهرة إن دلّت على شيءٍ فإنما تدل على ضعف وعي أغلب من يستخدم هذه الوسائل ــ للأسف الشديد ــ وعدم فهمهم للشريعة الإسلامية بشكل صحيح، لاسيما أولئك الذين بكوا وتباكوا وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وأحالوا صفحاتهم الشخصية إلى مجالس عزاء، وراحوا يسطرون كلمات الترحم والتأسف بل والتألم أيضاً، متأبطين إنسانية الدين الإسلامي لهم عذراً، فما أن يُناقشوا حتى ذرفوا الدموع على الإسلام المظلوم لأنه قد فُهِمَ خطأً، على الرغم من أنهم هم الجاهلون به بالجهل المركب ولكن لا يعلمون.. نعم، دين الاسلام هو دين السلام ولقد دعا ويدعو إلى الإنسانية وعدم إلحاق الأذى بالآخرين فضلاً عن قتلهم مهما كان انتماؤهم و اعتقادهم وعرقهم ولونهم، هو دين يدعو إلى الله (تعالى) بالبرهان والدليل وبالحكمة والموعظة الحسنة لا بالإرهاب والقتل والعنف، قال (تعالى):"مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (1). لكنه وفي الوقت نفسه، هو دينٌ يُحمِّل المسلم مسؤولية حبه للآخرين ولأعمالهم أو بغضه لهم ولها، فقد جاء في الحديث أنّه: "قال الله تعالى لموسى: هل عملت فيّ عملا قطّ، قال: صلّيت لك، وصمت وتصدّقت، وذكرت لله. قال الله تبارك وتعالى: وأمّا الصلاة فلك برهان، والصوم جنّة، والصدقة ظلّ والزكاة والذكر نور، فأي عمل عملت لي؟ قال موسى (عليه السلام): دلّني على العمل الذي هو لك. قال يا موسى: هل واليت ليّ وليّاً؟ وهل عاديت لي عدوّاً قطّ، فعلم موسى أنّ أفضل الأعمال الحبّ في الله والبغض في الله"(2). كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):«إذا أردت أن تعلم انّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله عزّ وجلّ ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ»(3). بالإضافة إلى ذلك فإن دين الاسلام دينٌ يحافظ على طهر المجتمع وعفافه ولذا فهو لا يحاسب من يعمل على اشاعة الفاحشة ولا على من يرويها وحسب بل ويحاسب حتى من يشعر ولو مجرد شعور بحب اشاعتها ويعاقب حتى من يرغب ولو باطنا فقط بانتشارها، قال (تعالى):"إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(4). فحريٌ بالمؤمنين والمؤمنات أن يقفوا ذات الموقف الذي يقفه الله (تعالى) ضد الفاحشة وأن يستنكروها بكل جوارحهم وجوانحهم، لا أن يمجّدوا من كانت تعمل على إشاعتها ويحزنوا ويترحموا عليها، بل قد أوغل البعض في الذنوب الى درجة أعمت بصيرته وسلبته دينه وأفقدته صوابه حتى، فتجرّأَ على كتابة مقطع من زيارة عاشوراء مرفقاً بصورة فاسقة كانت تتبجح بمعصيتها وتفتخر بظهورها شبه عارية أمام الأنظار!! ليت شعري، أين نحن؟ ألسنا في أرض الانبياء والاولياء؟ وفي أي زمن نحن؟ ألسنا في زمن أضحى فيه التفقه في الدين ومعرفة أحكامه متاحاً للمكلف حتى وهو في فراشه؟ ما الذي دهى البعض ليتجرّأ كل هذه الجرأة؟ هل هو الجهل أو البعد عن الدين والاستخفاف بالمقدسات؟ وهل يمكن أن يعتذر بالجهل من يكتب الكلمات المقدسة التي يُزار بها الإمام المعصوم، سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) لفتاة فاسقة يشهد الجميع على فسقها ومحاربتها لله (تعالى) وخروجها الفاحش عن جادة الاستقامة؟ ونحن إذ نذكر هذه الصفات لا نذكرها من باب الإهانة أو التجاوز على الآخرين ــ لا سمح الله ــ ولكن من باب وضع النقاط على الحروف وإيضاح الحق من الباطل الذي حاول البعض برداء انسانية الاسلام المزيف أن يخلط بينهما ويلقي بشبهاته ويبث سمومه ليحرِف العقل الجمعي عن جادة الصواب، مستغلاً عقول الجاهلين والغافلين والمندفعين من الشباب، هادفاً الى نزع المسلمين هويتهم الحقيقية وتغذيتهم شيئاً فشيئاً بالثقافة الغربية.. فنستنكر هذه التوجه؛ لأننا قد أُمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ كما يجب علينا شرعاً أن ننكر ظاهرة القتل والاغتيال وإراقة الدماء، فإنه يجب علينا أيضاً أن ننكر هذه الظاهرة: ظاهرة الترحم والتألم على الفساق والتأسف عليهم والبكاء، قال (تعالى):"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه"(5) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المائدة 32 (2) ميزان الحكمة ج3 ص164 (3) مشكاة الأنوار ج1 ص93 (4) النور 19 (5) آل عمران 110 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
4016

على عتبة الاشتياق

مرت الايام وهي حبلى بالأحداث لتسد جفوناً خالجها النوم، فالروح كغصن أسير يتلوى على مدارجها.. يسكب الليل أفيونه لينام ملئ جفونه، ثمة حدث خلف الستار يقوده إلى مبتغاه، فكلماته التي تصدح بحب ال البيت (عليه السلام) في مجالس العزاء لم تعد تفي بالغرض فأبجدية المعارك بحاجة إلى حتوف الابطال! تألق الأمل في عينيه، فقلبه ينبض بهدوء، وهو يسرد رؤياه على عمته، ياسر، أيها الحبيب، إنه اللقاء، فالشهادة كرامة من الله، فتشبث برؤياك! السماء تزخر بالنجوم، والقمر يسح بأنواره، يرسل ضوءً ذهبياً.. ليرشد تلك الارواح الى سفر الخلود. الأرض ستهدي فلذات أكبادها، لتزهر الحياة بنجيع دمائهم. فقبل استشهاده بيوم، وسم ياسر ساعاته الاخيرة مرتشفاً من كأس العاشقين، في رياض العسكريين (عليهم السلام) صلى صلاة المودعين... فثمة هاجس يطرق شغاف قلبه: ما أقرب اللحاق بقافلة سيد الشهداء... رن هاتفه، أطال النظر الى شاشته... وكأنه يرى صورتها ... بعد استشهاده... رق قلبه لها، ترقرقت دموعه في آماق عينيه، _ أهلاً أماه ومرحباً بك، كيف حالكم، زرت الإمامين نيابة عنكم، أوصلي سلامي لأبي وإخوتي، واهتمي بنفسك كثيراً. ولدي الغالي، وأنت اهتم بنفسك كثيراً. ساد الصمت وكأنه يود أن يقول لها: أماه، عندما يصل إليك خبر استشهادي، فافرحي وقولي: ولدي البطل لا يخاف الموت. استودعك الله يا أماه، كوني قوية كما عهدتك. كنخلة ميساء تسمرت في مكانها، طوّقتها الافكار والتساؤلات! هل ينعى نفسه وهل هذا الوداع الاخير؟! فعند بوابة الانتظار تناثرت كلمات القائد على شغاف قلوبهم كالبلسم: إن هذا يومكم، يوم يبرز فيه الابطال ويوم تعانق ارواحكم فيها ارواح الماضين في الدفاع عن المذهب، سيفيض نحركم دماً عبيطاً ليحبس التاريخ أنفاسه عند رذاذ الخطوب. فمن اراد الحياة الابدية فليحق بي، العدو لا يبعد عنا سوى امتار، فإما النصر او الشهادة. انتفض قبل اصدقائه منادياً: نحن لها، هيهات من الذلة...إن لم يجبك بدني... سار امامهم والمنايا تلتحق بهم على إثر شذاهم... ففي قاطع (المكيشيفة) أبلى رجال الله بلاءً بلغت فيها القلوب الحناجر وزلزلوا زلزلا عظيما... أصوات الرصاص امتزجت بصيحاتهم: الله اكبر، لبيك يا داعي الله ضربوا لهم من بين السواتر إلى الخلد طريقا عذبا مرت ثلاث ليال وغيمة الحزن تطوف على وجه والده انقطع الاتصال به، وضع يديه على وجه، وكأنه يخترق المسافات، ليصل إليه (أين أنت)؟! فثمة هاجس يومض في داخله ليكشف له الأسرار. نهض بخطى واهنة... أسبغ وضوءه، افترش سجادته: إلهي يا راد يوسف ليعقوب من بعد مغيبه، ويا كاشف ضر ايوب، اردد علي ولدي ياسر... عيناه تعلقت بالسماء، وقلبه يناجي غائباً طال انتظاره... هل غفت عيناك واستعجلت الرحيل؟! فيا أيها الراحل، تمهل، لم يحن بعد الوداع... ففي دياجي الليل إليك الروح تحبو، وقد أظناها الاشتياق... تُردّد الأصداء صوتك، لتغسل وجهك المرمل ألفُ دمعة، وألف دمعة تأهبت واحتشدت، لتؤدي تحية الشرف العسكري، لروحك وهي تحلق نحو الزرقة المتسامية، حيث الروح والريحان، والشهداء والصديقين. تبكيك أمك تخاطبك: كيف تغفو وتنام؟ انت حلمها الأجمل، سأبقى على عتبة الانتظار، أقبع، أعدّ اللحظات لأراك، مع خيوط الفجر الندية يهمس لي طيفك باشتياق: (يمه ذكريني من تمر زفة شباب) رجاء الأنصاري

اخرى
منذ 5 سنوات
2730

العــدل في كلمات السيدة زينب (عليها السلام)(3)

في مجلـس يزيـد فــي الشام قولها (صلوات الله عليها) : « صدق الله (سبحانه) ، كذلك يقول: « ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) »(1). عاقبة كل شيء : آخره، أي: إن آخر الأمر الذي يؤول إليه من أساؤوا إلى نفوسهم بالكفر بالله وتكذيب رسله، وارتكاب المعاصي و قتل عترته هو السوأى: وهي الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته، أي عذاب النار. و كأنها بأبي هي و أمي تقول: لا غروَ يا يزيد إن أنكرت الإسلام والإيمان اليوم بأشعارك المشوبة بالكفر والطغيان، متمنياً أن يشهد انتقامك من بني هاشم الكرام من قُتِل في بدر من أسلافك الكفرة اللئام ، فقد قال أصدق القائلين ومن ليس فوق كلامه كلام:" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ "(2). وأما قولها: «أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، واصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أن بنا هوانا على الله، وبك عليه كرامة»؟! فقد انصب على تفنيد تصور يزيد المحدود الفكر، والقصير النظر، الذي اعتبر أن الانتصار في الحرب دليل على كونه على حق، وعلى قربه من الله (تعالى)، وكرامته عنده (عز وجل)، فاستولت عليه نشوة النصر والظفر، وتضخم في نفسه الطغيان والتجبر والكبر. فشرعت في نسف هذا التصور الكاذب بمخاطبته (سلام الله عليها) باسمه الصريح لا بما غصبه من ألقاب تشير الى الخلافة أو الى إمرة المؤمنين، لتلفت انتباهه الى عدم اعترافها بخلافته. ثم استرسلت بوصفها لحالها، وأحوال من معها من العائلة المكرمة، وكيف أنهم كانوا في أشد الضيق، كمن أخذوا عليه -أي: منعوه- من جميع الجوانب وحاصروه من كل الجهات، فلم يتركوا له منفذاً للخروج من وضعه، ولا يمكنه التخلص مما هو فيه. ومن بعد التضييق والتشديد أصبحنا نساق كما تساق الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها، في طابور واحد طويل، وقد كان جميع أفراد العائلة المكرمة، بما فيهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب ( عليهما السلام ) مربوطين ومكتفين بحبل واحد!. فلا تظنن يا يزيد ونحن على هذا الحال من الضعف، أنه ليس لنا جاه ومنزلة عند الله، لأننا مغلوبون، وأنك على هذا الحال من القدرة و السيطرة، أن لك عند الله جاهاً وكرامة فمكّنك من الظفر بنا و النصر علينا، فقتلت رجالنا، وسبيت نساءنا! الى أن قالت:« فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله ( عز و جل ): « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين»(3). ومهلاً: أمهل، ولا تسرع، أي: تمهل يا يزيد، فالأمر ليس كما تعتقد وكما تتصور، فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر. فإن الله (تعالى) أعدل من أن يترك مجرماً بلا عقاب، ولا يقدم ظالماً الى الحساب، وإنما يُطيل للظالمين المدة والمجال، لا حباً بهم ولا خيراً لهم أو منه (سبحانه) إهمال، وإنما ليزداد إثمهم وليُملأ سجلهم بالمعاصي وقبيح الفعال، ليجزيهم يومئذ الله العادل المتعال، الخلود في العذاب الأليم والعقاب المهين وبئس المآل. وأما قولها:« ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك »(4) أي: لا تطول أيام حياتك، و عما قريب سيزول ملكك، وسريعاً وعاجلاً ستموت، وتنتقل إلى عالم الآخرة، وبما أنك وأسلافك على شاكلةٍ واحدة من الكفر والعصيان ،والفجور والطغيان، فإنك لن تلبث طويلاً حتى تلحق بهم في جهنّم فتشهدهم في العذاب المهين، ولكنهم لا يرونك، أي: لا تجتمع معهم في مكان واحد؛ لأن جرمك قد فاق جرمهم أضعافاً مضاعفة، فتستحق عليه من العذاب الأشد، وسيكون مقرك في دركة أسفل منهم في طبقات نار جهنّم، فتراهم حين نزولك إلى ذلك المكان الأسفل، فتراهم ولكنّهم لا يرونك. وقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:« إنّ قاتل الحسين بن علي .. في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، مُنكّس في النار، حتى يقع في قعر جهنّم، وله ريحٌ يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم، مع جميع من شايع في قتله، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله (عز وجل) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم، لا يُفَتّر عنهم ساعة، ويُسقَون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار»(5) وقد تجلى العدل الإلهي في عبارتها الغاية في العمق والبلاغة «ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك» بدقة بالغة حيث إنها لم تتعرض الى العدل الجزائي كما في عباراتها السابقة وحسب، بل و أشارت الى دقة العدل الالهي، حيث إن الله (تبارك وتعالى) وإن أدخل الظالمين والكافرين نار جهنم، إلا أنه لا يضعهم في دركة واحدة من دركات جهنم، بل يضع كلاً منهم في الموضع الذي يستحق من العذاب، والدركة التي تناسبه من العقاب. وأما دعاؤها (عليها السلام) على يزيد ومَن شاركه في ظلم آل رسول الله الطيّبين الطاهرين بقلبها الملتهب بالمصائب، حيث قالت:« اللهم خُذ بحقّنا، وانتقم من ظلمنا، واحلُل غضبك على من سفك دماءنا، ونقضَ ذمارنا، وقَتلَ حُماتنا، وهتك عنّا سدولنا»(6) فهو بحد ذاته قولٌ بعدل الله (عز وجل)،وإلا كيف يتوقع من غير العادل أن يقتص من الظالم وينتقم للمظلوم؟ وقولها (عليها السلام):«ولتردن على رسول الله بما تحمّلتَ من سفك دماء ذريّته، وانتهاك حرمته في لحمته وعترته، وليخاصمنك حيث يجمع الله (تعالى) شملهم ويلم شعثهم ،ويأخذ بحقهم »(7) أي سترِد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة حاملاً على ظهرك من الجرائم العظام والمعاصي الجسام ما لا تحملها الجبال الرواسي، فيُخاصمك حينئذٍ على كل جريمة أشدّ أنواع الخصومة. وسيجمع الله (تعالى) آل الرسول الأكرم(صلى الله عليه و آله) عنده (عليه و آله أفضل الصلاة و أزكى السلام) في جبهة واحدة فيَشكو كلّ واحد منهم (عليهم السلام) إلى النبي الكريم كلّ ما لقيَ من الناس مِن عداءٍ وظلم . وقد جسد قولها (عليها الصلاة والسلام):«وحسبك بالله وليّاً وحاكماً، وبرسول الله خَصماً، وبجبرائيل ظهيراً»(8) العدل الإلهي بأوضح معانيه، وأجلى صوره، حيث أشارت الى عقد محاكمة عدل إلهية مكتملة الأطراف من أجل إنصاف المظلوم من ظالميه. فالله (تعالى) هو وليّ الدم، والآخذ بالثأر، لأن الإمام الحسين (عليه السلام) هو: وصيّ رسول الله، وسيّد أوليائه (عز وجل)، فمن الطبيعي أن يكون ( جل جلاله ) هو الطالب بثأره، والوليّ لدمه. وهو الشاهد لمصيبة قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو أيضاً القاضي والحاكم، وهو (سبحانه) يَعرف عظمة المقتول ظلماً، وهو يعلم أهداف ودوافع القاتل . وقد روي عن الصحابي ابن عباس أنّه قال: «لمّا اشتدّ برسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي مات فيه، حضَرتُه وقد ضمّ الحسين إلى صدره، يسيل من عرَقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول: «ما لي وليزيد! لا بارك الله فيه، اللهم العن يزيد». ثمّ غُشيَ عليه طويلاً وأفاق، وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرُفان ويقول: أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله»(9). وقولها (عليها السلام):«فلئن اتّخذتنا مغنَماً، لتجدُنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك، وأن الله ليس بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المُعَوّل»(10) أي إنّك قد أمرت بأسرنا، وعاملتنا أنت وأعوانك معاملة السبايا والغنائم الحربيّة، ولكنك قريباً عاجلاً ستجد نفسك محاصراً بالمعاصي التي اقترفتها بحقنا، مُثقَلاً بالذنوب التي عليك دفع ضريبتها في محكمة العدل الإلهية، حيث تحاول الدفاع عن نفسك، ولكنك لن تجد معك إلا ما يُدينك من الجرائم الفظيعة والجنايات الشنيعة، فيحكم الله (تعالى) عليك بما قدمته يداك لأن الله ليس بظلام لعبيده، بل سِمتُه العدل، ولذا فإنما شكوانا من ظلمك وطغيانك إليه والاستعانة به. ومن العدل الإلهي أن الله (تعالى) قد يعجّل العقوبة على بعض المعاصي الكبيرة في الحياة الدنيا، وهذا ما أشارت إليه الصديقة الكبرى في قولها:« وأيّامك إلا عدد »(11) أي إنك سوف لن تمكث في هذه الدنيا طويلاً، إذ إن عمرك بعد قتلك للإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه لن يكون إلا قليلاً. وبالفعل فقد أثرت جريمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) تأثيراً سلبيّاً واضحاً في مقدار عمره، فقد جاء في التاريخ (أنّ يزيد عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام)(12) . وكما إن العدل الإلهي يقتضي أن يعاقب العاصي لعصيانه، و يعذب الطاغي لطغيانه، فإنه أيضاً يقتضي أن يجزى المحسن بالإحسان، و يثاب من أطاع الله (تعالى) بالخلود في الجنان. و يمكننا أن نلمس هذا المعنى في قولها (عليها السلام):« فالحمد لله الذي حَكَم لأولنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة » وليس عجباً أن تحمد الله (تعالى) الصديقةُ الصغرى، فقد قدّمت أخاها قرباناً لله (عز وجل) بعد أن رأته ذبيحاً من القفا، مقطعاً أوصالاً على رمضاء كربلاء، بكل صمود وإباء على الرغم من رقة قلبها العطوف، وحبها المنقطع النظير لأخيها الرؤوف. ومن يقرأ كلمات السيدة الطاهرة (عليها السلام) يجزم بأنها لم تكن تنظر الى الأحداث بعين ملكية كسائر البشر، بل إنها قد قرأت الأحداث بعينها الملكوتية كأولياء الله و من اصطفاهم، ولِمَ لا؟! وهي المعصومة بالعصمة المكتسبة، وهي العالمة غير المعلمة، ويتضح ذلك جلياً من قولها "الذي حكَم لأوليائه بالسعادة " فأي سعادةٍ يا مولاتي، وأجسادهم مقطعة الأعضاء، ورؤوسهم مرفوعة على القنا؟ لولا رؤيتك لباطن الأحداث وحقيقتها، و لعلها قصدت السعادة الأبدية. ولذا فلقد كان العدل الإلهي يتجسد أمام ناظريها بحيث إنها لم تكن ترى الجريمة إلا ورأت عقابها معها، ولم تكن ترى الظلامة إلا ورأت ثوابها معها؛ لإيمانها المطلق بالعدل الإلهي، فلا غرابة إذن إن تجلى العدل الالهي في كلماتها (سلام الله عليها) فلقد نبعت من قلبها الذي تجسدت فيه جميع العقائد الحقة، وتشكلت فيه جميع ما شاهدت وما رأت وما عانت ولكن بهيئتها الملكوتية . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف 595 (2) الروم 10 (3) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف : 596 (4) السيد محسن الأميني : لواعج الأشجان في مقتل الإمام الحسين (ع) ج1 ص225 (5) المجلسي : بحار الأنوار ج44 ص30 (6) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف ص597 (7) المصدر السابق ص598 (8) المصدر نفسه ، نفس الصفحة (9) المجلسي : بحار الأنوار ج44 ص266 (10) السيد محمد سعيد الحكيم : فاجعة الطف 598و599 (11) المصدر السابق ص599 (12) الطبري : تاريخ الطبري ج 4 ، ص37 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
14115

طفلك والمدرسة وبداية سنة جديدة

يذهب عام ويأتي عام جديد ويبدأ القلق من جديد من الأهل، فهم يشعرون بالخوف من نواحي عديدة: الخوف من إخفاق أبنائهم في المدرسة، الخوف من الحوادث، الخوف من المشاجرات التي غالباً ما تحدث بين الاطفال، الخوف من المجهول، هذه المشاعر والانفعالات تراود أغلب الأهل عند بداية العام الدراسي. فكيف يجب أن يتعامل الأهل مع مخاوفهم؟ وهل تؤثر هذه المخاوف وتنتقل إلى أبنائهم؟ ومن جانب اخر كيف يمكن ان يتعامل الاهل مع طفلهم الاول؟ هذا ما سوف نركز عليه في هذا المقال ونوضحه من جميع جوانبه ان شاء الله تعالى. يجب أن يتعامل الأهل في بداية كل عام دراسي باتزان واعتدال، فالأهل الذين يشعرون بالمخاوف بشكل كبير يسببون الأذى لأنفسهم ولأطفالهم، فالتفكير السلبي والقلق الذي يصاحب الأهل يجعلهم يشعرون بإحباط مع أحداث المدرسة وتفرعاتها مما يظهر انزعاجهم من الدراسة والتعليم، وهذا ما يسبب فقدان الرغبة للدراسة، فالكلام السيء عن المدرسة والانزعاج من تحضيراتها يرسل رسالة سلبية للأبناء مفادها أن الدراسة مصدر إزعاج وألم وتوتر، مما يزيد من ابتعاد الأطفال نفسياً عن العلم والتعليم، لذلك يجب على الاهل أن يتعاملوا بنفسية منشرحة مع تحضيرات الدراسة حفاظاً على إعطاء الأبناء شحنة إيجابية تدفعهم نحو الرغبة بالتعليم والدراسة، فكل ما يصدر من الأهل يتأثر به الأبناء سلبياً كان أم إيجابياً. لذلك لابد من الحذر من إظهار انزعاجنا من قدوم المدرسة، بل يجب أن نظهر الفرح والسرور والاهتمام حتى يفهم الأطفال بأن العلم مهم ومقدس بالنسبة لأهلهم وذويهم وبهذا تزداد رغبة الأطفال بالدراسة. ونود أن نلفت انتباه الأخوة الآباء والأمهات إلى أنه يجب أن تتم السيطرة على طريقة تعاملهم مع مخاوفهم وقلقهم، وهذا يتم عن طريق رفض الأفكار السلبية المسببة للقلق والتوتر وعدم السماح لها بالولوج إلى عقلنا الباطن، والسيطرة عليها تتم عن طريق العقل الواعي الذي هو بمثابة السيطرة الرئيسية التي تسمح أوتمنع الافكار من الدخول أو عدمه، ويجب ان تكون هذه السيطرة محكمة ودقيقة في التعامل مع نوعية الافكار المسموح لها بالمرور الى العقل الباطن. ونضيف أيضاً أنه يجب على الأهل أن يتعاملوا بشكل آني وحاضر دون التفكير بالمستقبل كثيراً، فإذا فكّر الإنسان بيومه استطاع أن يعيش اللحظة بلحظتها دون التفكير بشكل سلبي في المستقبل. فعندما نكون أقوياء أمام أبنائنا في التعامل مع مختلف الظروف والتحديات فإننا نعطي قوة إلى أبنائنا تضيء لهم الطريق وتعبده بشكل يصلح للسير عليه وبهذا فإن الدعم الذي نقدمه لأبنائنا ينطلق من إيماننا واعتقادنا بذواتنا، فكلما كنا أكثر تقبلاً لذواتنا، استطاع أطفالنا أن يكونوا أقوياء واصحاب إرادة وعزيمة، فهم يستمدون ذلك منا، فلنختر طريقة في تعاملنا مع أبنائنا تشعرهم بقوتهم وتعطيهم الدافع والحافز في التغلب على صعوبات الحياة، فكما نكون، يكون أبناؤنا. قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
1235

معرفة الله تعالى

إنّ كمال الدِّين معرفته، ونفي الصفات عنه، وتنزيهه عن صفات التجسيم ، وتأويل تلك الصفات إلى ما يليق وذاته المقدّسة. ومعرفته بأنّه واحدٌ أحدٌ، ليس كمثله شيء، قديمٌ، سميعٌ، بصيرٌ، عليمٌ، حكيمٌ، حيٌّ، قيومٌ، عزيزٌ، قدوسٌ، قادرٌ، غنيٌّ. لا يوصف بجوهرٍ، ولا جسمٍ، ولا صورةٍ، ولا عرضٍ، ولا خطٍ، ولا سطحٍ، ولا ثقلٍ، ولا خفةٍ، ولا سكونٍ، ولا حركةٍ، ولا مكاٍن، ولا زمان. وأنّه تعالى منزّه عن جميع صفات خلقه، خارج من الحدَّين: حدّ الإبطال وحدّ التشبيه. لكن تبقى مسألة: كيف نعرف ذات الله تعالى؟ هنا يقف العقل البشري عاجزاً عن إدراك ماهية الذات المقدّسة؛ لقصور ادراك عقولنا. فلابدّ للواصف أن يكون: -إمّا بمرتبة الموصوف. -أو أعلى مرتبة منه. لكي يصفه، وإلاّ لكان عاجزاً عن وصفه؛ لأنّ النّاقص لا يوازي الكامل، والعاجز لا يساوي القادر، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: "الحمد لله الدّالّ على وجوده بخلقه، وبمُحدث خلقه على أزليّته، وباشتباههم على أنّ لا شبه له، لا تستلمه المشاعر، ولا تحجبه السّواتر؛ لافتراق الصّانع والمصنوع، والحادّ والمحدود، والرّبّ والمربوب"(١). وإنّ للمعرفة درجات, ويجبُ على المؤمنين معرفة أدنــاها على الأقل، كما هو في الجانب الفقهيّ حيث يوجِب الفقهاء معرفة المسائل الابتلائيّة التي هي أدنـــى درجات المعرفة الفقهيّة, فلابدّ إذن مِن التــوازن المعرفي بين العلوم, ومعرفة ماهي أدنى المعرفة العقائديّة بالله تعالى. يجب أن تكون تلكَ المعرفة الدُّنيا بالله تعالى مبنيّة على اُسسٍ عقليّةٍ بديهيّةٍ فطريّةٍ, يـعرفها حتى الساكن في بلدةٍ نائيّة بــفطرته. وليــس شرطاً أن تكون تلك المعرفة مبتنية على قواعدٍ فلسفيّة ٍ أو منطقيّة, وإلاّ : -لـكانت نسبة كبيرة مِن الناس كــفّاراً بالله تعالى. -أو كانَ إيمانهم بالأصول الاعتقاديّة ناتجاً عن تقليدٍ أعمى للعلماء والفلاسفة والمُتكلّمين. إذاً، الإنسان بـفطرته يستطيع أن يُثبت ما يعتقد به كما صنعَ أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سُئِلَ مــا الدليل على وجود الله تعالى؟ فأجاب بجوابٍ عفويٍّ فطريٍّ: (البعرةُ تدلُّ على البعير) مشيراً لنا إلى سهولة لاستدلال على وجوده تعالى إذا ما كانت الفطرة سليمة. فهذا الدليل الفطريّ يُنمّق كلاميّاً وفلسفيّاً ليُناسب إدراكات الطلبة المتعلّمين ويُسمى بتسمياتٍ اُخَر. والأئمة عليهم السلام لم يتركوا شيعتهم دون توضيح لأدنى المعرفة بالله تعالى, حيث "رويَ عَنْ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ عَن أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلام) سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ.. فَقَالَ: الاقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ"(٢). فتلك هي أدنى المعرفة به تعالى. ____________________ (١) نهج البلاغة، ٤٨. (٢) الكافي: ج١، ب ٢٦، ح١. اللّهم عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
6302

الغزو الثقافي وكيفية مواجهته

الثقافة: لغةً: من (ثَقُفَ، ككَرُمَ وفَرِحَ، ثَقْفاً وثَقَفاً وثَقافَةً صارَ حاذِقاً خَفِيفاً فَطِناً)(1) وأما اصطلاحاً: فهو (مجموع المعارف والقيم الحاكمة للسلوك)(2) وللثقافة أهمية بالغة؛ لأنها هي التي تجسد الشخصية الاعتبارية أو المعنوية لأية جماعة من البشر سواء كانت أمة أو مجتمعاً أو ما شابه ذلك، وكلما كان لثقافة أمةٍ ما رصيد تاريخي أكبر، كلما دلّ على أصالة تلك الأمة وصمودها وقدرتها على التطور والتقدم من جهة، وقدرة أبنائها على التفاعل الايجابي معها ومع سائر الثقافات الأخرى من جهة أخرى. كما أن الثقافة وإن كانت جزءً من الحضارة، بمعنى أن كل أمةٍ لها حضارة لابد وأن تكون لها ثقافة، وأن تكون أمةٌ ما لها ثقافة ليس بالضرورة أن تكون لها حضارة، إلا أنه بالرغم من ذلك تمثل الثقافة انعكاساً مؤشراً هاماً على مدى تقدم تلك الأمة أو تخلفها. وبما أن الثقافة عبارة عن قيم ومعارف فهي تتنوع وتتعدد بتنوع وتعدد تلك القيم والمعارف من جهة، ولهذا لا توجد ثقافة عالمية موحدة، كما أنها تتغير بتغير تلك القيم والمعارف من جهةٍ أخرى، ومن هنا كان للاحتكاك بين الأمم وانفعال بعض الأمم بقيم ومعارف الأمم الأخرى دورٌ كبيرافي انتقال الثقافات وتأثر بعضها ببعض، مما أدى إما إلى اضمحلال وتآكل بعض الثقافات كالثقافة اليونانية التي لم تدم أكثر من خمسمائة عام ومن ثم ابتلعتها الثقافات المختلفة الأخرى، أو إلى انتقال وانتشار البعض الآخر كانتقال الثقافة الاسلامية في العصور الوسطى الى الدول الأوربية في حالتي السلم والحرب أيضاً.. فأما في حالة السلم فقد انتشرت الثقافة الاسلامية عبر الاندلس التي أسس فيها المسلمون حضارة عريقة شملت مظاهر الحياة كافة من علوم وفنون وصناعات ومظاهر سلوك، كما كانت ملتقى طلبة العلم والعلماء، لأنها تمثل حلقة الوصل بين الشرق الاسلامي والغرب الاوربي آنذاك، وكان تأثر علماء الغرب الأوربي بالحضارة الاسلامية يومئذٍ جلياً يدل عليه إقبالهم الكبير على الترجمة من العربية الى اللاتينية، إضافةً الى إنشائهم للجامعات على غرار الجامعات العربية. وأما في حالة الحرب فإن (الحروب الصليبية [وإن] انتهت بانتصار المسلمين عسكرياً، إلا أن المسيحيين استطاعوا أن ينتصروا علمياً من خلال الذخائر العلمية التي حصلوا عليها في فترة حربهم مع المسلمين)(3) ولازال للتغير الثقافي بين الأمم أثره البارز على الساحة العالمية حتى الساعة، بل تفاقم حجمه كثيراً عمّا كان عليه في السابق، إذ كان يأخذ وقتاً طويلاً كيما تتأثر به الشعوب وتتبناه، وأما في الوقت الحاضر فقد قصر هذا الوقت كثيراً للانتشار الواسع للإعلام ووسائل التواصل الحديثة التي جعلت من العالم قرية صغيرة. ومن الجدير بالذكر أن التغير الثقافي قد يتأتى من تغيرات ضئيلة في المجتمع، تتسلل إليه عبر الأزياء أو الأغاني أو الأفلام، فإذا تأثر بها من يعتبرهم المجتمع صفوة أو نجوماً كالفنانين والرياضيين والإعلاميين، دفعهم ذلك إلى سلوك جديد أو تغيير في سلوكهم القديم، وعندما يتأثر محبّوهم ومن حولهم من أفراد بهذا السلوك، فإنهم يبادرون إلى تقليده، وفي هذه الحالة إما أن يلاقي رفضاً من المجتمع وخصوصاً من قبل بعض المثقفين الذين يحاولون تحصين ثقافتهم فيندثر، أو أن يلاقي تقبلاً من المجتمع أو غض النظر عنه فيستمر بل ويستقر مضيفاً قيمةً جديدة في ذلك المجتمع أو مغيراً لقيمةٍ فيه. وبذلك يكون هذا السلوك هو المسيطر وسواه هو الشاذ، وهذه القيم الجديدة هي الأساس وعكسها هي الاستثناء، وما إن ينتقل من جيل إلى آخر حتى يتحول إلى جزء من ثقافة ذلك المجتمع. ولعل أكثر من يؤثر في تغيير ثقافات الأمم هم الإعلاميون لأنهم إذا ما تأثروا بأمرٍ أو أرادوا تأثر المجتمع فيه فإنهم بلا شك سيبذلون كل ما في وسعهم من أجل الترويج إليه، لاسيما أنهم يملكون أقوى أداة فعّالة لتحقيق ذلك وهو الإعلام، وقد استغل أعداء الدين الاسلامي هذه الأداة أبشع استغلال خصوصاً أنهم يملكون أقوى إعلام في العالم وبكل أنواعه وأشكاله لاسيما المرئي منه، فقاموا بشنّ هجمةٍ ناعمةٍ على الفكر الديني والثقافة الاسلامية ليعكسوا المعادلة، فتكون ثقافتهم هي الفاعلة والمؤثرة فيما تكون الثقافة الاسلامية هي المنفعلة والمتأثرة.. وتكمن خطورة الغزو الثقافي هذا في البون الشاسع بين الثقافتين، فبينا ثقافتهم قائمة على الانفلات في الحرية والابتعاد عن الدين، في حين أن الثقافة الإسلامية ذات أساس رباني تستمد معارفها وقيمها من القرآن الكريم والسنة النبوية. وفي الوقت الذي تنجذب فيه ثقافتهم إلى الإفراط و التفريط، كالأفراط في العلم والعمل، والإفراط في الاهتمام بالجسد، وفي رعاية المصلحة الفردية التي جسّدها النظام الرأسمالي، وبالمقابل التفريط في الإيمان والعبادة والتفريط في الاهتمام بالروح وفي رعاية المصلحة المجتمعية. في حين أن الثقافة الاسلامية تؤمن بالتوازن بين الإيمان والعلم، والعبادة والعمل، بين الدنيا والآخرة، بين الروح والجسد. وقد جاء غزوهم الثقافي للأمة الاسلامية على خطين أو محورين: الأول منهما مهمته الإساءة إلى الدين الاسلامي وتشويه رموزه المقدسة كخاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) فضلاً عن تشويه المسلمين أنفسهم وإظهارهم بمظهر العنف والوحشية والقسوة والهمجية، بهدف التثقيف العالمي على نبذ هذا الدين العظيم ومحاولة تقبيح صورة رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وأجلَّه عن ذلك ورفع شأنه)، ووسم الفرد المسلم بسمات الإنسان الإرهابي الشهواني اللئيم. وأما الخط الآخر فكان يهدف إلى تفتيت قيم ومعارف المسلمين أنفسهم وزرع قيم ومعارف أخرى لغرض تمييع الثقافة الاسلامية ومحاولة القضاء عليها وتجريد المسلمين من هويتهم الاسلامية. وقد نجح هذا الغزو الثقافي - للأسف الشديد - إلى حدٍ ما، ومما يدلُ على نجاحه ما نشاهده اليوم من تأثر بعض الشباب بالثقافات المستوردة وكأنهم بين ليلةٍ وضحاها قد مُسِخوا بعد ما انسلخوا عن ثقافتهم الأم، فلم يعد جوهرهم يدل على ثقافتهم الأصل فضلاً عن مظهرهم، فاختلفت طريقة تفكيرهم باختلاف قيمهم ومعارفهم، فبعد أن كان الوقار والهيبة مثلاً رمزاً للرجولة ومقوِّماً من أهم مقوّماتها، أمسى بعض الشباب ولا مانع لديهم من التشبه بالنساء في السلوك والمظهر، وبعد أن كان الستر والحياء رمزاً للأنوثة أضحى الزي الفاضح والتبرج الفاحش علامته الأولى، وقد انعكس ذلك على ظاهرهم، فلم تعد قصّات شعر بعض الشباب كما كانت، ولا زيّهم المعهود سابقاً، وأما الفتيات فتجد بعضهن يتبارين بخلع لباس العفة والتخلي عن رداء الحياء لهثاً وراء الأنوثة التي صمّمتها أفلام هوليود ورسمتها السينما العربية المتأثرة بها!! بالإضافة إلى الغزو الثقافي الذي مارسه الإعلام الغربي ولازال، فقد مارس الأعم الأغلب من الإعلام العربي هو الآخر دور المعول الهدّام في تحطيم ثقافة المجتمع العربي، فلا برامجه تغذّي العقل العربي، ولا أفلامه تحث على القيم العربية إلا ما ندر، ولا مسلسلاته تنمي المعارف الاسلامية، بل على العكس من ذلك كله تسعى جاهدةً إلى ترسيخ القيم الغربية والمبادئ المغلوطة والمقاييس المقلوبة. وقد أسفر كل ذلك عن إصابة الكثير من أفراد المجتمع الاسلامي بانحطاط في الثقافة، وخواء في الجانب العلمي والمعرفي، وتقهقر في الحضارة، واستهانة بالمبادئ والقيم السليمة، وتبديلها بأخرى مستوردة سقيمة، كما أدت إلى التضخم في الاهتمام بأهل الفن والرياضة واتخاذهم قدوات، والانكماش في المجال العلمي والمعرفي والاستخفاف بالعلماء والكفاءات.. ولكل ما تقدم لابد أن تنهض أمتنا الاسلامية نهضة ثقافية قوية لاستعادة أمجاد الماضي حين كانت هي المُصدرة للعلوم والمعارف، وحين كانت حضاراتنا التي سبقتها هي من علّمت العالم القراءة والكتابة. ولانتشال شبابنا الذين هووا في مستنقع الثقافة المادية المنحطة، وليس ذلك بعزيز إذا ما تظافرت جهود صفوة المثقفين، وتكاتفت قوى العلماء الصالحين المصلحين، الذين يتقنون أساس الثقافة الاسلامية الرصين، عبر الوقوف أمام المعارف والقيم الفاسدة التي تصدرها الثقافات الأخرى ومنعها من النمو والانتشار، والترويج للمعارف الحقة وللقيم التي ترتقي بالفرد والمجتمع، وتحويلها من الكتب والعلوم إلى واقع وسلوك، ونشر مضمون الثقافة الاسلامية ومكوناتها من القيم والمعارف، وعدم الاقتصار على سرد الجانب التاريخي منه. ولا يكون ذلك متيسراً ومتاحاً إلا بامتلاك هؤلاء المتقنين لأسس الثقافة الاسلامية للأدوات الفعّالة لذلك كالإعلام بكل أنواعه المرئي والمسموع والمقروء بل وحتى الرقمي منه، وإلا فمن لا حظ له من الثقافة الاسلامية كيف يمكن الاعتماد عليه في نشرها؟! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) القاموس المحيط ج2 ص361 (2) صناعة الثقافة ج1 ص31 (3) د. علي البيكدلي مقال(دور الحضارة الاسلامية في النهضة الأوربية) مجلة التوحيد، قم، ع77، ص71 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
7269

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70397

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51508

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41501

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36096

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32920

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32265