مأتمٌ والناعي الحُسين

بقلم: عبد اللطيف الشميساوي في ليلةٍ من ليالي الأسى والألم ونحنُ نُحيي ليالي عاشوراء، اتفقنا مُنذُ سنين على أنَّ نعقدَ مجلسًا للتحاورِ وتبادُلِ الأفكار والرؤى بعدَ أنْ يُنهي الخطيبُ محاضرتَه، وبمرورِ السنين بدأ المجلسُ بالاتساع، أخذَ يستقطبُ إليه بعضَ الشبابِ والفتيانِ فمنهم من يستمعُ ومنهم من يُريدُ إجابةً لسؤالٍ ما، منهم من يشارِكُ بطرحِ فكرةٍ تُثيرُ المُناقشةَ بين الحضور، في إحدى الجلساتِ رأيتُ طفلًا يجلسُ في زاويةٍ وهو يسترِقُ السمعَ لحديثِنا، كأنّه يُريدُ أنْ يقولَ شيئًا.. كان حديثُنا في تلكَ الليلةِ عن الأطفالِ اليتامى في كربلاء، كم عددهم وعن معاناتهم.. هُنا رأيتُ ذلك الطفلَ يهمُّ بالكلامِ والتقرُّبِ منّا أكثر، لم يلاحظِ الآخرون مُراقبتَه لنا، همهمتَه مع ثنايا حديثنا، إنصاتَه لكلامِنا وتدقيقَه في حركاتِ شفاهنا. في تلك اللحظةِ أشرتُ إلى المُتحدِّثِ وطلبتُ منه السكوتَ فاستغربَ الجميعُ فعلي هذا؛ إذ لم يعتادوا على مثلِ هذا الأمر، حتى لا أُثيرَ تساؤلاتٍ من حولي لما فعلتُ، توجّهتُ بنظري وكلامي إلى ذلك الطفلِ بلهفة، قلتُ له: تفضَّلْ بُني، التفتَ يمينًا وشمالًا فأشرتُ إليه: نعم.. نعم.. أنت يا بُني.. فأشارَ بيدِه إلى نفسِه: أنا.. أنا.. - نعم، أنت.. اقتربْ حبيبي.. اقترب اقتربَ رويدًا مع خَجَلٍ بانَ على مُحيّاه.. أجلستُه بجنبي وقبّلتُه وسألتُه: ما اسمُك بُني؟ - أنا.. أنا.. - نعم بُني.. - اسمي محمد.. - حبيبي محمد، رأيتُ شفتيكَ تتحركانِ، وكأنّك تُريدُ أنْ تقولَ شيئًا - لا.. لا وقبلَ أنْ يُكمِلَ كلامَه مسحتُ على رأسِه، وقُلت له: يا مُحمد، دعْ عنك خجلَك أمامَنا؛ فنحنُ مسرورون بوجودِكَ بيننا، وقل ماذا أحببتَ أنْ تتكلم؟ التفتَ إليّ أحدُ أصدقائي، وقال لي: أتعرفُ مَنْ هذا الطفل؟ - لا أعرفه.. - إنّه موضوعُ حديثِنا الليلةَ، هو ابنٌ لشهيدٍ ضحّى بنفسِه تلبيةً لفتوى الجهادِ المُقدّس. انحنيتُ عليه أُقبِّلُه ومسحتُ على رأسِه ولم أستطِعْ أنْ أتمالكَ نفسي، أطلقتُ العِنانَ لدموعي لتأخذَ مجراها على خدي وأنا في تلك اللحظةِ تذكّرتُ يتامى كربلاء.. من كانَ يمسحُ على رؤوسهم؟ حبستُ عبرتي، وأنا مُختنِقٌ بها، وعاودتُ الكرّةَ ليتيمِنا مُحمّد. - بُنيّ ماذا كُنتَ تُريدُ أنْ تقول؟ - ها.. ها.. أنا.. أنا أردتُ أنْ أسالَ عن أولِ يتيمٍ أو يتيمةٍ في نهضةِ الإمام الحسين (عليه السلام). فدُهِشَ الجميعُ من سؤالِه وجرتْ دموعُ بعضهم. فتمالكَ أحدُنا نفسَه وقال: إنّهم يتامى مُسلم بن عقيل.. - أتعلمونَ أنّ أولَ من نصبَ مأتمًا وعزاءً لمُسلمٍ بن عقيل هو مولانا الإمامُ الحُسين (عليه السلام)؟! فعندما بلغَه استشهادُ مُسلمٍ بن عقيل نصبَ مأتمًا وكانَ هو الناعي ويتيمةُ مُسلمٍ حميدةُ في حجره.

اخرى
منذ 4 سنوات
420

شواطئُ اللقاءِ بأنيسِ النفوس

بقلم: هناء الخفاجي أشرعةُ الشوقِ نشرتْ بروحي الحنين، أُبحِرُ في سفينةِ العشقِ نحو شواطئِ اللقاءِ بأنيسِ النفوس، تراءت لعيني جنةُ الفردوس، قُبةٌ في مشهدَ بزغتْ شمسُها.. فرَّ قلبي للثمِ أعتابِه، ارتشفتْ روحي نسائمَ أطايبِه، احتضن الشباكَ ذراعاي، ضمّني إليه، أرخى الاطمئنانُ بنفسي عنانه، فأشفى لواعجها، شعّتْ أنفاسي بعبَقِ الملكوت، فعزفتْ قيثارة أحلامي لحظات اللاوعي، امتزج يومي بالأمس.. صوتُ المآذنِ تكبِّرُ بغيرِ وقت الصلاة، نزل البلاء؟! قُلِبَتِ الموازينُ، توشّحَتِ النجومُ بالظلام، تساقطتِ الأقمارُ، مُلئتِ الكؤوسُ بالدماء، ترانيمُ الحُزنِ تتلوها الحمائمُ وأغصانُ العِنَبِ تنوح. داعبَ الخوفُ جوارحي، نثرَها كصحائفِ الأعمال يومَ النشور، تعالَتِ الصرخاتُ، العبدُ يدسُّ السمَّ لمولاه السلطان! هطلتْ سحائبُ الأحزانِ بين جوانحي وانحنتْ روحي، مُعلنةً الحدادِ؛ لكسوفِ شمسِ الشموس! أهيمُ في بيداءَ هواجسي، يتعالى الضجيجُ بداخلي: أتُقْتَلُ الشمسُ؟! أتُحَزُّ رؤوسُ ساداتِ العبادِ وتُرفَعُ على القنا؟! أتُمزَّقُ أكبادُ الأسباطِ بالسمٍّ الزُعاف؟! أيُنادى على جنائزِ الأشراف بذُلِّ الاستخفاف؟! أتُضرَبُ الحرائرُ بالسياط ؟! آهٍ من هول المُطّلعِ "يومَ تُكلِّمُنا أيديهم وتشهدُ أرجلُهم بما كانوا يكسبون"(1) وأيدي العبيد تمطرُ بدمِ أسيادها! أسمعُ صدى جراحاتي، وأنينَ المطرِ في عيني، أستنشقُ فيضَ عطرِك فأعود إلى عالمي. يا غريبَ الغُرباءِ، باعدوك عن الأهلِ والوطنِ، وما فراقُ الأوطانِ إلا كفراقِ الأرواحِ عن الأبدان. وبايعوك ثم خذلوك كجدِّك يوم عاشوراء! عشتَ وحيدًا، ومُتَّ غريبًا، ودُفِنْتَ بعيدًا.. واغوثاه.. يا سُلطانَ السلاطين، نحنُ الضيوفُ وأنتَ سيّدُ الأوطان.. الأنامُ هجرتِ الأصقاع، وحطّتْ رحالَها عندَ أعتابك، لأرضِ طوس تتوقُ أفئدةُ الخلقِ مُتوسمةً فيك زخّات العطاء.. مولاي، يا بابَ الرجاء، عيناي ترنو بشوقٍ لوصالك، وسفينةُ أشواقي تطلبُ المرسى ببابك، مُتوسلةً بأنْ يسعَني رضاك.. فاحتويني..

اخرى
منذ 4 سنوات
314

شُعاعٌ من شمسِ الرضا (عليه السلام)

بقلم: أم باقر الربيعي قال الإمام الرضا (عليه السلام): "أفضلُ العقلِ معرفةُ الإنسانِ نفسَه"(1). خلقَ اللهُ (تعالى) الإنسانَ وميّزه عن سائر الموجودات، من الحيواناتِ والنباتات بالعقل، ولولاه لم يتوصّلْ إلى حقيقةِ الخالقِ ولم يُدرِكْ عظمته وسعة علمه، ولم يتوصّلْ إلى أيِّ نظريةٍ علميةٍ أو حقيقةٍ فلكية، فبه كُرِّمَ بنو آدم وبه جعل الله (تعالى) الإنسانَ خليفةً في الأرض، وبه يتفكّرُ في آفاقِ الله (تعالى) الواسعة وآياته الظاهرة وبيّناته الواضحة، وبه يُعبَدُ اللهُ (سبحانه) فهو أولُ من خُلِق؛ حيثُ روي "أنّ الله (عز وجل) لمّا خلق العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال (تعالى): وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقًا هو أكرمُ عليّ منك، بك أُثيبُ وبك أُعاقبُ، وبك آخذُ وبك أُعطي"(2). فبه عرف الإنسانُ ربَّه، وعرف أنّ لهذا الربِّ آثارًا دلّت عليه، وبه عرف أحكامَ الشريعة الغرّاء وتعبّد بها طاعة لله وتقربًا إليه، وأنّ هذه الطاعةَ تستحقُّ الثوابَ ومُخالفتها توجِبُ العقاب، فالمجنونُ الذي لا عقلَ له تسقطُ عنه التكاليف الشرعية فلا يُحاسب عليها، وإنّما الثواب والعقاب لمن يمتلك العقل، فهو جوهرةٌ ثمينةٌ لا يُدركُها إلا من يتصفُ بالوعي والثقافة، فيحمِد اللهَ (تعالى) على نعمةِ العقلِ الذي وهبَه إيّاه.. وقولُ الإمامِ الرضا (عليه السلام) يُبيّنُ بشكلٍ واضحٍ وجلي معنى الأفضلية؛ التي دارتْ مدارَ العقلِ وهي معرفة الإنسانِ نفسَه ووعي حقيقتها، والعلمُ واليقينُ هو فرعُ المعرفةِ، فمن تعقّلَ أدركَ حقيقةَ نفسِه وما تضمرُه من محاسنَ ومساوئ، ليعملَ على علاجها ومُحاربتِها فيكسرَ جبروتِها، ويستحضرَ صورَ من أردته في متاهاتِها وغيّبتْه في بحرِ لهواتِها، ويُشغّل زِرَّ التنبيه بأنّ أوله نُطفةٌ قذرةٌ وآخرَه جيفةٌ مذرةٌ؛ حتى لا يأخذَه الزهو والغرور والتكبر.. ومعرفةُ الإنسانِ لنفسِه تكمنُ أيضًا من خلالِ معرفةِ النظامِ الدقيق في داخله، فجسمُ الإنسانِ يحتوي على معاملَ ضخمةٍ تعملُ ليلَ نهار، لا يُصيبها الكللُ ولا التعب، ببرمجةٍ مُتناسقةٍ لا تتضاربُ فيما بينها بحساباتٍ غاية في الدقة، فإذا أُصيبَ أيّ جهازٍ بخللٍ ما شعرَ الإنسانُ بالعجزِ وعدمِ القدرة، وربما تعطّلَ الجهازُ فأودى بحياته إلى الموت والهلاك، وكُلُّ هذه آياتٌ أنفسيّةٌ، توصِلُ الإنسانُ إلى معرفةِ الصانعِ الحكيم المُنعمِ عليه بفيضِ الوجود، فإذا عرفَ نفسَه وأدركَ شرورها وضعفها وعجزها فقد عرفَ الله (تعالى) خالقَ هذه النفس والمُفيضَ عليها بألطافه ورحماته.. ونقرأ في الدعاء في زمن الغيبة: "اللهم عرِّفْني نفسك"؛ فمعرفةُ اللهِ (تعالى) هي كمالُ العقلِ والتعقُّلِ وهي الغايةُ المُستفادةُ من قولِ الإمامِ الرضا (عليه السلام)، فإذا عرفَ الإنسانُ نفسَه وقفَ على حقيقتِها وما تنطوي في جنباتِها من خصالِ الخير والشر... هذا وهجٌ وشُعاعٌ نقتبسُه من قولِ الإمام الرضا (عليه السلام)، وكُلُّ أقواله دُررٌ يُنتَفَعُ بها، والكيّسُ من انتفعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- البحار: ج78، ص352 2- نفس المصدر، ج 1، ص97

اخرى
منذ 4 سنوات
470

خطواتٌ ودمعات

بقلم: غدير خم حميد العارضي على طريقِ العشقِ يسيرُ القلبُ قبلَ أنْ تسيرَ الأقدام، وتنطلقُ الروحُ المُتيّمةُ بين الجموعِ بلهفةٍ وحزن، أيام الأربعين ما هي إلا أيامُ تجديدِ العهدِ والوفاءِ لآلِ بيتِ النبي الأتقياء (عليهم جميعًا سلام الله)، فما ترى العينُ في هذهِ الأيامِ المُباركة إلا لوحةً مُتكاملةً تزخرُ بالنورِ تُسمّى بـ(لوحةِ الحُبِّ والولاء)، فجميعُ الأفرادِ صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا، أطفالًا وشُبانًا، كُلُّهم يصطفّون على بابِ الهُدى يطلبونَ الزيارةَ والخدمة.. وكأنَّ سيّدَ الشهداء الإمامَ الحُسين (عليه السلام) قد سخَّرَ القلوبَ فباتت كُلّها تسعى إليه بطريقةٍ أو بأخرى، فنرى من يطهو الطعامَ للزائرين وهو يُردِّدُ: "خدمة الزائر شرف"، ونرى آخر قد فتحَ بيتًا أو حُسينيةً لمبيتِ السائرين نحو قبلةِ الأحرار وهو يُردِّدُ: "إنْ لم يسعكم المكانُ وسعتكم القلوب"، ونرى طفلًا يوزِّعُ الماءَ وهو يُردِّدُ: "اشربوا الماء واذكروا عطش الرضيع"، ونرى صغيرةً تمسكُ عباءتِها بقوّةٍ وكأنّها تتمسّكُ بها وهي توزِّعُ الدعاءَ والزيارةَ وكأنَّ لسانَ حالِها يقولُ: "أنا فداءٌ لعباءتك مولاتي رُقيّة".. لوحاتٌ تُرسَمُ بالدموعِ والحسراتِ على طولِ طريق الهُدى والإيمان، ولسانُ جميعِ من يخطو إلى الأرض المُقدّسة كربلاء إنّما هو: تمشي إليك توسُلًا خطواتي وأعدُّها إذْ أنّها حسناتي وكم من تائبٍ على هذا الطريق غسلَ بدموعِ الندم أدرانَ الذنوب وطهَّر روحَه من كُلِّ سوءٍ فيمَّمَ وجهه طاهرًا مُطهرًا نحو مولاه الحُسين (عليه السلام) كيوم ولدته أمه، وكم من مُخطئٍ أصلح سيرتَه وأعمالَه وجاءَ قاصدًا إمام العاشقين ليجعلَ من هُداه (عليه السلام) نهجًا ومنهاجًا للحياة، وكم من ذاتِ بينٍ أُصلِحَت، وبطنٍ أُشبِعَت، وعداوةٍ مُحيت، وصداقةٍ وطِّدتْ، ومحبةٍ وثِّقَت، وكم من روحٍ باتت أنقى، ونفسٍ صارت أتقى، وكم من ضالٍّ هُديَ للصلاح.. كُلُّ ذلك ببركةِ دماءٍ سُفِكتْ على طريقِ الفلاح؛ فدماءُ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) التي سُفِكَت على أرضِ كربلاء إنّما أيقظتِ القلوبَ والعقولَ، وسطّرتْ أروعَ ملاحمِ الإنسانيةٍ في الذودِ عنِ الحقِّ والحقيقةِ والإيمان، فما يكونُ من الوفاءِ لتلك الدماءِ الزاكيات إلا تجديد العهد، وما يكونُ من ردِّ الجميل إلا تعلُّم سيرةِ المولى وانتهاجها في كُلِّ مفاصلِ الحياة، وما يكونُ من صدقِ الولاء إلا أنْ نكونَ حُسينيين بدفاعنا عن الحقِّ، عباسيين بنصرتِنا له، زينبيين بإكمالِ مسيرتِه.

المناسبات الدينية
منذ 4 سنوات
481

ذريةُ الإمامِ الحسن (عليه السلام) بين الحقيقةِ والوهم

بقلم: وجدان الشوهاني إنّ مسألةَ البحثِ في ذراري أئمةِ أهلِ البيت (عليهم السلام) وظيفةٌ تقعُ على عاتقِ التأريخ، والمعروف أنّ لكلِّ أمّة تأريخًا، وأفضلُ الأُممِ على مرِّ الإزمان هي الأمةُ الإسلاميةُ المُتمثلةُ بنبيّها وأهلِ بيتِه (صلوات الله عليهم). ومن بابِ الولاءِ للنبيّ وأهلِ بيتِه، وتكريمًا لهم كان البحثُ في ذراريهم وزيارةِ مراقدِهم الشريفة وتعظيمها ذا أهميةٍ كبرى عندَ الناس كافة. ومن بينِ كُلِّ المعصومين (عليهم السلام) ارتأينا أنْ نُسلِّطَ الضوءَ على ذُرية الإمامِ الحسن (عليه السلام) التي كانتْ محلَ اختلافٍ وتأويلاتٍ كثيرة، وكما قلنا فالمسألةُ وظيفةُ الكتب التأريخية التي دوّنت سيرةَ المعصومين، وحتى يتبيّنَ الحقُّ لنبحثَ في كتبِ التأريخِ ونُقلّبَ صفحاتِه، ونقفُ على السيرةِ العطِرةِ للإمامِ الحسن (عليه السلام) من جهةِ ذُريتِه، فأغلبُ الروايات أشارتْ إلى أنّ للحسنَ المُجتبى (عليه السلام) من الأولادِ ما بين اثني عشر إلى خمسةَ عشرَ ولدًا، خمسٌ أو ستٌ منهم بنات والباقي ذكور، ولكنّ الواقعَ غيرُ ما أثبتَه التأريخ.. فلنقفْ أولًا على الذكور، فأولادُ الحسن (عليه السلام) الذكور بحسبِ كُتُبِ التأريخ هم -كما جاء في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد-: (زيد والحسن المثنى وعمرو والقاسم وعبد الله وعبد الرحمن وحسين الأثرم وطلحة)، القاسمُ وعبدُ الله استُشهِدا مع عمِّهما الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء ودُفِنا مع الشهداء، وأما الحسنُ المثنى الذي شاركَ في كربلاء فقد جُرِحَ وتوفيَ بعدَ ذلك بسنين ودُفِنَ في المدينة، وأما عبدُ الرحمن وهو من ضمنِ من رافقَ الحُسين (عليه السلام) إلى كربلاء فقد توفيَ في الطريق ودُفِنَ في منطقةِ الأبواءِ الواقعةِ بين مكة والمدينة، ولم نقفْ على مراقدِ الباقين. أما أولادُ الإمامِ الحسن (عليه السلام) من الإناث فهُنّ: (أمُّ الحسن وفاطمة وأمُّ عبد الله وأمُّ سَلَمة ويُضافُ إليهنّ رقية) بعضُهن دُفِنَ في المدينة تبعًا لأزواجهنّ، وهذا يعني أنّهنّ مُتزوجاتٌ ولم يُذكرْ في كُتُبِ التأريخ أيُّ خبرٍ عن أعمارِهن أو سيرتِهن عدا السيّدةِ فاطمة (عليها السلام) زوجة الإمامِ السجّاد (عليه السلام) وأمّ الإمامِ الباقر (عليه السلام)، ولعلّ ذكرَها جاءَ من حيثُ كونِها أمَّ وزوجةَ وبنتَ إمام. هذا ما ذكرَه التأريخ، ولكن وكما تقدّم أنّ ما أثبتَه الواقعُ غيرُ ما أثبتَه التأريخُ ونحنُ اليومَ بين أمرين: إمّا أنْ نرمي بتلك الكُتُبِ التأريخية المُعتبرة بعرضِ الجدار، ونسيرُ خلفَ الواقعِ القائمِ على الأحلام والأوهام، وإما أنْ نعتمدَ عليها ونُحكّمَ عقولَنا فيما ننسِبُه للإمامِ الحسن (عليه السلام) من ذراري موهومةٍ بصناعةِ أصحابِ النفوسِ الضعيفة والتخيُّلات. ولابُدّ أنْ نفهمَ الفرقَ بينَ ما جاء في كُتُبِ التأريخ وبينَ الواقعِ المرير، فكُتُبُ السيرةِ والتأريخِ تعتمدُ على الرواياتِ الصحيحة من حيث السند الذي يتصلُ بأهلِ البيت (عليهم السلام)، والنص السليم والذي اعتمدَه علماؤنا الأجِلّاءُ على مرِّ السنين السابقة، ومن أهمِّ مُميّزاته أنّه ثابتٌ. أمّا الواقعُ المرير فهو يعتمدُ على أحلامِ الناس، وقضاءِ الحوائج في بعضِ البقع والدعاية والإعلان لما يحصلُ من حوادثَ على سبيلِ الصُدفةِ؛ ولذا يمتازُ الواقعُ بعدمِ الثبوت؛ فهو مُتغيّرٌ، والدليلُ على ذلك هو التزايُدُ في عددِ ذُريّةِ الإمامِ الحسن (عليه السلام) وبالخصوصِ البنات بالمُقارنةِ مع ما أثبتته الكُتُبُ التأريخيةُ فعدد بناتُ الحسنِ (عليه السلام) في العراقِ فقط قد فاقَ العشرَ بناتٍ، مراقدُهنّ موزعةٌ على بعضِ مُحافظاتِ العراق، فالحلةُ والنجفُ والبصرةُ تشهدُ لتلكَ المراقدِ، ولم يكنِ العددُ ثابتًا، فالزيادةُ كانتْ تدريجيةً بحسبِ الاكتشافِ ولا نعلمُ الاكتشافَ يكونُ على أيّ أساس. هذا بالإضافةِ لما موجودٌ خارج العراق. والغريبَ بالأمرِ أنّ كثرةَ المراقدِ لذُريّةِ الإمامِ الحسن (عليه السلام) تنسجِمُ انسجامًا تامًا مع الشبهة التي أثارها الأمويون حولَ الإمامِ (عليه السلام) من أنّه مِزواجٌ مِطلاقٌ، وأنّه (عليه السلام) قد تزوّجَ سبعينَ امرأةً، ولا نعلمُ هل الأيادي الأموية ما زالتْ تعملُ إلى يومِنا هذا؟! والأمرُ الآخرُ: أنّ الذُريّةَ المُتزايدةَ هي من جانبِ البناتِ فقط، وكأنّ وراءَ المسألةِ عقولًا رصينةً تمتازُ بالمكرِ؛ وذلك لأنّ الذريةَ من حيث الذكور قد لا يُمكِنُ زيادتُها، والسببُ: لأنّ الرجالَ لهم مواقفُ تأريخيةٌ، وأنّ الكُتُبَ التأريخيةَ قد وقفتْ على سيرتِهم على العكسِ تمامًا من البناتِ فسيرتُهن مجهولةٌ من حيث كُتُبِ السيَرِ التي اكتفتْ بذكرِ أسمائهن بالكُنى فقط، ونادرًا ما يكشفُ التأريخُ عن الاسمِ الصريحِ لهنَّ، وهذا الأمرُ ساعدَ في الترويجِ لمراقدَ كثيرةٍ تُحسَبُ للإمامِ الحسن (عليه السلام) بأنّهنّ بناتُه زورًا وبهتانًا. وهُنا لنا وقفةٌ في مسألةٍ أخرى يراها البعضُ دليلًا على أنّ أصحابَ المراقدِ هم أبناءٌ صُلبيين للإمامِ الحسن (عليه السلام) ألا وهو عدمُ ذكرِ موقفٍ للمرجعياتِ الموجودةِ في المسألة.. وكأنّ المسألةَ مسألةٌ فقهيةٌ، على حين أشرنا إلى أنّ المسألةَ هي تأريخيةٌ، ورأيُ المرجعيةِ يستندُ في ذلك إلى الرواياتِ والأخبارِ الواردةِ في كُتُبِ التأريخ ويستحيلُ أنْ يستندَ إلى الأحلامِ والأوهامِ وإلّا لصارتِ الفتوى لُعبةً للصبيان ولن تكونَ وظيفةَ المجتهد. كما أنَّ المراجعَ قد بيّنوا رأيَهم في المسألةِ بعبارةٍ صريحةٍ وهي: (عدمُ الثبوتِ بأنّ أصحابَ المراقدِ الموهومةِ بأنّهن بناتٌ صُلبياتٌ للإمامِ الحسن (عليه السلام)) ولكنّ البعضَ يغضُ النظر عن الرأي، بل وصلَ الأمرُ إلى عدمِ التصديق أو التشكيك بالرأي. بالإضافة إلى استنادِ البعضِ إلى البُنيان والإعمار لتلك المراقد، وهنا لنا كلام؛ فمن جهةِ البناءِ يعتمِدُ على تبرعاتِ الناس وهذا لا يُمكِنُ التحكّم به، ومن جهةٍ أخرى أنّ الأمرَ راقَ لبعضِ السماسرةِ لما تدرُّ عليهم تلك المراقد من أموالٍ، فكُلّما ازدادوا في الإعمارِ ازدادتِ الواردات، وقد تكونُ أيادٍ سياسية تحمِلُ فكرًا يُخالِفُ المذهبَ وراءَ ذلك. ولكن ما يؤسفُ له هو انجرارُ الكثيرِ خلفَ الأحلامِ والأوهامِ، والدافعُ هو قضاءُ الحوائجِ وشفاءُ المرضى، مُتناسين أنّ المُشافي والمُعافي والقاضي للحوائجِ هو اللهُ (سبحانه وتعالى)، وإنّما أهلُ البيتِ (عليهم السلام) هم وسيلةٌ ليس إلّا. وحيثُ أنّ من يزورُ تلك المراقدِ الموهومةِ أو التي لم يثبتْ أنّها من نسلِ الإمامِ الحسن (عليه السلام) باعتقادِ أنّها بنتُ الحسن (عليه السلام)، فإنّ اللهَ يقضي له تلك الحاجة؛ لأنّه توسّل ببنتِ الحسن (عليه السلام) وإنْ كان واقفًا على بُقعةٍ ومرقدٍ وهمي أو لواحدةٍ من ذراري الحسن (عليه السلام) غير الصلبيين. فالتوسلُ صحيحٌ وعلى أساسِه كانتْ الإجابةُ؛ فكم من سائلٍ يسألُ اللهُ (تعالى) ويتوسل بالإمام الحسن (عليه السلام) وهو بعيدٌ عن مرقده وتُقضى له حاجته؟ فما بال من يقِفُ على بقعةٍ باعتقادٍ قلبيٍ صحيحٍ وإنْ كانَ المكانُ غيرَ صحيحٍ، فقضاءُ الحوائجِ وشفاءُ المرضى ليسَ دليلًا قويًا نُثبِتُ به نسلَ الأئمة (عليهم السلام)، فعلينا تحكيمُ العقولِ فيما ننسبُه للأئمة (عليهم السلام). وعلينا أنْ نُنصِفَ الإمامَ الحسن (عليه السلام) الذي تعرّضَ للظُلمِ مرّاتٍ وليس مرّةً واحدةً، ولكنّ الظلمَ الذي ليسَ كمثلِه ظلمٌ هو ظلمُ من ينتسبُ للمذهبِ الجعفري ويظلمُ الإمامَ الحسن (عليه السلام) بتثبيتِ شُبُهاتٍ أثارَها الأعداءُ من خلالِ نسبةِ ذراري للإمامِ من دون الرجوع للكُتُبِ الموثوقة، فعلينا الانتباهُ لما يجري ويُحاكُ ضدّنا وأنْ لا نقفَ مكتوفي الأيدي أمامَ الشُبُهاتِ بحُجةِ أنّها استفحلت في المُجتمع، فمهما بلغتِ الشُبُهاتُ من شُهرةٍ فلن تصيّرَها الشهرةُ إلى حقيقة. ونسألُ اللهَ (تعالى) أنْ يكونَ الجميعُ ممّن يسمعُ ويعي واللهُ وليُ التوفيق.

اخرى
منذ 4 سنوات
7209

كان خُلُقُه القرآن

بقلم: أم حوراء النداف القرآنُ الكريم هو معجزةُ خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين)؛ فلكُلِّ نبي معجزةٌ تؤيدُ دعواه وتكون خارقةً للعادة، أي إنَّ مادة المعجزة موجودةٌ لكن الناس لم يألفوا هكذا إنجاز من هذه المادة، كما ويعجزُ الناسُ عن مُجاراتها والإتيان بمثلها. فهل يُعقلُ أنْ تكون المعجزة مؤيدةً للنبي من جهة، ومُشكِّكةً فيه من جهةٍ أخرى؟! وما قصةُ تلك السور والآيات التي تحكي عن سوءِ خُلُقِ الرسول (صلى الله عليه وآله) -حاشاه- كما في سورة عبس وتولى، أو الآيات التي تنسِبُ إليه الذنوب السابقة واللاحقة "ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر"، وما شاكلها من الآيات التي تبدو في ظاهرها أنّها تنسِبُ النقصَ -والعياذ بالله- لشخص النبي الخاتم (عليه وعلى آله آلاف التحية والسلام). يقول عالمُ الرياضيات الأمريكي جفري لانج: "إنّ مؤلفَ هذا الكتاب [أي القرآن الكريم] عبقريٌ، وأنّه بلا شك يتبعُ أسلوبًا ساحرًا في جذب القارئ، حيث اعتمد القرآن كليًا على أسلوب الحوار، فتسلسلُ الآيات يدفعُك للتعجُبِ والسؤال، ومن ثم تجدُ الإجابةَ بعد أسطُرٍ قليلة" لقد اشار هذا العالم، من حيثُ يعلم أو لا يعلم إلى الطريقةِ المُثلى لفهم القرآن الكريم، وهي تفسيرُ القرآن بالقرآن! ماذا حصل عندما تكلّف المُفسرون وعُلماءُ القرآن بتفسير آياتِ الله تعالى بمُقتضى الرأي أو القياس أو نصوصِ الروايات التي خالطَها الدسُّ والتلاعبُ والمُخالفةُ لروحِ القرآن الكريم قلبًا وقالبًا؟ لقد وقعوا فريسةَ التناقضات! وللأسفِ نُسِبت تلك التناقضات للقرآن الكريم. فمن جهةٍ يقرأون "وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم"، ومن جهةٍ أخرى ينسبون العبوس للرسول الكريم وأنّه أعرضَ عمّن يُريدُ أنْ يتزكّى وأقبلَ على من استغنى من المشركين! القرآن الكريم وإن كان ميسرا للذكر وذلك لقوله (تعالى): "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر"، أي إن إلقاءه على نحوٍ يسهُلُ فهمَ مقاصده لعموم الناس وخصوصهم، والأفهام البسيطة والمُتعمقة، كُلٍّ على مقدارِ فهمه، إلا أنّ فهمَ مُراد الآيات الكريمة يحتاجُ إلى ذوقٍ قرآني رفيعٍ ينسجمُ مع إرادةِ الحقِّ (سبحانه)، ويكون بعيدًا عن الأهواء الشخصية والتعصبات الفكرية، قال (تعالى): "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أولوا ألالباب"[آل عمران ٧]. كما انّ الله (سبحانه) يدعونا إلى التفكُّر والتدبُّر في آيات القرآن الكريم، "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كبيرًا" إنّها دعوةٌ إلى التمسُّكِ بمُحكمِ الآيات الواضحة الدلالة ورد الشبهات إليها، فالحقُّ (سبحانه) لا يُجامل أحدًا، ووصفه للنبي (صلى الله عليه وآله) بأنّه على خُلُقٍ عظيمٍ كافٍ لقطعِ كُلِّ الشكوك والشبهات حولَ ما يُنسَبُ زورًا وبهتانًا لمقام صاحب العصمة الكبرى الذي يصفُ نفسه قائلًا: "أدّبني ربي فأحسَنَ تأديبي" و "أنا أديب ربي" و"إنّما بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق" إنّه التجسيدُ الفعلي للإنسان الكامل الحاكي عن كمالاتِ الحقِّ (سبحانه) المبعوث رحمةً للعالمين ولا مجالَ للنقصِ ولو بمقدارِ أنمُلةٍ بمُقتضى العصمة الرسالية. لقد تمكّنَ، بحُسنِ خُلُقِه العظيم وصبره ومداراته للناس، من تأليفِ قلوبٍ طالما فرّقتها حروبُ الجاهلية، وجعلهم أمةً واحدةً، فلقد "كان خُلُقُه القرآن" أي يأتمِرُ بما أمرَ اللهُ في كتابه المجيد وينتهي عمّا نهى عنه، وإلى ذلك دعا، بأبي وأمي، ونحنُ على ذلك من الشاهدين. وأبيضُ يُستسقى الغمامُ بوجهه ربيعٌ لليتامى، بهجةٌ للأرامل السلامُ عليك يا أبا الزهراء، يا حبيب الله.. ––––––––––––––––––––––– تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ج١٩،ج٣ بحار الانوار للعلامة المجلسي جيفري لانج رحلتي إلى الإسلام

اخرى
منذ 4 سنوات
2666

رحيلُ صاحبِ أعظم منهجٍ في التأريخِ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)

بقلم: أم باقر الربيعي قال (تعالى): "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"(1). لم يبعثِ اللهُ (تعالى) الأنبياءَ اعتباطًا ولا عبثًا، بل بعثَهم من بابِ اللُطف والرحمة للعباد لغايةٍ عُظمى وهدفٍ أسمى، وهو بلوغُ الكمالِ الروحي المعنوي والمادي، وهذا لا يتأتّى إلا من خلالِ الوظيفةِ الإلهيةِ المُكلّف بها صفوةٌ مُختارةٌ من البشر، انتخبَهم الباري ليكونوا دُعاةً للناس، ويوظِّفوا طاقاتِهم ويرسموا طريقَ الهدايةِ لمن كرّمَهم اللهُ (تعالى) على سائر الموجودات، فبيّنوا لهم سُبلَ النجاة وسُبُلَ المهالك، من خلالِ القوانين الإلهية المُترتبة على كُلِّ فعلٍ من أفعالِ المُكلفين.. وكُلُّ نبي من الأنبياءِ له شِرعةٌ خاصةٌ ومنهاجٌ، وهذا لا يتنافى مع وحدةِ الكلمةِ في الدعوةِ إلى الله (تبارك وتعالى) وتوحيده، وكُلُّ شِرعةٍ من شرائعِ الأنبياءِ تُكمِّلُها شريعةُ النبي الآخر، وكُلُّها تسيرُ في مسارِ التكاملِ الإنساني، إلى أنِ انتهتْ بالشريعةِ الخاتمةِ والمنهاجِ الأكمل والأصلح لبني البشر، وكأنّها رسالةٌ مُمنهجةٌ ومُبرمجةٌ للحياةِ الفرديةِ والاجتماعية، بل وجميعُ الأصعدةِ الحياتيةِ على كافةِ مُستوياتها، لمن سار على الخطِّ الإلهي ليسلك طريقَ الهدايةِ والفلاح.. وقد وقعَ الاختيارُ على أشرفِ شخصيةٍ في عالمِ الوجود، بحسبِ درجته الكمالية ومؤهلاته الروحية، ليختصَّ بأعظمِ منهجٍ تربوي عقائدي شرعي أخلاقي، فمُنذُ بعثته (صلوات الله وسلامه عليه) وهو يدأبُ لإصلاحِ المفاسدِ التي كانتْ تطغى على المُجتمعِ المكّي آنذاك، كعبادةِ الأصنامِ وشربِ الخمرِ ووأدِ البناتِ واستعبادِ الناسِ وظُلمِ المرأةِ وتوهينها، واستبدلها بعبادةِ اللهِ (تعالى) وتحريمِ الخمر وتكريم البنات، وساوى بين الحر والعبد وشرّف المرأة ورفع من قدرها ومكانتها، فاستطاعَ تحقيق ما لم يُحقِّقْه أيُّ نبي من الأنبياء من التغيير في مُجتمعاتِهم، ولم يأتِ هذا التغيير بلا عناءٍ أو مشقةٍ، فقد تعرّضَ الرسولُ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله) للأذى والضرب بالحجارة واتهموه بالكذب والسحر والتكهن وما إلى ذلك من الاتهامات الباطلة، وكان في كُلِّ أحواله صابرًا داعيًا لأمّته بالهداية والصلاح، وفرض حُبَّه على الناس رغمًا عنهم؛ فكلامُه يُلامِسُ شغافَ القلبِ ويبعثُ على الهدوءِ والطُمأنينة في النفس، وكانَ له من العَظَمةِ ما لم تكن لقيصر ملكِ الروم وكسرى ملك الفرس؛ حتى أنّ أصحابَه يبتدرون ماء وضوئه تيمنًّا وتبركًا به. وكان لابد من إكمالِ منهجِه بأمرٍ عظيمٍ به تتُمُّ دعوته، فبلّغَ بالإمامةِ وأعلنَ عن الإمامِ والخليفةِ من بعدِه، وكان يعلمُ ما سيؤولُ إليه أمرُ هذه الأمّة من بعدِه، فالعالمُ بأجمعِه مدينٌ لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، عاجزٌ مُقصِّرٌ عن إيفاءِ فضله.. وفي أيامِه الأخيرة وقد اشتدَّ المرضُ عليه، فساعةُ الفراقِ قد دَنَتْ والرحيلُ لابُدَّ منه، وها هو رسولُ الإنسانيةِ وعنوانُ الرحمةِ ورمزُ الصدقِ والأمانة، وصاحبُ الخُلُقِ العظيم مسجى على فراش الموت، وعلي والزهراءُ والحسنان يتزوّدون منه، ويجرون مدامعَ العيون لفراقه؛ لا لأنّه أخُ علي وأبُ الزهراء وجدُّ الحسنين فحسب، بل ولأنّه رحمةُ الله للعباد، وأمانُه في البلاد لمن عرف حقه ولم يجهله، وملائكةُ الرحمن مُختلفةٌ في النزول والعروج تحفُّ ببيتِ الرسول... حتى في لحظاته الأخيرة لم يسلمْ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) من ألسُنِ القومِ السليطة حتى اتهمه أحدُهم أنّه يهجُر! معاذ الله وحاشاه من ذلك الوصف المُشين، وهو القائلُ فيه ربُّ العزّة والجلالة: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى"(2). وكأنّهم لم يقرؤوا القرآنَ ولم يتدبّروا آياته، وإذا برسولِ الله قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وخرجت روحُه الطاهرةُ تحملُها الملائكةُ العظامُ لتكونَ في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدِر، فارتفعَ البُكاءُ من أهلِ بيتِه وناحتْ ملائكةُ السماء، واظلمَّ الكونُ وماجتِ الأرضُ بأهلِها لهولِ الفاجعة... القومُ يتنازعون فيمن يكونُ الخليفةِ من بعدِه، ورسولُ الله لم يُغسَّل بعد! وكأنّهم لا يعرفونَ خليفته، وكأنّهم لم يسمعوا رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) مرارًا وتكرارًا وهو يوصيهم بعلي وأهلِ بيتِه خيرًا، ومنذُ تلك اللحظة جهدوا لنصبِ العداء لعلي وآل علي (عليهم السلام) مُعلنين صراحةً مُخالفتهم لكتابِ اللهِ وسُنّةِ نبيه، وانقلبَ القومُ على أعقابِهم واشتعلتْ نارُ الفتنة من سقيفةِ بني ساعدة، وامتدَّتْ جذورُها لسلبِ خلافةِ الوصي وحرقِ بابِ الزهراء، وقتلِ الإمامِ علي في المِحرابِ حالَ الصلاة، وسم الإمامِ الحسن وقتلِ الإمامِ الحسين بكُلِّ وحشيةٍ وإجرامٍ، وطالَ شررها الإمامَ بعدَ الإمامِ؛ حتى ظهور الآخذ بالثأر الإمام المهدي (عجّل الله (تعالى) فرجه الشريف)، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العلي العظيم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1-سورة آل عمران : آية 144. 2- سورة النجم : آية 3- 4.

اخرى
منذ 4 سنوات
366

الصادقُ الأمين (صلى الله عليه وآله) بينَ المدرستين

بقلم: رضا الله غايتي كثيرةٌ هي الشبهاتُ التي أثارَها أعداءُ الإسلامِ حولَ شخصيةِ خاتمِ الرُسُلِ (صلى الله عليه وآله)، حتى صاروا يبثّونها في عقولِ المُسلمين، مما أدّى–مع بالغِ الأسفِ-إلى زعزعةِ عقيدةِ بعضِ المُسلمين وإنْ كانوا قِلّةً قليلة. ومهما تكنْ تلكَ الشُبُهاتُ يُمكِنُ دفعها وبكُلِّ يُسرٍ بسِمةٍ واحدةٍ من سِماتِه وهو كونُه (صلى الله عليه وآله) معصومًا. بيدَ أنَّ ما يحزُّ في النفسِ عدم اتفاقِ كلمةِ المُسلمين عليها رغمَ وضوحِها لكُلِّ ذي بصيرة، ودلالةِ العقلِ عليها قبلَ النقل. لذا كانَ من الأهميةِ بمكانٍ التأكيدُ على هذه السمةِ بحدودِها الصحيحة وترسيخها في أذهانِ الناشئةِ لتُشكِّلَ لديهم قاعدةً عقديةً قويةً لا تخترقُها الشُبُهات. اتفقتْ كلمةُ المُسلمين على عصمته (صلى الله عليه وآله) في التبليغِ لقوله (تعالى): "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى"1، بيدَ أنَّهم اختلفوا في سائرِ أفعالِه وأقوالِه (صلى الله عليه وآله)، وفي عصمتِه من السهوِ والنسيان، فقالتِ الإماميةُ بعصمتِه المُطلقة عقلًا ونقلًا في جميعِ أقوالِه وأفعالِه ومن السهوِ والنسيانِ أيضًا. فأما عقلًا؛ فلأنَّ الغايةَ من إرسالِ الأنبياءِ هي تصديقُ البشرِ إيّاهم ثم اتباعهم، وفرضُ اتباعِ من يعصي الله (تعالى) تغريرٌ للتابعين بالمعصية، ومن الظُلمِ عقابهم بعد ذلك، وتعالى الله (سبحانه) عن ذلك علوًا كبيرًا، وأما نقلًا فللآيةِ المُتقدِّمة وغيرها... أمّا العامةُ فقد حصروا عصمتَه بالتبليغ فقط، لما ذهبوا إليه من أنَّ للرسولِ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله) جانبين: جانباً نبوياً، وآخر بشرياً، فأمّا الأولُ فهو معصومٌ فيه عن الخطأ بلا شكٍ ولاريب، وأما الجانب البشري فقالوا هو فيه كالبشر: يُحِبُّ ويكره، ويرضى ويغضب، ويأكلُ ويشرب، ويُصيبُ ويُخطِئ، وينسى ويسهو… ، مع ما ميَّزه اللهُ (تعالى) به في هذا الجانب ببعضِ المُميّزات؛ كسلامةِ الصدرِ، وعدمِ نومِ القلب، وغيرها. وقالوا إنَّ هذا الجانبَ هو السببُ في صدورِ بعضِ الأخطاءِ منه (صلى الله عليه وآله). وهو قولٌ مُتناقضٌ إلى حدٍ كبير يخرجُ من دائرةِ العقلِ والمنطق، إذ كيف للمُسلمين أنْ يُفرِّقوا بين أقواله وأفعاله في جانبه النبوي وبينها في جانبه البشري؟! ومن عجيبِ أمرِهم تهاونُهم في مسألةِ عصمته (صلى الله عليه وآله)، بل ونهيهم عن التوغُلِ فيها رغمَ عظيمِ أثرِها على الدينِ الإسلامي برمتِه؛ إذْ إنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وآله) ذاتَه الذي يرونه تارةً معصومًا وأخرى ليس بمعصومٍ إنَّما هو نفسُه الطريقُ الوحيدُ لوصولِ القرآنِ الكريم إلينا، فلئن لم يكنْ معصومًا في جميعِ أقوالِه وأفعالِه فهو ليس بمعصومٍ أيضًا في تبليغه للقرآن الكريم، وهذا يعودُ على أصلِ القرآنِ الكريم والسُنّةِ المُطهّرة بالبُطلان، ومن ثم يبطلُ الإسلامَ من رأس. وهو قولٌ بعيدٌ غاية البُعدِ عن الصواب؛ لمُخالفتِه للعقلِ والنقلِ معًا، فأمّا العقلُ؛ فلأنَّه يعني اجتماعَ العصمةِ وعدمِها فيه، والعقلُ يقضي باستحالةِ اجتماعِ النقيضين، وأمّا النقلُ فللكثير من أقواله (تعالى) منها المتقدِّم. وعليه، لَزِمَ على من يقولُ بعصمتِه في التبليغ القولُ بعصمتِه في جميعِ أقوالِه وأفعالِه، والتسليمُ بذلك كُلّه، وعدمُ المُجادلةِ والاعتذارِ عن قبولِها بحُججٍ أو فلسفاتٍ واهية؛ لأنَّ رفضَ بعضِ أقوالِ وأفعالِ المعصومِ عن الخطأ والوهمِ في التبليغِ بحُجّةِ صدورِها من جانبِه البشري إنّما هو نقضٌ لعصمتِه في التبليغ، وانتقاصٌ لها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)النجم 3و4

العقائد
منذ 4 سنوات
486

وامحمداه الرحمةُ المُهداة

بقلم: نرجس مهدي أشرقتِ الدُنيا فرحًا، وفاضتْ عطرًا بولادةِ خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين، سيّدِ الأولين والآخرين. الكونُ عمَّتْه الأفراحُ واستبشرتِ الجنان، تزيّنت واخضرّتِ الأركان، كيف لا يكونُ كذلك، وهو حبيبُ اللهِ (جلّ جلالُه).. دعوةُ جدِّه إبراهيمَ الخليلِ، وبشارةُ عيسى روحُ الله (تعالى) الجليل، ومُخلِّصُ البشريةِ من ظلامِ الجهلِ والعبودية. بولادتِه انعطفتِ الدُنيا انعطافًا حقيقيًا، نقطةُ تحوّلٍ كُبرى تقودُ الإنسانيةَ نحوَ الخيرِ والصلاحِ والرضا والفلاح. فهو نورُ اللهِ الذي يُستضاءُ به، سراجٌ مُنيرٌ، سابقٌ إلى طاعةِ اللهِ (تعالى) مكينٌ أمينٌ.. أحمدُ الأوصافِ، المُحمّدُ لسائرِ الأشراف، غمسك اللهُ (تعالى) في بحرِ الفضيلة، وأودعَك تلكَ الأصلابَ الطاهرةَ الجليلة. بولادتِكَ كشفَ اللهُ (تعالى) ظلمَ الأستار، فتهلّلتِ الدُنيا بحُلَلِ الأنوار، حتّى بدأتَ في نشرِ دينِ اليقين، مُرابِطًا على طاعةِ اللهِ تعالى في أرجاءِ البرية، تجرّعْتَ منهم الغُصصُ، وأخفيتَ الزفرات، أسررْتَ الحسرات، ولبستَ ثوبَ البلوى امتثالًا لأمر الله (تعالى)، وإعزازًا لدينِه (سبحانه). صبرتَ وتحمّلتَ ثقلَ النبوةِ على قلبك كالجبالِ الراسياتِ؛ لتوصلَ الإنسانيةَ إلى مرافئ الأمنِ والنعيم برسالتك.. وبعدَ أنْ أتمَمْتَها على أكملِ وجهٍ، ورفعتَ عن كاهلِك تلكَ الأمانة، حانَ أذانُ الرحيل، والمَلكُ واقفٌ على بابك مُستأذنًا للدخولِ عليك. كواكبُ السماواتِ تتلألأُ نحيبًا، وتغيّرَ نسيمُ الجنان، ولا أدري لِمَ اختلطَ بدُخان؟! تملْمَلَ المَلكُ بين جنباتِ نفسِه، لا يعرفُ كيفَ سيُدبِّرُ أمره؛ فالمُهمةُ عظيمةٌ عليه، شاقةٌ على إدراكِه، تأجّجتِ المشاعرُ بأنفاسِ ابنتِه الزهراء (عليها السلام) الحارقة، حتى بكت لأجلِها ملائكةُ الرحمن.. حبيبُ اللهِ (تعالى) مُسجى على فراشِ المرض، تتلجْلَجُ أنفاسُه في صدره، تدورُ عيناه إلى أحبته.. كيفَ سيُودِّعُ هذه الأنفس النورانية التي تعلّقتْ بخيوطٍ مُتشابكةٍ بِشغافِ قلبِه؟ يفتحُ عينيه بين الحينِ والآخر يرى حبيبته تجودُ بنفسها مُغرورقةَ العينين، تتهادى بِحَملها، فتتحيّرَ عيناهُ... أيَّ كلماتٍ يتحدّثُ بها لِيُهدِّأَ روعَها.. يهمسُ إليها بكلماتٍ فيزدادُ وجعُها، ثم يهمسُ أخرى فيعلو وجهها بشرٌ، فيُسكِنُ أنينها.. يفتحُ ذراعيه ليضُمّ إلى صدرِه حَسَنيه، يتزوّدُ منهما ويتزودانِ منه عطرًا ودفئًا.. وبعبراتِه المُتكسّرةِ يوصي ابنَ عمِّه وصهرَه أميرَ المؤمنين (عليه السلام) بوصاياه، وأنْ يتحمّلَ الرزايا بعدَه ويستعدَّ للعزاء والفراق.. تناجيا طويلًا، اختلطَ الدمعُ بالدمع، وكشفَ (صلى الله عليه وآله) النقابَ عن الفتنةِ التي تُصيبُ المُسلمين بعده، وبأسماءِ المُنافقين من الأصحاب، يوصيه بالصبرِ وتحمُّلِ المشاق.. كانتْ حقًا لحظاتٍ عصيبة، اختنقَ بعبرتِه، وكأنّ دخانَ بابِ الزهراء (عليها السلام) قدِ استشعره في رئتيه.. وكان آخرُ اللقاءِ على صدرِ أمير المؤمنين، توشّحَ الكونُ سوادًا، وأعلِنَ في السماواتِ العُلى الحداد، أقبلتْ ملائكةُ الرحمن صفوفًا لحملِ روحِ الحبيبِ مُجلّلةً بأنوارِ القداسة، يزفّون روحَ الطُهرِ ومعنى الرحمةِ والإنسانيةِ ليوصلوها إلى الملك الديان. وجسدُه الطاهرُ مُسجى بلا حراك، وطِبقًا لِوصيته غسّله وكفّنه وصلّى عليه أميرُ المؤمنين (عليه السلام)(١)، فنزلتْ ملائكةُ الجنانِ صفوفًا مُتراصةً تُقيمُ الصلاةَ، دُفِنَ الطُهرُ في حُجرته، وأُهيلَ التُرابُ على قسماتِ وجهه.. قال الإمامُ الصادقُ (عليه السلام): "إنّ اللهَ لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على الزهراء (عليها السلام) من الحُزنِ مالا يعلمُه إلا اللهُ (عزَ وجل)(٢) فأيُّ حُزنٍ عليك لا يتصل؟ وأيُّ دمعةٍ لفراقك لا تنهمل؟ وأيُّ خطبٍ ألَمَّ بالدين؟ وأيُّ نازلةٍ وقعتْ على رؤوسِ المُسلمين، المحرابُ خلا من شخصه، والدُنيا حُرِمَتْ من فيضِ أنواره.. ما أعظمَ فقدُك سيّدي يا رسول الله.. فإنّا للهِ وإنّا إليه راجعون.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)الاحتجاج للطبرسي. (٢)بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٥٧٠

اخرى
منذ 4 سنوات
292

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76199

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56127

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43336

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
42951

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39674

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33434