أنا دائمةُ الشجارِ مع زوجي

بقلم: أم قنوت سألتني سيدةٌ: أنا دائمة الشجار مع زوجي، فهل يعد هذا الأمر طبيعياً؟ فأجبتها: نعم، ولا! الخلاف أمرٌ طبيعي؛ فكلنا يعارضُ شريكَ حياته بين الحين والآخر، فعندما يعبّرُ كلا الشريكين عن أفكارهما ومشاعرهما الحقيقية ستطفو على السطح بعض الخلافات، إذن لنواجه الأمر ونقول: لا يهم كم من الحب والانسجام الذي تحمله لشخصٍ ما، فبالنهاية أنتما شخصان مختلفان يحملُ كلٌّ منكما أفكاره وآراءه الخاصة به؛ وفي الحقيقة هذا كان جزءًا أحببتماه في بداية علاقتكما، لذلك؛ نعم الخلاف والخصام الذي يحدث بين الحين والآخر هو أمرٌ طبيعي. ولكن لسوء الحظ قد تكثر خلافات بعض الأزواج بصورة تفوق خلافات الأزواج الآخرين، ولا يُفترض أن يصبح الأمرُ سيئاً عندما يتحول الخلاف إلى جدل، وإنما تكون المشكلة الحقيقية هي عندما يتحول الخلاف الى شجار، فأنت تقولين: أنا دائمة الشجار مع زوجي، وهذه مشكلة كبيرة؛ فمن الممكن أن يكون الشجار الدائم علامة على وجود مشاكل أكبر في العلاقة نفسها. لقد حضرت هذه السيدة مع زوجها لغرض الاستشارة الزوجية، رأيتهما يتشاجران على كل صغيرة وكبيرة في حياتهما عدا موضوع العمل، أما أي مجال آخر كتربية الأطفال، أو إدارة البيت والمال، أو الاحترام ... فقد كان شعلةً لبداية الجدال واستمراره حتى الموت فقط لإثبات من منهم المحق ومن المخطئ، لذا كان من المنطقي معرفة أن المشكلة التي بين يدي هي ليست إلّا مشكلة لإثبات عنوان "هذا على حق" ضد "هذا على باطل"، ولا عجب أبدًا بأن الزوجين تعيسان في هذا الزواج، فكلاهما -وبحسب كلماتهما- يحملان الكره الشديد لبعضهما البعض. يحطم الشجار الدائم بين الزوجين العلاقة الزوجية، لذا يعد من الضروري تعلّم كيفية إنهاء الشجار وإيقافه في مرحلة الخلاف، أو على الأكثر عند مرحلة الجدل؛ فهذا الأمر جوهري لاستمرار العلاقة الصحية، ويعد الغضب هو الشعور الأصلي ما وراء الجدل الذي يتحول إلى شجار، وهذه مشكلة بحد ذاتها؛ لأن الغضب سيكون هو المتحكم بالتفكير المنطقي وبطريقة المعاملة تجاه الآخر مما يؤدي إلى النطق بكلمات والقيام بأفعال شديدة الضرر على الطرف المقابل، فسيطرة الغضب على التفكير سيبعد الطرفين عن إيجاد حلٍّ للمشكلة، بل سيفتش الطرفان حينها عن أية طريقة يؤذي أحدهما بها الآخر، وتكرار الأمر بهذه الصورة سيحطم العلاقة الزوجية. ذكرتُ في منشورٍ سابقٍ: أن المفتاح لأي علاقة جيدة ليس هو في أن يتجنب الطرفان الخلاف، بل معرفة كيف يتعاملان معه؛ فالعلاقات الزوجية الصحية الناجحة لا تتجنب الصراع والخلاف والخصام المصاحب لهما، وإنما فيها يعلّم الشريكان أنفسهما كيفية التعامل مع الطرف الآخر ويبذلان الجهد بأن لا يتحول هذا الصراع إلى حرب منتجة لإساءاتٍ لفظية، كما يجب أن يعي الزوجان بأنه في حال حدوث ذلك يجب عليهما بذل الجهد لتقليل حدة الصراع، كأن يغادر أحدهما المكان، أو يلتمس بعض الوقت للتهدئة، كما توجد طرق أخرى لترويض الغضب، ويعرف كلا الطرفين في العلاقة الناجحة آلية التهدئة المناسبة لشريك حياته ويحترمان الحاجة لاستخدام هذه الآلية في علاقتهما. نوهّتُ في نفس المنشور المذكور بأنك ستفوز عندما تكون ناضجًا بالشكل الكافي لتختار العلاقة نفسها على أن تختار كونك على حق، ولكن يتخوف بعض الأزواج في حال التزامه بهذه الطريقة أن يظهر على باطل على الدوام، وستطفو معاناة السيطرة أو السلطة على السطح حيث إن كلًا من الزوجين يوّد إثبات كونه الطرف المتحكم. كان هذا التخوّف عقبةً في طريق الزوج المذكور في هذا المقال، حيث توّهم بأنه سيفقد سلطته إذا ما تبع الأسلوب المذكور، وهذا التخوف خاطئ، وسأذكر السر الذي لا يعلمه هذا الزوج: عندما تختار العلاقة نفسها على أن تظهر دائمًا على حق ستجد أن الخلافات ستصبح أقل وكنتيجة لذلك هناك احتمال أن يتبع شريك حياتك نفس الأسلوب ومن ثم ستصلان حال التعادل: فوز لفوز. يحدث الشجار بين الزوجين لأسباب أخرى غير المذكورة في هذا المقال، ولكن العلل النفسية المسببة لهذا الشجار ليست بأهمية معرفة كم يدمر شجاركما العلاقة الزوجية، وسيشعر الجميع بسعادة ورضى، وسيكون أنجح في مجالات أخرى إذا ما تمسك بالحقيقة التي تفرض أن الأشخاص غير الناضجين يختارون الاستبداد بآرائهم حتى لو كلفهم ذلك العلاقة نفسها، بينما يختار الناضجون أن يظهروا مخطئين في سبيل الحفاظ عليها. ماذا ستختار؟ هل ستختار أن تكون ذلك الشخص الناضج في شجارك القادم أو العكس؟ ستختار الفشل أو الفوز؟ جرّب طريق النضج وستفاجئك النتائج الإيجابية والتغييرات التي ستحدث في حياتك وفي علاقتك الزوجية. أصل المقال: https://www.guystuffcounseling.com/counseling-men-blog/bid/91711/i-m-fighting-with-my-husband-constantly _________________________ تقتضي الأمانة العلمية ذكر الآتي: ١- تم حذف أسماء أصحاب الاستشارة المذكورين في هذا المقال. ٢- الترجمة ليست حرفية وتم حذف كل مالا يتناسب مع الثقافة الشرقية وتعاليم الإسلام، وهو عبارة عن فقرة قصيرة وكلمة واحدة. ‏ Dr. kurt Smith, LMFT, LPCC, AFC

اخرى
منذ 4 سنوات
4642

العنف الأُسري وتأثيره على الزوجة والأبناء

بقلم: قاسم المشرفاوي من أكثر الظواهر التي تقصم ظهر المجتمعات، والتي تتسبب بتفكك الأسرة وتمزيق كيانها والقضاء على رونقها هو العنف الجسدي واللفظي الذي يمارسه أغلب الرجال ضد زوجاتهم وأبنائهم، ولو بحثنا عن الأسباب التي تدفع بالرجل إلى ممارسة دور المتسلط ضد أسرته لوجدنا من أهمها : أن البيئة التي عاشها الرجل وطريقة الأسلوب الذي تم التعامل معه في أيام طفولته وشبابه أدى إلى تكوين شخصيته وبلورتها بشكل عدواني، إذ العنف ظاهرة امتدادية تنتقل عبر الأجيال، فالأب الذي تعرض للتعنيف بكافة أشكاله في أيام طفولته، يمكن أن يمارس نفس الطريقة التي تلقاها ضد زوجته وأطفاله بشكل غير واعي، فالعقل الباطن يحتفظ بجميع الصور القديمة التي تشكلت نتيجة السلوك والآن يتم ترجمتها على شكل سلوك وأفعال مع الآخرين، فإذا تلقى الإنسان تعاملًا جيدًا من قبل أبويه والمحيطين به، فإنه سيعكس هذا التعامل وهذا الأسلوب مع أسرته ومع الناس، وأيضًا قد يعكس الصورة السيئة اللا واعية أيضًا ضد أسرته وأولاده، فهو يقوم بعملية تفريغ ما يكبته من مشاعر وأحاسيس، أما سلبية وأما إيجابية. وللعنف تأثيرات سلبية عديدة على الأسرة والأولاد منها: ١- ضرب الزوجة يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع مما يسبب في فقدان عامل الأمان النفسي للأبناء الذين سيعيشون في حالة من الانقسام والفوضى بين الأم والأب مما يسبب في تحطيم معنوياتهم وذهاب سعادتهم والتسبب في معاناتهم وزيادة آلامهم. ٢- ولو وصبرت الزوجة على ذلك من أجل الحفاظ على أسرتها وأولادها، فإن العلاقة الزوجية ستكون خاوية وخالية من معاني الحب والوئام والألفة التي تعتبر الركائز الأساسية في استقرار الأسرة. ٣- أمّا فيما يخص نظرة الأبناء اتجاه والدهم، فإنهم سيعتبرونه مصدر ازعاج وقلق يهدد سعادتهم ومستقبلهم، أو أنهم سيتأثرون بشخصية والدهم، أو يميلون إلى أمهم باعتبارها الطرف الضعيف في المعادلة. ٤- ممكن أن تمارس الأم العنف الذي يقع عليها ضد أولادها بشكل لا واعي، فهم الحلقة الأضعف بالموضوع وبالتالي هم ضحية أسلوب العنف، فشعور الزوجة بالقهر والظلم يجعلها متوترة وتعيش تحت الضغط النفسي، مما تفقد أعصابها في كثير من الأحيان بشكل لا أرادي. ٥- مظاهر العنف الموجودة في البيت ممكن أن يمارسها الأبناء ضد بعضهم البعض استنادًا إلى الاختلاف في القوة البدنية، فمظاهر العدوانية تنتشر وتتمدد ، فالكل يتأثر بالعنف من خلال البيئة التي يعيشها والتي تكثر فيها أساليب العنف. ٦- ضرب الزوجة يحطم شخصيتها ويحطم شعورها المعنوي كأم وكمربية مما يجعلها تفشل في تربية أولادها بسبب فقدان مكانتها وتقديرها عند أولادها. ومن أساليب العنف الأخرى المنتشرة في أغلب البيوت هو الصراخ، ومن آثاره السلبية: 1- أنه يبعث بالقلق والخوف في نفوس الأطفال، مما يربك عملية النمو النفسي والعاطفي والجسدي، فهو يدفع بالجسم إلى زيادة إفراز هرمون الضغط النفسي الذي يسبب الشدّ العصبي وأمراض بدنية كارتفاع ضغط الدم والسكري حسب الدراسات الطبية الحديثة. 2- يقلل من إفراز الجسم لهرمون السعادة (الدوبامين) حسب الدراسات النفسية التي أكدت ذلك. 3- ظهور مشاكل عديدة لدى الأطفال كالتبول اللا إرادي، وقضم الأظافر، ومص الأصابع، وهذه المظاهر تدل على عدم الشعور بالأمان والاطمئنان. 4- تقمص الأطفال لسلوك الصراخ يصبح عادة من عاداتهم السيئة في أيام طفولتهم، ومظهرًا من مظاهر التعامل الاجتماعي لهم. ومن مظاهر العنف الأخرى هو السخرية والاستهزاء والانتقاص من الزوجة، ومن سلبيات ذلك: 1- انعدام رغبة الزوجة في تقديم الخدمات لأسرتها، فهي تشعر بعدم التقدير والاحترام من زوجها. 2- التقليد الدائم على شكل الزوجة، أو طبخها، يتسبب بتجريح مشاعرها وعدم تقدير أتعابها، والواجب على الزوج الابتعاد عن هذه الأساليب غير الأخلاقية، لترسيخ مبدأ الحب في نفسية الزوجة، فالزوجة تحتاج إلى كلمة حانية تشعرها بقيمتها وأهميتها. 3- يقع الزوج في خطأ فظيع وهو يظن أن السخرية من زوجته يدفعها إلى الاهتمام بشكلها أو طبخها، فيستخدم مع السخرية طريقة المقارنة من أجل تحفيزها ودفعها إلى فعل الأفضل والأجمل، فيقول لها: فلانة أجمل منك، أو فلانة تطبخ أفضل منك، وهذا الأسلوب يدل على الجهل وعدم المعرفة بطبيعة المرأة. ولو تطرقنا إلى الحلول الممكنة، لوجدنا أن أغلبها تعتمد على استعداد الطرفين للوصول إلى حلحلة المشكلة والوقوع على أسبابها، فممكن أن تستخدم الزوجة أسلوب اللين مع الزوج من أجل تغيير قناعاته بأسلوب غير مباشر، فأغلب الرجال لا يتقبلون النقد المباشر، لذلك يجب على الزوجة استخدام أسلوب مؤثر في تغيير طبيعة تفكير الرجل من أجل ترك سلوكياته الخاطئة. ويمكن عقد جلسات -إن تعقدت الأمور- بمشاركة أطراف من أهلها وأهله ممن لديه خبرة وحكمة في التعامل مع هكذا مشاكل. ولا ننس الدعاء في صلواتنا من أجل تغيير الطرف المقابل، فالدعاء من الأساليب المؤثرة بإذن الله تعالى. والله الموفق والمستعان…

اخرى
منذ 4 سنوات
4556

غضبٌ وانتقامٌ

بقلم: أم قنوت رأيتهما رافعين الأكفّ يتضرعان إلى الله سبحانه وتعالى في ليلة الجمعة ويدعوان: "فَكَيْفَ احْتِمالي لِبَلاءِ الاْخِرَةِ وَجَليلِ وُقُوعِ الْمَكارِهِ فيها وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدتُهُ وَيَدُومُ مَقامُهُ وَلا يُخَففُ عَنْ اَهْلِهِ لاَِنَّهُ لا يَكُونُ إلاّ عَنْ غَضَبِكَ وَاْنتِقامِكَ وَسَخَطِكَ.." ، فتعجبتُ كلَّ العجب فهما يطلبان من الله عز وجل ما لا يفعله أحدهما للآخر! لا بل لا يفعله أحدهما لنفسه من الأساس!! لطالما تساءلت: لماذا يتشاجر ويصبُّ والداي غضبهما على بعضهما وينتقمان من شخصهما ومن بعضهما البعض ومنّا نحن بلا رحمة؟! يعتصرُ قلبي الألمُ وينعقدُ لساني في كلِّ مرة أشهدُ فيها شجارهما، فأجواء بيتِنا مشحونةٌ على الدوام بسبب صراعهما البائس لإثبات مَن منهم الذي هو على حق ومَن هو الذي على باطل، وقد مرَّتْ سنواتُ عمري مُحَمَّلةً بالهمومِ، يجول في ذهني أكثر من ألف سؤال يبحثُ عن إجابة، لكنني تجنبّتُ اللجوءَ إليهما خوفاً من إشعال فتيل حرب جديدة، وهرباً من الهجومِ... لذا انطلقت أبحث عن سبب صراعهما الدائم بعيدًا؛ فتيقنت أن كلامَ ربي عن الزواج مليءٌ بالرحمة والمودة، وفتشتُ في كتب سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (سلام الله عليهم)، فما وجدتُ أقل من المودة والرحمة، لا، بل أدهشني إمامي السجاد زين العباد (عليه السلام) بما ذكره في رسالة الحقوق، فما أجمل ما قال: "وأما حق رعيتك بملك النكاح فأن تعلم أن الله جعلها سكنًا ومستراحًا وأنسًا وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها.." وبينما أنا أقرأ كلام إمامي (عليه السلام) توجهت لربي قائلًا: رباه!! دلّني أين أبحث لأجد الحل، فما زلت غضًا لا خبرة لي، لا أرى في بيوت أصدقائي ما أراه في بيتِنا، وقد سئمتُ سماعَ صوت الغضب والانتقام هنا، الهي ارحم ضعفي وقلة حيلتي ونجنّي وأخوتي من هذا البلاء فقد طالت مدته ودام مقامه ولم يُخفف عن أهله (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (سورة غافر/٤٤) رسالةٌ إلى والدي المذكور في هذه السطور: رفقاً بهذا الرزق الصالح.

اخرى
منذ 4 سنوات
1296

سيدة الإيمان

بقلم: هناء الخفاجي محدثتي فرحة بسن تكليفها في مولد السيدة الزهراء، بعفوية سألتني. قالت: من هي فاطمة؟ قلت: حورية أنسية من أعالي الفردوس أطلت بنورها فأشرقت بطلّتها الأكوان. هي ليلة القدر، سطعت بفجرها فكانت سلامًا. حروف اسمها صاغها الفاطر من حروفه.. فمنح فضة الفردوس من فائها وفي الإلف اهتداء الأنام، وطه من الطاء اشتقاقه، والميم مشكاة نور الملكوت طاف حولها الذر. أين مولدها؟ بظلال العرش أينعت ثمرة الوجود، مقامها الجنان، رحيقها الكوثر وروح وريحان. من خدمها؟ حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، وولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، تغبطهم ملائكة السماء على شرف المخدوم. صفاتها؟ زهرة الكون لا شبيهة لها، كل صفات الحسن فيها وتأبى صفاتها الإحصاء، خلق النبي والوصي إكرامًا لها، ولولاها ما دارت الأفلاك. عبادتها؟ سيدة الإيمان، إنها وطن النبوة ومهبط الوحي ومعدن التنزيل، وسر الإمامة ومحور التوحيد، كافأها ربها بجعل رضاه من رضاها. كيف جاءت إلى الدنيا؟ أهداها الحبيب لحبيبه المصطفى (صلى الله عليه واله) النجمة الدرية هدية الرحمن، أزهرت من نور وجهها الدنيا، واستمدت من نورها الأقمار، أيام معدودات مجيئها كشهر رمضان، لحكمة أراد الله فيها إزالة الأوثان. حياتها؟ كزنبقة بيضاء بمحراب الزهد والتبتل أكتمل صباها، بحسن التبعل جاهدت وهي خير أم لأبيها، يكفيها من الدنيا قرص بر تطوي عليه لتطعم على حبه "مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً" قبل أن ينهي المسمار حياتها في يومٍ "كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرً" هل ماتت؟! بل نحن من نحيا باسمها وهي مخلدة، مُلْهمتُنا بين الخافقين تنبض مادامت الأرواح فينا، أرجعها الله إلى موطنها فعرج بروحها نحو السماء، وتلقتها الملائكة مستبشرة "ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً" وجزى الله تعالى صبرها "جَنَّةً وَحَرِيرًا" و "نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا". آآآه... أي سر أنت ياروح الحياة، فطم الخلق عن معرفتك، وفيك انطوى العالم الأكبر، أيا بضع النبي أضاءت أفق الكون فضائلك، تائهة عقول من لم يرها عن الصواب.

اخرى
منذ 5 سنوات
731

السيدة فاطمة (عليها السلام) قدوة العارفين بإمام كل زمان

بقلم: فاطمة الركابي إن الصديقة الزهراء (عليها السلام) لها من مقام علمي عالي تام، لكونها من أهل بيت العصمة الراسخين في العلم، وهذا ما ليس لأحد منا أن يبلغه لأنه مقام إلهي يُعطى للمصطفين من خواص خلقه، لذا نحن لن نتكلم عن الاقتداء وفق هذا المستوى لأنه خاص -كما قلنا-. فعن الإمام الصادق (عليه السلان): "إن الله تعالى أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء... إلى أن قال: والعلم لفاطمة زوجة المرتضى"(١)، ولكن نحن نتكلم عن جانب العلم الاكتسابي الذي يُمكن أن يُحصله كل فرد منا ليكون عارفاً بإمام زمانه وبمقدار ما ينشرح صدره له، ويستضئ بنور العلم الإلهي ليهتدي بهداه، ويثبت بذلك على صراط الله. فالعلم بالإمام هو على مراتب: فهناك مرتبة العلم العامة تلك المرتبة التي يحملها عوام الناس، كمعرفة الاسم والنسب وغيرها من الأمور العامة، وهذه المرتبة في الغالب لا يترتب عليها أثر بحيث تجعل حامليها من العارفين، ولكنها تكون مقدمة للارتباط به ومعرفته. وهناك مرتبة كمعرفة شيء من مقامات الإمام الإلهية، وتتبع سيرته ومنهجه الإلهي والعمل وفقها، وهذه مرتبة أعلى من تلك لما لها من أثر طيب بمقدار ما. وهناك مرتبة علم أعلى وهي للخواص ويترتب على أثرها درجة معرفة عليا تجعل الإنسان يعيش حالة الفناء والحب التام لإمامه، وهي المرتبة التي وصلت إلى أعلى مراتبها الصديقة الزهراء (عليها السلام)؛ ذلك العلم الموجب لحالة التسليم والطاعة التامة والانقياد، والعمل بمنهجه، ونصرته والدعوة إليه وتعريف الآخرين به. يمكن أن نتوصل لشيء حول حقيقة المعرفة بالإمام لما نقرأ ما نُقل عن إمامنا الصادق (عليه الصلاة والسلام) لما سئل (وجواب السؤال هنا يشمل معرفة جميع الأئمة، وإن كان وارداً في زيارة إمامنا الثامن الضامن فقط) حيث قال: "... من زاره عارفاً بحقه...، قِيل له ما عرفان حقه؟ قال: العلم بأنه إمام مفترض الطاعة غريب شهيد..."(٢) ويعلق أحد الفضلاء حول هذه الفقرة بهذه الالتفاته بقوله: "إن الإمام يُشير إلى مطلبين يجب أن يتحققا بالموالي وهما الانقياد على المستوى الجوارحي (الفعلي) بالعمل بمنهج الإمام الذي عبر عنه بوجوب الطاعة، وعلى المستوى الجوانحي (القلبي) أي حالة الارتباط المشاعري الوجداني بذلك الإمام من خلال استشعار مظلوميته وغربته، فهذان من أهم المقومات الموجبة للاتصال بالإمام وبتالي معرفته". تحقق المطلبين في الصديقة الزهراء (عليها السلام) من خلال بعض ما جاء في سيرتها: أولاً: تحقق الطاعة والتسليم: إن العلم المؤدي للمعرفة ثمرته الطاعة -كما ذكرنا- إي أن يكون الإنسان مستعدًا لقبول الأوامر الإلهية من دون قيد أو شرط، بل هو في حالة انتظار أي استعداد وتأهب لتلقيها ليعمل بها ووفقها، وهي تتجسد بطاعة الله ورسوله وولي أمره لا نفسه أو هواه! فعن ابن شهر أشوب في المناقب: دخل الحسن بن صالح بن حي على الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول الله ما تقول في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، قال: العلماء. فلما خرجوا قال الحسن: ما صنعنا شيئاً، ألَا سألناه : من هؤلاء العلماء؟ فرجعوا إليه فسألوه فقال: الأئمة منا أهل البيت(٣). وهذا ما تجسد في الصديقة الزهراء (عليها السلام)، فمعرفتها بمقام الإمام علي (عليه السلام) كإمام منصب من قِبل الله تعالى تجلى في طاعتها التامة، حيث قال رسول الله (صل الله عليه وآله): "إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى مشاشها، ففرغت لطاعة الله"(٤). علمًا أننا عندما نذكر هذه الصفات للعارفين بالإمام، ونقيسها بالزهراء (عليها السلام) نحفظ المقام العالي لسيدتنا البضعة الطاهرة، وإنما هو قياس لنتعرف نحن على بعض هذه المراتب لا لنسلط الضوء على حقيقة ما كان عندها (صلوات الله عليها). ويمكن أن نقول: إن الطاعة نوعان: طاعة فرض، وطاعة حب وولاء؛ فطاعة الحب تجسد الطاعة الحقيقية، وهي أعلى مرتبة من طاعة الفرض (أي عن خوف من عقاب أو عن رغبة في ثواب) والله تعالى يريد منا أن ننمي في داخلنا الطاعة المثلى وهي طاعة الحبيب لمن يحب، وهذه المرتبة العالية قد جسدتها الصديقة؛ فان طاعتها لإمامها هي كانت امتدادًا لطاعتها لربها كما في قولها (عليها السلام): "رضيت بالله ربا وبك يا أبتي نبيا وبابن عمي بعلا ووليا"(٥) وكما في قول إمامنا علي (عليه السلام) فيها (سلام الله عليها): "أنتِ أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله، من أن أوبخك بمخالفة...." (٦). وكما صرح في مورد أخر حيث إن الإمام (عليه السلام) يظهر مدى رضاه عن الزهراء (عليها السلام) ومدى طاعتها له، بقوله :"... ولا عصيت لي أمراً، ..."(٧) الثاني: استشعار غربة الإمام ومظلوميته، وهذا الجانب من المعرفة لدى الزهراء (عليها السلام) كان متحققًا أيضاً فهي كانت مستشعرة لعظيم غربة الإمام (عليه السلام) كما ورد في رواية عن أخر يوم في حياتها، حيث قالت فاطمة (عليها السلام) في جواب أم سلمة (رضي الله عنها) حين قالت لها: "كيف أصبحت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقالت: "أصبحت في كمد وكرب: فقد النبي وظلم الوصي"(٨). فالزهراء (عليها السلام) قدمت التفكير بألآم إمامها وغربته على آلامها ومصابه، وفي رواية عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) أنه قال: "لما حضرت فاطمة الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين(عليه السلام) يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت: ابكي لما تلقى من بعدي،..."(٩). بل ولطالما كانت مصدر بهجته، والمؤنسة له، المدخلة للسرور على قلبه، وبلسماً لجراحاته، كما أن الإمام علي (عليه السلام)، صرح بذلك في ما روي عنه أنه قال :"ولقد كنت انظر لها فتنكشف عني الهموم والإحزان"(٧). ونحن نعيش في وقت يعيش فيه إمامنا غربتين كما يُعلق صاحب كتاب مكيال المكارم في معنى الغربة التي يعيشها إمام زماننا "أن للغربة معنيين: أحدهما البعد عن الأهل والأوطان والديار، والثاني قلة الأعوان والأنصار وهو روحي له الفدى غريب بكلى المعنيين..." (١٠). لذا فواجبنا تجاه هذه الأسوة العظيمة (صلوات الله عليها)، وتجاه إمام زماننا (عجل الله تعالى فرجه) هو أن نسعى لبلوغ درجة من العلم توصلنا لمعرفة مقامه. تلك المعرفة التي يترتب عليها أثر وهو الطاعة واستشعار غربته وآلامه بل والسعي لنكون سبباً لإدخال السرور على قلبه (عجل الله تعالى فرجه). بلى! فكما إن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) كانوا يطرقون باب دار مولاتنا الطاهرة لأنها مسكن راحة وانس. كذلك من الوفاء إن يسعى كل منتظر منا أن يجعل من قلبه دار راحة لإمامه في غيبتهِ، وموطن سعادة له في غربتهِ؛ لا دار ألم وزيادة في جراحاته، وبالتالي يكون سبباً لتأخر فرجه. -------- (١) المناقب لابن شهرا شوب ج٣، ص٣٢١. (٢) ضياء الصالحين، ص٢٢١. (٣) في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين - محمد بيومي ص 39. (٤) الفضائل الخمسة من الصحاح الستة : ٣ / ١٨١، دلائل الإمامة للطبري: ١٣٩:٤٧. (٥) إحقاق الحق لسيد نور الله الحسيني المرعشي التستري: ج٥، ص١١٧. (٦) الخصال لشيخ الصدوق: ص٥٨٨، ح١٢ (٧) كشف الغمة للاريلي: ج١، ص٣٦٣، وبحار الأنوار: ج٤٣، ص١٣٤. (٨) بحار الأنوار للمجلسي ج٣٤، ص١٥٦- ١٥٧. (٩) بحار الأنوار للمجلسي ج٤٣، ص٢١٨، ح٤٩. (١٠)مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم للحاج ميرزا محمد تقي الموسوي ج١، ص١٤٩.

اخرى
منذ 5 سنوات
2799

أتحبين صاحب الزمان؟

بقلم: أمل راضي الحريشاوي سألتها.. أتحبين صاحب الزمان؟ قالت: كثيرًا والله. سألتها: الإمام يحب حجاب وستر إمه فاطمة وعمته زينب؟ قالت: نعم. سألتها: ولمَ لا تفعلين الشيء الذي يحبه إمامك؟ قالت: إن حب بالقلب، بالباطن لا بالظاهر. قلت: كم يؤلمني عندما أسمع أن الحب لا بالظاهر. قالت: ولِمَ؟ فأعطيتها مثالًا وقلت لها: لو أن إحدى صديقاتك اخبرتك أنها رأت زوجك في إحدى المطاعم مع فتاة، ويبدو أنهما يحبان بعض، ستذهبين الآن وبكل عجلة لتتأكدي أليس كذلك؟ وستفورين غضبًا عندما ترين بعينيك كيف يلاطفها، ويضحك معها، ولن تستطيعي أن تتمالكي نفسك وستذهبين له وتقولين له: يا عديم الرجولة أتخونني؟! فسيقف أمامك ويقول لك: عزيزتي، أنا أحبك أنتِ فقط! ما سيكون جوابكِ غير الاستهزاء وتسألينه: تحبني وترافقها وتتودد إليها وتأتي للعشاء معها! فسيجيبك: حبيبتي الظاهر ليس مهمٌ المهم هو القلب وحبكِ في قلبي... رأيت حالتها تغيرت! فقلت لها: هل ستصدقينه أو ستصدقين عينيكِ؟ فقالت والدموع تتلألأ في عينيها وأنزلت رأسها خجلًا: يستحيل أن أصدقه، فقامت مسرعة قلت لها: إلى أين؟ قالت: أريد أن أُرضي إمامي لأني أحبه.

اخرى
منذ 4 سنوات
754

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ...

بقلم: خادمة الزهراء (عليها السلام) يجلس الرسول (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه بعد سماعه لتفاهات القوم المنافقين بأنه أبتر... والسبب موت ولديه عبدالله والقاسم... يزداد حزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفقد ولديه واستهزاء القوم... في هذه الأثناء يهبط الأمين جبرائيل فيخبره بالأمر الإلهي بالاعتكاف للعبادة أربعين ليلة والبعد عن زوجته وحبيبته خديجة... يشق على الرسول (صلى الله عليه وآله) الأمر فيمتثل لأمر حبيبه وأنيسه الأول وهو خالقه الباري (جل وعلا)... تحزن خديجة لفراق النبي (صلى الله عليه وآله) ... يقضي الرسول (صلى الله عليه وآله) أربعين ليلة قائماً ليله صائماً نهاره مستأنساً بذكر ربه ومناجاته... وفي الليلة الأربعين يسرى بالرسول (صلى الله عليه وآله) فيهنأ الأمين جبرائيل (عليه السلام) ويبشره أن حبيبه الذي ناجاه أتحفه بتحفة فيقطف جبرائيل ثمرة من الجنة فيقدمها للنبي (صلى الله عليه وآله) ويخبره أن هذه هدية ربك إليك... يشمها الرسول (صلى الله عليه وآله) ويقبلها ويضمها إلى صدره... يأمره جبرائيل بأكلها، فيأكلها (صلى الله عليه وآله) فتتحول إلى ماء في صلبه ينهي مدة الفراق والبعد عن خديجة بعد أربعين ليلة... يعود النبي (صلى الله عليه وآله) إلى خديجة التي كانت بانتظاره ومتلهفة لرؤيته وحزينة على فراقه... تبين علامات الحمل على خديجة فيدخل عليها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فيسألها: يا خديجة، من يحدثك؟ فتجيبه: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. يبتسم حبيب الله (صلى الله عليه وآله) ويخاطبها: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه... فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن تحضر ولادتها، تبعث إلى نساء قريش ونساء بني هاشم ليأتينها ويلين منها ما تلي النساء من النساء، فيأتي خديجة جوابهن: عصيتِنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا... فتغتم خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ تدخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم. تفزع منهن خديجة (عليها السلام)... تخاطبها أحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليكِ، ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسيا بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء. تجلس واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها، والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فتضع خديجة فاطمة (عليهما السلام) طاهرة مطهرة. تسقط فاطمة إلى الأرض ساجدة لله رافعة إصبعها فيشرق منها نور يدخل على بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... فتتناولها المرأة التي كانت بين يديها، فتغسلها بماء الكوثر، وتخرج خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فتلفها بواحدة، وتقنعها بالآخر، ثم تستنطقها فتنطق فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) بشهادة "أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد الأنبياء وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الأسباط"... ثم تسلم على والدتها وعليهن، وتسمي كل واحدة منهن باسمها، ويضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة (سلام الله عليها)، ويحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك تسمى (عليها السلام) "بالزهراء" ، وتقول أحدى النسوة لخديجة (عليها السلام): خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتتناولها خديجة فرحة مستبشرة فتلقمها ثديها فتشرب، فدرّ عليها. تنمو فاطمة في كل يوم كما ينمو الصبي في الشهر، وفي الشهر كما ينمو الصبي في سنة يكثر أبوها النبي (صلى الله عليه وآله) من تقبيلها، فيسأل عن سبب ذلك فيقول: إني كلما اشتقت إلى رائحة الجنة قبّلتُ ابنتي فاطمة. نعم هكذا ولدت الحوراء الأنسية سيدتي ومولاتي فاطمة (صلوات الله عليها) فينقطع دابر القوم المنافقين الذين قالوا: إنّ محمدًا (صلى الله عليه وآله) أبتر لا ولد له... فيمر الزمان وتبقى ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) تملأ بقاع الأرض ولا وجود لذرية أعدائه (صلى الله عليه وآله)... فسلام على سيدتي ومولاتي سيدة نساء العالمين محور الأفلاك ودائرة الوجود وشفيعة الناس في يوم المحشر فاطمة (صلوات الله عليها) فسلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ورحمة الله وبركاته.

اخرى
منذ 5 سنوات
1711

حنينُ لقاء المُحَدّثة

بقلم: سماهر الخزرجي تمر أيامها ببطء شديد... وقد تتابعت عليها أيام عجاف... ومخمصة لا تعلم متى يتم انجلاؤه . وحيدة تجوب الدار، قاطعتها النساء ... تلك النساء اللاتي جدفنّ بالنعمة ،تلك النعمة الملكوتية، فظلام الجور والجهل يخيم على ارواحهن. تدعو الله لهن بالهداية فأنهن قد غُرّر بهن . اعمال المنزل الشاقة انهكتها .تمسح بيديها المتعبتين ذرات العرق المتصبب من جبينها يلوكها التعب ويعتصر قلبها الألم لحالها تارة.. وتارة لما يتعرض له حبيب قلبها وأنيس وحدتها. تجلس لترتاح قليلا من عناء يومها، وقد كحل النعاس مقلتيها، لم تنم ليلتها لمخاوف تساور قلبها ورغم ذلك اوكلت أمرها لله .. اللهم بدد عن روحي هذه الغيوم السوداء... واذا بصوت ملكوتي آسر يناديها يسلم عليها، يبدد وحشة يومها ويأنس وحدتها، إنها تراه بعين قلبها .. تحدثها تسايرها تشد من عزمها... فيدخل عليها حبيب الإله يسألها مع من تتحدثين ؟وهو العالم بها .. إنه الجنين في بطني يكلمني ويبدد سحب الحزن من سمائي .. إنه تناغم بين روحين ،بل هما كيان واحد بل هو قلبه يجري في قلبها ، إنه عشق اكنته ضلوعها. وأنامله الرقيقة تطرق باب قلبها ويبسط قلبها فراشا لها.. تمضي الايام والقلب ينمو في القلب، فتهب خديجة من رقادها متألمة... إنه الم المخاض... بل إنه حنين اللقاء ، فمآتي الدقائق تمر بعذوبة مشوبة بألم ،تروم امتصاص عذوبتها، وحيدة هي لا انثى معها تعينها في شدتها.. وما كانت الا لحظات واقتربت منها مراكب الأخيلة السائرة، بل انها حقيقة ...هذه مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم وسارة وكلثم بنت عمران، وما هي الا سويعات وقد أنير الكون بنور ذهبت به دياجي الظلمات . فأزهرت الزهراء عليها السلام لتكون قطب الرحى الذي يدور على معرفتها القرون الأولى.

اخرى
منذ 5 سنوات
1344

بابٌ بين حدثين

بقلم: حنان الزيرجاوي حين سمعت بمَن جاء لخطبتها ذُهلت، وفرحت، وفرحتها أنها ستُصبح زوجةً لخير خلق الله بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) . وجاءت تلك اللحظة التي كانت تنتظرها، في واقع تجسّدَ بيدٍ كريمة رؤوفة، تمسكها لعالم تتجسّد فيه الجنة . جاء بها بعلها أمير المؤمنين (عليه السلام ) ؛ لينقلها من بيتها ذي الكرم والإيمان والخلق إلى بيتٍ من بيوت الله. وهنا تبدأ أول نفحات الإيمان، وهنا تتجسّدُ أول لمسات الحنين ، وهنا يظهر معدن الخلق والإيثار ، لقد تسمّرت قدماها على الأرض، والحزن رافقها ساعتها... أفرأيت عروسًا بيوم زفافها تحمل كلّ ذلك الألم في نفسها؟! أتدرون لماذا حدث هذا؟ نعم ،نعم ،حدث هذا عندما رأت ذلك الباب الذي لم يدافع عمّن لاذت به. هنا نظرت إلى ذلك الباب نظرةَ عتابٍ مصحوبةٍ بزفرات، ممزوجة بلؤلؤ تناثر على وجنتيها. وهي بين هذا وذاك، بين عتابٍ وأنين، وإذا همسات باب فاطمة، يطلق أنينه الذي لم ينقطع من ذلك اليوم، ويخاطبها: - سيدتي ، أنا من أعياه حزن السنين، دعيني أُسمعُكِ حجتي. ألا يحق لي أن أدافع عن نفسي؟ فسبقته بنطق حروفها، وبصوت رفيع حزين: - في خاطري تجول كلمات منذ سنين، هلا أصغيتَ لي . نعم... نعم ،حبا وكرامة. أما كانَ لكَ أن تقاوم اولئك الطغاة؟ لِمَ كنتَ طوعَ أمرهم؟ أما شعرتَ بذلك الجسم الرقيق النحيف وهو يلتمسكَ الابتعاد؟ ألم تستطِع أن تأمرَ ذلك المسمار فينخلع بعيدًا؟ أم خفت على نفسِكَ أن تُصبحَ أشلاءً ولم تخَفْ على صدرِ البتول؟ كيف تحركتَ ولم يأذن أهلك أن تنفتح؟ أما خشيتَ أن تحرقكَ السماء بفعلتك هذه؟! -ليتني –قال الباب- لم أكن، قد تجمعت أوصالي من هنا وهناك لأكون ما أكون. فأنا وما زلت أطهر بابٍ من بين تلك الأبواب جميعًا. أ فتعلمين من هي الأيادي التي لامستني؟ يحسدني الحاسدون على ذلك. ولكن ماذا أصنع، وقد أقدمَ القومُ على حرقي؟ فذاك اللعين، وضعَ كلّ قواهُ على صدري، وكلّما حاولتُ أن أُمسِكَ نفسي لم أستطع، تعلّقتُ بالجدار الذي قبالتي فأفلتني. كنتُ أُقاوِم، وأُقاوِم وأُقاوِم، ولكن فشلت. فقلتُ لمسماري اخرُجْ من سباتك، واتكأ على حائطنا، الذي هو خلفنا، ولم أعلم أن اتكاءه يكون على صدر البتول ؛ لينفذ إلى صدرها . أنا لا أحتمل اللوم والتقريع... -آه ..آه ..أيها الباب كيف لي أن أراكَ صباحًا ومساء. ولكن ذلك الباب الذي وجدته مفتوحًا في أول يوم دخلتُ دار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وجدتُهُ مغلقا عندما جاءت تواسي زينب. دخلته شابة وجاءت إليه وهي عجوز فوجدته موصدا. وحينما رآها الباب أجهش باكيًا ؛ لتختلط دموعه ودموعها.

اخرى
منذ 5 سنوات
1122

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70345

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51434

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41474

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36032

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32828

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32256