للغزو عنوان آخر

يغزو شبابنا في هذه الأيام فكر ماكر وخفي يستهدفهم خاصة، والجيل الجديد بشكل عام. ألا وهو «الاستهزاء بالعادات والتقاليد». كثر في الآونة الاخيرة انتشار الانتقاد والتقليل من شأن العادات والتقاليد العرفية ومحاربتها بالأساليب الملتوية والخادعة. وأتخذ المروج «المهرج» لهذا الفكر الساذج، الغريب منها وغير المنطقي ليطرحه بطريقة النقد الساخر الكوميدي صعوداً إلى الجيد والضروري، ليألف المتلقي وخاصة المراهقين لما ينشر ويذاع بداية ولا يلتفت إلى ما هي الغاية المرجوة فعلاً وحقاً، ويعتاد على قبول ذمها والتنقيص من شأنها. لذا ينبغي مواجهة كل من يحاول المساس بها وصده وكشف نواياه الخبيثة والتنبيه من مخاطره، لئلا يقع أبناؤنا في الفخ تحت أنظارنا ونحن لا نحرك ساكناً. ومما يؤكد ما أقول الانتشار الواسع لهذه الحملة في مدة قصيرة من الزمن والتفنن في العمل الذي يؤديه أصحاب هذا المجال للنيل من شبابنا. لذا وجب على الجميع وبالخصوص "الأهل" توضيح مفهوم التقاليد لأبنائهم ولا يتركون تَعَرفهم عليها للصدفة، لأنهم أمانة في أعناقهم. ونحن بدورنا نبين بعض النقاط المهمة في هذا الموضوع علّنا نستطيع المساعدة. من أهم مقتضيات الالتزام بالتقاليد العرفية هو التالي: 1_لو لم نتبع التقاليد التي تربينا عليها وجب علينا البدء من الصفر وهذا مستحيل(1). 2_أغلب الأحيان تكون العادات والتقاليد مستمدة من الدين(2) والتاريخ والحضارة. 3_ كثير منها تكون نتاج لحكمة الحكماء(3) وحصيلة تجارب العلماء العملية(4) على أرض الواقع. 4_بكل تأكيد يلزم اجتناب «هذا ما وجدنا عليه اباؤنا» والعمل بالأفضل(5). 5_راجع حياة الناجحين من الماضين في مجتمعك والمجتمعات الأُخرى، هل كانت التقاليد حجر عثرة في طريقهم للنجاح؟! ها نحن سنقرأ معاً اخبار الماضين والحاضرين، ونرى أن الناجحين منهم لم يركنوا عاداتهم وتقاليده جنبا، ولم يستهزئوا بها. لكل قوم عاداتهم وتقاليدهم التي ينفردون بها، فهي السمة البارزة التي تميزهم عن غيرهم، باعتبار أنها مجموعة قيم تربوية تتمسك بها المجتمعات اعتزازاً بأصالتها وتأريخها، وكل منهم يراعي هذه الضوابط ويحترم القوانين ويقدس العادات حفاظا منه على نفسه خاصة ومجتمعه بشكل عام. فلماذا نحن الآن لا نحترم هذه العادات والتقاليد. ولم يعد للفرد أي شيء يهذبه ويحكمه سوى القوانين الموضوعة من قبل الدولة(6) التي يعيش فيها، فأغلب الشباب في وقتنا الحالي يعتبرون العادات والتقاليد التي يلتزم بها مجتمعهم هي مجرد قيود تمنع الفرد من فعل ما يشاء ويتمنى، وخرافات زائفة لا نفع منها، والسبب في هذا هو عدم الوعي الكامل لما يحيط به، بني، لا تدع للمغرضين فرصة للنيل منك... ولا تدع هذه الاوهام تسيطر على ذهنك... ولا تجعل كما الآخرين هذه الأمور شماعة لأخطائه، راجع نفسك فكّر تحرّ وابحث... هل لهذه العادة ذنب فيما أنا فيه حقاً؟! هل هذه التقاليد هي قيود موضوعة لتقييدي فعلاً! ولا استطيع بوجودها تحقيق النجاح والوصول إلى ما أبغي الوصول إليه؟! ولا تلم الزمان على شيء لم يفعله ولا ذنب له فيه. اجعل لكل خطوة من خطواتك دراسة مسبقة، ولا بد أن ندرك أنّ كل ما نواجهه من سوء هو من فعل أيدينا ولا ذنب لغيرنا فيه بل نحن السبب فيه. قال الشاعر نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا .. ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب .. ولو نطق زماننا هجانا.. ألم يكن الماضون ناجحين في حياتهم والحفاظ على هويتهم؟! لو لم نضيّع تراث آبائنا وأجدادنا واحتفظنا بتلك الكنوز النفيسة لم يكن هذا هو حالنا ولم تسبقنا باقي الأمم. ................................................................................. 1- فمن أراد أن يكون طبيباً اتّبع خطى الأطباء من السالفين، وطور ما يستطيع تطويره ولم يستغن عن خبرات السابقين. وكذا المهندس والمعلم والفلاح وغيرهم، فكل منهم اعتماده مبتدئاً على الذي بني قبله. 2- إكرام الضيف، حسن الجوار، مراعاة واحترام كبار السن، مواساة الآخرين في احزانهم، الحشمة، عدم الخضوع في القول، الحياء، الانصاف...، كل هذه الأمور اوصى بها نبي الرحمة (صلى الله عليه واله ) 3- الصّبر عند الشدائد، التّواضع والنّهي عن التكبّر. 4- « لو اعتبرنا القراءة تقليداً» مثلاً. حسب الدراسات لجامعة ساسكس البريطانية ثبت أن القراءة أفضل وسائل الاسترخاء علمياً. 5-بكل تأكيد توجد عادات وتقاليد خاطئة ولم ينزل الله بها من سلطان. 6-الطبيعي أن الذي يحكم المسلم هو ضميره الحي أولاً والأحكام الإسلامية ثانياً، وقوانين الدول لا تستطيع السيطرة كاملاً فنفعها قليل. ولاية علي حصني

اخرى
منذ 5 سنوات
1509

خصائص بعض السور

أوَّلاً: سورة الفاتحة: هي أُمُّ الكتاب، وفاتحته، وأكثر سوره بركةً ونفعاً، هي السبع آيات المثاني، أي ما يُقرَأ في الصلاة مثنىٰ مثنىٰ، وهي هي التي لا صلاة إلَّا بها. وقد روي أنَّ النبيَّ قال لجابر: «ألَا أُعلِّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟»، قال: بلىٰ بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله علِّمْنيها، قال: فعلَّمه الحمد لله أُمَّ الكتاب، قال: ثمّ قال له: «يا جابر، ألَا أُخبرك عنها؟»، قال: بلىٰ بأبي أنت وأُمّي فأخبرني، قال: «هي شفاء من كلِّ داء إلَّا السام يعني الموت»(1). ثانياً: سورة التوحيد: هي سورة الإخلاص، والتي تعدل قراءتها أجر قراءة ثلث القرآن، وهي التي ركَّزت علىٰ أصل التوحيد من بين أُصول الدين، وذكرت بعض الصفات الإلهيَّة المستأثرة، التي لم تكن إلَّا له جلَّ وعلا. ولها الكثير من الخصائص، منها أنَّها من أسباب إجابة الدعاء، فعن رسول الله : «من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشية عرفة ألف مرَّة، أعطاه الله ما سأل»(2). وهي من الأسباب الغيبية التي تدرُّ الرزق وتُسهِّل أُمور المعاش، فعن سهل بن سعد، قال: جاء رجل إلىٰ النبيِّ فشكا إليه الفقر وضيق المعاش، فقال له رسول الله: «إذا دخلت بيتك فسلِّم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلِّم (عليَّ) واقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مرَّة واحدة»، ففعل الرجل، فأدرَّ الله عليه رزقاً حتَّىٰ أفاض علىٰ جيرانه»(3). وهي حرزٌ عظيم من الشيطان الرجيم، ومن مواقعة الذنوب، فعن أمير المؤمنين: «من صلّىٰ صلاة الفجر ثمّ قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ إحدىٰ عشـرة مرَّة لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب وإن رغم أنف الشيطان»(4). وهي خير حرزٍ أيضاً لمن أراد أن يسافر، فعن عليٍّ، عن رسول الله، قال: «من أراد سفرا فأخذ بعُضادتي منزله فقرأ إحدىٰ عشرة مرَّة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ كان الله تعالىٰ له حارساً حتَّىٰ يرجع»(5). ثالثاً: آية الكرسي: هي الآية رقم (255) من سورة البقرة، وهي آية عظيمة، تحوي في كلماتها الكثير من المعارف والأسرار الإلهيَّة الربّانية، ولها فضل كبير كثير. فهي سنام القرآن، والدافعة لمكر الشيطان وضرر الجانِّ، والراجعة علىٰ قارئها بالبركة والعافية، وهي التي تجعل من يتلوها عقب الصلاة في ذمَّة الباري جلَّ وعلا، وما خاب عبد كان في ذمَّة المعبود. عن ابن مسعود، قال: قال رجل: يا رسول الله، علِّمني شيئاً ينفعني الله به، قال: «اقرأ آية الكرسي، فإنَّه يحفظك وذرّيتك، وحفظ دارك حتَّىٰ الدويرات حول دارك»(6). وعنه: «من قرأ آية الكرسي دبر كلِّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنَّة إلَّا الموت»(7). وعنه: «من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلىٰ الصلاة الأُخرىٰ»(8). ________________________________ (1) تفسير العيّاشي 1: 20/ ح 9. (2) كنز العمّال للمتَّقي الهندي 1: 600/ ح 2737. (3) تفسير الثعلبي 10: 330 و331. (4) ثواب الأعمال للصدوق: 45. (5) الدُّرُّ المنثور للسيوطي 6: 412. (6) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2: 436/ ح 6064. (7) المعجم الكبير للطبراني 8: 114. (8) المعجم الكبير للطبراني 3: 83 و84/ ح 2733. من كتاب/ قطاف شهر رمضان/ صفحة (٩١-٩٣) الشيخ حسين عبدالرضا الاسدي

اخرى
منذ 5 سنوات
15167

ما هو السؤال الذي تخشى أن يسألك إيّاه الإمام المهدي ؟

كلّنا ندَّعي أنَّنا نُحِبُّ الإمام، وكلّنا ندَّعي أنَّنا نُحِبُّ لقياه اليوم قبل غد، ولكن، تصوَّروا معي الآن: لو تحقَّق الحلم، والتقيت أنا أو أنت به، فما هو السؤال الذي تخشىٰ أن يسألك إيّاه؟ ماذا أقول لو سألني الإمام: لماذا لم تُقدِّم أكثر ممَّا أنت عليه الآن؟ فحتَّىٰ لو كنت تسير في الطريق الإيجابي، لكن ألَا يمكنك أن تُقدِّم أكثر حتَّىٰ تملأ مساحات أكثر؟ قد يأمرني الإمام بشـيء ما، قد يأمرني بأن أدخل معركة، قد يأمرني بالتخلّي عن أبي أو ابني لأنَّه علىٰ الطريق المنحرف، قد يأمرني بتسليم كلّ ما أملك له من دون مقابل، هل سأستطيع أن أُسلِّم له أمره، وأرضىٰ بقلبي قبل لساني؟ هل سأكون مثل عبد الله بن أبي يعفور، الذي وصل به التسليم لأمر المعصوم إلىٰ أن قال لأبي عبد الله: والله لو فلقت رمّانة بنصفين، فقلت: هذا حرام وهذا حلال، لشهدت أنَّ الذي قلت: حلال، حلالٌ، وأنَّ الذي قلت: حرام، حرامٌ، فقال له الإمام: «رحمك الله، رحمك الله»(1)؟ ماذا لو سألني الإمام: ما هو دورك في المجتمع فيما يتعلَّق بالتمهيد لظهوري؟ عندها، سأنتبه إلىٰ نفسـي، وهل كنت شمعة تضـيء الدرب للمنتظرين، أم كنت حجر عثرة في طريق التمهيد؟! ماذا لو كنت أُظهِر الورع والتقوىٰ في العلن وأمام الناس، ولكنّي إذا خلوتُ بنفسـي عصيت وما ارعويت، فكيف سيكون حالي إذا قال الإمام لي من باب التعريض: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء: 49)؟! ماذا لو كنت ادَّعي التشيّع والحبّ له، ولكنّي جاهل بأحكام الشـريعة، ألَا أتذكَّر حينها قوله: «قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه»(2)؟ ماذا أقول لو قال لي الإمام كلمة واحدة فقط، كلمة واحدة: لماذا آذيتني؟! ________________________ (1)اختيار معرفة الرجال للطوسي 2: 518 و519/ الرقم 462. (2) الاحتجاج للطبرسي 2: 289. من كتاب على ضفاف الانتظار/ صفحة 17 الشيخ حسين عبدالرضا الاسدي

اخرى
منذ 5 سنوات
2204

الاســتهزاء بــمبادىء الإسـلام

اعتادَ المؤمنون على سماع أو قراءة عبارات الاستهزاء بمبادئ الاسلام، لا سيما في الأشهر الفضيلة والمناسبات الدينيّة المعتبرة. وبما إنّـنا نعيش الشهر الفضيل -شهر الله تعالى- الذي فيه تُحجَب الشياطين عن بني آدم تأثيراً، ويكون كلّ تصرّفٍ منهم حينئذٍ مـعبِّـراً عن حقيقة أنفسهم إحساناً أو إساءة، سـنتطرّق إلى إحدى تلك العبارات وصدى انتشارها مُجتمعياً. وصلتني رسالة من إحدى الأخوات تقول فيها: إنّها تعاني مِن بيئةٍ تستهزأ بمبادئ الشهر الفضيل خاصةً، والاسلام عامّة، من قبيل: انّها حينما تدعو لهم أن يكونوا على جبل عرفات، وأن يرزقهم الله تعالى بزيارةِ بيتهِ الحرام، يُجيبون باستهزاءٍ قائلين: "على جبل سنجار أفضل" ! ولمعرفة آثار تلك الانحرافات الدينيّة والأخلاقيّة لابدّ مِن مناقشةِ الموضوع مِن نواحٍ عديدة. 1- مـناقشة الموضوع أخلاقيّــــاً: ليسَ مِن العبَث تقديم مناقشة الموضوع مِن الجانب الأخلاقي على مناقشتهِ مِن الجانب القرآني والروائي؛ وسـببُ التقديم هو مُحاكاتنا لأصحاب تلكَ الانحرافات انطلاقاً مِن الفطرةِ السليمةِ التي تُحتِّم على الإنسان احترام ما هو مُحترم. فـهل رأينا أو سمعنا ذات يوم أنّ نصرانيّاً أو حتى يهوديّاً استهزأ بشعيرةٍ مِن شـعائرِ دينهِ؟!. فما بالُنا نحنُ اُمّة الإسلام الدّين الخاتم؟ ثـم هل مِن اللائق أن يردّ المؤمن على دعاءٍ مُباركٍ بذلك الرد بـدلاً مِن أن يقول (اللّهمّ آمين) ويدعو للدّاعي بالمِثل، كما هو خُلُق أهلِ البيت (عليهم السلام) الذين يبكي لحُسينَهم ويُـزارُ مشياً على الأقدام، وينتظِر مهديّهم لغربته وغَيبته؟! فتأمــل أيها المُسـتهزئ، هــل أنتَ مـؤمنٌ شيعيّ أم مُـجرّد مُــسلم؟ 2- مُناقشة الموضوع قُـرآنيّـــاً: قال تعالى: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكـْفَرُ بِهَا وَيُــسْتَهْزَأُ بِهَا فَـلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )(1) يقول العلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) في تفسيره: إنّ مَن اتصل بالكفار منفصلاً عن مجتمع المؤمنين لا يخلو عن الحضور في محاضرهم والاستيناس بهم، والشركة في محاوراتهم، والتصديق لبعض ما يتذاكرونه من الكلام الذي لا يرتضيه الله سبحانه، وينسبونه إلى الدَّين وأوليائه من المطاعن والمساوىء ويستهزؤون ويسخرون به. فهو كلما لقي المؤمنين واشترك معهم في شيءٍ مِن شعائر الدِّين آمَن به، وكلّما لقي الكفار وأمضى بعض ما يتقوَّلونه كفَر، فلا يزال يؤمن زماناً ويكفر زماناً حتى إذا استحكمت فيه هذه السجيّة كان ذلك منه ازدياداً في الكفر، والله أعلم"(2). 3- مُـناقشة الموضوع روائـيّـــاً: "رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) أَنَّهُ قَالَ: لا تَصْحَبُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَلا تُجَالِسُوهُمْ فَتَصِيرُوا عِنْدَ النَّاسِ كَــوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): الْمَرْءُ عَــلَى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ" (3). وهذه الرواية توضح كيفيّة تأثير الخليل على خليله سلباً وإيجاباً، وصرّحت بالنهي عن مُجالسة المُستهزئين وأهل البدع؛ لاحتماليّة التأثر بهم. نُقل عن أحد العلماء أنه قال: إنّ الحُجُب التي تحيط بالإنسان كــثيرة، فإذا تراكمت بسبب الغفلةِ عن إزالتها تصير ظلمات بعضها فوق بعض، بل إنّ بعضاً منها من المُهلِكات التي توقع النفس في الهاوية، فتُخرجها عن طورِ الإنسانيّـة إلى أسوأ دركات البهيميّـة، وتجعلها في مصافِّ الحيوانات الرديئة كـالقردةِ والخنازير. وقد نُهي المؤمنون عن اتّخاذ المستهترين بالدِّين أولياء، لأنّ النفس تتأثّر بأفعالهم وتنكدر بأقوالهم، ويسلب منها التوفيق برؤيتهم، فللنفس مِن جلاّسها كلّ نسبةٍ، ومِن خلّةٍ للقلبِ تلك الطبائعُ. 4- مـُناقشة الموضوع قـانونيّـــاً: لقد عاقبَ القانون الوضعي كلّ شخصٍ يستهزئ بمبادئ الإسلام، مُحافظاً بذلك على حُرمة وقداسة الدّين، ومحققاً للتآلف والتعايش السلمي، حيث قالت إحدى مواده: "يُعاقب بالـــحبسِ مدّة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامةٍ لا تزيد على ثلاثمائة دينار يقدّرها الخبراء: مَن اعــتدى بإحدى طرق العلانيّةِ على معتقدٍ لإحدى الطوائفِ الدينيّة أو حـقَّــرَ مِن شعائرها"(4). وبما أنّ لكلِّ شخصٍ حقاً يكفله القانون، فمن حق مَن اُعتديَ على شعائرِ دينهِ تحريكُ دعوى قضائية ضـد مَن اعتدى، لتنظر بها محاكم التحقيق الجزائيّة وتتخذ الإجراءات القانونيّة اللازمة لمعاقبة المُعتدي. اللّهمّ يا مَن نجّى نوحاً من القوم الظالمين، يا مَن نجّى لوطاً مِن القوم الفاسقين، يا مَن نجّى هوداً مِن القوم العادين، يا مَن نجّى محمداً مِن القوم المستهزئين, نجّنا وتلطّف علينا بظهورِ إمام زماننا عليهِ أزكى السلام. __________________ (1) سورة النساء: 140 . (2) الميزان في تفسير القرآن: العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي –قدّس سرّه-. (3) الكافي:ج2, باب مَن تُكره مُجالسته ومُرافقته, ح 10. (4) قانون العقوبات العراقي المعدل رقم 111, لسنة 1969, م372, ف1. عـلوية الـحُسيني.

اخرى
منذ 5 سنوات
5160

عدم أظهار الحب والعطف على الأولاد

من أهم مقومات الشخصية الناجحة هي أن يتمتع الشخص بحب الآخرين، ولا يمكن ذلك إلّا إذا كان محباً لنفسه وذاته، ونقصد بالحب هو الحب الذي لا يجعل الإنسان معتداً بذاته، ومغروراً بنفسه. ومن هنا، فمن مقومات نجاح شخصية الوالدين هي أن يتمتعا بحب نفسيهما ليستطيعا أن يحبا أبناءهما والآخرين، فلا يمكن للإنسان أن يكون محباً للآخرين إذا كان كارهاً وناقماً على نفسه، فأول موارد الحبّ والعطف أن يتمتع الشخص بالرضا عن نفسه ليحُبها ويقدرها وبالتالي يستطيع أن يحب نفسه ويغمر عائلته بالحب والعطف... ومن الموارد التي أكد عليها الشارع المقدس والأحاديث المتواترة هي أن يغمر الأبوان أبناءهم بالحب والعطف والرحمة، فأسلوب العطف والرحمة يؤدي إلى تقوية العلاقة بين الآباء والأبناء مما يجعل الأهل مؤثرين في أبنائهم، وهذا يحمل الأبناء على الطاعة والاحترام، عكس استخدام القسوة والشدة، فإنها تحمل الأبناء وتدفعهم إلى التمّرد والعصيان وعدم الطاعة، وقد روي عن الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه واله): أحبوا الصبيان وارحموهم. وروي أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) قبّل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال الأقرع بن حابس: أن لي عشرة من الأولاد ما قبّلتُ واحداً منهم، فقال: ما عليّ إن نزع الله الرحمة منك! ومن مظاهر الحب والعطف التي ذكرها الحديث وأكدها علماء النفس التربوي هي (تقبيل الأطفال والتصابي لهم واحترامهم وإظهار الرأفة بهم والتعامل معهم بإحسان واحتضانهم وتقدير آرائهم وأفكارهم مهما كانت بسيطة والاستماع إليهم وتوفير المتعة والسرور والسعادة إليهم وغيرها من الاهتمامات المعنوية والمادية).. كل تلك التصرفات تُثبت للأبناء معنى الحب والعطف، مما تؤدي إلى تعزيز العلاقة الإيجابية مع الأهل بشكل يساهم في تقوية الأواصر الأسرية. وهذا يؤدي إلى انسجام وتفاعل وتأثر بين الأبناء وذويهم. وقد أكد الرسول العظيم (صلى الله عليه واله وسلم ) على تقبيل الأبناء حيث قال: (قبّلوا أولادكم، فأن لكم بكل قُبلة درجة في الجنة ما بين كل درجتين خمسمائة عام) قد يغفل بعض الآباء عن فعل هكذا أشياء بسيطة في أدائها وكبيرة في تأثيرها ومضمونها على الأبناء، فهي لا تكلف جهداً أو مالاً، ومع هذا فإن الأهل يغفلون أو لا يبالون بفعلها، ولعل الواحد منهم يمضي عليه العام والعامان بل تمضي عليه سنوات وهو لم يقبل ابنه أو يضمه إلى صدره، ويا لها من خسارة لهؤلاء الآباء والأمهات! لقد أثبت العلم الحديث أن تقبيل الأطفال واحتضانهم سبب لزيادة الجسم من إفراز هرموني الاندورفينات والسيروتونين لكلا الطرفين، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالسعادة والراحة النفسية، فإذا كان التقبيل والاحتضان والكلام الجميل الإيجابي وكل موارد العطف تزيد من صحة الجسد فلماذا نغفل عنها يا ترى؟ أليس الأجدر بنا أن نعطيها اهتماماً وأولوية لما تحمله لنا فوائد عديدة أكثر من اهتمامانا بالأدوية الكيميائية! صحيح أن حب الآباء والأمهات لأبنائهما هو حبٌ فطري ولا يحتاج التوصية، ولذلك لم يذكر الله تعالى آية واحدة توصي الآباء بأبنائهم بل ذكر آيات توصي الأبناء بآبائهم، ولكن هذه الفطرة السّوية التي أودعها الله تعالى في قلوب الأهل تتأثر بالظروف والبيئة التي يعيشها الأهل، وتتأثر بفعل الذنوب والمعاصي، فلا يستطيع بعدها الإنسان أن يميّز بين الصواب والخطأ لشدة ظلمة القلب وتراكم السيئات والمعاصي. يُضاف إلى ذلك أسلوب التربية التي نشأ عليها هؤلاء الآباء والأمهات في أيام طفولتهم وشبابهم، الذي قد يؤدي إلى تغيير نسبي لهذه الفطرة السليمة أو تغيير في الرؤيا التربوية التي اتخذوها كأسلوب حياتي في أسرهم. إنها دعوة للآباء والأمهات أن يرجعوا إلى فطرتهم السليمة، وذلك بالالتزام بأوامر الله تعالى وتوجيهات الرسول الكريم وأهل بيته الأطهار، فهي المنار الذي يستنار به العباد في الحياة الدنيا، وبه نصل إلى مرضاة الله تعالى، وهذا هو الهدف الأسمى الذي يجب أن يجعله كل الأهل نصب أعينهم من أجل الفوز بنعيم الأخرة والعيش بسعادة في هذه الدنيا الفانية، والله الموفق والمستعان .... قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
5114

أسماء القرآن

ذكر العديد من المفسِّـرين والباحثين العديد من الأسماء للقرآن الكريم، فالبعض عدَّ له ثلاثة وأربعين اسماً، والبعض خمسة وخمسين اسماً، بل قيل: إنَّ البعض عدَّ له أكثر من تسعين اسماً. وأشهر تلك الأسماء هو (القرآن)، وهو اسمه الأصلي، وقد جاءت هذه الكلمة في القرآن بما يقرب من سبعين مرَّة، منها قوله تعالىٰ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىٰ لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَالْفُرْقانِ (البقرة: 185). وقد اعتبر بعض العلماء أنَّ (القرآن) هو الاسم الوحيد لهذا الكتاب السماوي، وبقيَّة الأسماء إنَّما هي صفات له لا أسماء. وقد اختلفوا في شأن معنىٰ هذه الكلمة هنا، بعد أن اتَّفقوا علىٰ أنَّها كلمة عربية من مادَّة (ق ر أ)، فالبعض قال: إنَّ القرآن من (قرأ) بمعنىٰ التلاوة، والبعض اعتبر أنَّها للدلالة علىٰ جمع القرآن، أي إنَّ الآيات والسور قد جُمِعَت كلُّها في القرآن. ومن تلك الأسماء أو الصفات للقرآن الكريم هو (الفرقان)، قال تعالىٰ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً 1 (الفرقان: 1). وأمَّا معناه، فقد قيل: إنَّه سُمّي بالفرقان لأنَّ الله تعالىٰ يُفرِّق به بين الحقِّ والباطل. وقيل: لأنَّ آياته وسوره نزلت متفرِّقة، خلافاً للكتب السماوية الأُخرىٰ التي نزلت دفعة واحدة. وقيل: إنَّ معناه خصوص المحكم التي يجب العمل بها من الآيات، في قبال القرآن الذي يشمل المحكم والمتشابه من القرآن. وعلىٰ كلِّ حالٍ، فإنَّه لا منافاة بين هذه الوجوه الثلاثة. ومن أسماء القرآن الكريم هو (الكتاب)، قال بعض الباحثين القرآنيين في سبب تسمية القرآن بالكتاب: إنَّ القرآن الكريم يجمع بشكل خاصٍّ وبليغ أنواع الآيات والأحكام والقصص والأخبار والعلوم، وما يناسب المعنىٰ اللغوي لـ (الكتاب) هو الجمع، وهذه الكلمة تلتقي من حيث المعنىٰ مع كلمة القرآن التي تتضمَّن هي أيضاً معنىٰ الجمع، إلَّا أنَّ كلمة القرآن تشير إلىٰ شمولية الوحي المحمّدي بالنسبة لكتب الأنبياء السابقين أو العلوم، وكلمة (الكتاب) إلىٰ شمولية الكتاب الإلهي للآيات والأحكام والقصص والأخبار والعلوم. ومن أسمائه (الذكر)، قال تعالىٰ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 9 (الحجر: 9)، والذكر هنا بمعنىٰ المذكِّر، فالقرآن يُذكِّر المؤمن بكلِّ ما فيه نفع له ليلتزم به، ويُذكِّره ما يضرُّه ليبتعد عنه. _________________ (1) معرفة القرآن علىٰ ضوء الكتاب والسُّنَّة للريشهري 1: 31 وما بعدها من كتاب: قطاف شهر رمضان الشيخ حسين عبدالرضا الاسدي

اخرى
منذ 5 سنوات
1847

ضمير وإنسان

كان يا ما كان في سالف العصر والأوان كان هُناك صديقان متلازمان يعيشان مع بعضهما، الأول يُدعى (إنسان) والثاني يُدعى (ضمير) يعيشون في أرض واسعة خضراء جميلة زاهية كان يُحبهم كُل من كان على هذه الأرض وكان هُناك شخص ثالث يُدعى (خبيث)! وكان يكرهُ أن يرى الأصدقاء (إنسان و ضمير) متفاهمين. كان ماكراً... ففكّر في حيلة يجعل الأصدقاء بها يتخاصمان، فهو لا يحب أن تكون هذه الأرض خضراء مزدهرة، وإن بقي (أنسان و ضمير) متفاهمين فلن يقدر على خرابها، وجد (خبيث) حيلة ليكلم (إنسان) ويقنعه بأن (ضمير) يقول للجميع: إنه يسيطر عليه، وأنه تحت حُكمه، وإن (إنسان) ضعيف، وليس له رأي! وظل (خبيث) يوسوس لـ (إنسان) ويقول لهُ: أنت لا تستطيع أن تفعل ما يحلو لك! فإن (ضمير) قيّدك! وأنت ضعيف، وحتى الحيوانات تسخُر منك، لأنهم أحرار وأنت تحت إمرة (ضمير)! غضب (إنسان) من هذا الكلام، وقال لـ (خبيث): إني حُر، وسوف ترى... أول شيء فعله وهو في حالة غضبه أن ضرب صديقه (ضمير) وقال له: منذ اليوم نحن متخاصمان وأنت لست صديقي! حزن (ضمير) مما قاله صديقه (إنسان) وظل كئيباً... وسمع سكان أهل الأرض الخضراء من حيوانات وأشجار وطيور وأزهار، واجتمعوا وقالوا: يجب أن نفعل شيئاً بهذا الخصوص، لأن في خصام (إنسان وضمير) هلاك هذه الأرض... فقرروا الذهاب إلى (شجرة اليقطين)... كانت تلك الشجرة كبيرة بالعمر وحكيمة، وتعرف الكثير عن الصديقين... ذهب الجميع للعجوزة (يقطينة) وقصو لها ما جرى عليهم، فبقيت الشجرة (يقطينة) تفكر: يجب أن نخاصم (إنسان) ولا نشاركه أفرحنا ولا أحزاننا ولا ننصحه! فقال الجميع (ليقطينة): لكن هكذا سوف يجعل (إنسان) يخسر كلَّ شيء، ولن يجد أحداً يسانده؟! فقالت: هذا ما أريده، عندما يخسر (إنسان) كُل شيء، فأول من سوف يبحث عنه هو صديقه (ضمير)، وإذا رجع (إنسان) وتصالح مع صديقه، فسوف نكون نحن بأمان! نحن سُنراقب (إنسان) عن كثب. كان كلام العجوزة (يقطينة) صحيحاً... فلم يستفد (إنسان) من مصاحبة (خبيث) إلّا المعاناة والخراب، كانوا كلهم يترقبون ما سوف يفعله (إنسان) بعد مصاحبة (خبيث)... خسر (إنسان) كل شيء، حتى صحبته، وبقى وحيداً، وفكر لمن يذهب يا تُرى، ومن سوف يساعدُه؟! فقرر أن يذهب ويستشير العجوز (يقطينة)... وذهب (إنسان)... فقالت له (يقطينة): أتريد أن تعود كما كنت، مليئاً بالنشاط والحيوية؟ وأن يحبك الجميع كما في السابق؟! فقال: نعم. فقالت (يقطينة): أول شيئاً تفعله هو أن تتصالح مع صديقك (ضمير)! ففكر (إنسان) في كلام (يقطينة)، وتذكر كيف كانت حياته جميلة بمصاحبة ذاك الصديق، وكيف كان ينصحه، وليس كمثل (خبيث) يعلمه أشياءً قد دمرت حياته... وعاد (إنسان وضمير)، أصدقاءً كما في السابق، ويعود هذا كلهُ إلى العجوز (يقطينة) وحكمتها... فهل إنساننا اليوم صادق ضميرنا أم ماذا؟

اخرى
منذ 5 سنوات
2114

ماذا لو..؟

لو.. حرف امتناع لامتناع.. هكذا قالوا في اللغة العربية. ولو.. تُستَعمل اليوم، بيننا نحن أهل العرف العامّ، في الأُمور التي نستبعدها، لكنَّها ممكنة الوقوع. ومن هنا.. دعونا نتأمَّل التالي: ماذا لو كنت جالساً في بيتك، وطرَقَ الإمام المهدي بابك؟! كيف ستستقبله؟ وبأيِّ وجه ستراه؟ وبأيّة صيغة ستُرحِّب به؟ ماذا لو جاءك الإمام ضيفاً؟ ماذا ستُقدِّم له؟ هل ستطمئنُّ بما تُقدِّمه له بأنَّه حلال صريح! أو ماذا؟ ماذا لو أراد الإمام أن يُقلِّب قنواتِ تلفزيونِك! أو صفحاتِ جوّالِك! هل ستُقدِّم له ذلك بكلِّ رحابة صدر واطمئنان؟! ماذا لو رأيت إمامك اليوم في طريق عملك؟ ماذا ستقول له؟ وهل ستكون راضياً عن هندامك أمامه؟ ماذا لو كنت جالساً مع أصحابك، في خلوتكم المعتادة، ودخل عليكم الإمام، هل ستكون وتيرة الحديث واحدةً أو ماذا؟ ماذا لو خرج الإمام غداً، نعم غداً! هل ستكون مستعدّاً تماماً لتكون معه؟! ماذا لو قال لك الإمام: اُطلب ما شئت! ماذا ستطلب منه! وتذكَّر: فإنَّ طلباتك تكشف عن علاقتك بإمامك؟ ماذا لو أراد الإمام أن يأخذ أموالَك، نعم، جميعَ أموالِك! ما تعبْتَ في جمعه طول عمرك! هل ستكون مستعدّاً لذلك! ماذا لو كان أبوك أو أخوك أو ابنك أو من تُحِبُّه معارضاً للإمام، وكان مستحقّاً للقصاص، هل ستكون راضياً بما يفعله الإمام مهما كان!؟ ماذا لو..؟ أتركها لكم.. والْإِنْسانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ 14 (القيامة: 14). من كتاب: على ضفاف الانتظار الشيخ حسين عبدالرضا الأسدي

اخرى
منذ 5 سنوات
705

مشاكل المراهقين وأسبابها

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين. إن كثرة المشاكل التي يقع بها الشباب المراهقون والفتيات المراهقات لها أسبابها الخاصة التي تقود بالمراهق لارتكاب الخطأ. نحن لا نعطي مبررات للشاب والشابة لفعل الخطأ، لكن هناك أسباباً يمكن معالجتها وتفاديها قبل وقوعها لكي نحصل على جيل مثقف وواعي من الشباب. إن المشكلات التي تطرأ على المراهقين يكون سببها الرئيسي هو عدم فهم طبيعة واحتياجات المرحلة من قبل الآباء والمربين، وكذلك عدم تهيئة الطفل والطفلة لهذه المرحلة قبل وصولها ولهذا يحتاج المراهقون في هذه الفترة الحساسة من حياتهم إلى التوجيه والإرشاد بعد فهم ووعي لهذه السلوكيات. وذلك من أجل ضبط تصرفاتهم وتهذيب أنفسهم حتى نحافظ عليهم من الانحراف والانجراف وراء رغباتهم ونزواتهم، ونحتاج لذلك إلى تعامل يتسم بالهدوء والشفافية، واللطف بعيداً عن القسوة في التعامل الذي لا ينتج عنه سوى العناد والإصرار على الخطأ. وعلى هذا المنظور اشتمل بحثنا الحالي على المشكلات التي يواجهها المراهقون وكيفية تعامل الأسرة معها وضرورة متابعتها من قبل الأهل من البداية ، فالوقاية خير من العلاج، وبناء على ما تم الاطلاع عليه من مراجع ومصادر متعددة، حاولت جمع هذه الحلول وأرجوا الفائدة منها والله ولي التوفيق. عدم متابعة الأسرة للمراهقين والتبعات التي يقعون بها بعد ذلك. إن المدة الزمنية التي تسمى (مراهقة) لا تستمر مع الأفراد خلال هذه الفترة فهي تختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لمجتمع آخر فهي في المجتمع الريفي تختلف عن المجتمع المدني أو المنفتح وفي المجتمع المسلم عن المجتمع الكافر، ويختلف الشخص المتزوج عن الأعزب لوجود الأسباب المختلفة التي إما أن تساعد على تخطي المرحلة بسهولة ويسر أو تتأخر معه أكثر من السنوات. لذلك تتضح لنا حقيقة مهمة وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى اُخرى فجأة ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل. فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها ولكن ينتقل من مرحلة إلى مرحلة انتقالاً تدريجياً ، ويتخذ هذا الانتقال بشكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه مما يمكن أن نلخصه بأنه نوع من النمو السريع حيث ينمو الجسم من الداخل والخارج معاً. إن الاُسرة التي تريد أن تحافظ على تربية أولادها بشكل صحيح وأخلاقي يجب عليهم أن يعدو عدتهم لهكذا مرحلة، فإن تربية الأطفال تحتاج إلى اهتمام وعناية فعندما يقترب الولد أو البنت من سن المراهقة فيجب على الأهل توعية أولادهم بهذه المرحلة والتغيرات التي تطرأ عليهم بجسمهم وعقلهم وعواطفهم، وبشكل صحيح بدل أن يتركوهم لكل من هب ودب. ويجب على الأُسرة تدريب المراهقين على الحوار والنقاش وتبادل الآراء وأول خطوة في النقاش مع المراهقين هي الاعتراف بأن آراءه ومواقفه تستحق الاستماع وعندما تُرفض آراء المراهق تزيد المشكلات وعندما تقبل رأيه وتعترف به فإنه سيعطيك فرصة للحوار، وهذا الحوار الذي تستخدمه معه حتى في المواقف الحازمة. لا بد أن يكون هناك قانون وعقوبة في ارتكاب المخالفة، وأنجح القوانين هي التي يشترك الوالدان والأبناء في وضعها، والكلام العاطفي والاسلوب اللطيف في التحدث مع المراهق هو من أهم الأساليب في وضع الاتفاقات بين الأهل. يجب على الأهل والمربيين استثمار مرحلة المراهق والقدرات التي لديه إيحابياً وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصياً ولصالح الأهل والمجتمع، ولكن بدون إجباره على شيء لا يرغب به، لأنه سيعود بمردود سلبي إذا كان لا يرغب بذلك. وهذا لن يحصل إلا إذا مُنح المراهق الدعم العاطفي والحريّة ضمن حدود الدين والمجتمع والثقة، وتنمية تفكيره الإبداعي، وتشجيعه على القراءة والاطلاع وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤولية واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع، لا أن تستغل المراهقة وتمحى شخصيته ووجوده بل أن تعطيه الحرية بتكوين شخصية قوية ناجحة وأنت تسانده وتقف بجانبه. هناك الكثير من الأخطاء التي يرتكبها الأهل في تربية أبنائهم، وهم بأيديهم يقومون بدفع أولادهم وبناتهم لارتكاب الأخطاء والانحراف في الطريق غير الصحيح، مما يؤدي إلى ضياع مستقبلهم، وبالآخر يقولون :هذا الولد فاشل أو هذه البنت فاشلة. أنتم من قام بزرع هكذا تصرفات عند أولادكم! هناك بعض العوائل بسبب الجهل وبسبب التقاليد يعطي صلاحية كاملة للولد الذكر بالتصرف بمصير أخواته، وتمنع البنت من أبسط حقوقها، ويقوم هو في البيت يقرر بعد الأب مصير هذه الفتاة، حتى وإن كان هذا الولد لا يفهم شيئاً من الحياة، أو أصلا هو يحتاج إلى تربية لأنه مراهق، فمصيرها ومستقبلها معلق برأي هذا الاخ، وهذا الظلم والضياع ربما نجده في أفراد لا يُستهان بعددهم مجتمعنا. هناك بعض الأسر تهمل أولادها في السنين الأولى من التربية، بعذر أنه لا زال طفلاً ويهملون تربيته وغرس الأخلاق وتعليمه، وبالتالي عندما يكبر يصعب عليهم معالجة تصرفاته. أنت إيها الأب، وأنتِ إيتها الأُم، أنتم من تقومون بزرع ما تريدون من أخلاق وأدب، وأنتم تعطون الفرصة لأولادكم بتكوين شخصيتهم... فإذا عملتم على أن تزرعوا في داخله حب التعلم وحب النجاح، وأنه شخص ناجح ويجب أن يجتهد، وأن الحياة أمامه وأنه يجب أن يسير بالطريق الصحيح للنجاح، فهذا يجعله يفكر أكثر بأن يكون رجلاً مستقلاً ناجحاً. يجب أن تساندوه في تحقيق أهدافه، لا أن تقف موقف المتفرج لما يتعلمه من الخارج، ولا أن تهمل تربيته ولا تعلم ما يفعل بالشارع أو المدرسة ولا تعرف مستواه الدراسي، وبالآخر عندما يفشل تتكلم وتضع العقوبات على الولد. لا يا أب ولا يا أم عذراً بل أنتم من يحتاج إلى عقوبة كبيرة! لأنكم اهملتم هذه الأمانة الكبيرة، التي جعلكم الله مسؤولين عليها...

اخرى
منذ 5 سنوات
4260

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70375

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51484

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41488

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36068

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32886

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32262