شمس باخمرا وضحاها

بقلم: عبير المنظور شموس الآل تبقى ساطعة منيرة مهما حاول الظالمون إخفاءها أو إطفاء أنوارها، لا، بل نراها تزداد وهجاً وتألقاً على مر السنين، وإن تناثرت تلك الشموس في الأصقاع لتنير ظلمتها الحالكة بنور الإيمان والتقوى والبصيرة . ومن هذه الشموس الزواهر شمسٌ رتلت حياته آيات سورة الشمس واستنطقتها آية آية بمواقف تزلزل الجبال الرواسي من عظم المأساة بعد أن خرج من مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) خائفاً يترقب يشق طريقه على مجرى نهر الفرات، حتى وجد ضحاه على ضفاف نهر سورى وهي تلك الفتاة التي كانت تقسم ببيعة صاحب الغدير فاطمأن قلبه وكانت سبباً في إشراقة شمسه المضيئة على حي باخمرا (1) الذي لم تشرق عليه شمس مثله من قبل مهما حاول شمسنا أن يخفي أنواره ونعت نفسه بـ(الغريب) ليعمل شمسنا سقّاءً في ذلك الحي، وظل يرسل أشعته الذهبية من ورع وتقى وعلم وشجاعة وأمانة إلى أهل باخمرا، حتى قدّر الله للشمس بأن تقترن بضحاها بنت كبير الحي (والشمس وضحاها) لتأتي (والقمر إذا تلاها) والقمر هو تلك الطفلة (فاطمة) التي كانت سلوى الشمس على فراق الأحبة وضياء حياته فكانت (والنهار إذا جلاها) بكل ما يحمله النهار من نور ونشاط وعطاء حتى جاء (والليل إذا يغشاها)، حيث أفل نور شمس القاسم بن الإمام الكاظم (عليهما السلام) وهو في عز سني شبابه ولما يستضيء باخمرا بنوره الباهر، وعمّ الظلام على حي باخمرا وافتقد الحي ذلك النور البهي من أنوار العترة الطاهرة، الذي أوصى بأن يلتحق قمره ببقية الأقمار والشموس من أهله في مدينة جده الرسول صلى الله عليه وآله، فخيّم الحزن على حي باخمرا وجميع ما أقلّت (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها) خاصة بعد رحيل القمر (فاطمة) إلى مدينة جدها، حيث أخذت تدرج في سكك المدينة لتأخذها ريح العشق العلوي إلى حيث الآه المستقرة في منزل الأرامل واليتامى، تخطو خطواتها وعواصف الهم تضرب رأسها، وتهدّأ خفقات قلبها المضطربة بقوله تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسـاها)، ولاحت تباشير اللقاء على أعتاب منزل الأقمار من آل محمد، كان قمرنا الصغير (فاطمة) تأمل أن ترى ولو شمساً مضيئة غير مكسوفة لتعوضها عن شمس أبيها القاسم، وإذا تُفاجَأ بكمٍّ من الأقمار الثواكل وحولها جمعٌ من الايتام، سألنْها عمّن تكون؟ فلم تحر جواباً، فأجابتهم دمعتها الحرّى، فاحتضنها القمر الكبير (مولاتنا تكتم) قائلة: (إنها والله يتيمة ولدي القاسم) وأخذت تنشج ألماً وتشمها لتشم رائحة ولدها القاسم، وأسقمها الحزن وفارقت الحياة بعد ثلاثة ايام لعظم رزئها بولدها(2). والتحق قمر باخمرا الصغير بباقي أقمار بني هاشم التي عانت ما عانت من ظلم بني العباس وتشريدهم وقتلهم لرجال بني هاشم، وكذلك موت الهاشميات كمداً على تلك الشموس العلوية وكسوفها الواحد تلو الاخر؛ لتكون شاهدة على تجبّر العباسيين، ولترسم لنا ملامح عاقبة الظالمين لآل محمد في الدنيا قبل الآخرة (كذّبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها ولا يخاف عقباها). أين الخلفاء العباسيون الآن ليروا شموخ قبة القاسم الذهبية لمئات السنين؟ وبقي قمر باخمرا وجميع أقمار آل محمد على مر الأزمان يرقبون بزوغ شمس آل محمد، آخر الزمان لتشرق على المظلومين والمعذبين في الأرض؛ ليرتل الكون معه آيات سورة الشمس ليبسط العدل على هذه البسيطة وليأخذ بثأر شموس العترة الطاهرة ودموع وغصص أقمارها. ____________________ (١) وتدعى الآن مدينة القاسم وتقع في العراق في محافظة بابل وسمي حي باخمرا نسبة إلى شيخها المعروف آنذاك بلقلب "باخمرا". تقع على نهر الفرات . أما اسمها الآرامي فهو سورى أو صورى. (2) انظر شجرة طوبى ج1 ص171.

اخرى
منذ 5 سنوات
1892

ابني يريد الزواج بغير محجبة!

بقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم السؤال: ابني أصبح شاباً ويريد الاقتران بفتاة ليست محجبة، وصارح شقيقته بالأمر، لأنه يخشى ردة فعلنا _ أنا وأبيه_ لو اطلعنا على قراره، وشقيقته طلبت منه أن يشترط على الفتاة ارتداء الحجاب، فقال: إنها لا تقبل بذلك، كما أن أهلها لا يحبون الحجاب. وقال أيضاً: إن الأمر ليس مهمًا فهناك من لا ترتدي الحجاب وهي عفيفة، وهناك من ترتدي الحجاب وليست عفيفة، فلمَ أشترطُ عليها الحجاب وأنا أعلم مدى عفتها... ساعدوني لإقناع ابني الضال هذا... الجواب: أول كلامنا سيكون معك عزيزتي الأم… عليك أن تعلمي أن الشاب الواقف أمامك لم يعد الطفل الذي ولدتيه قبل عشرين عاماً، حاولي أن تتقبلي الأمر رغم صعوبته عليكِ. كلنا نشعر أن أبناءنا مهما كبروا، فبدون إشرافنا لن يُلحقوا بأنفسهم إلا الضرر، وشفقتنا عليهم وهم صغار لا تتغير مهما تقدموا في العمر، الأمر الذي يكون في بعض الأحيان سبباً في تعاستهم في الحياة دون أن يكون قصدنا ذلك. إن الابن بعد البلوغ يشعر أنه أصبح كبيراً بما يكفي ليعرف الخطأ والصواب في كل ما يعترضه أو يقدم عليه، ولهذا يكون دائم العناد مع والديه، فكلما منعاه من شيء أصرّ على القيام به، وكل ذلك ليثبت لهم أنه كبير. وهذا واضح من خلال كلامك عنه أنه خائف من إخباركما بنيّته، وهذا الخوف مبشّر جيد ، إذ يُشير إلى أنه يحترمكما ويريد رضاكما مع إرضاء نفسه وإثبات وجوده لكما. فهو من جانب يريد أن يرضيكما، ومن جانب يريد أن يكون كبيراً يتخذ القرارات التي تخصه بنفسه، لشعوره بأنه يجب أن يستقل عنكما. قد يكون السبب في ذلك أنكما لم تعاملاه بشكل جيد في فترة المراهقة، ولم تشعراه أنه مستقل وهو لكم وزير تستشيرانه وتعتمدان عليه، كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه واله): (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلا فلا خير فيه) (١). فجعله يلجأ للتمرد والثورة عليكما لإثبات الذات ولو بتدمير نفسه وحياته. إذن الآن عليكما أن تتعاملا معه بحذر شديد، ولا تجرحاه وتتصرفا معه كطفل بأسلوب: لا يعني لا! أنتِ -بالخصوص- عليكِ أن تكوني له صديقة محبة ومرشدة، اكسبي ثقته عبر عدم الاعتراض على كل ما يفعل، دعيه يخترْ وحده، وإن سقط أمسكي يده وساعديه على النهوض. إن ترك أبناءنا يدبرون شؤونهم بحرية تجعل ثقتهم بأنفسهم أكثر وإطاعتهم لنا أعمق، فلا بأس بأن نتقبل قراراتهم -التي نعلم بأنها خرقاء وستضرهم- إن لم يقنعوا بما نريد. نعود لسؤالك عن موضوع الزواج: أولاً: بادئ ذي بدء عليك بالإطراء على خطوته وقراره كثيراً، وأشعريه إنكِ فرحة بأنه صار رجلاً يريد أن يتزوج وأن يستقل في حياته، وإنكِ عشت لتريه عريساً و... هذا سيسعده بشكل لا يمكن أن تتصوريه، سيشعر أنه حصل على بغيته، وهي لفت نظركِ إليه وكسب تقديركِ واحترامكِ له، و كما يقال: أرضي غروره الرجولي قبل أن تأمريه. ثانياً: وهو الأهم: أن عليك الدعاء لولدكِ بالصلاح والهداية والتوفيق فلا معين ولا هادي سواه تعالى، الشارع الحنيف أكّد كثيراً على أهمية الدعاء للأبناء من قبل آبائهم ومدى تأثير الدعاء في اصلاحهم. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر). فلا تقصري بالدعاء له في صلاتك وبعدها، ادعي له ما استطعتِ ليصلحه الله تعالى لكما والله تعالى لا يرد عباده الصالحين. ثم اكتبي له رسالة أو كلميه بصورة مباشرة إن كان ممن يمكنه الإصغاء لكِ فالكلام أفضل، وقولي له: ابني الحبيب يا مهجة قلبي وثمرة فؤادي، لا زلت أذكر كل اللحظات التي قضيناها معاً منذ حملت بك وحين كنت صغيراً وحتى كبرت وصرت رجلاً. حمداً لله أن عشت لأرى ابني العزيز اصبح شاباً وسيماً يملئ السمع والبصر، يمكنني أن افارقه باطمئنان لأنه صار يعتمد على نفسه ويمكنه أن يتخذ القرارات التي تكون في مصلحته. بعد أن رأيت هذا اليوم سيمكنني أن أرقد بقبري بسلام لو وافاني الموت الذي لا بد منه... هذه العبارة ستهز كيانه ومشاعره، أولادناً لا يتحملون فكرة أننا راحلون عنهم أبداً، لذا يلجؤون إلى نسيان الأمر، ذكريه به ليلين قلبه لكِ ويسمعكِ أكثر. أكملي معه التالي: جُل ما أريد أن تعلمه أنك ابني وروحي، سواء كنت كبيراً أو صغيراً مخطئاً أو مصيباً وأنا معك دوماً. ابني العزيز، الآن وقد أصبحت شاباً راشداً، اعلم أن ولايتنا عليك صارت محدودة ويمكنك أن تفعل ما تشاء شرط أن لا يكون فعلك مؤذياً لنا حتى لو كان يخصك، فأعظم الناس حقاً عليك والداك، قال (صلوات الله عليه وآله) في جوابه لأحدى المسلمات: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل فقال (والداه)(٢). وجاء في حديث قدسي (إني أنا الله لا إله إلّا أنا من رضي عنه والداه فأنا منه راض، ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط) (٣). أبعدك الله من عقوق الوالدين كل البعد وأرضانا عنك ما حيينا وأدعو الله أن لا أراك نادما أبداً. الآن أريد منك أن تتأمل كلامي وخذ بمشورتي، فما ندم من استشار. لقد أبلغتني شقيقتك بكلامك، وإن كنتُ أتمنى لو صارحتني أنا بالموضوع بنفسك وناقشتني فيه، لكن لا بأس، فشقيقتك لا تقل محبتها لك عني إن شاء الله تعالى. كلامك وَرَدَ فيه الكثير مما ينبغي أن نناقشه معاً. وارتأيت أن أجعل النقاش على نقاط لنفصل كل مسألة على حدة ونفهم وجهات نظر بعضنا بشكل أدق. أولاً: سأتطرق لمسألة مهمة طرحتها في كلامك، ألا وهي: (هناك الكثير من غير المحجبات وهن عفيفات والكثير من المحجبات غير عفيفات فلو تزوجت من سافرة لا يعني أنها ليست عفيفة). دعني أخبرك أن كلامك أثار استغرابي كثيراً، كيف يمكن أن تفكر بهذه الطريقة وأنتَ ما عليه من عقل وفهم؟ من قال: إن المحجبة ترتدي الحجاب لتبدو عفيفة؟! أو من قال: من خلعت حجاب رأسها ليست عفيفة؟ وهل إن من كانت عفيفة يسقط عنها وجوب الحجاب؟! وهل إن الحجاب شُرّع فقط للتمييز بين العفيفة وغير العفيفة؟ من يمكنه أن يحيط علماً بأحكام الله تعالى سواه؟ لا أظنك انجرفت مع تيار اللذين لا عقل لهم بتفسير أحكام الله تعالى وإعطاء علل لها وتصنيف عللهم أنها العلة الحقيقية متناسين أنهم لن يحيطوا بربهم وبعلمه وهو محيط بهم؟ هم مخلوقون له وهو الذي يعلمهم من علمه ما شاء ويخفي عنهم ما شاء، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.) ثم هل تظن أنه يمكننا الحكم على الناس وتصنيفهم: هذا عفيف وهذا غيره؟ مسألة الحجاب يا عزيزي أعلى من هذه الجزئيات البائسة. المحجبة تبرهن على التزامها بدينها وخضوعها لله تعالى، وأنها جاريته لا تتبع سواه ولا يخدعها بريق السراب يحسبه الضمآن ماء. ومن لا تتحجب تبرهن على تمردها على الله تعالى وجرأتها عليه وعدم رجاحة عقلها وانخداعها بتقليد الفنانين والغانيات اللعوب اللاتي كانت أرخص بضاعة يقدمْنها للبيع هي اجسادهن، فأغلبهن جاهلات خُدعْن، وعلينا أن نشفق عليهن وندعو لهن بالصلاح. فلا مجال لقياسك هذا بهذا إطلاقاً، فكما توجد عدة مرتديات الحجاب غير عفيفات توجد مثلهن وأكثر ممن لم ترتدِ الحجاب ولا تملك من الحياء حتى رسمه، وأنت أعرف الناس بهذا فلا تخادع نفسك بهذا الكلام. ثانياً: عليّ أن أبارك لك خطوتك بطلب الزواج، فهو أمر محبّب في الشريعة وإكمال نصف دين المرء، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (ما بُني بناءٌ في الاسلام أحب إلى الله من التزويج) بارك الله بك لسعيك لما يحب ويرضى. واعلم إن لك الحق بالزواج مستقلاً عن رأي والديك، فأنت بالغ وراشد ولو كنت غير ذلك لما أجاز لك الشرع بهذا الأمر. وإنّ حدّ طاعتك لنا كأبوين بما يحسن العشرة وبما لا يكون خلاف أمرنا النابع من شفقتنا عليك، واعلم أنك إن لم تقنع أباك بمن تريد الزواج منها، فإنك ستؤذيه، بما أن من اخترتها ليست كفوءة لك، وأن رفضه نابع من شفقته عليك فستكون آثما عند الله تعالى، أوَ تظن أن زواجاً قام على إثم وعصيان يباركه الله ويجعل بينكما مودة ورحمة لتستمرا مع بعضكما مدى الحياة؟ كلا لن يكون ذلك قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ثالثًا: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوماً وقال: ( أيها الناس إياكم وخضراء الدمن قيل وما خضراء الدمن؟ قال (صلى الله عليه وآله): المرأة الحسناء في منبت السوء) . هل فطنت لما يريد النبي الأكرم ولي أمر كل مؤمن أن يبين لك؟ إن الزواج مهما كان عظيماً في الشريعة فلابد أن نراعي فيه مَن نتزوج. تزوجْ، لكن اختر بعناية، فليست كل من خلقها الله تعالى أنثى صالحة لتكون زوجة. الزواج ليس شراكة مالية تنتهي بأجل محدد، أو عقد ايجار ينتهي بحلول سنة، الزواج شراكة جسدية وروحية بين إنسانين مختلفين تماماً قررا الاتحاد، فانظر مع من تريد أن تتحد معها ما بقي من حياتك. إن كلمات العقد الشرعي قد اعتبرها الله تعالى الميثاق الغليظ قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، لأنك بهذه الكلمات ستعيش معها مدى الحياة وتنجب منها الأبناء ويستمر وجودك. فكن دقيقاً لمن تعطي الميثاق الذي ستقف عليه طويلاً بين يديه تعالى. رابعاً: اعلم بني أننا الآن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لا تظن أن بإمكانك كأسلافك أن ترغم زوجتك على العيش كما تريده وترتضيه. فالناس أدركوا جيداً أن الله أعطى حرية الاختيار للإنسان ذكراً كان أو أنثى وليس لأحد سلطان على أحد. فزوجتك ستتصرف وتفعل وتتقيد بما تريده وتقتنع به هي، لا بما تريد أنت أن ترغمها عليه، قد تقول إني سأقنعها، حسناً، وماذا إن لم تقتنع؟ هل فكرت بهذا الأمر؟ أنا أيقنت أنك محب لها بعد قبولك الاقتران بها مع ما هي عليه من مخالفة قطعية للشريعة، ويقينك برفض أبويك لهذا الزواج، فأنت لأجل الوصال صرت مستعداً للتخلي عن كل شيء حتى رضا الله تعالى ووالديك، وأن تقع بالعصيان والذنب وتخاطر بمصير أبنائك وسمعتك بين الناس... مع أنك جعلت لقاء كل هذا ثمناً بخساً جداً، كان عليك أن تطلب عرش سليمان النبي لقاء كل هذه البضاعة التي بعتها. لكن ماذا عنها؟ فكّرْ معي، ما الذي تخلّت عنه لأجلك؟ لم تستطع أن تضحي برأي والديها وتتحجب محبة فيك واحتراماً لك، هل ستظن أن بإمكانك إقناعها بعد الزواج؟ من لا يعطيك درهمًا هل سيهديك سيارته؟ أعد هذا السؤال على نفسك مراراً: ماذا لو رفضت الحجاب ولم تقتنع برأيك كيف ستتصرف؟ تخيل الموقف وأكتب حلك لها. هل ستضربها وترغمها بالتهديد على الحجاب؟ هل تظن أن الضرب يرغم الإنسان على الطاعة كما يرغم الحيوان على الرضوخ؟ هل نسيت أن الإنسان حريص على ما مُنع، وأنه لو أراد شيئًا فلا يمكنك أن تفعل شيء سوى التفرج؟ وقوة الضرب لن تذيب قناعات الشخص وصلابة إرادته. هل تبادر للطلاق؟ هل الطلاق أمر هين يمكنك أن تجريه وقت تشاء أينما تشاء؟ وإن كان بينكما أولاد وانفصلتما، هل ستترك أبناءك يدفعون ثمن اختيارك الخاطئ بالزواج من أمهم ثم الاختيار الخاطئ بإنهاء هذا الزواج؟ حسناً، لم يبق إلّا أن تصبر مدى حياتك على العيش مع امرأة تشعر بالعار منها اجتماعياً، لأن الناس لن تحترمك وأنت لا يمكنك حتى أن تختار لك زوجة تشاطرك طريقة حياتك. زوجتك التي لا تتحجب بالتأكيد ستكون مضطراً للخروج معها إلى أماكن والسفر معها والتجوال، فهي ليست قطعة أثاث في منزلك يمكنك ان تخبئها، هل ستتحمل نظرات اصدقائك لساقيها وجسدها الذي تكسيه ألوان الثياب لا الثياب؟ ولو تجرأ أحد على التحرش بها بحجة -المجاملة- هل ستتحمل الأمر وتعتبر قوله لها: لم أر أروع منكِ وأكثر رشاقة وأجمل شعر... مجاملات لا تخفي وراءها الانتقاص منك لأنك لا تستحق الاحترام لمسايرتك امرأة ليست من شأنك؟! ناهيك عن عذابك النفسي وتوقك لزوجة تكون كما تحب تفتخر بها أمام الناس، تخرج معها لكل مكان دون أن تُحرج من ملابسها وتقليدها الأعمى لملابس المغنيات والفنانات الرخيصات. زوجة يؤلمك غيابها ويسرك حضورها، تتوق لوجودها دوماً، حتى حين نموت لا تشعر معها بأنك اصبحت وحيداً بعد عائلتك، تبقى بجانبك دوماً تعمل المستحيل لأجلك . ابني، الزوجة أمك حين تحتاج الحنان، وأختك حين تحتاج اللطف والثقة، وعشيرتك حين تشعر بالغربة، وأبوك حين تحتاج الأمان. أن لذة العيش مع امرأة يمكنك أن تسعد معها لا تعادلها لذة العيون الخضراء والجفون الناعسة لمن اردت زوجة لك رغم كل مساوئها الأخرى. المشاكل بينكما نتيجة اختلاف الراي ستكون أساس حياتكما بدل المحبة والمودة. دعني أروي لك قصة صديقين درسا في أوروبا وأحبا فتاتين أجنبيتين، أحدهما استطاع الاقتران بمحبوبته، والآخر رضخ لرفض والده وتزوج من أخرى تشاطره الرأي والمسلك. وتمر السنوات والابن يشعر بمقت لأبيه الذي منعه من حب حياته كما يتخيل، حتى صادف أن التقى بصديق الطفولة فسأله عن أحواله غابطًا إياه لاقترانه بمن يحب، في حين تزوج -هو- ممن ليست الحب الأول وأنجب منها، فقال له صديقه: أنت مسكين حقاً هل تظني سُعدت معها بأكثر من شهر… تسأل عن احوالي أي أحوال؟ عن بيتي الذي لا أرى فيه أحدا أغلب الوقت واعود لأُكلم جدرانه؟ عن زوجتي التي ترتدي أي معروض على الشاشات مهما كان فاحشاً ومتعرياً ونكثت اتفاقي معها أن تحتشم بعد الزواج بحجة مواكبة العصر؟ تنتظر ماذا ترتدي جنيفر لوبيز أو كيم ..... وكل سيداتها الرخيصات لتقلدهن بطريقة نسخ لصق؟ عن أبنائي الذين لا أدري من أين أبدأ لك بالشكوى منهم؟ لأني لم أَجِد لهم أماً تربيهم على أن رضى الله من رضى الوالدين؟ عن ابنتي التي انتهجت منهج أمها وأسوء. دهش الصديق كثيراً وفكر ملياً بكلام صديقه ثم ودّعه راكضاً لأبيه ليقبل قدميه لمنعه إياه أن يخطأ كما أخطأ صديقة، فيعيش تعيساً مدى الحياة. لكن أنّى، والموت قد خُط على بني آدم مخط القلادة على جيد الفتاة... فأبوه متوفى وترك له سلاماً بيد إخوته طالباً منه ان يسامحه على منعه من الزواج بالأجنبية لأنه لم يستطع أن يرى ولده يرمي بنفسه من الجبل لأنه ظن أن يمكنه التحليق. خامساً: أبناؤك عزيزي هل فكرت بهم؟ كيف ستتمكن من أن تجعلهم متمسكين بدينهم وأنت جلبت لهم أماً لا تعترف بدينها؟ كيف ستتمكن من أن تمنع ابنتك من انتهاج سيرة أمها وخالاتها وأن تعيش كما عشت أنت في عائلة محافظة ومتزنة؟ فكّر بكل هذا قبل أن تقدم على ما تريده، يا بني، واعلم أن حزنك على فراقها أيامًا خير لك من العيش بالندم طوال العمر. وقلبك الذي خفق لها سيخفق لغيرها وأفضل منها، فالإنسان رُزِق النسيان كي يستمر في الحياة، ولولا النسيان لرأيت الناس يفترشون المقابر مع أحبائهم. وإن كنت تتـأمل إصلاحها فتمهل في الأمر حتى تقنعها، واختبر مدى حبها لك بتنازلها عن هذا الأمر البسيط، فإن الحياة الزوجية دون بعض التنازلات من الطرفين تصبح جحيماً لا يطاق، وحتى لو كانت عائلتها غير صالحة سأحاول أن أقنع والدك بالأمر وأنت تعلم مدى حبه لك وتوقه لزواجك، فدعنا نحاول أنا وأنت إصلاحها إن كنت مصرّاً على إمكانية إصلاحها وعسى أن يهدينا ربنا لأهدى من هذا رشدًا. ومن ترك شيئًا لله تعالى عوضه خيراً منه. _________________ 1.الكافي في الحديث 1 من الباب 82 . 2. مستدرك الوسائل , ج 14 , ص237. 3. جامع السعادات ج2 ص202. 4. مكارم الاخلاق، ص 203.

اخرى
منذ 5 سنوات
7441

من قوانين النجاح في حياة الإنسان

بقلم: زينة عبد الزهرة زاير حسين مع العزيمة والاصرار والانضباط يأتي التفاؤل وحسن الظن بالله، ليحقق في حياة الإنسان كل ما يرجوه من خير، وهذه الجملة النبوية الكريمة (تفاءلوا بالخير تجدوه) بها 672 قانون من قوانين نشاط العقل الباطن، قانون العقل الباطن أن كل شيء تفكر فيه يتسع وينتشر مع الوقت وعندما أتفاءل بالخير سأجده... سأجده من القوانين التوقع وقانون الانجذاب وقانون العودة وقانون الرجوع ... (سأجده) من القوانين ما يحقق لي ما أفكر فيه وأرجو إنجازه ... كل هذا داخل الإنسان (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) بداخلك التقدير الذاتي وتحقيق الذات والثقة بالنفس والمثل الاعلى الذاتي والقيم والاعتقادات والقدرات... إلخ. إن الله تعالى يقول (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) فليس تقويم الإنسان عادياً أنه أحسن تقويم أحسن بناء القدرات وبالإضافة اليها سخر له الكون وما فيه لخدمته يذكر أحد علماء النفس: أنه سمع إنساناً يكثر الشكوى من الفقر فقال له: إنك تملك الكون وما فيه ولا يستطيع أحد أن يمنعك من الاستمتاع بالطبيعة وجمال السماء وخضرة الحقول ... أراد أن يعلم الرجل أن مصدر الشكوى هي نفسٌ كئيبة لا ترى الجمال، كم تشتكي وتقول: إنك معدم *** والأرض ملكك والسماء والأنجم ولك الحقول وزهرها وأريجها*** وعبيرها والبلبل المترنم والماء حولك فضة رقراقة *** والشمس فوقك عسجد يتضرم فمشاعر الغنى والفقر مصدرها النفس... فكن جميلاً... ترى الوجود جميلاً... انظر في قدراتك ومواهبك وملكاتك التي أعطاك الله إياها، وحسّن فيها وحاول أن تكتسب المزيد مما تحتاجه مثل تعلم اللغات والمهارات التي تعينك على تحقيق هدفك. وانتبه جيدًا... بعد أن تحدد أهدافك الوسائل وتبدأ في خطوات التنفيذ لا تهتم إلا بعمل اليوم وواجب الوقت الحاضر، ولا تنشغل بما هو أبعد منه فيشغلك عن واجب اليوم ... بهذه الطريقة ستجد نفسك تصعد السلم درجة بعد أخرى... واحذر أن تنشغل بالماضي وما فيه من ضياع حظ وفوات رزق حتى لا تغطي سحبه على شمس يومك فتقف مكانك وأنت تعمل للمستقبل... احذر من هذا كل الحذر وافهم جيداً: إذا أخذت قرارك الواعي بالوصول إلى النجاح وحددت أهدافك ووسائلك وبدأت في التنفيذ بلا تردد وعزمت على الاستمرار وعدم التوقف، فأخلص التوكل على ربك ليحبك ويرعى لك مسعاك... ما أجمل هذه الآية الكريمة (فإذا عزمت فتوكل على الله أن الله يحب المتوكلين) ولا تأخذ من الماضي إلّا ما يزيدك عزما وإصراراً على العبور للمستقبل

اخرى
منذ 5 سنوات
1287

اعلموا أني فاطمة...

بقلم: رضا الله غايتي ما أن نغوص في التاريخ الإسلامي وما تضمنه من أحداث جسام، وما أن نطالع صفحاته وما جرى فيها من ظلاماتٍ على خير الأنام، من رزية الخميس إلى ما ارتكب من جرائم بحق سيدة النساء وبعلها إمامنا الهمام، حتى تكاد تتمزق قلوبنا ألماً وتمتلأ نفوسنا أسىً ونتساءل عجباً: أنّى لأفواههم أن تنسب الهجر إلى الرسول؟! أولم يقرؤوا "إن هو إلا وحيٌ يوحى"؟! وأنّى لأيديهم أن تجترح ما اجترحت من جرائم بحق الزهراء البتول؟! أولم يعلموا أن رضا الله مرهون برضاها؟! وأنّى لسائر المسلمين أن يصمتوا إزاء كل ذلك؟! أولم يفقهوا القرآن أن من عقر ناقة صالح واحدٌ ولكن الله (تعالى) عمّهم بالعذاب لما عمّوه بالرضا؟! وبينما القلب والهٌ محزون، والنفس قد عُجنت بمشاعر الحيرة والشجون، قادني حبي لها وأسفي لما جرى عليها إلى مطالعة ما ألقاه قلبها المكلوم، من خطاب تاريخي في مسجد أبيها لكل من القاصي والداني معلوم، علّني أجد جواباً لتساؤلاتي وردّاً على ما أثار عجبي وحيرتي وألْهبَ آهاتي، وما أن قرأت كلمات سيدتي ومولاتي المعصومة بنت المعصوم، حتى لاح لي الردُّ بنور كلامها الساطع الذي بدّد سحب العجب وأزال حيرتي: "اعلموا أني فاطمة".. عجباً سيدتي ومولاتي!! وهل يخفى البدر في الليلة الظلماء؟! وهل هناك مَن تدانيكِ بالشجاعة والبلاغة في جميع النساء؟! قرأتُ إنها قالت ذلك إلقاءً للحجة على القوم لئلا يتذرعوا بجهلهم بهوية المتحدثة! ربما.. فلطالما أنكروا البديهيات وخالفوا أوضح الواضحات.. ولكن أولم تكن مطالبتها بحقها في ميراث أبيها وفي فدك كفيلةً بتحديد هويتها؟!.. فهل نتعقل أن تأمر حجة الحجج بأمرٍ غير ذي بال أو ليس ذا شأنٍ عظيم؟ وأخيراً.. وجدتُ ضالتي، فبقولها: (اعلموا أني فاطمة) تأمر بمعرفتها تلك المعرفة التي تنفع العارف أيّما نفع وتضر التارك لها والمخالف. معرفة مؤثرة لازمة للإيمان وموجبة للطاعة والالتزام. آخذة بأعناق العارفين بها إلى جادة الصواب وتطبيق الشريعة بإحكام. كفيلة بحفظ المسلمين من الفرقة فضلاً عن حفظ الإسلام.. من هنا يتضح أن السيدة الزهراء (عليها السلام) حينما قالت: "اعلموا اني فاطمة" لم تكن قاصدة التعريف بنفسها ونسبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتلك معرفة واضحة للعيان ولا تحتاج إلى بيان أو برهان، وإنما كانت قاصدة تذكيرهم بسمو مقامها ورفعة شأنها وعلو منزلتها، تريد أن تذكرهم بما ورد عن مجاهد حين قال: خرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: "من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وهي روحي الّتي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله"(1) ويطلق على هذه المعرفة في حال وقوفها على الذهن فقط بالمعرفة التحقيقية النظرية وهي المعرفة المتحصلة من البحث عن ذاتها من خلال التعرف على سماتها والاعتقاد بأنها معصومة بالاستناد إلى ما قاله المعصومون في حقها، لاسيما سيدهم الخاتم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). وبما أن العصمة تدل على الحجية، واتباع الحجة مؤداه دخول الجنة وخلافه دخول النار، فإن هذه المعرفة النظرية لا تضمن الاتباع وإن كانت تدعو إليه؛ لأنها توجب على من وقف عليها الطاعةَ والالتزام عقلاً، ولكن قد يخالف ذلك سلوكاً في حال عدم الانقياد للعقل، وبالتالي فلا تعصمه من ارتكاب الذنوب والخطل عند القول والزلل عند الفعل. قال (تعالى):" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ "(2) على حين أن المرتبة الأخرى من المعرفة تفعل ذلك؛ لأن الانسان يتلبسها ويتشرب بها فتنتقل من مجرد التحقيق الذهني إلى التشرب الروحي. أي تكون علاقة العارف بمن يعرف علاقة قلبية أو فؤادية لا مجرد علاقة ذهنية؛ ولذا كان لها الأثر الواضح في السلوك فضلاً عن الاعتقاد؛ لأنها تحوّل الإنسان العارف بها إلى وجود قويّ خيريّ محرّك لطاقاته باتجاه الكمالات ملتزماً جادة السداد، وبذا تستبطن الاتباع وتأخذ بعنق العارف بها نحو الطاعة والانقياد. وبالتالي تعصم صاحبها بالعصمة الصغرى(3) من الذنوب والعصيان، وتنقذه من العذاب والنيران، وتقوده إلى حيث النعيم والجنان. ويطلق على هذه المرتبة من المعرفة بالمعرفة التحققية وقد بلغها المخلَصون كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد وأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام). فإذا كانت معرفتها (سلام الله عليها) توجب هذه الدرجة من التقوى العالية والثبات على الحق ونصرته والاستشهاد دونه ونبذ الباطل ومقارعته، يتضح لنا مدى غربتها بين المسلمين يومئذٍ (روحي وأرواح العالمين لها الفداء). فقد روي عن فضة (رضوان الله عليها) عنها (عليها السلام):"رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرائيل، ومحل ميكائيل. انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب"(4) فإن كنا نعجب من التاريخ ونتحرّق ألماً لما جرى فيه، فإن فيه لعبراً يجدر بنا الالتفات اليها؛ لأنه ما انفك يعيد نفسه. فما أشبه اليوم بأمسه، وما أشبه ظلامة إمام زماننا المنتظر (عجل الله فرجه) بظلامة جدته الزهراء (عليها السلام). فهما معاً بالرغم من أنهما حجج الله على العباد فقد عاشا بغربة بسبب جهل المسلمين بمقامهما الرفيع السامي. وبالرغم من أن لهما الولاية على جميع الكون فضلاً عن البلاد فقد غُصِبَ حقهما ظلماً وجوراً وتجاوزاً على الحكم الإلهي. فما أشبه من أحرق الدار فقيل له: إن في الدار فاطمة فقال: وإن، بمن يتجاهر بالذنوب والمعاصي وهو يعلم أن إمامه ناظرٌ إليه محزون يئن!! ولم تكتفِ بضعة المصطفى وروحه (سلام الله عليها) بإلقاء الخطب، بل استنصرت المسلمين. ولكن لجهلهم بمقامها الشريف وشأنها المنيف لم تجدهم إلا عن نصرة الحق متخاذلين. كما روى ابن قتيبة إذ قال: "وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أ فكنتُ أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه. وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم"(5) موقفٌ تكلّ عن وصفه الأقلام، وتعجز عن استيعابه الأفهام، أ فميزان رضا الله (جل وعلا) يدعوهم فلا يستجيبون؟! ويستنصرهم فلا ينتصرون؟! أ فبالركون إلى أمانٍ مزيف لسخط الله (جل جلاله) يتعرضون؟! أم بالقليل من متاع الدنيا لأخراهم وحياتهم الأبدية يضيعون؟! ألمي عليكِ سيدتي.. ألمي عليكِ وعلى بعلكِ مولاي ومولى المؤمنين. ولأن العاقل لابد أن يجمع بين العَبرة والعِبرة، فإننا نعيش الغيبة الكبرى لإمامنا صاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه)، فهل نحن ممن عرفنا مقامه العظيم وأدخل السرور على قلبه المقدس بالخير والإحسان؟ أم أننا ممن جهل قدره الجليل وأحزن قلبه المفجوع بمصاب جدته وآبائه (عليهم السلام) ــ والعياذ بالله ــ بالذنوب والعصيان؟ ومن المعلوم أن من المتوقع ظهوره المبارك بغتةً، فهل تُرانا أعددنا العدة لنصرته بمعرفته المؤثرة وبالتقرب إليه في كل آن؟! سؤالٌ لا بدّ له من جواب وكل منا " عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ "(6) [القيامة 14و15] "اللهم عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فانك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ظللت عن ديني ، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الفصول المهمة ص 146 (2) النمل 14 (3) العصمة الصغرى هي العصمة التي تكتسب بالتقوى العالية المتولدة من دوام الالتزام بالأحكام الشرعية مع مراعاة الاحتياط والابتعاد عن الشبهات. وهي غير العصمة الواجبة: عصمة الأنبياء والأوصياء وسيدة النساء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). (4) بحار الانوار ج43 ص175 (5) الإمامة والسياسة ج1 ص19

اخرى
منذ 5 سنوات
2532

كيف تعلم طفلك الاستجابة للتوجيهات؟

يشكو كثير من الآباء والأمهات من عدم استجابة أبنائهم إلى توجيهاتهم ونصائحهم، مما يصيبهم بحالة من الإحباط واليأس والشعور بالانزعاج، ونود أن نقول هنا: إنه يجب على الأهل وجميع المربين أن يتصفوا بصفة الصبر وطول البال من أجل الحصول على نتائج إيجابية ومثمرة من تربيتهم لأبنائهم ولا يستعجلوا النتائج وهم في بداية الطريق. ومن أجل أن يكون الآباء والأمهات أصحاب سيطرة وتحكّم في المواقف التربوية، يجب عليهم أن يسعوا ليتعلموا بعض المهارات التربوية اللازمة، فقراءة كتاب تربوي أو الاستماع إلى محاضرات تنموية من شأنها تطوير إمكانية الوالدين التربوية، ومن هذه المهارات الضرورية التي يجب أن يتقنها الأهل مع أولادهم هي: مهارة: اسألْ: أو توجيه أسئلة للطفل من شأنها تعليم (إدراك الذات) وإعادة توجيه السلوك بالاتجاه الصحيح، وهذه المهارة من المهارات والاساليب التربوية التي تنمي عملية التفكير المنطقي وتقوم بتوجيه تركيز الطفل إلى ما يفعله، فتوجيه سؤال لطفلك مثل: عفواً يا بني! ماذا تفعل؟ يجعله ينتبه لما يفعل ويفكر به ويراجع سلوكه جيداً. فلنأخذ مثالاً لتوضيح الصورة أكثر: لو كان ولدك البالغ من العمر عشر سنوات يدور ويركض ذهاباً وإياباً أمام أخيه الذي يدرس ويحل واجباته المدرسية بحيث يسبّب إزعاجًا وتشتيتًا لانتباه أخيه ، فإن توجيه أسئلة منطقية للطفل تجعله يتوقف عن سلوكه ويفكر بعمله، فإذا قال الأب لولده: عفواً ماذا تفعل يا ولدي؟ أو ما هو شعورك إذا كان أخوك يدور حولك بهذا الشكل؟ هل تستطيع التركيز في دراستك؟ فذلك يدفع بالطفل إلى التفكير والاستجابة في نفس الوقت مع ملاحظة أن تكون الاسئلة خالية من نبرة السخرية أو الاستهزاء بالطفل حتى يستطيع التركيز على سلوكه والانتباه له وتعلمه المسؤولية الذاتية وضبط الذات والسيطرة على سلوكياته وتدفع به للتفكير بشكل سليم. ربما يقول البعض: عن ماذا تتكلم! وهل يتوقف الأطفال عن سلوكهم السيء بهذه الطريقة؟ نقول لهم: وهل جربتم هذا الأسلوب بشكل منظّم حتى حكمتم عليه بأنه غير مؤثر ولا يمكن أن يعدل سلوك الطفل نحو الأحسن؟! يحتاج الطفل أن يعرف القواعد وما يجب عليه فعله، وهذا لا يكفي أيضاً، وإنما يحتاج إلى التدريب ليكتسب الطفل العادة الحسنة ويعتاد عليها. باستخدام أسلوب إثارة الأسئلة فإننا نساعد الطفل على تفعيل الرقابة الداخلية بدل الرقابة والسيطرة الخارجية التي تجعله يفقد زمام السيطرة والتحكّم بأموره، فنحن نريد أن نعلمه كيف يسيطر على انفعالاته النفسية ليكون قادراً على التحكّم بنفسه وإدراكها بشكل مناسب في مختلف المواقف التي يتعرض لها في حياته. وهنا نقول: إن الطفل يحتاج أيضاً الى التوجيهات الخارجية أو السلطة الأبوية التي توجهه وتسانده بل تحميه وتحرسه في أوقات كثيرة من الوقوع في الأخطار ولكن يجب أن يكون تدخلنا بأوقات مناسبة حسب الحاجة، فالطفل يحتاج إلى الرقابة الخارجية وأن نقوم بتفعيل الرقابة الداخلية للطفل لنترك له المجال أحياناً ونتدخل أحياناً أخرى لكي نطور من شعور الطفل بالشعور بالمسؤولية الذاتية وادراك الذات... قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
826

تكسير قيود الجاهلية في التعامل مع المرأة… علاقة السيدة فاطمة (عليها) بأبيها (صلى الله عليه وآله) نموذجاً

يقول الامام الخميني (قدس سره): "إنّ المرأة كالقرآن كلاهما أوكل إليه مهمّة صنع الإنسان"(١) ان هذه الكلمة تحمل في طياتها معانٍ سامية وعميقة تُشير الى عظمة المرأة في هذه الحياة، ومدى حجم أدوارها الموكلة إليها من قِبل الله تعالى، وأهم الادوار الملقاة عليها هي إنها الوعاء الحامل للإنسان، والحضن المربي والصانع له. لذا نرى أن الله تعالى أولى للمرأة اهتمامًا خاصًا وخصّها بما لم يَخص به غيرها مِن خلقهِ، وذلك من خلال التشديد على رعايتها والاعتناء بها وحفظ كرامتها ومكانتها في المجتمع الأسري والعام عبر ما شرّعه في ديننا الحنيف. إن صلاح المرأة وقوتها ووعيها يُنتج مجتمعًا قويًا وصالحًا، فهي التي تصنع الرجال والنساء، فمتى ما عَرفت مكانتها وموقعها الحقيقي أخرجت رجالًا صالحين ذوي قيم، يحترمون المرأة سواء كانت هي ذاتها الام، او الاخت او الزوجة في المستقبل؛ وتنشئ لنا جيلاً من النساء الواعيات المربيات الفاضلات يخرج لميادين الحياة بوعي وعفة وحياء. نعم هكذا كانت مولاتنا الزهراء (عليها السلام)، كيف لا! وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يبالغ في الاعتناء بها، وقد كسر قيود المجتمع الجاهلي الذي لم يكن يعطي المرأة مكانتها الحقيقية. فمن القيود التي كسرها النبي (صلى الله عليه وآله) من خلال تعامله من السيدة فاطمة (عليها السلام): - إظهار حبه واحترامه لها (سلام الله عليها) فقد ورد " كانت الزهراء (عليها السلام) اذا دخلت على النبي (صل الله عليه واله) قام إليها فقبلها فأجلسها في مجلسه". (٢) ومما يُنقل أنه كان يفتديها بنفسه، كما ورد أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رواية طويلة شاهدنا فيها قوله: "...فداها أبوها - ثلاث مرات - ما لآل محمد وللدنيا؟ فإنهم خلقوا للآخرة، وخُلقت الدنيا لهم". (٣) إن البنت التي يُغرس في داخلها أنها كيان عزيز ومحبوب عند والديها، ستكون ممتلئة عاطفياً، قوية، لا تبحث عمن يُغذيها أو يملؤها بالحب من هنا أو هناك، ولا تضعف أمام ضِعاف النفوس وذوي القلوب المريضة ومغريات الحياة الدنيا بل وتكون كتلة من الحنان والرحمة والقوة، أي تكون مصدر عطاء للحب، لا باحثة عن مصدر ليُعطيها! لذا فسلوك النبي (صلى الله عليه وآله) مع ابنته فاطمة (عليها السلام) حجة ومنهاج على كل مسلم أن يقتدي به، وذلك من خلال إكرام بناته، وغمرها باهتمامه وحبه، بالنتيجة ستكون له كما كانت "أم أبيها" (٤)، بلسمًا ومسكنًا راحته، وملاذه عند اشتداد الأزمات والحامي والمدافع عنه في قبال كل من آذاها. لذا هكذا امرأة، كيف يُمكن لنا أن نُلم بالجيل الذي سيتربى على يديها، بل وأنى لنا أن نتصور أي الأبناء ستُظهر للمجتمع، ان كانت حازت على مقام أن تكون أماً لأبيها، فكيف ستكون أمومتها لأبنائها! بلى، لا عجب إن كان نتاجها ولدين إمامين هما الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وبنتًا كانت تُلقب بأنها " تالية أمها" أنها زينب ابنت الطهر (عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين). - السؤال الدائم عنها وتفقد احوالها عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد السفر سلّم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة عليها السلام فيكون توجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها،...". والدرس التربوي الذي يُعلمنا إياه سيد الخلق في التعامل مع البنت هو أن على الاب أن لا يقطع الوصل ببناته وإن كُنَّ في عُهدة رجل أخر، ومهما كانت مشاغله، فهذه من الامور التي تولد شيء من العزة في نفسها، وتجعلها بحالة بهجة وسرور دائم . لذا فالسؤال الدائم والوصل الذي لا ينقطع عنها من قبل والديها وأخوتها ضروري، لأنه مؤشر على الحرص والحب والاهتمام، وهذا السلوك كان سنة حسنة اسسها النبي(صلى الله عليه وآله) للمجتمع المسلم، لتَضل أواصر الارتباط وصلة الرحم قائمة، فكم نحتاجها في هذا الزمان الذي شحت به ثقافة التواصل والتراحم الحقيقية. - إن المرأة هي كيان فعال ولها ادوار تتطلب عدم الالتفات للدنيا وزينتها ثم تكمل الرواية لتعطينا درساً أخر: "...، فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل المسجد، فتوجه نحو بيت فاطمة عليها السلام كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبيها [صبابة وشوقاً إليه]، فنظر (صلى الله عليه وآله) فإذا في يدها سواران من فضة وإذا على بابها ستر ، فقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث ينظر إليها، فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا أبي قبلها، فدعت ابنيها ونزعت الستر من بابها وخلعت السوارين من يدها، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الاخر، ثم قالت لهما : انطلقا إلى أبي فاقرآه السلام وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا، فما شأنك به؟ فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما، فقبلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتزمهما وأقعد كل واحد منهما على فخذه ، ... الخ الحديث.(٥) إن فعل النبي(صلى الله عليه وآله) هذا لم يَكن إلا لان الزهراء (عليه السلام) كانت السيدة الاولى في ذلك المجتمع اي إنها كانت قدوة لكل النساء، وهذا ما يُحتم عليها أن تُعايش نساء ذلك المجتمع، فالنساء من الفقراء والمعدمين لا يُمكن أن يتقبلوا الاقتداء بسيدة لم تَذق ما يَذقنه، ولن ينجذبْن لإرشادها وتوجيهها، وهذا من أهم متطلبات نجاحها كرسالية وداعية الى الله تعالى، وهذا يوجب شعورهن بقربها منهن، بل وتكون بذلك مواسية ومعينه لهن على ضعف حالهن، وتكون مصدر قوة . لذا في هذا الجزء من الحديث دروس يريد منا النبي الأكرم والسيدة الزهراء (عليها السلام) أن نتعلمه ونربي أبناءنا عليها، وهو أن يُربى الإنسان بشكل عام والمرأة خصوصًا إذا كانوا ذوي اهدف سامية على الزهد (اي أن لا يتعلق قلبهم بشيء من زينة الدنيا)، فلا ينشغل بهم عن دورهم في هذه الحياة. إن المرأة التي تتربى على القناعة، لن تنشغل بالأمور الكمالية، وعندما تذهب لدار زوجها ستكون نعم العون له والسند، لا أن تكون سببًا لتعاسته والتضييق عليه، بل ولعل بعضهن تصل لقرار فكّ هذا العقد المقدس لضيق يده وفقره كما هو شائع الآن للأسف الشديد، وكل ذلك سببه ابتعادنا عن التربية المحمدية لمولاتنا فاطمة (عليها السلام). - تكليفها بأعمال اجتماعية إن من أهم تطبيقات زرع الثقة في نفس الإنسان سواء كان رجلًا أم امرأة، هو عندما تُوكَل اليه المهام، وكلما كان الشخص الطالب ذا وجاهة ومكانة اكبر كلما كان هذا الامر معززاً لثقة المطلوب منه بنفسه، وكذلك يجعل روح المسؤولية لديه بحالة نمو وتصاعد، فكيف اذا كان الطالب شخصًا كخاتم الرسل(صلى الله عليه وآله). فالنبي الأكرم قد كسر قيد تلك النظرة القاصرة لدور المرأة، فكان يرسل للزهراء (عليها السلام) من يحتاج الى مساعدة او من يحتاج لرعاية أو استشارة في مسالة علمية وغيرها من المهام لمولاتنا فاطمة (عليها السلام)، كما ورد " لما استشهد جعفر بن أبي طالب في مؤتة أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تتخذ لأسماء بنت عميس طعاماً ثلاثة أيام، فجرت بذلك السُنّة، وأمراها أن تقيم عندها ثلاثة أيام هي ونساؤها لتسليها عن المصيبة ثم اصبحت تلك سنة عامة". (٦) وفي كتاب (بشارة المصطفى) عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلَّى بنا رسول الله (صل الله عليه وآله ) صلاة العصر، فلما انفتل جلس في قبلته والناس حوله. فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من العرب مهاجر، ...، فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني وفقير فارشني. فقال (صل الله عليه وأله): ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل مَن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة...الخ" الرواية. (٧) كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) فتح للزهراء (عليها السلام) باب تعليم النساء فيما يجهلنه من مسائل الدين والدنيا، فكن يقصدنها من كل مكان. لذا على الآباء أن يهتموا بهذا الامر بأن يوكلوا بعض المهام لفتياتهم، ليعززوا ثقتهن بأنفسهن وليَكنّ قادرات على إدارة حياتهن وتَحمُل المسؤوليات في المستقبل بشكل أفضل، أن يستشيرونهن ويطلبوا رأيهن، ليصبحن من ذوي الفكر والتعقل، فلا يتربين على الامتثال لكل ما يسمعن وعلى تَقبل كل ما يُقال لهن على أنه صحيح ومسلم به بل يُفكرن ويحللن كل ما يُطرح عليهن، فيأخذن بالجيد منه. بالنتيجة سيرة الزهراء (عليها السلام) مليئة بالكنوز التي يمكن للإنسان أن يتأمل بها ليتخذها منهاجاً له ليصبح إنساناً إلهياً مرضياً مكرماً عند ربه، وجيهاً به عند خلقه. ___________ (١) الفقهاء حكام على الملوك – حسن الدجيلي، موقع البوابة الجامعة لأهل البيت (عليهم السلام) التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت. (٢) بحار الانوار ج٤٣، ص٢٨٥.(٣) اشارة الى حديث سوار الفضة و وهو ورد في مقتل الحسين للخوارزمي. (٤) الإسرار الفاطمية، محمد فاضل المسعودي، ج١، ص٢٧٩، ح١٨. (٥) مكارم الأخلاق، ص٩١. (٦) قراءة في السيرة الفاطمية، ص٤٧٥، نقلا عن: المحاسن للنراقي. (٧) بحار الانوار ج٤٣، ص٥٦. فاطمة الركابي

اخرى
منذ 5 سنوات
1020

أراهن واحدةً... بنات الرسالة

السيدة: فاطمة بنَتُ مُحَمَّد والسيدة: زينب بنت علي والسيدة: فاطمة المعصومة عليهن وعلى آبائهن أفضل التحايا والسلام… أختلف الزمان والمكان والقاتل واحد: الحسرة على الأحباب وظلم الظلام؛ الأولى: فاطمة بنت محمد رسول الإسلام عليها وعلى أبيها السلام، قتلوها عندما منعوها من البكاء على أبيها، ولم يكتفوا بذلك، بل كُسرت أضلاعها، وضُربَ خدها، وأحرق بابها، وماتت من شدة المرض، والحُزنِ على بيها، وهي التي لقبت أم أبيها. عن رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله) لأمير المؤمنين عليه السلام: يا عليُّ؛ وَيلٌ لِمَن ظَلَمَهَا! وَوَيلٌ لِمَن اِبتَزَّهَا حَقّهَا! َوَوَيلٌ لِمَن هَتَکَ حُرمَتَهَا! وَوَيلٌ لِمَن أَحرَقَ بَابَهَا) (١) الثانية: زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبوها هو، ولي اللّٰه الأعظم، بعد الرسول الأكرم (صلوات الله عليهم اجمعين) قتلوا أخاها ومنعوها من دفنه، وأن بكت ضربوها، لم يكتفوا بذلك، سُبيتَ هي ومن معها من النساء ، ولم يكتفوا، أخرجوها من ديارها إلى الشام ، ماتت من شدة الحُزنِ على أخيها ومن معه من أهل بيتها، ومن القابها، أم أخيها، وهي التي ورثت مصائب أمها، ونُقل عنها: أنّها كانت أثناء سفر الأسر إلى الشام، تتنازل في غالب الأيّام عن حصّتها من الطعام، لصالح الأطفال الجائعين، والجائعات من الأسارى، وتطوي يومها جائعة، حتى أنّ الجوع كان يقعد بها عن التمكّن من أداء صلاة الليل قياماً، فتؤدّيها وهي جالسة، وحينما رجعت إلى المدينة، مع قافلة السبايا، نزعت حليّها، وحليّ أختها، لتقدمه هدية للنعمان بن بشير، مكافأة له على حسن صحبته ورفقته. الثالثة: فاطمة المعصومة بنت موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام): قتلها أشتياقها لأخيها، والمرض الذي عانت منه في طريقها وقيل دُس لهَا السُم! ألمّ بها المرض وأخذَ مأخَذهُ منها، من شدة الشغف إلى رؤية أخيها وأمام زمانها وهكذا ماتت فاطمة شوقاً لرؤيةِ أخيها الأمام الرضا عليه السلام ذكر العلامة المتتبع الشيخ علي أكبر مهدي ‏پور في كتابه القيّم (كريمة أهل البيت عليهم السلام): أن لفاطمة المعصومة عدّة أسماء وألقاب غير ما ذكرنا، وردت في عدّة من المصادر، وهي: 1ـ الطاهرة 2ـ الحميدة 3ـ البرّة 4ـ الرشيدة 5ـ التقية 6ـ النقيّة 7ـ الرضية 8ـ المرضيّة 9ـ السيدة 10ـ أخت الرضا 11ـ الصدّيقة 12ـ سيدة نساء العالمين. (٢) وسواء ثبتت هذه الألقاب والأسماء أو لم تثبت إلا أن من الواضح انطباق ما تضمنته من معان ودلالات على هذه السيدة الجليلة. وقد أطلق أكثر هذه الأوصاف على أمّها فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولا سيما الأخير منها، فإنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، كما أطلق على السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام) وقيّد ـ كما في الروايات ـ بأن سيادتها على نساء العالمين إنّما هو خاصّ بنساء زمانها، ولذا ينبغي التخصيص في إطلاقه على فاطمة المعصومة (عليها السلام) أو يقال بالتخصص إذ من المعلوم أن مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا يرقى إليه أحد من النساء، فإنّها بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه. وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الألقاب الأخرى. وعلى أي حال فإنّ في تسميتها بفاطمة ووصفها بالمعصومة وكريمة أهل البيت (عليهم السلام) وأنها صادرة من المعصومين دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته السيدة ________________________ (١) البحار؛ ج٢٢ص٤٨٥ (٢) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص36- ص٤٢ سهى البهادلي

اخرى
منذ 5 سنوات
2484

آلــيّات دفاع الزهراء (عليها السلام) وأثرها فــي مناهضة الظلم والظالمين عـبر العصور/ ج٢

الــمبحث الثاني: آليّـات مناهضة الظلم لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستولى أبو بكر على الحكم ومضت عشرة أيام واستقام له الأمر; بعث إلى فدك من يُخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). وروي أنّ الزهراء أرسلت إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله ؟ قال : بل أهله ، قالت : فما بال سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « إنّ الله أطعم نبيّه طعمة » ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده فولّيت أنا بعده أن أردّه إلى المسلمين . وروي عن عائشة أنّ فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لا نورّث، ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمّد من هذا المال., وإني ـ والله ـ لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأعملن فيها بما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) , فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً(20). كيف ناهضت السيّدة الزهراء(عليها السلام) هذا الظلم؟ سأتطرق في هذا المبحث عن الآليّات التي استخدمتها السيّدة الزهراء (عليها السلام) كمحاولة لدرء الظلم الذي تعرّضت له, مِن غدرِ معاشرةٍ, وغصبِ حقٍّ, وخيانةِ أمانةٍ, مِن قِبَل الصحب الذين أوصاهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل رحيله. ومِن تلك الآليّات: خُطبها, ما نُسب إليها من شهر , وصيّتها ضمن المطالب التالية: الــمطلب الأوّل: خُطَـبة الزهراء عليها السلام في مناهضة الظُلم أولاً: آلية مُناهضة غصب أرض فدك حينما قرّرت السلطة أن تمنع فاطمة (عليها السلام) فدكاً وبلغها ذلك قرّرت الاعلان عن مظلوميتها بالذهاب إلى المسجد وإلقاء خطاب مهم في الناس، وسرى الخبر في المدينة أنّ بضعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وريحانته تريد أن تخطب في الناس في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله) وهزّ الخبر أرجاء المدينة واحتشد الناس في المسجد ليسمعوا هذا الخطاب المهم . روى عبدالله بن الحسن عن آبائه (عليهم السلام) صورةً من هذا الخطاب قائلاً : إنّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكاً وبلغها ذلك ، لاثَتْ خِمارَها على رأسها ، واشتملت بِجلبابها ، وأقبلتْ في لمّة من حَفَدَتِها ونساء قومها ، تَطَأ ذُيولَها ، ما تَخْرِمُ مشيَتُها مشْيَةَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حَشْد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فَنبِطَتْ دونها مُلاءة ، فجلستْ ثمّ أَنّــَتْ أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجَّ المجلِسُ ، ثمّ أمْهَلَتْ هُنَيْئَةً حتّى إذا سكن نَشيج القوم وَهَدَأَتْ فَوْرَتُهُم; افتتحت الكلام بحمد الله والثّناء عليه والصلاة على رسوله (صلى الله عليه وآله) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت (عليها السلام) : " ... يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: (وورث سليمان داود)(21) وقال فيما اقتَصَّ مِن خَبَرِ يَحيى بنِ زَكَرِيّا إذ قال: ( فَهَبْ لي مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آلِ يَعْقوبَ )(22) وقال : ( وأُولو الأرحامِ بَعْضُهُم أولى بِبَعْض في كتابِ اللهِ )(23) وقال : ( يُوصيكُمُ اللهُ في أوْلادِكُم لِلذّكَرِ مثلُ حظِّ الاُنثَيَين )(24) وقال : ( إن ترَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ للوالِدَيْنِ والأقرَبينَ بالمَعروفِ حَقّاً على المتّقين )(25)... " (26). ففي هذا المقطع يتضح للقارئ انّ الآلية التي استخدمتها في مواجهة الظالم ومحاولة درء ظلمه هـي الصدح بالحق بوجه السلطان الجائر, وقد عضّدت كلامها بأدلّةٍ من القرآن الكريم الذي هو الطريق المشترك بينها وبين الظالمين حسب الفرض. ثـم نجدُ انّ ابا بكرٍ قد ردّ على خطابها هذا بآيةٍ ليست مورد استدلال, وحاول الاستغفال ليتدارك الموقف, واحتجّ بقول نسبه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ذهباً ولا فضةً ولا ديناراً ولا عقاراً وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة...- لكنّها (عليها السلام) دحضت قوله بقولها: "...سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادِفا(معرضا), ولا لأحكامه مخالِفاً! بل كان يتّبع أثره، ويقفو سُوَرَه، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزُور، وهذا بَعدَ وَفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل (المهالك) في حَياتِهِ، هذا كتاب الله حَكَماً عَدْلا، وناطِقاً فَصْلا يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب)(27). ويقول: (وورثَ سُلَيْمانُ داود)(28). وبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذُكران والإناث ما أزاح به علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ بل سوّلتْ لكم اَنْفُسُكُم أمراً فصَبْرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون»(29). ثانياً: آليّة مناهضة غصب الخلافة حينما زارت نسوة المهاجرين والأنصار السيّدة في دارها أخذن يسألنها عن حالها بعد رحيل نبيّ الرحمة , أجابتهن بزهدها بالدنيا , وغرابة نقض قومها لعهدهم الذي عاهدوا عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله), حيث أخذت تتساءل السيّدة وتجيب نفسها على سبب غصب الخلافة مِن بعلها خير الخلق بعد رسول الله (صلوات الله عليهما) بقولها: " ... ويحهم أنى زحزحوها - أي الخلافة - عن رواسي الرسالة ؟ ! وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين ، ألا ذلك الخسران المبين وما الذي نقموا على أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه ، وشدة وطأته ونكال ومقته وتنمره في ذات الله ، والله أو تكافئوا على زمام نبذه إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لاعتقله وسار بهم سيرا سجحا لا يكلم فشاشه ولا يتتعتع راكبه ، لأوردهم منهلا رويا فضفاضا ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنم جانباه, ولأصدرهم بطانة ونصح لهم سرا وإعلانا ، غير محل منهم بطائل إلا بغمر الناهل ، وردعة سورة الساغب ، وبأي عروة تمسكوا لبئس المولى ولبئس العشير ، بئس للظالمين بدلا ، استبدلوا والله الذنابا بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم , أفمن يهدي إلى الحق ، أحق أن يتبع ، أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون "(30). وها هي تستخدم احدى الآليات بصدحها بالحق دون مخافة رغم ظلم وجور الحاكم آنذاك. الــمطلب الثاني: ما نُسب من شِعر إلى الزهراء عليها السلام في مناهضة الظُلم لقد كانت (عليها السلام) تندب أباها المصطفى (صلّى الله عليه وآله وساّم) بنوعٍ مِن الشكوى والظلم مما جرى عليها مِن ظالميها بمقطوعاتٍ شعريّة رويت عنها, فكانت تلك المقطوعات نوعًا مِن آليات مناهضة الظلم والظالمين, بعد انقلاب القوم عليها, وإلى القارئ بعض مِن تلك المقطوعات: قد كان بعدك انباءٌ وهنبثةٌ (31) قد كان بعدك انباءٌ وهنبثةٌ *** لو كنتَ شاهداً لم تكثر الخطبُ إنّا فقدناكَ فقدَ الأرضِ وابلها *** واختلّ قومكَ فاشهدهم ولا تغِبُ أبدت رجالٌ لنا فحوى صدورهم *** لمّا قضيتَ وحالت دونكَ التُربُ تجهّمنا رجالٌ واستخفوا بنا *** إذ غبتَ عنّا فنحنُ اليوم نُغتصبُ الــمطلب الثالث: وصيّة الزهراء عليها السلام في مناهضة الظُلم لقد أوصت السيّدة الزهراء (عليها السلام) أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يخفي قبرها (عليها السلام) ، حيث روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: ( لما مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصّت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها, ولا يؤذن أحداً بمرضها, ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رضي الله عنها على الاستسرار بذلك كما وصّت به، فلما حضرتها الوفاة, وصّت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتولّى أمرها, ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها, فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها وعفى موضع قبرها... )(32). وهذا مثيل ما ورد في كتب اهل السنّة , حيث جاء في صحيح البخاري: حدثنا : ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ، حدثنا : ‏ ‏الليث ‏ ‏، عن ‏ ‏عقيل ‏ ‏، عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏، عن ‏ ‏عروة ‏ ‏، عن ‏ ‏عائشة ‏: ‏أن ‏ ‏فاطمة ‏ ‏(ع[عليها السلام]) ‏ ‏بنت النبي ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏أرسلت إلى ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏تسأله ميراثها من رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏مما ‏ ‏أفاء ‏ ‏الله عليه ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏وفدك ‏ ‏وما بقي من خمس ‏ ‏خيبر ‏، ‏فقال أبو بكر ‏: ‏أن رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏، ‏قال : ‏ ‏لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل ‏ ‏محمد ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏، عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏فأبى ‏ ‏أبو بكر ‏: ‏أن يدفع إلى ‏ ‏فاطمة ‏ ‏منها شيئا فوجدت ‏ ‏فاطمة ‏ ‏على ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها ‏ ‏علي ‏ ‏ليلا ولم يؤذن بها ‏ ‏أبا بكر ‏ ‏وصلى عليها ....)(33). فهو إن دلّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على مدى مظلوميتها (عليها السلام), حيث انّها بوصيتها هذه ناهضت الظلم وفضحته حتى بعد مماتها, إذ بقيَ سؤال – لماذا لم يشارك خليفة الامة آنذاك (وهو أبو بكر) في تشييع بنت رسول الله ودفنها, بـل لا يعلم بمكان قبرها؟! سلامُ الله عليها خيرَ ما اختارت مِن آليّة لمناهضة الظلم. ___________________________ (20) شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد المعتزلي, ج16,ص217. (21) النمل: 16. (22) مريم: 5-6. (23) الأنفال: 75. (24) النساء: 11. (25) البقرة: 180. (26) أعلام الهداية: تصحيح ابن عاشور,ص141. (27) مريم: 6. (28) النمل: 16. (29) المصدر السابق, ص145. (30) بلاغات النساء : لأبي الفضل أحمد بن طيفور, ص 12 ، 19 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 78 - 79 - وص 93 - 94. (31) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: 285. (32) أمالي المفيد، ص 281، ح 7. (33) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب غزوة خيبر,ج5, ص82-82, ح 3998. وحسبنا الله وكفا، سمع الله لمن شكى، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
3580

أميرة المؤمنات

بسم الله الرحمن الرحيم السلام على أم أبيها ومسند بنيها، وحامية شيعة زوجها وأبيها، السلام على فاطمة من مهد الحضارة، إلى موت الاحتضار، فهي الحضارة، وبقتلها كل العالمين احتضر، فهي الأميرة التي جمعت عاليها بدانيها، ودانيها بعاليها، فكانت هي باب الله الذي منه يؤتى... أميرة ليست كالأميرات لم تجلس على عرش الأمارة. ولم ترتدِ ملابس الأميرات، رغم أنها بنت خير البشرية، خير الأنام، زوجة اشجع الفرسان، وأم الائمة الكرام، وهذه الأميرة لم يراعوا حقها، لم يصونوا حجابها، رغم أنها لم تنازعهم على خزائن الدنيا وملذاتها، ولم تطلب شيئاً لها منهم، كأن الكون أصم... لم يسمع صوت فاطم وهي تنادي (وابتاه ومحمداه) شيئًا فشيئًا نقترب من الفاجعة الأليمة ... شيئًا فشيئًا نرى الظلام يحل في ذلك البيت الذي كان يسطع نوراً لأعنان السماء، يا ترى ما سبب هذا الظلام؟! ماذا حدث في هذا اليوم الحالك بالهموم؟! آه آه على بيت الوحي على أعتابه حطب وا أسفاه لبنت النبي… اليوم ألم الفراق يكابد قلب الحسنين، اليوم تصبح الحوراء حزينة ويتيمة، لوحدها لا تستطيع حمل هذا المصاب الفجيع... أن ترى ضلع أمها بالباب يكسر، وهي تنادي بأنفاس ثقيلة وصوت ضعيف: أيا فضة سنديني، فوالله قد اسقطوا جنيني، وترى القوم انتهكوا بيتهم، ولم يراعوا حقهم، ولم يرحموا حال الصغار حينما قاموا بحرق الدار… أما الوصي يا حزنُ فقد أطال مكوثه، فدمعه على الخد يراق، وكان الصوت يتردد وهي تقول: خلّوا عن ابن عمي... ما اسرع لحاقها بالرسول. ماذا أكتب أيها القلم؟ أ أكتب دموعًا وأشجانًا؟! أم أكتب آهات وأحزانًا ودمعات؟! أم أكتب لوعات ومصائب حلت بأهل بيت النبوة وموضع الوحي... اكتبي ولا تتردي، لإن كتبت عن أميرتك وسيدتك فأنني ارتقي لألوح أعنان السماء، وأنا أنثر أنقى الكلمات وأعطر الهمسات وأكون رقيقاً جداً كالتي كتبت في شأنها. اظن أنني سأكتب بك بالإشارة دون إمساكك، ولا اضغط عليك لأنك بذلك تنكسر كما كسر ضلعها، ومهما كتبت من أحرف وكلمات، وصغت فيها العبارات، فهذه الكلمات الممزوجات لا تستوفي حق الزهراء المزهرة في سماء الرحمة والعطاء، وما الرحمة إلا محمد (صلى الله عليه وآله) وما العطاء إلا هي وعلي (عليهما السلام): (إنا اعطيناك الكوثر)، فكانت هي كوثر النفس بالتنفيس عن هموم شيعتها ومحبيها، وكانت هي العقل الواعي في زمن الظلم والتدهور والتداعي، وكانت هي القلب القابل على الله بالنور والهداية، وكانت هي الروح الباقية من أمر الله تعالى، ولكن ما رعوها حق رعايتها، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولعن الله ظالميها من الآن إلى قيام يوم الدين. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
1093

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70205

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51273

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41403

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35865

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32683

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32195