حساب مصرفي

بقلم: نور الزهراء فَرِحت (سلمى) بما وفرته من مرتبها الشهري الذي قد جمعته بحرص شديد، وقررت أن تودعه بحسابها المصرفي، فأخبرت بذلك صديقتها (فاطِمة) لتصحبها الى المصرف، وبينما هما تمضيان، أخذتا تتجاذبان أطراف الحديث... سألت فاطِمةُ سلمى: جميل ما قمتِ به عزيزتي، ولكن وددت أن أسألك، ولا تعتبري ذلك فضولاً مني؟! فأجابت (سلمى): تفضلي ولا تترددي اطلاقًا... فحينها أومأت (فاطِمة) برأسها وهي تقول: هل فكرتِ أن تودعي حساباً مصرفيًا تدخرين به شيئًا ما للآخرة؟ لحياة ما بعد الموت؟ ما تفعلينه اليوم عين الصواب إن عملت على تتويجه بفتح حساب آخر لن تخسري قبله أو بعده أبداً! فذُهِلت حينها (سلمى) وكأنها كانت في غيبوبة الدنيا، فأطرقت برأسها وقالت: اكملي حديثك… فاطمة: خُلقنا في هذه الحياة لنؤدي رسالة، نسقيها بماء ورياحين الإيمان والعبودية، والصدق والإخلاص في دنيانا لخالقنا، ونحاول أن نتصدر المراتب الأولى، ونبقى نسترسل بحياتنا وكأننا في سباق، والكل يحاول الوصول إلى مبتغاه، ولكنْ كلٌ حسب هدفه، ولكن الكثير منا يجهل ماذا ادخر لآخرته كما يحاول أن يدخر لدنياه... وهنا توقفت (فاطِمة) عن المسير وقد رأت سيدة فقيرة جداً... أقبلت عليها وفتحت حقيبتها وأخرجت منها بعض النقود ووضعتها بيد تلك السيدة مع ابتسامة خفيفة، وبينما هي تفعل ذلك وإذا (بسلمى) تُخرج من حقيبتها قسمًا من المبلغ الذي كانت تودّ ادخاره في المصرف والدموع تنساب على وجنتيها... واستمرتا بالمسير بصمتٍ، إلى أن وصلا المصرف، ابتسمت (سلمى) بوجه صديقتها وأثنت عليها بشدة وقالت: أشكر لكِ رِفقتكِ الرائعة صديقتي، لقد قررتُ أن اوفر حسابًا مصرفيًا لآخرتي كما أفعل في دنياي. ابتسمت (فاطِمة) وقالت: لقد وصلتكِ رسالة من السماء فهنيئا لكِ لفطرتكِ السليمة ....

اخرى
منذ 5 سنوات
2245

حجابي نورٌ من ﷲ

بقلم: إشراقة قدسية -السلام عليكم أُماه.. -وعليكم السلام بُنيتي فاطمة. -أمي أريد التحدث معك في أمرٍ ما! -هاتِ ما عندكِ حبيبتي... -في طريقي اليوم إلى المدرسة لفت انتباهي ملبس بعض الفتيات، فمنهن من ترتدي البنطالون، والأخرى التنورة، ومنهن ترتدي الجبة الإسلامية، وأخريات ترتدي العباءة فأي من هذه الألبسة هي أقرب وأحب لله سبحانهُ وتعالى ولأهل البيت (عليهم السلام)؟ -يا حبيبتي.. قبل أن أجيبكِ عن سؤالكِ، ما رأيكِ بأن نتعرف على مفهوم الحجاب والملبس الشرعي الذي يحب اﷲ وأهل بيت النبي (صلوات الله عليهم) أن يرونا فيه؟ -حسناً أمي العزيزة، كُلي أذنٌ صاغية لكِ. - يعرّف الحجاب لغةً بالستر. أمّا اصطلاحاً: فهو كلّ ما احتجب به، والحجاب هو كلّ ما يستر به، ويمنع من الوصول نحو المرغوب، أمّا مفهوم الحجاب في الإسلام فيشتمل على كلّ ما يستر جسد المرأة بالكامل ما خلا قرص الوجه والكفين، سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً، قال: (الوجه والكفان والقدمان) (١) فهو هالةٌ مقدّسة تحيطُ بالأنثى لِتصدّ أنظار الطامِعين... هو حياءٌ، وعفةٌ، وخُلقٌ ونورٌ.. لا يُنقص مِن قيمة المرأة بل يحفظها كلؤلؤ مكنون ويأخذ بيَدها إلى مدارج الكمال.. - الآن علمت ما هو مفهوم الحجاب.. لكن ما الغاية منهُ؟ -الحجاب يا عزيزتي نعمة أنعمها ﷲ علينا نحن النساء، وهذا تشريف لنَّا بكون إسلامنا لا يريد أن ينظر إلينا كلُّ من هبَّ و دبَّ، كما إن الدين الإسلامي يحرص علينا كوننا صانعات الأجيال مستقبلاً. فالمرأة كالجوهرة وإن اختلفت درجات بريقها، تجذب نظرات من حولها، حتى أنهم يكادون يتسابقون على أخذها، فإن التزمت بحجابها الشرعي صانت بريقها عن أعين الناس، صانتهُ لها أولاً ومن ثم لمحارمها وزوجها وبنيها، صانتهُ لمن هم أهل للاستمتاع بلمعان بريقها، كما ذكرت الشهيدة بنت الهدى (رحمها ﷲ) "الحجاب يجعَل المرأة قادِرة على أن تَكون إنسانًا، دونَ أن تحوّل أنوثتها إلى سِلعة" فلا شيء يرفع قدر المرأة غير عفتها والتزامها بحجابها فهو مقدّمة لأمور أسمى، لكنّه بحدّ ذاته مسألة ذات قيمة. لأن حفظ الحجاب يساعد المرأة على الوصول إلى مستويات معنوية عالية، ويصونها من الانزلاق في منزلقات الطريق كما أنهُ يساعد على الوصول إلى الجمال الحقيقي والكمال الأبقى. -وما أفضل الحجاب الشرعي يا أمي؟ - الحجاب الأفضل يا حبيبتي هو حجاب قدوتنا السيدة الزهراء وابنتها الصدّيقة الصغرى (عليهما السلام) وبقية نساء المسلمين منذ عصر النبيّ وأهل بيته الطاهرين وأصحابهم الأخيار كان هو الخمار و العباءة، ويعبَّر عن العباءة بالجلباب في القرآن الكريم لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (٢) كما أن الأخبار المتواترة قد دلت على أن مولاتنا المطهرة فاطمة (فديتها بنفسي) لمَّا خرجت إلى مسجد النبيّ الأطهر يوم التحتجاج على أبي بكر على اغتصابه لأرض فدكٍ تقول هذه الأخبار بأنها "لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمّةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها.." (٣) والتعبير بالجلباب والخمار والذيول دلالات واضحة على الثياب الفضفاضة تحت العباءة ثم الجلباب وهو العباءة. فمن شروط الحجاب أن يكون اللباس واسعاً فضفاضاً: أي غير ضيّق حتّى لا يصف شيئاً من جسمها أو يظهر أماكن الفتنة من الجسم. أن يكون مستوعبا لجميع البدن باستثناء الوجه والكفّين. قال تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾٤ وأن لا يكون الحجاب زينة في نفسه لقوله تعالى ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} وإن لا يترتّب على اللباس بعض العناوين الفاسدة كالتشبّه بالكفار، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام: "أوحى الله إلى نبيّ من الأنّبياء أن قل لقومك: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي" (٥) -الحمد لله رب العالمين علىٰ هذه النعمة يا أمي، ليت جميع النساء يدركن هذه النعمة. اللهم أنعم علىٰ نسائنا بالحياءِ والعفَّة وأهديهن صراط فاطمة الزهراء - عليها السلام -. _________________ ١- الكافي ٢- سورة الأحزاب إية٥٩ ٣- الخطبة الفدكية ٤- سورة النور إية ٣١ ٥- وسائل الشيعة

اخرى
منذ 5 سنوات
3007

دورة عروج

نمْ، أيها المثقل بالدنيا في الدنيا ولكن؛ لا تنس َ أن تخرج من الدنيا وأنت َ مُلقٍ بجسدك ِ على فراشكَ.. مُعلق قلبك َ بعالم الملك والملكوت... و يدك متشبثة بمسبحةٍ هي حبلٌ بينك وبين بارئكَ .. اخترق كواكب صغيرة.. أربع ٌ وثلاثون منها تسري بتكبير... وثلاث وثلاثون منها تسري بتحميد... ومثلها بتسبيح... وأنتَ بتلك الدورة الفلكية مع خالقك... تكون قد أوشكت على اغلاق عينيك... عن عالم الدنيا وسرعانَ ما تلجُ عوالم... هي أقرب للملكوت من الملك... هناك... تحديداً... سترى حقائق ووثائق... احفظها جيداً... لأنها ستتسامى لتتصاعد إلى السماء وتلتحق بِسُحُبِها مرةَ اخرى... ما إن تستفق من غفوة السحر تلك... لتعاود العروج مرة َ أخرى بصلاة فجرٍ... تفجّر فيك كلّ ما تصخّر في قلبك ليلة أمس.. من ثقل الدنيا. كاردينيا ياس

اخرى
منذ 5 سنوات
639

الطاقة الكامنة Potential energy

بقلم: كاظم أمين الحمداني "مقدمة" إنّ ما نقصده من الطاقة في بحثنا هذا هو ليست الطاقة الحرارية أو الكهربائية أو تحولاتها الكيميائية أو الفيزيائية بل المقصود هو الطاقة الكونية ، إذ إن هذه الطاقة بحسب المفاهيم الفلسفية ، والعقائد الشرقية هي سبب الوجود ، وهي القوى العظمى التي هي عند معتقديها من أصحاب ديانات الشرق ، متولدة ومنبثقة عن "الكلي الواحد" ، ولها نفس قوته وتأثيره . أما عند أصحاب الديانات السماوية فيفسرونها بما يظهر عدم تعارضه مع عقيدتهم في الإله ! وسنفصل تلك الطاقة بنبذة عنها فضلا عن تقسيماتها و طريقة التعامل بها واستغلالها لما يخدم ويعالج مشاكل الإنسان، وكيفية التصرف مع نفسه و مع الاخرين . أولا: الطاقة الكونية: توجد عدة طاقات في هذا الخلق الواسع وهذه الطاقات متنوعة بحسب المادة الأساسية وبحسب ما تصدره من فوائد وأضرار ، وعمومًا فإنّ جميع الطاقات مختلفة ولا تشترك مع بعضها في جوهرها، نعم، أن بعضها تنتج طاقات أخرى وهذا لا خلاف فيه ؛لأننا نعلم أنّ بعض الطاقات الفزيائية والكيميائية تنتج طاقات متولّدة وهذه الأخيرة تعطي طاقة مضاعفة وهكذا ... أما بخصوص الطاقة الكونية فهذه الطاقة عجيبة حيث إنها منتشرة في الكون ولا يمكن لأية وحدة قياس لقياسها . نعم، وُجِدَتْ في العلم المتقدم وحدة قياس ولكنها قيد التجربة، ومازال العلم يبحث عن قياساتها أو تصويرها؛ لكي يتمكن العلماء من النظر إلى مساراتها أو تأثيراتها سواء بالعين المجردة أو بوسائل ووسائط النظر . ثانيا: أقسام الطاقة الكونية: ١-الطاقة الإيجابية: وهي طاقة الخير ، وتتواجد في الحب والسلام والطمأنينة ونحوها، وهي أيضًا طاقة نورانية كالطاقة الموجودة في الكون من أشعة (كاما واكس) وفوق البنفسجية ،فهي طاقة ملك الروح وتستمد توهجها من عالم الله غير المرئي ( الحُجُب )، وتستمد قوتها من أصول الدين والتربية الدينية، وقراءة القرآن. فهذه المصادر تشحن الروح بالنور وتشغل الاعضاء بالحركة البناءة الصحيحة وتبني خلايا الجسم بالحياة والقوة. ٢-الطاقة السلبية: وهي طاقة الشرّ وتتواجد في الكره والخوف والحروب ونحوها. وهذه الطاقة تؤدي بالإنسان إلى الهلاك، شيئًا فشيئًا. ثالثا: أسباب الطاقة السلبية : (الغضب ، الخوف ، ارتكاب المحرمات ، شرود الذهن (الغفلة).) رابعا: طريقة استعمال الطاقة الكامنة: يمكن للإنسان صاحب الطاقة الإيجابية أن يحول كلّ طاقته نحو الخير ؛ لأنّ نفسه لا تضمرُ إلّا الخير، فيكون هدفه هو كيفية إسعاد من حوله، وبالعكس لصاحب الطاقة السلبية. لذلك على الأول أن ينتقي أصدقاءه وجلساءه بحيث لا يؤثرون عليه ؛ لأنّ صديق السوء يمكن أن يغيّره ويحرفه عن طريقه فيصيبه الندم ويقول ((يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي))(الفرقان: 28، 29) وهذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة أيضًا، فقد قال الإمام محمد التقي الجواد (عليه السلام) ((اِيّاك ومصاحبة الشرير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره ويقبح أثره))، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) ((لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذّاب)) وغيرها كثير من الروايات التي تنهى عن مرافقة رفيق السوء... وسنذكر طرقًا أخرى لاستعمال الطاقة. خامسا: علاج الطاقة السلبية : ١-استخدام الطاقة الإيجابية وتقويتها وصدارتها على الطاقات السلبية الكامنة في الإنسان، وذلك بوسيلة التقرب إلى الله تعالى واللجوء إليه؛ لأن هذا العامل يؤدي إلى الخروج من تلك الظلمات إلى النور، قال تعالى : ((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ))(البقرة: من الآية ٢٥٧) ٢- الالتزام بالصلاة وتعقيباتها من تسبيح الزهراء والاستغفار والدعاء. ٣- إعطاء النفس وقتًا ؛ لتنمية الطاقة الإيجابية، وذلك بالالتزام يوميًا بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم ؛ لكي تبقى نفوسنا متوهّجة بالنور، ومن المعلوم أنّ نور الله تعالى هو أحد عوامل تنمية الطاقة الإيجابية وبنائها ، فضلا عن متابعة وقراءة تفاسير السور والآيات. ٤- سماع القرآن بصوتٍ شجيّ : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( لكلّ شيء حِلية وحِليةُ القرآن الصوتُ الحَسَن )) (الكافي/ج٢) ٥- قراءة علم الطاقة ومعرفة خصائص هذا العلم ومؤثراته وطرق التعامل الأخرى في هذه الطاقة وزيادة المعلومات بالاطلاع على الكتب العلمية والثقافية. ٦- استغلال الإنترنيت بالبحث والاطلاع على العلوم الكونية والطاقات البشرية، وتأهيل النفس وبناؤها على العلم والمعرفة ؛ لكي لا ينخدع بالمشعوذين بأساليب الطاقة الكونية من تصرفات همجيّة خدّاعة بما يتعلق بخصوصية الأقمار والنجوم وعَلاقتها بالإنسان، ويربطون ذلك بالطاقة الكامنة ومشروعيتها إزاء الفقه والعلم بحيث يصعب على غير المتعلم بعدم تصديق تلك الأساليب والأوهام الخاطئة.

اخرى
منذ 5 سنوات
6272

قبس من عبق الزهراء (عليها السلام)

بقلم: حوراء مالك تعالوا نقتبس من عَبق الزهراء (سلامُ الله عليها) فنغدوا ذوي خطوات سليمة ومضمونة قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً). (1) إن الإنسان في حركاته وسكناته وتفكيره لا بد أن تكون له غاية أو غايات متعددة في وقت واحد وقد تكون سلبية أو إيجابية. والمتوقع من الإنسان الحصيف أن تكون غايته الكمالاتِ والرقي في كافة نواحي أموره، فكيف بِغايات الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين (سلام الله عليهم) التي منبعها الأصيل وهدفها هو الله سبحانه وتعالى. والغرض من هذه الغاية لا تعود إلى الله (عز وجل) لأنه منزه من الاحتياج بل هي لأجل الارتقاء بعباده، بأن يُزال عنهم حجب الوصول، فيَصلوا إلى مستوى من الكمال ويدركوا حقيقة العبودية وإلى أن يقتبسوا من نوره الأتم فيكونوا من مَحال معرفة الله الذين يَغترفُ منهم الظمآن فيرتوي. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنه قد وَرد في الحديث الشريف أنهُ [من ماتَ ولمْ يَعرف إِمامُ زَمانهِ ماتَ ميتةً جاهلية]. إذن لابد من (حُجة) في كل زمان ليأخذ بيد النّاس إلى سبيل الرشاد. ولأجل تحقيق هذه الغاية تطلّب الكثير من الجهد ليدرك الناس ما يريده الله منهم فنجد أن التَدرج في الأحكام قد فُعّلَ من قبل الله (سبحانه وتعالى) إلى أن يصل بالإنسان إلى الالتزام بحكم معين وبحسب مستوى وقابليات البشر وبتلاؤم الظروف منذُ خلق نبي الله آدم (عليه السلام) وإلى قيام مولانا الحجة (عجل الله فرجه). إذن لتحقيق هذا الغرض السامي لابُدَ أنْ يَمر بمراحل إلى أن يَصل بِأتم وأَبهج صورة، والأنبياء والأوصياء ومن سار على نهجهم عليهم أن يحققوا غايتين: خطة قصير الأمد، وتشمل هداية الناس وتكميل مستوى عقولهم بالتدريج ويبشرون بالأنبياء والأوصياء من بعدهم. وخطة طويلة الأمد وهو التمهيد لدولة العدل الإلهي حين قيام القائم (اروحنا فداه) وهذا واضح وصريح في الآية القرآنية: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (2). وعلى الرغم من الجهد العظيم والجَبار الذي قدمهُ النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) لإخراج الناس من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام إلا أن الإسلام لم يصل إلى جميع البشر، وكان الخلل بالقابل الذي هو الإنسان الذي لم يصل بمستوى من الإِدراك الحقيقي، وعند ظهور الأمام الحجة (عجل الله فرجه) تكتمل مستوى القابليات لإدراك الأحكام والمعارف الإلهية فيتحقق الوعد الإلهي (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وبه سَيملئُ قسطاً وعدلاً كما مًلئت ظُلماً وجوراً . إذا تبين هذا يمكن القول: كان لدى الزهراء عليها السلام غايات عدة تصب في تينك الغايتين السابقتين، وسنقتصر على جانبين منها هما: الجانب الأول: الجانب العقائدي: للأسف يعتقد البعض أن النصرة التي قدمتها مولاتنا فاطمة لأمير المؤمنين (سلام الله عليهما) نابعة من كونه زوجًا لها، والحال أن هناك مفهومًا أرقى وأسمى من ذلك، وهو كونه إمام زمانها، فكانت (سلام الله عليها) أول المدافعين عن ولاية أمير المؤمنين، ولقد قَدمت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن إمام زمانها (سلام الله عليه) وتحقق أيضا جانب من صور التمهيد لدولة مولانا الحجة (أرواحنا فداه). الجانب الثاني: الجانب الأخلاقي: رُوي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام)، قال: رأيتُ أمّي فاطمة (عليها السّلام) قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تَزَل راكعةً ساجدة حتّى اتّضح عمودُ الصُّبح، وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أُمّاه، لا تَدعين لنفسك كما تَدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُنيّ، الجار.. ثمّ الدار (3). تُعلِّمنا (عليها السلام) في الجانب الأخلاقي العطاء والحب والدعاء للآخرين في كل من أحوالنا وقد اتخذت من وقت السحر وقتًا لتحقيق هذا المبدأ الراقي الذي يعكس الكثير من جوانب شخصية السيدة الزهراء كأنّها تريد أن تقول: (أحب لأخيك أكثر مما تحب لنفسك). أيُّ مدرسةً أنتِ سيدتي، يا بضعة من نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه و آله). بالحب والعطاء الإلهي تسمو الروح وتزداد عطاءاً وتكون أكثر قدرة على نصرة لإمام الزمان. لو تخلقنا بهذا الخُلق العظيم وتغاضينا عن أخطاء الآخرين وهفواتهم لغدا هذا القلب متطهراً من الحقد والأدران وسوء الظن والتماس العذر للآخرين. فقد روي عن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنه قال: [إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه] وسنصل إلى الفلاح وسيطهر القلب فيَصبح المَسُ المعنوي الوارد في القرآن الكريم ممكناً ومتحققاً: ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (4). إن ذلك كله يستوجب أن تكون مع الإمام (عجل الله فرجه) حين ظهوره إن كُنت حياً، وتَشملك الرجعة وتلتحق بركبهِ إن كنتَ ميتاً كما وردَ في الروايات الشريفة عن آل بيت المصطفى الأطهار (سلام الله عليهم). وكما نرى أن إخلاص أصحاب الكهف في عصرهم استوجب أن تشملهم الرجعة وأن يقوموا مع قائمنا المنتظر (سهل الله مخرجه)، وكذلك الناصر لإمام زمانه سلمان المحمدي (سلام الله عليه) وأمثالهم. فقد ورد ان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول لسلمان المحمّدي في حقِّ القائم عليه السلام: «يا سلمان، إنَّك مدرِكه ومن كان مثلك ومن تولّاه بحقيقة الإيمان» . (5) _________________________________ (1) سورة البقرة ، أيه 30 (2) سورة التوبة ، أيه 33 (3) وسائل الشيعة ، ج4 ، ص 1150 (4) سورة الواقعة ، ص 79 (5) دلائل الإمامة ، ص 447

اخرى
منذ 5 سنوات
1777

سيدة الإيمان

بقلم: هناء الخفاجي محدثتي فرحة بسن تكليفها في مولد السيدة الزهراء، بعفوية سألتني. قالت: من هي فاطمة؟ قلت: حورية أنسية من أعالي الفردوس أطلت بنورها فأشرقت بطلّتها الأكوان. هي ليلة القدر، سطعت بفجرها فكانت سلامًا. حروف اسمها صاغها الفاطر من حروفه.. فمنح فضة الفردوس من فائها وفي الإلف اهتداء الأنام، وطه من الطاء اشتقاقه، والميم مشكاة نور الملكوت طاف حولها الذر. أين مولدها؟ بظلال العرش أينعت ثمرة الوجود، مقامها الجنان، رحيقها الكوثر وروح وريحان. من خدمها؟ حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، وولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، تغبطهم ملائكة السماء على شرف المخدوم. صفاتها؟ زهرة الكون لا شبيهة لها، كل صفات الحسن فيها وتأبى صفاتها الإحصاء، خلق النبي والوصي إكرامًا لها، ولولاها ما دارت الأفلاك. عبادتها؟ سيدة الإيمان، إنها وطن النبوة ومهبط الوحي ومعدن التنزيل، وسر الإمامة ومحور التوحيد، كافأها ربها بجعل رضاه من رضاها. كيف جاءت إلى الدنيا؟ أهداها الحبيب لحبيبه المصطفى (صلى الله عليه واله) النجمة الدرية هدية الرحمن، أزهرت من نور وجهها الدنيا، واستمدت من نورها الأقمار، أيام معدودات مجيئها كشهر رمضان، لحكمة أراد الله فيها إزالة الأوثان. حياتها؟ كزنبقة بيضاء بمحراب الزهد والتبتل أكتمل صباها، بحسن التبعل جاهدت وهي خير أم لأبيها، يكفيها من الدنيا قرص بر تطوي عليه لتطعم على حبه "مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً" قبل أن ينهي المسمار حياتها في يومٍ "كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرً" هل ماتت؟! بل نحن من نحيا باسمها وهي مخلدة، مُلْهمتُنا بين الخافقين تنبض مادامت الأرواح فينا، أرجعها الله إلى موطنها فعرج بروحها نحو السماء، وتلقتها الملائكة مستبشرة "ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً" وجزى الله تعالى صبرها "جَنَّةً وَحَرِيرًا" و "نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا". آآآه... أي سر أنت ياروح الحياة، فطم الخلق عن معرفتك، وفيك انطوى العالم الأكبر، أيا بضع النبي أضاءت أفق الكون فضائلك، تائهة عقول من لم يرها عن الصواب.

اخرى
منذ 5 سنوات
745

السيدة فاطمة (عليها السلام) قدوة العارفين بإمام كل زمان

بقلم: فاطمة الركابي إن الصديقة الزهراء (عليها السلام) لها من مقام علمي عالي تام، لكونها من أهل بيت العصمة الراسخين في العلم، وهذا ما ليس لأحد منا أن يبلغه لأنه مقام إلهي يُعطى للمصطفين من خواص خلقه، لذا نحن لن نتكلم عن الاقتداء وفق هذا المستوى لأنه خاص -كما قلنا-. فعن الإمام الصادق (عليه السلان): "إن الله تعالى أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء... إلى أن قال: والعلم لفاطمة زوجة المرتضى"(١)، ولكن نحن نتكلم عن جانب العلم الاكتسابي الذي يُمكن أن يُحصله كل فرد منا ليكون عارفاً بإمام زمانه وبمقدار ما ينشرح صدره له، ويستضئ بنور العلم الإلهي ليهتدي بهداه، ويثبت بذلك على صراط الله. فالعلم بالإمام هو على مراتب: فهناك مرتبة العلم العامة تلك المرتبة التي يحملها عوام الناس، كمعرفة الاسم والنسب وغيرها من الأمور العامة، وهذه المرتبة في الغالب لا يترتب عليها أثر بحيث تجعل حامليها من العارفين، ولكنها تكون مقدمة للارتباط به ومعرفته. وهناك مرتبة كمعرفة شيء من مقامات الإمام الإلهية، وتتبع سيرته ومنهجه الإلهي والعمل وفقها، وهذه مرتبة أعلى من تلك لما لها من أثر طيب بمقدار ما. وهناك مرتبة علم أعلى وهي للخواص ويترتب على أثرها درجة معرفة عليا تجعل الإنسان يعيش حالة الفناء والحب التام لإمامه، وهي المرتبة التي وصلت إلى أعلى مراتبها الصديقة الزهراء (عليها السلام)؛ ذلك العلم الموجب لحالة التسليم والطاعة التامة والانقياد، والعمل بمنهجه، ونصرته والدعوة إليه وتعريف الآخرين به. يمكن أن نتوصل لشيء حول حقيقة المعرفة بالإمام لما نقرأ ما نُقل عن إمامنا الصادق (عليه الصلاة والسلام) لما سئل (وجواب السؤال هنا يشمل معرفة جميع الأئمة، وإن كان وارداً في زيارة إمامنا الثامن الضامن فقط) حيث قال: "... من زاره عارفاً بحقه...، قِيل له ما عرفان حقه؟ قال: العلم بأنه إمام مفترض الطاعة غريب شهيد..."(٢) ويعلق أحد الفضلاء حول هذه الفقرة بهذه الالتفاته بقوله: "إن الإمام يُشير إلى مطلبين يجب أن يتحققا بالموالي وهما الانقياد على المستوى الجوارحي (الفعلي) بالعمل بمنهج الإمام الذي عبر عنه بوجوب الطاعة، وعلى المستوى الجوانحي (القلبي) أي حالة الارتباط المشاعري الوجداني بذلك الإمام من خلال استشعار مظلوميته وغربته، فهذان من أهم المقومات الموجبة للاتصال بالإمام وبتالي معرفته". تحقق المطلبين في الصديقة الزهراء (عليها السلام) من خلال بعض ما جاء في سيرتها: أولاً: تحقق الطاعة والتسليم: إن العلم المؤدي للمعرفة ثمرته الطاعة -كما ذكرنا- إي أن يكون الإنسان مستعدًا لقبول الأوامر الإلهية من دون قيد أو شرط، بل هو في حالة انتظار أي استعداد وتأهب لتلقيها ليعمل بها ووفقها، وهي تتجسد بطاعة الله ورسوله وولي أمره لا نفسه أو هواه! فعن ابن شهر أشوب في المناقب: دخل الحسن بن صالح بن حي على الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول الله ما تقول في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، قال: العلماء. فلما خرجوا قال الحسن: ما صنعنا شيئاً، ألَا سألناه : من هؤلاء العلماء؟ فرجعوا إليه فسألوه فقال: الأئمة منا أهل البيت(٣). وهذا ما تجسد في الصديقة الزهراء (عليها السلام)، فمعرفتها بمقام الإمام علي (عليه السلام) كإمام منصب من قِبل الله تعالى تجلى في طاعتها التامة، حيث قال رسول الله (صل الله عليه وآله): "إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى مشاشها، ففرغت لطاعة الله"(٤). علمًا أننا عندما نذكر هذه الصفات للعارفين بالإمام، ونقيسها بالزهراء (عليها السلام) نحفظ المقام العالي لسيدتنا البضعة الطاهرة، وإنما هو قياس لنتعرف نحن على بعض هذه المراتب لا لنسلط الضوء على حقيقة ما كان عندها (صلوات الله عليها). ويمكن أن نقول: إن الطاعة نوعان: طاعة فرض، وطاعة حب وولاء؛ فطاعة الحب تجسد الطاعة الحقيقية، وهي أعلى مرتبة من طاعة الفرض (أي عن خوف من عقاب أو عن رغبة في ثواب) والله تعالى يريد منا أن ننمي في داخلنا الطاعة المثلى وهي طاعة الحبيب لمن يحب، وهذه المرتبة العالية قد جسدتها الصديقة؛ فان طاعتها لإمامها هي كانت امتدادًا لطاعتها لربها كما في قولها (عليها السلام): "رضيت بالله ربا وبك يا أبتي نبيا وبابن عمي بعلا ووليا"(٥) وكما في قول إمامنا علي (عليه السلام) فيها (سلام الله عليها): "أنتِ أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله، من أن أوبخك بمخالفة...." (٦). وكما صرح في مورد أخر حيث إن الإمام (عليه السلام) يظهر مدى رضاه عن الزهراء (عليها السلام) ومدى طاعتها له، بقوله :"... ولا عصيت لي أمراً، ..."(٧) الثاني: استشعار غربة الإمام ومظلوميته، وهذا الجانب من المعرفة لدى الزهراء (عليها السلام) كان متحققًا أيضاً فهي كانت مستشعرة لعظيم غربة الإمام (عليه السلام) كما ورد في رواية عن أخر يوم في حياتها، حيث قالت فاطمة (عليها السلام) في جواب أم سلمة (رضي الله عنها) حين قالت لها: "كيف أصبحت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقالت: "أصبحت في كمد وكرب: فقد النبي وظلم الوصي"(٨). فالزهراء (عليها السلام) قدمت التفكير بألآم إمامها وغربته على آلامها ومصابه، وفي رواية عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) أنه قال: "لما حضرت فاطمة الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين(عليه السلام) يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت: ابكي لما تلقى من بعدي،..."(٩). بل ولطالما كانت مصدر بهجته، والمؤنسة له، المدخلة للسرور على قلبه، وبلسماً لجراحاته، كما أن الإمام علي (عليه السلام)، صرح بذلك في ما روي عنه أنه قال :"ولقد كنت انظر لها فتنكشف عني الهموم والإحزان"(٧). ونحن نعيش في وقت يعيش فيه إمامنا غربتين كما يُعلق صاحب كتاب مكيال المكارم في معنى الغربة التي يعيشها إمام زماننا "أن للغربة معنيين: أحدهما البعد عن الأهل والأوطان والديار، والثاني قلة الأعوان والأنصار وهو روحي له الفدى غريب بكلى المعنيين..." (١٠). لذا فواجبنا تجاه هذه الأسوة العظيمة (صلوات الله عليها)، وتجاه إمام زماننا (عجل الله تعالى فرجه) هو أن نسعى لبلوغ درجة من العلم توصلنا لمعرفة مقامه. تلك المعرفة التي يترتب عليها أثر وهو الطاعة واستشعار غربته وآلامه بل والسعي لنكون سبباً لإدخال السرور على قلبه (عجل الله تعالى فرجه). بلى! فكما إن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) كانوا يطرقون باب دار مولاتنا الطاهرة لأنها مسكن راحة وانس. كذلك من الوفاء إن يسعى كل منتظر منا أن يجعل من قلبه دار راحة لإمامه في غيبتهِ، وموطن سعادة له في غربتهِ؛ لا دار ألم وزيادة في جراحاته، وبالتالي يكون سبباً لتأخر فرجه. -------- (١) المناقب لابن شهرا شوب ج٣، ص٣٢١. (٢) ضياء الصالحين، ص٢٢١. (٣) في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين - محمد بيومي ص 39. (٤) الفضائل الخمسة من الصحاح الستة : ٣ / ١٨١، دلائل الإمامة للطبري: ١٣٩:٤٧. (٥) إحقاق الحق لسيد نور الله الحسيني المرعشي التستري: ج٥، ص١١٧. (٦) الخصال لشيخ الصدوق: ص٥٨٨، ح١٢ (٧) كشف الغمة للاريلي: ج١، ص٣٦٣، وبحار الأنوار: ج٤٣، ص١٣٤. (٨) بحار الأنوار للمجلسي ج٣٤، ص١٥٦- ١٥٧. (٩) بحار الأنوار للمجلسي ج٤٣، ص٢١٨، ح٤٩. (١٠)مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم للحاج ميرزا محمد تقي الموسوي ج١، ص١٤٩.

اخرى
منذ 5 سنوات
2848

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ...

بقلم: خادمة الزهراء (عليها السلام) يجلس الرسول (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه بعد سماعه لتفاهات القوم المنافقين بأنه أبتر... والسبب موت ولديه عبدالله والقاسم... يزداد حزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفقد ولديه واستهزاء القوم... في هذه الأثناء يهبط الأمين جبرائيل فيخبره بالأمر الإلهي بالاعتكاف للعبادة أربعين ليلة والبعد عن زوجته وحبيبته خديجة... يشق على الرسول (صلى الله عليه وآله) الأمر فيمتثل لأمر حبيبه وأنيسه الأول وهو خالقه الباري (جل وعلا)... تحزن خديجة لفراق النبي (صلى الله عليه وآله) ... يقضي الرسول (صلى الله عليه وآله) أربعين ليلة قائماً ليله صائماً نهاره مستأنساً بذكر ربه ومناجاته... وفي الليلة الأربعين يسرى بالرسول (صلى الله عليه وآله) فيهنأ الأمين جبرائيل (عليه السلام) ويبشره أن حبيبه الذي ناجاه أتحفه بتحفة فيقطف جبرائيل ثمرة من الجنة فيقدمها للنبي (صلى الله عليه وآله) ويخبره أن هذه هدية ربك إليك... يشمها الرسول (صلى الله عليه وآله) ويقبلها ويضمها إلى صدره... يأمره جبرائيل بأكلها، فيأكلها (صلى الله عليه وآله) فتتحول إلى ماء في صلبه ينهي مدة الفراق والبعد عن خديجة بعد أربعين ليلة... يعود النبي (صلى الله عليه وآله) إلى خديجة التي كانت بانتظاره ومتلهفة لرؤيته وحزينة على فراقه... تبين علامات الحمل على خديجة فيدخل عليها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فيسألها: يا خديجة، من يحدثك؟ فتجيبه: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. يبتسم حبيب الله (صلى الله عليه وآله) ويخاطبها: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه... فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن تحضر ولادتها، تبعث إلى نساء قريش ونساء بني هاشم ليأتينها ويلين منها ما تلي النساء من النساء، فيأتي خديجة جوابهن: عصيتِنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا... فتغتم خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ تدخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم. تفزع منهن خديجة (عليها السلام)... تخاطبها أحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليكِ، ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسيا بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء. تجلس واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها، والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فتضع خديجة فاطمة (عليهما السلام) طاهرة مطهرة. تسقط فاطمة إلى الأرض ساجدة لله رافعة إصبعها فيشرق منها نور يدخل على بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... فتتناولها المرأة التي كانت بين يديها، فتغسلها بماء الكوثر، وتخرج خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فتلفها بواحدة، وتقنعها بالآخر، ثم تستنطقها فتنطق فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) بشهادة "أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد الأنبياء وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الأسباط"... ثم تسلم على والدتها وعليهن، وتسمي كل واحدة منهن باسمها، ويضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة (سلام الله عليها)، ويحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك تسمى (عليها السلام) "بالزهراء" ، وتقول أحدى النسوة لخديجة (عليها السلام): خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتتناولها خديجة فرحة مستبشرة فتلقمها ثديها فتشرب، فدرّ عليها. تنمو فاطمة في كل يوم كما ينمو الصبي في الشهر، وفي الشهر كما ينمو الصبي في سنة يكثر أبوها النبي (صلى الله عليه وآله) من تقبيلها، فيسأل عن سبب ذلك فيقول: إني كلما اشتقت إلى رائحة الجنة قبّلتُ ابنتي فاطمة. نعم هكذا ولدت الحوراء الأنسية سيدتي ومولاتي فاطمة (صلوات الله عليها) فينقطع دابر القوم المنافقين الذين قالوا: إنّ محمدًا (صلى الله عليه وآله) أبتر لا ولد له... فيمر الزمان وتبقى ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) تملأ بقاع الأرض ولا وجود لذرية أعدائه (صلى الله عليه وآله)... فسلام على سيدتي ومولاتي سيدة نساء العالمين محور الأفلاك ودائرة الوجود وشفيعة الناس في يوم المحشر فاطمة (صلوات الله عليها) فسلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ورحمة الله وبركاته.

اخرى
منذ 5 سنوات
1744

حنينُ لقاء المُحَدّثة

بقلم: سماهر الخزرجي تمر أيامها ببطء شديد... وقد تتابعت عليها أيام عجاف... ومخمصة لا تعلم متى يتم انجلاؤه . وحيدة تجوب الدار، قاطعتها النساء ... تلك النساء اللاتي جدفنّ بالنعمة ،تلك النعمة الملكوتية، فظلام الجور والجهل يخيم على ارواحهن. تدعو الله لهن بالهداية فأنهن قد غُرّر بهن . اعمال المنزل الشاقة انهكتها .تمسح بيديها المتعبتين ذرات العرق المتصبب من جبينها يلوكها التعب ويعتصر قلبها الألم لحالها تارة.. وتارة لما يتعرض له حبيب قلبها وأنيس وحدتها. تجلس لترتاح قليلا من عناء يومها، وقد كحل النعاس مقلتيها، لم تنم ليلتها لمخاوف تساور قلبها ورغم ذلك اوكلت أمرها لله .. اللهم بدد عن روحي هذه الغيوم السوداء... واذا بصوت ملكوتي آسر يناديها يسلم عليها، يبدد وحشة يومها ويأنس وحدتها، إنها تراه بعين قلبها .. تحدثها تسايرها تشد من عزمها... فيدخل عليها حبيب الإله يسألها مع من تتحدثين ؟وهو العالم بها .. إنه الجنين في بطني يكلمني ويبدد سحب الحزن من سمائي .. إنه تناغم بين روحين ،بل هما كيان واحد بل هو قلبه يجري في قلبها ، إنه عشق اكنته ضلوعها. وأنامله الرقيقة تطرق باب قلبها ويبسط قلبها فراشا لها.. تمضي الايام والقلب ينمو في القلب، فتهب خديجة من رقادها متألمة... إنه الم المخاض... بل إنه حنين اللقاء ، فمآتي الدقائق تمر بعذوبة مشوبة بألم ،تروم امتصاص عذوبتها، وحيدة هي لا انثى معها تعينها في شدتها.. وما كانت الا لحظات واقتربت منها مراكب الأخيلة السائرة، بل انها حقيقة ...هذه مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم وسارة وكلثم بنت عمران، وما هي الا سويعات وقد أنير الكون بنور ذهبت به دياجي الظلمات . فأزهرت الزهراء عليها السلام لتكون قطب الرحى الذي يدور على معرفتها القرون الأولى.

اخرى
منذ 5 سنوات
1356

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
71246

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
52324

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41922

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
37321

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
34052

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32533