الصبر الإيجابي… السيدة الزهراء (عليها السلام) نموذجاً

بقلم: رضا الله غايتي للصبر قيمة كبرى في الفكر الإسلامي، فقد روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد "(1). فإن الرأس من بين سائر الأعضاء الظاهرية الأخرى له خصوصية بالنسبة للجسد فهو مركز قيادته وإذا ما تعرض لسوء أو شلل فإن كلّ أو جل أعضاء البدن الأخرى تتعرض لذلك أيضاً وعندئذٍ لن يكون هناك أيّ فارق بين حياتها وموتها. بل هو ضروري جداً إلى درجة أن يفقد الجسد بفقده الحياة. ولا غرو في أن يكون الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد فهو القوة التي يتمكن بواسطتها الانسان من تجسيد معتقداته بصورة عملية. وهو الذي يُمكِّن المسلم من نفخ روح محاسن الأخلاق في جسد سلوكياته اليومية. وهو الذي يترجم أصول الدين ويساعد على تطبيق فروعه وأداء مختلف التكاليف الشرعية. وعندما يُفقَد الصبر، يُفقَد معه كل شيء من التوحيد الى إماطة الأذى عن طريق المؤمنين. بل إن رسالات السماء لم تكن لتصل الينا لولاه. فهو العامل الذي صان النداء الإلهي، وحفظ التوحيد والذي سيحفظه إلى يوم القيامة. من هنا يحرص أغلب المؤمنين على أن يصبروا، إلا أن الكثير منهم يفهم الصبر فهماً سلبياً يقتصر على تحمل الآلام والمصاعب وتجرّع الأحزان والمصائب. وهو فهم غامض ومطاط الى درجة يمكن توجيهه إلى معانٍ مختلفة، بل و متضادة أحيانا. فكما يمكن للصبر أن يوظف توظيفاً ايجابياً ليفتح للشعوب باباً إلى الحرية والرخاء فكذاك يمكن أن يوظف توظيفاً سلبياً يفتح لهم باباً إلى الاستعباد والشقاء. فيتجرّعون مرارة التعاسة وذل الاستعباد بكأس الفهم المغلوط للصبر مقتنعين قناعة تامة أنهم مأجورون على ذلك ومثابون. ومما لا شك فيه أن المستفيد الأول من كل هذا هم الظالمون والمفسدون. على حين أن الصبر حسب الرؤية الدينية مفهوم نشط وفاعل، لا أنه راكد وخامل، لا يعرف الاستسلام والسلبية. بل يتضمن عنصر العمل والحركة والفاعلية. ويحطم العقبات ويرفع الموانع ويواجه المشكلات ويتجاوزها بكل سهولة محققاً النتائج الإيجابية. وبذا يكون سبيلاً لتحقيق الأهداف ومفتاحاً للفرج والتقدم والتطور لا سبباً للشقاء والتعاسة والتقهقر. إذاً فالصبر: هو مقاومة الإنسان للعقبات والعراقيل الداخلية (النفسية) والخارجية (الظروف المحيطة به) للوصول الى الهدف الذي ينشده والغاية التي يرجوها. فهو يبعث على الهمة العالية والمثابرة المتواصلة والعمل الجاد إلى جانب تحمل المشاق والنوائب ومواجهة الظروف القاسية والمتاعب في سبيل تحقيق الأهداف وبلوغ الغايات. ومن أبرز من أحسنوا الصبر على مدى التاريخ هم الكُمّل من الناس الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ثم الأمثل فالأمثل، ومنهم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) فعلى الرغم من عمق حزنها و شدة أساها على فقد أبيها ــ فقد روي عن الامام علي (عليه السلام) أنه قال: "غسلت النبي (صلى الله عليه وآله) في قميصه فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما رأيت ذلك منها غيبته "(2)ــ إلا أنها صبرت صبراً فاعلاً صبراً حركياً إيجابياً شهدته الساحة الاسلامية. و لم تنزوِ في بيتها؛ لأنها لاحظت بداية الانحراف في مسار الدين الاسلامي وأيقنت إنه إذا ما تُرِك سيزداد اتساعاً بمرور الزمن لا محالة. فبادرت الى تقويمه معرضةً نفسها وحياتها إلى الخطر ولم تدخر جهدا إلا واستثمرته ولم تدع وسيلة مشروعةً إلا ووظفتها. ففضحت زيف من اغتصب الخلافة (ولعمري لولا فاطمة (عليها السلام) لم يعرف المنافقون الضالون الذين تقمصوا الخلافة الكبرى، وعموا عن نص الولاء، وأغضبوا رب العلى؛ إذ كانت (عليها السلام) ترغم أنف المعاندين بحجتها، وتفحم مغاليطهم ببراهينها، وترفع لثام النفاق عن وجوههم بخطاباتها)(3) فإن كانت السقيفة قد رفعت شعار (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات) تمهيداً لطمس ذكره وإماتة اسمه ــ وإلا لم يذكر التاريخ أن أحداً من المسلمين كان ليفعل ذلك ــ فهي (سلام الله عليها) قد سنّت في الدين سنة كبرى وهي شدة التعلق به(صلى الله عليه وآله) وذلك بديمومة حزنها وكثرة بكائها عليه (صلى الله عليه وآله) وبذلك فقد اعترضت اعتراضاً عملياُ على نهج السقيفة. ومن مظاهر فاعليتها أن القوم عندما حضروا عند باب دارها مطالبين أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يبايع الخليفة الأول اقتربت من باب دارها ورفعت صوتها لِتُعلم المعتدي أن في البيت روح المصطفى التي بين جنبيه علَه يعود أدراجه حياءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفظاً لحرمته. لكنها فوجِئت باقتحام الدار من قبله وأعوانه فلاذت وراء الباب رعايةً للستر والحجاب. وعصرتها حينئذٍ أحقادُهم بين الحائط والباب وغُرس المسمار في صدرها وأسقط جنينها وبالرغم من كل ما كانت تعانيه من الألم النفسي والجسدي ما إن علمت بأن القوم قد اقتادوا أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أسرعت لتدافع عنه، فقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: "لما استخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله، خرجت فاطمة (عليها السلام) فما بقيت هاشمية إلا خرجت معها حتى انتهت قريبا من القبر، فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعث محمدا بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسي ولأصرخن إلى الله (تبارك وتعالى)، فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي، قال سلمان (رضي الله عنه): كنت قريبا منها فرأيت والله أساس حيطان المسجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقلعت من أسفلها، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها، فقلت: يا سيدتي ومولاتي، إن الله (تبارك وتعالى) بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة فرجعت، ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا "(4) ومن مظاهر تحركها أيضاً للمطالبة بالحق ورفض الباطل هي خطبتها في المسجد النبوي الشريف وما تضمنته من أدلة وبراهين وحجج دامغة لتثبت حق أميرها بالخلافة وحقها وحق بنيها بإرث أبيها (عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين). وكلامها مع نساء المهاجرين والأنصار عندما عدنها في مرضها الذي استشهدت فيه. وإذا صح الحديث بأنّ الإمام علي (عليه السلام) كان يطوف بها على بيوت المهاجرين والأنصار أو جموعهم كما جاء في بعض الروايات. فكل هذا يعني أنها (عليها السلام) كانت صابرةً صبراً إيجابياً حركياً فاعلاً لا صبراً سلبياً خاملاً يتسم بالانطواء والاستسلام.. ولم تكتفِ بكل ما قدمت (سلام الله عليها) بل استمرت بالصبر الايجابي الفاعل متخذة من الدمعة شعاراً ومن الحزن دثاراً. ولم تهدأ عبرتها ولم تسكن لوعتها فأدركت السلطة الحاكمة أن دموع الزهراء (عليها السلام) قد تجاوزت معناها العاطفي المحدود الى معانٍ تتسم بالقوة والصمود ومواجهة جورهم بالثورة فتضايقت من ذلك وانزعجت انزعاجاً شديداً لا سيما أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد دُفِن في بيتها المطل بابه على المسجد. وكان المسلمون عندما يؤدون زيارة قبره المقدس يسألون عن حالها وأخبارها ولا غرو في ذلك فهي البنت الوحيدة له (صلى الله عليه وآله) وهم على يقين من قربها إلى قلبه وعظم مقامها عنده. فيطلعون على عظم أساها وديمومة حزنها وكثرة بكاها ويذكرهم ذلك بما جرى عليها من ظلامات من غصب الخلافة وغصب حقها واقتحام بيتها وهتك حرمتها واسقاط جنينها.. عندئذٍ أيقنت السلطة بأنها باتت تشكل مصدر خطر عظيم عليهم وعلى خلافتهم فبادرت ـ وربما تكون قد حرضت بعض أتباعها ـ للمطالبة بإخراجها من هذا المكان الحساس جداً بالنسبة إليهم، خشية أن يتغير مجرى الأمور في غير صالحهم فيما لو استمر الحال على ما هو عليه. فادعت دعوى بعيدة كل البعد عن الصحة وهي أن بكاءها يؤذي أهل المدينة!! فبنى لها أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتاً للأحزان تذهب إليه نهاراً وتغادره ليلاً. ولو كانت دعواهم تتمتع ولو بنسبةٍ من الصحة لكان الأجدر بها أن تذهب إليه ليلاً لأن بكاءها (عليها السلام) في الليل بلا شك أكثر إزعاجا للناس من النهار إذ إن الليل وقت السكون والراحة بخلاف النهار الذي يتفرق فيه الناس إلى متابعة أعمالهم وقضاء حوائجهم. هذا فضلاً عن أنها أجل وأعظم من أن تؤذي أهل المدينة ببكائها وهي من روى عنها الإمام الحسين (عليه السلام): "رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها يا أماه لم لا تدعون لنفسك كما تدعون لغيرك؟ فقالت يا بني: الجار ثم الدار"(5) فعلى الرغم مما ألمَّ بها من مصائب شديدة ونوائب عظيمة غير أنها لم تستسلم بل كانت تستجمع قواها مرةً بعد أخرى لتصون الدين من الانحراف وتدافع عن الولاية وتحافظ على إمام زمانها (عليه السلام) بصبرها الايجابي الفاعل الحركي حتى آخر لحظات حياتها المباركة. بل وحتى بعد استشهادها وإلى يومنا الحاضر حيث أوصت أن تُدفَن سراً لتكون بذلك فيصلاً بين الحق والباطل على مر العصور وتعاقب الدهور وبذلك حققت هدفها في حفظ الشريعة من الانحراف لأنها إذ لم تتمكن من تنحية الغاصبين فقد جردت نهجهم من الشرعية للعالم أجمعين. وميّزت للقاصي والداني من استحق رضا الله تعالى ممن استحق غضبه إلى يوم الدين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أصول الكافي ج12 ص436 (2) بحار الأنوار ج43 ص157 (3) فاطمة بهجة المصطفى ج1 ص40 (4) بحار الانوار ج28 ص206 (5) علل الشرائع ج1 ص182 

اخرى
منذ 5 سنوات
3036

الزهراء (عليها السلام) تحث النساء على طلب العلم

بقلم: علوية الحسيني تمهيد إنّ طلب العلم كمال، وكل ما هو كمال يحثّ أهل البيت (عليهم السلام) على سلوكه، وها هي السيدة الزهراء (عليها السلام) تحث على أحد الكمالات وهو طلب العلم. السيّدة الزهراء (عليها السلام) المبلّغة الرسالية لرسالات الإسلام بيّنت لبني جنسها من النساء تأكيد الدّين الإسلامي -من بين سائر الأديان- على ضرورة تعلّم المرأة، ومكانتها واحترامها. تذكر بعض الكتب مقام المرأة عند بعض الأديان، وكيفية تحقيرها، مما يجعل المرأة أقل درجة من سائر المخلوقات، حيث كان "علماء وزعماء الديانات يبحثون ويتناقشون على طول قرون عديدة في أن المرأة هل هي إنسان أو غير إنسان، وهل تحمل روحاً أم لا !. وكانت الديانة الهندوكية مثلاً قد سدت أبواب تعليم كتبهم المقدسة على المرأة لعدم جدارتها لذلك !. كما وإنّ الديانة البوذية لم يكن فيها سبيل لنجاة لمن اتصل بامرأة !. وأما في الديانات النصرانية واليهودية فقد كانت المرأة هي مصدر الإِثم ومرجعه فيهما, وكذلك اليونان" (١) وعلى ذلك يقاس ما يقول به الغرب اليوم من الإفراط الزائد في التعامل مع المرأة، رغم منحها مناصب علمية. وعوداً على بدء نتساءل: هل يثبت للمرأة حق التعليم أم شرّع فقط لابنة النبي الزهراء (عليهما السلام)؟ جوابه سيتضح في المطالب التالية. *المطلب الأول: طلب المرأة للعلم من الناحية القرآنية قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}(٢) ظهور الآية الكريمة يدل على أنّ الذين يرفعهم الله تعالى هم المؤمنون، وأهل العلم، رجالاً ونساءً؛ بدلالة السياق الخطابي للقرآن الكريم حينما يريد تكليف الجنسين يعبّر عن ذلك بصيغة الجمع كما هو واضح في آية {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} إذ التكليف بإقامة الصلاة لا ينحصر بجنس الرجال دون النساء، بل صيغة الجمع تدل على شمول كلا الجنسين بالتكليف، فكذلك رفع منزلة أهل العلم من للرجال والنساء، والظهور حجّة، وفي ذلك قوّة للدليل على شمول النساء بحق العلم ونيل مرتبة الرفعة الإلهية. ثم إنّ السياق الخطابي وإن كان بضمير جمع المذكر السالم إلاّ أنّ العرب جرت خطاباتهم -تغليباً- على إطلاق جمع المذكر السالم على جمع من المفرد المذكر، وللجمع المختلط من الجنسين على سبيل تغليب المذكر؛ إما للاختصار، أو للخفة، أو لأسباب اخرى. ومعنى التغليب هو اجتماع شيئين في الحكم؛ لوجود تناسب بينهما بوجه من الوجوه. *المطلب الثاني: طلب المرأة للعلم من الناحية الروائية الروايات الشريفة جاءت بدورها تؤكد على طلب العلم، مصرّحةً تارةً بفرض طلبه على النساء، واخرى متضمنةً ذلك، فمما صرّحت به: الحديث القائل: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ"(٣)، ففرضت الرواية تعلّمه حتى على النساء. واخرى متضمنةً حق التعليم للمرأة، ومنها: ما روي "عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال : سمعته يقول: يغدو الناس على ثلاثة أصناف: عالم ومتعلّم وغثاء، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلّمون وسائر الناس غثاء"(٤)، فكلمة (شيعتنا) تشمل الذكر والانثى، فالإمام الصادق(عليه السلام) ساوى بين الرجل والمرأة بثبوت حق التعليم أو التعلّم. *المطلب الثالث: طلب المرأة للعلم من الناحية التاريخية التاريخ بدوره يذكر لنا نسوة أصبحن نجوماً لامعةً في سماء العلم والفضيلة، وعلى رأسهن سيّدتهن وسيّدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) إنَّ المقامات السامية لها (عليها السلام) وعلومها الزخارة أهّلتها لأن تقوم بدور التربية والتعليم والتوجيه لـنساء العالم في كلّ عصرٍ ومصر. فكانت نساء عصرها يجتمعنَ حولها ويتلقينَ منها علوم الإسلام ويسألنها عن كل شيء؛ حيث هي موضع الحكمة، فتقوم بدورها الرساليّ. وبدأ تأثير رقعة دورها الرسالي يتوسع شيئاً فشيئاً، فبعد اتقان تأثيرها داخل المنزل على بنيها وقريباتها، شعّ لها شعاعٌ معرفي شمل نساء منطقتها، "فكانت تعلّم النساء ما يشكل عليهنّ من الأحكام الشرعيّة والمعارف الإلهيّة الضروريّة، وكان يغشاها نساء المدينة وجيران بيتها"(٥) وحسب ما يذكر التاريخ أنّها (عليها السلام) اتخذت من بيتها منــبراً لتبليغ الرسالة الدعوية، وفي ذلك يُسْرُ طريقةٍ ممكن أن تسلكها أي امرأة تريد الاقتداء بمولاتها. "فذكرت بعض الكتب أنّ بيتها [عليها السلام] كان المدرسة النسائية الاُولى في الإسلام، حيث تقبل عليها النساء طالبات للعلم، فيجدنَ فاطمة العالمة وهي تستقبلهنَ بصدرٍ رحبٍ لا يعرف الملالة والسأم"(٦) وفي ذلك اشارة واضحة لتنظيم وقت المرأة ما بين أعمالٍ منزلية، وواجباتٍ زوجية، وتثقيفٍ بالعلوم الدينية، لتجمع بين العمل والعلم دون أدنى تقصير في أيٍ منهما، وكلٌ مقرون بالنيّة. ومما يدل على سعة صدى ما كانت تبلّغ به السيّدة الزهراء (عليها السلام) هو انتهاج بعض النسوة آنذاك بنهجها، سواء أحضرت درس السيّدة أو لم تحضره، فكانت (عليها السلام) ذات رحابة صدر، وخلق حسن، وتواضع رفيع؛ وبسببه التفت حولها نساء قومها، فروي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "حضَرَت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت : إنّ لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء ، وقد بعثتني إليكِ اسألكِ ، فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك ، فثنّت [أي سألت سؤالاً ثانياً] فأجابت ، ثم ثلّثت [أي سألت سؤالاً ثالثاً] إلى أن عشّرت [أي سألت عشرة أسئلة] فأجابت ، ثم خجلت من الكثرة ، فقالت : لا أشقّ عليكِ يا ابنة رسول الله. فقالت عليها السلام : هاتي وسلي عمّا بدا لك... إنّي سمعت أبي يقول : إنّ علماء أُمّتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله ، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور"(٧) بل ووصل صدى علمها إلى أزواج تلك النسوة اللاتي كنَّ يدرسنَ عندها (عليها السلام) حيث رويَ عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عني: أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟ فسألتها، فقالت (عليها السلام): "قولي له: إن كنتَ تعمل بما أمرناك وتنتهي عما زجرناكَ عنه، فأنت من شيعتنا وإلاّ فلا. فرجعت فأخبرته، فقال: يا ويلي ومَن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالدٌ في النار، فإنّ مَن ليس مِن شيعتهم فهو خالد في النار!. فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال زوجها، فقالت فاطمة (عليها السلام) قولي له: ليس هكذا فان شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي اعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا لـــيسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها، إلى أن نـستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا"(٨) وهناك الكثير من تراث السيدة الزهراء (عليها السلام) في شتى النواحي العقدية، والأخلاقية، والفقهية، والقرآنية، والاجتماعية، والتربوية، والزوجية، والوعظية. إذاً ها هو التاريخ يسجل أرقى درجات العلم لامرأةٍ، وعلى نهجها سارت العالمات، فثبت حق التعليم للمرأة، وهو المطلوب. *المطلب الرابع: أيُّ علمٍ يجب أن يُطلب، ولماذا؟ لابد من البحث في فرعين: الأول: في بيان نوع العلوم الأكمل تعلمها، والثاني: في بيان سبب ترجيحها على غيرها. -الفرع الأول: أيّ العلوم يجب أن تطلبها المرأة؟ كما نعلم أنّ التفاوت النسبي ملحوظٌ في جميع الأمور العلمية والعملية، ففي جانب العمل مثلاً منصب المدير أعلى درجةً من منصب الموظف. وفي جانب العلم مثلاً علم الطب أعلى درجةً من علم الزراعة، وهكذا. وهكذا تكون وظيفة الداعية المبلغة أعلى درجةً من وظيفة الطبيبة والمهندسة-مثلاً- ؛ بلحاظ أفضلية العلوم الدينية على غيرها من العلوم. فلو تأملنا في القرآن الكريم لوجدناه يحثّنا على طلب العلوم الدينية أولاً وبالذات، بدليل قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَر مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون)(٩) يقول العلاّمة الطباطبائي ( قدس سره) في ميزانه مفسراً لهذه الآية: "ومن هنا يظهر... أن المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول [التوحيد، العدل الإلهي، النبوة، الإمامة، المعاد] وفروع [الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، الخمس، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر] لا خصوص الأحكام العملية وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة، والدليل عليه قوله: ﴿لينذروا قومهم﴾ فإن ذلك أمر إنما يتم بالتفقه في جميع الدين وهو ظاهر"(١٠) وأيّده الشيخ ناصر الشيرازي (قدس سره) حيث قال في أمثله: " لا شك أنّ المقصود من التفقه في الدين هو تحصيل جميع المعارف والأحكام الإِسلامية، وهي أعم من الأصول والفروع، لأنّ كل هذه الأُمور قد جمعت في مفهوم التفقه، وعلى هذا، فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب توجه فئة من المسلمين وجوباً كفائياً على الدوام لتحصيل العلوم في مختلف المجالات الإِسلامية، وبعد الفراغ من التحصيل العلمي يرجعون إِلى مختلف البلدان، وخصوصاً بلدانهم وأقوامهم، ويعلمونهم مختلف المسائل الإِسلامية"(١1) (لـيتفقهوا في الدّين) الفعل المضارع المقرون باللام يدل على الأمر، والأمر ظاهر في الوجوب؛ لعدم وجود قرينة صارفة إلى الاستحباب، إذاً صيغة الفعل تدل على الوجوب"(١٢) ثم إنّ المتأمل في الآية الكريمة يجد أنّ الله تعالى قيّد التفقه بالدّيـن، وهذا قيدٌ احترازي عن غيره، فمدلول الآية التصوري الذهني مطابق للمدلول التصديقي في سياق الكلام. إذاً بما أنّه تعالى ذكر القيّد –الدِّين- إذاً هو سبحانه يريده"(١٣) أمــا أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) بشأن العلم، وحثهم على طلبه، فهي تدلنا أيضاً على أنّه العلم الديني، فقد روي "عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابي جعفر (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ: قَالَ الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّين..."(١٤) -الفرع الثاني: لـماذا طلب العلوم الدينية تحديداً؟ إجمالاً نقول: لأنّ العلوم الدينية يترتب عليها اعتقاد وفعل وترك، فهي ليست كغيرها من العلوم. ■توضيحٌ وتصريح: قسّم علماؤنا الأبرار العلم الشرعي حسب مراتبه، حيث قالوا: "وهي [مراتبه] ثلاثة: فرضُ عينٍ، وفرضُ كفايةٍ، وسُنّة. فالأول: اعتقاد كلمتي الشهادتين، وما يجب لله ويمتنع عليه والاذعان بالإمامة للإمام، والتصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله من أحوال الدنيا والآخرة مما ثبت عنه تواترا. كل ذلك بدليل تسكن النفس إليه ويحصل به الجزم... . وأما الفعل: فتعلم واجب الصلاة عند التكليف بها ودخول وقتها، أو قبله بحيث يتوقف التعلم عليه، ومثلها الزكاة والصوم والحج والجهاد والامر بالمعروف... . وأما الترك: ... تعليم ما يحصل به تطهير القلب من الصفات المهلكة كالرئاء والحسد والعجب والكبر، ونحوها، مما تحقق في علم مفرد، وهو من أجل العلوم قدرا، إلا أنه قد اندرس بحيث لا يكاد ترى له أثرا..."(١٥) *فائدة(1): بإمكانكِ اختاه سلوك دراسة العلوم الدينية وأنتِ جالسة في بيتك - إن لم تناسبكِ ظروف حضور الدروس الواقعية-، وذلك من خلال الدراسة الحوزوية الإلكترونية للمدارس الموثوقة. *فائدة(2): حينما نجد التأكيد على طلب العلوم الدينية نلمس عظمة وثقل مسؤولية حملها، وأمانة فهمها وتطبيقها، وتبليغها، فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا"(١٦) مع ملاحظة عدم طلب العلم للمباهاة أو الشهرة أو المماراة، حيث روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ الرِّئَاسَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لاهْلِهَا"(١٧) ثم تبليغه للناس، حيث روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ الله"(١٨) *فائدة(3): الآيات والروايات وإن حثّت على تعلّم العلوم الدينية لكنها لا تقلل من أهمية العلوم الاخرى كالطب، والهندسة، والحقوق، والزراعة... وغيرها من هذه العلوم، إلاّ أنّها بيّنت الأكمل، والذي كانت تدعو إليه السيّدة الزهراء (عليها السلام) وإلاّ لدينا العديد من المؤمنات جمعنَ بين العلمين، فكم من طبيبةٍ أو مهندسةٍ وهي مبلّغة رسالية، اللّهم زد وبارك. يقول الشيخ زين الدين العاملي (قدس سره): "وباقي العلوم من الطبيعي والرياضي والصناعي أكثره موصوف بالإباحة بالنظر إلى ذاته، وقد يمكن جعله مندوبا لتكميل النفس، وإعدادها لغيره من العلوم الشرعية بتقويتها في القوة النظرية، وقد يكون حراما إذا استلزم التقصير في العلم الواجب عينا أو كفاية، كما يتفق كثيرا في زماننا هذا لبعض المحرومين الغافلين عن حقائق الدين"(١٩) ______________________ (١) المرأة في شريعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): للشهيدة بنت الهدى، ص٢٠. (٢) المجادلة: ١١. (٣) بحار الأنوار: ج٢، ص٣٢، ب٩ من كتاب العلم، ج٢٠. (٤) الكافي: ج١، كتاب فضل العلم، ب٣ ، باب أصناف الناس، ح٤. (٥) شرح ابن أبي الحديد، ج٩، ص١٣٤. (٦) سيدة النساء: ٧٦. (٧) بحار الأنوار: ج٢، ح٣، ص٣. (٨) تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ص٣٠٨. (٩) سورة التوبة: ٢٢. (١٠) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي، سورة التوبة. (١١) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، تفسير سورة التوبة. (١٢) ظ: دروس في علم الاصول، ح٢، الأمر والنهي. (١٣) المصدر نفسه، قاعدة احترازية القيود. (١٤) الكافي: ج٢، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء، ح٤. (١٥) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ١٧٧. (١٦) الكافي: ج٢، باب استعمال العلم، ح٣. (١٧) المصدر نفسه، باب المستأكل بعلمه المتباهي به، ح٥. (١٨) المصدر نفسه، باب بذل العلم، ح٣. (١٩) مصدر سابق، ١٧٨. اللهم اجعل نسائنا عالمات عاملات تقيات، بحق فاطمة عليها أزكى الصلوات.

اخرى
منذ 5 سنوات
7344

رَسائل مِن الزهراء (عليها السلام)

بقلم: رحاب سالم البهادلي إلى نساء العالم بالعموم وشيعة آل أبي طالب بالخصوص. الرسالة الأولى: إلى نساء العالم أنا فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الإسلام والمسلمين، خَرجتُ مِن دونِ خمار فَلم أفتح بابي رعايتاً للستر والحجاب، وهي رسالةً واضحة للنساء، أني وأن كسروا ضلعي، لن أتنازل عن عفتي، وإن أسقطوا جنيني لن أتنازل عن حجابي، لم أفتح باب بدون خمار. والخمار في اللغة هو الحجاب الذي يغطي من الرأس وينزل إلى تمام البدن: الجميع يعرف ما جرى على سيدة نساء العالم! ويجب أن نفهم رسالتها جيداً. أما الرسالة الثانية: فهي موجهةً إلى الشيعة خصوصاً يا شيعة آل أبي طالب، اليوم أنا، وبعدي زوجي وابن عمي علي، وبعدهُ أولادي، وبعدها أنتم، فاصبروا وتصابروا، وها أنا مثال لكم وكأنما تُخبرنا بفتن هذا الزمان وتريدُ برِسالتِها أن تقول: ألعفة والستر هم أساس الحياة، هي كابن عمها قال سألوني قبل أن تفقدوني، هي قالت اقرؤوا رسالتي جيداً فَفيها مَفاهيمً كَثيرةً وعبر. ما جرى عليها من ظلم ومن ترهيب هي وأهل بيتها لم يَمنعهم مِن عفِتهم، فَيا أهل العالم اتَعظوا: هذا جزءٌ بسيط مِن رَسائل الزهراء (عليها السلام) لنا فعوا وافهموا. واللبيب تكفيه الإشارة

اخرى
منذ 5 سنوات
1151

أسرعي الى سيدة النور

بقلم: فاطمة الركابي نادت بُنيتها بأنفاس متسارعة تُنبئ عن حرصها على الالتزام بأمر ربها... وبأنفاس أخرى متداخلة متثاقلة، فقد كانت عجوزاً هرمة، لكنها من أهل الايمان والاتقان. عصف في ذهنها شيء من الشكوك، وشيء كان أشبه بالالتباس عندها في أمر الصلاة؟ وها هي بُنيتها مسرعةً، حضرت وهي تنادي ملبيةً نداءَ أُمُها: نعم يا أماه! فدتكِ بُنيتكِ بروحها قولي فكليّ بخدمتك؟! ابتسمت الأمُ ابتسامة حانية حزينة وقالت: يا روح أُمكِ؛ إن أمكِ شاخت وبَدت في بعض مسائل صلاتها تتردد وفي صحة أدائها تُشكك؟! وأريد من بيت النور وتلك القديسة المشكاة ومضةً تُنير ما انطفئ في قلبي من نور!! هنا صمتت برهةً ثم قالت: يا بُنيتي، اعلمي وإن شاخ البدن وضعفت الذاكرة، لكن قلب المؤمن لا يُحبُ أن يَضعفَ نورهُ، لأن الروح المؤمنة لا يجب أن تغفل عن ربها، فأسرعي يا بُنيتي أسرعي وزوديني مما تزودك به سيدة النور... قالت لها: نعم يا أمي أدام الله تعالى نور قلبكِ، سمعاً وطاعةً سأذهب وأعود لكِ بسرعةٍ ان شاء الله. ذهبت تلكم الفتاة والبهجة بائنة على محياها، قلبها يرفرف كجناح طائر سيأوي الى عشهِ، وخفقاته مع أنفاسها تتسارع كلما اقتربت... فهي ستلتقي بسيدتها الصديقة العالمة (عليها السلام). وبينما هي تفكر بهيبة مولاتها، وكيف أنها ستقف بين يديها، وستتشرف بالجلوس بحظرتها - هكذا قضت لحظات مسيرها - بين سرورها أذ إنها ستقر عينها برؤية روح النبي وحبيبته، وستُنير قلبها بنور جمالها وعلمها الالهي. بلى! فكيف لا يكون قلب امثالها قد شغف بها حباً. وهي هكذا حتى كأنها كادت ان تنسى مسالة أمها؟ وعلى ما كانت هي آتية؟ ولكن الله تعالى لأجل حبها لمولاتها لطف بحالها، فما أن وصلت وطرقت باب بيت النبوة والامامة، طرق السؤالُ بابَ عقلِها مجدداً، فتذكرت ما عليها أن تبديه لمولاتها وتقدمه من مسالة. مع اول طرقة لذلك الباب فُتحَ لها ودُعيت: تفضلي. فحضرت عند الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فقالت: " إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك اسألك". فأجابتها فاطمة عليها السّلام عن ذلك. وهنا وكأنها استأنست هذه الفتاة، كيف لا! فمن ذا الذي لا يُحب مجالسة من كانت أنس الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) ومسكن الوصي الاعظم عليهما السلام! فكررت المسألة، فأجابت الصديقة. ثم عادت وزادت في ما طرحت، والصديقة بكل رحابة صدر كانت تزيد وتجيب وهي مسرورة مستبشرة بالشغف والرغبة عند هذه السائلة في التعلم والمعرفة فيما كانت فيه من الامور عليها مشكلة، حتى وصلت لعاشر مسألة! هنا بانت عليها علامات الحياء والخجل فأمسكت قائلةً: "ﻻ أشقّ عليكِ يا بنت رسول الله". فأجابتها الصديقة (عليها السّلام) بما زاد قلب هذه الفتاة تعلقًا بسيدتها حيث امتزج فيها حقيقة العلم بالحلم فكانت نعم المعلمة المربية، لما قالت فاطمة عليها السّلام: " هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من أكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراؤه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟ قالت: ﻻ يا مولاتي لا...! فقالت الصديقة: اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن ﻻ يثقل عليّ،..." (١) ثم أعطتها درسًا لتكون كسيدتها ولتعلم فضل من لم يَضق ويَتكلف في تعليم غيره، بل ولِتُدرك أن الذي يجيب هو المنتفع وهو الرابح اضعافاً وأضعاف ما ربحه ذلك السائل المحتاج فيما تعلمه، فزادت عليها حيث قالت: سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجِدَهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور" ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: "أيها الكافلون لأيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله)، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم" ثم إن الله تعالى يقول: " أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم، وتضعفوها لهم فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من يليهم ممن خلع على من يليهم". ثم ختمة السيدة جلستها بقولها عليها السلام: " يا أمة الله إن سلكة من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر". هنا عادة الفتاة بعد أن ودعت مولاتها وشكرتها، مزودة بنور قد ملأ قلبها حباً لمولاتها وتواضعاً لعيال ربها ورغبة في نفعهم وتعليمهم وخدمتهم، وجواب يريح قلب أمها ويزيد من اتقاد شعلة أيمانها التي كانت مرتبطة بمصدر النور الذي لا ينطفأ أبداً. (١) تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام) ص 340، ح 216.

اخرى
منذ 5 سنوات
837

شبهة حرمة البناء على القبور

لفهم الدين الإسلامي بشكل مغلوط وطرح الشبهات حول بعض شعائره أثرٌ كبير ولا نبالغ إن قلنا: خطير؛ وذلك لأنه لا يقتصر على تشويه الفكر الإسلامي وحسب، بل يتعدّاه إلى أرض الواقع فيُريق الدماء المُكرَمة، ويستهين بالمقدسات المُسلَمة، وينتهك الأعراض المحترمة، ويبُيح الأموال المحرَمة، ويعيث في الأرض فساداً وافساداً.. ومن بين أهم تلك الشبهات: شبهة حرمة البناء على القبور ولزوم هدمه، فقد نُقل عن الشيخ عبد الله بن بليهد قاضي قضاة الوهّابيّين في الحجاز قوله: "أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً؛ لصحّة الأحاديث الواردة في منعه، وبهذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين على ذلك بحديث عليّ (عليه السلام) أنّه قال لأبي الهيّاج: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! أن لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مُشرِفاً إلاّ سوّيته"(1)) (2) وقد أنتج جهلهم ثماره العفنة المتمثلة بتفجير بعض القباب المقدسة كقباب أئمة البقيع والعسكريين(عليهم السلام). ومن الملاحظ أن بليهد لم يُفتِ بمنع البناء على القبور وحسب، بل ادعى إجماع الأمة الاسلامية عليه، على حين أننا لو رجعنا إلى حكم البناء على القبور في المذاهب الأخرى نجد أنّ كُلًا من (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّة وَالْحَنَابِلَةُ [َذَهَبَ] إلَى كَرَاهَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْجُمْلَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: نَهَى رَسُول اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ بِنَاءُ قُبَّةٍ أَمْ بَيْتٌ أَمْ غَيْرُهُمَا. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَحْرُمُ لَوْ لِلزِّينَةِ، وَيُكْرَهُ لَوْ لِلإْحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ) (3)، مما يؤكد إجماع المذاهب الإسلامية على جواز البناء على القبور، ولم يحرِّمه منهم إلا مذهب الحنفية بقيد (أن يكون مبنياً لغرض التزيين فقط)، فأين الإجماع على المنع المدّعى من قبل الوهابية؟! ثم إن الحديث الذي أورده بليهد للاستدلال به على المنع لا ينهض لذلك لعدة وجوه: الأوّل: لاضطرابه متناً وسنداً الذي يُسقطه عن الحجية والاعتبار، فهو تارة يُذكر عن أبي الهيّاج أنّه قال: "قال لي عليٌّ" كما في رواية أحمد عن عبد الرحمن (4)، وتارة يذكر عن أبي وائل، أنّ عليّاً قال لأبي الهيّاج (5)، فيما رواه عبدالله بن أحمد في (مسند عليّ): "لأَبعثنّك في ما بعثني فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أنْ أُسوّي كلَّ قبر، وأنْ أطمسَ كلَّ صنم"(6). الثاني: وعلى فرض صحة هذا الحديث، فإنّه يمكن القول: إن المقصود من تلك القبور التي أمرَ الامام عليٌّ (عليه السلام) بتسويتها، لم تكن إلاّ قبوراً كانت تُتّخذ قِبلةً عند بعض أهل الملل الباطلة، وتقام عليها صور الموتى وتماثيلهم، فيعبدونها من دون الله، وما يؤكد هذا المعنى عبارة (لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته)، ومن المعلوم أن لا تماثيل تُقام عند قبور المسلمين، بالإضافة إلى ذلك لو كان المقصود بها عموم قبور المسلمين لما ترك الامام (عليه السلام) قبراً منها مشيّداً خصوصاً عندما أصبح الحاكم المطلق على بلاد المسلمين، إذ هل يُعقل أنه (عليه السلام) يأمر أبا الهيّاج بالحقّ ولا يفعله؟! الثالث: من المعلوم في اللغة أنّ تسوية الشيء من دون ذِكر القرين المساوي معه، يُقصد به جَعْلُ الشيء متساوياً في نفسه، وعليه فليس المقصود بتسوية القبر في الحديث جعله متساوياً مع الأرض كما يدّعون، بل بمعنى جعله متساوياً في نفسه، ولو كان المراد منه المعنى الذي إليه يذهبون لقال: إلاّ سوّيته مع الأرض. الرابع: جرت سيرة المسلمين على جواز البناء على القبور، وأجلى مصاديق ذلك قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الواقع في مسجده الشريف، والكاشف عن أنّ المسلمين ومنذ زمنه (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا يرون مانعًا أو محذورًا في البناء على القبور، ولو كان هناك محذور شرعي منه لَأَوْصَى (صلى الله عليه وآله) بعدم دفنه فيه، أو لما دفنه الإمام علي (عليه السلام) فيه، أو لاعترض عليه الصحابة عند قيامه بذلك. مما تقدم يتضح جلياً جواز البناء على القبور شرعاً، وأما ما يقوم به الوهابيون من تفجيرٍ للقباب وتهديمٍ للقبور إنما هو عملٌ إرهابيٌ حاقدٌ لا يمتُّ إلى الإسلام بصلة.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)صحيح مسلم ج2 ص666 (2)جريدة(أُمّ القرى/العدد 69/بتاريخ 17شوال1344هـ). (3)الموسوعة الفقهية الكويتية:ج 32ص250 (4)مسند أحمدج1ص96 (5)مسند أحمدج1 ص129 (6) مسند أحمد ج1ص111وفي ص89:"أبعثك في ما..." رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
1190

ظمأ الآداب وعطش التربية!

بقلم: ريحانة المهدي كانت العلاقة بين المعلم والمتعلم قائمة على الحب والاحترام والتكريم والتوقير، فالمعلم والد يؤدب بالحسن ويهذب بالحكمة ويقسو أحيانا عندما يحتاج الموقف الى قسوة...إنها ليست قسوة كره وبغض، بل قسوة أب يريد الخير لابن...ه الأخلاق منهج سلوك نفسي وخلقي يجب على كل إنسان ان يتخلى به سواء كان معلما او متعلمًا.... ومهمة المعلمين والمدرسين ليست فقط التعليم يجب أن يجمعوا بين: التربية والتعليم ، ليكونوا هم المثل الاعلى في نفوس التلاميذ.... يجب على كل مدرس ومعلم أن ينقل أسلوب الطالب إلى مستوى ارقى مما يكون عليه في ما مضى، لهذا لا بد أن يشعر كل المربين والمعلمين بالمسؤولية العظمى والامانة... فرسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) بعث ليتمم مكارم الاخلاق، وقد وصفه الكتاب العزيز بأنه على خُلُق عظيم. فالأخلاق ضرورية لكل الطرفين فهي منبع الحب الحقيقي بين الناس، وعلى كل فرد أن يتخلى بالأخلاق الفاضلة سواء كان مدرسًا أو طالبًا... إن المدرسة هي المربي الثاني لأولادنا، واليوم نعيش في وقت يتعلم اولادنا ما يضرهم ولا ينفعهم ق... عشرات القنوات التي تحرضهم على الفساد والعنف، والشبكات تدربهم على الضياع وعدم استغلال الوقت بصورة صحيحة... صار مصدر التعلم والتربية هي شبكة الانترنت ... والمدرسة لا قيمة لها عند بعض شبابنا ... فالبيت للأكل والنوم واللعب أمام الانترنت ... والمدرسة لقضاء الوقت ونيل الشهادة فقط عند بعضهم لا التعلم والتطور الذاتي ! وقد ذهب توقير واحترام المعلم واجلاله وتقديره لأسباب معروفة وأخرى غير معروفة... فمنها تربوية، أي عدم غرس الاباء والامهات في قلوب اولادهم احترام المعلم وتقديره وغفلتهم عن هذا الأمر التربوي المهم، حتى نشأ جيل من السهل ان يعتدي على الاستاذ او المعلم بكلام او بتصرف سيء أو حتى بالضرب! السبب الثاني هو أخلاق الاستاذ نفسه، عندما لا يحترم تلاميذه ولا بتصرف بعقلانية وبأسلوب لطيف معهم ولا يحترم شخصهم ولا يأخذ بآرائهم حتى بتنا نسمع في زماننا عن اخلاق البعض انه يتجاوز على تلاميذه بالسب والشتم ! انتبهوا لما تفعلون! قال نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): سوء الخلق شؤم وعن امامنا الحسن (عليه السلام): إن أحسن الحسن الخلق الحسن لقد توفرت اليوم أسباب العلم أكثر من ذي قبل، لكن آداب العلم والمعلم والمتعلم باتت أدراج الرياح إلا كملح في طعام!

اخرى
منذ 5 سنوات
1599

يوم جديد

بقلم: منتهى محسن كلما أمسكت بالقلم ظل واجماً دون حراك، بينما تصادر مني الأفكار وتذهب بعيدا دون أهداف، ورحت أحدث نفسي: - يجب أن أكتب وأستمر وأنً لا أيأس، هيا أيها القلم لقد كنت وعلى مدى سنين خلت طوع أمري، فما بالك اليوم تتشح بالسواد والصمت؟!! الصمتَ يمزقه الأطفالُ حولي، وهم يتقافزون ويمرحون، وما لبث أن جاء أصغرهم يحتضنني وهو يقول: - ماما.. ماما.. متى نذهب إلى مدينة الألعاب ونفترش الأرض الخضراء ونسابق الرياح؟ ضممته وأنا أدغدغ فيه براءته وأمانيه الصغيرة التي تحولت فجأة إلى أحلام كبيرة، بل وربما مستحيلة وعيناي قد اغرورقت بالدموع عندما صوبت وجهي نحو السماء حيث تتزاحم الأفكار وتمتزج بالآمال وتصير الأماني كرات بلورية تتسابق نحو شعاع الشمس وبزوغ الصباح. الصباح في وطني الجريح مفقود.. والأغراب يتفننون بذبح الضحكات وقتل البسمات وموت الصباحات، وبلا هوادة تستمر الأحزان فيرتجف القلم بين إضمامة يدي وهو في مساره على الورق الأبيض يخط خطى الموت والدم المراق كل يوم بلا اكتراث، يصوغه المجرمون بما يحلو لهم من الفتاوى، الأخير لديهم أن القتل مباح والموت المجاني جهاد!! - جهاد يا صغيري هلمّ إليّ، وأخبر إخوتك أننا اليوم سنتحدى الزمان والمكان وسنغادر محطات الحرمان! نعم حبيبي سأجعلك تمتطي عربة الموت وترتقي إلى السماء في دولاب الهواء، وتصارع الوحوش عند رعب الأنفاق، ولن أدعك تشعر بالخوف وأنت تتوسد ذراعي وثغرك باسم، حينها سأطبع على وجنتيك قُبلة ونحن معا بانتظار يوم جديد.

اخرى
منذ 5 سنوات
911

بناء شخصية الطفل

بقلم: قاسم المشرفاوي يحتاج الطفل الى رعاية واهتمام بالجانب المادي والروحي ليتم بناء شخصيته بشكل سليم، فالطفل لا يحتاج الى الغذاء والشراب فقط، وإنما يحتاج إلى حاجات نفسية لكي ينمو عاطفياً ونفسياً ويتناسب هذا النمو مع بناء جسده مادياً، فلا يمكن الاقتصار على تقديم الحاجات المادية للطفل واهمال الجانب الروحي كما يفعل بعض الآباء والأمهات، فشخصية الطفل يتم بناؤها منذ اللحظة الأولى لانعقاد النطفة مع البيضة، فالجنين يتأثر بكل الظروف التي تمر بها الأم، فيشعر بما تشعر به أمه من فرح وسرور وألم وحزن. فالطفل تنتقل له بعض الصفات الوراثية عن طريق العوامل الجينية بواسطة الكروموسومات كما ذكر ذلك العلم الحديث وأكدته الروايات الشريفة منذ وقت بعيد، فالصفات الخلقية والأخلاقية ممكن أن تنتقل إلى الأبناء، فالكرم والشجاعة والجبن والبخل والسخاء صفات ممكن أن ينتقل بعضها إلى الأبناء، وقد ذكر ذلك الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في أكثر من حديث حيث قال: "لا تسترضعوا الحمقاء…" وقال أيضاً: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس... فهذا دليل واضح على إمكانية انتقال الصفات النفسية إلى الأبناء عن طريق الوراثية ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن تعديل الصفات السيئة التي ورثها الأبناء، وإنما يمكن تعديلها وعدم السماح لها بالظهور إذا استخدم الأبوان الطرق الإيجابية في تربية الأبناء منذ اللحظات والسنوات الأولى، فالبيئة التي يعيش فيها الطفل وأسلوب الأبوين كفيلان بتعديل سلوك الطفل وتهذيبه نحو الأحسن. فطبيعة تفكير الوالدين وأفكارهما تنتقلان إلى الأبناء تلقائياً عن طريق التأثر البيئي، فالطفل يعيش في البيت ويتأثر بأفعال أبويه ومن يعيش معه من إخوانه، لذلك فإن الأسرة لها الدور الأول في صناعة شخصية الطفل وبلورتها. إن الأطفال في السنوات الأولى يحتاجون الى حاجات عديدة ليشعروا بالحب والأمان ،وحب الأهل لأبنائهم يجب ان تكون له مظاهر على ارض الواقع ليشعر الابناء بذلك ومن هذه المظاهر : 1/التقبيل: وهذا الأمر والتصرف مهم جداً ليشعر الابناء بأن لهم منزلة وحب في قلوب آبائهم وأمهاتهم فلا يكفي ان نقول لأبنائنا اننا نحبهم بدون ان نقبلهم ،فعن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) حيث قال: من قبّل ولده كتب الله له حسنة. وقال: أكثروا من قُبلة أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام . 2/اللعب: وهو من الحاجات النفسية الضرورية التي تجعل الطفل يشعر بالراحة والاستقرار لأنها حاجة بيولوجية تساعد في توازن نمو الطفل العاطفي والنفسي، لذلك أمرنا النبي الكريم باللعب مع الأطفال والتصابي لهم حيث قال: من كان له صبي فليتصاب له. 3/ الاحتضان: فاحتضان الأطفال يجعلهم يشعرون بأن لهم مكانة وقيمة في نفوس آبائهم ويشعرهم بالاستقرار والتوازن العاطفي كما أنه يزيد من سعادتهم فالعلم الحديث أثبت افراز الجسم لهرمون الدوبامين اثناء عملية الاحتضان. 4/ الاحترام والتقدير: فالطفل تزداد ثقته بنفسه إذا شعر باحترام الكبير له، مما يزيد من تقدير الذات لديه وهذا ما يجعله يثق بقدراته وامكانياته أكثر، وهذا ما يجب على الآباء والامهات ان يفعلونه مع أبنائهم ،ومن مظاهر احترام الاهل لأبنائهم هو: - عدم مقاطعتهم اثناء الحديث وترك المجال لهم بإبداء آرائهم مهما كانت بسيطة.. - الاستماع والإنصات إليهم بشكل جيد عن طريق النظر في عيونهم والتواصل بإيماءات الوجه... - مناقشة أفكارهم بأسلوب يطور من قابليتهم على التحليل لتطوير قابليتهم على صياغة افكارهم بأسلوب أكثر نضوجاً... كل هذه الأشياء تساهم في بناء شخصية الطفل بشكل لائق يناسب البيئة والعصر الذي يعيشه مما يجعله يطور من قابلية التأقلم مع مختلف الظروف والتحديات العصرية التي تعصف بالمجتمعات بشكل سريع.

اخرى
منذ 5 سنوات
2443

وغَرّنِي سِترُكَ المُرخى عليَّ

بقلم: حوراء مالك لقد كانت الجو ممطراً، ولازالت السماء ملبدة بالغيوم، وصوت القران المؤدي إلى آذان المغرب يصدح صوته في أرجاء المدينة، لقد تعب (علي) من تراكم المشكلات والشكوى وعدم حصوله على عمل، كان يدرك جيداً أنها حصيلة أعماله السيئة، لقد شعر بندم كبير وشعر بالغربة الشديدة وتولدت لديه رغبة بأن يلتجأ إلى ذاك المسجد أمامه، الذي كانت بابه مفتوحة على مصراعيها الذي كتب على جهته اليمنى الآية القرآنية: قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ]. (1) ما أن أتم قراءة الآية حتى غرقت لحيته بالدموع وكأن شخصاً احتواه، وكأن أبواب السماء فتحت له الطريق... بدأ يسير ببطيء خطوة بعد خطوة، وبدأت السماء تمطر مجدداً ورأى أحد الاخوة يسرع للالتحاق بصفوف الجماعة وسمع أحدهم يقول لصاحبه بمزاح: هيا اسرع سنسبقك إلى الجنة... شعر بأنها رسالة له ودعوة من الله له فاشتد بالبكاء بعد أن أتم الوضوء دخل وسلم على المصلين. توجد علامة استفهام على وجه بعض المصلين، وأما البعض فرحب به بابتسامة وخاصة إمام الجماعة سيد (أحمد). لقد كانت مميزة في حياته لقد تاب (علي) الى الله، وشعر أن الله تقبّله، وعزم على عدم العودة للإفساد، وإصلاح ما افسد. بعد أن أتم صلاته ودعواته، التقى (علي) بصديق له في منطقته ولكن لم يلتق به منذ فترة، بعد السلام أجاب صديقه (بلال) (علامة عدم الرضا والاستفهام باديه على وجهه): وعليك السلام يا (علي) ماذا تفعل هنا؟ أ هي مصيبة جديدة تود ان تعملها؟! وفي بيت الله؟! لقد جرحت هذه الكلمات قلب (علي) الذي تاب توبة نصوحة ولكنه أطرق برأسه إلى الأرض ولم يعتب على (بلال). قال علي: لقد تغيرت يا (بلال) ولقد تبت إلى الله حقاً ولم أعد لأعمالي السابقة… قال بلال: أنت تغيرت! لا أصدق، وأفعالك السيئة التي فعلتها وعلاقاتك المحرمة وأذيتك للناس! سوف تعود يا (علي) لن أصدقك ولا أحد يعمل مثلك! قال علي : نعم أنا أعترف بأخطائي وسأصلح ما أفسدته، لقد مررت بظروف صعبة وغلبني هواي وشيطاني، أنا لا أريد أن أبرر لنفسي، ولكن الآن أنا مختلف أنا رجعت إلى رحاب الله وسيعينني الله لأنه لا يخذل من عاد إليه. وأنا الآن أطلب منك مساعدتي أن أعمل في شركتك لو سمحت لي. قال بلال (بتعجب) : تعمل في شركتي! وهل جننت لكي أجعلك تعمل فيها ،ستجلب السمعة السيئة إليها. قال علي : لكني تبت يا (بلال) سأصلح ما أقدر على اصلاحه وسأعتذر إلى الناس. قال بلال : أنا لا أصدقك، ستعود إلى حماقاتك ولن أسمح لشخص مثلك بمس باب شركتي ولن يغفر الله لك. هنا انكسر قلب علي وبدأت دموعه تتساقط ولكنه أدار وجهه ومسحها. قال علي: لقد قلت لك إني تبت، وإن الله وعد التائب بالمغفرة وإعانته على إصلاح أموره، وأنا أردت أن أعمل لكي أحصل على مال حلال لكي أعيد للناس حقوقهم، كلنا نخطأ يا (بلال) وتضعف إرادتنا ويغلبنا الهوى في يوم من الايام. قال بلال (بغضب وأشار بيديه إلى نفسه): أنا أخطأ وأعملُ كما فعلتَ! أنا لست ضعيف الارادة مثلك ولن أكون… اذهب يا (علي) فأني لن اسمح لك... هنا [وأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً] به مباركاً ومصفقاً لـ(بلال) . لقد تكبر (بلال) وأدّى به الغرور الى إيذاء (علي) بأشد الكلام قسوة، لم يعلم أن الله هو من أنعم عليه بالحصانة وأن نفسه لم تكن قادرة لولا رعاية الله. وهنا أطرق (علي) برأسه، وكلمة (بلال)《 لست ضعيف الارادة مثلك 》ترن في أذنه. وذهب يجدد وضوءه ويغسل دموع عينيه، ورجع إلى المسجد الذي خلا من كل أحد سوى سيد (أحمد) فطرح مشكلته عليه ووجد صدره رحبًا لسماعه والأخذ بيده. هنا ركب (بلال) سيارته وهو يردد بينه وبين نفسه: أنا لن أكون مثله يوماً! وكيف كان يتجرأ بعلاقاته المحرمة! وهنا دخل (بلال) بالامتحان الإلهي وبدأ يتكلم بصفة الأنا... وهو يستهزأ بـ(علي) وإذا بامرأة تقف أمام السيارة وتحت هذه الامطار الغزيرة، ضربها بلال بالسيارة! صُدم بما حدث، وبدأ يصرخ: يا الهي، ما الذي جاء بهذه المرأة بهذا الليل هنا! أوقف سيارته ووقف أمامها يردد: يا سيدة هل انت بخير! يا سيدة... لا جواب! اضطربت حالته وأخذها للمستشفى بعد إجراء العملية، جاء الطبيب وأخبره أن صحتها تحسنت وتحتاج الى قسط من الراحة ولكن. قال بلال : ولكن ماذا يا دكتور؟! الطبيب: نحن نعتذر لقد فقدت الآنسة ذاكرتها. هنا تورط (بلال) ورطة جديدة... بعد أن بحث في أغراضها لم يجد شيئًا يدل على عائلتها أو مكانها فقرر أخذها إلى البيت الى أن يجد حلًا لهذه المشكلة...لقد تفاجأت زوجته بمجيء هذه المرأة فأخبرها بقصتها. بعد مرور الأيام قرر (بلال) أن يجعل هذه الآنسة التي أعطوها اسم (سمانة) مربية لأولاده تساعدهم بالدراسة وترتيب أمورهم! مرت الأيام وبدأت تفتعل المشكلات وتسيء الى زوجة بلال وتثير غيرتها وتحاول أن تقوي علاقتها بـ(بلال) وعندما تشتكي زوجته منها يقول لها: أنت تغارين وأنها غريبة ليس لها أحد... لقد ازدادت المشاكل يوماً بعد يوم وخاصة عندما وجدت (بلالًا) يضحك ويتسامر مع (سمانة) . خرجت زوجته إلى بيت أهلها باكية وتردد: لقد تدمرت حياتنا منذ دخول هذه الشيطانة إلى بيتنا. حاولت (أم بلال) أن تتوسط بالموضوع وإرجاع زوجته ولكنه رفض وقال أمام سمانة: فليحدث ما يحدث أنا لن اتخلى عن سمانة وسأتزوجها. فابتسمت (سمانة) ابتسامة خبيثة ولم تكن صادقة بمشاعرها لأنها تريد ان تسلب كل امواله وتسيء الى سمعته وتهرب. لقد تجادل مع أمه ولم يبدِ لها أي احترام، ولقد أمسكت بقميصه تترجاه ولكنه دفعها وخرج. لم يعلم (بلال) أن أمه سقطت أرضًا بسبب هذه الصدمة ودفعتِه لها - وهو الذي كان يجل ويقدر أمه- وكم حاولت الوصول الى علبة الدواء ولكن لم تفلح، بعدها فارقت روحها الدنيا. عندما عاد الى المنزل صدم بموتها وبدأ بالبكاء والنحيب... لقد جلس يقبل قدم أمه يعتذر، وبدأ يراجع حساباته وندم على كل شيء، وشعر أن هواه غلبه، وهنا تماثلت صورة (علي) أمامه وغرق في بكاء عميق، وشعر بندم كبير... أراد ان يطرد (سمانة) لم يجدها! بحث عن الأولاد لم يجدهم! هنا صُدم ، لقد قامت (سمانة) بخطفهم! لقد اتصل بالشرطة واعطاهم مواصفاتها ومواصفات الاولاد.... وبعد دفن والدته وإكمال مجلس الفاتحة، جاءه اتصال من مركز الشرطة يخبره بأن أولاده بخير. بعد عودتهم الى المنزل، قرر الذهاب الى بيت أهل زوجته لكي يعتذر منها ويرجعها الى بيته فوافقت، ورجعت هذه العائلة السعيدة بعد أن شارف عمودها الى التهدم. لقد كانت صورة (علي) لا تفارق فكر (بلال) وعلم أنه درس إلهي له وأن الانسان معرض للخطأ، وأن الله غفور رحيم لا يطرد عباده التائبين. كان يردد بعد الصلاة: إلهي أنا نادم لقد اخطأت، إلهي العفو. [ إلهِي أَشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّنِي، وَشَيْطانَاً يَغْوِينِي، قَدْ مَلاَ بِالْوَسْواسِ صَدْرِي ] . (2) إلهي [ خَطيئَةٌ عَرَضَتْ وَ سَوَّلَتْ لي نَفْسي ، وَ غَلَبَني هَوايَ ، وَ اَعانَني عَلَيْها شِقْوَتي ، وَ غَرَّني سِتْرُكَ الْمُرْخى عَلَيَّ ، فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَ خالَفْتُكَ بِجَهْدي ، فَالاْنَ مِنْ عَذابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُني ، وَ مِنْ اَيْدي الْخُصَماءِ غَداً مِنْ يُخَلِّصُني ، وَ بِحَبْلِ مَنْ اَتَّصِلُ اِنْ اَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنّي ] . (3) لم يهدأ لـ(بلال) بال حتى يجد (عليًا) ويعتذر له ويجعله يعمل بشركته. قرر الذهاب الى المسجد هذه الليلة بعد فراق دام أشهرًا وسنوات لعدم دخوله للمسجد... وما إن شارف بالدخول وإذا وجد أن سيد (احمد) غير موجود، وأن أحد الشيوخ جالس بدل عنه بعد اقترب عرف أن هذا الشيخ هو (علي)! وإن الحاضرين يسلمون عليه بكل حب ويحترمونه ويسألونه المسائل الشرعية. لقد صدم ولكنه في نفس اللحظة أطرق براسه وتذكر خطأه الفادح... عندما قام (علي) للاستعداد للصلاة وإذا بعينيه تلمح (بلالًا)، لقد ابتسم عندما رآه وقام بنفسه بالذهاب إليه وألقى السلام عليه... بدأت عيون (بلال) تتساقط وهو يقول: أنا اعتذر يا (علي) لقد اسأت إليك كثيراً قال علي: لا يا أخي أنا قد سامحتك منذ زمن بعيد والحمد لله إذ منّ الله عليّ بفضل سيد (أحمد) وسلكت طريق العلم ونشكر الله على نعمه، ولقد قمت بفتح حلقة دراسية في مسجد المنطقة وتشرفنا بحضورك يا (بلال). قال بلال: بل أنا من يشرفني ويسعدني أن أدرس تحت يديك يا شيخ (علي). لقد تعلم (بلال) درساً لن ينساه أبداً، وهو أن لا يستهزأ من الذين أذنبوا، لأن ربما يكون واحداً منهم يوماً ما وتنقلب الأمور . فعن العبد الصالح الخضر (عليه السلام) في وصيته لنبي الله موسى (عليه السلام): يا بن عمران! لا تعيرن أحداً بخطيئة، وابك على خطيئتك. (4) قال نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله): [من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله]. (5) ينبغي أن لا نغتر بأنفسنا ولا نستهزأ بالآخرين. ولا ندري في أي حال تكون عاقبة أمورنا. قالوا: فِي الأَنا، لَن تجِدَ "حاءَ الحُبّ"، بَل سَتجدُ "نُونَ نفسِكَ" وَحيدةً، غارقةً بَينَ أنَاكَ لَا سِواها. وَلَن تُحلِّق الى رحاب الله بِأنَاكَ . ______________________________________ (1) سورة الزمر ، أيه 53 (2) مناجاة الشاكين (3) دعاء ابي حمزة الثمالي (4) ميزان الحكمة، ج3 ، ص2212. (5) ميزان الحكمة ، ج3، ص2212.

اخرى
منذ 5 سنوات
1656

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70183

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51235

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41395

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35841

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32627

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32193