في حب الأمير علي (عليه السلام)

بقلم: زينب العارضي قال الشاعر في حب الأمير علي (عليه السلام): ‏وأنا صغيرٌ لم تكنْ ****‏ أمي تناغيني بـ"غَينْ" ‏حُبًّا لإسمك يا "علي" ****‏ كانت تداعبني بـ"عَينْ" فأكملت هذين البيتين وكتبت: فكبرت واسمك في الفؤاد *** ينادني في كل حين يا ساكنًا لب الأنام *** يا ملهما للسالكين يا راية العز التي *** بضيا سناها نستعين يا كل حب في الوجود *** يا حبل بارينا المتين يا أيها النبأ العظيم *** يا من ملكت الخافقين يا سر آيات الكتاب *** يا نغمة للعارفين يا نفس مولانا الرسول *** يا قلب فاطم والحسين قلبي يذوب إذا ذكرت *** والروح تخشع تستكين فوهج ذكرك يا علي *** ينير أعتمة السنين يجلو همومًا قد تطول *** يمحو ظلامًا قد يشين فسلام ربي يا أمير *** عليك يا بدر السنين وصلاة ربي يا علي *** أبدًا إلى قطع الوتين

اخرى
منذ 5 سنوات
4871

في حب الأطهار (عليهم السلام)

بقلم: زينب العارضي نفسي بذكر المصطفى قد أشرقت *** وبحيدر الكرار قلبي مزهر للبضعة الزهراء كل محبتي *** ولها أمدُّ الكف فهي الكوثر روحي فدا السبط الزكي المجتبى *** من حبه في كل يوم يكبر نبضات قلبي للحسين تدفقت *** لبيك تهتف يا شهيد.. تكّبر يا آل بيت المصطفى يا عدتي *** يا ذخر روحي يا ملاذي الأكبر إني لكم في كل حين التجي *** ومناي في يوم القيامة أظفر بجواركم أمضي حياتي هانئاً *** فبنوركم تحلو الجنان وتزهر ما قيمة الفردوس يومًا إن خلت *** من نوركم ذاك الذي لا يحصر يا كل نورٍ في الوجود وأصله *** يا نبع خيرٍ بالمحبة يهدر يا لطف بارينا ومصدر فيضه *** من بيتكم كل العطايا تصدر يا رحمة الرب العظيم على الورى *** سفن وفي موج المخاطر تبحر طوبى لمن ركب السفينة مخلصًا *** وإلى رياض العشق ظل يسافر يا سادتي رفقًا بقلبٍ قد ذوى *** في حبكم عن ذكركم لا يفتر هلا كشفتم عن غشاوة ناظري *** لأرى الحقيقة بالبصيرة أبصر يا سادة اللطف العميم تقبلوا *** أبيات شعر في المديح تقصر فعليكم مني السلام أئمتي *** ما طال عمر أو توالت أعصرُ

اخرى
منذ 5 سنوات
1654

اسقني

اسقني بقلم: زينب العارضي إني رفعت الكف أرجو نظرة *** هلا ملأت من العطاء ردائي يا ساقي الاحباب من ري الهوى *** أمطر سحاب الحب في بيدائي وانثر ورود العشق.. اسقِ جذورها *** كيما يفوح الشوق في أرجائي يا ملهمًا للسالكين إلى العلا *** امدد أكف الخير للضعفاء إني رجوتك يا بن فاتح خيبر *** رمز العدالة سيد البلغاء وحططت رحلي في جوارك آملًا *** فارفق بقلب ذاب في الأرزاء يا بن الكريمة فاطم أم الفدا *** من واست الزهراء بالأبناء كلي رجاء أن أعود بحاجتي *** حاشا تخيبني وفيك رجائي

اخرى
منذ 5 سنوات
546

خيانةُ العهد

بقلم: رحاب سالم البهادلي أحمد وإبراهيم تشاجرا أثناء لعبة كرة القدم، وصاح إبراهيم بصوت مرتفع، قد خُنتَ العهد يا أحمد، سمع الجد كلامهما، وسألهم ماذا حصل؟ إبراهيم: قد خان العهدَ أحمدُ يا جدي. وقف الجد وقال: كيف ذلك؟! قال إبراهيم: إن أحمد لعب مع وليد بدل أن يلعب معي، ونحن تعاهدنا على أن نلعب سَوِيّةً ابتسم الجد وقال: اجلسوا يا أولاد وسأحكي لكم حكاية... يُحكى أنّ "قطاً أبيضًا" جميلًا، ليس له أصحاب، كان يتجول في الشارع، فوجد "قطًا أسودًا"، أراد "القط الأبيض"، أن يصاحب "القط الأسود"، فوافق "القط الأسود"، ولكن بشرط! فسأله "القط الأبيض"، عن هذا الشرط! فقال "القط الأسود": شرطي أن كل واحد منا يجد طعامًا يتقاسمه مع الآخر. قَبِل "القط الأبيض" هذا الشرط وأخذ القطان على نفسيهما عهدًا أمام القرد، وترافق القطان وصار القط الأبيض يأتي بالطعام "للقط الأسود"، و"الأسود" كذلك، وهكذا بقيا مدةً من الزمن. وفي أحدِ الأيام خرج "القط الأسود" فوجد سمكة كبيرة وقرر أن يأكلها وحده وقال في نفسه: ولمَ أتقاسمها مع صاحبي "الأبيض"؟ أنا من وجدها، ولمَ لا وصاحبي لا يعرف! في تلك الأثناء مرّ القرد قريبًا من "القط الأسود" ورأى السمكة، فذهب القرد إلى "القط الأبيض" وقال له: إنّ صاحبك وجد سمكة كبيرة، اذهب كي تساعده بحملها معه، ذهب "القط الأبيض" إلى صاحبه، وعندما وصل وجد صديقه "الأسود" قد أكل السمكة كلها، فحزن "الأبيض" مما فعله صاحبهَ "الأسود" وقد خالف العهد الذي بينهم فقال: "القط الأبيض" لما أكلت عليَ حصتي؟ فأجاب "الأسود" لأني جَائِعٌ جداً "الأبيض" سأسامحك هذه المرة على أن لا تفعلها مرة أخرى. فقال الجد: فهمتم يا أولاد معنى القصة؟ ليست خيانة للعهد أن يلعب مع غيرك، بل للعهد معنى أكبر من هذا كله، وأهمه عهد الصداقة وأن تسامح صديقك إن تمكنت…

اخرى
منذ 5 سنوات
1353

علاقة العقل بالوحي

بقلم: مرتضى الأغلامي مقدمة: يطرح هذا الموضوع على مستويين: ١-فلسفة الدين بمعنى علاقة العقل بأصل الدين لا الدين الإسلامي أو اليهودي بل مطلق الدين. ٢- فلسفة الدين الواحد كعلاقة العقل بالدين الإسلامي. والكلام حسب المستوى الأول: في مقام الجواب على السؤال (ما هي علاقة العقل بالوحي) طُرِحَتْ عدة نظريات أهمها أربع: النظرية الاولى: الحد الأدنى للعقل والحد الأعلى للوحي: حيث تؤمن هذه النظرية أن الوحي مصدر لكل المعارف حيث يجيب على الأسئلة الوجودية (المبدأ) وفلسفة الحياة والإنسان ويجيب على المنتهى. فالوحي يجيب على كل ما يحتاجه الإنسان من المبدأ الى المنتهى وما بينهما، أما العقل فليس له أي دورٍ. إذن هذه النظرية غلقت باب العقل تمامًا، بل قالت إن العقل من الأساس هو ليس أداة للمعرفة وكشف الحقيقة. ولو سألنا أصحاب هذه النظرية عن السبب وراء غلق العقل، لأجابوا أن هنالك ثلاثة أسباب: 1- إن مصدر معلومات العقل هي الحواس والحواس كثيرة الخطأ إذن العقل كثير الخطأ. 2- إننا نرى العلماء والناس عموماً كثيري الاختلاف في القضايا العقلية بحيث لا يمكن أن تجد قضية متفقًا عليها على طول الزمان، وهذا يجعلنا لا نثق بمصدرية العقل. 3- أن المتعارف أن العقل مصدر للإيمان ولكن هذه النظرية تقول العكس حيث إن العقل إذا لم يسِرْ على هدى الوحي فلا يمكنه الكشف عن الحقيقة وإذا حاول الكشف فكشفه وهمٌ في وهمٍ. النظرية الثانية: الحد الوسط للعقل: تعطي هذه النظرية مساحة للعقل وتثق به فتقول: إن العقل نثق به في إثبات الخالق والنبوة (والإمامة على رأي الإمامية) ثم بعد هذا يترك العقل الساحة للوحي ولا يحق له أن يكون مصدرًا للحقيقة. إذن تقول هذه النظرية: إن دور العقل ينتهي بإثبات (أصل وجود الخالق والنبوة والإمامة) ثم يبدأ دور الوحي. النظرية الثالثة: الحد الأعلى للعقل: وتقع هذه النظرية في قبال النظرية الأولى تمامًا حيث تُقْصي هذه النظرية دور الوحي وتقول: الوحي لا يصلح أن يكون مصدرًا للحقيقة. وتنطلق هذه النظرية من المدرسة الوضعية التي كان لها رواج كبير في الغرب. وتقول هذه النظرية: لو فرض أن للدين دورًا فهو دور تشجيعي لفعل الخيرات وليس له أي دور في كشف المعلومات، تمامًا كمشجعي لاعبي كرة القدم فهم فقط يعطون الحماس والتشجيع للاعبين. النظرية الرابعة: نظرية الوسط الداخل الديني: وهذه النظرية هي المشهورة عند المسلمين الآن وخصوصًا الشيعة، تقول هذه النظرية: إن كلًا من الوحي والعقل مصدر لكشف الحقيقة ونثق بهما، نعم هنالك مساحة للعقل فقط (كإثبات أصل الخالق) ومساحة خاصة للوحي (التعبديات) ومساحة مشتركة بينهما (وهي المساحة الأوسع) كيف لو تعارض العقل والوحي على أساس هذه النظرية، فمن هو المقدم؟ في مقام الجواب تقول هذه النظرية: إن التعارض لا يقع بين العقل والوحي بل قد يقع بين العقل وفهم الوحي. على ان للعقل يدًا في فهم النصوص التي يظهر منها مخالفة الأسس والقواعد العقلية، بمعنى أنه لو كان يظهر من نص شرعي ما يلزم منه محال عقلي، كنسبة الجسمية إلى الواجب تعالى، حينها لا بد من تأويل النص الشرعي بما لا يلزم منه المحال العقلي، أي إن العقل هو المقدم بهذا المعنى. على أي أساس تم تقديم العقل على الوحي؟ طرحت نظريتان للإجابة على هذا السؤال: 1- المجاز: حيث إن القرآن نزل على أساس قواعد اللغة العربية والمجاز موجود في اللغة العربية فيتم تأويل النص على أساس المجاز فالمراد من اليد التي نسبتها الآية لله تعالى ليس المعنى الحقيقي بل المعنى المجازي وهو القوة. 2- روح المعاني: وهذه هي نظرية ابن عربي وتبعه ملا صدرا صاحب الأسفار والسيد محمد حسين الطباطبائي وطبّقها في تفسير الميزان. وحاصل النظرية: أن للفظ عدة معاني وليس معنى واحد فاليد لها عدة مصاديق كاليد العرفية (كيد الإنسان) وكالقوي، وهذه معاني حقيقة لليد وليس مجاز كالنظرية الأولى. وهو ما قد يُسمى بالمجاز السكّاكي.

اخرى
منذ 5 سنوات
9332

الدلال وأثره السلبي على شخصية الطفل

بقلم: قاسم المشرفاوي إن حب الوالدين لأبنائهم من الأمور الفطرية التي أودعها الله تعالى فيهم، والتي تعبر عن الطبيعة الإنسانية السوية، وكلامنا في هذا المقال عن الحب المفرط للأبناء والذي يسمى الدلال وهو توفير كل رغبات وطلبات الأطفال مهما كان حجمها وصعوبتها وعدم رفض أي طلب من طلباتهم مهما كانت كمّ الإحراج الذي يقع فيها الوالدان، وهذا ما يسبّب أثرًا سلبيًا في شخصية الطفل عاجلًا أو آجلًا... ويقع كثير من الآباء والأُمهات في خطأ كبير وهو تدليل أبنائهم بشكل يؤدي إلى تمرد الأبناء حيث يصل الحال بهم إلى عدم احترام آبائهم وأُمهاتهم. وهنا يجب أن نميز بين الحب المتزن والحب المفرط الذي يدمّر شخصية الطفل ويحوله إلى شخص فاشل في المجتمع، لا يحب إلّا نفسه ولا يفكر إلّا بنزواته ورغباته وأهوائه ومصالحه، وممكن أن نقول: أن الحب للأبناء يقتضي توفير احتياجاتهم باتزان، فالطفل يحتاج أن نقول له كلمة (لا) مثلما يحتاج أن نقول له (نعم)، فهو يحتاج إلى حاجات مادية ونفسية باتزان، فالتوازن في العطاء يجعل شخصية الطفل قوية ومستقرة نفسيًا وعاطفيًا. فحاجات الطفل تختلف باختلاف المرحلة العمرية، فالطفل في عامه الأول يختلف عن طفل الأربع سنوات أو العشر سنوات، فالطفل في عامه الأول يحتاج أن نفهم بكاءه ونفهم نظراته وكل سكناته، فهو لا يجيد سوى البكاء للتعبير عن احتياجاته وطلباته، لذلك يجب علينا أن نعرف اختلاف المراحل العمرية واحتياجاتها. فإذا بدأ يحبو نتركه ليشتد ويقوى عوده، ونقدم له المساعدة حسب حاجته لذلك، ليتمكن من الاعتماد على نفسه ويبدأ بفهم قدراته، فكثرة حمل الطفل تمنعه من النمو نفسيًا وعضليًا، فيجب على الأهل فهم متطلبات المرحلة بشكل دقيق حتى يكونوا قادرين على التعامل مع مختلف الحالات. بعد عمر السنتين يحاول الطفل إثبات ذاته والاعتماد على نفسه، لذلك يجب أن نترك له المجال في تجربة الأشياء واكتشاف قدراته وإمكانياته، مع تقديم المساعدة بمقدار احتياجه فقط. ربما يسأل البعض ويقول: كيف نستطيع أن نعرف مقدرة الطفل على عمل الأشياء؟ -إن المدار في ذلك هو قدرة الطفل في فعل شيء ما، فإذا كان يستطيع أن يلبس حذاءه أو يغسل يديه فلا نتدخل هنا بل نتركه يقوم بعمل هذه الأشياء وحده، لأننا لو فعلنا كل الأشياء نيابة عنه فإننا نقوم بقتل قدراته وإمكانياته والقضاء على قوة شخصيته في مهدها، فالطفل يعتاد علينا إذا كنّا نفعل الأشياء نيابة عنه، فالواجب علينا إذًا أن نفسح له المجال للاعتماد على نفسه وأن نقدم له المساعدة وقت الحاجة إذا شعرنا أنه بحاجة إليها، فمن سلبيات الدلال قتل قدرة الطفل لأنه سيشعر بأنه غير قادر على فعل الأشياء لوحده وهو غير مؤهل لثقة أهله. تصبح شخصية الطفل ضعيفة وخاوية وغير مسؤولة لأنه اعتاد الحصول على الأشياء بسهولة وبدون جهد... يصبح طفلًا اتكاليًا والسبب أن الوالدين يقومان بالعمل نيابة عنه... يصبح طفلًا انانيًا لا يفكر إلّا بنفسه، والسبب هو شعوره باستحقاق ما يطلبه وما يرغب به من أهله ويجب عليهم تنفيذ طلباته... يكون طفلًا ذا شخصية ضعيفة انسحابية فهو لا يواجه أي فشل أو إحباط فلا يمكنه أن ينجح بعد الفشل، والسبب أن أهله كانوا يحلون كل مشاكله ولم يعلموه كيف يحل مشاكله ويواجهها... فالطفل المدلل تعلّم الحصول على كل شيء دون أن يبذل أدنى مجهود، لذلك فعندما يبدأ بمواجهة الحياه الحقيقية مع المجتمع بدون وجود والديه فإنه سينهار في أبسط تحدي من تحديات الحياة وربما أدى ذلك به إلى الانزواء والاكتئاب ويلجأ إلى الابتعاد عن المجتمع للتخلص من معاناته وشعوره بالقلق والتوتر. لذلك يجب علينا كآباء وأمهات أن نعطي باتزان، ونحب بإنصاف دون المبالغة والإفراط، فالحب ليس بإعطاء المال بكثرة وتوفير كل الطلبات، وإنما الحب هو بناء شخصية الطفل بشكل سليم يتناسب مع متطلبات الحياة وضرورتها، فالعطاء الذي يدمر شخصية الطفل هو ليس حبًّا وإنما هلاك سندركه عندما يغرق أبناؤنا في سلبيات الدلال، لذلك يجب أن نكون حذرين في سلوكياتنا مع أبنائنا فكل شيء محسوب علينا، والله ولي التوفيق.

اخرى
منذ 5 سنوات
796

شهادة قنديل

بقلم: ابو محمد مهدي الترابي لم يكن يخلُ بيتٌ في الأزمنة السابقة من قنديل، واعتادت الناس أن تضعه في مكان مرتفع لا تصل إليه الايادي حفاظًا عليه، ومن الطبيعي أن ما كان في مكان مرتفع فهو يضيء ويرى كل ما يحدث دونه، واليوم سيروي لنا القنديل ما حدث في بيت الزهراء... - تفضل أيه القنديل، واروِ لنا ما حدث، ولتكن شهادتك هي الأم، وشهد شاهد من اهلها... - فقال القنديل: من توفيقي اني وجدت في هذا البيت، في بيت اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.. في بيت تستأذن الملائكة والنبي الخاتم للدخول فيه، في بيت يسكنه معصومون.... بين مصلٍ وقارئ للقران ومتهجد وفي يوم .... وفي ساعة ..... وفي عام ...... كان الكل مشغولًا بفقد خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله) والعزاء والحزن يملئ كل جوانب البيت . قال القنديل مسترسلًا، والدمه ينهمر منه: سمعتُ رجالا خارج البيت يتحدثون، ومناديًا ينادي: ليخرج لنا عليٌّ للبيعة والا احرقنا الدار ومن فيها! واذا بصوت منهم يقول -وهو كبيرهم الذي علمهم لا السحر- وانما التجاوز على مقام النبوة والامامة: احرقوا الدار ومن فيها! فقال احدهم: سيدي إن في دار فاطمة... واذا بصوت عالٍ من سيده (وإنْ)! فقلت –القنديل- : أيعقل هذا؟! أنا قنديل لا أحرق الا زيتًا وضعوه في داخلي لأنير لهم الظلمات، فكيف يحرقون نور النبوة ونور الطهارة! نورًا اخرجهم من الظلمات إلى النور؟! كم كنت أرى صنع النبي صلى الله عليه واله لهذا البيت ومن فيه؟ فتذكرت في وقتها موقف النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يطرق هذا الباب ويقول: إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرًا... ويقول: يا اهل الدار، أتأذنون لمحمد بالدخول، فتقول ابنته: تفضل يا ابتِ، البيت بيتك والحرة ابنتك، ولكني أرى اليوم قومًا بين حارق للدار وبين داخل عليها.. دفعوا الباب، وكانت سيدتي خلف الباب، واذا بها تصرخ لخادمتها فضة: أسنديني، واليك ضميني، فقد أسقطوا جنيني، وقد سمعت شيئًا يُكسر، فظننت أن الباب كسرت، فالتفتُّ، واذا بالباب عامرة، فالتفتُّ يمينًا وشمالًا، لأرى ماذا كُسر، ولكن لم اعرف الا يوم غُسلت سيدتنا، ورأيت مولانا أمير المؤمنين يبكي، وسمعت أن يديه مرت على إضلاع مكسورة...

اخرى
منذ 5 سنوات
625

عندما يموت الآباء في عيون الأبناء

بقلم: هناء الخفاجي جمعني بها القدر، فلم يكن في حساباتي أن أتعرف على كائن من ألم، خليط من ضياع، نهارها يساوي ليلها في وحشته، على ضعف بصرها فهي لا تبصر سوى جدران متصدعة، كقلبها المتهرئ على حداثة ولادته، تحيط بها قناني الأدوية في ردهة الرقود، بعد أن ألمّت بها الأمراض على صغر سنها، كانت في نفس الردهة التي ترقد فيها والدتي بعد أن أُجريت لها عملية جراحية. يسمونها (حورية)! لكنها حورية جرداء من هذا الزمن الذي علقوا فيه أعناق القيم على أحبال المشانق. جلستُ بجانبها، نظرتْ إليّ، وبصوت خافت ونصف ابتسامة بريئة قالت: أتعلمين إني أعيش على (المغذي) السوائل الوريدية منذ مدة ليست بالقصيرة؟! سألتها عن السبب... أجابت: ودموعها تسابق كلماتها: بعد أن فتح لنا الحرمان أبوابه على مصراعيها، معاناة في كل شيء، فقر وجوع ومرض، أُصبتُ بانسداد الأمعاء وضعف بصري، ولم أعد أرى سوى أشباح وخطوط متعرجة كحياتي، مما جعلني رهينة المشفى... وأردفت بكلمات متقطعة كأنفاسها: والدتي لا تملك شيئًا من حطام الدنيا، لا مهنة ولا شهادة ولا عملًا، وأخي الصغير ترك المدرسة وامتهن جمع القناني الفارغة من النفايات ليؤمن قوت يومنا! وعندما سألتها عن والدها، اختنقت بدموعها الممزوجة بحسرة وألم، ثم هدأت قليلًا: مات والدي وأنا في الخامسة من عمري، وترك معي أخًا وأختًا أصغر مني مكفوفة. وكيف مات؟ تنهدت عميقًا كادت تخرج بروحها مع الكلمة: قتلته أُمرأة! وأردفت: أُمرأة دمرت حياتنا! كيف؟ كان أبي موظفًا، تعرّف إلى موظفة معه، اشترطت عليه أن يطلق أمي كي يتزوجها، فطلقنا معها بالثلاثة كمهر لها. كانت أمي في أيام حملها الأخيرة، لم تحتمل وقع الخبر، فخرج الطفل ميتًا، وأصابت أمي حالة نفسية شديدة ما تزال تعاني منها بعد عشر سنين من ذلك اليوم المشؤوم، وهو أصبح من التجار والوجهاء، وزوجته وأولاده يعيشون في ترف ودلال. سألتها: إذًا والدك مازال على قيد الحياة؟! صمتت برهة قصيرة وأشاحت بوجهها عني مرددة: لقد مات في عيوننا منذ أن طرقْنا باب التسوّل، وبدأت الناس تتصدق علينا، وتركَنا للذل والحرمان دون أن يطرف له جفن أو يرق له قلب. تابعت والحسرة تملى خافقيها: حتى أن الناس في المنطقة (العشوائيات) التي نسكنها يسموننا بيت اليتامى ويتصدقون علينا ليكسبوا الأجر والثواب. مسحت دموعي وابتسمت في وجهها الملائكي الحزين محاولة أن أخفّف ألمها. قلت ممازحة: أنت جميلة كالقمر، تبسمت ضاحكة... خرجت والدتي بسلام... وبقيت حورية ترقد في بيت راحتها كما يحلو لها أن تسمي المشفى الذي تقضي فيه أغلب أيامها. على طول الطريق المؤدي إلى بيتنا وأنا أفكر فيها، مما دفعني لكتابة قصتها الموجعة للقلب. فكم من حورية مجهولة المصير ضيّعها الآباء، أو حكم عليها القدر؟! ملفات متشعبة لحوريات من هذا الزمن القبيح، فالبعض قضى الآباء على مستقبلهن بزواجهن المبكر وطلاقهن المبكر. وبعضهن وبعد انفصال الأبوين تشردْن في البيوتات بين الأعمام والأخوال وزوجات الآباء وأزواج الأمهات. وأخريات من دون مأوى تجمعهن الطرقات وأرصفة الشوارع فيكُنَّ عرضة للمتعرضين من الذئاب البشرية المتوحشة. وبعضهن الآخر حكم عليهن القدر بوفاة الآباء وفقدان المعيل ليلاقين المصير نفسه. إذا ما الفرق بين من غيبه الموت ومن مات ضميره وقلبه وهو على قيد الحياة!

اخرى
منذ 5 سنوات
1424

آهاتٌ ما زالت تتنهد

بقلم: حنان الزيرجاوي دخل بهدوءٍ، بخطواتٍ واثقةٍ، وقلبٍ يكاد لا يستقرُّ بين تلك الأضلاع المرتجفة، بل كان يضع يده أو كلتا يديه على صدره وهو يخاطب تلك العضلة المرتجفة: مهلًا مهلًا أيّها القلبُ أرجوكَ أتوسّلُ إليكَ لا تسبقني ؛ لكي تحظى بشرف اللقاء، رويدكَ أيّها المتلهفُ شوقًا، ألم نتعاهد أن لا نخون بعضنا؟ هل الشوقُ دفعكَ إلى نقض العهود؟ فسمعت قهقهتهُ وهو يقول: وهل للقيا مَنْ تُحبُّ مِن عهود؟ فأمسكتُهُ بقوةٍ ؛كي لا يفرَّ مني . نعم، هذه أول مرة أتشرف بدخولِ مسجدٍ كان أشرف الخلق يجلس فيه هنا وهناك، وكأنّي أسمع شجيّ صوته وهو ينادي على الأمة يعظها، يرشدها، ينذرها، يبلغها، وأنا في طريقي إلى منبره الشريف لفت انتباهي شيء كأنّه غريبٌ على هذا المكان، شيء لا يوضعُ إلا في أماكن الخوف والتخويف. نعم، دققتُ النظرَ ظنًّا مني أنّه يُخيّلُ إليَّ هذا. ولكنْ عادت إليَّ عيني لتخبرني بحقيقة ما رأيت. فخاطبتني: أيّها المسكين إنّه سوطٌ... إنّه سوطٌ... عجبًا لهذا السوط أن تكونَ له تلك المكانة وذلك الاحترام فيوضع بهذا المكان ويُحجبُ بقداسة عن الملامسين ، فجذبني فضولي لأجلس قبالتهُ منبهرًا متعجبًا، وأفتحُ عينيّ تارةً وأغمضهما أخرى وأقترب منه. بسم الله... بسم الله، فزعت وأنا أردد اسم الله، وكدّتُ أُجَنُّ بعدما سمعت تنهيدةً خرجت من خلف ذلك الزجاج. وإذا بصوتِ ذلك السوطِ يناديني: لا تخف رويدك. فتحتُ عينيّ باستغراب ، نعم ، كادت عينيّ أن تخرجا من حدقيتهما . نعم، نعم، أنا أكلمك، يأتيني الصوت ثانيًا من وراء تلك الحجب الزجاجية. ألتفتُّ يمينًا شمالًا أرى الناس منشغلة ولا أظن أحدًا سمع هذا الصوت. ما بك؟! كأنك جُننت؟! ها أنا أكلمك. نعم، أنا أعلم ما تريد قوله: لِمَ أنا هنا؟ ولماذا وُضعتُ خلف الزجاج؟ ومَنْ أكون؟ وماذا عملت؟ التقِط نَفَسًا وسأُخبرُكَ، وسأُشبِعُ فضولكَ، ولكن بشرط أن تستمعَ إليّ وأنت صامت. فأجبته بحركةٍ من رأسي بالموافقة؛ لعجز لساني عن الإجابة. باختصار وبإيجاز ولا تسألني المزيد فإنّ ذلك يجعلني لا أعرف للنوم طعمًا. فأجبته بالموافقة بهزّة رأسٍ خفيفة. أنا ذلك السوطُ الذي كان بيد ذلك العبد اللعين. كان يلوّحُ بي ويضربُ كلَّ مَنْ يُخالف لسيدِهِ أمرًا. وكنتُ فَرِحًا وأنا أُلامِسُ الأجساد الناعمة الرقيقة أتنقل بين جسدٍ أبيض وآخر أسمر، ثم جسد شديد السواد، وافتخر على أصحابي بأنّي أكثر منهم ملامسة للأجساد. إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم لمّا مَسَكَني صاحبي ورأيته يسير خلف أسياده، فجاؤوا إلى دارٍ كنت أخشى أن أمرَّ بالقرب منها؛ لأنّها عدوة السياط وليس لي صديق فيها. بل كنت أعشق أهلها؛ لأنهم لايُتعِبونَ أصدقائي. نعم، اقتحموا تلك الدار، وأخرجوا منها رجلًا يخشاه الجميع، وسرنا وخرجت خلفنا امرأة في خمارها، وكان صوتُها ينزل من السماء بل هو صوت السماء. هنا التفت سيد العبد الذي يحملني وأمره بالرجوع إليها وضربها. وإنا لا أكاد أصدق ما أسمعه، عاد اللعين وهو يهزّ بي هزًّا عنيفًا، وشعرت حينها أنّي أطيرُ في الهواء، وهوى بي نحو ذلك الجسد أمسكتُ نفسي، تعلّقتُ بكلِّ شيء يُلامسني، توسّلتُ بالهواء أن يمسكني، ولكنّي فشلت. خاطبتُ نفسي: مهلًا… مهلًا… لا تقسي على جسدٍ أحبَّ السجود والتذلّل والخشوع والخضوع لله، ولكنّ قوة ذلك العبد أجبرتني على أن اهبط بقوةٍ عجيبة، أحسستُ معها أنَّ ذلك الجسد قد تمزّق... كفى… كفى، أرجوكَ لا أستطيع أن أُكمل. كفى... فما زلتُ أتألّمُ منذ ذلك اليوم... كفى، ما الذي جاء بك نحوي؟ كفى ، فالكثير الكثير يراني ولم يكترث بي. وانقطع الصوت... نعم، انقطعَ الصوتُ، وانقطع معه قلب لا يكاد يصدّقُ ما جرى. آه... آه... آه…

اخرى
منذ 5 سنوات
2001

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70380

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51489

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41491

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36080

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32901

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32263