بقلم: أم محمد السوداني أبتاه.. يا رسول الله.. كُلّما دعوتَهم لتغفرَ لهم جعلوا أصابعَهم في آذانِهم، واستغشوا ثيابَهم وأصرّوا واستكبروا استكبارًا، أبتاه.. يا من بكتْه ملائكة السماء كفى.. كفى.. كفى بكاءً.. توقفي.. توقفي عن ذكرِ مُحمّدٍ امنعوها من البكاء إنّ بُكاءَ فاطمةَ سيذهبُ بطريقتِكم المُثلى! وأنينُها سيهزُّ عرشَ سقيفةَ العِداءِ يا علي.. لا طاقةَ لنا اليومَ بفاطمةَ ونحيبِها! فأمّا أنْ تبكيَ نهارًا لننامَ ليلًا، أو تبكي ليلًا لينام ضميرنا نهارًا! عجبًا.. عجبًا.. يا أمّةَ السوء، هل صارَ الأسى والأنين على سيّدِ المُرسلين يقض مضاجعَكم، ويُسهِّدُ ليلكم؟! وما مُحمّدٌ إلا رسولٌ قد خَلَتْ من قبلِه الرُسُل أفإنْ ماتَ أو قُتِلَ انقلبتُم على الزهراء.. فأحرقتُم بابَها وكسرتُم ضلعَها وأسقطتُم جنينَها وغصبتُم إرثها! وأخرجتموها من بيتِها، موضعِ الرسالة ومهبطِ الوحي، ومُختلفِ الملائكة إلى بيتِ الأحزان وإلى الآن.. إلى الآن بيتُ الأحزانِ يسمعُ صدى أنينِها بين الجدران، لأندبنّك صباحًا ومساءً ولأبكينك بدلَ الدموعِ دمًا..
اخرىبقلم: إيمان إبراهيم ارتبطتْ قضيةُ عاشوراء ارتباطًا وثيقًا بالقرآنِ الكريم؛ إذ كان هو مرتكزُها واللُبنةُ الأساسُ في بنائها واستمرارها، وكانت خالدةً بخلوده؛ لأنّها تحملُ ترجمانَ مفاهيمهِ ونُظُمه وثقافته، ومن هذه الثقافة: أنّها تميّزت بإطلاقِها واتساعِ آفاقِ أفكارها وقيمها، إذ أنّها تُمثِّلُ منظومةً إنسانيةً مُتكامِلةً، فليستْ هي بالهيكلِ التاريخي أو الثقافة الشعبية تُمارِسُ طقسنتِها أو شعيرتِها لفترة زمكانية فقط.. بل هي تُحاكي الشعورَ الإنساني وما يُريده هذا الإنسانُ من حياةٍ كريمةٍ حُرّة، فهي تُدَغدِغُ الوجدانَ البشري، وتُلهمُه القيمَ الفاضلةَ، وتصنعُ له الواقعَ الحَسنَ وتمثّلُ له الحقيقةُ الصّافيةُ فهي مرآةُ العقيدة ورايةُ الأحرار.. ومن هذا المُنطلقِ وما تُمثِّله هذه الملحمةُ من مضامينَ ساميةٍ سامقةٍ، عميقةٍ وجوهريةٍ فذّة توجبُ فتحَ نوافذِ الخطاب أمامَها وعدم حصرها فئويًا أو مذهبيًا أو قوميًا، فهو لا يتناسبُ وحجمُها المُطلقُ العابرُ لحدودِ الجغرافيا وحواجزِ الأزمنة.. فعاشوراءُ قامتْ من أجلِ العدلِ الاجتماعي وهو مطلبُ الإنسانِ بنوعِه لا بتسمياتِه العرقية أو الجنسية، وتأطيرُ هذا المطلبِ على مُجتمعٍ دونَ آخر، هو ظلمٌ للإمامِ الحُسين (عليه السلام) كونه إمامَ الناسِ جميعًا. وأنا ما اخترتُ هذا العنوان الحداثوي إلّا من أجلِ نفضِ غُبارِ الاعتيادِ على نمطيةٍ واحدةٍ تقفُ عائقًا أمامَ هذه الثورة وتؤذيها وتظلمُ البشرَ المُتعطشين لنماذجَ ثوريةٍ وقادةٍ منهجيين يسيرون على مبدأ خطتْهُ يدُ السماء. وكما ذكرنا آنفًا بأنَّ عاشوراء ارتبطت منهجيًا بثقافةِ القرآنِ الكريم؛ فإنّنا نجِدُ القرآنَ يُحدِّثُنا عن عصرنةِ الخطابِ وتحديدِ هويةِ المُخاطب ومُراعاة ثقافتِه وبيئتِه بقوله (تعالى): "وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلّا بِلسَانِ قَومِهِ لِيُبَينَ لَهُم"، فلا يُمكِنُ التحدُّثُ مع الإنسانِ الغربي بنفسِ نمطيةِ الحديث مع الإنسانِ المُسلمِ فهُنا نجِدُ اختلافًا بصياغةِ اللفظِ فمثلًا قولنا: إنَّ الحُسينَ قامَ ضدَّ يزيد؛ لأَنَّه شاربٌ للخمر، فهنا سيُشكِلُ علينا المُتلقي الّذي لَا يجدُ حرجًا من هذا الفعل! فلا يشعرُ هُنا بأيّ رابطٍ بينه وبين موضوعِ عاشوراء رغم أنّها تُمثِّلُ حقيقةَ الشعورِ الإنساني على اختلافِ مذاهبِه ومشاربه.. ولكن إنْ قُلنا: إنَّ الإمامَ الحُسين (عليه السلام) حاربَ يزيدَ؛ لأنّه كان يُصادرُ الحُريات ويُخالفُ الدستور المُتمثل آنذاك بالقرآن الكريم والسُّنة النّبوية الشّريفة، فهنا سيكونُ التفاعُل موجودًا وسيتخذ هذا المُتلقي من الإمامِ الحُسين (عليه السلام) نموذجًا في مُحاربةِ الطُغيان والظُلم السُلطوي وغيره. وهُنا لابُدَّ من إعادةِ النظرِ في صيغةِ الخطاب الكلاسيكي -التقليدي- الذي يروي الحادثةَ كما هي ثابتة غير مواكبةٍ لمُتغيرات العصر الذي يطرأُ على الأزمنةِ المُتواليةِ ووضعها في قوالبَ حديثةٍ تتماهى ومُتطلباتِ الزمانِ لكي نتمكّن من إيصالِ رسالةِ الإمامِ إلى كُلِّ الإنسانيةِ كونها تُمثِّلُ فطرةَ الإنسانِ السليمةَ ووجدانه الحي وضميره المُتوقِّد، مع الحفاظ على مضمونها الأساسي من دون تحريف وتغيير. أما إذا بقينا مُتقوقعين في عُلبةِ الخطابِ النمطي وعلى وتيرةٍ واحدةٍ من دونِ فسحِ المجالِ أمامَ التجديدِ والتفكيكِ والقراءةِ الجديدةِ، والأخذ بعينِ الاعتبارِ تغيُّر المُصطلحات الزمانية فإنّنا سنُحجِّمُ هذه القضية ونُظهرُها بمظهرِ القضيةِ الفئويةِ الخاصَّة وهذا ضربٌ لها وقتلٌ لفاعليتها وإمكانيتها على التمدُّدِ والتوسُّعِ والانتشار.. وأنا هُنا لا أدعو إلى تركِ أصالةِ القضيةِ والتوجُّهِ نحو التجديدِ حصرًا، وإنَّما الجمع بين الاثنتين كون الحُسينِ (عليه السلام) عَبرةً وعِبرةً، وربما هذه إحدى تطبيقات النُمرُقة الوسطى كما جاءَ في أحاديثِ أهل البيت (عليهم السلام). فليسَ التجديدُ قتلًا لروحِ النَّصِ بل صبغُه بصبغةٍ عصريةٍ تتلاءمُ وتتواءمُ وحجمُ القضيةِ ومضامينها الواسعة.
اخرىبقلم: الكاتبة نعمت عباس أبو زيد غريبةٌ هي قصةُ الحُسين (عليه السلام)، فهو ليس فقط النورَ الخامسَ من أصحاب الكساء، ولم يكنْ اسمُه فقط من الأسماءِ المكتوبة على ساقِ العرش، ولم يكنْ نورًا من عالمِ الأنوار، ولم يكنْ ممّن دعَتْ باسمِه الأنبياءُ فقط، بل كانَ ممّن حفظَ رسالةَ السماء وأكملَ تبليغها، فقد تجلّى فيه خلُقُ النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وأدبُ علي (عليه السلام)، وجلالُ فاطمة (عليها السلام). ثورةُ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) نموذجٌ من الثوراتِ الفريدةِ في تاريخ البشرية، في أهدافِها، ومبادئها، ونتائجِها، وقادتِها، وشهدائها...؛ ولهذا فقد أرست دماء الإمامِ الحُسين (عليه السلام) وأهلِه وأصحابِه في يومِ عاشوراء مبادئ مواجهةِ الظلم والظالمين لكُلِّ الأمم والأجيال مهما غلَتِ التضحيات، وقلَّ العددُ والعُدّة والعتاد، وهذا ما جعلَ: كُلَّ يومٍ عاشوراء وكُلَّ أرضٍ كربلاء. وإنّ الإصلاح الذي أعلنَه الإمامُ الحُسين (عليه السلام)، وعدَّهُ شعارًا وهدفًا له وافتداه بدمِه الزكيّ، يعني حفظَ الدين، واستمرارَ نهجِ النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وقد أشارَ إليه (عليه السلام) في سياقِ وصيّتِه لأخيه مُحمّدٍ بن الحنفيّة، بقوله: "... وإنّي لم أخرجْ أشِرًا ولا بطِرًا ولا مُفسِدًا ولا ظالمًا، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في اُمّةِ جدّي، أريدُ أنْ آمرَ بالمعروف وأنهى عن المُنكر وأسيرُ بسيرةِ جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبولِ الحقِّ فاللهُ أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبِرُ حتّى يقضيَ اللهُ بيني وبين القومِ وهو خيرُ الحاكمين" فإنّ الإصلاحَ المقصودَ هو الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر في كُلِّ جوانبِ الدين والحياة، وقد تحقّقَ ذلك من خلالِ النهضةِ العظيمةِ التي قامَ بها (عليه السلام) فكانتِ الهِدايةُ لهم دينيًّا ومعنويًّا وإنسانيًّا وأُخرويًّا بشهادته وبركات دمِه الطاهر. لذلك عُدَّت واقعةُ عاشوراء -مُنذُ عِدّةِ قرونٍ مضتْ- رمزًا ليومِ صراعِ الحقِّ والباطل، ورمزًا ليومِ الفداءِ والتضحية في سبيلِ الدين، ففي هذا اليوم واجهَ الإمامُ الحُسينُ بن علي (عليهما السلام) -بفئةٍ قليلةٍ ولكنّها مؤمنةٌ وصابرةٌ وتتحلّى بالعزّةِ والصلابةِ والعظمةِ- جيشَ حكومةِ يزيد على كَثرةِ عدده وكمالِ عُدّته، ولكنّه كان مُجردًا من الدينِ والرأفة، وجعلَ من كربلاءَ ساحةً للبطولةِ والحُريةِ.. ومعَ أنَّ يومَ عاشوراءَ كان يومًا واحدًا من الصراع، إلاّ أنّ نطاقَ تأثيرِه امتدَّ إلى الأبد، ودخلَ في أعماقِ الضمائرِ والقلوبِ حتّى صارتِ العشرةُ الأولى من مُحرّم وخاصةً اليوم العاشر منه فرصةً تبرزُ فيها ذروةُ المحبةِ والولاءِ لعَلَمِ الحرية، وأسوةِ الجهاد والشهادة الحُسين بن علي (عليهما السلام)، حتى أنَّ غيرَ الشيعةِ يُبجِّلون سموَ أرواحِ أولئك الرجالِ العِظام. من البديهي أنَّ الحُسين بن علي (عليهما السلام) لو كان بقيَ في المدينةِ وبلّغَ الأحكامَ الإلهية ومعارفَ أهلِ البيت (عليهم السلام) لتربّتْ جماعةٌ على يديه؛ لكنّه عندما اتجهَ إلى العراقِ لأجلِ القيامِ بواجبه، فإنّه حُرِمَ من كُلِّ هذه الأعمال؛ من تبليغ الأحكامِ الإلهية للأُمّة وبيانِ معارفِ أهلِ البيت (عليه السلام) وتعليمِ وتربيةِ المُسلمين، وما كان بإمكانهِ أنْ يُعلّمَ الناسَ الصلاةَ، وأنْ ينقلَ إليهم أحاديثَ الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبذا تعطّلت حوزتُه العلميةُ ونشرُه للمعارف، وحُرِمَ من تقديم العونِ للأيتام والمساكين والفقراء في المدينة. وقد كان (عليه السلام) يقومُ بكُلِّ واحدةٍ من هذه الأمور قبل تحرُّكِهِ باتجاه العراق؛ ولكنّه جعلها جميعًا فداءً للوظيفةِ الأكثر أهميةً، وحتى أنّه ضحّى بحجِ بيتِ اللهِ في سبيلِ التكليف الأعلى... وكان هذا في وقتٍ شرَعَتْ فيه الناسُ بالوفودِ إلى بيتِ الله الحرام، فماذا كان ذلك التكليف؟ لقد كان - كما عبّرَ هو (عليه السلام) - مواجهةَ الجهازِ الحاكم الذي هو منشأُ الفساد: «أُريدُ أنْ آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المُنكر وأسيرَ بسيرةِ جدّي». أو كما قال في خُطبةٍ أُخرى وهو في طريقه: «أيُّها الناسُ إنّ رسولَ الله قال: من رأى سُلطانًا جائرًا مُستحلًا لحُرمِ اللهِ ناكثًا لعهدِ الله فلم يُغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقًا على اللهِ أنْ يُدخلَه مدخله" فغريبٌ أمرُ ذاك الإمامِ (عليه السلام) الذي وقفَ في صحراء نينوى في يومِ عاشوراء وحيدًا بعدَ أنْ قُتِل أهلُ بيته وأصحابُه ونادى في صحراء كربلاء: "ألا من ناصرٍ ينصرني" والناسُ حولَه لا يسمعون، لكنّ نداءَه (عليه السلام) اخترق دائرةَ الزمانِ والمكان فكان نداؤه كنداءِ جدِّه إبراهيم (عليه السلام) حينما وقفَ على صخرةِ الكعبة وأذّن في الناس بالحج، كان إبراهيمُ وحيدًا إلا أنّ نداءه الإلهي وصلَ إلى قلوبِ الملايين من الناس، فترى الملايين يذهبون إلى بيتِ الله الحرام لتُلبّي نداءه، وكذا الحُسين (عليه السلام) كان وحيدًا في ندائه ليدخلَ في قلوبِ المؤمنين فيولِّدَ فيها حرارةً لا تنطفئ أبدًا، وفي كُلِّ عامٍ تتهافتُ الملايين إلى بيته لتُحيي ذكرى عاشوراء. درسُ الحُسين بن علي (عليهما السلام) درسٌ خالدٌ، لا ينبغي نسيانه؛ ينبغي فهمُه بشكلٍ جيّد؛ ينبغي خلال الحديث [عن عاشوراء] وقراءةِ مجالسِ العزاء وذكرِ المصائب تفهيمُ نقطةِ الفداء وتضحيةُ الإنسان من أجلِ دينِ اللهِ وفي سبيلِ الله تعالى، حتى لا يخرجَ هذا الدرسُ من أذهانِنا أبدًا في كُلِّ زمانٍ وحين. فالسلامُ على الحُسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحُسين، وعلى أصحابِ الحُسين (عليهم السلام سلامًا مُتّصلًا ما اتّصلَ الليلُ والنهار).. وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.. _________________________ 1- موسوعة عاشوراء /المؤلف حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جواد محدثي 2-وليال عشر من وحي عاشوراء/المؤلف الشيخ أكرم بركات/بيت السراج
اخرىبقلم: أم حوراء النداف يا من تُقيمون العزاء على حُبِّ الحُسين (عليه السلام) يا من تلطمون الوجه والصدر على حُبِّ الحسين (عليه السلام) يا من تزحفونَ سيرًا نحو سيّدِ الشهداء (عليه السلام) اجعلوا الحُسين (عليه السلام) سبيلًا للتوبة.. امزجوا دموعَ العزاءِ بدموعِ الندم.. اقتفوا آثارَ الحُرِّ وتحرّروا من قيدِ النفسِ والهوى والشيطان والدنيا الدنيّة.. تغيّروا على حُبِّ الحسين (عليه السلام) فلا يغيّرُ اللهُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسِهم..
اخرى(إِنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أنفُسهُم وَاموَالهُم بِانَّ لهُمُ الجَنَّةَ) يحكمُ كلٌّ من الشرعِ والقانونِ والعرفِ: بعدمِ جواز التصرف في الأشياء بعد بيعها. هذا في المعاملات الافتراضية التي يتمُّ التعاملُ بها بين الناس، فكيف إذا كانَ المُشتري هو مالكُ المُلكِ الحقيقي وخالقه؟! فالنفسُ ليست ملكًا لصاحبها ليعبثَ فيها بما يحلو له، ويتخلص منها متى ما سأم الحياة.
اخرىبقلم: أم حوراء النداف - في عام ١٩١٧ انتهت حقبة الهيمنة العثمانية وبدأ عهد الاستعمار البريطاني. رغم تأكيدهم وفي أكثر من مناسبة بأنهم لم يأتوا قاهرين بل جاؤوا محررين، إلّا أنّ الأيام قد كشفت زيف ادعاءاتهم وكذب أقولهم، خاصة بعد كشف بنود معاهدة سايكس بيكو، القاضية بتقسيم العراق والشام إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، والاستفتاء الملفق الذي قام به الحاكم العسكري البريطاني في محاولة لتنصيب ملك بريطاني على العراق، ومن ثم إقرار الانتداب البريطاني في مؤتمر سان ريمون أضف إلى ذلك استهتارهم بتقاليد وأعراف هذا الشعب العريق الأمر الذي أثار حفيظة أبناء العشائر وعلماء الدين في النجف وكربلاء والكاظمية، فبدأت التحركات السرية والعلنية من أجل كشف زيف هذه الادعاءات وضمان استقلال وحرية البلد من هيمنة قوة متغطرسة جديدة. - انطلقت الشرارة الأولى للثورة من فتوى المرجع الديني الشيخ محمد تقي الشيرازي (قدس سره) عندما حرم على المسلم انتخاب غير المسلم لحكم البلاد "ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب أو يختار غير المسلم للأمارة والسلطنة على المسلمين" وقد وقع على هذه الفتوى سبعة عشر رجلًا من علماء ووجهاء كربلاء. وقد توالت بعد ذلك عدد كبير من الفتاوى التي تكشف عن حرص ومتابعة المرجعية لشؤون البلاد والعباد مما هو خارج إطار التدريس والافتاء في شؤون الناس العامة، مثل فتواه المتعلقة بإطلاق صراح المعتقلين من العلماء ووجهاء وادباء العراق من الوطنيين المجاهدين "بسم الله الرحمن الرحيم، مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالبهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الانكليز عن قبول مطالبهم" وفتوى دعمه لثورة الرميثة "أنقذوا الغريق، أو نغرق معه" ولم تكن هكذا فتاوى لتصدر لو لم يكن هنالك شعب ملتف حول مرجعيته متابع لتوجيهاتها وملتزم بها، مما يعكس عمق الوعي الديني والوطني الذي انبثق عنه تشكيل عدد من الجمعيات الوطنية ونذكر منها: - الجمعية الوطنية الإسلامية في كربلاء برئاسة الشيخ محمد رضا الشيرازي النجل الأكبر للشيخ محمد تقي الشيرازي، والتي لعبت دورًا كبيرًا في تعبئة العشائر العراقية المنتفضة وتوجيهها. وكان في عضويتها: - السيد هبة الدين الشهرستاني - عبد الوهاب آل طعمة - سيد حسين القزويني - محمد حسن أبو المحاسن - جمعية النهضة الإسلامية في النجف - جمعية حرس الاستقلال في بغداد برئاسة السيد محمد الصدر وعضوية الشيخ يوسف السويدي والشيخ محمد باقر الشبيبي وجعفر أبو التمن. - الجمعية الإسلامية في الكاظمية برئاسة السيد ابو القاسم الكاشاني وبتوجيه من شيخ الشريعة الاصفهاني. - وجميعها كانت بتأييد ودعم وتوجيه الشيخ محمد تقي الشيرازي، إذ أنه كان المحور المحرك والمنظم للثورة من خلال ما يصدره من فتاوى وتوجيهات تنظيمية عامة لكافة الثوار، فكانت تطبع وتوزع أو تُنشر عبر وسائل الإعلام المتاحة والتابعة لشخصيات دينية وأدبية مثل مجلة الفرات وجريدة الاستقلال. - ثورة العشرين، ثورة العراق الكبرى، الثورة التي هزت العرش البريطاني، وهي لم تكن مجرد ثورة لعشائر الجنوب انتقامًا لاعتقال شخصية عشائرية معروفة بجهادها ونضالها ضد البريطانيين وهو الشيخ شعلان أبو الجون، بل كان حراكًا شعبيًا منظمًا مهدت له المرجعية الدينية من خلال عدة مخاطبات للحكومة البريطانية من جهة، ولبعض الحكومات الغربية من جهة أُخرى في سبيل الضغط للحصول على حق الشعب العراقي بالاستقلال. وقد اجتهدت المرجعية في سبيل الحفاظ على سلمية وأمن الحراك الشعبي الثوري، لكن غطرسة الحكومة وقسوتها في التعامل مع الشعب، أدى إلى اندلاع المواجهات العسكرية والصدامات المسلحة مثل ثورة الرميثة والرارنجية والرستمية والتي تكبد فيها البريطانيون خسائر كبيرة مما اضطرهم إلى طلب المدد من قواتهم المتواجدة في الهند. - كثيرة هي الأحداث التي حصلت ما بين عامي ١٩١٩و١٩٢٠، السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا غُيّبت هذه الأحداث عن الشارع العراقي؟ ولماذا اختزلت كل أحداث الثورة وتفاصيلها بواقعة الرميثة؟ - تقول (مس بيل) مستشارة الحاكم العسكري البريطاني بيرسي كوكس "لم يكن يدور في خلد أحد ولا حكومة صاحب الجلالة أن يمنح العرب مثل الحرية التي سنمنحهم الآن كنتيجة للثورة". - لقد كشفت الثورة ومن دون قصد عن مركز القوة الناهضة التي يمتلكها العراق والمتمثلة بالمرجعية الدينية وانقياد الشعب طواعية بكافة اطيافه لتوجيهاتها الحكيمة، لأنه خير مصداق لقوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21)). - لم يكن إذعانهم الظاهري لمطالب الثوار سوى الرجوع بضع خطوات إلى الوراء استعدادًا للوثبة القادمة. - لقد بذلت الحكومات الاستعمارية كل طاقاتها في سبيل تشويه صورة المرجعية في اذهان الشعب، وبالتالي فصل الشعب عن قياداته الحقيقية، كما وركزت على الشخصيات العلمية والأدبية الفاعلة في المجتمع وعملت على إقصائها بالحبس أو النفي. وقد كان لتوريد الثقافات الغربية إلى المجتمع العراقي عبر المبتعثين للدراسات، العلمية كالشيوعية والرأسمالية والقومية، أثرها الواضح في تغيير التركيبة الأيديولوجية العراقية، مع حرمان العراق من أي فرصة لإحداث نهضة علمية أو عمرانية تحقق الرفاه والازدهار لهذا الشعب المحروم. - اليوم يواجه العراق ما يواجهه من تحديات وعقبات بفكر اجتماعي مشوه خليط ما بين الشرق والغرب، بسبب غياب القراءة الحقيقية والموضوعية للتاريخ، مما جعلنا نواجه أزمة حقيقية مع جيل الشباب المقطوع تمامًا عن تاريخ آبائه وأجداده، فحرم من فرصة استقاء الخبرة من تجربة الماضين، وعدم تكرار نفس الأخطاء. نحتاج وبشدة إلى نشر الوعي التاريخي ولو من باب اعرف عدوك، بتدوين الأحداث التاريخية التي عاشها العراق في الحقبة الماضية والمعاصرة، وخاصة عبر المناهج التربوية في المدارس والمعاهد والجامعات المختصة، أو الانتاج التلفزيوني والسينمائي، علنا نتمكن من ردم الهوة السحيقة التي تفصل الأجيال بعضها عن الأخر. بعد أن توفي الميرزا الشيرازي وكانت الثورة في أوج عنفوانها، قال شيخ الشريعة الشيخ الأصفهاني: "إن الشيرازي قد انتقل إلى (رحمة الله)، لكن فتواه بقتال المشركين باقية، فجاهدوا واجتهدوا في حفظ وطنكم العزيز وأخذ استقلالكم".
اخرى(قــــوّة) "واعِدّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباطِ الخيل تُرهبون به عدوَّ اللهِ وعدوَّكم" لقد استعدَّ سلفُنا الصالحُ بالتفكيرِ السليم ثم جمعوا أمرَهم مع اتحادِ أيادي الجميع بالقوةِ والثباتِ لنيلِ المطالبِ ووضعوا القلوبَ على الدروعِ لتحقيق الهدفِ المنشودِ فأرهبوا عدوَّ اللهِ .. الذي كان يُريدُ أنْ يعيثَ في الأرض الفساد ويستغلَّ العباد لأطماعه التي كانتْ وما تزال ..
اخرىبقلم: أم محمد السوداني في خِضمِ المعارك الطاحنة، واشتعال النيران اللاهبة، وتكسُّر السيوف الصارمة... تمرُّ السنون العجاف، وتنتهي كلُّ المعارك المدمرة، وتُغمَدُ كلُّ السيوف المسلولة، وتنطفئ نيران الحروب الموقدة... إلا معركة النفس، فهي لا تنتهي أبدًا! منذُ خُلق آدم إلى يوم الدين، أقسم عدونا المبين لأغوينهم أجمعين! إلا عبادك منهم المخلصين هل تخيلتَ؟ تعالَ معي نتخيل.. لا ...لا ... ليس تخيُّلًا، بل هو تأمل! بل هي الحقيقة! نفسكَ ساحةُ معركةٍ بين طرفين: الطرف الأول هو العقل ووزيره الخير وخمسة وسبعون جنديًا، والطرف الثاني الجهل ووزيره الشر وخمسة وسبعون جنديًا. كلُّ جنديٍ من جنودِ الرحمن ضده جندي من جنود الشيطان، فالإيمان ضده الكفر، والشكر ضده الكفران، والتواضع ضده التكبر، والعدل ضده الجور ، والحلم ضده الغضب، والصبر ضده الجزع، والوفاء ضده الغدر، ... وهكذا. كلُّ الفضائلِ تقفُ في ساحةِ نفسك ضدَّ كلِّ الرذائل التي تريد أنْ تسيطر على مملكة النفس، وتجعلها تابعةً خاضعةً للشيطان وأوليائه. والفضائل كرامةٌ تزيّن بها العقل، الذي فُضِّلَ به الإنسان على كلِّ مخلوقات الأرض. المعركةُ في أرضك والخيار لك، فماذا تختار؟ هل تريد أنْ تسمو بنفسك وتجعلها مع المصطفين الأخيار؟ أم تريدُ أنْ تجعلها مع العُصاة الأشرار؟ هل تُلبِسها ثوبَ الفضائل والكرامات وتُخلِّصْها من الرذائل والبلاءات؟ بيدك أنْ تجعلَ عقلك هو الحاكم على مملكتك، وتُرضِخُ كلَّ القوى تحت سيطرته، وتطردُ الشيطانَ وجنده، وتُطهِّرُ روحك لتكون مع الأرواح الملكوتية، وتكون من الذين قال لهم ربهم: يا أيّتُها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضيةً... قال الإمام الصادق (عليه السلام): "اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا".
اخرى