نـفــحاتٌ مــلكوتيــة مِن الــخطاب الــزينبي(٣)

"أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وَضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ، نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ، وَأَنْتَ عَلَيْنَا ذُو اقْتِدَارٍ، أَنَّ بِنَا مِنَ اللَّهِ هَوَاناً وَعَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَامْتِنَاناً؟ وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَجَلَالَةِ قَدْرِكَ؟" كما اعتدنا أن نستشف من مقطعٍ كلام سيّدة البيان، عظيمة المنزلة والشأن، السيدة زينب (عليها السلام) أكثر من نفحة، بعض النفحات تجول بنا في عالم الملكوت، واخرى في عالم الملك. والتعريج على مراد هذا المقطع سيكون ضمن النواحي الثلاث التالية: الناحية الأولى: الناحية التاريخية: إنّ المتتبع لتاريخ الطاغية يزيد (لعنه الله) يتضح له شناعة الجرائم التي ارتكبها بحكمه الظالم بحق الناس عموماً، وبحق أهل البيت خصوصاً. حيث قال الذهبي بحقه: "...وكان ناصبيًا، فظًا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين [عليه السلام]، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره"(1). فيزيد أفجع سكان الأرض والسماوات في حكمه، وعدائه لآل محمد (عليه السلام)، فما محاصرة الحسين عليه السلام وقطع الماء عنه وعياله؟ وما أمره بقتل الحسين وآله ومكافأة قاتله الدني الحقير؟ ما قتل الرضيع وترويع الصغير؟ وما سبي النساء وبعد المسير؟ فبظلمه وجوره فجع من فجع من الموالين المستضعفين. وأما السماء فقد شهدت ترويعاً بملائكتها؛ نتيجة ظلم وفسق الطاغية، حيث يذكر لنا التاريخ أنّ رأس الحسين(عليه السلام) حينما وضع داخل التنور رأت تلك المرأة عمود نور... حيث "جاء خولي بالرأس الشريف فوجد باب القصر مغلقًا، فأتى بالرأس إلى منزله، فوضعه تحت إجّانة -هي الوعاء الّذي يعجن فيه العجين ، ويسمى اليوم المعجن-، ودخل فراشه. وكان لخولي امرأتان: امرأة أسدية، وامرأة حضرمية يقال لها النّوّار، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية، فأوى إلى فراشها. فقالت له: ما الخبر؟ فقال: جئتكِ بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين بن علي معك في الدار! فقالت : ويلك ، جاء الناس بالذهب والفضة ، وجئت برأس ابن بنت رسول الله [صلّى اللّه عليه وآله]! والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أبدا. وقامت من الفراش فخرجت إلى الدار . . . قالت : فما زلت والله أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من الإجّانة إلى السماء ، ورأيت طيورًا بيضًا [لعلها ملائكة] ترفرف حولها وحول الرأس . فلما أصبح خولي ، غدا بالرأس إلى ابن زياد"(2). واستمرت هذه الكرامة للإمام الحسين (عليه السلام) إذ لا زالت ملائكة السماء تغدي وتمسي بأفواجها على قبره (عليه السلام). "عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين صلوات الله عليه شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له : منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا يمرض إلا عادوه ، ولا يموت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته"(3) الناحية الثانية: الناحية البلاغية إنّ البيان البلاغي بات واضحاً في خطاب السيّدة الجليلة زينب (عليها السلام)، حتى أخذت تستفهم الحاكم الظالم ذلك الاستفهام غير الحقيقي؛ ووجه فهم خروج سياقها الكلامي عن الاستعمال الحقيقي هو وجود قرائن تصرف الاستعمال من الحقيقي إلى غير الحقيقي، وهي قرينة حالية، فحال المتكلمة يدل على أنّ غرضها من السؤال هو تكذيب الطاغية وإبطال ظنّه بأنّه بفعله الشنيع ولم ينله عقاب آني من الله تعالى أنّ له عنده كرامة وعظمة منزلة، ولآل الحسين (عليه السلام) هواناً ودنو منزلة! وهذا ما يسمى بالاستفهام الاستنكاري أو التكذيبي. الناحية الثالثة: الناحية العقائدية (أنّ بنا هواناً، وبك عليه كرامة) اشارةً منها إلى العدل الإلهي، وبينًا لنكتة قرآنية أشار المولى سبحانه إليها في كتابه، وهي إمهال الظالمين وعدم إهمالهم، حيث قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار}(4). فإمهاله للكافرين عن حكمةٍ، والله تعالى لا يفعل العبث. وكذا ابتلاؤه للأولياء والصالحين يرجع إلى حكمته سبحانه، وليس في ذلك منقصةٌ لأهل البلاء؛ إذ القرآن الكريم يخبرنا بفلسفة البلاء، وتلك الحكمة إما أن تكون ظاهرة أو خفية. فالظاهرة هي للوصول إلى الدرجات العلى، ولزيادة الأجر والرضا. فالسيّدة (عليها السلام) ظاهراً تريد أن تنفي العبثية عن الله تعالى التي استبطنها يزيد بفعله، بل بسابق قوله حينما قال: "لعبت هاشمُ بالملكِ *** فلا خبرٌ جاء ولا وحي نزل"، فإنّه (لعنه الله) ظنّ أنّ له عند الله تعالى كرامة؛ لأنّه لم ينزل وحياً يلومه على شناعة أفعاله, واستنتاجه أنّ الحسين وآله أقل منزلةً منه. هذا فضلًا عن أن كلامه هذا فيه تكذيبٌ لأصل نبوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والحاصل: أن لازم قوله أمور: 1- الطاغية يثبت عدم حكمة الله تعالى الذي يأمرنا بطاعة واتباع أهل البيت (عليهم السلام) وهم في نظره أهون خلق الله منزلة، وطاعة المفضول غير طاعة الفاضل. 2- الطاغية يثبت نسبة الظلم إلى الله تعالى؛ إذ يبيّن (عليه لعنة الله) أنّ الحسين وآله (عليهم السلام) قدّموا تضحيات في سبيل ربّهم، والله تعالى لـم يجازهم في الدنيا بالنصر. 3-الطاغية كفرَ بأحاديث النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) التي تأمر باتباع الثقلين, "عن ‏ ‏جابر ابن عبد الله ‏، ‏قال : ‏رأيت رسول الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله وسلم] ) ‏ ‏في حجته يوم ‏ ‏عرفة ‏ ‏وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته ، يقول : يا أيها الناس إني قد ‏ ‏تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، قال : ‌‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي ذر ‏، ‏وأبي سعيد ،‏ ‏وزيد بن أرقم ،‏ ‏وحذيفة بن أسيد ‏ ، ‏قال : ‏وهذا ‏حديث حسن غريب ‏ ‏من هذا الوجه ‏، ‏قال : ‌‏وزيد بن الحسن ‏، ‏قد روى عنه ‏ ‏سعيد بن سليمان ‏، ‏وغير واحد من أهل العلم"(5). فـهل من المنطق أن يكون استفهام السيّدة (عليها السلام) حقيقياً وتنتظر من الطاغية -الذي عرفنا تاريخه- جواباً وهو يصرّح بكفره, وإن كان غير ملتفت؟!. ولهذا تجلّى البيان على اللسان؛ لدحض باطل أهل الشنآن. ____________________ (1) سير أعلام النبلاء: للذهبي, ج4, ص37. (2) موسوعة كربلاء: لبيب بيضون, ج2, ص261-262. (3) وسائل الشيعة: للحر العاملي, ج14, ص410. (4) ابراهيم: 42. (5) سنن الترمذي: للإمام الترمذي. كتاب المناقب - باب مناقب أهل بيت النبي (ص[صلى الله عليه وآله وسلم]), ج5, ص328. ‏يا زينبُ أعربتُ اسمَكِ فانحنتْ *** لغتي وقالـت: زينبٌ لا تُــعرَبُ مـرفوعـةٌ عـنـدَ الســباءِ بهـودجٍ *** تُخفي النحيبَ وما سواها ينحبُ كانت تجرُّ الصبرَ رغمَ عذابها *** وهي التي قهراً تُجَـرُّ وتُسحبُ مهضومةٌ نُصبَ العَداءُ لأهــلها *** طولَ الزمانِ وللقيامةِ يُنصَـبُ. والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
1653

أجنحة الملائكة في النص القرآني والروائي

تتعدد الآراء والنظريات حول بعض المفاهيم والألفاظ التي وردت في القرآن الكريم من باب التدقيق والتدبر في كتاب الله الكريم للخروج بحكم أو مفهوم أو حقيقة أو ظاهرة تهم المجتمع. وفي بعض الأحيان تتعدد الآراء وتنحصر ضمن دائرة ضيقة لا تخرج عن الاستدلالات العقلية والفلسفية ومحاولة التوفيق بينها وبين الاستدلالات النقلية من الآيات والروايات للخروج بنتيجة توافقية تلم بجوانب الموضوع. وترد هذه الحالة كثيراً عند التعرض للمسائل الغيبية التي وردت في القرآن حيث لا يمكن التوسع في البحوث التي تخص العوالم الغيبية أو أن نحصرها ونقيّدها ضمن أُطر ومفاهيم محدودة في عالمنا الشهودي، إلاّ ما تم ذكره لنا بشكل صريح في القرآن والسنة النبوية المطهرة وتراث أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، ويبقى دورنا محصوراً في البحث عن تفسير وتأويل هذه المسائل ومحاولة التوفيق بين الآراء والاتجاهات المفسّرة لها والخروج بمحصّلة منطقية مناسبة، تلملم ما ورد في جميع الاتجاهات. ومن هذه المسائل موضوع (أجنحة الملائكة) الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١) وفي تفسير هذه الآية استغرق أغلب المفسرين في كيفية جعل الله تعالى الملائكة رسلاً وربطها بالآيات الأخرى التي تتحدث عن الملائكة لإعطاء صورة واضحة عن الملائكة وحقيقة خلقها وتعدد أدوارها. أما مسألة (أجنحة الملائكة) فبعضٌ قد توسـّع فيها قليلاً والبعض الآخر مرَّ عليها مرور الكرام دون الولوج إلى المسائل المعقدة المتفرّعة من الاختلاف الحاصل في تفسير أصل حقيقة الملائكة التي تمثل مورد اختلاف بين المسلمين، وبالتالي يلقي هذا الخلاف بظلاله على مسألة أجنحة الملائكة بشكل عام فانقسمت الآراء إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يرى بأن الملائكة أجسام لطيفة نورانية قابلة على التمثّل والتشكّل في صور وأشكال مختلفة، ولا يمنع ذلك من وجود الأجنحة للطيران والتحليق في آفاق السموات والأرض، وما اشتراك الملائكة مع الطيور في الأجنحة إلاّ في وظيفتها فقط وهي الحركة والانتقال من مكان إلى آخر. الاتجاه الثاني: يرى بأن الملائكة موجودات عاقلة مجرّدة لا مادة لها وهي بذلك لا تحتاج إلى أجنحة كما للموجودات الجسمانية وأما الأجنحة فهي تعبر عن الاختلاف في الرتب والمقامات والقوى. الجَناح في اللغة : اليد والجمع أجنحة وأجنُح.(٢) وجناح الطائر : ما يخفق به في الطيران والجمع أجنحة وأجنح.(٣) وسُميّ جانبا الشيء جناحاه فقيل : جناحا السفينة، وجناحا العسكر جانباه ، وجناحا الإنسان لجانبيه قال عزوجل : ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ....).(٤)(٥) كما أجمع أغلب المفسرين من جميع المذاهب الإسلامية على أن المقصود بقوله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) أي أصحاب أجنحة، ومعنى مثنى وثلاث ورباع أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.(٦) أي إنها ألفاظ دالة على تكرار عدد الأجنحة، والأجنحة هنا تُفَسَّر حسب رؤية كل اتجاه كما أسلفنا. ثم إنّ الاتجاه الأول القائل بأن الملائكة لها أجنحة تستعملها في الطيران والحركة والتنقل قد انقسموا بدورهم إلى فئتين: فئة تذهب إلى أنَّ لأجنحة الملائكة ريشاً وزغباً اعتمادا على بعض الروايات. وفئة ترى أن أجنحة الملائكة ليست من سنخ أجنحة الطيور من الريش والزغب وإنما تشترك معها في الوظيفة فقط وهي الانتقال والحركة. وقد استظهروا على ريش وزغب أجنحة الملائكة من بعض الروايات التي تصرح بذلك، ومنها ما جاء عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا حسين - وضرب بيده إلى مساور(٧) في البيت - مساور طال ما اتكت عليها الملائكة وربما التقطنا من زغبها.(٨) وعن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) فاحتبست في الدار ساعة، ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يده من وراء الستر، فناوله من كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أي شيء هو؟ فقال: فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا، نجعله سيحاً لأولادنا، فقلت: جعلت فداك وإنهم ليأتونكم؟ فقال: يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكأتنا.(٩) وعن عمار الساباطى قال : أصبت شيئاً على وسايد كانت في منزل أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له بعض أصحابنا: ما هذا جعلت فداك، وكان يشبه شيئاً يكون في الحشيش كثيراً كأنه خرزة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هذا مما يسقط من أجنحة الملائكة. ثم قال: يا عمار، إنَّ الملائكة لتأتينا وإنها لتمر بأجنحتها على رؤوس صبياننا، يا عمار، إنَّ الملائكة لتزاحمنا على نمارقنا.(١٠) وعن الحرث النضري قال رأيت على بعض صبيانهم تعويذًا، فقلت: جعلني الله فداك، أما يكره تعويذ القرآن يعلّق على الصبى؟ فقال: إن ذا ليس بذا، إنّما ذا من ريش الملائكة تطأ فرشنا وتمسح رؤوس صبياننا.(١١) وإن كان مضمون هذه الروايات في ريش وزغب أجنحة الملائكة تشكل نسبة قليلة جدا قياساً بالقول الذي يتبناه أغلب المفسرين والمتكلمين والفلاسفة، حيث قالوا: إنها ليست من سنخ أجنحة الطيور من ريش وزغب، ولكنها تعتبر كأدوات تُمكّن الملائكة من الانتقال والحركة (فقد استخدمت هذه الكلمة كناية عن وسيلة الحركة ذاتها وعامل القدرة والاستطاعة، فمثلًا يقال: إنّ فلاناً احترقت أجنحته، كناية عن فقدانه قدرة الحركة أو الإمكانية) (١٢) كما ذكر السيد الطباطبائي بأن (وجود الملك مجهز بما يفعل به نظير ما يفعله الطائر بجناحه فينتقل به من السماء إلى الأرض بأمر الله و يعرج به منها إليها، ومن أي موضع إلى أي موضع، و قد سماه القرآن جناحا و لا يستوجب ذلك إلا ترتب الغاية المطلوبة من الجناح عليه و أما كونه من سنخ جناح غالب الطير ذا ريش و زغب فلا يستوجبه مجرد إطلاق اللفظ كما لم يستوجبه في نظائره كألفاظ العرش والكرسي واللوح والقلم وغيرها).(١٣) أما الاتجاه الثاني القائل بتجرد الملائكة عن المادة، فله ما يؤيد نظريته، ومنها: أن الملائكة تتميز بخلوها من القوى الشهوية والغضبية الموجودة في الموجودة الجسمانية، وكذلك فإن الملائكة موجودات لا تقبل الإشارة الحسية، بمعنى أنه من غير الممكن أن نشير إلى الملائكة لا بالذات ولا بالعرض، وبما إن الإشارة الحسية بالذات في مورد الجسد والإشارة بالعرض في مورد الجسمانيات كالقوة الهاضمة والباصرة ممكنة لأنها من خواص الجسم، وكل موجود غير قابل للإشارة الحسية فهو موجود غير مادي، وبالتالي فلا داعي لوجود الاجنحة التي تستعمل للحركة في هذه المخلوقات، وقالوا: بأن عدد الاجنحة كاشف عن مقدار نفوذ الملائكة وسرعتها في أداء الأوامر الالهية، كما أن الاختلاف الحاصل في أعداد تلك الأجنحة دال على الفرق في مراتبها أو اختلاف عوالمها، ونحن هنا لسنا بصدد البحث في حقيقة الموجودات الجسمانية والمجردة، لأنه مورد خلاف بين المسلمين وإنما أشرنا إليه بحسب ما نحتاجه من فهم في مسألة أجنحة الملائكة. وبلحاظ ما تقدم من الاختلاف في حقيقة الملائكة وتبعاتها على مسألة الأجنحة، وتمسك كل فريق بآرائه ونظرياته، فإننا نستطيع الجمع بين القولين من خلال الجمع بين صفات الملائكة جميعاً. ومن خلال استقراء آيات القرآن الكريم نرى بأن للملائكة أصنافاً كثيرة ومراتب عديدة ووظائف مختلفة، مما يستوجب كلا الحقيقتين: الجسمانية والمجرد،ة وهو رأي العلماء والفلاسفة المحدثين كالسيد الخميني... وهذا الجمع بين الاتجاهين لا يمنعنا من القول: إن هناك أنواعاً من الملائكة جسمانية وأخرى مجردة، حسب الوظيفة المناطة بها في عالمها ،وبالتالي فإن أجنحتها حسب نظرية الموجودات الجسمانية تستخدم للانتقال والحركة، ولا يمنع ذلك أيضاً من أن يكون للأجنحة ريش وزغب او لا يكون لها ذلك، وأما حسب نظرية الموجودات المجردة فإنها بالنظر لفقدان الملائكة للقوى الغضبية والشهوية وإنها مخلوقات لا تقبل الإشارة الحسية، فبالتالي تكون الأجنحة فيها كناية عن تعدد المقامات والقوى. استطراد: وانطلاقًا من فكرة أجنحة الملائكة يمكننا تثبيت عدة مفاهيم وفوائد تربوية يمكننا ان نستخلصها من القران الكريم والسُنّة النبوية المطهّرة وتراث مدرسة أهل البيت (عليهم جميعاً سلام الله) نمر عليها سريعاً منها: ١_فضيلة طلب العلم فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (.... إنَّ الملائكة يضع أجنحتها لطالب العلم رضا به....)(١٤) وأجنحة الملائكة التي تحمل طالب العلم هنا كناية عن عظم مقامه ورفعه إلى مستويات عالية تعظيماً له. ٢_ التواضع وهو فائدة تربوية نستخلصها من مفهوم الجناح في النص القرآني، فقد نسب الله سبحانه الجناح إلى الإنسان، وأمره بخفضه، ويريد به التواضع، بقوله تعالى:﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(١٥) وكما يقال: إنّ للإنسان جناحين، جناح العلم، وجناح العمل، فيكون التواضع متعلقاً بجانبي العلم والعمل. وقد أولى القرآن الكريم لهذا الموضوع حظوة عظيمة حتى تنوع في مصاديقه، مما يدل على عموميته. -فما هو التواضع؟ -وماهي مصاديقه؟ -وما نتائجه؟ هذا ما سنعرفه ضمن عدة نقاط: النقطة الاولى: تعريف التواضع -التواضع لغةً: "هو التذلّل"(١٦). -واصطلاحًا: "انكسار للنفس يمنعها من أن يرى [صاحبها] لِذَاتها جميلاً على الغير، وتلزمه أفعال وأقوال موجبة لاستعظام الغير وإكرامه"(١٧). أو "هو احترام الناس حسب أقدارهم، وعدم الترفع عليهم"(١٨). النقطة الثانية: مصاديق التواضع للتواضع مصاديق كثيرة، منها ما أشار الله سبحانه إليها صراحةً، واخرى ضمناً، وكذلك الروايات، ومن تلك المصاديق: ١-التواضع في المشي، بدليل قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾(١٩). ٢-التواضع في الكلام، بدليل ظاهر قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِك}(٢٠). ٣-التواضع في تعليم العلم وتعلمه، بدليل ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "تواضعوا لمن طل بتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم"(٢١). النقطة الثالثة: نتائج التواضع. لو أن كلاً منّا خفض جناحه في الموارد التي أمره الله تعالى ونبيه وأهل بيته (عليهم السلام) لساد العيش الرغيد، وضُمنت الحقوق، وأُديت الالتزامات، فبين يدي القراء نضع آثار هذا الخلق العظيم: ١-انتشار المحبة بين الناس. ٢-انتشار المهابة والاحترام. ٣-التسابق إلى فضائل الأخلاق. ٤-تطبيق معالم الشريعة قولاً وفعلا. ٥-القضاء على الغرور واندكاك الأنا. ___ الهوامش (١)سورة فاطر:١. (٢) القاموس المحيط ،ص ٢٠٦. (٣)المحكم والمحيط الأعظم ،ص٤٤١. (٤)سورة طه:٢٢. (٥)مفردات غريب القرآن ص ٢٠٦. (٦) التبيان في تفسير القرآن، ج٨، ص ٣٩٧. (٧)المساور جمع المسور متكأ من جلد. (٨)الكافي ج١ ص٣٩٣ ح٢باب أن الائمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالاخبار عليهم السلام. (٩)المصدر السابق ح٣. (١٠)بصائر الدرجات ص١١٥ ح٥. (١١)المصدر السابق ، ص١١٦، ح١٠. (١٢)تفسير الأمثل، ١٤،ص١١. (١٣)تفسير الميزان ، ج١٧، ص٢. (١٤)الكافي ، ج١ ، ص٣٤ ، ح١ ، باب ثواب العالم والمتعلم. (١٥)سورة الشعراء/٢١٥. (١٦)العين، ج ٣، ص ١٩٦١. (١٧) جامع السعادات، ج١، ص٣٤١. (١٨)أخلاق أهل البيت، ص٣٦. (١٩)سورة الفرقان: ٦٣. (٢٠)سورة لقمان: ١٩. (٢١)الكافي، ج١، ص٣٦. بقلم عبير المنظور علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
11381

مفتاح النجاح ..الثقة بالنفس

من مقومات قوة الشخصية: الثقة العامرة بالنفس، حيث تبرز الثقة عبر مواقف الحياة. وقبل التوغل في ذلك، لابد أن نبين تعريف الثقة بالنفس. فهي عبارة عن قول وعمل واعتقاد مثل الإيمان، وهي عبارة عن قناعات تستقر في القلب وعن كلمات ينطق بها اللسان وحركات تأتي بها الأركان . والسؤال المفتاح الذي لابد من طرحه الآن يقول: ترى هل الثقة بالنفس فطرية أم مكتسبة؟ هناك من يعتقد بأنها فطرية، وهذا خطأ فادح، لأن الثقة بالنفس فطرياً تعادل نسبة 6% فقط، بينما عن طريق التدريب والممارسة فهي بنسبة 100%. وقد بيّن المختصون مكونات الشخصية فقالوا: إنها تتكون من: ( الروح ، الانفعالات العاطفية ، المظهر الخارجي، الحالة الاجتماعية، والقدرات العقلية ) وتعد الروح الأساس المهم الذي يضم كل المكونات الأخرى . فنجد في حياتنا رجالا أو نساء تجاوزوا مرحلة الشباب ومع هذا نستشعر بأرواحهم تعتمر بالحيوية والنشاط والعمل حتى وكأننا ننسى أعمارهم الأصلية ، في حين نجد أرواحاً ذابلة لشباب في عمر الورود وقد غلبت على أرواحهم أشباح اليأس او الكسل او الحزن فذوبت تلك الروح الشبابية ووقفت حراكهم المرتجى! أما المكون الثاني للشخصية المتمثل بالانفعالات الشخصية، فالسؤال التالي يكشف جانباً من شخصيتنا: ماذا لو مررنا بموقف مفاجئ كانسكاب قدح شاي على ملابسنا ونحن في مكان عام ؟ أو وقوعنا فجأة أمام الناس ؟ هل سيظهر ارتباكنا ونتلعثم وتهتز شخصيتنا في حينها؟ أم إننا سنعالج الأمر بكل بساطة على انه حدث عابر تاركين خلفنا ابتسامة وتصرفاً حكيماً؟ كذلك يعد المظهر الخارجي قوام الشخصية الواثقة على ان لا يكون في ذلك مبالغة أو خروج عن جادة الطريق بارتداء ما ينتهك أحكام الله تعالى، ومع أهمية الاعتناء بالمظهر الخارجي إلا انه لا يساوي شيئاً مهما بلغت درجته من حيث الأناقة والأبهة والجمال إذا كان مرتديه حاملًا لصفات أخلاقية هابطة كالتكبر أو الخيلاء أو غيرها، فحينها ينتفي شعورنا بجمال ذلك المظهر الخداع . هذا والحالة الاجتماعية والقدرات العقيلة تعدان ايضا من مكونات الشخصية، فإن جاه احدهم أو ماله أو مركزه العلمي يهبه مقداراً كبيراً من الثقة بالنفس، على أن تتوافق تلك المكونات مع مقومات الأخلاق والسلوكيات الحسنة على أحسن ما يكون . وفي ختام كلامنا نقول : على أي كائن بشري استشعار ثقته بنفسه لأنه بدونها لن يتمكن من تحقيق أي انجاز، فكُن على الدوام: واثقا بنفسك مؤمنا بقدراتك . منتهى محسن

اخرى
منذ 5 سنوات
8131

ما كذَّب الفؤادُ ما رآى

حينما عُرج برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء رأى ما لم يره ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، حتى أخذ البعض يماريه على ما رآه، كما تخبرنا سورة النجم المباركة. وهنا تنقدح عدّة أسئلة في ذهن قارئ القرآن حينما يقرأ تلك السورة، ومن هذه الأسئلة: -كيف رأى النبي ربّه؟ -هل الله تعالى في السماء؟ -ماذا فوق السماء السابعة؟ -ما معنى الآية {ولقد رآه نزلةً اخرى}؟ -وهل يمكن أن نرى الله تعالى؟ -ماذا لو قلنا: إنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام؟ ففي مقام الجواب نقول: نعم النبي محمد (صلى الله عليه واله) رأى ربّه لكن رؤية قلبية وليست بصرية. وركزت الروايات على السماوات؛ لأن فيها ملكوت الله تعالى، وملائكته المختصة بشؤون مخلوقاته، وليس الله سبحانه بذاته موجود فيها؛ فهو سبحانه موجودٌ في كلّ مكان، وهذه عقيدة الشيعة الامامية فقط، بدليل الآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}(١). وجاء في التوحيد، بإسناده إلى محمد بن الفضيل قال: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أ مَا سمعت الله عز وجل يقول: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد"(٢). فالدليلان متعاضدان يؤديان معنى واحداً مفاده: نفي كون الله تعالى في السماء، ونفي رؤيته رؤية بصرية؛ لأنّه لو كان في السماء للزم أن لا يكون في الأرض، وهذا ينافي صريح آية (وهو معكم أينما كنتم). بل يلزم منه الجسمية والمحدودية، وهي خلاف وجوب الوجود. وهكذا لو أمكن رؤيته بصرياً للزم أن يكون جسماً، والجسم مركب من أجزاء، وبالتالي يكون محتاجاً لأجزائه، والاحتياج صفة المخلوقات وليس من صفات الخالق الغني المطلق. ويقول العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في تفسيره: "ثم أنّه لا بدع في نسبة الرؤية (وهي مشاهدة العيان) إلى الـفؤاد، فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشـهوديّ وراء الإدراك بإحدى الحواس الظاهرة والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة كما إنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى، وليــــست هذه المشاهدة العيانيّة إبصاراً بالبصر ولا معلوما ًبالفكر، وكذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع ونشم ونذوق ونلمس، ونشاهد أنّنا نتخيل ونتفكّر، ولــــيست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواس الظاهرة أو الباطنة. فإنّا كما نشاهد مدركات كل واحدة من هذه القوى بنفس تلك القوة كذلك نشاهد إدراك كل منّا لمدركها وليس هذه المشاهدة بنفس تلك القوة بل بأنفسنا المعبّر عنها بالفؤاد. كما أنّه ليس في الآية ما يدل على أنّ متعلّق الرؤية هو الله سبحانه وأنّهُ المرئيٌّ للنبي (صلى الله عليه وآله)، بل ما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) هــو الأفـق الأعلى والدنو والتدلي"(٣). وقد يشتبه قارئ القرآن بقرائته لقول الله تعالى: ﴿ولقد رآه نزلة أخرى﴾ بأنّ هذه الآية كررت رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) لربه مرة اخرى، إلاّ أنّ اشتباهه في غير محله، ولابد من الرجوع إلى التفاسير المعتبرة والاستضاءة بمراد الله سبحانه من كل كلمة في كتابه. جاء في تفسير :النزلة بناء مرة من النزول فمعناه نزول واحد، وتدل الآية على أن هذه قصة رؤية في نزول آخر والآيات السابقة تقص نزولًا آخر غيره [غير النزول الأول لجبرائيل على النبي عليهما السلام وعلى الآل الكرام]. فالنزلة نـزول جـبريل عليه (صلى الله عليه وآله) ليعرج به إلى السماوات"(٤). ولعل سؤال السائل انطلق من آية: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ ظناً منه أنّ منتهى السماء السابعة مكان يوجد فيه الله تعالى وهو ما يسمى بسدرة المنتهى ! لكن ظنه يمكن أن يؤدي به إلى نسبة الجسمية لله تعالى حينما يقول (عند سدرة المنتهى)، وهذا ضربٌ من ضروب الكفر بالله تعالى والعياذ به، بل روي "عن أبي جعفر الجواد عليهما السلام أنه قال: من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه"(٥). وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "أنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة"(٦). لذا نكرر ونقول: لابد من الرجوع إلى تفسير الآيات، وعدم أخذها على ظاهرها. جاء في تفسير الآية: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ حيث فسرت العندية بأنها "ظـرف للـرؤية لا للنزلة، والمراد برؤيته رؤيته [جبرائيل] وهو في صورته الأصلية. والمعنى: أنّه [جبرائيل] نزل عليه [النبي] (صلى الله عليه وآله) نزلة أخرى وَعــَرج به إلى السماوات وتراءى له (صلى الله عليه وآله) عند سدرة المنتهى وهو في صورته الأصلية. وقوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾ السدر فسر في الروايات أيضا بأنّها شـجرة فـوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم. وقوله: ﴿عندها جنة المأوى﴾ أي الجنة التي يأوي إليها المؤمنون وهي جنّة الآخرة"(٧). ___________________ (١) الحديد: ٤. (٢) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب الرؤية، ح١٧. (٣) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، سورة النجم. (٤) المصدر نفسه. (٥) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب الرؤية، ح١١. (٦) المصدر نفسه، ح٢٠. (٧) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، سورة النجم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ والصفوة الميامين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
4575

الغيث والمطر: لغة، وقرآنياً، واستعمالاً.

الفرق بين الغيث والمطر في اللغة: قيل في اللغة في مادة (غوث): "الغَوْثُ" يقال في النّصرة، و"الغَيْثُ" في المطر، و "اسْتَغَثْتُهُ" طلبت الغوث أو الغيث، و "فَأَغَاثَنِي" من الغوث، و "غَاثَنِي" من الغيث، و"الغيْثُ" المطر .(1) و(الغيث) ما كان نافعًا في وقته، وقِيل: "الغيث" المطر الآتي بعد الجفاف، سمي "غيثًا" بالمصدر لأن به غيث الناس المضطرين.(2) أما ما قِيل في اللغة عن مادة (مطر): "المَطَر" الماء المنسكب، وقيل إنّ "مطر" يقال في الخير، و"أمطر" في العذابِ.(3) و"المطر" قد يكون نافعاً وضاراً في وقته وغير وقته.(4) مصاديق الغيث والمطر في القرآن الكريم والفرق في استعمالها: اُستعملت مفردة (الغيث) في القرآن الكريم في موارد عدة: ١- بمعنى المدد على مستوى القوة والنصر كما في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (الأنفال: 9). ٢- بمعنى المدد لكن بالجانب السلبي كما في قوله تعالى:{...وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} (الكهف:29). ٣- بمعنى نزول المطر لسقي الحرث والنسل كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ...} (لقمان: 34). ٤- بمعنى امدادهم بالأمل بالحياة بعد أن أجدبت الأرض وانعدمت مظاهر الحياة فيها. كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } (الشورى: 28)، وهذا مرتبط باستشعار ولاية الله تعالى علينا من خلال معرفة أن الحياة بكل مظاهرها منه سبحانه، وبالتالي يرتب الانسان أثرًا، أي يكون بحالة حمد وشكر بالقول والعمل على ما ينشره تعالى من رحمة تمدنا بالتنعم بالحياة، فلا يقنط لعارض أو بلاء. ٥- تجسيد مَثل حسي لتقريب الصورة للأذهان حول تقلب احوال الدنيا وزوال زينتها ومُتعها كنزول المطر الذي يسقي الأرض ويَعجب الزرّاع ما زرعوا فينشغلون بما تثمر الأرض، مع أنها لابد وأن تزول بقطفها، أو يأتيها عارض فيزيلها. فالإنسان هكذا في انشغاله بزينة الدنيا مع أنها الى زوال؛ أما أن يفارقها باختياره أو عن عارض يصيبه، كما في قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (الحديد:20). أما استعمال مفردة (مطر) في القرآن الكريم: وفق استقراء الآيات الكريمة، تأتي بمعنى نزول نوع من العذاب والسخط على أقوام تلك الأماكن على أثر عنادهم، وكالتالي: 1- على أثر كونهم مجرمين، في قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (الأعراف:84). 2- هم يطلبون نزول العذاب على شكل مطر لكي يصدقوا! في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء...} (الأنفال:32). 3- على أثر عدم انتهائهم عن فعل السيئات، في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} (هود:82). 4- على أثر ظلمهم، في قوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} (الحجر:74). 5- على أثر عدم ايمانهم بالمعاد، في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} (الفرقان:40). 6- على أثر عدم انتفاعهم بالنذر وايذائهم للرسل من خلال محاولة اخراجهم من ديارهم وتكذيبهم، في قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}(الشعراء:173). وفي قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} (النمل:58). 7- على أثر جهلهم في التعامل مع الرسل وعدم تصديقهم لما به يوعدون، وفي قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأحقاف: 24). علمًا أن ما ذكرناه من فرق بين الغيث والمطر لا يمثّل القاعدة العامة، وإنما هو فرق غالبي في آيات القرآن الكريم. __________ (1) رابط ( http://iswy.co/e12j2j)، نقلاً عن: مفردات الراغب:617. (2) كذلك، نقلاً عن: التحرير والتنوير: 25/ 156. (3) كذلك، نقلاً عن: مفردات الراغب:770. (4) كذلك، نقلاً عن: القرطبي:16/ 29 . فاطمة الركابي

اخرى
منذ 5 سنوات
6000

حجية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) على الأئمة (عليهم السلام)

حسبها حين قال الرسول محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيها: فاطمة الزهراء أم أبيها. هي ذلك النور الذي شقّه الله من نور عظمته وهو النور العظيم، هي مبتدأ الوجود ومنتهاه، وغاية كلّ شيء ومبتغاه، جعل الله في حبّها ورضاها كلّ شيء مقبول، هي شمسٌ لا يدانيها الأفول، هي زهرة لا يدانيها الذبول... هي المفطومة عن معرفتها الخلائق، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى والأُخرى، (هي فاطمة الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى) (1) هي سرّ السرّ، وليلة القدر، هي فاطمة وما أدراك ما فاطمة! هي حجة الله في أرضهِ وسمائه، لولاها لم تُخلق الخلائق، هي نور النور ومنها تُزهر المشارق، هي حجة الله على جميع خلقه، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام): ((ولقد كانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة على جميع مَن خلق الله من الجن والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة)) (2) وهي حجة على ذريتها من الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، إذ قال فيها الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ((نَحْنُ حُجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة (عليها السلام) حُجّة الله علينا)) (3). كيف لا تكون حجتهم وهي التي لم يكن لها كفو إلّا زوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لولا علي لم يكن لفاطمة كفو) (4). فهي إذن حجة على أولادها كعلي بن أبي طالبٍ (عليه السلام)، إذ يقول: (( والله لأتكلمنَّ بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب، ورثت نبي الرحمة، وزوجتي خير نساء الأمة، وأنا خير الوصيين)) (5). وهي خير أولادها المعصومين، إذ يقول الحسين (عليه السلام): (أمي - فاطمة - خير مني) (6) ويذهب الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلّه) في تفسير حجية الزهراء (عليها السلام) إلى (تعلّق قلوب أهل البيت بفاطمة سلام الله عليها، وأنّ الحجيّة هنا ناتجة عن اتصال روحي غيبي دائم بها من قبلهم (عليهم السلام)) (7) ولما كان الرسول محمد (صلى الله عليه و آله) في كلّ التفاتة من شخصيته العظيمة دلالة على حكمة زاخرة من بحر علمه الغزيز، ففي مجيئه مع علي وفاطمة وولديهما يوم المباهلة ترتيب إلهي محكم، إذ (تراه ( أي "الرسول ") يتقدّم، "وعلي" في إثره "وفاطمة " في الوسط (بينهما)، فإنّ لهذا الوضع مدلولًا! أنّه يعني: إنّ فاطمة برزخٌ بين النبوة الكبرى والولاية العظمى، ويعني أيضاً : أنَّ "فاطمة" (عليها السلام) تتمتّع بموقع القطبية، ولها دور المركزية (المحورية) بين مقامي: الوحي الأعظم والبلاغ، فالذي كان يتقدّمها هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والذي كان يسير خلفها هو عليّ (عليه السلام) صاحب مقام تفسير الوحي.)) (8) فهي إذن البرزخ الواصل بين النبوة والإمامة، ويشهد له ذلك الحديث القدسيّ: ((يا أحمد، لولاكَ لما خلقتُ الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما))(9) ، وبذلك فهي حجة على أولادها المعصومين عليهم السلام . ------------------------------ (1) أمالي الطوسي : 2/280. (2) دلائل الإمامة : 28. (3) تفسير أطيب البيان : 13 / 226. (4) مصباح الانوار : 133 ، كشف الغمة 1 / 472 ، فردوس الأخبار : 3 / 418 ح 517. (5) البحار : 43 / 143 . (6) الإرشاد للشيخ المفيد : 232. (7)http://www.almoterfy.com/site/index.php?lang=ar&act=showNews&module=news&id=7066#.XBD3Vcm8bqA (8) مقتطفات ولائية للشيخ الوحيد الخراساني :140. (9) مستدرك سفينة البحار : 3/334 ، الجنة العاصمة : 148. مروة محمد كاظم

اخرى
منذ 5 سنوات
5857

نأسف... نفذ رصيدك من الحياة...

قصة من وحي الخيال وواقع الحال... سأل رجل ربه بأن يمكّنه من بيع عمره كيفما شاء استُجيبت دعوته وعندما علم الناس أن بإمكانهم شراء جزء من العمر ليتنعموا به، هرعوا إليه مسرعين... وضع هذا الرجل تسعيرة وهي عبارة عن دينار من الذهب لكل يوم أغلب الناس اُعجبوا بهذه التسعيرة... وقالوا: ندفع ديناراً من الذهب فنضمن حياة يوم جديد! تهافتت الناس عليه... وهذا الرجل لم يصدق ! المال يتدفّق عليه بغزارة... من شدة شغفه بالمال نسي أن يبقي بعضاً من عمره... الدنانير اصبحت بين يديه بالآلاف... وهذه تجارة يوم واحد! عاد إلى بيته... ولكن... جاءه ملك الموت وقال له : لم يبق في رصيدك أيام إضافية... لقد بعتها كلها! ولم يبق من عمرك إلا ساعات قليلة . صُعق هذا الرجل مما سمع وقال : هذه أموالي قد جمعتها.. أريد أن أتنعّم بها... فخرج مسرعاً يطلب من أحدهم أن يبيعه يوماً واحداً بمائة دينار! لكن لم يستجب له أحد! جعل القيمة ألفاً..., ولا أُذن صاغية... نصف ما جمع ... دون جدوى ... عاد أدراجه خائباً... قد خسر عمره وباعه بأبخس الأثمان فقد باع أغلى ما لديه بما لا قيمة فيه... والساعات الباقية لا تسعفه للتمتع بها . فلا تبع أيامك بما يفنى... وعليك بما يبقى أثره... فالحياة لا تعدو كونها يوماً واحداً.. فانظر كيف تنفق ساعاته... ريحانة المهدي.

اخرى
منذ 5 سنوات
732

اجعله يوم طاعة وعبادة لا يوم عصيان...

عام بعد عام ونحن لا نعلم كيف يمضي العام... نحن على مشارف عام انقضت وتصرمت أيامه وعلى أعتاب عام جديد... فهل سألنا أنفسنا: كيف ذهب ومضى سريعاً؟! أ بطاعة وعبادة أم بمعصية وذنب؟! الناس فرحون بقدوم سنة جديدة... البعض يشتري ما يلزم للاحتفال من ملابس وهدايا... بتنا نفعل ما يفعله الغرب... تتبع طقوس غريبة... مناسبات لا صحة لها ولا وجود في دين الإسلام... لماذا هذا التخلف؟ ألا يجدر بنا أن نجلس مع أنفسنا ونفكر... أيام مرت كما الريح لم ننتبه لها... وهذا كله من أعمارنا... نتقدم ونقترب من الموت والآخرة... ولكن قلوبنا لاهية... نقضي الساعات بدون أي اهتمام لهذا الوقت الثمين... بعيدين كل البعد عن الله... لا نعلم ربما هذه آخر سنة سنعيشها... نحن ننتظر عاماً جديداً... ولكن هل انتظرنا خروج امامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه)؟! فلنجعل أول يوم من بداية السنة يوم توبة وتقرب وطاعة لله تعالى... عسى الله أن يمن علينا بقبول التوبة والغفران... ويمحو عنا ما تقدم من ذنبنا وما تأخر... ونكون من المرحومين لا من المحرومين... عن الإمام الكاظم (عليه السلام): اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله تعالى، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم من غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات ... ولا تقل: إنه يوم واحد، يوم فرح، فلنفعل ما نشاء، فما أدراك، لعل معصية فيه تكون كمعصية إبليس، الذي عبد الله سنين طوال ولكنه عصى الله ساعة وتكب... فأخرجه الله من رحمته الواسعة... فعن امير المؤمنين (عليه السلام): فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّه بِإِبْلِيسَ ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وجَهْدَه الْجَهِيدَ ، وكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّه سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّه بِمِثْلِ مَعْصِيَتِه ، كَلَّا مَا كَانَ اللَّه سُبْحَانَه لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً ، بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِه مِنْهَا مَلَكاً ، إِنَّ حُكْمَه فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وأَهْلِ الأَرْضِ لَوَاحِدٌ ، ومَا بَيْنَ اللَّه وبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِه هَوَادَةٌ ، فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَه عَلَى الْعَالَمِينَ... ريحانة المهدي

اخرى
منذ 5 سنوات
1662

كيف تعزّز ثقتك بنفسك؟

إن الثقة بالنفس تنبع من إحساس الفرد بقدراته على مواجهة الصعاب، والتحديات التي تعترضه في مسيرته الحياتية بصورة واقعية ومن دون قلق أو رهبة، فمثل هذه التصرفات تكون نابعة من الذات. فهي إحساس الشخص بنفسه وبقيمته، ليترجم هذا الإحساس على حركاته، وتصرفاته، وكلامه إضافةً إلى أسلوبه في التعامل مع الآخرين، فعندما تكون ثقته بنفسه عالية، سوف ينعكس هذا على تصرفاته بشكل طبيعي جداً مع من حوله وعدم اكتراثه لشيء؛ لأنّه يعرف ما هو هدفه وماذا يريد تحقيقه، في حين أنّ انعدام هذا الاحساس يجعله يشعر دوماً بأنه قلق وخائف دائماً وغير مستقر. ولعلّ أبرز ما يؤدّي إلى تحقيق الفرد لأهدافه هو شخصيته القوية وثقته بنفسه، فاذا فقدها فإنه لا يستطيع تحقيق النجاح في جميع ميادين الحياة. والنقطة الأولى التي يجب أن نتعرف عليها في هذا السياق هي معوقات الثقة بالنفس أو أسباب انعدام الثقة بالنفس وتأثيراتها السلبية، ويمكن بيان بعضها بالتالي: أولاً: تهويل الأمور والمواقف، بحيث يشعر الفرد بأن من حوله يستغلون ضعفه ويرصدون هفواته. ثانياً: الخوف والقلق من أن يصدر عن المرء أي تصرف مخالف للعادات والتقاليد يحاسب عليه بالتوبيخ والازدراء، ويشعر الشخص بالفشل. ثالثاً: إحساس الإنسان بضعفه إزاء تقديم أي شيء للآخرين وبأنه فاقد الحيلة ومستسلم لقدره. رابعاً: الإحساس الدائم بأنّك شخص تابع لغيركِ كعدم قدرتكَ على اتّخاذ قرار في أمور جداً بسيطة، يحسسك أنك شخص ضعيف الشخصية، لا ارادة لديك، لأن هذا الشعور يصبح واقعًا ليترجم إلى ما يسمّى بعدم الثقة بالنفس. خامساً: مقارنتكَ أنتَ نفسك بينك وبين الآخرين من ناحية قدرات وفرص تولد بداخلك ضعف وانعدام للثقة بالنفس . سادساً: التعرض للانتقادات الحادة من قبل الأهل والاصدقاء، خاصة في مرحلة الطفولة تجعل من الشخص ضعيفًا مهزوز الشخصية وعديم الثقة بالنفس. سابعاً: عدم إعطاء الفرصة للشخص منذ الطفولة لإثبات ذاته تجعل منه شخص لا يؤمن بقدراته، مما يجعله شخص عديم ثقه بنفسه. ثامناً: الاضطرابات النفسية، في الأغلب أن بعض الاضطرابات مثل الوسوسة، والشعور بالنقص، والتمييز بسبب اللون أو المذهب، وغيرها، تكون سببًا في إحساس الفرد بنقص مما يؤدي لعدم ثقته بنفسه. خطوات لتقوية الثقة بالنفس وهناك عدة نصائح يمكن الاستعانة بها لتعزيز الثقة بالنفس منها: ١- يمكن تعزيز الثقة بالنفس من خلال اكتشاف القوة الكامنة في داخلنا، ومعرفة الذات بشكل صحيح. ٢- محاولة الدخول في تجارب وأمور جديدة، فالروتين يقتل ويذهب جمال الأشياء المكتنز بداخلها. ٣- افتح عقلك للأشياء الجديدة وحاول تجربة الهوايات التي لم تفكر في ممارستها من قبل، فكلما ازدادت معرفتك ونمت مداركك شعرت بأنك أفضل مما كنت عليه من قبل. ٤- التفكير الايجابي : العقل هو مصدر لبناء الثقة بالنفس واتخاذ القرارات الصائبة في الاستجابة للمواقف والتصرفات السليمة إزاء الذات والآخرين. فقائمة الانجازات التي يتطلع المرء لتحقيقها صغيرة كانت أو كبيرة يمكن ترجمتها إلى أفكار وصور ومن ثم تحويلها إلى مواقف، وبذلك يمكن تبديد كل المخاوف التي تراود المرء. ٥- الإخلاد إلى الراحة والتفكير بهدوء يريح النفس ويتيح للعقل التفكير بروية إزاء الكثير من القضايا الشائكة ووضع الحلول الايجابية لها. وجعل التفكير إيجابيًا، والابتعاد عن السلبية والتشاؤم. ٦- الحذر من أن تكون معجب بنفسك إلى درجة الغرور ، لأن هذه الصفة بغض النظر من أنها مذمومة، فهي تجعلك إنسانًا ساذجًا وتافهًا من وجهة نظر الآخرين. ٧- تقبل كل ما هو جديد من تجارب وهوايات من شأنه أن يرسخ الثقة بالنفس في مواجهة أية مواقف طارئة. ٨- يجب العمل باستمرار على تأكيد الذات وعدم الانتقاص من القدرات الذاتية لتخطي العقبات وعدم الاستسلام لليأس. ٩- الاهتمام بالنفس دائمًا بالأمور البسيطة البعيدة عن التعقيد شيء جميل يشعر بالارتياح والرضا الداخلي . ١۰- محاولة المرء أن يكون إيجابيًا وفاعلاً في شتى مجالات العمل بداية الطريق، ثم إلى النجاح والإبداع، والابتكار. ١١- قم بإنشاء صداقات مع اشخاص مناسبين ، فالاختلاط مع الناس يساعد في التعرف على أفكار مختلفة .كثرة التعامل وتبادل الافكار مع الاصدقاء تعزز من ثقتك بنفسك بطريقة الحوار . ١٢- عبارة «لا استطيع» يجب حذفها أو استبدالها بأخرى «ما الذي يمكن فعله»، وبذلك يتبدد الخوف والتردد وتتحدد الأهداف لتخطي المخاوف المثبطة للعزائم. والحزم في اتخاذ القرارات من شأنه أن يقوي ثقتك بنفسك . ١٣- ممارسة الانشطة النافعة والهوايات المفيدة التي تحبها، كالرياضة مثلاً، فعدا عن كونها صحيّة ومفيدة لجسمك، هي أيضاً تساعدك على التخلص من الطاقة السلبية التي بداخلك. كيفية تعزيز ثقة الآخرين بالنفس. لعلّ أبرز ما يؤدّي إلى تحقيق الشخص لأهدافه هو شخصيته وثقته بنفسه، وتعزيز ثقة الآخرين به، وهذه الثقة هو من يقوم بزرعها بداخلهم عندما يكون ذا شخصية قوية قادرة وواثقة بنفسها، وشخصًا محبوبًا، مخلصًا، صادقًا، ماهرًا، ذكيًا، لأن هذه الصفات تساعدنا على أن نكون سعداء فيما نحن به. وهذا يعني أننا نهدف إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا والتي نؤمن بها، فهذا يجعلنا نشعر بالسعادة، وثقة الآخرين بنا هي انعكاس لمدى ثقتنا بأنفسنا، فالشخصية الواثقة بنفسها تتصف بقدرتها على تحمل المسؤولية دون الشعور بالتردد والخوف، والثقة بالنفس تساعد على احترام الآخرين لمواهبه ولقدراته العقلية والبدنية، وتبني له مستقبلًا عظيمًا، والثقة بالنفس تمكنه من القدرة على نصح الناس وتوجيههم وحل مشاكلهم، والواثق من نفسه يعد قدوة للآخرين في نفس مجاله او غيره، فالشخص المتمتع بالثقة في نفسه تجده محط احترام الجميع، وتكون نظرته للحياة متفائلة. بقلم: حنان الزيرجاوي أم سيد محمد حسين

اخرى
منذ 5 سنوات
3341

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69405

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50340

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41063

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34887

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32055

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31622