هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ

عاشوراء مدرسة أعطت وتعطي الكثير الكثير كل يوم للمتأمل فيما ورد عنها من كلمات وفيما وثق فيها من مواقف... ولعل من أهم الدروس التي ترسخها عاشوراء في الأذهان بعد ضرورة مواجهة الباطل والدفاع عن الحق مهما كلفت من تضحيات جسام هو: الصبر على البلاء بل والرضا به .. كيف لا، وقد ورد عن سيّد الشهداء (عليه السلام) في اللحظات الأخيرة من حياته حينما كان يتمرّغ في الدم والتراب: «رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك لا معبود سواك»(1). وكذلك فيما جاء في خطبته عند خروجه من مكّة إلى المدينة: «رضا اللَّه رضانا أهل البيت»(2) . فما سر هذا الرضا رغم شدة الابتلاءات وقساوة المحن التي مر بها سيد الشهداء (عليه السلام) ؟ مما لا شك فيه أن يقين الامام الحسين (عليه السلام) هو الذي رفعه إلى مقام الرضا رغم ما جرى عليه في واقعة كربلاء، إلا أنه ومع هذا فقد أرشد المؤمنين إلى مفاتيح الصبر والرضا، ولعل من أهمها ما وَرَدَ عنه (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ بعد أن تفاقم الخطب أمامه في كربلاء، واستشهد أصحابه وأهل بيته: «هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ»(1). فهنا يلفت الامام الحسين (عليه السلام) نظر المؤمنين الى حقيقة مهمة وهي: أن الله سبحانه يعلم بكل مجريات الأُمور، وهو مطلع على كل معاناة المبتلى وما يكابده من ألم دونما اعتراض منه على قضائه هو في حد ذاته حافز للمبتلى للصبر والرضا.. ولتقريب المعنى نقول: إن المتسابقين في ساحة اللعب مثلا يشعرون بالارتياح حينما يعلمون أن أبويهم وأصدقاءهم ينظرون اليهم فيندفعون بقوّة أكبر في تحمل الصعاب لتحقيق الفوز. فإذا كان تأثير وجود الأبوين والأصدقاء كذلك، فما بالك بتأثير استشعار رؤية الله لما يجري على الانسان وهو يصارع الألم ويواجه المحن؟! ما أعظم القوّة التي يمنحها هذا الاستشعار لتحمل الامتحانات العسيرة والمصائب الخطيرة .. ولذا فقد جاء النداء الالهي لتثبيت قلب النبي نوح (عليه السلام) حين واجه أعظم المصائب والضغوط من قومه وهو يصنع الفلك، حيث قال (تعالى) : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا)(2). فكان لعبارة «بِأَعْيُنِنَا» وقع عظيم في نفسه (عليه السلام) فصبر وواصل عمله الى نهايته دونما أن يلتفت الى تقريع الأعداء أو يهتم باستهزائهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) موسوعة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ج8 ص42 (2) المصدر السابق (3) بحار الأنوار، ج 45، ص 46 (4) هود 37 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
14088

الله عز وجل هو السعادة الحقيقية

دعتني صديقتي إلى مأدبة غداء، اعتذرت منها لانشغالي بأمور أخرى، فترجتني أن احضر إذ إنّ صدیقة قدیمة لها تقطن في محافظة أخرى سوف تکون موجودة وتريد أن تعرفني بها، وعندما رأيت إلحاحها، قلت: حسناً سوف آتي متأخرة، ابتسمت وقالت: لا بأس أهلاً بك في أي ساعة جئتِ. عندما وصلت كانوا قد أنهوا غداءهم وجلسوا في الصالة لاحتساء الشاي، دخلت إليهم وعرفتني بصدیقتها التي کانت قادمة مع ابنتها المراهقة والتي تدعی (أسوا) جلسنا نتحدث وجلست ابنة صدیقتي (نبأ) مع (أسوا)، لمحت على محیى نبأ أنها لم تکن راضیة عن (أسوا) ولکنها بدت متحملة الوضع وبدا الضجر على سیماء (أسوا) ودار بنا الحدیث وتشعب نحن الأمهات عن لطف الله عز وجل في لحظات حياتنا، فقلت: إن الله عز وجل يرأف بنا في ساعات الشدة، ویلطف بنا في کل لحظة فأیدت صديقتي وصدیقتها کلامي بقول: نعم والله. رأيت امتعاضاً على وجه (أسوا) فقلت لنفسي: لربما هو أمر بينها وبين (نبأ)، وتسلل بنا الحدیث عن فراق الله عز وجل وکم هو مؤلم فراقه. فانبرت (أسوا) مستهزئة: کم هو مؤلم فراقه! بدا على وجه أمها التوتر والغضب وبدأت توبخها. فالتمست من الأم أن ترأف بها وتدعها تتكلم. فقالت الأم: سوف تبدأ بالهذيان. قلت لها: إذا سمحتِ أودّ أن اسمع منها ما تقول. فأطرقت الأم وهي خجلة: حسناً، نظرتُ إليها، وقلت: یا صاحبة الاسم الجميل، ماذا في جعبتك من أفكار؟ قالت: إذا تکلمت سوف تغضب أمي! نظرتُ إلى الأم وقلت: هل تسمحین أن أتكلم مع ابنتك على انفراد؟ نظرتْ إلى صديقتي فطمأنتها أن تتحدث معي. خلوت مع (أسوا) وقلت: تحدثي وقولي ما عندك. قالت: أنا عندما أقول شيء ما تغضب أمي. قلت لها: ماذا تقولين مثلاً وتغضب امك؟ تلکأت لثوان وقالت: أنا لا أعتقد أن هناك إلهاً! نظرت إليها بتأمل وقلت: هذا کلام کبیر. قلت: وماذا بعد؟ قالت: کنت قبلها أتساءل: هل هناك خالق لله؟ فکانت تغضب أمي، وتجیب الخالق هو الله ولا خالق غیره. قلت: وبعد ماذا أيضاً؟ قالت: کنت أتساءل: هل هناك إله أقوى من الله؟ فکانت أمي تثور غضباً، وأخيراً أنا متأكدة أنه لا یوجد إله، إذ لو كان موجوداً لرأیته… قلت: حسناً هذه أسئلة کثیرة، هل هناك غیرها من الأسئلة تراودك؟ قالت: نعم، توجد غیرها، ولکن هذه أهمها. قلت: حسناً... تطلعت إليّ مستغربة وقالت: ألن تنعتيني بالكافرة الملحدة كما تدعوني أمي کلما تحدثت معها بهذه المواضیع؟ وتنهاني أن أتكلم أمام أي أحد من الناس؟! قلت: کلا یا فتاتي یبدو علیك الذکاء والفطنة، ولا تحبين أن تقبلي أمراً إلّا وأنتِ تعرفين ماهیته وتسبرین غوره. ابتسمت وقالت: نعم، أنا هکذا. قلت لها: حسناً، فلنأخذ الأمور ببساطة ولنقل أن الله عز وجل خلقه إله آخر، وقلنا بعده هناك إله آخر خلقه. أخيراً یجب أن نخلص من هذا التسلسل وننتهی إلى إله خلق الجمیع، حسناً فلنعبد هذا الإله الذي هو خالق کل شيء وإذا قلنا: هناك إله أقوى، أيضاً سوف نذهب إلى التسلسل والدور حتی نصل بالنهاية إلى إله أقوى من جمیع الآلهة الأخرى ویجب أن يكون کاملاً لیس به أي نقص أو عيب، وإلّا لن نرضی أن یکون إلهنا الذي نعبده ضعیفاً أو مخلوقاً أو محتاجاً إلى أي أحد. فکّري بکلامي قلیلاً ودعي عقلك ینفض الغبار عنه وبعدها نعود إلى بقیة أسئلتك. بعد لحظات رفعت رأسها، وقالت: وإذا لم أكن أعتقد بوجود إله أبدا؟ قلت: حسناً یا فتاتي، إذا لم یکن لهذا الکون والوجود إله، فمن أوجده إذاً؟ قالت: هو أوجد نفسه. ابتسمت وقلت: هذا القميص الذي ترتدینه، أيمكن أن تقولي إنه هو أوجد نفسه دون أن یکون هناك قماش ودون أن یکون هناك خیاط یخیطه؟ ونقول هو أوجد نفسه من العدم. تلکأت وقالت: المسألة تفرق قلت: بماذا تفرق؟ لم تجب. قلت: کون کامل متکامل بدون إله، وقمیص صغير له صانع! أليس هذا منافیاً للعقل؟ لم تجبني وسألتني: لماذا تعصب أمي عندما أسألها؟ قلت: أمك تحبك وتخاف علیك من الانحراف الذهني، ولکن الله عز وجل وهو اللطيف الخبير عندما یری حیرتك وألمك لا يريد لكِ الخذلان ووضعني في طریقك حتی تسمعي مني الشيء القلیل عن الحقيقة وسوف یضع في طريقك أناساً آخرين عندما تريدين الوصول إلى الحقيقة والوصول إلى السعادة، أتعلمين يا بُنيتي أن معرفة الله سبحانه وتعالى هي السعادة الحقيقیة... أتمنى أن أراكِ أكثر وأن نتحدث عن وجود الله سبحانه وتعالى أكثر. قالت: أتمنى ذلك. نعم إن الحديث عن الله عز وجل حديث شیق ولطیف ویستحق منا أن نقضي ساعات نتكلم به، أومأت برأسها: نعم. ابتسمت لها وقلت: هل أخبرك بحدیث قدسي؟ ابتسمت ترید أن تسمع. قلت: (لو علم المدبرون عني کیف اشتياقي إلى توبتهم لماتوا شوقاً الي ولقطعت اوصالهم) إن الله سبحانه وتعالى هو نفسه یخبرنا کم یحب المدبرین عنه، فکیف إذا أقبل قلبك إليه؟ قلت لها: إنه یحبك یا فتاة ویحب کل ما وجد ویحبك أنتِ بالذات لأنه أوجدك إنسانة عاقلة ولك کامل الاختیار في الحياة، ولم یخلقك جماداً أو أي شيء آخر. قلت: هذا کله من حبه لكِ. أطرقت برأسها وقالت: لم اسمع هذا الكلام من قبل. قلت: بنیتی، ابحثي عن الله سبحانه وتعالى في وجودك في قلبك إنه موجود معك ولکنك اغمضتِ عینیك ولم تریه، افتحي عینيكِ وافتحي قلبكِ وسترین النور والسعادة یقبلان إليك. ____________________ 1_ بداية المعرفة: الاستاذ العلامة الشیخ حسن مکی العاملي بيان التسلسل وبطلانه ص 58 . 2_ السیر إلى الله: میرزا جواد التبريزي، ط1 ، بیروت لبنان دار البلاغة ص 199_200. انعام علي محمد جواد

اخرى
منذ 5 سنوات
2124

من اسئلتكم:

السؤال: لماذا أخرج الإمام الحسين (عليه السلام) النساء معه إذا كان يعلم بأنهن سيقعن في السبي؟ الجواب: قال الإمام الحسين (عليه السلام) لعبد الله بن العباس ، لمّا طلب منه أن يبقي النساء في المدينة ولا يحملهن معه إلى كربلاء : قد شاء الله أن يراهن سبايا . هناك الكثير من الشبهات التي تطرح على واقعة عاشوراء المفجعة ، وكلها في الحقيقة واهية لا أساس ثابت لها ، لكن من يطبّل لها كثير ، والإعلام المنحرف يحاول إبراز هذه الشبهات الواهية بلباس علمي وديني ! وقد أجاب علماؤنا ولله الحمد عن جميع تلك الشبهات مستندين في ذلك إلى ما ورثوه من علوم وكلمات عن أهل البيت (عليهم السلام) . ومن هذه الشبهات هي أنه لماذا أخرج الحسين (عليه السلام) معه نساءه المخدرات مع علمه بأنه سيقتل وستسبى بعده عياله ، أوَليس هذا مخالفاً لضرورة حجاب المرأة وأنه لا جهاد عليها وأن جهادها حسن البعل ؟! وحتى تتضح الصورة ننقل الأجوبة التالية: الجواب الأول : إن المشيئة الإلهية قد تعلقت بأن تسبى عيال الحسين (عليه السلام) كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك لابن عباس ، ومع تعلق المشيئة الإلهية بأمر فليس للإنسان إلا التطبيق وعدم المناقشة ، والحسين (عليه السلام) أولى بتطبيق ما يريده الله تعالى . فإذا علما أن الله تعالى لا يأمر إلا بما فيه مصلحة للإنسانية ، تيقّنّا أن خروج النسوة مع الحسين (عليه السلام) كان لحكمة إلهية ، حتى لو لم نعلم بتلك الحكمة ، إذ إن المدار ليس على علمنا بالعلة والحكمة لتشريع الأمر الإلهي ، بل المدار على نفس التشريع الإلهي وكفى . فضلاً عن أنه قد تعرفنا على بعض الحكمة من خروج النساء مع الحسين (عليه السلام) مما ستعرفه في بقية الأجوبة . الجواب الثاني : لقد كانت للسلطة الأموية أجهزة إعلامية تعمل ليل نهار على إخفاء الحقائق وتدليسها ، واستطاعت أن تصور معاوية ويزيد بصورة المؤمنين الحافظين لدين الله تعالى ودين رسوله (صلى الله عليه وآله) ! وهل هناك أشهر من نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده للإسلام ، ومع ذلك استطاع الإعلام الأموي أن يغير هذه الحقيقة ويصور الإمام علي وأولاده بصورة أعداء الإسلام ، وهذا ما تكشف عنه الكثير من الروايات ، فقد روي عن المبرد وابن عائشة أن شامياً رأى الحسن بن علي (عليهما السلام) راكبا فجعل يلعنه ! و الحسن لا يرد . فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك فقال : أيها الشيخ أظنك غريبا ، ولعلك شبهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعا أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجا أغنيناك ، وإن كنت طريدا آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حركت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأن لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا . فلما سمع الرجل كلامه ، بكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي . وحول رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقدا لمحبتهم . ومعه ، كان لا بد من فضح حقيقة يزيد وتجرئه على حرمات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، إذا ما أقدم على سبي حرائر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وإلا فإن قتل الرجال ربما يخفى على الكثير من الناس ، خصوصاً وإن الإعلام الأموي قد صوّر الحسين وأصحابه على أنهم خوارج خرجوا عن طاعة الأمير يزيد ! ولكن سبي النساء كشف عن حقيقة الأمر . إذن ، الحكمة في إخراج النسوة مع الحسين (عليه السلام) هو لأجل تعرية وفضح الخصم ، والكشف عن جرأته على مقدسات الدين وحريم النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأن الخصم لا يتقيد بأبجديات المبادئ الدينية ، وكان استخدام هذا النمط من المواجهة والجهاد في ظرف اغلقت فيه أيّ فرصة أخرى لدحض إجرام الخصم وباطله أمام أنظار وأذهان الناس المفتتنة بأكاذيب الخصم الناسية لوصايا القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) في حق العترة المطهرة ، ولولا موقف العقيلة زينب (عليها السلام) لكان الخصم يلتف بدعايته ووسائل إعلامه على الحقيقة ، ويغيب على الناس في ذلك الوقت فضلاً عن الأجيال اللاحقة ، يغيب عنها حقيقة الموقف . الجواب الثالث : لا شك أن الانتصار في المعارك له أشكال متعددة ، فالمعركة قد تخسر في جانب ولكنها تنتصر في جوانب أخرى ، ومعركة عاشوراء ، وإن انتصر فيها جانب الضلال عسكرياً ، ولكن معركة الحسين كانت هي المنتصرة في الجوانب الأخرى ، وكان من أهم أشكال انتصار الحسين (عليه السلام) هو الانتصار الإعلامي الذي ذاع صداه في الأرجاء ، والذي أطاح بهيبة وجبروت السلطة الأموية ، مما جرّأ الناس على القيام بثورات متعددة ضد بني أمية كما هو واضح لمن طالع التاريخ بعد واقعة عاشوراء . وكان الممثل الرسمي للإعلام الحسيني هو الإمام السجاد (عليه السلام) وزينب الكبرى (عليها السلام) . إذن ، كان من أهداف إحضار النساء إلى كربلاء هي مهمة إكمال المعركة الحسينية في جانبها الإعلامي ، وقد انتصرت زينب (عليها السلام) أيما انتصار في هذا الجانب ، وهذا ما تشهد به خطبها المتعددة في الكوفة والشام ، التي أبكت العيون وكشفت الحقائق ، وجعلت الذين لم ينصروا الحسين (عليه السلام) يندمون أي ندم على خذلتهم له . الجواب الرابع : لقد كان يزيد (عليه اللعنة وسوء العذاب) يحاول الضغط على الحسين (عليه السلام) بأي وسيلة من الوسائل ، ولذا بعث عليه ثلاثين رجلاً يقتلونه – إذا لم يبايع - ولو كان معلقاً على أستار الكعبة . فلو ترك الحسين (عليه السلام) نساءه في الحجاز لكان ذلك سبباً لأن يجعلهن يزيد رهينة لتحجيم حركة الحسين (عليه السلام) وورقة ضغط لتراجع الحسين عن مبادئه ، كما ذكر ذلك السيد ابن طاووس في كتاب الملهوف . ولذا حمل الإمام (عليه السلام) أهل بيته ليتسنى له محافظتهم وحراستهم . ولكن عندما انقلبت الموازين ، وتراجع أهل الكوفة عن بيعتهم ، وحوصر الإمام (عليه السلام) ، فكان نتيجة ذلك أن تقع عيال الحسين في الاسر ، فكان ذلك الامر من قضاء الله وقدره ومشيئته التي لابد من الصبر عليها . الجواب الخامس : إن خروج النساء إذا كان موافقاً للضوابط الشرعية فلا مانع منه شرعاً ، فلا مانع من خروج المرأة من أجل طلب أمور دينها ، وهكذا لا مانع من خروجها من أجل الحفاظ على الدين أو إثبات أمر ديني ، وحيث إن الدين أغلى من كل شيء ، فلا مانع من خروج المخدرة لأجل الدفاع عن الدين ، وهذا الأمر قد أكده القرآن الكريم في أكثر من مناسبة . إذ يستعرض لنا القرآن الكريم بأن المجاهدة في سبيل الله ومقارعة المعسكر الآخر كما تكون بالنفس والمال ، كذلك تكون بالمخاطرة بإهانة العرض لا بنحو الابتذال والتدنيس ، كما في قصة مريم (عليها السلام) ، ففي سورة آل عمران ( إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ... قالت رب أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) وفي سورة مريم ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا قال انما انا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكّ بغياً ... فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيا فنادها من تحتها ألا تحزني ... فإما ترين من البشر أحداً فقولي اني تذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم انسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا اخت هارون ما كان أبوك إمرئ سوء وما كانت امك بغياً فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال اني عبدالله آتاني ... ) وفي سورة المؤمنون ( وجعلنا ابن مريم وامه آية ) . فمريم قد تعرضت لوظيفة حمل النبي عيسى (عليه السلام) من غير أب لتتحقق المعجزة الإلهية لإثبات نبوة عيسى (عليه السلام) وبعثته بشريعة جديدة ناسخة لشريعة موسى (عليه السلام) ، مع أن تحقيق المعجزة هذه كان يخاطر بسمعة مريم وعرضها ، إلى درجة مواجهة بني إسرائيل لها بالقذف والبهتان ، ولكن كل ذلك لا يعنى ابتذال وتدنيس مريم ، بل غاية الأمر إهانة عرضها . فتحمّلت المسؤولية الإلهية وأعباء المعجزة والرسالة الجديدة ، مع أنها أصعب من الجهاد بالنفس والقتل بالسيف للإنسان الغيور وبالنسبة للمرأة العفيفة التي أحصنت فرجها . ولذلك قالت (ياليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا) ولكن جهادها وتحملها أقام الحجة على كفار بني اسرائيل ، فجعلها الله تعالى آية حجة تشارك ابنها النبي عيسى (عليه السلام) في الحجية . وهناك واقعة أخرى يسردها لنا القرآن ، وهي واقعة المباهلة (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) . فههنا في واقعة المباهلة احتج الله بالزهراء (عليها السلام) على حقانية الشريعة المحمدية ونبوة سيد الرسل (صلى الله عليه وآله) جنبا إلى جنب الاحتجاج بالأربعة بقية أصحاب الكساء . ففي هذه الواقعة قد تحملت الصديقة الزهراء (عليها السلام) بأمر من الله تعالى انزله في القرآن ، تحملت المشاركة في المباهلة أمام ملأ أهل الكتاب ، وهو نمط من المنازلة والمواجهة . وهكذا خروج زينب وأخواتها (عليهن السلام) مع الحسين (عليه السلام) ، كان من أجل الدفاع عن الدين وعن حرمات الرسالة المحمدية . وهذا ما كشفت عنه مواقف زينب الكبرى (عليها السلام) في الدفاع عن الإمام السجاد (عليه السلام) حيث تعرض (عليه السلام) لأكثر من مرة إلى القتل من قبل ابن زياد ويزيد (عليهما لعنات الله تعالى والملائكة والناس أجمعين)، وهكذا دفاعها عن بنات الحسين (عليهن وعليه السلام) عندما أراد بعض أهل الشام أن يسترقهن ، ومواجهتها لابن زياد ويزيد وكشف حقائقهما المخفية وكفرهم عن أهل الشام . بقلم: الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

اخرى
منذ 5 سنوات
1703

شاطئ الوصول

لم أعهد شاطئاً للوصول قبله، فكل الشواطئ كانت ولا زالت مرفأ الآهات وبث الشكوى من لواعج الفراق وأنّات الغياب، تمتزج أمواجها مع أمواج الحزن العاتية في قلوب المشتاقين، إلا ذلك الشاطئ الذي راوده عاشق غيور ابتغى الوصل بحبيبه عند جرفه، خرَّ راكعاً في محراب العشق والوفاء عند حافة ذلك الشاطئ، فتمثّلتْ صورة المحبوب أمام ناظريه عندما أحسّتْ قدماه برودة الماء، ولما اغترف من معينه غُرفة، نظر إليها وراح يحاكي ظمأ فؤاد المعشوق المتفطر من الصدى ، وتنزّلتْ الصور تترى أمام هذا العاشق لطفل رضيع جفَّ ثدي أمه من العطش، إلى صورة الأطفال من كل جانب، تجر أذياله قائلة: عماه، قتلنا العطش! إلى صورة أخته التي تمثّل ضياء عينيه. صورٌ من وصال القلب، تحوم على جانب الشاطئ حول ذلك العاشق كما تحوم حوله السهام والنبال من كل جانب، ليس لِتقطِّعَ أوصاله فحسب، وإنما قطَّعَّتْ بخبثها صور الوصال تلك... ظَــمِــئ َ النهر وفاءً فاحتضن ذاك العاشق ليرتوي من وفائه لمحبوبه، وأراد تقبيله، غير أن العاشق رفض أن يرشف من ثغر ذلك الشاطئ، ورمى عربون المحبة الذي قدمه له، والذي كان شربة ماء بارد تطفي لهيب فؤاده المستعر... رفضها ذلك العاشق واعتذر من الشاطئ ،بأن القلب الذي يتسع للواحد لا يتسع للاثنين، وقام ليكمل مسيرة عشقه، ويختمها على ذات الشاطئ حيث اعتنقه الحبيب ووضعه في حجره مودعاً، فأبى القمر إلا أن يكمل وصال الحبيب على الثرى، كي يواسيه عندما يبقى وحيداً بين الأسنة والرماح مثخناً بالجراح . ولم ينتهِ الوصال عند هذا الشاطئ الذي كان شاهداً لقصة ذلك العاشق ووفائه ووصاله الاخير مع الحبيب، فانحنى الشاطئ إجلالاً وإكباراً لذلك العاشق، وتوضأ بدموعه ليُحرِمَ شاطئ العلقمي في رحاب أبي الفضل العباس (عليه السلام) ويطوف حول وفائه، حتى كان الوصال الأبدي بين شاطئ العلقمي وساقي العطاشى . عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
938

ما رأيت أصحاباً خيراً من اصحابي

كلمات قليلة المبنى غزيرة المعنى، لبيان أفضلية هذه النخبة الخيرة بحيث بلغوا درجة أن نعتوا بــ(ما رأيت أصحاباً كأصحابي) ، ومن ينعتهم بذلك؟ إنه الإمام المعصوم الذي هو خامس أصحاب الكساء ، الذي نُقش اسمه على ساق العرش في سابع سماء ، الإمام الحسين (صلوات ربي عليه) ، ولم يكتفِ لتعظيم أصحابه وتمجيدهم بكل هذا وحسب ، بل ويقسم وهو الامام المعصوم عن الخطأ والاشتباه والزلل فضلا عن المعصية .. تُرى ما السبيل الذي سلكته هذه الباقة من الورود الزاهية لكي تملأ أرجاء الطف بألوان التضحية وشذى الوفاء ؟ أم ما كانت سيرتهم ليتربعوا على عرش علياء غير المعصومين من البشر ؟ أم ما الذي انطوت عليه سريرتهم ليكونوا أنجماً مضيئة في سماء الطف على مر العصور والدهور ؟ هم لم يحضوا بالرضا والقبول من قبل إمام زمانهم وحسب، بل نالوا أعلى درجاته ، فحري بكل من يتوق الى رضا إمام زمانه عنه (عجل الله فرجه) من المؤمنين والمؤمنات أن يتعرفوا على سيرة أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) ويسيروا على نهجهم ويتأسوا بهم . لذا كان من المناسب أن نذكر جملة سماتهم السامية وصفاتهم الجليلة التي مكّنتهم من نيل وسام خير الأنصار من قبل أبي الأحرار الامام الحسين سبط النبي المختار . أهم سمات أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) : أولاً : فــي الجانب العبادي : وجدت من يصفهم بكثرة العبادة، إلا أن التركيز على كمّ العبادة بمعزل عن كيفها لا يجدي نفعاً ولا يثمر أثرا مباركا أبداً، والدليل أن بعض الخوارج كانوا من المكثرين للعبادة وتلاوة القرآن الكريم حتى إن منهم من كان حافظاً لكامل كتاب الله (تعالى)، لكن كثرة عبادتهم تلك لم تغنِ عنهم شيئاً؛ لافتقارها الى اليقين والإخلاص. وأما أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) فقد كانت من أهم سماتهم اليقين في الاعتقاد والاخلاص في العبادة والتي أهّلتهم ليكونوا خير الأصحاب بشهادة الامام الحسين (عليه السلام). فقد روي أنهم كانوا يصلون ويستغفرون ويدعون طوال ليلة عاشوراء حتى أنهم باتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد. ومن سماتهم في العبادة أيضاً: أداء الصلاة في وقتها، حتى إن تواجدهم في ساحة المعركة حيث طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام لم يحُلْ بينهم وبين ذلك، فقد روي عن أبي ثمامة عمرو بن عبداللّه الصائدي ، قال للحسين : يا أبا عبداللّه ! نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ! ولا واللّه لا تُقتل حتّى اُقتل دونك إن شاء اللّه، وأحبّ انْ ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة التي قد دنا وقتها! فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال : ذكرت الصلاة ! جعلك اللّه من المصلّين الذاكرين، نعم، هذا اوّل وقتها. ثمّ قال : سلوهم ان يكفّوا عنا حتّى نصلّي)(1). ثانياً : الاستئناس بلقاء الله (تعالى) عندما يقبل قادة الجيش على حرب ما، فإنهم غالباً ما يُمنُّون أتباعهم بالغنائم والمناصب المهمة وما الى ذلك ، إلا إن الأمر مختلف تماما مع الإمام الحسين (عليه السلام) فقد روي عن الامام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: (لما كانت الليلة التي قتل فيها الحسين عليه السلام في صبيحتها قام في أصحابه فقال (عليه السلام): (إن هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم). فقالوا: لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك. فقال عليه السلام: (إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم واحد). فكان كما قال عليه السلام ) (2) كما روي عن سعيد بن عبد الله الحنفي أنه قال للإمام الحسين (عليه السلام): (لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك، والله! لو علمت أني أقتل، ثم أُحيى، ثم أحرق، ثم أذرى، يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا)(3) وأما زهير بن القين رضي الله عنه فقد كان يجيبه قائلا: (والله! لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل على هذه ألف مرة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك)(4) ولم يقفوا موقف التضحية والفداء لأبي عبد الله (عليه السلام) وحسب بل كانوا يرون أن الله (تعالى) قد منَّ عليهم بالإمام الحسين وبالقتل دونه فقد روي عن برير (رضي الله عنه) أنه قال: (يا بن رسول الله، لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة)(5) ثالثاً : الوعي والبصيرة : لم يكن هدف أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) الدنيا أو المال أو الشهرة أو السلطة أو ما الى ذلك، وإنما خاضوا غمار المعركة وهم يعلمون بأنهم سيقتلون، فقد أطلعهم الامام على مصيره ومصيرهم إذ قال : " إني غداً لمقتول وأنتم جميعاً ستقتلون "فما كان ردهم إلا أن قالوا: "الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرفنا بالقتل معك" (6). مما يدل على أنهم كانوا على درجة عالية من الوعي المتكامل والبصيرة النافذة المتفتحة والرؤية الواضحة للعاقبة التي هم ماضون اليها وليقينهم التام بأنها حسن الخاتمة، فرابطوا مع الامام (عليه السلام) وقاتلوا بين يديه حتى استشهدوا . رابعاً : العلم والتفقّه في الدين: كانت السمة الغالبة على أنصار الامام الحسين (عليه السلام) هي العلم والتفقه في الدين، فقد كان منهم بريراً، الذي قال عنه صاحب كتاب أنصار الحسين : (وصف في المصادر بأنه (سيد القراء) وكان شيخا، تابعيا، ناسكا، قارئا للقرآن، ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة) (7) ومنهم حبيب بن مظاهر الاسدي وكان فقيها كبيرا من فقهاء الكوفة. ومنهم مسلم بن عوسجة الاسدي وقد ( كان صحابيا ممن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وروى عنه)(8) خامساً : الشجاعة والثبات : وأما عن شجاعتهم (رضوان الله عليهم) فلقد وصفهم العدو قبل الصديق بأنهم (أهل البصائر وفرسان المصر). فقد روي أنه (صاح [عمرو بن الحجاج] بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم، والله! لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم)(9) كما روي عن أحد الأعداء واصفاً أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً:(عضضت بالجندل، أنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها على مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يمينا وشمالا، تلقي نفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب بالمال، ولا يحول حائل بينها وبين المنية أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين، لا أم لك)(10) وأما عن ثباتهم فنحن ندعو كلما قرأنا زيارة عاشوراء بأن يثبت الله (تعالى) لنا قدم صدق مع الحسين وأصحاب الحسين (عليهم السلام) .. " اللَّهُمَّ ارزقني شفاعة الحُسين يوم الوُرودِ وثبِّتْ لي قدمَ صدقٍ عندك مع الحُسين وأصحاب الحُسين الذين بذَلوا مُهجهمْ دُونَ الحُسين عليه السلامُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مع الركب الحسيني ج1 ص183 (2) كلمات الامام الحسين ج1 ص395 (3) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، ص50 ــ 51 (4) المصدر السابق ص51 (5) المصدر نفسه ص57 و58 (6) فاجعة الطف ج1 ص6 (7) أنصار الامام الحسين ج1 ص62 (8) المصدر السابق ص109 (9) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص48 (10) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص50 ــ 51 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
6915

عبيد الله بن الحر الجعفي نموذج ممن خذل الامام الحسين ولم ينصرْه

ولد في أوائل القرن الأول الهجري، وتوفي سنة (68 هـ) غرقا في الفرات (1). عاصر من المعصومين: الإمام علياً (عليه السلام)، والإمام الحسن (عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام)، والإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وعاصر الخلفاء الثلاثة، وعاصر من الحكام الأمويين: معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان. مما قيل فيه: قال الطبري: ((كان رجلاً من خيار قومه صلاحاً وفضلاً)) (2). قال ابن الأثير: ((كان من خيار قومه صلاحاً وفضلاً واجتهاداً)) (3). قال ابن منظور: ((كان عثمانياً وكان شجاعاً فاتكاً)) (4). قال خير الدين الزركلي: ((قائد من الشجعان الأبطال، كان من خيار قومه شرفاً وصلاحاً وفضلاً)) (5) من ذاكرة التاريخ: أبرز جوانب حياته: شارك في الفتوحات الإسلامية في القادسية والمدائن وجلولاء وحلوان ونهاوند (6). – رجع إلى الكوفة بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام)، بعد أن بيّن لمعاوية أن الإمام علياً (عليه السلام ) على حق وهو على باطل (7). – التقى به الإمام الحسين (عليه السلام) وهو في طريقه إلى كربلاء، وعرض عليه الانضمام إلى جنبه ونصرته، فأبى وقدم سيفه وفرسه للإمام الحسين (ع)، فرفض أخذهما وقال له: ((إذا بخلت عنا بنفسك فلا حاجة لنا بمالك)) ثم تلا قوله تعالى: {و ما كنت متخذ المضلين عضدا} وقال (عليه السلام): ((لقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من سمع واعيتنا أهل البيت ولم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار)) (8). – رجع إلى الكوفة بعد واقعة كربلاء فاتهمه ابن زياد بأنّه كان يقاتل مع الحسين (عليه السلام)، فقال لابن زياد: ((لو كنت معه لرُئي مكاني)) (9). _ كان ممن ناصر المختار ثم غدر به لأسباب سياسية ومادية . _ للأسف امتنع عن نصرة الحسين الا أنه بايع بني أمية في عهد عبد الملك بن مروان ... – هرب من ابن زياد ومرّ بكربلاء، ونظر إلى مصارع الحسين (عليه السلام) وأنصاره، فرثى الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو أول من رثى الحسين (عليه السلام). (10) – شارك مع مصعب بن الزبير في قتال المختار الثقفي (11). – حبسه مصعب بن الزبير وذلك لعدم الثقة والأمان به، وخوفاً أن ينقلب عليه كما فعل مع المختار، لكنّه خرج من السجن بشفاعة رجال من مذحج (12). سار بأصحابه إلى الكوفة ثم تفرق عنه جمعه بعد معركة، وخاف أن يؤسر، فألقى بنفسه في الفرات فمات غريقا سنة (68 هـ) (13). من أشعاره: قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام): أيا لك حسرة ما دمت حياً *** تردد بين صدري والتراقي غداة يقول لي بالقصر قولاً *** أتتركنا وتعزم بالفراق حسين حين يطلب بذل نصري *** على أهل العداوة والشقاق فلو فلق التلهف قلب حر *** لهمّ اليوم قلبي بانفلاق ولو آسيته يوماً بنفسي *** لنلت كرامة يوم التلاقي مع ابن محمد تفديه نفسي *** فودع ثم أسرع بانطلاق لقد فاز الألى نصروا حسيناً *** وخاب الآخرون ذوو النفاق (14). وقال أيضا: يقول أمير غادر وابن غادر *** ألاكنت قاتلت الحسين بن فاطمه و نفسي على خذلانه واعتزاله *** وبيعة هذا الناكث العهد لائمه فيا ندمي ألا أكون نصرته *** ألا كل نفس لا تسدد نادمه و إني لأني لم أكن من حماته *** لذو حسرة ألا تفارق لازمه سقى الله أرواح الذين تبادروا *** إلى نصره سحا من الغيث دائمه وقفت على أجداثهم ومحالهم *** فكاد الحشا ينقض والعين ساجمه (15) قصص وعبر: – قال معاوية لعبيد الله بن الحر الجعفي: ((لعلك يا بن الحر تطلعت نحو بلادك ونحو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: إن زعمت أن نفسي تطلع إلى بلادي وإلى علي، إني لجدير بذلك، وإنه لقبيح بي الإقامة معك وتركي بلادي، فأما ما ذكرت من عليّ فإنك تعلم أنك على الباطل، فقال له عمرو بن العاص: كذبت يابن الحر وأثمت، فقال له عبيد الله: بل أنت أكذب مني)) (16). – كانت لعبيد الله بن الحر الجعفي زوجة بالكوفة، فلما طالت غيبته زوّجها أخوها رجلاً يقال له عكرمة بن الخبيص، وبلغ ذلك عبيد الله فأقبل من الشام، فخاصم عكرمة إلى الإمام علي (عليه السلام)، فقال له: ((ظاهرت علينا عدونا فغُلْتَ، فقال له: أيمنعني ذلك من عدلك؟ قال: لا)) فقص عليه قصته، فرد عليه امرأته، وكانت حبلى، فوضعها عند من يثق به حتى وضعت، فألحق الولد بعكرمة، ودفع المرأة إلى عبيد الله (17) __________________________________ المصادر: 1- الكامل في التاريخ 4/ 294، والأعلام للزركلي 4/ 192. 2- تاريخ الطبري 4/ 586. 3- الكامل في التاريخ 4/ 287. 4- مختصر تاريخ دمشق 15/ 307. 5- الأعلام 4/ 192. 6ـ انظر تاريخ الطبري 4/ 589، والكامل في التاريخ 4/ 291، والفتوح 3/ 340، وخزانة الأدب 1/ 297. 7- خزانة الأدب 1/ 297. 8- مقتل الحسين (ع) لأبي مخنف ص 73، انظر الإرشاد للمفيد 2/ 81-82. 9- الكامل في التاريخ 4/ 288، والأعلام 4/ 192. 10- راجع الكامل في التاريخ 4/ 287-288. 11- الكامل في التاريخ 4/ 290. 12- الكامل في التاريخ 4/ 290-291، والأعلام 4/ 192. 13- الكامل في التاريخ 4/ 293-294، والأعلام 4/ 192. 14- مقتل الحسين (ع)، للخوارزمي 1/ 228، وأدب الطف 1/ 96-97. 15- الكامل في التاريخ 4/ 288-289، والبداية والنهاية 8/ 210-211 ومختصر تاريخ دمشق 15/ 308. 16- خزانة الأدب 1/ 297. 17- الكامل في التاريخ 4/ 287. علي جابر

اخرى
منذ 5 سنوات
12173

من أسئلتكم

السؤال : هل يشفع الشهيد لأقربائه؟ وهل ينجو من عذاب وضغطت القبر من يدفن بجانب الشهيد؟ الجواب: للشهادة والشهيد مساحة كبيرة في القران الكريم والتراث الروائي الاسلامي والتي تكاد تكون من الثوابت لدى جميع المدارس والمذاهب الاسلامية مع بعض الاختلافات اليسيرة التي سنتعرض لها لاحقاً. فيما يخص الشق الاول من سؤالكم حول شفاعة الشهيد لأقربائه، فقد أثبتتْ الروايات الشفاعة للشهداء، ومنها ما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : (ثلاثة يشفعون الى الله يوم القيامة فيشفعهم : الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء)(١) ولم تحدد الروايات في أمهات الكتب الحديثية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على حد اطلاعنا عدد من يشفع لهم الشهيد ومَن هم الذين يشفع لهم ، أما في كتب الجمهور فقد ثبت في أحاديثهم أن الشهيد يشفع لعدد محدد من أهله فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته)(٢) . أما إجابة الشق الثاني من سؤالكم حول نجاة من يدفن بجانب الشهيد من عذاب وضغطة القبر، فلم يرد ذلك في كتب الحديث، لا من طرقنا ولا من طرق العامة ، ولكن ثبت لدى المدرستين بأن ذلك من مختصات الشهيد فقط، وليس لمن يدفن بجانبه حظاً منها ، فعن ابي عبد الله (عليه السلام) قال : (قيل للنبي (صلى الله عليه وآله) ما بال الشهيد لا يفتن في قبره؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) كفى بالبارقة فوق رأسه فتنة)(٣) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(من لقى العدو وصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره)(٤) ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه :يكفّر عنه كل خطيئة ويرى مقعده من الجنة ويزوج من حور العين ويؤمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ويجلى حلة الايمان)(٥)، وهناك العديد من الروايات التي تؤكد على أن الشهيد والمرابط وإن لم يكمل رباطه يأمن عذاب وفتنة القبر (٦). ورغم هذه الامتيازات العظيمة للشهيد التي ذكرتها الاحاديث والروايات ومنها دخول الشهيد للجنة دون حساب الا ان هناك أمراً واحداً يحاسب عليه الشهيد كما يحاسب عليه سائر الموتى وهو الدَّين، لأنه يتعلق بحقوق الناس فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (الشهادة تكفّر كلّ شيء الا الدَّين)(٧) وقال الباقر (عليه السلام) :(أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه إلا الدّين كفّارته قضاؤه)(٨). الهوامش : (١) قرب الاسناد ج١ ، ص٣١ سفينة البحار ج٤ ، ص٥١٣ مستدرك الوسائل ج١١ ، ص٢٠ (٢) كنز العمال ج٤ ، ص٦٩٣ ، حديث١١١١٩ (٣) الكافي ج٥ ، ص٨٢ ، باب فضل الشهادة ، حديث٨٣٣٢ وقريب منه مع اختلاف ببعض الالفاظ في كنز العمال ، ج٤ ، ص٥١١ ، حديث ١٠٦١٠ (٤) كنز العمال ، ج٤ ، ص٤٧٣ ، حديث١٠٤٩٦ د(٥) كنز العمال ، ج٤ ، ص٧٠٥ ، حديث ١١١٥٢ (٦) راجع كنز العمال ، ج٤ ، ص ٤٧٣-٤٩٤ (٧) ميزان الحكمة ، ج٢ ، ص١٥١٤ (٨) وسائل الشيعة ، ج١٣ ، ص٨٥ ، حديث ٥ عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
1771

تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ

يصف القرآن الكريم الحجج الواهية التي يطرحها الكفار المعاصرون للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بأنها شبيهة بتلك التي كان يطرحها كفار الأمم السابقة لأنبيائهم، ولذا وصف قلوبهم بأنها متشابهة في قوله (عز وجل):" كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الاْيَاتِ لِقَوْم يُوقِنُونَ "(1) فيوجه القرآن الكريم التقريع واللوم الى من عاصر الرسول (صلى الله عليه وآله) لسيرهم على نهج من سبقهم ولتشبثهم بنفس آرائهم المنحرفة وبذلك سلكوا مسلكاً مشابهاً لما سلكه من سبقهم على مختلف الأجيال ومر العصور، في حين ينبغي أن يكون مرور الزمن عاملاً هاماً في زيادة وعيهم عمّن سبقهم، وسبباً مساهماً في تفهّمهم لما لم تتفهمه الأجيال السابقة.. ولو طبّقنا ما كان عليه المشركون المعاصرون للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومدى تشبثهم بآراء من سبقهم من مشركين على الطغاة والمجرمين الذين يقتلون الشيعة اليوم ومدى تشبثهم بآراء وأفعال قتلة الامام الحسين (عليه السلام)، لوجدنا أنهم متشابهون وإلى حد كبير ومن عدة نواحي : أولاً: تشابه الذريعة في القتل : عندما قتل بنو أمية الامام الحسين (عليه السلام) ومن معه كان تبريرهم لفعلتهم الشنيعة وجريمتهم الفظيعة أن قالوا: إن الامام الحسين (عليه السلام) خارجي أي إنه خارج عن الدين الاسلامي ، وأشاعوا ذلك لدرجة أنه لما جيء بالسبايا وفيهم الإمام علي بن الحسين السجاد ( عليهما السلام) أسيراً فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا وفيهم علي بن الحسين عليهما السلام وهو يومئذ فتى شاب، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وقطع قرن الفتنة، فلم يألُ عن شتمهم)(2) وأما ذراريهم اليوم فيقتلون الشيعة الموالين ويعذبونهم بشتى ألوان التعذيب، وما تبريرهم لجرمهم الجسيم هذا إلا أن قالوا إنهم مشركون بالله ودمهم لذلك مباح .... فتشابه دافعهم الى القتل لتشابه قلوبهم ... ثانياً: كيفية القتل : لم يكتفِ بنو أمية بقتل الإمام الحسين (عليه لسلام) ومن معه بل ومثلوا بالأجساد الشريفة، وحزوا النحور الطاهرة، وما يفعله ذراريهم اليوم هو ذات الجرم وذات الجناية، ومقاطع الفيديو التي ينشرونها على مواقعهم الباطلة خير دليل على ذلك .. ثالثاً: سبي النساء : لم يشفِ غليل بني أمية قتل الرجال من الركب الحسيني وحسب بل وتعدّوا على النساء الطاهرات فقاموا بسبيهن، وهذا ما فعله ذراريهم اليوم بل وفاقوا اجدادهم جرما حيث قاموا بالاعتداء على النساء المسبيات ايضا وبيعهن وووو كما هو معلوم للجميع ... رابعاً: اتخاذهم يوم عاشوراء عيداً اتخذ قتلة الامام الحسين (عليه السلام) يوم العاشر من المحرم عيداً لهم فكانوا يتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم، ويقيمون الأفراح وما الى ذلك، وقد ورد ذلك في زيارة عاشوراء:" اللَّهُمَّ إن هذا يومٌ تبرَّكت به بنو أميَّة وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيِّك (صلى الله عليه وآله) في كل مَوطنٍ وموقفٍ وقفَ فيه نبيُّك (صلَّى الله عليه وآله)"، وها هم ذراريهم اليوم يتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم، ويقيمون الاحتفالات والأفراح، بل ويقدمون الحلوى وقد نقش عليها يوم عاشوراء ايضاً ... خامساً : صيام يوم عاشوراء : صام آل زياد يوم عاشوراء شكراً لقتلهم الإمام الحسين (عليه السلام) فقد روي عن محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني جعفر بن عيسى أخوه ، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال: عن صوم ابن مرجانة تسالني؟! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليه السلام) ،....."(3) وها هم ذراريهم اليوم يروجون ويشجعون على صيام هذا اليوم. فإن قلتَ: وما ذنبهم هم إن كانوا قد وجدوا من الروايات التي تحث على صيامه والتي وضعها أمثال أبي هريرة ؟ نقول: وقد جاء أيضاً من علمائهم من قال بأن هذه الروايات من الموضوعات، فهذا ابن الجوزي يقول في الموضوعات: "تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء"(4) ثم يذكر الأحاديث الموضوعة قائلاً: "فمن الاحاديث التي وضعوا ....عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله إن الله (عز وجل ) افترض على بني اسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم فصوموه ووسعوا على أهليكم ...."(5) وما تمسكهم بنهج قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) إلا لأنهم راضون كل الرضا بفعالهم، ولو شاء الله وأعيدت واقعة كربلاء لتراهم يتسابقون الى قتله (بأبي هو وأمي). ولذا فقد روي عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضا (عليهما السلام): يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذ خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم فقال (عليه السلام): هو كذلك، فقلت: فقول الله (عز وجل): (ولا تزر وازرة وزر اخرى) ما معناه، فقال: صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وانما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم"(6) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة 118 (2) العوالم ج1 ص419و420 (3) الكافي ج4 ص146 (4) الموضوعات ج2 ص200 (5) المصدر السابق (6) مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ج1 ص423و424 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
1783

عروض الأزياء وأثرها على المجتمع الإسلامي

بعد أن يئس أعداء الدين الإسلامي الحنيف من سلب المسلمين هويتهم الدينية عن طريق القوة الشرسة والحرب العسكرية قرروا سلبها عن طريق القوة الناعمة والغزو الفكري، فشرعوا بتجنيد الوسائل المناسبة لكسب هذه الحرب لصالحهم، وأبرز تلك الوسائل هو الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، فبذلوا كل ما في وسعهم من أجل حشوها بالأسلحة التي من شأنها أن تهدم الفكر الديني وتدمر الالتزام القيمي وتحلل الانضباط الخلقي بهدف تجريد الإنسان المسلم لا من دينه وخلقه ومبادئه وحسب بل ومن إنسانيته أيضاً، بحيث يصبح ولاهمَّ له سوى الغرائز والشهوات، عديم الإرادة خالٍ من الطموحات، وبذلك يغدو أداةً طيّعةً يُسهِّل عليهم استعمار وطنه، ونهب خيراته والتحكم بإمكانياته ومقدراته. ومن أبرز تلك الأسلحة هي المواد السامة التي توضع على موائد العوائل المسلمة عبر وسائل التلفزة والفضائيات ، ومن أخطرها عروض الأزياء، فقد نجح باستخدامها أعداء الإسلام في تجريد الكثير من المسلمين من شخصيتهم الإسلامية نجاحاً كبيراً، ولذا فقد اهتموا بها ورصدوا لأجلها الأموال الطائلة، وبذلوا الجهود الكبيرة، حتى أصبح لها مدارس ومنظِّرون ومخطّطون ومصممّون ومتعهّدون ومتاجرون... بل وأصبح لعارضات الأزياء معاهد تعلِّم فن العرض, وطريقة المشي والوقوف والانطلاق والاستدارة, بل وحتى التأمُّل, والنَّظرة ... وما شاكل ذلك من حركات يرونها ضرورية لأجل الإثارة والإغراء، علاوةً على جسد العارضة الذي ينتخبونه بدقة وعناية فائقتين.. ولأجل إضفاء صفة التميز عليها ولجذب المزيد من الاهتمام إليها من جهة ولتواكب التغيرات التي تنعكس على الأزياء من جهة أخرى فقد باتت لها مواسم خاصة تنطلق بها وسط ترقب وتلهف شديدين من قبل زبائنها ومنتظريها, وكأنها حدث عالمي, بل أمست ــ للأسف ــ كذلك بحيث تتناقل أخبارها وسائل الإعلام والتلفزة في الدول الإسلامية فضلاً عن العالمية منها, نشراً للفساد وإمعاناً للإفساد وترويجاً عن بضائعهم وتحقيقاً لأرباح شركاتهم، كل ذلك تحت شعار الحضارة والتطور! وللأسف الشديد فقد وجد أعداء الإسلام ضالتهم في الكثير من المسلمين الذين أصبحوا سوقاً رائجة تستهلك الأفكار المستوردة فضلاً عن البضائع، حيث أثرت تلك الأفكار المعادية للدين في بعض المسلمين تأثيراً كبيراً بعد أن تسربت إلى أدمغتهم الخاوية من الثقافة الدينية، وترسخت في نفوسهم العطشى إلى الشعور بالتقدير والحرية، عبر كلمات منمَّقة ودعاوى برَّاقة وعناوين جذَّابة من قبيل: الدعوة إلى التحرر من الستر والحجاب، وضرورة إبراز الجانب الأنثوي للمرأة لتسحر كل من حولها وتخطف قلوبهم قبل أبصارهم، وأن أناقة المرأة تكمن في إظهار مفاتنها، وجمالها في الأزياء التي ترتديها، وصب كل تلك الدعاوى في قالب مادي جذَّاب يتمثل في عروض الأزياء، كما تمكنت في الوقت نفسه من جذب الطائش من الرجال لاسيما فئة الشباب منهم لتلبيتها لنداء غريزتهم الحيوانية وإشباع نفوسهم الشهوانية عبر تمكينهم من افتراس أجساد النساء بنظراتهم الكاسرة، وإشباع جوعهم الشهوي بما تهيأ لهم من مفاتن سافرة. وقد ترتب على ذلك نتائج خطيرة أبرزها التشوّه الفكري الذي أُحدِثَ في ذهن بعض النساء حيث أصبحن يرين أن متابعة الأزياء ومواكبة الموضة عنوانُ الحضارة ورمز التقدم والرقي، وبذلك هان عليهن خلع ثوب الحياء والفضيلة، والإدمان على محال المكياج وتصفيف الشعر، والهوس في اقتناء الكثير من الأزياء الكاشفة للمحاسن الواصفة لما في الأجسام من مفاتن، بل وحتى ولوج عالم عمليات التجميل وبكثرة كما نلمسه اليوم، وكأنهن في سوق نخاسة يتبارين في إثارة الأجانب ويبدعن في إغراء الغرباء من أجل الفوز بمن يبتاع ما يعرضنْه بكلمة ودٍ ورغبة أو حتى ولو بالفوز بنظرة إعجاب!! وقد أخبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بتحلل بعض نساء آخر الزمان وكشفهن الفاحش لمفاتنهن إذ روي عنه أنه قال:" صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"(1) وقد أبدع الشاعر في وصفهن إذ قال: فتاة اليوم ضيعت الصوابا *** والقت عن مفاتنها الحجابا ولم تأب حياء من رقيب *** ولم تخش من الله الحسابا كخائضة ببحر سرمدي *** عن الساقين شمرت الثيابا اذا سارت يلاحقها كلام *** وان جلست ترى العجب العجابا مفاتنك كنوز فاحفظيها *** وهذا الكنز حاشا ان يعابا فانت ان كشفتيها اهينت *** وعز الكنز ان يبقى مهابا وقد ترتب على هذا النمط من التفكير أن تعيش هؤلاء النسوة على هامش الحياة، حاكماتٍ على ذكائهن ومواهبهن بالإعدام، فعوضاً عن التفكير في توسيع آفاق فكرهن بالعلم والمعرفة يلجأن إلى تضييق ثيابهن وتقصيرها!! وبدلاً من أن يبحثن عّما يمرّن أذهانهن ويزيد من توقده، يبادرن إلى تمرين أيديهن على تلوين الخدود ورسم الحدود، وتمرين أجسادهن على المِشيةِ المثيرة، والنظرة المغرية، لا يفكرن إلا في تجميل الجسد وتحسين الظاهر، غير آبهاتٍ إلى تعطيل الفكر والعقل وتقبيح الباطن!! وقد تظن المثقفة من بينهن أن تبرجها شيء ظاهري لا يمس عقلها رغم إمعانها في التجميل وإسرافها في التصنيع. وهي في هذا جدُّ مخطئة، إذ إن كل عمل يقوم به الإنسان لابدّ وأن تترتب عليه آثار فكرية وروحية ولو على المدى البعيد لتعيد بالتالي صياغتها، فمن لم يُسلِّم مقاليد الحكم والقيادة إلى العقل في سلوكه، تحكّم سلوكه في عقله وقاده إلى الهاوية.. ثم إن مجرد عرض المرأة لمحاسنها ولسان حالها: تفضلوا بالنظر.. فأنا أتمتع بالكثير من المفاتن.. هو في حدِّ ذاته إذلال لكرامتها وامتهان لإنسانيتها؛ لأنها تستدل بذلك على شعورها بالنقص وعدم قناعتها بأن فكرها وشخصيتها الإنسانية كافيان للتعبير عن ذاتها و إثبات جدارتها، فتتوسل بالجسد بما فيه من مفاتن وبما عليه من أزياء وبما يعلوه من أصباغ، للتعبير عن ذلك... وعلى الرغم من أن تجريد المؤمن من هويته الدينية وإفساده هدف هام يسعى الأعداء إلى تحقيقه من خلال عروض الأزياء غير أنه ليس بالهدف الوحيد فإلى جانبه يسعون إلى تحقيق الربح المادي لمعاملهم والحياة المرفهة لهم ولشركائهم؛ وذلك لأن المرأة الأنيقة بحسب مقاييسهم يجب أن تملك ثياباً كثيرة ومتنوعة فترتدي البعض صباحاً والأخرى في حفلات المساء، وسواهما في اللقاءات الرسمية، وهكذا... ثم ان لكل زي من هذه الأزياء ما يناسبه من حقيبة وعقد وسوار وحذاء بل وحتى عطر! وكل ذلك يُحمِّل المرأة ضريبةً فادحةً عليها أن تدفعها ثمناً لقناعتها بالأفكار المستوردة والرؤى المعلبة الممهورة بمهر الماركات العالمية المشهورة!! وهكذا نجح أعداء الاسلام باحتواء الكثير من المسلمين والمسلمات عبر توفير ما تصبو إليه نفوسهم بعد غسل أدمغتهم بالرؤى التي يريدون والفكر الذي يرغبون. ولأن الاحتواء غالباً ما يولد في النفوس الولاء، لذا نجد المنبهرين بالحضارة المادية من الرجال والنساء، قد سلّموا لكل ما يرتئيه ويقول به الأعداء، بل وأخذوا يرددون دعاواهم الخبيثة ترديد الببغاء. مستهزئين بمن ثبت على هويته من المسلمين، ساخرين بمبادئه وقيمه وما يحمله من فكر ويعتقد به من دين.. في حين أن الإسلام لم يقيد المرأة المسلمة بأي قيد ولم يفرض عليها الحجاب إلا لحجب حقيقتها الأنثوية التي ما إن تبرز إلى المجتمع حتى تنشر فيه الفساد لأنها تثير شهوات بعض الرجال وغرائزهم وتدفعهم إلى التعامل وفقاً لذكوريتهم، بخلاف حجب أنوثة المرأة الذي يرقى بالمجتمع لأن الهدف منه الحفاظ على التعامل الانساني والخلقي، والارتقاء بالجانب الفكري والمعرفي لكل من الرجل والمرأة على حد سواء.. ولذا فإن للزي الإسلامي بالنسبة للمرأة مواصفات دقيقة لتحقيق تلك الغاية، فينبغي أن لا يصف ولا يشف ولا يلفت النظر، ومن الملاحظ أن كل ما تعرضه دور الأزياء مخالفٌ لذلك تماماً لأجل جذب بعض المسلمات إلى ما يخالف شريعتهن، بل وحتى من ثبتت على حجابها فإنها لم تسلم من ذلك حيث ظهرت فعلاً أزياء إسلامية معاصرة لاجتذاب الفتيات المحجبات وترغيبهن فيها، وفي الحقيقة ما هي إلا عبارة عن أزياء ضيقة بألوان صارخة تنأى كثيراً عما يُشترط في الزي الإسلامي. ولحضراتكم الحكم: أي من الشريعتين تحقق الكرامة للرجل والمرأة وتضمن لهما الحرية التي لا تتجاوز على حرية الآخرين وترقى بالمجتمعات.. تقول عارضة الأزياء الفرنسية فابيان في مقابلة مع جريدة (المسلمون) بعد إسلامها وفرارها من جحيم بيوت الأزياء اللعينة : "كان الطريق أمامي سهلاً أو هكذا بدا لي فسرعان ما ذقت طعم الشهرة وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم بها ولكن الثمن كان غالياً ، فقد كان شرط النجاح والتألق أن أفقد حساسيتي وشعوري وأتخلى عن حيائي الذي تربيت بداخله، وأفقد ذكائي ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي وإيقاعات الموسيقى... إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم مهمته العبث بالقلوب والعقول. فكنت جماداً يتحرك ويبتسم، ولكنه لا يشعر، فكلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها، زاد قدرها في هذا العالم القاسي البارد. أما إذا خالفت أياً من تعاليم دور الأزياء فإنها تعرض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي والجسمي معاً، وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل ولا حياء. ولم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي بينما كنت أشعر باحتقار الناظرين لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه فقط"(2) وبعد إن اتضحت الآثار الخطيرة التي تترتب على عروض الأزياء لابد من بذل كل الجهود الممكنة في سبيل منعها في الدول الإسلامية لاسيما المدن المقدسة منها، وعدم التهاون في ذلك، كما ينبغي توعية المؤمنين والمؤمنات والتشديد على أن وقاية أبنائهم من الفساد إنما هي مسؤوليتهم الأولى، فيجب أن لا يقصروا فيها، وأولى خطوات الوقاية تكمن في بنائهم بناءً عقدياً فقهياً خلقياً متيناً، وغرس القدوات الصالحة في أذهانهم منذ الصغر والتأكيد على ذلك باستمرار لكي يزدادوا تأسياً بها وحباً لها كلما كبروا وبذلك لن يكونوا بحاجة الى الاقتداء بالمغنين والمغنيات أو ما شابه ذلك. كما ينبغي غرس الثقة في أنفسهم منذ الصغر خصوصاً الفتيات وقايةً لهم من الشعور بالنقص الذي غالباً ما يُكمله الأبناء في مرحلة المراهقة بالأسلوب الخاطئ، كما إنه من أهم العوامل التي تدفع الفتاة الى التبرج والتزين للأجانب لتثبت لهم ولنفسها أن لا نقص فيها. كما تعد حذف الفضائيات اللا أخلاقية خطوة جيدة في هذا المجال، ولا ننسى تقنين استخدامهم للشبكة العنكبوتية من خلال توعيتهم أولاً بالمضار المترتبة على مشاهدة المواد اللا أخلاقية من النواحي الدينية والخلقية والصحية بشقيها الجسدية والنفسية، وحجب بعض المواقع والرقابة المستمرة عن بعد.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ميزان الحكمة ج2 ص178 (2) من عالم الشهرة إلى رحاب الإيمان ص12- 13 نقلا عن دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة ص165 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
1647

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70355

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51450

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41480

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36045

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32837

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32258