التفرقة بين الذكور والأناث

أوصانا الله تعالى بالعدل والإحسان في التعامل مع ابنائنا ، لإشاعة روح المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فالانحياز الى جانب الذكور من الناحية النفسية والعاطفية والمادية له آثار سلبية وخيمة تظهر نتائجها في تفكيك روابط الأسرة وبالتالي إفساد المجتمع. فتلك الفتاة التي لا تهتم بنفسيتها ستكون أماً في المستقبل! وهي ركن اساسي من اركان المجتمع ، لذلك يجب اشباع حاجاتها النفسية والعاطفية من القبول ، والاحترام ، والحب ، والتقدير ، والاحسان في معاملتها ، وعدم إشعارها بانها شخص من الدرجة الثانية كونها أنثى! فهذا الشعور يؤدي الى انكسارها ويسبب لها انخفاضا بتقدير الذات وله تبعات خطيرة جدا على تشكيل شخصية مهزوزة غير واثقة من نفسها وتنظر الى نفسها نظرة دونية. يجب هنا معرفة الاسباب التي تدفع بالأهل الى تفضيل الذكور، ونذكر منها: ١: عدم امتلاك الاهل للثقافة الدينية ،فالرجوع الى الله تعالى هو سبب سعادة الفرد لقبول الانسان بما يقدره الله تعالى له .. ٢: بعض الزوجات (تشعر بعدم القبول ) اذا أنجبت فتاة وخصوصا اذا تكررت عملية انجاب البنات لأكثر مرة وبشكل مترادف ، مما يشعرها بالضعف أمام زوجها واهله، ويزداد هذا الامر سوءا أذا كان الزوج ممن يفضل الذكور على الاناث. لذلك فعملية أنجاب الولد بعد اربع بنات تسبب في إفراط الاهل في التعامل معه بسبب اشتياقهم لانجاب الذكر مما يدفعهم إلى توفير كل شيء له وعدم رفض اي من طلباته فيتمرد عليهم ويشعر بأفضليته على اخواته. هنا يجب ان يتعامل الاباء والامهات مع هذا الامر بحذر وعدم الانجرار وراء دوافعهم العاطفية غير المدروسة لكي لا يكونوا سببا في تدمير ولدهم من حيث لا يعلمون ظنا منهم بان هذا التدليل هو حب. ٣: بعض الاباء يشعر بالضعف امام اخوته وعشيرته بسبب عدم وجود الاولاد لديه ، فهو ينظر الى الذكور كمصدر قوة له بين الناس ، وعليه يجب علينا ان نرضى بما قسمه الله لنا فهو العارف بالمصلحة لنا . أما لو تطرقنا الى الآثار السلبية المترتبة على عملية التمييز بين الذكور والاناث فنذكر منها : 1/القضاء على روح المحبة بين الاخوان والاخوات، مما يزيد من مشاعر الكراهية والحقد بينهما ويؤسس لمجتمع تسلطي ينظر للمرأة بدونية 2/شعور الفتاة بانها من الدرجة الثانية وهذا ما يسبب لها الألم النفسي والعاطفي ، وهذا ما يبعدها عن أجواء البيت فهي لا تشعر بالأمان مع إخوتها لذلك تلجأ الى إقامة علاقات محرمة مع الشباب للحصول على العاطفة ولتشعر بالقبول، فهي لا تشعر بالاحترام والتقدير من اهلها ، بل انها مجرد خادمة وطباخة ،يجب عليها ان تخدم اخوانها الذكور لانهم ذكورا. فالكل يريد منها خدمة بالمجان دون حصولها على مشاعر الامتنان والتقدير من اهلها. لو فكرنا في إيجاد حلول جذرية لتلك المشكلة الاجتماعية القديمة فإننا لا نجد حلاً مناسباً غير الرجوع الى ما أمرنا به الله تعالى وحثنا عليه رسولنا الكريم ( صلى الله عليه واله) وائمة اهل البيت عليهم السلام في التعامل بمساواة وإحسان مع الذكور والاناث على حد سواء فلا فرق بينهما الا بالإيمان والتقوى . قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
4109

منهجية الخطاب الحسيني يوم عاشوراء

الخطاب الحسيني هو خطاب إسلامي أصيل متكامل الجوانب شرعياً وإنسانياً وأخلاقياً وقيمياً واجتماعياً وسياسياً ، إنه باختصار: منهج حياة . مرَّ الخطاب الحسيني بمراحل عديدة منذ انطلاقة النهضة واستمر لما بعدها بما رسَّخ من مبادئ وقيم لا زالت خالدة حتى يومنا هذا ، ولتشعّب مراحل الخطاب الحسيني وتنوّعها فلكل مرحلة من مراحله لها أسبابها وظروفها وواقعها الموضوعي ونتائجها التي لا نستطيع الالمام بها في هذه الأسطر، ورعاية للاختصار سنقف على أهم ما تميز به الخطاب الحسيني في يوم عاشوراء فقط، لأنه اليوم الذي ترجم بوضوح كل محطات الخطاب الحسيني وأهدافه. ولعل أول وأهم مفردات منهج الخطاب الحسيني في يوم عاشوراء هي التوكل على الله والالتجاء إليه، فقد روي عن الإمام السجاد (عليه السلام) :( لما أصبحت الخيل تُقبل على الحسين (عليه السلام) رفع يديه وقال :اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كممن كرب يضعف عنه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ،أنزلتُه بك وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة)(1) يتبين من الخطاب الحسيني في هذا الدعاء أن حركة الإمام الحسين (عليه السلام) مرتبطة بالله تعالى هدفاً وسلوكا ًوغاية ووسيلة من خلال التوجه والخضوع لله تعالى والدعاء بنفس الكيفية في حالة السراء والضراء مما تعزِّز من الارتباط بالله تعالى والتسليم المطلق لحكمه وإرادته. وبدأ الخطاب الحسيني يعلن عن مبادئه في أول مواجهة صبيحة يوم عاشوراء حينما أُوقدتْ النار في الخندق الذي يحصِّن المخيم الحسيني من مباغتة الأعداء من الخلف فصاح الشمر بأعلى صوته : يا حسين أتعجّلت بالنار قبل يوم القيامة ؟ فقال الحسين (عليه السلام) :أنت أولى بها صلياً. ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك ، فقال له : دعني حتى أرميه ، فقال له الحسين (عليه السلام) : لا ترمه! فاني أكره أن أبدأهم بقتال)(2) إنها أخلاقية الحرب في الإسلام وهذه مبادئ الحسين التي لا يتخلى عنها أبداً فهي ثابتة عنده في السلم والحرب ، إنها ذات المبادئ التي منعت مسلم بن عقيل (عليه السلام) أن يفتك بابن زياد في دار هانئ بن عروة ، وهي ذات المبادئ التي تسلَّحَ بها أمير المؤمنين (عليه السلام) ضد خصومه ورفضه للغدر ، فالمنهج هو ذات المنهج ، منهج الرسالة المحمدية الأصيلة . بعد هذا الإعلان عن القيم والمبادئ الحقة التي انتهجها الخطاب الحسيني يوم عاشوراء لإبراز هوية النهضة الحسينية وأصولها، أكمل الخطاب الحسيني مسيرته في إرساء قواعد العدالة والإصلاح في هذه الأمة عن طريق النصح والإرشاد وإلقاء الحجة فحاول الإمام الحسين (عليه السلام) أن يخاطبهم، إلا إنهم أبوا حتى أن يسمعوا الحق وعلا ضجيجهم ولغطهم ورضخوا في نهاية الأمر فخطب فيهم خطبته المشهورة والتي سنقتطف جزءاً منها: (ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً فأنتم والله هم ،ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام ، على مصارع الكرام ، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر)(3) كان الخطاب في هذه الخطبة شديد اللهجة حيث عاتبهم الامام الحسين (عليه السلام) على نكثهم الوعود وتخاذلهم عن نصرته وثباته على موقفه رغم هذا الخذلان. كما حاول زهير بن القين وبرير بن خضير بلغة العقل والمنطق ان يتحدثوا مع جيش بن سعد إلا إنهم رفضوا أن يسمعوا لهم أيضاً. وهنا بدا المشهد واضحاً أن لا جدال ولا حوار ينفع مع القوم، فهم يلهثون وراء أطماعهم وأسيادهم فاستعمل الإمام الحسين (عليه السلام) أسلوباً آخر في المحاججة فعاد على ظهر فرسه ووقف أمام الجيش وخاطبهم قائلا: (أما بعد فانسبوني فأنظروا من أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وأنظروا هل يحل لكم قتلي، وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين بالله، والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشهداء عم أبي؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمّي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي ولأخي: (هذان سيّدا شباب أهل الجنّة)، فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمّدت الكذب منذ علمتُ أنّ الله يمقت عليه أهله، ويضرّ به من اختلقه، وإن كذّبتموني، فإنّ فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي)(4) فقاطعه الشمر لعنه الله وأكمل الإمام الحسين (عليه السلام) خطابه الاحتجاجي بتغيير محور الاحتجاج الذي يطرحه في كل مرة، فقال (عليه السلام): (إن كنتم في شك من هذا القول، أ فتشكّون فيّ أنّي ابن بنت نبيكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم، ولا في غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة ، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟)(5) وأيضاً لم يستجب له احد فأعاد الخطاب الحجاجي مرة أخرى ولكن بمصاديق واقعية فقال: (أما ترون سيف رسول الله ولامة حربه وعمامة علي؟ قالوا نعم. قال: فلم تقاتلوني؟ أجابوا :طاعة للأمير بن زياد(6) وهنا بعد أن أجابوه بأن قتالهم لهم طاعة للحاكم الظالم واتضح أن لا رأي لهم ولا حكمة فهم مجرد أدوات قتل لمعارضي سادة الحكم، فأخبرهم الامام الحسين (عليه السلام) بمصيرهم وما سيقع عليهم بعد استشهاده وأنه عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو تعبير عن مشروعية ثورته واتصالها بأصل الشريعة ورسولها بقوله سلام الله عليه : (أما واللَهِ لاَ تَلْبَثُونَ إلاَّ كَرَيْثِمَا يُرْكَبُ الْفَرَسُ ، حَتَّي‌ تَدُورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحَي‌ ! وَ تَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْوَرِ ! عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَي‌َّ أَبِي‌ عَنْ جَدِّي‌ ؛ فَأَجْمِعُو´ا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو´ا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ إِنِّي‌ تَوَكَّلْتُ عَلَي‌ اللَهِ رَبِّي‌ وَ رَبِّكُم‌ مَا مِن‌ دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي‌ عَلَى صِرَطٍ مُسْتَقِيمٍ)(7). إن أسلوب إلقاء الحجة والاحتجاج بالأدلة الشرعية والبراهين من أههم مفردات الخطاب الحسيني يوم عاشوراء واكثرها تأثيراً لمتانة الأدلة وتنوّع الأساليب الاحتجاجية والموعظة الحسنة بين ثنايا هذا الخطاب، إلا إن عمر بن سعد لعنه الله كان مصِّراً على قتال الإمام الحسين طمعاً بحكم الري ، وهنا انتهى دور الحوار والنصح بعد إلقاء الحجة، فأخبر الامام الحسين (عليه السلام) عمر بن سعد بمصيره الأسود وسوء عاقبته: (أي عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعي بلاد الري وجرجان، والله لا تهنأ بذلك، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة، ويتخذونه غرضاً بينهم فصرف بوجهه عنه مغضباً)(8) وبدأ عمر بن سعد القتال قائلا :(اشهدوا أني أول من رمى ، ثم ترامى الناس وتبارزوا)(9) وبدأت المعركة وانجلت الغبرة عن الحملة الاولى بخمسين قتيل من اصحاب الحسين سلام الله عليهم أجمعين كان الإمام الحسين يجلس فيها عند الشهداء ويدعو لهم ، وقد طغت الرحمة والرأفة على مفردات الخطاب الحسيني فيها. وفي الحملة الثانية لأصحاب الحسين (عليه السلام) كان الخطاب الطاغي على مفردات المنهج الحسيني هو خطاب التشجيع والحث على القتال واستنهاض همم بقية الاصحاب خاصة عندما اشتدت حملات جيش العدو على مخيم الحسين وأمطروه بوابل من السهام حتى لم يبقَ أحد من أصحاب الحسين إلا وأصابه سهم وتمثل ذلك بقوله (عليه السلام) :(قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لا بدَّ منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم)(10) . ودارت رحى الحرب، حتى حان وقت الزوال وهو موعد الصلاة الأخيرة وموعد اللقاء الأخير مع الخالق في هذه الدنيا، فلم تمنع السهام والأسنة والرماح الإمام الحسين وأصحابه من العروج الملكوتي في الصلاة، والحرب لمّا تضع أوزارها وإنها لعمري من روائع منهج الخطاب الحسيني الالتزام بالصلاة في أصعب المواقف والظروف ، واستمرت المعركة وأقمار بنو هاشم من آل الرسول يتساقطون الواحد تلو الآخر على رمضاء كربلاء فتحول الخطاب الحسيني إلى خطاب مشحون بالعاطفة وانطلقت صرخات الاستغاثة بعد أن حز ّّفي نفسه الأبية عويل النساء وصراخ الاطفال والأيتام من آل محمد فوقف بأبي هو وأمي ينادي: (هل من ذاب عن حرم رسول الله؟ هل من موَّحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا)(11) فلم يجبه أحد غير صراخ العائلة المروِّع كما ازداد الصراخ بعد أن ذُبِحَ الرضيع بين يدي الحسين (سلام الله عليه) وهو لا زال كالطود الأشّم لم يضعف ولم يتزعزع قيد أنملة بل راح يناجي ربه وهو يرمي الدم إلى السماء(هوَّنَ ما نزل بي أنه بعين الله)(12). وبعد استشهاد أخيه وحامل لوائه العباس (عليه السلام) انكسر ظهر الإمام الحسين بأبي هو وأمي لكن لم ينكسر الخطاب الحسيني فالخطاب هو هو خطاب يملؤه القوة والإباء حتى بعد أن اقتحم الميدان ليصل إلى الفرات عند أخيه أبي الفضل أصابه سهم بحنكه فانتزع السهم وهو يقول: (اللهم إني أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيك)(13) وهنا اشتكى الإمام الحسين الى الله ما جرى عليه بعد أن ألَمَّ به الخطب وفدح به المصاب. ورغم بقاء إمامنا الحسين (سلام الله عليه) وحيداً فريداً بين الوحوش البشرية ممن لا يردعهم دين ولا حمية إلا إن الغيرة الهاشمية على حرم رسول الله كانت هي الطاغية على مفردات الخطاب الحسيني في لحظاته الأخيرة فصاح بهم (انا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عُتاتكم من التعرض لحُرَمي ما دمت حيًا)(14) فتقدم الشمر وعشرة من رجاله نحو المخيم فصاح فيهم: ( ويلكم يا شيعة آل سفيان, إن لم يكن لكم دين, وكنتم لا تخافون يوم المعاد, فكونوا أحراراً في دنياكم [هذه]. وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون. فناداه شمر: ما تقول يا ابن فاطمة؟ فقال: أقول إني أقاتلكم وتقاتلونني, والنساء ليس عليهن جناح. فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حياً. فقال شمر: لك ذلك يا ابن فاطمة)(15). وقاتل الحسين وحيداً أمام هذا الجيش العرمرم وصار جسده الشريف مرتعاً للسهام والنبال والرماح وطعن السيوف وفي كل جرح كان يذكر الله في آخر مفردات الخطاب الحسيني يوم عاشوراء الذي بدأه بذكر الله وختمه بذكر الله كما عاش بينهما لله وفي الله حتى حزّوا رأسه الشريف وهو يلهج بذكر الله ، ولم ينتهِ الخطاب الحسيني في هذه اللحظات بأفول شمس الحسين (عليه السلام) بل امتدّ كشعار ومدرسة ومشروع إصلاح ونهضة أمة وجهاد وتاريخ ورسالة مؤثرة في حركة البشرية حتى قيام الساعة. _____________________________ (1)تاريخ الامم والملوك للطبري/ج4/ص321 الارشاد للشيخ المفيد/ص233 (2) راجع الارشاد للشيخ المفيد/ص217 بتصرف (3) راجع مقتل الحسين للخوارزمي /ج2/ص6_7 تاريخ ابن عساكر /ص670 (4) تاريخ الامم والملوك للطبري/ج4/ص322 الكامل في التاريخ لابن الاثير /ج4/ص61 (5) تاريخ الامم والملوك للطبري/ج4/ص323 الكامل في التاريخ لابن الاثير /ج4/ص62 (6) مقتل الحسين للمقرم /ص233_234 (7)المصدر السابق ص235 (8)الكامل في التاريخ لابن الاثير / ج4/ص241 (9) الارشاد للشيخ المفيد/ص236 (10) مقتل الحسين للمقرم/ص237 (11) مقتل الحسين لابن طاووس/ ص49 (12) مقتل الحسين لابن طاووس /ص49 تاريخ الامم والملوك للطبري/ج4/ص342 ابن كثير/ج8/ص187 (13) الارشاد للشيخ المفيد/ص240 (14) مقتل الحسين لابن طاووس/ص50 (15) اعيان الشيعة لمحسن الامين العاملي/ج1/ص609 بحار الانوار للمجلسي /ج45/ص51 عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
4596

استحباب صيام عاشوراء المفترى (نظرة منصفة)

إلى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إلى كل من يدّعي أن صيام عاشوراء سُـنـّة مؤكدة ويتبادل التهاني والحث على الصيام في يوم العاشر من المحرم ...... (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يكثر في هذه الأيام بالذات وفي المساجد وخطب الجمعة عند العامة الحديث عن صيام هذا اليوم وبشكل عجيب جداً، ويحرص البعض على أن يؤكد عليه. لكن ما هو سبب صيام هذا اليوم ولِمَ نصومه؟! يقول الحديث : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء .... (وحدثني ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه. فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأمر بصيامه). وفي موضع آخر : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب أي يوم يصام في عاشوراء ... (وحدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : (يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم) ... وغيرها من الأحاديث لنفس السبب والمضمون .... الى كل قارئ منصف للحديثين والقصة المذكورة عن سبب الصيام، ليتأمل الحديث جيداً ولينظر الآن إلى هذه الملاحظات لنخرج بنتيجة ونترك لك الحكم بصحة هذه الأخبار .... الملاحظة الأولى : انظر إلى الحديث الأول وتأمل به جيداً، لقد غاب عن منتج هذا الحديث أن اليهود لا تعتمد في تقويمها على الهلال، وأن الاعتماد على الهلال مما أختص به المسلمون . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف كان يوم عاشوراء ( 10 محرم ) ثابتا عند اليهود على مر السنين ؟! توضيح أكثر: لو أراد أحد المسلمين أن يحتفل بميلاد المسيح عليه السلام بدعوى أننا ( أي المسلمين ) أولى بالسيد المسيح عليه السلام من المسيحيين أنفسهم ، فهل يستطيع تحديد يوم في تاريخنا الهجري بحيث يوافق دائما يوم ميلاد المسيح عند المسيحيين ؟! الجواب واضح ، فذلك أمر غير ممكن، لأن ميلاده ثابت بالنسبة لهم لأنهم يعتمدون التقويم الميلادي، ولكن بالنسبة لنا فنحن نعتمد التقويم الهجري المعتمد على الهلال، فالسنة الميلادية تزيد عن الهجرية بِـ 10 أو 11 يوم . والآن إذا أردنا أن نصوم أو نحتفل باليوم الذي نجى الله فيه موسى ينبغي أن يكون هذا اليوم متغيرا في كل عام بالنسبة للتقويم الهجري ( المعتمد على الهلال ) فما الذي ثبته في يوم ( 10 محرم )، إذ اليهوود لا يعتمدون التاريخ الهجري. ثم من المفترض أن يكون يوم عاشوراء أعظم عيد عند اليهود حيث فيه أعظم حدث عندهم وهو نجاة نبي الله موسى بانشقاق البحر له وهلاك عدوه فرعون، وهذه تشكل معجزة عظيمة ومنعطف مهم جدا في تاريخهم لا يمكن أن يهمله اليهود . ولكن السؤال المحير هو : لماذا انقرض هذا العيد عندهم ولم يبق منه عين ولا أثر ، ففي كل عيد أو مناسبة عندهم تسمع في الأخبار أن الجيش الصهيوني يشدد إجراءاته الأمنية تخوفا من وقوع عمليات استشهادية، ولكن يوم عاشوراء يمر دون إجراءات أمنية وكأنه يوم عادي ! الملاحظة الثانية: الحديث يقول: قدم النبي إلى المدينة، وبعدها برواية أخرى يقول ابن عباس قالوا للنبي إنه يوم تعظمه ... فقال النبي (صلى الله عليه وآله):فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ؟! والسؤال هنا: نحن نعلم أنه عندما قدم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بقى بها 13 سنة بعد هجرته، فكيف مات بالسنة الأولى ؟! وإذا قال أحد إنها كانت هي السنة التي مات بها المصطفى فهذا أغرب وأعجب؟ كيف لم يلاحظ الرسول (صلى الله عليه وآله) طوال 13 عاماً صيام اليهود لهذا اليوم؟! ثم كلنا يعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بإخراج اليهود من المدينة ، فمتى كان ذلك إذن! الملاحظة الثالثة : هل كان رسول الله يأخذ أحكام دينه من اليهود ام ينتظر الحكم من الله والتأكد من صحة فعلهم من خطئه! فهو صلى الله عليه واله كان متبوعاً وليس تابعاً ..... الملاحظة الرابعة : اخاطب من يصوم يوم التاسع والعاشر من المحرم استحبابا ..... ماذا لو تبين أن صيام يوم التاسع والعاشر مكروه ومن سنن أعداء اهل البيت عليهم السلام؟! ماذا ستفعل حينها وماذا استفدت من صيام هذا اليوم المشكوك في استحباب صيامه وتركت باقي ايام السنة من المستحبات المؤكدة ؟! أليس الاحتياط سبيل النجاة ؟ اذن تعالوا أخوتي لنفهم هل ان يوم عاشوراء يوم حزن ومصيبة ونحيب ام يوم فرح وسرور؟ فقد رَوَى الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) عن ابْن مَسْرُورٍ ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ ، قَالَ : قَالَ الرِّضَا ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا ، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا ، وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا ، وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا ، وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا . إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا ، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا ، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ . فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ " . ثُمَّ قَالَ ( عليه السَّلام ) : كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً ، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ..... " السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام . علي جابر

اخرى
منذ 5 سنوات
1272

نـفــحاتٌ مــلكوتيــة من الــخطاب الــزينبي (١) "ما رأيتُ إلاّ جميلا"

عبارةٌ صدحت بها السيدة زينب (عليها السلام) بعدما سألها الطاغية عبيد الله بن زياد عن صنع الله بالحسين وآله، فتمنى أنّه لو لم يسألها؛ لما لاقاه مِن جوابٍ بنبرةٍ روحيّة، ورباطةٍ عقائديّة، ونبراتٍ بلاغيّة. ومن هنا سوف نسلط الضوء على هذه العبارة في ثلاث نواحي: الناحية الأولى: الناحية الرّوحيّة إنّ الوصول إلى الكمال الرّوحي يتطلب تحمل المشاق، والتسليم المطلق لله سبحانه، والذوبان في هيمنته وسلطنته جلّ شأنه، فالإنسان وإن كان مجبولاً في فطرته على حب الوصول إلى الكمال، إلاّ أنّ التعلّقات الدنيوية التي تطرأ عليه عرضاً تجعله محجوباً عن الوصول. وها هي السيّدة قد نالت ما نالت من فيوضاتٍ، وهيّمت قلبها لإرادة الواحد القهّار، وتركت التأثر بالعالم الماديّ لأهله، واعشوشب زهرها في ما فوق ذلك العالم، فأصبحت من خواص الله خلقاً، وأثمرهم عطاءً. (ما رأيتُ إلاّ جميلاً) عبارةٌ ذات أربعة عشر حرفاً دلّت عباد الله على الله، إذ أعتقد أنه لم يكُ هدف السيّدة (عليها السلام) أن تبيّن للطاغية والحاضرين مدى رضاها بقضاء الله سبحانه وحسب، بل كان لها هدف سامٍ آخر ألا وهو: أن تدلّهم على الله وترسّخ محبتهم له سبحانه، حيث نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: " اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ، وَالاْدِلاّءِ عَلى مَرْضاة اللهِ، وَالْمُسْتَقِرّينَ في اَمْرِ اللهِ، وَالتّامّينَ في مَحَبَّةِ الله"(1). وجاء في مقطعٍ آخر: "اِلَى اللهِ تَدْعُونَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ، وَلَهُ تُسَلِّمُونَ، وَبِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُون"(2). ومنبع تصرّفها هذا هو حبّ الله سبحانه، حيث روي أنه : "اوحـى اللّه تعالى إلى بـعـض الصدّيقين: إنّ لي عباداً مِن عبادي يحبونني واُحبهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكرونني وأذكرهم، ... أقل ما اُعطيهم ثلاثاً: الاول : أقذف من نوري فـي قـلوبهم فيخبرون عنّي كما اُخبر عنهم. والثاني : لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما في مـوازيـنهم لاستقللتها لهم. والثالث : أقبل بوجهي عليهم، أ فتُرى من أقبلتُ بوجهي عليه يعلم أحد ما اُريد أن اُعطيه؟!"(3)، فقذف سبحانه في قلبها التفويض المطلق ووجدها صابرة. ويعدّ صبر السيّدة (عليها السلام) مِن صبر العارفين بالله سبحانه، إذ الصبر على مراتب، وصبر العارفين(4) معناه أنّ لبعض خلق الله التذاذاً بالمكروه لتصوّرهم أنّ معبودهم خصّهم به من دون الناس، وصاروا ملحوظين بشريف نظره (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(5). الناحية الثانية: الناحية العقائديّة تعتقدُ السيّدة بما يعتقده آباؤها ( عليها وعليهم السلام) بأنّ الله تعالى عادلٌ لا يحيف في حكمه، حكيمٌ في تدبيره، لا يفعل عبثاً؛ لاستلزامه القبيح. ومِن هنا وصفت فعل الله سبحانه بالجميل، إذ إنّ صفات الله تعالى الثبوتية تسمى بالجماليّة، والعدل أحدها. وبهذا أعطت السيّدة (عليها السلام) درساً عقدياً للطاغية والحاضرين، حيث إنّه سلوك بني أمية عموماً كان يهدف إلى تشكيك الحضور بعدل الله سبحانه، وإلى أحقيّة تصرفه بهتك حرمة الحسين وآله (سلام الله عليه وعليهم) بـدليل قول أميرهم يزيد: "لعبَت هاشمُ بالملكِ فلا خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل" فالطاغية يُكمن في نفسه الكفر ويُظهر الإيمان، وما قوله هذا إلاّ دلالةً على أنّ الحسين على خطأ وهو وشرذمته على صواب، ولذا يقول ذنبهُ بن زياد محتجاً بما في مضمونه: لو كانَ الله عادلاً لانتصر للحسين وآله ! أمَا والله لقد أساءَ المنطق، وإلاّ فماذا يُرتجى مِن ابن الطلقاء الذي هتك حرمة الأولياء، وأبكى بفعلته السماء ! فزهق الباطل الذي به كان فرحاً بـعبارة "ما رأيتُ إلاّ جميلا". الناحية الثالثة: الناحية البلاغية استعملت السيّدة البليغة (عليها السلام) اسلوب الحصر أو ما يسمى عند البلاغيين بالقصر، ويعني: "تخصيص أمرٍ بآخر بطريقٍ مخصوص، ومِن طرقه: النفي والاستثناء..."(7). فمقصد السيّدة هو: رأيتُ الذي صنعه الله تعالى بنا جــميلا" بعد حذف أداتي النفي والاستثناء. ويدلّ استعمالها اسلوب البلاغة هذا على امور: 1- بيان أعلميتها وأنّها ليست كأيّ سبيّة، ومن هنا اشرأبت الأعناق لترى مَن المتكلم؛ لتذكرهم ببلاغة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). 2- تحقير الطاغية وشرذمته بتكليمهم فوق مستوى ادراكهم، فمن يقارن بين كلامَي السيّدة والطاغية يجد الإرباك الواضح، والركة المضحكة في بيانه (عليه لعنة الله). 3- توظيف ما استسقته من نمير العلوم مِن أبويها (عليهما السلام) في سبيل إعلاء كلمة الحق. ويا لجميل ما صنعَت (عليها أزكى السلام). _______________________ (1) مفاتيح الجنان، 608. (2) المصدر نفسه، 610. (3) مسكن الفؤاد: 28. (4) أوصاف الأشراف، 51. (5) البقرة: 155. (6) البلاغة الواضحة، 217. واللهُ بتُ لا أرى فيهم إلاّ جميلاً له الحمد وقبله التسبيح وبعده التهليلا ويتلوا التهليل تكبيرةً لله بكرةً وأصيلا اولئك خير خلق الله بعد محمدٍ رزقوا الثبات وكانوا أصدقُ قيلا. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
4334

أنّا حسيني… أنّا احترم الرأي الآخر

من نعم الله (تعالى) على المؤمنين أن رصَّع أيام دهرهم بمناسبات مهمة تمطر على من يتعرض إليها بالخير والبركات ، وربما إليه يُشير ما روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) المؤمنين على ذلك قائلاً: "إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فترصدوا لها "(1).. وهذه المناسبات أشبه ما تكون بالمحطات التي تغسل القلوب من الرين ، وتطهر النفوس من الذنوب ، وترفع المطيع في سلم التكامل ، وتزود الروح بالطمأنينة واليقين .. ومن المفترض بالمؤمنين والمؤمنات أن يبذلوا كل ما في وسعهم ليغترفوا من خيرات هذه المناسبات، وأن يُعبؤوا أوقاتهم وجهودهم للتكامل ورفع الدرجات، إلا أن ما يعتصر له القلب ألماً أن تجدهم يتركون كل ما لهذه المناسبات من مميزات تسهم في جذب المؤمنين الى توحيد الكلمة وتدفعهم الى جمع الشمل وتسهل لهم رصّ الصفوف، فيلهثون وراء كل قضية مُختلَف فيها بين الفقهاء، وتتعدد اتجاهها وجهات النظر، هذا فضلاً عن أنها قضية فرعية لا يشكل الاعتقاد بها أو عدمه ضرورة من ضرورات الدين أو المذهب، ويتبارى كل منهم في نزع اعتقاد المقابل بها قسراً ومحاولة تسجيل النصر عبر زج اعتقاده وترسيخه في ذهن غيره رغماً عنه .. فما أن يطل علينا شهر رمضان الكريم حتى ترى بعض المؤمنين متنازعين فيما بينهم يتراشقون الاتهامات بالجهل وعدم الأعلمية على مراجع بعضهم البعض في التقليد بسبب اختلاف الفقهاء في مسألة رؤية الهلال وتقرير بداية الشهر الهجري ، فيتناسون كل ما في هذا الشهر الفضيل من كرم وبركات ويركزون على هذه القضية الجانبية ويحملون لأجلها من الذنوب ما يحملون ، ويرتكبون من المعاصي ما يرتكبون .. وفعالهم هذه تتكرر بل ويزيد بعضهم عليها تبادل الألفاظ البذيئة والأوصاف الرديئة بمجرد أن يطل علينا موسم انتصار الدم على السيف بسبب الاختلاف مثلاً في مسألة التطبير والحكم بمشروعيتها من عدمه وكونها أمراً راجحاً أم مرجوحاً.. ليت شعري .. تجد أغلب المتنازعين ولمدة مديدة يجهل بأوضح الأحكام الشرعية وأيسرها كالتيمم والوضوء، ثم بين ليلة وضحاها يصبح علّامة عصره في مسألة رؤية الهلال أو بمسألة التطبير ! فلمَ نفتقر الى النظرة الايجابية للأمور فلا نرى من هذه المواسم العظيمة البركة الغزيرة الفائدة إلا القضايا الجانبية المختلف عليها والتي لا يشكل الاعتقاد بها وعدمه أثرا معتداً به؟ ونركز عليها أيما تركيز؟! ولِمَ نفتقر الى الدعوة الى ما نعتقد بالتي هي أحسن؟ أم لِمَ نفتقر الى احترام وجهات نظر الغير لا سيما أن هذا الغير هم مراجع الدين، هم نواب الامام (عجل الله فرجه)، وإن الراد عليهم كالراد عليه (عجل الله فرجه) والراد عليه كالراد على الله (تعالى)؟! فليتأمل المتنازعون والمتخاصمون الذين يكيلون الاتهامات لمن يخالفهم في هذه المسائل أي ذنب بأفعالهم الجاهلية يرتكبون وأي جرم عظيم يقترفون! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) عوالي اللآلي ج1 ص95 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
739

مفهوم الجمال عند السيدة زينب (عليها السلام)

تميزت الصديقة الصغرى (سلام الله عليها) بأن لها قلباً جميلاً يرى كل شيء في الحياة جميلاً، وإن كان لا يتناغم مع رغبات النفس البشرية، بل وإن سبَّب لها الألم وجر إليها الحزن والهم طالما كان في سبيل مرضاة الله (تعالى)؛ ولذا فإنها لم ترَ ما حصل في واقعة الطف إلا جميلاً، حيث قالت : " ما رأيت إلا جميلاً "(1) على الرغم من بشاعة تلك الجريمة الكبرى، حيث الرؤوس مشالات على الرماح، والأجساد الطاهرة مطروحة على الارض تذروها الرياح، والأفئدة حرّى والأكباد مفتتة من الظمأ، والماء عليها محرم رغم أن كل ما يملكه الطاهرون قد أمسى للظالمين مباحا! عجباً لقلبك الملكوتي يا سيدتي، كيف رأيتِ كل ما رأيتِ في الطف جميلاً؟ ولأنها هي العالمة غير المعلمة، فلا بد لتفسير كلماتها وفك ألغاز خطاباتها من علماء يفقهون حديثها ويترجمون مغزاها، وهذه بعض كلماتهم: أولاً : قد أوضح السيد الطباطبائي (طيب الله ثراه) ذلك في قوله: "فمن الأفعال ما حسنه دائمي ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع و غرضه كذلك كالعدل، ومنها ما قبحه كذلك كالظلم" الى أن قال: "و من الأفعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال و الأوقات و الأمكنة أو المجتمعات ... و ضرب أمثلة على ذلك إلى أن قال: "وأكل الطعام حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلا، و هو بعينه سيئة محرمة إذا كان من مال الغير من غير رضا منه لفقدانه امتثال النهي الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه، أو امتثال الأمر الوارد بالاقتصار على ما أحل الله"(2)، و مما لا شك فيه أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يخرج بأهل بيته و أصحابه إلا امتثالاً لأمره (عز وجل) و بالتالي فإن كل ما تعرضوا له على قساوة منظر صورته الملكية ، فإنه الغاية في الحسن و الجمال في صورته الملكوتية . ثانياً: ما جرى في واقعة الطف قبيح، وترك الدين بيد الطغاة يحرفونه كيفما يشاؤون قبيح أيضاً، إلا أن ترك الدين يُحرف والشريعة تزيف أقبح مما جرى في الطف، وما جرى في الطف أحسن من تحريف الدين وتزييف الشريعة، فيحكم العقل بالتعرض لواقعة الطف قضاءً لتقديم الأرجح على الراجح، فإن تقديم الراجح على الأرجح قبيح عند العقل(3) ثالثاً: ذكر السيد الطباطبائي (قده) أيضاً: "فإن الحسن موافقة الشيء و ملاءمته للغرض المطلوب و الغاية المقصودة منه "(4) وعندما ننظر الى واقعة كربلاء بهذا المنظار نجد أنها غاية في الحسن والجمال؛ وذلك لأنها وإن أثقِلت بكل ما تحمله من صورٍ تَكْلِم الفؤاد كَلْماً، ويعتصر لها القلب حزناً وألما ، فهي أيضاً أشرقت بقرابين عظيمة لله (تعالى) العظيم، ولشرعه القويم، كان هدفها إعادة الأمة المحمدية الى الصراط المستقيم، الذي شرعت بالانحراف عنه، منذ أن نُحّيَ عن منصبه من كان للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من الكليم، بيدَ أن مصلحة خاتم الأديان ورعايته من التحريف اقتضت من الله الحكيم أن لا يقوم بالإصلاح في الأمة إلا الذِبح العظيم، الحسين الشهيد الذي وصفه بذلك القرآن الكريم. وعليه فقد وصفت العقيلة زينب (عليها السلام) ما رأته بالجمال وذلك لــ (أن دين الاسلام الخاتم للأديان قد تعرض بسبب انحراف السلطة لخطر التحريف و التشويه، بحيث تضيع معالمه، ولا يتيسر الوصول و التعرف عليه لمن يريد ذلك، كما حصل في الأديان السابقة، وأن الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) قد واجه ذلك الخطر، ودفعه بنهضته المقدسة، وما استتبعها من تضحيات جسام)(5). وقد تأكد هذا المعنى أيضاً في زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) حيث نقرأ فيها: " فأعذرَ في الدُّعاءِ ومنحَ النُّصحَ وبذلَ مُهجتهُ فيك ليستنقذَ عبادكَ من الجهالةِ وحيرةِ الضَّلالةِ "(6) . كما أن قولها (صلوات ربي عليها ): "ما رأيت إلا جميلاً " شهادةٌ لها بأنها قد حازت على أرفع درجات اليقين ؛ لأنه يمثل عين الرضا بقضاء الله (تعالى) و قدره، و قد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: "أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا "(7) وعن الإمام الصادق (عليه السلام):"الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين "(8). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إبن طاووس ، اللهوف في قتلى الطفوف ص67 (2) الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ج5 ص10 (3) أنظر : محاضرات في الالهيات للشيخ السبحاني ص170 (4) الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ج5 ص10 (5) السيد محمد سعيد الطباطبائي : فاجعة الطف 143 و144 (6) الطوسي : مصباح المتهجد 788 (7) الري شهري : ميزان الحكمة ج4 ص144 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
4018

هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ

عاشوراء مدرسة أعطت وتعطي الكثير الكثير كل يوم للمتأمل فيما ورد عنها من كلمات وفيما وثق فيها من مواقف... ولعل من أهم الدروس التي ترسخها عاشوراء في الأذهان بعد ضرورة مواجهة الباطل والدفاع عن الحق مهما كلفت من تضحيات جسام هو: الصبر على البلاء بل والرضا به .. كيف لا، وقد ورد عن سيّد الشهداء (عليه السلام) في اللحظات الأخيرة من حياته حينما كان يتمرّغ في الدم والتراب: «رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك لا معبود سواك»(1). وكذلك فيما جاء في خطبته عند خروجه من مكّة إلى المدينة: «رضا اللَّه رضانا أهل البيت»(2) . فما سر هذا الرضا رغم شدة الابتلاءات وقساوة المحن التي مر بها سيد الشهداء (عليه السلام) ؟ مما لا شك فيه أن يقين الامام الحسين (عليه السلام) هو الذي رفعه إلى مقام الرضا رغم ما جرى عليه في واقعة كربلاء، إلا أنه ومع هذا فقد أرشد المؤمنين إلى مفاتيح الصبر والرضا، ولعل من أهمها ما وَرَدَ عنه (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ بعد أن تفاقم الخطب أمامه في كربلاء، واستشهد أصحابه وأهل بيته: «هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ»(1). فهنا يلفت الامام الحسين (عليه السلام) نظر المؤمنين الى حقيقة مهمة وهي: أن الله سبحانه يعلم بكل مجريات الأُمور، وهو مطلع على كل معاناة المبتلى وما يكابده من ألم دونما اعتراض منه على قضائه هو في حد ذاته حافز للمبتلى للصبر والرضا.. ولتقريب المعنى نقول: إن المتسابقين في ساحة اللعب مثلا يشعرون بالارتياح حينما يعلمون أن أبويهم وأصدقاءهم ينظرون اليهم فيندفعون بقوّة أكبر في تحمل الصعاب لتحقيق الفوز. فإذا كان تأثير وجود الأبوين والأصدقاء كذلك، فما بالك بتأثير استشعار رؤية الله لما يجري على الانسان وهو يصارع الألم ويواجه المحن؟! ما أعظم القوّة التي يمنحها هذا الاستشعار لتحمل الامتحانات العسيرة والمصائب الخطيرة .. ولذا فقد جاء النداء الالهي لتثبيت قلب النبي نوح (عليه السلام) حين واجه أعظم المصائب والضغوط من قومه وهو يصنع الفلك، حيث قال (تعالى) : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا)(2). فكان لعبارة «بِأَعْيُنِنَا» وقع عظيم في نفسه (عليه السلام) فصبر وواصل عمله الى نهايته دونما أن يلتفت الى تقريع الأعداء أو يهتم باستهزائهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) موسوعة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ج8 ص42 (2) المصدر السابق (3) بحار الأنوار، ج 45، ص 46 (4) هود 37 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
14095

الله عز وجل هو السعادة الحقيقية

دعتني صديقتي إلى مأدبة غداء، اعتذرت منها لانشغالي بأمور أخرى، فترجتني أن احضر إذ إنّ صدیقة قدیمة لها تقطن في محافظة أخرى سوف تکون موجودة وتريد أن تعرفني بها، وعندما رأيت إلحاحها، قلت: حسناً سوف آتي متأخرة، ابتسمت وقالت: لا بأس أهلاً بك في أي ساعة جئتِ. عندما وصلت كانوا قد أنهوا غداءهم وجلسوا في الصالة لاحتساء الشاي، دخلت إليهم وعرفتني بصدیقتها التي کانت قادمة مع ابنتها المراهقة والتي تدعی (أسوا) جلسنا نتحدث وجلست ابنة صدیقتي (نبأ) مع (أسوا)، لمحت على محیى نبأ أنها لم تکن راضیة عن (أسوا) ولکنها بدت متحملة الوضع وبدا الضجر على سیماء (أسوا) ودار بنا الحدیث وتشعب نحن الأمهات عن لطف الله عز وجل في لحظات حياتنا، فقلت: إن الله عز وجل يرأف بنا في ساعات الشدة، ویلطف بنا في کل لحظة فأیدت صديقتي وصدیقتها کلامي بقول: نعم والله. رأيت امتعاضاً على وجه (أسوا) فقلت لنفسي: لربما هو أمر بينها وبين (نبأ)، وتسلل بنا الحدیث عن فراق الله عز وجل وکم هو مؤلم فراقه. فانبرت (أسوا) مستهزئة: کم هو مؤلم فراقه! بدا على وجه أمها التوتر والغضب وبدأت توبخها. فالتمست من الأم أن ترأف بها وتدعها تتكلم. فقالت الأم: سوف تبدأ بالهذيان. قلت لها: إذا سمحتِ أودّ أن اسمع منها ما تقول. فأطرقت الأم وهي خجلة: حسناً، نظرتُ إليها، وقلت: یا صاحبة الاسم الجميل، ماذا في جعبتك من أفكار؟ قالت: إذا تکلمت سوف تغضب أمي! نظرتُ إلى الأم وقلت: هل تسمحین أن أتكلم مع ابنتك على انفراد؟ نظرتْ إلى صديقتي فطمأنتها أن تتحدث معي. خلوت مع (أسوا) وقلت: تحدثي وقولي ما عندك. قالت: أنا عندما أقول شيء ما تغضب أمي. قلت لها: ماذا تقولين مثلاً وتغضب امك؟ تلکأت لثوان وقالت: أنا لا أعتقد أن هناك إلهاً! نظرت إليها بتأمل وقلت: هذا کلام کبیر. قلت: وماذا بعد؟ قالت: کنت قبلها أتساءل: هل هناك خالق لله؟ فکانت تغضب أمي، وتجیب الخالق هو الله ولا خالق غیره. قلت: وبعد ماذا أيضاً؟ قالت: کنت أتساءل: هل هناك إله أقوى من الله؟ فکانت أمي تثور غضباً، وأخيراً أنا متأكدة أنه لا یوجد إله، إذ لو كان موجوداً لرأیته… قلت: حسناً هذه أسئلة کثیرة، هل هناك غیرها من الأسئلة تراودك؟ قالت: نعم، توجد غیرها، ولکن هذه أهمها. قلت: حسناً... تطلعت إليّ مستغربة وقالت: ألن تنعتيني بالكافرة الملحدة كما تدعوني أمي کلما تحدثت معها بهذه المواضیع؟ وتنهاني أن أتكلم أمام أي أحد من الناس؟! قلت: کلا یا فتاتي یبدو علیك الذکاء والفطنة، ولا تحبين أن تقبلي أمراً إلّا وأنتِ تعرفين ماهیته وتسبرین غوره. ابتسمت وقالت: نعم، أنا هکذا. قلت لها: حسناً، فلنأخذ الأمور ببساطة ولنقل أن الله عز وجل خلقه إله آخر، وقلنا بعده هناك إله آخر خلقه. أخيراً یجب أن نخلص من هذا التسلسل وننتهی إلى إله خلق الجمیع، حسناً فلنعبد هذا الإله الذي هو خالق کل شيء وإذا قلنا: هناك إله أقوى، أيضاً سوف نذهب إلى التسلسل والدور حتی نصل بالنهاية إلى إله أقوى من جمیع الآلهة الأخرى ویجب أن يكون کاملاً لیس به أي نقص أو عيب، وإلّا لن نرضی أن یکون إلهنا الذي نعبده ضعیفاً أو مخلوقاً أو محتاجاً إلى أي أحد. فکّري بکلامي قلیلاً ودعي عقلك ینفض الغبار عنه وبعدها نعود إلى بقیة أسئلتك. بعد لحظات رفعت رأسها، وقالت: وإذا لم أكن أعتقد بوجود إله أبدا؟ قلت: حسناً یا فتاتي، إذا لم یکن لهذا الکون والوجود إله، فمن أوجده إذاً؟ قالت: هو أوجد نفسه. ابتسمت وقلت: هذا القميص الذي ترتدینه، أيمكن أن تقولي إنه هو أوجد نفسه دون أن یکون هناك قماش ودون أن یکون هناك خیاط یخیطه؟ ونقول هو أوجد نفسه من العدم. تلکأت وقالت: المسألة تفرق قلت: بماذا تفرق؟ لم تجب. قلت: کون کامل متکامل بدون إله، وقمیص صغير له صانع! أليس هذا منافیاً للعقل؟ لم تجبني وسألتني: لماذا تعصب أمي عندما أسألها؟ قلت: أمك تحبك وتخاف علیك من الانحراف الذهني، ولکن الله عز وجل وهو اللطيف الخبير عندما یری حیرتك وألمك لا يريد لكِ الخذلان ووضعني في طریقك حتی تسمعي مني الشيء القلیل عن الحقيقة وسوف یضع في طريقك أناساً آخرين عندما تريدين الوصول إلى الحقيقة والوصول إلى السعادة، أتعلمين يا بُنيتي أن معرفة الله سبحانه وتعالى هي السعادة الحقيقیة... أتمنى أن أراكِ أكثر وأن نتحدث عن وجود الله سبحانه وتعالى أكثر. قالت: أتمنى ذلك. نعم إن الحديث عن الله عز وجل حديث شیق ولطیف ویستحق منا أن نقضي ساعات نتكلم به، أومأت برأسها: نعم. ابتسمت لها وقلت: هل أخبرك بحدیث قدسي؟ ابتسمت ترید أن تسمع. قلت: (لو علم المدبرون عني کیف اشتياقي إلى توبتهم لماتوا شوقاً الي ولقطعت اوصالهم) إن الله سبحانه وتعالى هو نفسه یخبرنا کم یحب المدبرین عنه، فکیف إذا أقبل قلبك إليه؟ قلت لها: إنه یحبك یا فتاة ویحب کل ما وجد ویحبك أنتِ بالذات لأنه أوجدك إنسانة عاقلة ولك کامل الاختیار في الحياة، ولم یخلقك جماداً أو أي شيء آخر. قلت: هذا کله من حبه لكِ. أطرقت برأسها وقالت: لم اسمع هذا الكلام من قبل. قلت: بنیتی، ابحثي عن الله سبحانه وتعالى في وجودك في قلبك إنه موجود معك ولکنك اغمضتِ عینیك ولم تریه، افتحي عینيكِ وافتحي قلبكِ وسترین النور والسعادة یقبلان إليك. ____________________ 1_ بداية المعرفة: الاستاذ العلامة الشیخ حسن مکی العاملي بيان التسلسل وبطلانه ص 58 . 2_ السیر إلى الله: میرزا جواد التبريزي، ط1 ، بیروت لبنان دار البلاغة ص 199_200. انعام علي محمد جواد

اخرى
منذ 5 سنوات
2124

من اسئلتكم:

السؤال: لماذا أخرج الإمام الحسين (عليه السلام) النساء معه إذا كان يعلم بأنهن سيقعن في السبي؟ الجواب: قال الإمام الحسين (عليه السلام) لعبد الله بن العباس ، لمّا طلب منه أن يبقي النساء في المدينة ولا يحملهن معه إلى كربلاء : قد شاء الله أن يراهن سبايا . هناك الكثير من الشبهات التي تطرح على واقعة عاشوراء المفجعة ، وكلها في الحقيقة واهية لا أساس ثابت لها ، لكن من يطبّل لها كثير ، والإعلام المنحرف يحاول إبراز هذه الشبهات الواهية بلباس علمي وديني ! وقد أجاب علماؤنا ولله الحمد عن جميع تلك الشبهات مستندين في ذلك إلى ما ورثوه من علوم وكلمات عن أهل البيت (عليهم السلام) . ومن هذه الشبهات هي أنه لماذا أخرج الحسين (عليه السلام) معه نساءه المخدرات مع علمه بأنه سيقتل وستسبى بعده عياله ، أوَليس هذا مخالفاً لضرورة حجاب المرأة وأنه لا جهاد عليها وأن جهادها حسن البعل ؟! وحتى تتضح الصورة ننقل الأجوبة التالية: الجواب الأول : إن المشيئة الإلهية قد تعلقت بأن تسبى عيال الحسين (عليه السلام) كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك لابن عباس ، ومع تعلق المشيئة الإلهية بأمر فليس للإنسان إلا التطبيق وعدم المناقشة ، والحسين (عليه السلام) أولى بتطبيق ما يريده الله تعالى . فإذا علما أن الله تعالى لا يأمر إلا بما فيه مصلحة للإنسانية ، تيقّنّا أن خروج النسوة مع الحسين (عليه السلام) كان لحكمة إلهية ، حتى لو لم نعلم بتلك الحكمة ، إذ إن المدار ليس على علمنا بالعلة والحكمة لتشريع الأمر الإلهي ، بل المدار على نفس التشريع الإلهي وكفى . فضلاً عن أنه قد تعرفنا على بعض الحكمة من خروج النساء مع الحسين (عليه السلام) مما ستعرفه في بقية الأجوبة . الجواب الثاني : لقد كانت للسلطة الأموية أجهزة إعلامية تعمل ليل نهار على إخفاء الحقائق وتدليسها ، واستطاعت أن تصور معاوية ويزيد بصورة المؤمنين الحافظين لدين الله تعالى ودين رسوله (صلى الله عليه وآله) ! وهل هناك أشهر من نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده للإسلام ، ومع ذلك استطاع الإعلام الأموي أن يغير هذه الحقيقة ويصور الإمام علي وأولاده بصورة أعداء الإسلام ، وهذا ما تكشف عنه الكثير من الروايات ، فقد روي عن المبرد وابن عائشة أن شامياً رأى الحسن بن علي (عليهما السلام) راكبا فجعل يلعنه ! و الحسن لا يرد . فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك فقال : أيها الشيخ أظنك غريبا ، ولعلك شبهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعا أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجا أغنيناك ، وإن كنت طريدا آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حركت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأن لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا . فلما سمع الرجل كلامه ، بكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي . وحول رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقدا لمحبتهم . ومعه ، كان لا بد من فضح حقيقة يزيد وتجرئه على حرمات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، إذا ما أقدم على سبي حرائر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وإلا فإن قتل الرجال ربما يخفى على الكثير من الناس ، خصوصاً وإن الإعلام الأموي قد صوّر الحسين وأصحابه على أنهم خوارج خرجوا عن طاعة الأمير يزيد ! ولكن سبي النساء كشف عن حقيقة الأمر . إذن ، الحكمة في إخراج النسوة مع الحسين (عليه السلام) هو لأجل تعرية وفضح الخصم ، والكشف عن جرأته على مقدسات الدين وحريم النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأن الخصم لا يتقيد بأبجديات المبادئ الدينية ، وكان استخدام هذا النمط من المواجهة والجهاد في ظرف اغلقت فيه أيّ فرصة أخرى لدحض إجرام الخصم وباطله أمام أنظار وأذهان الناس المفتتنة بأكاذيب الخصم الناسية لوصايا القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) في حق العترة المطهرة ، ولولا موقف العقيلة زينب (عليها السلام) لكان الخصم يلتف بدعايته ووسائل إعلامه على الحقيقة ، ويغيب على الناس في ذلك الوقت فضلاً عن الأجيال اللاحقة ، يغيب عنها حقيقة الموقف . الجواب الثالث : لا شك أن الانتصار في المعارك له أشكال متعددة ، فالمعركة قد تخسر في جانب ولكنها تنتصر في جوانب أخرى ، ومعركة عاشوراء ، وإن انتصر فيها جانب الضلال عسكرياً ، ولكن معركة الحسين كانت هي المنتصرة في الجوانب الأخرى ، وكان من أهم أشكال انتصار الحسين (عليه السلام) هو الانتصار الإعلامي الذي ذاع صداه في الأرجاء ، والذي أطاح بهيبة وجبروت السلطة الأموية ، مما جرّأ الناس على القيام بثورات متعددة ضد بني أمية كما هو واضح لمن طالع التاريخ بعد واقعة عاشوراء . وكان الممثل الرسمي للإعلام الحسيني هو الإمام السجاد (عليه السلام) وزينب الكبرى (عليها السلام) . إذن ، كان من أهداف إحضار النساء إلى كربلاء هي مهمة إكمال المعركة الحسينية في جانبها الإعلامي ، وقد انتصرت زينب (عليها السلام) أيما انتصار في هذا الجانب ، وهذا ما تشهد به خطبها المتعددة في الكوفة والشام ، التي أبكت العيون وكشفت الحقائق ، وجعلت الذين لم ينصروا الحسين (عليه السلام) يندمون أي ندم على خذلتهم له . الجواب الرابع : لقد كان يزيد (عليه اللعنة وسوء العذاب) يحاول الضغط على الحسين (عليه السلام) بأي وسيلة من الوسائل ، ولذا بعث عليه ثلاثين رجلاً يقتلونه – إذا لم يبايع - ولو كان معلقاً على أستار الكعبة . فلو ترك الحسين (عليه السلام) نساءه في الحجاز لكان ذلك سبباً لأن يجعلهن يزيد رهينة لتحجيم حركة الحسين (عليه السلام) وورقة ضغط لتراجع الحسين عن مبادئه ، كما ذكر ذلك السيد ابن طاووس في كتاب الملهوف . ولذا حمل الإمام (عليه السلام) أهل بيته ليتسنى له محافظتهم وحراستهم . ولكن عندما انقلبت الموازين ، وتراجع أهل الكوفة عن بيعتهم ، وحوصر الإمام (عليه السلام) ، فكان نتيجة ذلك أن تقع عيال الحسين في الاسر ، فكان ذلك الامر من قضاء الله وقدره ومشيئته التي لابد من الصبر عليها . الجواب الخامس : إن خروج النساء إذا كان موافقاً للضوابط الشرعية فلا مانع منه شرعاً ، فلا مانع من خروج المرأة من أجل طلب أمور دينها ، وهكذا لا مانع من خروجها من أجل الحفاظ على الدين أو إثبات أمر ديني ، وحيث إن الدين أغلى من كل شيء ، فلا مانع من خروج المخدرة لأجل الدفاع عن الدين ، وهذا الأمر قد أكده القرآن الكريم في أكثر من مناسبة . إذ يستعرض لنا القرآن الكريم بأن المجاهدة في سبيل الله ومقارعة المعسكر الآخر كما تكون بالنفس والمال ، كذلك تكون بالمخاطرة بإهانة العرض لا بنحو الابتذال والتدنيس ، كما في قصة مريم (عليها السلام) ، ففي سورة آل عمران ( إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ... قالت رب أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) وفي سورة مريم ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا قال انما انا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكّ بغياً ... فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيا فنادها من تحتها ألا تحزني ... فإما ترين من البشر أحداً فقولي اني تذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم انسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا اخت هارون ما كان أبوك إمرئ سوء وما كانت امك بغياً فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال اني عبدالله آتاني ... ) وفي سورة المؤمنون ( وجعلنا ابن مريم وامه آية ) . فمريم قد تعرضت لوظيفة حمل النبي عيسى (عليه السلام) من غير أب لتتحقق المعجزة الإلهية لإثبات نبوة عيسى (عليه السلام) وبعثته بشريعة جديدة ناسخة لشريعة موسى (عليه السلام) ، مع أن تحقيق المعجزة هذه كان يخاطر بسمعة مريم وعرضها ، إلى درجة مواجهة بني إسرائيل لها بالقذف والبهتان ، ولكن كل ذلك لا يعنى ابتذال وتدنيس مريم ، بل غاية الأمر إهانة عرضها . فتحمّلت المسؤولية الإلهية وأعباء المعجزة والرسالة الجديدة ، مع أنها أصعب من الجهاد بالنفس والقتل بالسيف للإنسان الغيور وبالنسبة للمرأة العفيفة التي أحصنت فرجها . ولذلك قالت (ياليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا) ولكن جهادها وتحملها أقام الحجة على كفار بني اسرائيل ، فجعلها الله تعالى آية حجة تشارك ابنها النبي عيسى (عليه السلام) في الحجية . وهناك واقعة أخرى يسردها لنا القرآن ، وهي واقعة المباهلة (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) . فههنا في واقعة المباهلة احتج الله بالزهراء (عليها السلام) على حقانية الشريعة المحمدية ونبوة سيد الرسل (صلى الله عليه وآله) جنبا إلى جنب الاحتجاج بالأربعة بقية أصحاب الكساء . ففي هذه الواقعة قد تحملت الصديقة الزهراء (عليها السلام) بأمر من الله تعالى انزله في القرآن ، تحملت المشاركة في المباهلة أمام ملأ أهل الكتاب ، وهو نمط من المنازلة والمواجهة . وهكذا خروج زينب وأخواتها (عليهن السلام) مع الحسين (عليه السلام) ، كان من أجل الدفاع عن الدين وعن حرمات الرسالة المحمدية . وهذا ما كشفت عنه مواقف زينب الكبرى (عليها السلام) في الدفاع عن الإمام السجاد (عليه السلام) حيث تعرض (عليه السلام) لأكثر من مرة إلى القتل من قبل ابن زياد ويزيد (عليهما لعنات الله تعالى والملائكة والناس أجمعين)، وهكذا دفاعها عن بنات الحسين (عليهن وعليه السلام) عندما أراد بعض أهل الشام أن يسترقهن ، ومواجهتها لابن زياد ويزيد وكشف حقائقهما المخفية وكفرهم عن أهل الشام . بقلم: الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

اخرى
منذ 5 سنوات
1703

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70372

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51471

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41485

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36059

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32874

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32260