صحراءٌ قاحلةٌ وأصوات ُ غِربان..

بقلم: كاردينيا ياس وشمسٌ حارقة للفؤاد .. لِتَصَحُّرٍ باتَ سائِداً فيّ ؛ لابتعادي عن غدير ِ ولايتكم الحقيقي..ا ألم يقل رسول الله "صلى الله عليه وآله " حين تم الإعلان عن مُرشح تولّي الخلق.. الفائز بهِ: اللهم والِ من والاهُ... فَلَعَلّني واليتُ الوليّ في بعضٍ و مِلتُ عنه في بعض.. فكانَ انحداري وَ إن بَدا بسيطاً ، ألاَ أنّه أدّى بي إلى نزولي عن جادةِ الطريق المُعبّد لِمن بحقٍ لله تقرب َوتعبّد... فكانَ مآلي لتلكَ البقعة المتصحّرة و مقامي عندَ رمالٍ من نيرانِ الذنوبِ المُتجمرّة ؛ و افتقادي لماءِ طُهرٍ.. يَروي الروحَ المتعبةَ فَقد أهلكتني شدةَ الظمأ.. وفيما أنا على تلك الحال.. و إذا بي ألمحُ ماء ً مِن بعيد.. وحين أقتربُ ؛ أخيب.. آهٍ من خطواتي التي ذهبت سُدىً إنها بقيعةٌ مِن سراب حَسِبَه قلبي الظمآنُ ماءً !! و تتالت ..الخيباتُ.. الواحدة تلوَ الأُخرى ..و فجأةً أرى بقلبي قبلَ بصري.. نعم... هوَّ ذاكَ ماءٌ ..ماء ! هيّا ..يا قدماي إن لَمْ تَسعَيَا فَسَأتُرككما وأجري بِدونكما .. يكفيني وصولاً لهُ اتصال روحي بهِ.. و انجذابُ كلّي الذي لن يعتني بجزئي ، ها أنا ذي وصَلْتُ قبلَ أن يرتد بصري.. كيف ؟ لا يهم ..كيف ، و الآن.. لا أعلم كيفَ سَأنهل ُ لِأشرب من هذا المعين الرِقراق المُصفّى مِن الماءِ نفسهُ.. هل سأمدُ يدي المُتَرّبة ؟ هل سأجد ما يليقُ بِطهره لِأغرفَ منه؟ أنا عطشى ..أنا عطشى .. تسابقت حباتُ الماءِ إليَّ ..وأنا في دهشةٍ كيفَ اعتلت السماء و ظلّلتني كَسحابةٍ مثقلةٍ بِطُهرِها ، برسالتها ، بعطائها .. وانهَمر الماءُ نعم انهمر ..على أمرٍ قد قُدر.. فاحتَضَنَتْها أجزائي المتشققة جفافاً من سنوات القحط التي عاشتها.. وَوَجَدتُ نفسي محاطةً بغديرِ ماءٍ .. لا أصدقً ما أنا فيه !! و ما فيّ مِن "أنا" جديدة..!! و كأنّي خُلقت مِن جديد بحلةٍ جديدة قد تغيرتُ.. بل تطهرت ؛ لا .. بل إنّ كلّ مَن كانَ مِثلي حلّ َ بِه ما حلّ بي! أرواحنا انتشلت.. و قلوبنا غُسِلت.. و أفئدة ٌ من العطشِ المميت إلى رَوْيةٍ تُحيي القلبَ بُدلت .. و حول َ ذلك المعين.. وقفتْ أملاكٌ على الدعوات أمّنَتْ نعم.. إنّه فيضُ زهراء ولِدت .. نعم إنّه فيضُ زهراء ولدت..!! و َحين رأيتُ بقلبي .. ثم رأيت؛ محمداً (صلى الله عليه وآله) وخديجة في بيت.. أسوارُه: لا إله إلا الله و سَقفه: تباركتَ ربي و تَعاليت! فَيا سعد الخلائق بِمن وُلِدت حِين وَلِدت.. و نودي من بِطنان العرش صوتٌ إنّي لِمولودةِ أحمد فاطمة ٌ سمّيت !! إنّي لِمولودة ِ أحمد فاطمة ٌ سمّيت !!

اخرى
منذ 5 سنوات
1384

من أحب شيئاً لهج بذكره

بقلم: محمد حسن آل حيدر عن الإمام عليّ (عليه السّلام) : "مَن أحَبَّ شَيئاً لَهِجَ بِذِكرِهِ"(1) يقع الكلام في هذا الحديث الشريف في محورين رئيسين : أولهما: الحب: تلك العلاقة التي جعلها الله تعالى في جميع مخلوقاته وجعلها وسيلة الارتباط بينها جميعًا. ولو تتبعت المعاجم اللغوية(2) لرأيت أن مؤلفيها – وهم أرباب البيان وأساطين اللغة – يعجزون عن تبيان معنى هذا المفهوم الفطري البديهي المحض (الحب) فيلجؤون إلى تشبيهه بالأقل ظهورًا أو بالمساوي (كقولهم: المحبة، أو ضد البغض، أو الود، أو العشق.. الخ) . وقد جعله الله تعالى مقياسًا للصلاح والفساد، فعن الإمام الباقر (عليه السّلام): "إذا أرَدتَ أن تَعلَمَ أنَّ فيكَ خَيراً فَانظُر إلى قَلبِكَ؛ فَإِن كانَ يُحِبُّ أهلَ طاعَةِ اللهِ ويُبغِضُ أهلَ مَعصِيَتِهِ فَفيكَ خَيرٌ وَاللهُ يُحِبُّكَ، وإن كانَ يُبغِضُ أهلَ طاعَةِ اللهِ ويُحِبُّ أهلَ مَعصِيَتِهِ فَلَيسَ فيكَ خَيرٌ وَاللهُ يُبغِضُكَ، وَالمَرءُ مَعَ مَن أحَبَّ"(3) بل أنه أعظم مظاهر الصلاح والفساد – "وهَلِ الدّينُ إلَّا الحُبُّ"(4) – ، ومن الجهة الأخرى روي عن الإمام الرضا (عليه السّلام): "الحُبُّ داعِي المَكارِهِ"(5) . ومن الطبيعي في جميع العلاقات أن تكون شرفيتها بمدى شرفية أصحابها، فما الحال بمن كانت علاقته بالله تعالى وكان حبه لله تعالى فكم لهذا الحب من أشرفية على كل شيء، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله"(6) وأوضح مصداق وأجلى نموذج لحب الله هو حب أهل البيت له، فهذا الإمام الحسين (عليه السلام) يظهر أعلى مراتب الحب والإخلاص فيه في دعائه "أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحباءك حتى لم يحبوا سواك.. ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدلا" (7). وكذلك فإن استحصال محبة الله تعالى هو الهدف الأسمى للعبد، وقد دلّنا تعالى عليه بنصوص كثيرة ("إن الله يحب المتطهرين"، "إن الله يحب الصابرين" إن الله يحب التوابين" ..الخ) ولكنه جمع كل تلك الطرق بقوله على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"(8) فاتّباع (حبيب الله) يجعلك حبيبا لله. ثانيهما: الذكر: فالمحب يُعرف بكثرة ذكره حبيبَه، وأشرف المحبين من أكثر ذكر أشرف المحبوبين (الله تعالى) ، فكلما كان لسانه بذكر محبوبه لهجًا كان باستحصال حبه ورضاه جديرا. وقد كنت أود أن أذكر شواهد ونصوص متعددة في ذلك إلّا أني وجدت رواية في الكافي الشريف تكفيني مؤونة التفصيل وتفي بكل ما يتطلب المقام، وهي ما روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قوله: "ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا (الذكر) فليس له حد ينتهي إليه، فرض الله (عز وجل) الفرائض فمن أداهن فهو حدهن؛ وشهر رمضان فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا (الذكر) فإن الله (عز وجل) لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم تلا هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا"(9) فقال: لم يجعل الله عز وجل له حدا ينتهي إليه. قال: وكان أبي (عليه السلام) كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم [و] ما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: "لا إله إلا الله"، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراء‌ة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر. والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضئ لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ألا اخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟" فقالوا: بلى، فقال: "ذكر الله عز وجل كثيرا" ثم قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: "أكثرهم لله ذكرا". وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من اعطي لسانًا ذاكرًا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة". وقال في قوله تعالى " ولا تمنن تستكثر"(10) قال: "لا تستكثر ما عملت من خير لله" "(11) . وحب حبيب المحبوب كمال الحب، فحب أهل البيت (عليهم السلام) كمال حب الله تعالى، وفي ذلك نصوص وشواهد كثيرة اذكر منها ما روي عن أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ (عليهما السّلام): "أنَّ قَوماً أتَوهُ مِن خُراسانَ، فَنَظَرَ إلى رَجُلٍ مِنهُم قَد تَشَقَّقَتا رِجلاهُ، فَقالَ لَهُ: ما هذا؟ فَقالَ: بُعدُ المَسافَةِ يَابنَ رَسولِ اللهِ، ووَاللهِ ما جاءَ بي مِن حَيثُ جِئتُ إلّا مَحَبَّتُكُم أهلَ البَيتِ. قالَ لَهُ أبو جَعفَرٍ (عليه السّلام): أبشِر، فَأَنتَ وَاللهِ مَعَنا تُحشَرُ. قالَ: مَعَكُم يَابنَ رَسولِ اللهِ؟ قالَ: نَعَم، ما أحَبَّنا عَبدٌ إلّا حَشَرَهُ اللهُ مَعَنا، وهَلِ الدّينُ إلَّا الحُبُّ، قالَ اللهُ (عَزَّ وجَلَّ): قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"(12) . جعلنا الله وأياكم من أحبائه وأحباء أحبائه وجمع بيننا وبينهم في مقر النعيم إنه سميع مجيب. ___________________ 1- غرر الحكم : 7851 ، 3875 2- تتبعت اكثر من ثلاثين مصدرا لغويا فلم اجد سوى هذه المعاني او مقارباتها 3- الكافي : 2 / 126 / 11 ، مصادقة الإخوان : 156 / 3 ، علل الشرايع : 117 / 16 ، تنبيه الخواطر : 2 / 191 ، المحاسن : 1 / 410 / 935 وفيه «ففيك شرّ» بدل «فليس فيك خير» ، وكلّها عن جابر الجعفي ، مشكاة الأنوار : 121 ، بحار الأنوار : 69 / 247 / 22. 4- الامام الباقر (عليه السلام) - دعائم الإسلام : 1 / 71. 5- العدد القويّة : 299 / 35 ، أعلام الدين : 308 ، بحار الأنوار : 78 / 355 / 9. 6- ميزان الحكمة : 3089 7- البحار : 982263. 8- آل عمران : 31. 9- الأحزاب : 41-42 10- المدثر : 6 11- الكافي : باب ذكر الله عز وجل كثيرا – ح1 12- دعائم الإسلام : 1 / 71.

اخرى
منذ 5 سنوات
6855

بابٌ بين حدثين

بقلم: حنان الزيرجاوي حين سمعت بمَن جاء لخطبتها ذُهلت، وفرحت، وفرحتها أنها ستُصبح زوجةً لخير خلق الله بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) . وجاءت تلك اللحظة التي كانت تنتظرها، في واقع تجسّدَ بيدٍ كريمة رؤوفة، تمسكها لعالم تتجسّد فيه الجنة . جاء بها بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام ) ؛ لينقلها من بيتها ذي الكرم والإيمان والخلق إلى بيتٍ من بيوت الله. وهنا تبدأ أول نفحات الإيمان، وهنا تتجسّدُ أول لمسات الحنين ، وهنا يظهر معدن الخلق والإيثار ، لقد تسمّرت قدماها على الأرض، والحزن رافقها ساعتها... أفرأيت عروسًا بيوم زفافها تحمل كلّ ذلك الألم في نفسها؟! أتدرون لماذا حدث هذا؟ نعم ،نعم ،حدث هذا عندما رأت ذلك الباب الذي لم يدافع عمّن لاذت به. هنا نظرت إلى ذلك الباب نظرةَ عتابٍ مصحوبةٍ بزفرات، ممزوجة بلؤلؤ تناثر على وجنتيها. وهي بين هذا وذاك، بين عتابٍ وأنين، وإذا همسات باب فاطمة، يطلق أنينه الذي لم ينقطع من ذلك اليوم، ويخاطبها: - سيدتي ، أنا من أعياه حزن السنين، دعيني أُسمعُكِ حجتي. ألا يحق لي أن أدافع عن نفسي؟ فسبقته بنطق حروفها، وبصوت رفيع حزين: - في خاطري تجول كلمات منذ سنين، هلا أصغيتَ لي . نعم... نعم ،حبا وكرامة. أما كانَ لكَ أن تقاوم اولئك الطغاة؟ لِمَ كنتَ طوعَ أمرهم؟ أما شعرتَ بذلك الجسم الرقيق النحيف وهو يلتمسكَ الابتعاد؟ ألم تستطِع أن تأمرَ ذلك المسمار فينخلع بعيدًا؟ أم خفت على نفسِكَ أن تُصبحَ أشلاءً ولم تخَفْ على صدرِ البتول؟ كيف تحركتَ ولم يأذن أهلك أن تنفتح؟ أما خشيتَ أن تحرقكَ السماء بفعلتك هذه؟! -ليتني –قال الباب- لم أكن، قد تجمعت أوصالي من هنا وهناك لأكون ما أكون. فأنا وما زلت أطهر بابٍ من بين تلك الأبواب جميعًا. أ فتعلمين من هي الأيادي التي لامستني؟ يحسدني الحاسدون على ذلك. ولكن ماذا أصنع، وقد أقدمَ القومُ على حرقي؟ فذاك اللعين، وضعَ كلّ قواهُ على صدري، وكلّما حاولتُ أن أُمسِكَ نفسي لم أستطع، تعلّقتُ بالجدار الذي قبالتي فأفلتني. كنتُ أُقاوِم، وأُقاوِم وأُقاوِم، ولكن فشلت. فقلتُ لمسماري اخرُجْ من سباتك، واتكأ على حائطنا، الذي هو خلفنا، ولم أعلم أن اتكاءه يكون على صدر البتول ؛ لينفذ إلى صدرها . أنا لا أحتمل اللوم والتقريع... -آه ..آه ..أيها الباب كيف لي أن أراكَ صباحًا ومساء. ولكن ذلك الباب الذي وجدته مفتوحًا في أول يوم دخلتُ دار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وجدتُهُ مغلقا عندما جاءت تواسي زينب. دخلته شابة وجاءت إليه وهي عجوز فوجدته موصدا. وحينما رآها الباب أجهش باكيًا ؛ لتختلط دموعه ودموعها.

اخرى
منذ 5 سنوات
1124

ما هو معنى أن الله تعالى موجود في كل مكان؟

من أسئلتكم بقلم: حنان الزيرجاوي إذا كان الله في كلّ مكان كما قال الإمام عليّ (عليه السلام)، فهذا يعني أنّه في دورات المياه، والعياذ بالله! الجواب: ينبغي الالتفات إلى أن للسؤال فنه وقواعده، ومهما بدا مقبولاً فإنه قد يكون مبنيًا على مغالطة لا يلتفت لها صاحبه، والسؤال الخاطئ لا يمكن أن يجاب عنه بإجابة صحيحة مباشرة، بل لابد من توضيح المقدمات اللازمة حتى يمكن الوصول إلى إجابة ترفع الإشكال، وفي نفس الوقت توضح المغالطة في السؤال، ومن هذه المقدمات هي:- 1/هناك أمور كثيرة يؤمن بها الإنسان ولا يراها بأم عينه، وإنما يستدل عليها بفكره ومنطقه عن طريق رؤية آثارها، مثل الجاذبية التي لا نراها ولكننا نعرف وجودها الأكيد عن طريق جذبها للأشياء، وكذلك وجود الكهرباء التي لا نراه بالعين لكننا نؤمن بوجودها ونرى آثارها في المصباح المنير وفي الآلة التي تعمل بالكهرباء. 2/ هناك أشياء لا نراها ولا نلمسها فنظن أنها غير موجودة، ثم يأتي العلم فيكشف لنا عن وجودها، وهذا معناه أن عدم معرفتنا لها لا يلغي وجودها. فقطرة الماء الصافية إذا نظرنا إليها لا نرى فيها شيئا، لكننا إذا نظرنا إليها بواسطة المجهر (الميكروسكوب) فأننا نرى بحرا تسبح فيه عشرات الأجسام الحية والحيوانات الصغيرة. 3/ لا يخفى أنّ الموجود إمّا مادّي، وإمّا غير مادّي. والموجود المادّي، هو: الموجود الذي له مادّة وجسم - أي له أبعاد ثلاثة: طول وعرض وعمق - والجسم يستدعي كونه في مكان خاص وجهة خاصّة، ولا يمكن للجسم أن يكون في مكانين أو جهتين أو أكثر، وإلاّ لصار جسمين أو أكثر لا جسم واحد. والموجود غير المادّي، هو: الموجود الذي ليس له مادّة وجسم، بل هو مجرّد مفارق للمادة، فهو ليس له مكان خاص ولا جهة خاصّة، إذ لا يخضع لقانون المادّة، ومنها: المكان. بعد هذه المقدّمة، نقول: إنّ وجود الله تعالى وجود غير مادّي، فهو موجود في كلّ مكان، وفي كلّ جهة، لا بمعنى التحّيز والمحدودية، بل بمعنى الإحاطة القيومية والإشراقية، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان، بل نسبة جميع الأمكنة إليه سبحانه وتعالى على السواء؛ قال تعالى: (( وَللّه المَشرق وَالمَغرب فأَينَمَا توَلّوا فثَمَّ وَجه اللّه إنَّ اللّهَ وَاسعٌ عَليمٌ ))، (١). أي: إنّ الله تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما، فأينما توجّهوا وجوهكم، فثَمَّ وجه الله، أي لا يخلو منه تعالى مكان ولا جهة، وقد وَسِعَ كلّ شيء قياماً وإشراقاً وعلماً وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده، وعليم بمصالح الكلّ، وما يصدر عن الكلّ في كلّ مكان وجهة، ولا يخفى عليه خافية. وقال تعالى: (وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ)،(٢) وجاء في (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي، في ذيل هذه الآية: ((فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب. فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ويلك! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم؟!). فقال ابن أبي العوجا: فهو في كلّ مكان، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان، وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأمّا الله العظيم الشأن، الملك الديّان، فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان) (٣). إن الإيمان بوجود الله وبقدرته هو رأس الإيمان، والأصل الذي يتفرع عنه كل إيمان آخر. والإيمان بالله هو إيمان بوجود لا يحدّه شيء وليس كمثله شيء. ونحن نستدل عليه من آياته في الكون والطبيعة والإنسان: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (٤). إذن مسألة الإيمان بوجود الشيء هي مسألة متكاملة، هي إيمان بما ترى، وإيمان بما لا ترى ولكن ترى آثاره، وإيمان بما تستدل عليه، كما أنه إيمان بعالمين: عالم الغيب وعالم الشهادة. ومع الإيمان يأتي التصديق، والتصديق نوعان: تصديق بالأصل، وتصديق بالكيفية، وعدم علمك بالكيفية لا يلغي تصديقك بالأصل. وبعد هذا البيان يتّضح الجواب عن سؤالكم، فالموجودية ليست موجودية مادّية، بل هي موجودية غير مادّية، فهو تعالى مطّلع عليها، ولا يخفى عليه منها شيء، وله السلطة والقدرة عليها، وإلاّ يلزم جهله بها. _____________________ ١-سورة البقرة الآية:١١٥ ٢-سورة ق الآية :١٦ ٣-الاحتجاج: ج2 ص75 ٤-سورة فصلت :الآية ٥٣.

اخرى
منذ 5 سنوات
6575

بين فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت حزام الكلابية (سلام الله عليهما)

بقلم: يا مهدي أدركني بسم الله الرحمن الرحيم قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (حسينٌ مني وأنا من حسين) إن خط النبوة لم يكتمل ولم تزهُ الوانه بدون خط الإمامة، فهما أمران متلازمان مكملان بعضهما للبعض الآخر، ولو أبحرنا قليلًا في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وقلبنا صفحات التاريخ ليعود بنا الزمن إلى لحظة وفاة عبد المطلب (سلام الله عليه) جد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وانتقاله إلى كنف عمه أبي طالب (سلام الله عليه) وكيف تقبل هذا الرجل العظيم هذه المسؤولية بفخر واعتزاز وقد أعانته على ذلك امرأة من أحدى الجواهر النفيسة التي انعم الله تعالى بوجودها على هذه الأرض ليكون لها الحظ الأوفر برعاية خير خلق الله تعالى على الأرض، ألا وهي فاطمة بنت أسد (صلوات الله وسلامه عليها) التي كانت تستأنس برعايتها للنبي الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه) إذ كانت تفضله وتقدمه على أولادها بالنفقة والكسوة، ويذكر في الروايات بأنها كانت تختار أفضل الرطب وتخبئه عن أولادها حتى يذهبوا إلى اللعب خارج المنزل فتطعمه للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهذه المعاملة كان لها وقع في قلب النبي (صلى الله عليه وآله) فأحبّها حبًا شديدًا وكان يناديها بأمي، لذا عندما ماتت (سلام الله عليها) جاءه أمير المؤمنين (سلام الله عليه) مغتمًا باكيًا فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك؟ فقال (عليه السلام): ماتت أمي فاطمة. فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): وأمي والله. وينقل أنه (صلى الله عليه وآله) كفّنها بقميصه واضطجع في لحدها. وبعد أن استعرضنا هذه اللحظات فلننتقل من تلك الصفحات التي رسمت لنا بعض الخطوط عن تلك المرأة جليلة القدر لنتقدم في الزمن قليلًا حتى نصادف شخصية أخرى رسمها التاريخ لنا ووضع بصمة أخرى لنا عنها... في الحقيقة لو تمعنا بها قليلًا لوجدنا أنها مرآة صافية تعكس لنا ملامح امرأة أخرى هي كنة لتلك السيدة الجليلة، نعم هي زوجة لولدها علي بن ابي طالب (سلام الله عليه) هي فاطمة بنت حزام الكلابية... وهنا نجد كيف أن لحديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) انعكاسات كثيرة، فهناك تشابه بين حياة الرسول وسبطه الأصغر (صلوات الله وسلامه عليهما)، إذ كما تكفلت تلك الأيدي الخفية -أيدي الرحمة- بأن تهيأ يدًا للعناية به (صلى الله عليه وآله) أيضًا نفس تلك الأيدي قدمت هذه المرأة لتكون كنسمة هواءٍ عليلة تلاعب تلك الوجوه التي كانت رطبةً دومًا بدموع الحزن على فراق أمٍّرحلت منهم في مقتبل عمرها ولمّا يهنؤوا بنسيم عطر وجودها بينهم، لتدخل تلك النسمة إلى بيت النبوة فتملؤه حنانًا وعطفًا، ولتتجسد فيها كل صور الحب والإيثار... ولو قلبنا تلك الصفحات التي اشبعتها اقلام مؤرخينا لوجدنا كيف انتهجت تلك المرأة منهجًا في تضميد جروح أيتام سيدة نساء العالمين، حتى استطاعت أن تعالج تلك الجروح وتطبّبها وتكون كالبلسم لها حتى تعلّقوا بها واحبوها حبًا شديدًا... وعندما رزقها الله تعالى بالأنجم الزاهرة والقمر الساطع، أولئك الأشبال الذين كان الإيمان يجري في عروقهم ويستقر في قلوبهم، لم ينقص حبها لأولاد فاطمة (سلام الله عليها) بل كانت تعلم أولادها على احترام أولاد فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، بل كانت حريصة على أن لا ينادونهم بأسمائهم ولا حتى بلقب الأخوة لترسم لهم صورة الولاء لأئمتهم والحفاظ عليها.. ولعل أوضح تلك الصور، عندما أوصت أولادها بأن يضحوا بأنفسهم ويحافظوا على أختهم زينب (سلام الله عليهم) حتى غدوا صرعى على رمضاء كربلاء... إلى أن يصلنا صدى صوت من قرب المشرعة مناديًا: "أخي يا حسين أدركني" ذلك النداء الأول والأخير من نوعه الذي صدر من تلك الحنجرة الشريفة من قمر العشيرة العباس حامل اللواء وساقي عطاشى كربلاء، إنه ينادي ولأول مرة أخاه الحسين (سلام الله عليه) لتفيض روحه الطاهرة بين يديه... فهذه الصور التي رسمها التاريخ لنا تبرر لماذا كان لهذه المرأة العظيمة باب مفتوح عند الله عز وجل لا يخيب من طرقه...

اخرى
منذ 5 سنوات
3566

كيف نربي!

بقلم: قاسم المشرفاوي سؤال يطرحه الكثير من الآباء والأمهات لشعورهم بالعجز والإحباط في ظل كثرة الفتن والمثيرات، وفي ظل التجاذبات العديدة التي نعاني منها هذه الأيام، فعالم الإنترنت يغزو بيوتنا ويدخل بأوسع أبوابه وتأثيراته السلبية العديدة والكثيرة جداً، فماذا يستطيع الأهل فعله أمام هذه الصعوبات؟ ففي يومنا الحاضر أصبحت التربية من أصعب الأعمال الشاقة التي تدفع بالأهل للتفكير بجدية أكثر من أجل وضع المعالجات الناجعة والمناسبة قبل حدوث الكارثة والمصيبة. قلنا في مقالات سابقة: إنه يجب على الأهل الاستعداد التام والتخطيط المسبق قبل التفكير بالإنجاب، فوضع الخطط المسبقة لإدارة أمور التربية الأسرية من الأشياء التي تقلّل الأخطاء التي يقع فيها الأبناء، فلو كان الأبوان مطلعينِ على أساليب التربية الحديثة والتي ذكرها الله تعالى على لسان رسوله الكريم (محمد صلى الله عليه واله) لكانت لديهم حصانة ومعرفة في التعامل مع المراحل المختلفة التي يمر بها الأطفال، ولأعطوا كل مرحلة عمرية حقها، وبهذا فهم يقومون ببناء شخصية طفلهم بناءً صحيحًا وقويًا يناسب الظروف وحداثتها. ولم يغفل الشارع المقدس عن تقديم الأسلوب الأمثل في التعامل مع مختلف المراحل العمرية حيث قال النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين ،فان رضيت خلائقه لإحدى وعشرين سنة، وإلّا ضُرب على جنبيه فقد أعذرت إلى الله تعالى. فالحديث الشريف يعتبر قاعدة تربوية يجب علينا كآباء وأمهات أن نفهمها ونطبقها بشكل صحيح لتؤتي ثمارها، فالحديث تكلم عن ثلاث مراحل عمرية مختلفة يمر بها الطفل، وكل مرحلة أعطاها خصائصها المهمة والمناسبة… حيث وُصفت مرحلة السبع الأولى، بالملك والسيد في عبارة الولد سيد سبع سنين. ووصفت مرحلة السبع الثانية، بالعبد. ووصفت مرحلة السبع الثالثة، بالوزير . لقد أعطى الإسلام للطفل في مرحلة السبع سنوات الأولى حقه في ممارسة طفولته والاستمتاع بها، وأطلق عليه وصف السيد والملك، وهو الذي يأمر ويطلب ما يريد وما يرغب، فالطفل يرى أن والديه يرزقانه، فهو لا يفكر من أين يأتي والده بالمال، وإنما يريد أن يستمتع بوقته، فهو يحتاج إلى الألعاب ليلعب ويمرح، وينطلق في هذه المرحلة، فعلى والديه أن يوفرا له كل ما يريد قدر المستطاع لينمو بشكل متزن وتكون شخصية قوية ومنضبطة بسبب اشباع حاجاته الجسدية والنفسية، كالحب والأمان والتقدير والاحترام، ليكتمل نموه العاطفي والنفسي بالتدريج، مع باقي المراحل الأخرى. فالطفل في سنواته السبع الأولى يحتاج إلى الاحتضان واللعب وتخصيص وقت للاستماع إليه ليشعر بأنه السيد والملك كما وصفه الحديث الشريف وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع الأطفال بهذه الروحية العالية ويصرح بها: أولادنا أكبادنا، صغراؤهم أمراؤنا... وقد تبين من خلال الدراسات النفسية العديدة: أن الطفل في مرحلة السبع الأولى غير مهيأ سيكولوجياً لتلقّي التأديب والتعليم، وخصوصًا في سنواته الخمس الأولى، لأن مرحلة التأديب تحتاج إلى نفسية قوية تستقبل هذا التطور، وبدون أن يأخذ الطفل طفولته ويستمتع بها في مرحلة السبع الأولى فإنه سوف يبقى يحن إلى اللعب والنشاط إلى آخر أيام حياته. ومن الخطأ الإسراع بالطفل إلى الروضات التي تمارس الانضباط في الدرس والتعليم وهو في عمر الرابعة والخامسة، حيث إن شخصية الطفل تفقد التوازن مستقبلاً، فهي أما تكون جادة أو ميالة إلى الهزل واللعب وعدم الجدية، لأن الطفل إذا حُرم من اللعب والذي يُعد حاجة نفسية تساهم في توازنه النفسي والعاطفي في سنواته الأولى فإنه يكون أما شخصية مثالية غير اجتماعية، وأما شخصية لا أبالية وهزلية وتهتم باللعب وعدم المسؤولية بسبب شعوره بالنقص وعدم الإشباع من الطفولة. ويمكن تعليم الطفل في هذه المرحلة بالتدريج بعض الأشياء الضرورية والمهمة، كاحترام الكبير وتوقيره وبعض الأدبيات والذوقيات بشكل مبسط وجذاب ويا حبذا استخدام أسلوب القصة التربوي فهو أسلوب جذاب ومثير للأطفال. لو طبّقنا الشطر الأول من الحديث بأسلوب صحيح، فإننا سنحصل على عبودية الطفل وامتثاله للأوامر الأبوية ببساطة وبدون عناد، فهو سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين فإذا اعطيناه السيادة والملوكية في سنواته السبع الأولى سيكون عبدًا مطيعًا لنا في سنواته السبع الثانية بما يخدم مصلحته، وبهذا استطعنا أن نسير وفق برنامج محصن ورصين منذ الأيام الأولى. فالمرحلة الثانية هي المخصصة للتربية الإيجابية والتي يجب على المربي الشاطر أن يستغلها بشكل إيجابي ليؤسس قواعد تربوية في ذهن الطفل، ففي هذه المرحلة: ١: يمتاز بالجدية والطاعة للأبوين إكمالاً للمرحلة الأولى التي أمتاز بها الطفل بالسيادة، فالطفل كان يأمر ويطلب، والآن يُطلب منه الطاعة، فهي عملية امتداد واستمرار من أجل غرس القيم الصحيحة.. ٢: يكون الطفل في هذه المرحلة تحت نظر وعناية والديه فيجب اعطاؤه الوقت الكافي بالمصاحبة والمراقبة التامة. ٣: أن نستخدم الحزم مع الطفل لتعليمه الأخلاق، فهو عبد سبع سنين، فالطفل يحتاج في هذه المرحلة إلى الشدة والضبط ليتعلم من والديه كل ما هو مفيد ونافع. وقد روي أن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) نظر إلى بعض الأطفال وقال: ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم، فقيل: يا رسول الله! من آبائهم المشركين؟ فقال: لا من آبائهم المؤمنين، لا يعلمونهم شيئًا من الفرائض وإذا تعلموا –يعني أولادهم- منعوهم ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا فأنا منهم بريء وهم مني بُراء. والمرحلة الثالثة التي ذكرها الحديث وهي مرحلة تمتد من عمر (١٤_ ٢١) عامًا، وهي آخر مراحل التربية، حيث يمر الطفل بمرحلة البلوغ والتغيرات الجسمية، وحيث تختلف هذه المرحلة عن سابقتها، لدخول الطفل مرحلة الشباب والمراهقة وتتميز هذه المرحلة: ١: بروز علامات الرجولة بالنسبة للذكوز، وبروز مظاهر النساء بالنسبة للإناث، وهذا التغير الجسمي يؤثر في نظر الولد والبنت اتجاه نفسيهما حيث يعتبر نفسه بأنه انتقل الى مرحلة متقدمة. ٢: هذا البلوغ يؤثر في الحالة النفسية بسبب التغيرات الهرمونية التي تطرأ على هذه المرحلة. ٣: انتقال الولد إلى مرحلة التكليف الشرعي، ويجب هنا أن يكون مهيأً قبل سن بلوغه من الناحية النفسية والعاطفية من قبل أبويه، ويتم ذلك بشرح الواجبات الشرعية بشكل مبسط وتحبيب الدين إليه بأسلوب مثير يجعله ينجذب إليه ولا ينفر منه. وهنا يجب على الأب والأم أن يتعاملوا مع هذه المرحلة: -يجب التعامل باحترام شديد ليشعر الولد والبنت بأن لهم مكانة مرموقة لدى آبائهم وأمهاتهم، فقد ذكر الحديث (ووزير سبع سنين) وهنا يجب على الأهل الاستماع إلى ابنائهم ومشاركتهم في الرأي فالوزارة تقتضى ذلك.. -يجب أن يكون الولد إلى جنب أبيه، فهذه المرحلة يجب أن يتعلم فيها الابن كيف يساند أباه ويساعده ليشعر بالمسؤولية بشكل يشكل لديه تصور صحيح للمستقبل. - يجب أن يصادق الأب ابنه ويقربه إليه، وكذلك الأم يجب عليها مصاحبة ومصادقة ابنتها، فالعلاقة يجب أن تكون قوية ورصينة.. -وهذه المرحلة تقتضى على الأبوين اشعار أبنائهم بأنهم موضع ثقتهم ولهم أهمية ودور في الأسرة، وهذا يتم من خلال تحميلهم مسؤوليات مناسبة لمرحلتهم العمرية، فالولد يجب عليه أن يساعد والده في بعض الأعمال المناسبة، والفتاة يجب عليها مساعدة والدتها في أمور البيت؛ لتتعلم كيف تتعامل مع حياتها المستقبلية، فالأبوان هما المصدر الأول لتعليم الأولاد وتطويرهم..

اخرى
منذ 5 سنوات
1241

ماذا لو أحببته كما يحبك؟

بقلم: علوية أم مهدي جلست (نهاد) حزينة شاردة الذهن في حصة اللغة العربية، انتبهت لها زميلتها (هدى)؛ فنقرت الرحلة بخفة؛ قبل أن تلحظ المدرسة زميلتها شاردة الذهن وأخيراً دق الجرس معلنا نهاية الدوام. حملت الطالبات كتبهن مغادرات قاعة الدرس، تنهدت (نهاد) قائلة: الحمد لله خلصنا من اليوم الدراسي. فعدلت (هدى) حجابها وهي ترتدي عباءتها قائلةً: إن درس اللغة العربية لذيذ يعلمنا حب لغتنا، فتبسمت (نهاد) وقالت بتهكم: وهل تذوقتِ طعمه؟! فضحتك (هدى) وقالت وهي مغادرة الصف: نعم إن للغة عندي مكانة عالية ﻻ تعلو عليها الأشياء. فضربتها (نهاد) مازحة وقالت: إن طرازك قديم بالٍ. ولوحت لها بيدها قائلة: إلى اللقاء... فأمسكتها (هدى) من ذراعها بلطف وقالت: هل فكّرت بما قلته لكِ بالأمس؟ (نهاد) غير مهتمة: وإن كنت ﻻ أرتدي الحجاب، ماذا سوف يحصل؟! انظري حولك؛ إنك الوحيدة العجوز في صفِّنا، ومن كانت تؤيدك تزوجت أسوأ شاب في المدينة العام الماضي، فماذا بعد؟ هل تريدين أن أصير تعيسة أخرى على يديك؟! فهزتها (هدى) بقوة: انتبهي لما تقولين! وهل الحجاب هو من زوّجها لذلك التعس؟ أم استعجال أبويها وخوفهم المفرط بحيث قبلوا بأول واحد طرق بابها دون سؤال عنه وعن أحواله؟ انتبهت (نهاد) لما قالته واعتذرت قائلة آسفة (هدى) ولكن ما جرى (لميادة) كان مؤلمًا. - عزيزتي إننا نطمح إلى تحقيق السعادة لأنفسنا؛ ولكن بشرط استعمال العقل الذي وهبنا الله إياه، فلماذا نعلق أخطاءنا بقطعة قماش جعلها الله لنا حرزًا من الشيطان وجنوده؛ لكي نتحرك بحرية ﻻ ترصدنا عيونُ شرهٍ ﻻ تعرف عن الإنسانية شيئًا، وﻻ تعلم من المرأة غير جسدها الذي تدعو إلى تعريته؛ لتستمتع به وتشبع غرائزها... بربِّك أنت، قولي لي: عندما تحجّبت ميادة كما تزعمين بسببي، هل أطاعت الله بحجابها؟! أم أنها أطاعت نفسها؟ وما هو موجود بالسوق من موديلات فاضحة، هل تسمينها حجابًا؟ يا ليتها لم ترتدِ الحجاب الفاضح، وإني أتأسف ممن ترتدي الحجاب مغطية شعرها لكن تبرز مفاتنها وتقول: أنا محجبة! -لقد كانت بارعة الجمال، وكانت تقول أن الحجاب حسب طريقة هدى يجعلني أبدو عجوزة! - حبيبتي (نهاد)، هل تعلمين أن هذه مجرد أوهام، نفسُها توحي إليها بها، هي أخذت الأمر بعناد ولم تترك لي مجالًا لإفهامها المغزى من الحجاب، وكيف يكون ولماذا أصلاً نحن نتحجب؟ فهل هو سجن أم حرية؟ أصغت نهاد بكل جوارحها لزميلتها (هدى) التي ﻻحظت انشدادها للموضوع فقالت لها: يبدو أنك تريدين البقاء في المدرسة، وسارت أمامها تبعتها (نهاد) قائلة: أكملي يا أستاذة محاضرتك! فالطريق طويل. أردفت (هدى): حبيبتي، إنني الآن في غاية الحرية والراحة؛ فلا مترصد لي بعين سوء يستطيع أن ينال مني، لأني شيء غامض بالنسبة له؛ ﻻ يبدو مني غير وجهي وكفي؛ وهذا طريق سأسلكه نحو السعادة، ألا تُريدين السير فيه؟ (نهاد): ما هو الطريق الى السعادة؟(1) (هدى): الجواب بسيط، أن نستعمل أجسادنا فيما خلقنا له، وننشغل بما نحن غداً مسؤولون عنه. (نهاد) وقفت متسمرة في مكانها: كيف؟! لم أفهم كلامك؟ أوَ لسنا خلقنا لنحيا على هذه الأرض؟! (هدى): هناك آية عظيمة في القرآن الكريم يقول فيها تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) سورة الذاريات يعني أن الغاية طاعة الله وعبادته. (نهاد) أوَ لسنا نعبده؟! -أليس من العبادة طاعته بجميع أوامره التي وضعها لحفظنا وسعادتنا؟ (هدى) نعم ولكننا نرتدي الحجاب؟! -هل ترتدينه وفق ما خُطّط وصُمّم لنا من موديل وأزياء؟ (نهاد) لكل زمان أزيائه. (هدى): نعم لم يتدخل الشرع في أزياء كل زمن؛ ولكن هناك ضوابط للّباس الساتر، علينا تصميم أزيائنا وفقه ﻻ العكس. تحيرت (نهاد) في الرد، وقرب الطريق من نهايته، فقالت لها: اختصري لي الجواب؟ وقولي كيف يمكن الوصول إلى ذلك؟ فقالت (هدى) وهي مبتسمة: يكون عن "طريق حب الله" (2)؛ فهو سوف يقودك إلى كل خير؛ فإذا أحببتيه فإنك سوف تحبين كل ما يقول، أنت مثلاً تحبين مطربة معينة ﻻ أريد أن أذكر اسمها؛ تحبين تقليد طريقة كلامها، ومشيتها، وتسريحتها، حتى الألوان التي تحبها تعرفينها، واسم آخر أغانيها، اليس كذلك؟ أجابت (نهاد): بالطبع أنا مغرمة بها. - افعلي ذلك مع الله جل جلاله (ولو كان القياس مع الفارق) حاولي أن تحبيه وتحفظي بعض أسمائه وبعض أقواله وأنتظر منك الرد. في (أمان الله وحفظه)، ملاحظة لقد ودعتك عنده سبحانه. وكلنا هكذا... إنه يحبنا وﻻ يتركنا مهما تركناه، بعكس هذه المطربة التي لو أعلنت لها أنك ﻻ تحبينها سوف تبادلك نفس المشاعر وأكثر. _________________________ (1) كتاب القلب السليم ج1 ص16 تأليف عبدالحسين دستغيب ترجمة حسين الكوراني (2) المصدر نفسه

اخرى
منذ 5 سنوات
2414

هل تسمحين؟ سيدتي...

بقلم: أم البنين عبدالله عبود أن أطوف حول عباءتك هل تسمحين؟ أن أنسج ملاذ آخرتي من خيوط حجابك سيدتي.. هل تسمحين؟ أن أرجم شيطاني بسبع حصيات من حضرتك سيدتي.. نداءٌ من مستغيثةٍ بكِ هاربةٌ من زمانها لائذةٌ بحجابها من عواصفِ عصرها مستمدةٌ قوتها منكِ في زمانها أنياب منقوعة بالسمِ تلتهم ما تراه من سترٍ ووقارٍ وتمزق بأطرافها عقول الشباب وتمتص نخاع دينهم وتحرفه يا سيدتي.. انتِ ملاذي وملاذُ قريناتي يا سيدتي... صبركِ.. لي عمود استند عليه في حياتي وتضحيتكِ.. لي قدوة أخطو بها خطوات مستقبلي علمتنِي الصدق والوفاء أعطيتنِي العزة والإباء أوصلتنِي لحدودِ السماء يا سيدتي... يا ام البنين.

اخرى
منذ 5 سنوات
839

الرصاصُ المقبور شاهدٌ وشهيد

بقلم: عبير المنظور كثيرةٌ هي اللحظات التي كنتُ أتمنى فيها أن أتحرر من سجني، لا لحريةٍ مكذوبةٍ أتمناها، وإنّما لحريةٍ حقيقةٍ كنت أرومها، وهي أن أُرزقَ الشهادة، فقد كان حلم الشهادة يراودني أنا ورفاقي ويحرّك الأمل القابع في الروح شوقًا وتحرّقًا لتحقيق ذلك الحلم يومًا ما، كنا جميعًا نتشاطر ذات الحلم، كنّا نغبط رفقاءنا الذين سبقونا للشهادة، وقضوا على أشرار الخلق، وانتهت حياتهم بشرف بانتهاء تلك المَهمَّة بزفَّةِ عُرسٍ مُضمّخةٍ بدماءِ الشهادة، كنت كلما أرى شخصًا يفتح باب السجن كنتُ أتوجّه إلى الله بتراتيل دعاء، وأتمتم بترنيماتِ عشقٍ وأملٍ بأن يحين دوري للمَهمَّة القادمة، وفي كلّ مرة كنت أزداد أملًا عن سابقتها حتى حان دوري، طاش لُبّي فرحًا وتلعثمتُ بهجةً وسرورًا، ودّعتُ رفاقي وانطلقت مُحلِّقةً بزهوٍ في السماء بين أقراني، ملأنا الخافقين مرة واحدة كزخات المطر، وأصبحنا نتراشق من هنا وهناك في أعالي الجوّ مع أسراب الطيور، كان منظرًا جميلًا لم أشهده من قبلُ، فكل ما كنتُ أعرفه عن عوالمنا أنها خالية من الحياة والجمال والعطاء، فنحن خُلِقنا للحروب والقتل في المعارك الضارية، ووُجِدنا لقتل الأشرار وتنقية العالم منهم، إلا أنني لم استمتع بمنظر أسراب الطيور الخلّاب هذا، فوجودنا قد أثار الطيور وشتت انتظامها مما اضطرها للهروب، لم أفهم للوهلة الأولى ما يجري، وأكملتُ مسيرتي بحسب ما يرسمه القدر لوِجْهَتي. توقفتُ في المحطة الأخيرة، واخترقتُ الخطوط، وجِبتُ الأروقة، لكنني كنت في كلّ مرة أزداد تعجُّبًا ممّا أرى، وفي الوقت ذاتِه أصبحتُ أُدركُ جيدًا أنني أخطأت الهدف، حاولتُ الرجوع مرارًا ولكن هيهات، كان خطُ انطلاقِ مَهمَّتي خطَ انطلاقٍ لا رجعةَ فيه، لم أجد بُدًّا من الاستقرار في قلب الهدف إلا أنّني أُعجِبتُ بكَمِّ النقاء والبراءة فيه، كان الهدفُ عبارةً عن رأس طفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها الغضّ، رأسٌ صغيرٌ سكنتهُ صور الوالدين والإخوة والأقارب والأصدقاء ترافقها أحلامٌ كبيرةٌ بأن تصبح طبيبة؛ لتخدم الإنسانية، وتسهم في تقدم وطنها وازدهاره، وفيه العديد من الأفكار البريئة والذكريات الجميلة من ابتساماتٍ تلقائية وضَحكاتٍ لمواقفٍ طريفةٍ جمعتها مع الأحبة، ويبدو أنّ دُميتها الصغيرة كانت تحتلُّ مساحة كبيرة فيه. لم أجد في ذلك الرأس شيئًا من التعقيد إلا بعض المسائل الرياضية التي أشكل فهمها على تلك الطفلة المسكينة؛ بسبب صعوبة المناهج الدراسية في أثناء السنوات الأخيرة، كانت هذه الجنبة السلبية الوحيدة التي وجدتها في رأس تلك الطفلة، وانزعجتُ؛ لأنني لم أجد ما كان يتكلم عنه رفاقي الذين رافقوا أبطال الحشد الشعبي في معاركهم البطولية عن هدف، وأصل مَهمًّتنا هو القضاء على الشر ومصدره ومحيطه، ونحقق الخير والأمان، لم أجد الشرّ الذي كانوا يتكلمون عنه، فبدأت ألوم نفسي، أيعقلُ أنني غيّرت المسار وغيّرتُ الهدف؟! كيف ذلك وأنا موجهةٌ نحو الهدف فأصبحتُ على يقين أنَّ الرامي هو مَنْ أخطأ الهدف، فهو كما يبدو لم يُصوِّبْ على هدفٍ معينٍ بل أطلقني عشوائيًا وإلاّ لِمَ أصبتُ هذا المحيط المتشبّع بالخير والنقاء! أيُعقل أن يكون الرمي العشوائي بهذه القسوة؟! أن يقتل أحلامًا وضَحكاتٍ لطفلةٍ بريئةٍ ليس لها ذنب سوى أنّها كانت جالسةً في حديقة منزلها تتأمّلُ الورد؛ لتقطف أزاهيرًا من الشكل أجملها ومن العبق أضوعها؛ لتهديها لأمها في عيد الأم. تُرى منْ المسؤول عن هذه الفاجعة؟ هل هو جهل الرامي أم تهوره الذي تسبب في مقتل شخص برئ بالخطأ؟ ألم يكن يعلم أن الرصاص يقتل؟! وأنّه وُجِد لساحات الوغى والقتال للقضاء على الأعداء والأشرار؟! كم كنتُ غبيةً حينما كنتُ أُمنّي نفسي بالخروج من حافظة الرصاص التي كنتُ أعدُّها سجنًا لي كي أُرزق الشهادة وأموت في رأسٍ داعشيٍّ بغيضٍ دنَّس أرض المقدسات؛ لأقضي على أفكاره الشيطانية وخططه القذرة، وأقتل بذلك آماله بأن يقتل الأبرياء، ويسبي النساء، ويستعمر بلد الأنبياء والأولياء، وإذا بي أجد واقعًا مختلفًا عمّا كنتُ أخططُ له. كم كنتُ ساذجةً حينما كنت أرسمُ نشوةَ شهادتي في رأسه العَفِن، وإذا بي استقرُّ في رأس طفلة بريئة، كم احتقرتُ نفسي حينها واحتقرتُ مَن أطلقني أكثرَ وأكثرَ. أيُّ استهتار وأيُّ جهل وأيُّ تسيّب أوصل الأمة لهذه الحال البائسة؟! ما الدافع المُهم الذي يستوجب الرمي العشوائي؟ مهما كانت المناسبة ومهما كانت الأسباب فإنّها مسوغات سخيفة جدًا وغير منطقية للموجودات العاقلة. أنا أُحدّثكَ أيها الرامي بشكل عشوائي فاستمع مقالي: أولاً وقبل كلّ شيء: أنا لستُ رصاصة طائشة كما تزعم، وإنّما أنت الطائش بتصرّفك غير المسؤول هذا. تُرى ماذا ستكون ردّة فعلكَ إن استقرتْ رصاصة في رأس أحدٍ من أطفالك أو أقاربك؟ هل ستقول: إنّها رصاصة طائشة! أم ستلعن مَن أطلقها لعنًا وبيلًا هو وأهله وعشيرته؟ تُرى هل ستتخيل نفسَكَ يوم القيامة قاتلًا لنفس بريئة دون ذنب؟! وإن قلتَ: إنّكَ لم تكن قاصدًا لقتل نفس بريئة، وإنّكَ رميتَ عشوائيًّا بدافع الفرح والحماسة، أقولُ لكَ: ألمْ تسمعْ وترى في كلّ الأعياد والمناسبات العامة والخاصة بحالات القتل بالرصاص العشوائيّ أو الطائش كما تزعم؟! وإن لم تسمعْ بذلك، ألمْ تفقه أننا جنس قاتل؟! ألم يُخبركَ مَنْ علّمكَ حملَ السلاح أنّ الرصاص غادرٌ ومُميتٌ، وعليكَ إتقان التصويب؛ كي لا تُخطِئَ الهدفَ فتقتل شخصًا بريئًا دون قصدٍ أو تُصيبهُ بإعاقةٍ دائمةٍ أو مؤقتةٍ؟! لماذا لا تُعبّرُ عن فرحِكَ وحماسِكَ بطُرُقٍ وأساليبٍ حضاريّةٍ تُوافق كونَكَ إنسانًا لا همجيًّا وفوضويًّا؟ ألمْ تعلم كلّ هذا؟! ألمْ تعلم بأنّ الله سيَحشُركَ مع القتلة والمجرمين وإن كنتَ غير متعمِّدٍ للقتل، ولكنك ستُحاسَبُ على إصرارك وتهوُّرِكَ واستهتارِك بأرواح الأبرياء في الرمي العشوائيّ مع احتمال قتل نفس محترمة ولو بنسبة ١ %؟ زيادةً على مساهمتك في زعزعة الأمن والسلام في المجتمع وإخافة الناس وترويعهم وخاصة النساء والأطفال، إذن ما الفرق بينك وبين الإرهابيين؟! شارفت حياتي على الانتهاء ولم يَعُدْ لي متسعٌ من الوقت، ولم تنتهِ كلماتي للرامي العشوائيّ بعدُ، فتوجّهتُ لله تعالى ودعوتُ بدعواتي الأخيرة: إلهي، اغفر لي فأنت تعلم بأني لستُ أنا المذنبة في جريمة القتل هذه، وأنا سأكون شاهدةً على جريمة الرامي يوم القيامة؛ لآخذَ بحقِّ هذه الطفلة التي يتمنى أهلها أن يعرفوا شخصَ قاتِلها للاقتصاص منه؛ كي تهدأ ثورة نفوسهم. ورجائي الأخير أنْ أُقْبَرَ مع كَمّ البراءة هذه في قبرها الصغير، وأنْ لا أخرجَ منه أبدًا؛ لأنني لم أجد مكانًا أكثرَ نقاءً وبراءةً من رأسِ هذه الطفلةِ الصغيرةِ لأُدفنَ به... أحسستُ ببرودةٍ أحاطتْ جسدي، وأيقنتُ بحلول أجلي، فتمنّيتُ أمنيتي الأخيرة بأن تخترقَ رأسي رصاصة عشوائية وتستقر فيه؛ لتقتلَ خلايا ذاكرتي التي امتلأتْ بالذكريات المؤلمة في هذه الرحلة التي خيّبتْ آمالي وأراقتْ دمَ شخصٍ بريءٍ... أنا... أنا تلك الرصاصة التي تنقلُ لكم ما رأته وما تشعرُ به الآن؛ لأرقد بسلامٍ حتى أُستدعى للشهادة في ساحة المحشر، أنا والعديد من أمثالي من الرصاص المقبور.

اخرى
منذ 5 سنوات
1182

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70729

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51783

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41679

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36383

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
33256

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32327