فضة... الزيتونة التي عمت بركاتها المشرق والمغرب

الزهراء زيتونة عمت بركاتها المشرق والمغرب، وأنا الآن أسير بسيري هذا أطوي صفحة من صفحات حياتي، لأبدأ صفحة جديدة مشرقة، أكثر إشراقاً من ذي قبل. إحساس وُلد في داخلي منذ استيقظت صباحاً، إحساس جميل دافئ، كان لا أعرف مصدره ولا منشأه لكن الآن أعرف أساسه ومنشأه. فإني في خطواتي هذه يختزل الزمن في ساعاته تحت وطأة شعوري هذا ،وكيف لا وأنا أتوجه لأقضي بقية عمري في أشرف بيت في قريش، بل على وجه الأرض على الاطلاق.. كلما كدت أن اقترب كلما ازدادت نبضات قلبي واقشعر بدني، رباه ما الذي يعتريني؟ ولمَ كل هذا الخشوع؟ احساس دونه سكرة الموت. وردت يدي لأطرق الباب. لا ادري أهو صوت طرقات الباب ام صوت دقات قلبي المختلج داخل احشائي؟! خطواتها تهب الربيع الأبدي لذرات الرمال تقترب من الباب الموصد. ثوان مرت، خلْتُها ساعات مرت بكل ما فيها من حلاوة الأيام وعذاباتها. شمس اشرقت من داخل الدار، جلال نور شع يغشي الابصار. لا أتبين سوى هيكل امرأة قد حاطها ذلك النور البهي. _فضة، تفضلي يا فضة هكذا نادتني بصوت مشوب بحنان عذب، وكأني لأول مرة أُحس بجمال وعذوبة اسمي، تمنيت لو انها تكرره مراراً، فأحس بهذا الاحساس الذي يفيض طافحاً بحلاوة اسمي، إنه صوت ملكوتي آسر وجه ملائكي جميل، لابد أنها حوراء من حور الجنة، جميلة المحيا، يعلو وجهها ابتسامة مضيئة، وما هذه السحنة الطيبة؟ كنت اتخيل عندما أراها سوف تكون بين وصيفاتها جالسة فوق ملحفة ناعمة من افخر أنواع الاقمشة. لكن... تقف مولاتي الآن قبالي وهي ترتدي ثوباً متهرئاً يثير في داخلي الاشفاق، أهذه ابنة أعظم الرجال وسيد الخلق كلهم! تفضلي يا فضة... فاليوم أنت ضيفة عندنا وغداً تبدئين العمل... يا الهي، ما هذا الكرم الذي لا يضاهيه كرم، كنت اسمع بكرمها واخلاقها، ولكن لم اتصور يوماً أن إنسانة ما تصل الى هذه الدرجة من الكمال والنضوج العقلي والإنساني… كانت تمر الأيام خفيفة وجميلة كنسمة هواء رخيمة. في كل يوم كانت اشياء جميلة في داخلها تدفعني وتجذبني اليها بقوة. كنت تمنيت لو قابلتها منذ نعومة اظافري، سيدة لا تضاهيها سيدة بالشرف والخلق. سيدة لا تضاهيها سيدة بالنبل والكرم، تفيض أملاً وخلقاً لدرجة أننا اقتسمنا اعمال المنزل. فيومٌ لها ويوم لي… رأيتها يوماً وقد أسدل الليل ستاره، وتلك العينان التي ينبثق منها نور مضيء، قد تعلق بكبد السماء وهي كالنسمة بيد الرياح تبدو، تناجيه وتقدسه بصوت متهجد ملتاع، كأن شذا الجنان تفوح من كل انحاء المنزل. العتمة في كل مكان سوى محرابها... يشع بنور وجهها، كأنها قمر في ليلة داجية تطوقها هالة من نور شفيف… تنساب الى اذني كلمات شفافة، شفافة روحها الآتية من ملكوت السماء. يحتويني شعور لطيف، ولا ادري... أرصفُ قدمي لأصلي معها وأنفاسها تخرق صمت الليل الأبكم، تفتح أبواب السماء لتنهمر فيوضات روحانية الذ من العسل، منذ زمن لم أتذوق مثلها. ... اذكرها جيدا تلك الليالي... لا أنساها، ثلاثة أيام باتوا يفطرون على الماء القراح دون طعام، عندما كانوا صياماً، صيام نذر، نذر للحسين عندما يشفى من مرضه. انزل الله بحقهم قرآنا… ويدخل عليها أبوها ليرى بين يديها جفنة تفور، يقول لها من أين لك ذلك؟ تجيب جواب الواثقة بربها: هو من عند الله إنه يرزق من يشاء بغير حساب، الحمد لله الذي جعل في امتي مثل مريم بنت عمران. خمسة اقمار في بيت واحد، يزورهم بين فينة واخرى... شمس بزغت للإنسانية جمعاء، أراه يفعل بمولاتي مالا يفعله بأحد غيرها، وكأنه يمتص شذا المسك من شفتاها، ويسأل عن ذلك فيجيب: انها تفاحة من الجنة فكلما اشتقت الى الجنة شممتها، انها روحي التي بين جنبي، إنها أم أبيها، وما هذا إلّا النزر القليل من أقواله في حقها. خرجتُ بتجارب حياتي معها بأشياء كثيرة ... كانت تجلس وتحتضن ابنتها الحوراء لتبث فيها قدسيتها وروحها الفانية في سبيل الإسلام وتعدها أعداداً كاملاً لواقعة الطف، ولتكمل مشوارها الطويل في تثبيت اركان الإسلام بدمها الطاهر وبدم بعلها وبنيها إلى قيام الساعة، فحقاً هي زيتونة عمت بركاتها المشرق والمغرب.... سماهر الخزرجي

اخرى
منذ 5 سنوات
805

براءة مسمار

ليس هناك في الوجود من يكره نفسه اكثر مني! ولم أنس -مادامتُ- ما حدث عندما كنت في ذلك الباب... رغم أني بريء، فلا حول لي ولا قوة، فأنا الأداة التي كسرت الضلع! وأي ضلع؟! ضلع القداسة... ضلع النبوة... ضلع الإمامة والحياة والشرف... آهٍ... لو كنت أعلم ما سوف يحدث في ذاك اليوم، لرفضت وجودي لو كان بيدي، حتى لا أرى هذا اليوم الذي أطعن فيه الزهراء (عليه السلام) يوم عصروها بين الباب والحائط... انا يا سيدتي أتبرأ الى الله من كل شيء يمس ظلك المقدس... فكيف بي وأنا الذي سببّت لكِ كل هذا الألم... اسمحي لي أن أروي للتاريخ ما حصل، لأعلن للناس ما حدث وأثبت براءتي... تراب النبي ما زال نديًا... وابنته الزهراء تتعرض لهذا الأذى؟! همُ دفعوا الباب وقائل يقول: إن في البيت فاطماً... فيجيب كبيرهم: وإنْ! كلمة (وإنْ) هي التي مزقت أحشائي... على غفلة دفعوا الباب... وعصرت الزهراء بين الباب والحائط... وليس الكسر كان لي قبل أضلاعها اني اسمع أنين النبوة وأنين الرسالة يوم نادت: أبتاه، يا محمداه، أبتاه يا أبا زهراء، دفعت الباب ورجعت تلوذ وراءه طلبًا للستر والحجاب... كل هذا سمعته منها.... أنينًا... وعصرًا... فأنا في الباب... وقد حال بيني وبينها ما تحمله... ذاك الجنين المسمى محسنا... ولا اعرف هل كان في بطنها ويحامي عن أمه؟! وهل كان يدافع معها عصرة الباب؟! ولكن دون جدوى سقط جنينها... ووصلت لجسدها... أتعلم كم صرخة سمعت منها؟! صرخة لطم الخد... صرخة الباب... صرخة الحائط... صرخة الجنين... صرخة لها... وصرخة لي.... وصرخة لفضة، يا فضة سنديني، فو الله قد أسقطوا جنيني... ومذ تلك الحادثة ودمعتي لا زالت... ولا أعتقد أنها ستجف يومًا... ابو محمد مهدي الترابي

اخرى
منذ 5 سنوات
1280

آلــيّات دفاع الزهراء (عليها السلام) وأثرها فــي مناهضة الظلم والظالمين عـبر العصور/ ج١

الـمقدّمـة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً نستلهم به التوفيق من حضرته، ونتهيأ به لعواطف نظرته، وصلّى الله وسلّم على خلاصة الخلاصة وصفوة الصفوة من بريته وخلقه، سيّدنا محمد صلى الله عليه واله، وصلِ اللّهم وسلّم على أعظم من دلنا عليك، وأشرف مَن وصلَ اليك، وصلِ يا رب على فطرة الخلاصة و منهج الصفوة أنوار الأكوان وبداية الأزمان الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وبـعد.. كلّ انسانٍ يعقل أنّ أشد أنواع الظلم هو الاجتراء على حدود الله التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله)، حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}؛ أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته. وفي مقام بحثي هذا سيتضح للقارئ كيف ظُلِمت بنت حبيب الله التي صرّح النبي بنفسه أنّ مَن أغضبها فقد أغضبه، ومَن أغضبه فقد أغضبَ الله، ذلك الحديث الذي صدحت به كتب الفريقين. فحدودُ الله هي حدود محمّد (صلى الله عليه واله) وفاطمة (عليها السلام) مِن حدود الله ونبيّه، فمَن تعدّى على حقوقها فهو ظالمٌ لامحالة، وقد توعّد الله تعالى الظالمين بقوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}. ونِعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله. فاطمة الزهراء تلك المرأة التي تعرّضت لظلمٍ لا مثيل له في البشريّة، تلك المرأة التي ناهضت الظلم ببلاغةٍ وحكمةٍ وشجون، بآليّاتٍ عديدةٍ اُشير إلى بعضها في هذا البحث المتواضع، وأسأل الله تعالى أن يجعله شفيعاً لي يوم حشري، إنّه نعمَ سميعٌ مُجيب. الــمبحث الأول: مُناهضةُ الـظُلم للوقوف على ماهيّة الظلم وتجسّد مصداق الظالم ونوع الظلم الذي تعرّضت إليه فاطمة الزهراء (عليها السلام), أتطرّق في هذا المبحث إلى مطالبٍ ثلاثة موّضحةً التالي: -المطلبُ الأوّل: تعريفُ الظُلم والظالِم -المطلبُ الثاني: تعريفُ المُناهضة -المطلبُ الثالث: ماهيّة الظُلم الذي تعرّضت له السيّدة الزهراء (عليها السلام) المطلب الأول: تعريفُ الظٌلمِ والظالم الظلم لغةً: وضع الشيء في غير موضعه(1). واصطلاحاً: هو: وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه(2). والظالم: هو فاعل من ظَلَمَ(3) قال تعالى: { تِلْكَ حُدُود اللَّه وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم }(4) المطلب الثاني: تعريف المناهضة - ن ه ض : نَهَضَ قام وبابه قطع وخضع و أَنْهَضَهُ فانْتَهَضَ واسْتَنْهَضَهُ لأمر كذا أمره بالنهوض له(5). النُّهوضُ : البَراحُ من الموضع والقيامُ عنه ، نهَضَ يَنْهَضُ نَهْضاً ونُهوضاً وانْتَهَضَ أَي قامَ.(6) المطلب الثالث: ماهيّة الظلم الذي تعرّضت له الزهراء(عليها السلام) لقد تعرّضت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى العديد من الظلامات, اسلّط الضوء على اثنين منها في فرعين؛ تماشياً مع سعة البحث ومدار وقته. الـفرع الأوّل: غــصبُ أرض فدك سأتطرق في هذا الفرع إلى: أولاً/ التعريف بأرض فدك ثانياً/ أحقيّة ملكيّة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفدك أولاً: التعريف بأرض فدك فدك : قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان، و قيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) في سنة سبع صلحاً ، و ذلك أن النبي ، صلى الله عليه وآله، لما نزل خيبر و فتح حصونها و لم يبق إلا ثلاث و اشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلى الله عليه وآله، يسألونه أن يُنزلهم على الجلاء و فعل ، و بلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله، أن يصالحهم على النصف من ثمارهم و أموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكانت خالصة لرسول الله ، صلى الله عليه وآله؛ و فيها عين فوارة و نخيل كثيرة " (7). ثانياً/ أحقيّة ملكيّة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفدك اثبتت كتب السنة والشيعة هذه الحقيقة , ومَن ينكر فما هو إلاّ جاحد, وسأثبت تلك الأحقيّة ببعض الأدلّة. أ: نصّت كتب القوم على انّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعطى الزهراء فدكاً, برواياتٍ صحيحة في كتبٍ معتدٍ بها عندهم, منها: 1-- قال أبي يعلى : قرأت على الحسين بن يزيد الطحان ، قال : هذا ما قرأت على سعيد بن خثيم ، عن فضيل ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : لما نزلت : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ( الإسراء : 26 ) } دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة ، وأعطاها فدكا.(8) 2-- أخرجه البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري من أنه لما نزلت هذه الآية : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ( الإسراء : 26 ) } دعا رسول الله (ص) فاطمة فأعطاها فدكا.(9). وغيرها العديد مِن الروايات التي أثبت تلك الحقيقة , لايسع المقام لنقلها, فمَن يُنكر ذلك فما هو إلاّ طعنٌ في صحّة كتبه. ب: لقد غصّت كتب الشيعة الإماميّة بروايات اثبات مظلوميّة الزهراء (عليها السلام), وأن مِن تلك الظلامات: غصب أرض فدك منها, بعد أن أثبتت انّ تلك الأرض هي ملكٌ لفاطمة الزهراء (عليها السلام) برواياتٍ عديدة منها: 1—جاء في تفسير الإمام الرضا (عليه السلام) في مسألة اصطفاء أهل البيت في الكتاب العزيز في اثني عشر موطناً.... قال(عليه السلام): والآية الخامسة : قول الله عزّ وجل: (وآتِ ذا القربى حقّه) .....فلما نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال ادعو إليّ فاطمة , فدُعيت له فقالت: لبيك يا رسول الله، فقال: هذه فدك, هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة, دون المسلمين, قد جعلتها لكِ لما أمرني الله تعالى بهِ, فخذيها لكِ ولي ولدك"(10). الفرع الثاني: غصبُ الإمامة أولاً: التعريف بالإمامة -لغةً: لإمامة : هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به. أما الإمام فهو : من يُقتدى به ، و هو الذي يتقدم على الناس و هم يأتمون به ، و يقتدون به في قول أو فعل أو غير ذلك ، سواءً كان الإمام المتقدم عليهم محقا في تقدمه هذا أم لا (11). -اصطلاحاً: قال العلّامة الحلّي رحمه الله بتعريف الإمامة : « الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي صلّى الله عليه وآله»(12). ثانياً: الدليل على أحقيّة زوج البتول (عليه السلام) بالإمامة: أنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله )، تدلّ على أنّه صلوات الله عليه كان يعتبر أمر تنصيب خليفة بعده على المسلمين أمراً إلهياً ؛ حيث إنّه (صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله) حينما دعا بني عامر إلى الإسلام وقد جاءوا في موسم الحج إلى مكّة ، قال رئيسهم : أرأيت أنّ نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فأجابه صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله بقوله : «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء» (13). ولو تتبعنا الروايات في كتب الفريقين لاكتفينا بالحديث المتواتر الذي يثبت أحقيّة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله), وهو حديث الغدير.. فحديث الغدير ممّا تواترت به السنّة النبويّة وتواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا الحاضر ، رواه من الصحابة (١١٠) صحابياً ومن التابعين (٨٤) تابعياً ، وقد رواه العلماء والمحدّثون في القرون المتلاحقة(14). ولكي يكون القارئ الكريم على بيّنة بماهيّة حديث الغدير اُشير إلى أمرين: الأمر الأول: كما عرفنا انّ هذا الحديث تواتر على لسان رواة الحديث, نقرأ بعض مِن تلك الأحاديث الواردة في كتب أهل السنة: 1- حدثنا : ‏ ‏ابن نمير ‏ ، حدثنا : ‏ ‏عبد الملك ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي عبد الرحيم الكندي ‏ ‏، عن ‏ ‏زاذان أبي عمر ‏، ‏قال : سمعت ‏ ‏عليا ‏ ‏في ‏ ‏الرحبة ‏ ‏وهو ‏ ‏ينشد ‏ ‏الناس من شهد رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏يوم ‏ ‏غدير خم ‏ ‏وهو يقول : ما قال : فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏وهو يقول : ‏من كنت ‏ ‏مولاه ‏ ‏فعلي ‏ ‏مولاه.(15). 2- حدثنا : ‏ ‏علي بن محمد ‏ ، حدثنا : ‏ ‏أبو الحسين ‏ ، ‏أخبرني : ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏، عن ‏ ‏علي بن زيد بن جدعان ‏ ‏، عن ‏ ‏عدي بن ثابت ‏ ‏، عن ‏ ‏البراء بن عازب ، قال : أقبلنا مع رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]) ‏ ‏في حجته التي حج فنزل في بعض الطريق فأمر الصلاة جامعة فأخذ بيد ‏ ‏علي ‏(ر) ،‏ ‏فقال :‏ ‏الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قالوا : بلى ، قال : الست أولى بكل مؤمن من نفسه ، قالوا : بلى ، قال : فهذا ‏ ‏ولي ‏ ‏من أنا مولاه ‏، ‏اللهم ‏ ‏وال ‏ ‏من والاه ، اللهم عاد من عاداه(16). الأمر الثاني: الروايات الخاصة: 1- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ ابي جعفر (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ كُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ حَدِّثْنِي عَنْ وَلايَةِ عَلِيٍّ أَ مِنَ الله أَوْ مِنْ رَسُولِهِ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ كَانَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) أَخْوَفَ لله مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ الله بَلِ افْتَرَضَهُ كَمَا افْتَرَضَ الله الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ(17). 2-- عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يوم غدير خم أفضل أعياد امتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتم على امتي فيه النعمة ، ورضي لهم الاسلام دينا . ثم قال صلى الله عليه وآله : معاشر الناس إن عليا مني وأنا من علي ، خلق من طينتي ، وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبوالائمة المهديين ، معاشر الناس من أحب عليا أحببته ، ومن أبغض عليا أبغضته ، ومن وصل عليا وصلته ، ومن قطع عليا قطعته ، ومن جفا عليا جفوته ، ومن والى عليا واليته ، ومن عادى عليا عاديته ، معاشر الناس أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا ، معاش الناس والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما نصب عليا علما لامتي في الارض حتى نوه الله باسمه في سماواته ، وأوجب ولايته على ملائكته(18). وسبق وأن تنبأت السيّدة (عليها السلام) بنفسها بمصير الأمة المظلم بـعد رحيل نبيّ الرحمة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(19). وبـــعد أن عرفَ القارىء الشيء اليسير مِن الظلامات التي تعرّضت لها الزهراء البتول (عليها السلام) , أنتقل لبيان الآليات التي استخدمتها (عليها السلام) في مناهضة هذا الظلم وذلكَ في المبحث القادم إن شاء الله تعالى. ____________________________ (1) لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور), ج9, حرف الظاء. (2) مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني, 537. (3) قاموس المعجم الوسيط: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي. (4) البقرة: 229. (5) مختار الصحاح: زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي, باب النون. (6)لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور), ج14, حرف النون. (7) معجم البلدان لياقوت الحموي ،ج4 ، باب الفاء و الدال و ما يليهما ، ص238. (8) المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: ابن حجر العسقلاني, كتاب التفسير - سورة حم عسق, ج15, ص192. (9)روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : الآلوسي ,سورة الإسراء : 26,ج8, ص61. (10) عيون أخبار الرضا:ج1, ص233, والبرهان:ج2, ص415, ح2. (11) قال الراغب : " و الإمام : المُؤتَّمُ به ، إنسانا كان أو يقتدى بقوله و فعله ، أو كتاباً أو غير ذلك ، محقاً كان أو مبطلا ، و جمعه أئمة " ، مفردات غريب القرآن : 24 . (12) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر:أبي منصور جمال الدين الحسن بن يوسف, ص105. (13) ظ: السيرة النبوية :ابن هشام . ج 2, ص424. (14) مُحاضرات في الإلهيّات: جعفر السبحاني, ج2, ص380. (15) مسند الإمام أحمد بن حنبل : أحمد بن حنبل,- مسند العشرة المبشرين بالجنة - مسند الخلفاء الراشدين, ومن مسند علي بن أبي طالب (ر), ح 642. (16) سنن ابن ماجه: ابن ماجه, - كتاب المقدمة - أبواب في فضائل أصحاب رسول الله (ص)- باب فضل علي بن أبي طالب (ر), ح 116. (17) اصول الكافي: الكليني, ج1, باب بَابُ مَا نَصَّ الله عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عَلَى الائِمَّةِ (عَلَيْهِ السَّلام) وَاحِداً فَوَاحِداً, ح5. (18) امالى الصدوق : الشيخ الصدوق, ص 76 و 77 . (19) اصول العقيدة: السيّد محمد سعيد الحكيم, ج1, ص189. والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
3691

التكاسل عن المدرسة، أسباب وحلول.

من اسئلتكم يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من كانت له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها، ورباها فأحسن تأديبها، وغذاها فأحسن غذاءها كانت له وقاية من النار" المقصود بالتربية: إعداد الطفل بدنيا وعقليا وروحيا، حتى يكون عضوا نافعا لنفسه ولأمته [1] السؤال: (ابنتي في الثالثة الابتدائي وبصعوبة بالغة استطيع إيقاضها صباحا للذهاب الى المدرسة وكذلك تتكاسل في اداء واجباتها الدراسية فكيف اتعامل معها ؟) الجواب: بداية نرى ان للسؤال شقين او أمرين، ومن المحتمل ان الامرين مرتبطان ببعضهما البعض، فلربما كان أساس المشكلتين واحد، فنقول: هل المشكلتان كانتا منذ بداية العام الدراسي أم أن هناك امرا عارضًا حصل مؤخرًا؟ فإن كان امرا عارضا فيجب البحث عما حصل من تغير، سواء في المحيط العائلي أو المدرسي أو حتى في الطفل نفسه (طبعا اقصد بالطفل هنا كناية عن البنات او الاولاد الصبيان اللذين لم تتجاوز اعمارهم العاشرة). اما إذا كان الامر موجودًا منذ بداية العام الدراسي فيجب معرفة الاسباب لذلك الامر ووضع حلول عملية له . ويمكن تصور العديد من المشاكل في هذا المجال: ونبدأ بمشكلة التكاسل في اداء الواجبات المدرسية، ومن ثم نعرج على مشكلة عدم الاستيقاظ صباحًا إلا بصعوبة، وسيكون الحديث بشكل عام من دون تخصيص -ولدا كان او بنتًا. هناك الكثير من الاحتمالات التي قد تكون سببًا في تكاسل الولد او البنت عن اداء وظائفه المدرسية، منها: اولًا: عدم الثقة بنفسه والخوف من الفشل. ثانيًا: سوء تصرف بعض المعلمين معه او عدم الاهتمام به مما يؤدي الى كره المدرسة والدراسة. ثالثًا: وجود صعوبة عنده في تقبّل المواد الدراسية. رابعًا: عدم حصوله على درجات مُرضية وبالتالي يشعر بالخجل من بقية الطلبة من حوله. خامسًا: عدم اهتمام الوالدين به وبدراسته، وهذا ما يؤدي الى ان يقوم الولد او البنت ببعض الامور ليجلبوا توجه العائلة لهم . من المؤكد ان هناك احتمالات اخرى ولكن نكتفي بما ذكرنا لئلا يطول المقام . اما بالنسبة للحلول فمن المؤكد أن هناك حلولًا عملية وخطوات علاجية تعمل على تغيير نظرة الطالب الى المدرسة والدراسة من النظرة السلبية الى النظرة الايجابية . وقبل ان ندخل في دائرة الحلول نؤكد على ضرورة أن يتواجد في العائلة من يكون قريبًا من ذلك الطفل ليجلس اليه على انفراد (ابا كان او اما او اخا كبيرا لا فرق) بحيث يحس الطفل بالاطمئنان اليه فيجيب الطفل على كل سؤال قد يسأله المقابل منه من دون تردد او خوف . بعد هذا نقول: إن كانت المشكلة اساسها محيط المدرسة فعلى الوالدين او احدهما الاجتماع بإدارة المدرسة وطرح مشكلة الطفل ومعرفة اسبابها وايجاد حلول عملية لها مع الادارة ، سواء كانت المشكلة في الاسلوب الخاطئ في التعليم لبعض المعلمين او لأسباب اخرى تتعلق بالمدرسة. اما إن كان السبب هو محيط البيت والعائلة، فعلى الوالدين التعاون لمعرفة الاسباب التي اوجدت تلك المشكلة. فإن كانت المسألة مرتبطة بعدم ثقة الطفل بنفسه وعدم قدرته على التعبير عن ذاته فعلى الوالدين ان يجدا طرقا لإعادة الثقة لنفس الطفل ، ولذلك طرق متعددة ، منها دفعه إلى القيام بأمر يحبه كالخوض في مجال الرسم مثلا وتشجيعه عليه او في مجال الرياضة وتعزيز تلك الثقة التي يحصل عليها من تلك الطرق، ولهم ان يستشيروا اهل التخصص لحل هذا النوع من المشاكل . في دراسة أجريت في أستراليا شملت ستًا وعشرين مدرسة لتقييم فعالية برنامج التربية السليمة والايجابية بين الطلاب، أظهرت النتائج تقلّص عدد الأطفال الذين لديهم مشاكل سلوكية، وزيادة كبيرة في مهارات التعبير عن الذات مقارنة مع الأطفال الذين لم يشاركوا في هذا البرنامج. [2] واما إن كان السبب هو ضعف في مستواه الدراسي وضعف في الدرجات فهنا على الوالدين ان يخصصوا لهذا الطفل برنامجًا يوميًا يجلسان معه ليعيناه على حلّ واجباته الدارسية ، وأن يهتموا به من الجانب الروحي والمعنوي ايضًا ولهذا الامر الاثر الكبير في تقدم الطفل في الدارسة. وايضًا من الامور المهمة ان يغرسوا في داخل الطفل محبة العلم ويبينوا له قيمة العلم والدارسة والتعلم وليدعموا كلامهم ببعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة (حسب مستوى ادراكه وفهمه) التي تحث على التعلم وقيمة المتعلم ومقامه عند الله تعالى . واما إن كان الطفل لا يحبُ الطرق التقليدية في التعلم فحاليًا في هذا الزمن توجد عشرات ومئات الطرق الجديدة للتعليم من خلال الوسائل الايضاحية على النتِ وبطرق مشوقة ومحببة للطفل. ولا ننسى دور المكافأة والتشويق والتشجيع فله الاثر في غرس حب الدارسة لدى الطفل (مكافأة السلوك الإيجابي: وهي طريقة فعالة جداً للتخفيف من حالات التوتر، لها قوة هائلة في بناء شخصية الطفل؛ وتتحقق إذا قام الأهل بعدم التركيز على السلوك المنسجم مع عمرهم، كالحركة والاكتشاف المستمد للمحيط، وأبدوا تسامحاً معهم، وكافأوا سلوكهم من خلال توجيه المدح، وتحديده بالسلوك الايجابي وهو ما يسمّى "بالمدح المخصص". اسماع الطفل مثلاً ما أجمل عباراتك، ما أجمل خطك، كم أنت مبدع في الأناشيد وهكذا) [3] أما ما يتعلق بالمشكلة الثانية وهي عدم الاستيقاظ من النوم مبكرًا الا بصعوبة فأيضًا من المؤكد ان لهذه المشكلة أسبابًا ، وليس من الصعب التغلب عليها بعد معرفة اسبابها ومن اسبابها: اولا: السهر وعدم النوم مبكرا ثانياً : وجود بعض المشاكل في الاسرة ثالثًا :عدم كتابة الوظائف والواجبات البيتية او عدم اتمامها رابعاً: الكسل بشكل عام للتغلب على هذه الامور نطرح بعض الحلول التي قد تكون فيها الفائدة لحل هذه المشكلة: بداية على احد الوالدين الجلوس مع الطفل عن انفراد والتحدث اليه بشكل محبب وودي ليتعرف على المشكلة ، فان كان السبب في عدم قيامه مبكرا هو السهر وعدم النوم المبكر فعلى الوالدين ان يقوموا بعمل برنامج يومي ثابت للنوم ، لكي يأخذ الطفل قسطه من الراحةِ بشكل كامل فيستيقظ صباحًا مبكراً وهو بكامل نشاطه، وعلى الوالدين الصبر والتأني وأن لا يتركوا ذلك البرنامج الذي بدأوا به بمجرد عدم استجابة الطفل لذلك البرنامج لمدة يومين او ثلاثة ايام، بل عليهم الاستمرار الى ان يأتي يوم يخضع الطفل لذلك البرنامج حينما يرى نتائجه الايجابية. لعل ما يؤرق الطفل أنه لم يكتبْ واجباته المدرسية او لم يكملها ، ولهذا لا يحبُ الاستيقاظ صباحًا مبكراً لأنه يعلم انه عليه مهامًا دراسية لمْ يقم بها ، لذلك على الوالدين ان يهتموا بواجبه البيتي ليكمله قبل ان ينام لينام مطمئنًا ولا يكون قلقلًا عند الصباح. ومن الامور الاخرى ايضا قضية الجو الأُسري، فالجو الاسري المليء بالحبِ والحنان ينعكس بشكل ايجابي على روحية الطفل ودارسته وتصرفاته، والعكس بالعكس، فالجو العائلي إن كان مشحونًا بالصياحِ والعناد يكون تأثيره سلبيًا على الطفل وعلى دارسته ونومه. واما الكسل فقد يتصف بعض الاطفال به ربما لوجود افراد في نفس العائلة قد تعودوا على الكسلِ والتكاسل، فالقدوة مهمة في هذا الجانب كما هي مهمة في الجوانب الاخرى، فعلى الوالدين الاستيقاظ المبكر وحث الطفل عليه وتشجيعه على ذلكَ وذكر فوائده وإعطاؤه الوعود بالقيام ببعض النشاطات التي يحبها إن قام مبكراً قبل الذهاب الى المدرسة. وختامًا نقول: ان هناك امورًا يلزمنا أن نأخذها بعين الاعتبار فهي مفيدة في هذا الباب : -معرفة اسلوب التثقيف المتبع في التربية بواسطة قراءة الكتب في هذا المجال وقراءة المقالات الدينية والعلمية التي تزيد من ثقافة الوالدين في التربية ، لما لها من الاثر الفعال في نجاح تنشئة الاولاد تنشئة سليمة. -حذار حذار من الغضب والعصبية مع الطفل وإجباره على الدارسة بطرق العنف، فلهذه الطرق ردود فعل عكسية وتكون ضارة بدل ان تكون نافعة. -التوسل الى الله وباهل البيت وطلب العون منهم والتسديد في التعامل مع الاولاد ومشاكلهم بما فيه خيرهم وصلاحهم. -الطفل يتأثر بالكلام فحاول اقناعه بما تحدثه ولا تفرض آراءك عليه فرضًا فنحن نقصّر في محاولة اقناع الطفل بالكلام ظنا منا انه لا يفهم او لا يدرك لأنه صغير. -طاقة الحب طاقة عظيمة، وباب الحب واسع وله قدرة احتواء معظم المشاكل والقيام بحلها ، فبالحب غيّر ما تريد أن تغيره. ............................................................ ‎1-شرح رسالة الحقوق الامام زين العابدين ص٥٩٩ ‎2-من مقال -من رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام :حق الولد ‎3- من مقال -من رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام :حق الولد Ya Fatimah

اخرى
منذ 5 سنوات
3512

المرجع الأعلى للـنساء

السيدة زينب (عليها السلام) نموذجًا. تنتاب بعض النسوة حالة من اليأس والشعور بعدم معرفة أهمية دور المرأة المناط بها، مما يجعلها منطوية، معتزلة العالم وأحداثه، لا تبالي بأُمور المسلمات، فضلاً عن أمور محيطها الأُسري والاجتماعي، وهذا أمر لا يحمد عقباه؛ حيث إنّ الروايات الشريفة حذّرت من ذلك، فقد روي "عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"(١). ومن معاني (الاهتمام بأمور المسلمين) هو مطالعتها، ومعالجة السلبيات والنهي عنها، والإشادة بالإيجابيات والحث عليها. والاهتمام بأمور المسلمين يحصل نتيجة متابعة ومواكبة المجتمع، والمرأة جزء من المجتمع، والشرع المقدّس قد رسم لنا أُسس العشرة وضوابطها، فقد حثّت الآيات الكريمة على ذلك، منها: قوله تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورا}(٢). والروايات الشريفة منها ما تحث على التودد، كما روي "عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ إِنَّ أَعْرَابِيّاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) فَقَالَ لَهُ أَوْصِنِي فَكَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ تَحَبَّبْ إِلَى النَّاسِ يُحِبُّوكَ"(٣). ومنها ما حثّت على المصاحبة، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ابذل لصديقك نصحك، ولمعارفك معونتك ولكافة الناس بشرك"(٤). فالعشرة خلاف العزلة المنهي عنها شرعاً؛ إذ لم يرد نص صريح قرآني أو روائي يدعو الإنسان إلى اعتزال الناس مطلقاً. نـعم، هنالك حثٌ على اعتزال أهل الباطل بعد أمرهم بالمعروف وعدم امتثالهم له، مع الخوف من الانجراف معهم، فتكون عزلتهم أسلم. إذاً ليست العزلة الممدوحة محل كلامنا، إنّما المذمومة منها. فالمرأة التي تعتزل بني جنسها، لا تناصحهن، ولا تشاورهن، ولا تؤالفهن، ولا تصاحبهن، فما هو دورها تجاه الإسلام، وكيف ستهتم بأمور المسلمات؟ هذا سؤالٌ يحتاج إلى إيقاظِ ضميرٍ غلب عليه سبات الغفلة، واعترته حمى إهمال الدور المناط، فلابدّ له من جوابٍ وعلاج. ومن معاني (فليس بمسلم) ظاهراً هو أنّ من لم يهتم بأُمور المسلمين فهو غير مسلم بما جاء من آيات وروايات تحث على الاهتمام بأُمورهم. وبعد اللتيا والتي تتساءل المرأة المسلمة عن حقيقة دورها الديني والاجتماعي. •فأمّـا الدور الديني: - ففي اصول الدّين يكفي الاعتقاد به الإيمان بأصول الدّين المتمثلة بالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. -وفي فرع الدّين: "يجب تعلّم المسائل التي يبتلى بها عادة - كجملة من مسائل الشكّ والسهو في الصلاة - لئلّا يقع في مخالفة تكليف إلزاميّ متوجّه إليه عند ابتلائه بها"(٥). فوجوب تعلّم المسائل الابتلائية مطلق، والمثال ليس حصرياً، إنّما يشمل كلّ ما يمكن أن يكلّف به، فيجب على المرأة تعلّم مسائل العبادات والمعاملات التي تبتلى بها، ولاسيما المسائل الخاصة بأحكام النساء. •وأمّا الدور الإجتماعي: فيتجسّد بتطبيق ما نصّت عليه الآيات والروايات المتقدمة في آداب وأُسس العشرة. عندئذٍ ستكون المرأة قد وصلت بنفسها وبني جنسها إلى برّ الأمان، واستحصال رضا الرحمن. وهذا هو المعهود من النساء؛ تأسّياً بسيرة السلف من القدوات المؤمنات، على رأسهن الزهراء والحوراء (عليهما أزكى التحيات)، حينها يمكن أن تكون المرأة مرجعاً أعلى للنساء تفيض عليهن مما هي اكتسبته وطبقته. والمراد بالمرجع: هو: رجوع النسوة إليها في أُمور دينهن ودنياهن. والمراد بالأعلى: هو المقام السامي والعالي علماً وعملاً. والآن نقرأ ما جاء في سيرة السيّدة زينب (عليها السلام): "أنّها كانت تنوب عن أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) في حال غيابه، فيرجع إليها المسلمون في المسائل الشرعيّة؛ ونظراً لسعة معارفها كان الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يروي عنها، وكذلك كان يروي عنها عبد الله بن جعفر، والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام). ولمّا كانت في الكوفة في أيام أبيها كان لها مجلس خاص تزدحم عليها السيّدات، فكانت تلقي عليهنَّ محاضرات في تفسير القرآن الكريم، كما كانت المرجع الأعلى للسيّدات من نساء المسلمين، فكنّ يأخذنَ منها أحكام الدين وتعاليمه وآدابه. ويكفي للتدليل على فضلها أنّ ابن عباس حبر الاُمّة كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، كما روى عنها كوكبة من الأخبار، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول : حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت علي. وقد روى عنها الخطاب التاريخي الذي ألقته اُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في جامع أبيها (صلّى الله عليه وآله). وقد نابت عن ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في أيام مرضه ، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعيّة ، وقد قال (عليه السّلام) في حقها :(( إنّها عالمة غير معلّمة)). [وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ السيّدة (عليها السلام) كانت توصل الإجابات عن طريق نسوة الرجال الذين رووا عنها]. وكانت ألمع خطيبة في الإسلام ؛ فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي ، وذلك في خطبها التاريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية . لقد نشأت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في بيت الوحي ومركز العلم والفضل ، فنهلت من نمير علوم جدّها وأبيها وأخويها ، فكانت من أجلّ العالمات ، ومن أكثرهنَّ إحاطة بشؤون الشريعة وأحكام الدين [وهذا الدور يشير إلى أهمية التربية الصالحة وحصاد نتاجه]"(٦). وبذلك كانت السيّدة زينب (عليها السلام) الـمرجع الأعلى للنساء، فهلاّ اقتدينا؟. اختاه، حذار أن تكوني كلاً على أمتك، وبلسماً لعدو دينك. استصرخكِ، لمن تتركين الميدان؟! ألا يكتوي قلبكِ حين ترين وحوشاً كشَّرت عن أنيابها الفضائية، ومخالبها الصحفية، وراحت تعبث في أخواتك، وتنتهك عفتهن وكرامتهن بدعوى التحرر من الدّين؟! ألا يتقطع نياط قلبكِ وأنتِ ترين انتشار ظاهرة الطلاق، أو الجهل بالواجبات الزوجية الملقاة على عاتق المرأة، والانتهاكات التي تحصل في بعض البيوتات المنتشرة انتشار النار في الهشيم؟! أيطيب لكِ طعام أو شراب وأنتِ ترين فتاةً تلو فتاة من فتياتنا قد رَمَت بحجابها، وتركت صلاتها، وعصت أمر ربّها، منساقة وراء أبواقٍ خاسئة؟! رحماكَ يا الله، كيف تقوى نفسكِ على القعود وأنت تملكين – بفضل الله تعالى – القدرة على تحصين نفسكِ، وأخواتك من حبائل المفسدين ومكايد العابثين؟!. ثم هل من المعقول التفريط بسيرةِ سليلة الطهر والعفاف (عليها السلام)، وعدم تطبيقها في زمننا الحالي؟! فيا ابنة الإسلام انهضي، فيكِ انطوى العالم الأكبر، فلِمَ العزلة والتقهقر ! _________________ (١) الكافي، ج٢، باب الاهتمام بأمور المسلمين، ح١. (٢) النساء:٣٦. (٣) الكافي، ج٢، باب التحبب إلى الناس والتودد إليهم، ح١. (٤) غرر الحكم: ٢٤٦٦. (٥) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج١، م١٩. (٦) السيدة زينب (عليها السّلام) رائدة الجهاد في الإسلام: باقر شريف القرشي، ص٤٥-٤٦. اللّهم أجرِ للناس على يدينا الخير، وسددّ خطانا يا قويّ يا خبير، وصلِ اللّهم على محمدٍ وآله البشير النذير. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
2590

رأت جميلاً... جميلاً رأت...

(ما رأيتُ إلا جميلاً) هذه العبارة التي أجابت بها زينب الكبرى (عليها السلام) عن سؤال ابن زياد الشامت حينما أُدخلت السبايا إلى القصر و جيء برأس أخيها (عليه السلام) ووُضع بين يديه على مرأى من نساء الركب وصبْيَتِه، حيث لم يكن ابن زياد يعرفها وهي مُتّشحةٌ بالخمار، ولما سأل عنها وقيل له إنها زينب بنت علي.. أقبل إليها وقال: الحمد لله الذي فضحكم و أكذب أحدوثتكم... قالت : إنما يُفضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا... عقّب سائلاً بلهجةٍ شامتة : كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين وأهل بيته ؟! أجابت والبُشر يطفح فوق جبينها الوضاء: ما رأيت إلا جميلاً ... جميلاً ما رأيتُ بصنع أهلي *** وقرباناً قضى منّا حُسينُ ولولا ما جرى لم يبقَ دينٌ *** ودينُ الله أغلى ما يكون هكذا زينب ... رغم كل ما جرى عليها وأهليها وصحبهم، إلا إنها أبت أن تُكسر أمام أعيُنِ شامتيها .. ثورة قد خلّفت للحق ثار *** و لدينِ الله صارَ الانتصار لم نر الموت بها إلا صمودًا *** وأبينا الصمّتَ في رُزء القرار وأخذت تخاطبهم بتلك القوة والشجاعة التي استمدتها من أبيها علي بن أبي طالب (عليه السلام ) و رسالاتٌ أُخطّت بـِدماء *** كي يرى التاريخ مجد العظماء لحسينٍ قد قضوا صحبًا كرامًا *** خلُدت آفاقُها في كربلاء فخَلُدت و خلّدت برسالتها شجاعة مستدامة على مر العصور للمرأة الزينبية وغير الزينبية. إن العظمة التي تحملها زينب (عليها السلام ) ليست بالهيّنة، فليس بمقدور (امرأة) أن تحتمل تلك الرزايا والمحن التي جرت مع سيدة الصبر والصمود (عليها السلام)، فكان العلم والتقوى هما أكثر ما أعانها في تلك المواقف المهولة .. أن ترى القتلى و اليتامى والنساء في تلك الغربة، و بين أيدي الأعداء، وذلك الظلم والعطش والقيود .. وهم (آل بيت رسول الله ) ليس هيّناً أبدًا، وبـمجرد التفكّر بتلك الحيرة التي عاشتها يتصدع القلب حُزنًا وألمًا... إلا أنها كانت تُحافظ على الفرائض والنوافل .. حتى وأن كانت تؤديها من جلوس، كانت تُرتل القرآن فضلاً عن صدحها بالحق بين جموع الأعداء مُتحليةً بالأيمان وشكر الله على ما حل بهم.... زينب هي مدرسة الجميع التي لابد لكل فرد أن يتعلّم من مواقفها العظيمة وعنفوانها وشجاعتها وصبرها وتقواها، وكلِّ ما تحمله تلك البطلة الهاشمية (عقيلة الطالبيين) سلام الله وصلواته عليها… ا.م. نهى البهادلي

اخرى
منذ 5 سنوات
1245

الهوان الممدوح

عندما نسأل: من هي السيدة زينب الحوراء (عليها السلام)؟ إنها عقيلة بني هاشم، زينة حيدرة الكرار، وفخر المخدرات... ما شأنها عند الله؟ عظيمة الشأن والقدر هي والله... فلمَ أدخلها سبية بأرض الكوفة والشام مع ما لها من الشأن والمقام؟! حيث قال لها أهل الدنيا: "كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ ؟ " - هي (عليها السلام) قالت: "مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ،...". (١) ومن قولها يمكن أن نعلم لماذا يا تُرى كان هكذا ردها؟ - لأنها تعلم أن ربها كمال مطلق، والكامل لا يصدر منه إلّا كل جميل؛ وما حصل كان جزءً من اختبارات الدنيا... نعم هي كانت تعلم أنها [في] اختبار، وهم في الدنيا باختبار . [هي] كان عليها أن تصبر لكل ما جرى وصار لأنها مكلفة بأداء مهام اتمام نهضة إمام زمانها، الذي قال لها في آخر لحظات: "أخية... تعزي بعزاء الله "(٢)، أي اعلمي أنكِ بدرع الله محاطة ومحصنة فكوني بقوة ربكِ ذات عزيمة... و[هم] كان عليهم أن يوقّروها ويعرفوا قدرها، ولا يَجروا عليها ما جرى من سبي وأسفار بين البلدان! وادخالها لقصور طواغيت ذاك الزمان... لكنهم بما فعلوا فشلوا... وهي (سلام الله عليها) بما فعلت اجتازت الاختبار بعزة ووقار... هم رغم هيمنتهم ورفعتهم بما يحسبونه قوة وسلطان كانوا صغاراً ليسوا ذوي هيمنة وقرار... لذا قالت (عليها السلام) لأميرهم: "إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك!" (٣). ولأنها كانت تعلم مقياس الرفعة والهوان، كان هؤلاء في عينها وعين العائلة الهاشمية المسبية ليسوا أهل رفعة، نعم، فهم من أهل بيت نزل فيه القران فترسخت فيهم قيم رب الأكوان؛ كانوا يعلمون أن الرفعة بالعلم والإيمان لا بالمال والسلطان، حيث قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وهذا ما أعطاهم البصيرة والثبات، ولم يلتبس عليهم الأمر أو يضعفوا أو يشعروا بالهوان! لذا قالت العالمة غير المعلمة في محضر طاغية زمانها: "أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة ؟! ..."(٤) فكما نعلم أن لكل شيء زكاة، ومن خلال إنفاقه وبذله يتطهر الإنسان؛ ومن أعظم مصاديق الإنفاق هو بذل الوجاهة الظاهرية لوجه الله تعالى، ومن دون ذلك قد لا يستحصل الإنسان على أعلى المقامات... فالهوان [الظاهري] ممدوح إذا كان لأجل الله تعالى، أي أن تكون باذلاً جاهك ووجاهتك لأجله سبحانه، فيرى الناس إنك هين عند الله سبحانه؛ لكنك تعلم أن ذلك هو الذي يرفعك عنده سبحانه فيهون عليك نظر الناس وتقييمهم لما جرى فيك وصار... بالمقابل كان أولئك من أهل الجهل والجاهلية لأنهم قتلوا ابن بنت نبيهم. وكانوا من أهل الكفر لأنهم جحدوا بنعمة الولاية لحجة الله وهو سيد الشهداء (عليه السلام)، ولم يأتموا به كإمام منصّب من قبل الله عز وجل، وهذا خلاف الايمان للباري المتعال. فهم مصداق قوله تعالى: {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة: 41) فهم لم يتطهروا إذ تكبّروا على الحق ولم يتبعوا أهله... وهنا قد يتبادر في الذهن سؤال: نحن نرى أن أهل الكفر والإلحاد مع هذه الرفعة بما يعيشونه من تطور ووجاهة ورفاهية وأموال؟ ومع هذا المدد؟ أين الخزي المقصود في الآية؟! - تبارك وتعالى يجيب بقوله:{اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(البقرة: 15)، حيث عبر عن (المدد)بأنه طغيان وليس رفعة، فالطغاة من شأنهم الاستعلاء، أي هم برفعة موهومة لا حقيقية، فتأمل! بالنتيجة، هذا المدد ليس مقياسًا، وهذا ما يؤكده قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا... فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} (مريم: 75)، فهم من لا مكانة لهم ولا قيمة عند الله، ولا قوة لهم ولا وجاهة... لذا فما نراه من ظلم هو من صنع البشر، لا من صنع الله تعالى، أي من سوء تعامل البشر وعدم الانتفاع مما وضعه تعالى بين أيديهم من نعم وجاه وسلطان... نعم هكذا تُعلمنا الصديقة الصغرى أن لا يشعر من يؤمن بالحق ويتخذه منهجاً بالضِعة والهوان إذا لم يعرف أهل الدنيا مقامه ولم يُعطوه حقه واستحقاقه... المهم ما هي نظرة الله تعالى وأي كرامة له عند مولاه... لذا، إذا رأيت الظلم لا تشكّك بعدل الله تعالى، بل أحرص إلا تكون ظالمًا. انجح أنت... وأعط كل ذي حق حقه، وأثبت على الحق الذي تحمله في قلبك، لتكن مكرماً وجيها عند الملك المتعال... _____________________ (١)زينب الكبرى من المهد الى اللحد، ص٢٢٣. (٣) بلاغات النساء ص٣٥. (٢)زينب الكبرى من المهد الى اللحد، ص١٠٧. (٤) نفس المصدر، ص٢٤٥. فاطمة الركابي

اخرى
منذ 5 سنوات
1038

أسميتُها زينب

في ورشة رسم أقيمت من قبل منظمتنا، بعد تحرير مناطق في الموصل، أردنا من خلالها أن نُخرج هذا الكبت الذي حصل مع النساء اللواتي تم أسرهن من قبل داعش الإرهابي، كنت انظر الى رسمهن واحدةً تلو الأخرى.. أدهشتني رسمتها ومضمون الرسم.. ناديت: من صاحبة هذه الرسمة؟ فأجابت: أنا. قلت: ما أسمك؟ قالت: زينب. قلت: كيف عبّرتِ عن هذه الرسمة؟ قالت: مما جرى عليّ، ألم تطلبي منا أن نرسم ما جرى علينا؟ قلت: نعم، ولكن رسمُكِ لا يقول ذلك! (زينب) ابتسمتُ لها... -(أستاذة التنمية) قالت: اشرحي لي هذه الرسمة... فأجابت: يطول الحديث. قالت: سأسمع بصمت. ابتدأت كلامي: آه آه، فهمّتْ أن تكلمني، فأمسكتُ فاهها وقلت: لا تقاطعيني.. آه آه، قالت أمي عند الولادة من شدة ألم المخاض. ابتسمت وأنصتت: (أستاذة التنمية) في يوم ولادتي كان الأهل مجموعين ينتظرون المولود الجديد، كان هُناك احتفال وزينة، ليس لأني ولدت فقط، ولكن صادف يوم ولادتي ذكرى ميلاد السيدة زينب عليها السلام والشيعة تحتفل بولادتها في كل عام، ولدتُ أنا أيضاً، فرح الجميع بقدومي، وبورك لأبي وأمي بقدومي. قال جدي وقد كان مُؤَذّنًا وخادم في أحدى الحسينيات: أسميتها زينب يا بُني، تيمُناً بهذا اليوم المبارك. قال أبي: هي زينب كما أسميتها أنت.. فردد الجميع: زينب، زينب، اسمٌ جميل. بدأت أكبر، وأخذ جدي على عاتقه تربيتي وتعليمي تعاليم محمد وآل محمد. وكان دائماً يذكّرني لما أسماني زينب ويقول: أنتِ عفيفة كـ زينب "عليها السلام" كَبرْت بكبريائها وعفافها، أحببت دراستي، وأظهرت مهارتي بالرسم، وأخذتُ على عاتقي إيصال القضية الحسينية الزينبية.. وفي يوم لا يحمد عُقباه. دخل داعش الإرهابي إلى مدينتي تلعفر في الموصل، وبدأوا بالنهب، والسلب، والقتل، وأخذ النساء سبايا كما فعل أسلافهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته.. قاموا بقُتلِ أهلي جميعهم ابتدأوا بجدي، وأبي، واخي، وبعدهم أمي، لم أكن موجودةً، عُدتُ الآن من المعهد.. كُنت أدرُس العلوم الإسلامية، لم أر حتى جُثث أهلي أخذتُ سبيةً من قبل داعش! قاومتهم، ولعنتهم، ولكن دون جدوى، انا امرأة وسط وحوش لا تعرف الرحمة. كان أحدهم يُريد أن يأخذني له، ولكن الله أرحم بعباده، أتاه آخر وقال: اتركها هيَ تكملة للعدد! استغربتُ، ماذا يقصد؟! بعدها علمت أني تكملة لعدد السبايا الأيزيديات اللواتي سيتم بيعهن إلى ملاعين مثلهم في بلاد الشام كما أسماها. لم تكن لدي حيلة سوى الدعاء كما علمني جدي في المحن والشدائد، وعزة النفس التي أمتلكها من اسمي،... أُخذنا الى مكان يضعون بهِ العبيد، والجواري، على حد تعبيرهم.. واحدةً تلوذ بالأخرى وأطفال تبكي، إنّ التاريخ يُعيد نفسهَ؛ وأنا أنُادي: يا كاشف الكرب عن وجهِ أخيهِ الحُسين، اكشف الكرب عني، هذا ما علّمتني أمي منذ الصغر، قُلت للبقية: يجب أن نكون أقوى من ذلك، لا تيأسوا من رحمة الله. قلنَ: نحن بيد من لا يرحم. قلت: الله أرحم الراحمين.. بقيت على هذه الحال أدعو ربي، وأنا على يقين أن الله لن يتخلى عني وعن هؤلاء النسوة... أحسست بالتعب وأسلمتُ عيني للنوم وغفوت قليلًا، فـرأيت امرأة ذات هيبة وقد تقدمت نحوي، قالت زينب: قُلت نعم مولاتي. وكأني اعرف أنها سيدتي زينب "عليها السلام" قالت: تهيئي، لن أتركك،ِ وكأني نهضت كي أذهب معها، فاستيقظتُ على صوت النساء يتصارخن، والأطفال مرعوبين، وصوت إطلاق النيران يتزايد، قلت: أبشرْنَ إن شاء الله الفرج آتٍ! وإذا بالباب تُكسر ودخل الأبطال، قالوا: لا تخفْن، نحنُ أبطال لواء علي الأكبر جئنا لإنقاذكن. قُلت: بشرتني مولاتي... وكما ترينَ أنا هنا اليوم بفضلهم، فآليت على نفسي أن لا أرسم إلا السيدة زينب، بعنفوان وشموخ، ولا أرسم حزنها على أخيها، وهذه الرسمة هي إحساسي وسط أولئك الأنجاس. لم أشعر بالخوف، قُلت في نفسي: يكفي أنني سميتُها.. هذا سيرعبهم، أكملتُ قصتي. وأنا لا أرى سوى الدموع والفرح في آن واحد؛ على وجهها (على وجه أستاذة التنمية) قالت.. علمتِني أن لا أُهزم! قُلتُ: بل زينب من علمتنا. رحاب سالم البهادلي

اخرى
منذ 5 سنوات
2994

الشخصية القيادية السيدة زينب عليها السلام نموذجاً

لم ولن يكرم المرأةَ فكرٌ كما كرّمها الفكر الإسلامي الشريف، فهو الذي انتشلها من حفرة الوأد التي كانت تُعدُّ لها قبل أن تلتقط الأنفاس. ولم يجعلها دون الرجل منزلةً، بل جعل التقوى والإيمان والعمل الصالح والجهاد ملاكًا التفاضل بين الناس. ولم يكتفِ بذلك، بل ضرب القرآن الكريم للذين آمنوا مثلاً من النساء آسيا ومريم (عليهما السلام) ليعلن أن القدوة ليست حكراً على الرجال، وأن رقي الدرجات هو المقياس. فكانت ثماره نساءً طاهراتٍ تصديْنَ للقيادة وبكل جدارة وفي ظرف من التاريخ الاسلامي حساس، أبرزهن أم أبيها التي دافعت وإلى الرمق الأخير عن الولاية، فيما أكملت أم أخيها الثورة الحسينية، فكانتا في طريق النساء المؤمنات خير نبراس. وبما أننا نعيش ذكرى مولد فخر المخدرات (سلام الله عليها) فلقد آثرنا الحديث عنها كأنموذج للشخصية القيادية النسوية يلمع نجمه في سماء العز والفخر على مر الدهر.. القيادة: هي عملية تحريك الناس نحو الهدف الدنيوي والأخروي وفق قيم وشريعة الاسلام(1). وقد اختلف العلماء فيها، فمنهم من قال: إنها فطرية، ومنهم من قال: إنها مكتسبة، واشهر النظريات في ذلك نظرية "الجرَس" والتي تنص على: "أن بعض الناس يولدون قادة ونسبتهم 2%، وهؤلاء الناس يقعون في أعلى منحنى الجرس، يبدؤون بأداء قيادة جيد جداً، ثم مع مرور الزمن يصبحون أفضل. ثم ان هناك نسبة 2% من الناس يقعون في الجزء السفلي من منحنى الجرس والذين مهما حاولوا جاهدين لن يصبحوا قادة متفوقين؛ فإنهم لا يصلون، لأنهم لا يملكون التكوين الفطري الذي يوصلهم الى ذلك. أمّا القسم الكبير من الناس والذي يقع في وسط المنحنى والذي نسبته 96% أي الغالبية العظمى وهم الذين يبدؤون بالقليل من القدرة على القيادة الفطرية قد يصبحون فعلا متفوقين أو قادة استثنائيين"(2). وعليه فبالرغم من أن الأعم الأغلب من الناس بإمكانهم اكتساب مهارة القيادة بالتعلم والتدريب، إلا أن هناك نسبة ضئيلة جداً منهم خلقهم الله (تعالى) قادة، إذ أودع فيهم القيادة الفطرية الجيدة التي متى ما توفرت سائر مصادر القيادة والعوامل المساعدة عليها تطورت أكثر وأكثر. وأبرز مصاديقهم وأجلاها الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وبعض الشخصيات البارزة من العترة الطاهرة كالسيدة فاطمة الزهراء وابنتها زينب الحوراء (عليهما السلام). ولا غرو في أن تكون السيدة زينب (عليها السلام) امرأة قيادية، فقد تظافرت على ذلك الأساليب التربوية والظروف الخارجية مع العوامل الوراثية أو الفطرية وسماتها الشخصية. فأما الظروف الخارجية فقد نشأت العقيلة (سلام الله عليها) في بيئة قيادية بامتياز، حيث درجت في بيوت القادة، وترعرعت في دور السادة، طرق سمعها أخبار الغزوات وشاهدت بعينها آثار الانتصارات وتعلمت من القيادة النبوية، وواكبت أمها في الدفاع عن الولاية وغرفت من البطولة الفاطمية، وما أن استشهدت سيدة النساء حتى تحملت ومنذ نعومة أظفارها المسؤولية، وعاشت ظروف قتال أبيها ذوداً عن التأويل واستلهمت الإقدام من الشجاعة العلوية، وأحاطت بصلح أخيها الحسن (عليه السلام) حقناً للدماء وتزودت الصبر من الحكمة الحسنية، وفضلاً عن كل ذلك فقد خاضت بنفسها أدق تفاصيل واقعة كربلاء وشاطرت أخاها (عليه السلام) الثورة الحسينية. كما ظفرت (سلام الله عليها) بأسمى وأروع أساليب التربية القيادية، كيف لا، وقد نشأت في بيت الأطهار وتربت في حجور الأبرار؟ فقد أحاطها الجميع بهالة من التعظيم والتبجيل والإكبار، لا سيما الإمام الحسين (عليه السلام)، فإذا زارته قام لها وأجلسها في مكانه. وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة قبر جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خرج معها أبوها الإمام أمير المؤمنين وأخواها الحسنان، ويبادر الإمام أمير المؤمنين إلى إخماد ضوء القناديل التي على المرقد المعظّم، فيسأله الإمام الحسن(عليه السّلام) عن ذلك، فيجيبه: (أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك الحوراء)(3). وبالإضافة إلى الظروف الخارجية فقد اشتملت شخصيتها (عليها السلام) على العوامل الفطرية والسمات الشخصية التي أكسبتها الشخصية القيادية أهمها: تميّزها بالإيمان الراسخ منذ نعومة أظفارها، فقد روي أنها كانت جالسة في حجر أمير المؤمنين (عليه السلام) وهى صبية والإمام علي (عليه السلام) يضع الكلام ويلقيه على لسانها فقال لها: بُنية، قولي: واحد، قالت: واحد، فقال لها: قولي: اثنين. قالت: ابتاه ما اقول اثنين بلسان أجريته بالواحد. فقبلها أمير المؤمنين (عليه السلام)(4) وقد انعكس يقينها الجوانحي على سلوكها الجوارحي، إذ حازت من الفضائل قممها ومن المكارم أعلا درجاتها، وهذّبت نفسها وروضتها على العبادة والتقوى، والخير والإحسان، فأهلتها لأن تنال حظاً من العصمة المعبر عنه بـالعصمة الصغرى. وبذا اتسمت بدرجة عالية من الاستقامة وهي سمةٌ لابد منها في الشخص القيادي. كما يعدُّ الذكاء من أهم القدرات الواجب توفرها في الشخصية القيادية لاسيما القدرة على التحليل وسعة أفق التفكير. وهذا ما اتسمت به شخصيتها (عليها السلام)، يدل على ذلك فهمها السريع وتعليقها بالتعليقات الذكية منذ صباها، فقد روي أنها قالت لأبيها: أتحبّنا؟ قال: بلى، فقالت: لا يجتمع حبّان في قلب مؤمن: حبّ اللّه، وحبّ الأولاد، وإن كان ولا بدّ فالحبّ للّه تعالى والشفقة للأولاد، فأعجبه كلامها وزاد في حُبّه وعطفه عليهما(5). ولابد للشخصية القيادية من علم تتسم به، وهذا ما حباها به الله (تعالى)، يدلنا على ذلك ما روي عن الامام السجاد (عليه السلام): "وأنتِ بحمد الله عالمة غير معلمة، وفاهمة غير مفهمة"(6). (أي أنّ معلّمكِ هو ربّ العالمين فأنتِ لست بحاجة إلى معلّم آخر، فإنّه تعالى أدّبكِ فأحسن تأديبك، فهي عالمة لأنّها في أعلى مراحل التقوى وكانت مصداقاً واضحاً للآية الكريمة: "وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ")(7). كما حفظت القرآن الكريم وأحاديث جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) فيما يتعلّق بأحكام الدين وقواعد التربية واُصول الأخلاق، وحفظت الخطاب التاريخي الخالد الذي ألقته اُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في المسجد النبوي، وخطبتها التي ألقتها على السيّدات من نساء المسلمين حينما عُدنها في مرضها الذي توفّيت فيه، كما روت عنها كوكبة من الأحاديث. وقد مكّنتها حصيلتها العلمية الفريدة في تأسيس حلقة نسوية لتفسير القرآن الكريم في الكوفة. كما مكّنتها فيما بعد أن تكون مرجعاً للأحكام الشرعية، ذكر الصدوق (طاب ثراه):"ان لها نيابة خاصة عن الحسين (عليه السلام) وكانت الشيعة ترجع إليها في الحلال والحرام حتى برء زين العابدين (عليه السلام) من مرضه"(8) ولما كانت الجدية والهدفية في الحياة من أهم سمات الشخصية الناجحة فهما بلا أدنى شك من ضرورات الشخصية القيادية، وقد كانت حياتها (سلام الله عليها) جادة وهادفة في جميع سكناتها وحركاتها منذ صغرها وحتى وفاتها. ولعل أبرز أسفارها توضح حقيقة ذلك سواء مع والدها إلى الكوفة، ومن ثم العودة مع أخيها الحسن إلى المدينة المنورة، لتقوم بعدئذٍ بسلسلة أسفار معروفة مع أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته ضد الطغاة مضحياً بروحه المقدسة مُطمئناً بنجاح ثورته لأنه سلّم رايتها إلى قيادية شجاعة عالمة صابرة حكيمة.. كما اتسمت شخصيتها بالتوازن، وهي سمة مهمة في الشخصية القيادية، سواء التوازن بين الروح والجسد أو بين العقل والعاطفة. وأجلى مصداق لذلك صمودها وثباتها أمام الأعداء كالجبل الأشم تحاججهم وتكشف للمسلمين قبح حقيقتهم وتصحح ما يبثونه من سموم فكرية وشبهات عقدية، وصبرها وتجلدها أمام الثكالى والأرامل تصبرهن وترعاهن، حتى إذا أسدل الليل الظلام، وهدأت من لوعتها الأيتام، وسكنت الآهات والآلام، واطمأنت أن خلد كل من كان برعايتها إلى النوم بسلام، أرخت عينيها بالدموع، وناجت ربها بتضرع وخشوع، وتأوهَ قلبها الحنون تأوهاً تكاد تتصدع من شدته الضلوع، فلا تنام حتى تمنح لعاطفتها حقها من البكاء على الأحباب نور عينها أخيها الحسين وكفيلها أبي الفضل (عليهما السلام) وسائر الشهداء.. وبالإضافة إلى ذلك فهي تمتلك مهارة فائقة في التعامل مع كل من تقابلهم على اختلاف ميولهم ومعتقداتهم، حريصة على توجيههم نحو الهدف الأسمى، سواء رضا الله تعالى في الدارين أو اصلاح الأمة الاسلامية وانتشار الدين الحق في الحياة الدنيا. يتضح ذلك جلياً من خلال اختلاف خطبها (عليها السلام) الناشئ عن اختلاف الجمهور. فلأن غالبية أهل الكوفة كانوا على معرفة كبيرة إلى حدٍ ما بالإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن بحاجة الى بيان هويته وتوضيح منزلته الرفيعة و إنما أرادت بلورة الرأي العام و إشعال شرارة الثورة فيهم؛ ولهذا وظفت تحريك العاطفة. وهو توظيف مهم جداً لابد للقائد أن يعتمده خصوصاً عند الأزمات، إذ كان خطابها منصباً على تصوير المصيبة الكبرى والجريمة العظمى من جهة وبيان مدى جسامة الجرم الذي اقترفوه بتخاذلهم عن نصرة إمامهم (سلام الله عليه) من جهة أخرى. فنصبت في ضمائرهم محاكمة تؤنبهم على تقصيرهم، وأوقدت في قلوبهم بركاناً من الثورة، فلم تهدأ المحاكمة ولم يسكن البركان حتى قاموا بعدد من الثورات ثأراً لدم إمامهم ونصرة للحق وتكفيراً عن تقصيرهم. وأما خطبتها في الشام فقد اعتمدت فيها الجانب الإقناعي والعاطفي معاً؛ لأن أهل الشام كانوا يرون الشهداء والأسارى على أنهم خوارج يستحقون كل ما حلّ بهم، فعرّفتهم حقيقتهم وأنهم عترة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأردفت ذلك ببيان الجرم الذي اقترفه يزيد بحقهم حتى أنها لم تنتهِ من خطبتها إلا وقد أحالت مجلس احتفال يزيد بالنصر إلى مأتم عزاء لأخيها الحسين (عليه السلام). وبكلا الخطبتين أجادت وبكل جدارة فن التعامل مع الناس والتأثير الايجابي بهم وتحريكهم نحو الهدف الأسمى.. فيما كانت تهتم بجميع أفراد ركب السبايا فترعاهم وتواسيهم وتتفقدهم وترفع من همتهم وعزيمتهم وتؤثرهم على نفسها بالمأكل والمشرب، وتضيء الجانب المشرق كلما تفاقمت سوداوية الأحداث، فقد روي عن الإمام السجاد (عليه السلام):" لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقتل أبي عليه السلام، وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الاقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري، ويشتد - لما أرى منهم - قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى، فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ؟ فقلت: وكيف لا أجزع و أهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم، مرملين بالعراء مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر، فقالت: لا يجزعنك ما ترى فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق اناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والايام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهورا، وأمره الا علوا"(9) وكانت (سلام الله عليها) تتسم بشجاعة فريدة وهي من أهم سمات الشخصية القيادية، وظّفتها خير توظيف في الدفاع عمّن كان تحت رعايتها وحمايتهم من كل سوء. فقد روي عن فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) أنها قالت:" ولما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية يعنيني وكنت جارية وضيئة فأرعدتُ وظننتُ أن ذلك جائز لهم فأخذت بثياب عمتي زينب وكانت تعلم أن ذلك لا يكون وفي رواية السيد قلت: أو تمت وأستخدم ؟ فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولو مت، والله ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت والله إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا، وتدين بغيرها، فاستطار يزيد غضبا وقال: إياي تستقبلين بهذا ؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت له: أنت أمير تشتم ظالما وتقهر لسلطانك، فكأنه استحيا وسكت، وعاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية فقال له يزيد: اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا" (10) كما حفظت الإمامة وصانت الولاية بحفظها لشخص الإمام السجاد (عليه السلام) الذي تعرض أكثر من مرة الى محاولة قتل، كانت المحاولة الاولى بعد انجلاء غبار المعركة ومقتل أبي الأحرار (عليه السلام) وقد ذكر ذلك القرماني في كتابه أخبار الدول قائلاً: "همّ شمر الملعون عليه ما يستحق من الله بقتل علي الأصغر ابن الحسين وهو مريض فخرجت إليه زينب بنت علي وقالت: "لا والله لا يقتل حتى أقتل"(11). وأما الثانية ففي مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، قال الشيخ المفيد: "و عرض عليه [ابن زياد لعنه الله] علي بن الحسين فقال له: من أنت؟ قال: أنا علي بن الحسين. فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال (عليه السلام):"قد كان لي أخ قتله الناس. فقال له ابن زياد: بل الله قتله. فقال علي بن الحسين (عليه السلام): "الله يتوفى الأنفس حين موتها"(12) فغضب ابن زياد و قال: وبك جرأة لجوابي؟ وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه. فتعلقت به زينب عمته و قالت: حسبك من دمائنا و اعتنقته و قالت: والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه. فنظر ابن زياد اليها ساعة ثم قال : عجبا للرحم والله إني لأظنها ودت أن أقتلها معه، دعوه فإني أراه لما به (13). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صناعة القائد طارق السويدان ص41 (2) موقع الحياة الجديدة، مقال القيادة فطرية أم مكتسبة؟ د. زكريا الجمال (3) تاريخ الطبري ج6 ص236 (4) شجرة طوبى ص393 (5) مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص179، باختلاف الألفاظ، وفي مستدرك الوسائل ج15 ص215 (6) شجرة طوبى ص63 (7) عصمة الحوراء زينب ص67. (8) شجرة طوبى ص441 (9) العوالم، الإمام الحسين (عليه السلام) ص364 (10) كتاب الارشاد ص 231 (11) انظر مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة , عزة الله الطبسي ج 6 ، ص 60 ـ 61 (12) الزمر : 42 (13) انظر مع الركب الحسيني ,عزة الله الطبسي ج 5 ، ص 124نقلا عن الفتوح , ج5 ،ص142 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
5139

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70427

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51567

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41515

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36155

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32948

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32272