تَعلّمتُ أنّ الحُبَّ للهِ، وفي اللهِ، ولأجل الله وأنَّ أسمى أنواعِ الحُبِّ هو حُبُّ الإنسانِ لخالقِه، وأنَّ المُحبَّ يبذلُ كُلَّ غالٍ ونفيس؛ لأجلِ رضا محبوبه، ولو لم يطلبْ محبوبه منه ذلك ولكنّه رأى أنَّ التضحيةَ بما يملكُ ستُقرِّبُه لمحبوبِه أكثر وبحثتُ عن أروعِ ما كُتِبَ وقيلَ في الحُب فلم أجدْ أروع من قول الشاعر واصفًا لسان حال الإمام الحسين (عليه السلام):] إلهي تركتُ الخلقَ طُرًا في هواكا وأيتمتُ العيالَ لكي أراكا فلو قطّعتَني بالحُبِّ إربًا لما مال الفؤادُ إلى سواكا.
اخرىبقلم: فريال ياسر الأسدي إنَّ الحجابَ هو أحدُ أهمِّ المسائلِ الإسلاميةِ المهمة، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ حاله في المُجتمعاتِ الإسلامية يدعو إلى الحسرة والتأسف؛ فقد بدأت نسبةٌ ليست قليلةً بالتخلّي عنه، إمّا بخلعِه وهذا هو السفور، أو بلبسِ حجابِ الموضة وهذا هو السفور المقنع الذي كَثُرَ للأسف! من أسبابِ التراجعِ في الحجابِ هو الغزو الثقافي الذي طرحَ مجموعةً من الحُججِ الواهيةِ، ويُسلط هذا المقالُ الضوءَ على مسألةِ الحجاب، وبيانِ فلسفةِ تلك المسألة؛ لأنّ عدمَ توضيحِ وإدراكِ الفلسفة الحقيقية لكثيرٍ من الأحكامِ الإسلامية من أكثرِ الأسبابِ التي سببتِ العديدَ من الأمراضِ التي أصابتْ مجتمعاتنا الإسلامية. ولكي يتحصنَ المجتمعُ الإسلامي من مُخططات الغزو الثقافي في مسألةِ الحجابِ عليه أنْ يعرفَ فلسفته، وأدلته، والهدف منه بشكلٍ مدروس ودقيق. وبعد طرحِ الجانب النظري يجبُ علينا طرحُ القدوة العملية، ويتمُّ ذلك من خلالِ طرحِ الشخصية الأنموذج والمواقف التي مرّت بها؛ فالمواقفُ التي تمرُّ بها الشخصيةُ الأنموذج هي مواقفُ حيةٌ وواقعيةٌ، لا يُمكِنُ أنْ نُدرِكَها إلا بالدخولِ في عمقها، ولو عرفتِ المرأةُ المعاصرةُ اليومَ الصورةَ الحقيقيةَ لتلكَ المواقفِ التي مرّت بها السيدة زينب (عليها السلام) مثلًا؛ لأدركت كنه المرأة المثالية. 1ـ المعنى اللغوي والاصطلاحي للحجاب الحجابُ: هو الحاجزُ عن تلاقي الطرفين جسمًا أو نظرًا. واصطلاحًا: هو كُلّ ما يسترُ المطلوب، يقولُ الشهيدُ مطهري: "استعمالُ الحجابِ للمرأةِ مصطلحٌ جديدٌ نسبيًا، أما في مصطلحِ الفقهاءِ القدامى فقد كانتْ كلمةُ (الستر) هي المُستعملةُ بمعنى الحجاب اليوم، فهم يستعملون في كتابِ الصلاةِ والنكاحِ ـ اللذين يتناولان هذا الموضوع ـ كلمةَ السترِ بدلَ الحجاب" 2ـ تاريخُ الحجاب يحكي لنا التاريخُ أنَّ الحجابَ كان موجودًا في بعضِ الحضاراتِ الإنسانية المعروفة، فالآشوريون مثلًا كانوا يُميّزون بينَ السيّدةِ الحُرَّةِ والجاريةِ الوصيفة التي تعملُ ضِمنَ حاشيةِ الملكة، حيثُ يقولُ أبو ديَّة: "النسوةُ الأحرار كُنَّ يرتدينَ عباءَةً تُسفِرُ عن الوجهِ فقط وذلك عند الخروج إلى الشارع، فيما فُرِضَ على الإماءِ السفورُ لتميّزهن عن النسوةِ من الحرائر". وفي الحضارةِ اليونانية كانَ الحجابُ مثلَ القناعِ الذي يُغطِّي كُلَّ الوجهِ ماعدا العينين، ويصفُ ديكاريش حجابَ نساءِ طيبة وهي مدينةٌ من مُدُنِ اليونان قائلًا: "إنّهن كُنَّ يلبسنَ ثوبَهن حولَ وجهِهن بطريقةٍ يبدو معها هذا الأخير وكأنّه غُطيَ بقناعٍ، فلم يكنْ يُرى منهن سوى العينين" وفيما يتعلقُ بالحجابِ عندَ اليهود فقد كانوا مُتشددين على المرأةِ في ذلك، يقولُ الشهيدُ مطهري: "إذا خالفت امرأةٌ شريعةَ اليهود، كأنْ تخرجُ بين الناس مكشوفةَ الرأس، أو تغزلُ في الشارع العام ... في تلك الحالاتِ لزوجِها أنْ يُطلقها بغيرِ أنْ يدفع َلها مهرًا". وفي الديانةِ المسيحيةِ كان هناكَ عقابٌ لمن لا تُغطّي رأسَها في أثناءِ الصلاة وهذا ما ورد ذكرُه في رسالةِ بولس الأولى: "وكُلُّ امرأةٍ تُصلّي أو تتنبأ ورأسُها مكشوفٌ فإنّها تُشينُ رأسَها؛ لأنّها تكونُ كما لو حُلقَ شعرُها، إنّ المرأةَ إذا لم تتعظ فليُقص شعرها". وجاء في التاريخ أنَّ السُننَ الحنيفية التي كانت لعبدِ المطلب في دارِ الندوة أنَّ البنتَ إذا بلغتْ مبلغَ النساء أتوا بها إليه فيُلبِسها الخمارَ، وكان وجهُها مكشوفًا وأحيانًا تُسدِلُ خمارَها على كتفيها فيظهرُ صدرها". إذن الحجابُ كانَ معروفًا في الحضاراتِ القديمة مع التفاوتِ بين المُجتمعاتِ والقبائل، ولم يظهرْ بظهورِ الإسلامِ، وهذا الأمرُ يدفعُنا للتساؤلِ: كيف عرفت تلك المجتمعات الحجابَ والستر؟ وهل هذا الأمرُ مجبولٌ عليه الإنسان بفطرته؟ وهل إنَّ دوافعَ تلك المُجتمعاتِ في الحجاب هي نفسُها دوافعُ الدين الإسلامي؟ وهذا ما سوف نتطرق إليه في المطلبِ التالي، وهو الحجاب والفطرة.
اخرىبقلم: أنعام العبادي من التصوّراتِ السطحيةِ لقيامِ دولةِ العدلِ الإلهي المُنتظَرَة، هو أنْ يكونَ قيامًا خارجًا عن السنن الإلهية، ومن مصاديق هذه النظرة، إنّه قيامٌ بظهورِ صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وعددٍ من القادة والمؤازرين، دون التفكير والسعي في أنْ يكون الشخصُ منهم؛ ولهذا التفكير أسبابٌ من جملتِها: اليأس، وسهولة هذه النظرة. إن من مقدماتِ التمهيد لهذه الدولة، هو تغييرُ هذه النظرة، والتصديّ لها بقوة. وقد أشار الله (سبحانه) إلى هذه الحقيقة في كتابه العزيز بقوله (تعالى): "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا"(١)، فهو قيامٌ لن يخرجَ على الأطلاقِ عن هذه القواعد، والتحرُّك نحو هذه الحقيقة يدفعُ المُنتظِرَ نحو تفكيرٍ أعمق، باحثًا عن مسؤوليتِه في التمهيد، وعن دورِه عند الظهور، ويسعى بشكلٍ مستمر، ويبحثُ عن إجابةٍ لأسئلته، وصولًا إلى معرفةِ دورِه، مُتحركًا ضمنَ توجيهاتِ تلك السنن الإلهية وروايات العترة الطاهرة، حتى يكونَ إيمانُه مستندًا على دعائمَ رصينة.. ومن تلك التساؤلات التي تردُ على ذهن المُنتظر: "كيف النجاة؟ وما السبيل؟ ومن سيسقطُ من الغربال؟ ...."، وسيكونُ تركيزُنا في هذا المقال على السؤال الأخير؛ لأهميته في زمنِ الغيبة، فقد روي عن ابن أبي يعفور أنه قال بأبي عبد الله (عليه السلام): ... واللهِ إنّ من يصفُ هذا الأمر منهم لكثير، قال (عليه السلام): لا بُدّ للناس من أنْ يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا، ويستخرج في الغربال خلقٌ كثير"(٢). وقبل البدء في معرفةِ المقدمات التي ستصلُ بهم إلى هذه النتيجة، لابُدّ من الاستعداد لمُضِلّات الفتن؛ لأن التمحيصَ يتحققُ بمرورِ المؤمنين بعدةِ اختباراتٍ وابتلاءات؛ لعزل المنافقين عن المؤمنين، ففي الادعاء وفي الحالاتِ العادية تجد أنَّ كلَّ الناسِ يحسبونَ أنفسَهم صالحين، وأما عند المرور بالامتحانات أو بهجوم الغرائز، أو معرفة الشيطان بتلك الثغرة الضعيفة الخاصة بالمؤمن؛ عندها يقع الاختبار. والنتيجةُ؛ أنَّ هناك من يكون البلاءُ سببًا لمعرفتِه بتلك الثغرة، ويسعى إلى إصلاحها ويرتقي بها، وهناك من يؤدي به البلاء إلى الضلال، ومن أهمِّ السُبل للنجاةِ هو الوقوف على أسبابِ السقوطِ من الغربال، ومن أخطرها السببان الآتيان: ١- حُبُّ الرئاسة: وخطورتُها تتجلّى في التَعّمد على إخفائها في عمقِ نفسِ الإنسان؛ لكونها ذنبًا قلبيًا، بالأخصِّ من يمتلكُ مكانةً اجتماعية. وتكونُ في البدءِ ثغرةً، فإذا عرفَ الشيطانُ أنّها نقطةُ الضعفِ عملَ على تكبيرها؛ لتكونَ مكانًا مقدسًا، تُهاجِمُ كلَّ من اقتربَ نحوها. ومن علامات المُبتلى بهذه المُهلِكة: الثقلُ في إرشادِ غيرِه إلى من هو أعلمُ منه، وانتقاصُ الآخرين بسلوكياتِهم، فإنْ لم يجدْ أتهمَهم بنواياهم؛ ليرفعَ نفسه، خصوصًا عندما يشعرُ باقترابِ شخصٍ من مكانتِه، ويُحتَملُ أنْ يأخذَها منه، ويصنع لنفسه أهميةً غير حقيقية، كادعاءِ مواعيدَ واتصالاتٍ كاذبة ليُشعرَ الناسَ بأهميته، وعندَ تشخيصِ وجودِ هذه العلامات في النفس لابُدّ من الوقوفِ عليها وبإصرار، قبل أنْ تكبرَ هذه الثغرة، وتصير مكانًا لا يضيق على الشيطان لطول مكثه فيه. وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأمْرِهِمْ مِلاَكًا، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكًا، فَبَاضَ وَفَرَّخَ في صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورِهِمْ"(٣). فكلُّ ما يُخفيه الإنسانُ سيكونُ سببًا في مصيرِه وعاقبته، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما أسرَّ عبدٌ سريرةً إلا ألبسَه اللهُ رداءَها إنْ خيرًا فخير وإنْ شرًا فشر"(٤). فعلى الإنسانِ إنْ يتفكّرَ أنّ لذةَ هذه المُهلكة أيامًا قليلةً وأنَّ عاقبتَها هلاكٌ أبديّ، ثم إنّ القلوبَ بيدِ الله (سبحانه) فقط، فينبغي أنْ يكون العملُ له وحده، روي عن الإمام علي (عليه السلام): "من حَسُنَتْ سريرتُه، حَسُنَتْ علانيتُه"(٥). وعلامةُ السلامةِ من هذه المُهلكة؛ هي حُبُّ العملِ والرغبةُ في تطوّرِه لذاتِه، وإنْ قام به غيره، تحملًا للمسؤولية لا حبًا للرئاسة. ٢- التولّي لأعداءِ أهلِ البيت (عليهم السلام) والتبرؤ من أوليائهم: فعن الإمام الرضا (عليه السلام): "إنَّ ممن ينتحل مودتنا أهل البيت من هو أشدُّ فتنةً على شيعتنا من الدجّال، فسُئل الإمامُ: بماذا يُفتَنون؟ قال: بموالاةِ أعدائنا، ومعاداةِ أوليائنا، إنّه إذا كان كذلك اختلطَ الحقُّ بالباطل، واشتبه الأمرُ، فلم يُعرفْ مؤمنٌ من منافق"(٦)، وخطورةُ هذه المُهلكة هي عدم الالتفات إلى مقدماتِها المؤدية إلى الخذلان. ومن المقدماتِ الخطيرة لموالاةِ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) هو الانبهارُ بنَمَطِ الحياة الماديّ السطحيّ لهم؛ لِضعفِ الروحانية، وحبًا بالراحةِ المادية. فمن لديه هذا الميل إذا لم يقوِّ روحانيتَه، سيشعرُ بالدونيةِ تجاه القوّة الوهمية التي يمتلكُها الطرفُ الآخر ويضعُفُ انتماؤه، ويكونُ سهلَ الانقيادِ لجبهةِ المُنكرينَ للهِ (تعالى) من حيثُ لا يشعر. ومن مقدماتِ التبرؤ منْ أولياءِ أهلِ البيت (عليهم السلام) هو التَعَصُّبُ والانفصالية عن من هم مشتركون معه بنفس العقيدة وهي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام )، ولعلَّ أبرزَها وأشدَّها ما يُعانيهِ المجتمعُ في مسألةِ التقليدِ وتعدُّدِ المراجع، فلا أحدَ من الفقهاء يقولُ بوحدةِ المرجعية، فهي مُتعددةٌ في زمنِ الغيبة، لكن وفقَ ضوابط في اختيارِ مرجعِ التقليد.. وهذا الأمرُ لابُدّ من بيانِه من قِبل المُتصدّين للمجتمعِ، فمن شأنِه أنْ يُخفف نزعةَ الانفصالية، وقبلَ أنْ يؤديَ بالمؤمنِ إلى التخلّي عن ولايةِ رسولِ اللهِ محمد وآله الطيبين الطاهرين، روي عن الإمامِ زين العابدين (عليه السلام): "فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وإيّاكم والذنوب التي قلّما أصرّ عليها صاحبُها، إلا أداه إلى الخذلانِ المؤدي إلى الخروجِ عن ولايةِ محمدٍ (صلى آلله عليه واله)،... قالوا: يا بنَ رسولِ الله!.. ما الذنوبُ المؤديةُ إلى الخذلانِ العظيم؟.. قال: ظلمُكم لإخوانِكم الذين هم لكم في تفضيل عليّ (عليه السلام)"(٧)، أيّ ظلمُ من يوالي أميرَ المؤمنين (عليه السلام). إذن بالوقوف على هذه الأسباب وأشباهها، يكونُ السبيلُ للنجاة؛ لأنّ مُضِلّات الفتنِ رهينةٌ لمُسبباتها، كما أشارتِ الأحاديثُ إلى ذلك، منها قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "أيُّها الناسُ إنّما بِدءُ وقوعِ الفتنِ أهواءٌ تُتبع،.."(٨)، وطلبُ العون من الله (سبحانه) في ذلك، بالتمسكِ بالثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة، وتحريكِ العقلِ ببعض الأدعية، ومنها دعاء مكارم الأخلاق، بوضعِ النفسِ في ميزانِ فقراته؛ لِيعرفَ المؤمنُ الحقَّ حقًا فيتبعه، والباطل باطلًا ليجتنبه. ___________________ ١- سورة فاطر آية (٤٣). ٢- الكافي- للكليني- الجزء ١. ٣-كتاب نهج البلاغة- الشريف الرضي. ٤-ميزان الحكمة- محمد الريشهري- الجزء ٢. ه- ميزان الحكمة- محمد الريشهري- الجزء ٢. ٦- صفات الشيعة- للشيخ الصدوق. ٧- جواهر البحار- الشيخ حبيب الكاظمي- المجلد الرابع(باب العِشرة). ٨- الكافي- للكليني- جزء ١.
اخرىبقلم: قاسم سالم المشرفاوي أنتَ أذكى طفلٍ رأيتُه في حياتي؟ أنتَ أكثرُ عبقريةً من أينشتاين؟ أنتِ أجملُ فتاةٍ رأيتُها في العالم؟ أنتَ بطلٌ؟ عباراتٌ كثيرًا ما نجدُها مُنتشرةً هنا وهناك، بين أروقةِ الصفحاتِ التربوية بكثرة، في ظاهرها حسنةٌ وجميلةٌ، ولكنّها لا تخلو من سلبياتٍ عديدةٍ تؤثرُ بشكلٍ سيءٍ وسلبيٍ في تكوينِ شخصيةِ الأبناءِ بشكلٍ غير واقعي وغير موزون. ونرى العديد من الإخوةِ الآباء والأمهات يستعملون أسلوب المديح هذا ويعدّونه من الأساليبِ الذكيةِ في التربية، بل إنّ بعضَ المدربين يستخدمونه في التدريبِ للأسفِ الشديد دونَ معرفةِ نتائجه! إن استخدام تلك العبارات وبكثرةٍ تجعلُ الأطفالَ غيرَ واقعيين وغيرَ منطقيين إذا كانتْ تتناقضُ مع صفاتِ الطفلِ الحقيقية والواقعية، ومن الممكن أنْ تُسبِّبَ له انتكاساتٍ عكسيةً في حياته. فلو سألَنَا شخصٌ عن سلبياتِ هذه الكلماتِ وتأثيرها العكسي فإن بإمكاننا أنْ نوضِّحَ سيناريو معينًا ونقوم بتحليلهِ لزيادةِ عمليةِ الإقناعِ لدى السائل.. فلنأخذْ سيناريو (أنتَ ولدٌ ذكي)، فأنتَ تعني: ذاتك، كيانك ككل، وإطلاقُ صفةِ الذكاءِ على ولدِك بالمطلق تعني أنّ كلَّ ما يصدر منه هو ذكاء! إذن السؤال: كيف ينظرُ هذا الطفلُ ذو العشر سنواتٍ مثلًا لنفسه إذا لم يستطِعْ حلَّ مسألةٍ معينةٍ في مادةٍ معينةٍ أو جاء بنتيجةٍ متدنيةٍ في إحدى المواد؟ كيف سيُفسِّرُ ذلك الأمر يا ترى؟! فالطفلُ هنا سيُصيبُه الإحباطُ ويفقدُ الثقةَ في نفسِه مؤقتًا هذا إنْ لم يستمر في فقدان ثقتِه بنفسِه أو استمرَّ لديه الإحباط لأيام. إذن سيفهم أنّ إطلاقَ هذه الصفات تكونُ خدعةً من والديه، وإشارةً إلى عدمِ جدارته، أو أنّها مجاملةٌ له فقط لا أكثر! لنُكمِلِ السيناريو المُفترض.. جاءك ولدُك وهو مُصابٌ بالإحباطِ ويشعرُ بخيبةِ الأمل وقال لك: -أبي، أنا لستُ عبقريًا، ولست أذكى من في الصفِّ كما تقول! وهنا سيكونُ جوابُك: - لا يا عزيزي، فأنت عبقريٌ وما هذه إلا أزمةٌ مؤقتةٌ وستنتهي، والجميعُ يمرُّ بها. وهنا أُريدُ أنْ أقولَ: إنّ استمرارَ الوالدين في الكذبِ على ولدهِما وتوصيفِه بأوصافٍ مُبالغ بها ومطلقة في معناها ستوقعهُما في أخطاءٍ كارثيةٍ من شأنِها فقدان الطفل الثقة في كلامِ والديه وعدم تصديقهما فيما يقولان له. فعدمُ قولِ الحقيقةِ للأبناءِ، وعدمُ التعاملِ باتزانٍ في كُلِّ شيءٍ يؤدي إلى تحطيمِ الطفلِ من حيثُ لا يشعران.. إذن لماذا لا يُعدُّ هذا المديحُ مقبولًا وصحيحًا؟ لأنّه: *يُعطي الطفلَ انطباعًا غيرَ واقعي عن نفسه، ولا يتطابقُ مع قدرتِه الفعلية. *يُعرِّضُ الطفلَ للإصابةِ بالإحباط وخيبةِ الأمل عند أول إخفاقٍ يمرُّ به. *يُركِّزُ على النتيجةِ دونَ التركيز على الجُهدِ المبذول. والحلُّ المقبول والصحيح هو أنْ نجعلَ الأطفالَ يُفكّرون بشكلٍ واقعي بعيدًا عن المبالغة. *والمديحُ المبالغُ فيه يجعلُ الطفلَ لا يعرفُ قدرتَه الحقيقية. *إضافةً إلى خلق حالةٍ من العطش للمديح، فلو لم تمدحْه يومًا فإنّه سيُصابُ بالإحباطِ مما يؤدي إلى تكوين شخصيةٍ فارغةٍ وغيرِ واثقةٍ بنفسها.. *والسؤال: إذن كيف نمدحُ ومتى؟ أنت تشاهدُ ولدَك يمضي ساعاتٍ وهو يدرسُ ويثابر على إكمالِ مواده الدراسية، باستطاعتك أنْ تقول له: أنت تُبلي بلاءً حسنًا، وقد بذلت مزيدًا من الجهد والمثابرة. فهنا ركّزتَ على مقدارِ الجهدِ الذي يبذلُه ولدُك ولم تُركّزْ على النتيجة، فالتركيزُ على الجُهدِ يدفعُ بولدِك إلى أنْ يفهمَ أنّه بمقدار ما يبذلُ سوف يحصلُ على نتيجة، وهذا هو المطلوب. من جهة أخرى أنت لم تُطلقْ عليه شيئًا غيرَ واقعي، فلو جاءت نتيجةُ الامتحانِ مقبولةً فمن الممكن أنْ تقولَ له: باستطاعتك أنْ تبذلَ مجهودًا أكبر لتحصلَ على نتيجةٍ أفضل.
اخرىتعلّمتُ أنَّ الصلاةَ هي أهمُّ دعائمِ الدين، وأنّها وسيلة الاتصالِ بين العاشقِ والمعشوق، بين الخالقِ والمخلوق، بين العبد وربه، وأنّها حصنُ المؤمنِ في مواجهةِ مُغرياتِ الحياةِ؛ فهي كما وصفَها اللهُ (تعالى): "إنَّ الصلاةَ تنهى عنِ الفحشاءِ والمنكر" وهي علامةٌ للتمييزِ بين المؤمنِ والفاسق فها هو الحسينُ (عليه السلام) في يومِ عاشوراءِ بين صليلِ السيوفِ، وطعنِ الرماحِ، ورمي السهامِ صلّى بأصحابِه صلاةَ الخوفِ بوقتِها، ولم يتوانَ لحظةً في تأخيرها.
اخرىبقلم: علوية الحسيني المطلب الثالث: الارتباط الوثيق والدور الجلي الحقيق بين المعرفة بالله (تعالى) وبالقضية الحسينية ▪️الفرع الاول: الارتباط الوثيق بين المعرفة بالله (تعالى) والقضية الحسينية إنّ مجرّدَ الاعتقادِ بتوحيدِ الله (تعالى) ليس كافيًا، بل لابُدَّ من الاعتقادِ بجميعِ أصولِ الدّين؛ فهي كالسلسلة، ما إن تُقطع إحدى حلقاتها حتى يضطرب الإيمانُ كُلُّه. وتلك السلسلةُ متمثلةٌ بالتوحيد، فالعدل الإلهي، فالنبوة، فالإمامة، ثم المعاد. ووجهُ الارتباطِ بين حلقاتِ هذه السلسلة هو أنّ اللهَ الواحدَ الأحدَ –وهذا هو أصلُ التوحيد- من عدلِه فرضَ تكاليفَ على عبادهِ، كلٌّ حسبَ استطاعته -وهذا هو أصلُ العدلِ الإلهي-، وأنّه حينما أرادَ إيصالها إلى عبادِه أوجبَ على نفسِه أنْ يبعثَ لهم قادةً هُداةً يكونون واسطةً بينَه (تعالى) وبين عبادِه عن طريقِ الوحي النازل عليهم –وهذا هو أصلُ النبوة-، ثم بعد انتهاء حياةِ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يترك الأمّةَ سدى؛ إذ أوحيَ إليه أنِ اتخذِ أوصياءً من بعدك؛ ليحفظوا الشريعة من الانطماس، وليقوموا بما كان يقومُ به، فنصّبَ أولياء من بعده –وهذا هو أصلُ الإمامة-، ثم بعد انتهاءِ حياةِ جميعِ البشر لابُدَّ من أنْ يُثابَ المُحسنُ الذي أطاع الله والنبي والإمام، ويُعاقب من عصاهم؛ لما يقتضيه عدلُ الله (تعالى) فيعطي كلّاً حقّه –وهذا هو أصلُ المعاد-. وبهذا يتبيّنُ أنّ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام) هو واسطةٌ بين العبادِ وبين اللهِ (تعالى) عن طريق النبي (صلى الله عليمه وآله)؛ أيّ يُملي على العبادِ ما كان يُمليه عليه النبي (عليهما السلام) من معارف. صحيحٌ أنّ الطرقَ إلى اللهِ (تعالى) بـعددِ أنفاسِ الخلائق، لكنّ الإنسانَ المُنغمسَ في عالمِ المادّة -ما سوى المعصوم- لا يعرفُ اللهَ بالله، ولا يؤدي مجرّدُ عقلِه إلى اللهِ (تعالى)، بـل يعرفُ اللهَ (تعالى) بأفعالهِ وصفاتهِ –بأفعالهِ أيّ بمخلوقاتِه، ومِن مخلوقاتهِ أهل بيت النبوّة، ويعضدُ ذلك ما نقرأهُ في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرةِ: "مَن عـرفَكم فقد عَـرَفَ الله"، فبعدَ معرفةِ مخلوقاتِه ننتبهُ ونعرفُ اللهَ (تعالى)؛ إذ هُم (عليهم السلام) الأدلّاءُ على الله-. فلابد من مرشدٍ وهاد, وهم محمد وآل محمد (عليهم السلام), إذ هم مظاهر التجلي, كما قرأنا "مَن عرفكم فقد عرف الله". وسيّدُ القضية الحسينية الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) هو الدالُّ على معرفةِ اللهِ (تعالى)؛ من خلالِ ما هو مُكلّفٌ به من وظيفةٍ إلهيةٍ من حِفظِ الشريعةِ وبيانِ معالم الدّين، وهدايةِ وإرشادِ عبادِ الله (تعالى). فالإيمانُ بكُلِّ ما جرى في القضيةِ الحسينية له يؤدي إلى الإيمان بالله (تعالى) بتوحيده، وعدله، ونبوّته، عروجًا على إمامته، بـل وحتى بمعاده. ▪️الفرع الثاني: دورُ المرأةِ في معرفتِها بالله (تعالى) وتوظيفه بالقضيةِ الحسينية إنّ الوصولَ إلى الكمالِ الرّوحي يتطلبُ تحمُّلَ المشاق، والتسليمَ المطلق لله (سبحانه)، والذوبان في هيمنتِه وسلطنتِه (جلّ شأنه)، فالإنسانُ وإنْ كانَ مجبولًا في فطرتِه على حُبِّ الوصولِ إلى الكمال، إلّا أنّ التعلُّقاتِ الدنيوية التي تطرأ عليه عرضًا تجعله محجوبًا عن الوصول. وها هي الأنموذجُ النسوي الأمثل -من بعدِ أُمِّها الزهراء (عليها السلام)- السيّدةُ زينبُ (عليها السلام) قد نالتْ ما نالتْ من فيوضاتٍ، وهيّمتْ قلبها لإرادةِ الواحدِ القهّار، فأصبحتْ من خواصِ اللهِ خَلقًا، وأثمرهم عطاءً. ومن هُنا، على المرأةِ النهوضُ بدورها الرسالي الذي تُشاطِرُ به الرجل، انطلاقًا من معرفتها بالله (تعالى)؛ لتجسيدِ التلبيةِ في الولاءِ لأولياءِ الله (سبحانه) والإذعانِ لأوامرِهم ونواهيهم المنقولة لنا عن بعضهم البعض. فدينُ الإسلامِ دينُ النهوض "لم يعترفْ بكونِ المرأةِ ربةَ بيتٍ فقط، بل هي في نظره إنسانةٌ كاملةُ الإنسانية، دورها في الحياةِ دورٌ إنساني رائد. أمّا المهامُ المنزليةُ فتعاونٌ مُشتركٌ بين الرجلِ والمرأةِ؛ لتدبيرِ شؤونِ حياتِهما المنزلية، فإنُ يتطوعَ أحدُهما للقيامِ بها فإنّه يُشكر على تطوعه. ومن أبرزِ معالمِ دورِ المرأةِ في عملها الرسالي أنْ تكونَ داعيةً بين بني جنسها الأنثوي في أيّ مكان: في البيتِ أو في العملِ أو المدرسة أو الحرم الجامعي أو التجمعات النسوية، فإذا وجدتِ القدرةَ على أداءِ الرسالةِ كان ذلك واجبًا عليها كواجبها في أداءِ الصلاةِ والصوم والحج والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمرُ يدورُ على الاستطاعةِ أو عدمها، فإذا كانتِ المرأةُ عالمةً بأنّها تستطيعُ أنْ تهديَ جمهورًا من النساء أو الرجال وجبَ عليها أنْ تقومَ بذلك في دائرةٍ مكاناتها الطبيعة والواقعية، وإذا كانت تستطيعُ توسعةُ هذه الإمكاناتِ من دونِ أنْ تضغطَ على ظروفِها فإنّه من الواجب عليها أنْ تفعلَ ذلك، وربما تكونُ المصلحةُ في أنْ يكونَ القيامُ بهذا الدورِ الثقافي من بعضِ مسؤولياتها الخاصة، بحيث تتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في بعض الحالات"(10). إذًا على المرأةِ أنْ تدركَ وظيفتَها وأهميةَ مكانتها؛ لتنهضَ لتبليغِ رسالةِ السماء كما نهضتِ السيّدةُ زينب (عليها السلام) قبلَ وأثناءَ وبعد الثورة الحسينية. يقولُ اللهُ (تعالى): {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبا}(11). ظاهر الآيةِ يدلُّ على أنّ الذين يُبلّغونَ رسالاتِ الله هم الرجالُ والــنساءُ، بدلالةِ السياقِ الخطابي للقرآن الكريم حينما يُريدُ تكليفَ الجنسين يُعبّرُ عن ذلك بصيغةِ الجمعِ كما هو واضحٌ في آيةِ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}(12)، إذ التكليف بإقامةِ الصلاة لا ينحصرُ بجنسِ الرجالِ دونَ النساء، بل صيغةُ الجمعِ تدلُّ على شمولِ كلا الجنسين بالتكليف، فكذلك أمرُ تبليغِ رسالاتِ الله (تعالى)، والظهورُ حُجّةٌ، وفي ذلك قوّةٌ للدليل على شمولِ النساءِ بتبليغِ الرسالات تلك. إذًا فمِن الخطأ حصرُ مسؤوليةِ الدعوةِ إلى الله (تعالى) وإلى دينه بالرجال دون النساء، حيثُ إنّ الإسلامَ أولى مسألةَ تحصيلِ العلمِ أهمّيّةً قصوى، حتّى أنّه عدَّه فرًضًا واجبًا على كُلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ. وقد تعرّضتْ جُملةٌ من الآياتِ القرآنيّةِ والأحاديثِ الشريفة لبيانِ فضلِ العلمِ والعلماءِ وما لهم من الأجرِ الكبير عند الله (عزَّ وجلَّ)، وكُلُّ ذلك ترغيبًا في العلمِ والمعرفةِ ودعوةً إلى تحصيله. جاء في الحديث: "طلبُ العلمِ فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ"(13)، وفي هذا الحديث تأكيدٌ على أنَّ طلبَ العلمِ أمرٌ لا يتمايز فيه أحدٌ عن أحدٍ، فهو واجبٌ على الرجلِ والمرأة، بل الصغير والكبير، الشاب والشيخ، الحاكم والمحكوم، ولا يختصُّ بطبقةٍ أو جنسٍ. كما وهناك أدلةٌ عامةٌ تدلُّ على مشاركةِ المرأة الرجل في الدعوة، قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْض}(14). إذاً، اُخيّة شمِّري عن ساعدي الجدِّ، ولا تخافي في اللهِ (تعالى) لومةَ لائمٍ ببيانِ معالمِ الدّين، وإحياءِ سُننِ النبي الأمين (صلى الله عليه وآله الطاهرين)، ولا تنسي قوله (تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة}(15). فالآيةُ الكريمةُ تُشيرُ إلى مبتدأ تبليغِكِ وهو نفسكِ ثم أهلكِ، وهذا ما أكّدَ عليه أميرُ المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ"(16). فمعرفتُكِ بالله (تعالى) لذاتكِ ومجتمعكِ من المُمكنِ أنْ توظَّفَ بالقضيةِ الحُسينية؛ من خلالِ الاقتداءِ بأبرزِ شخصياتِ الطفِّ من النساء، وهي السيدةُ زينبُ (عليها السلام). _______________________ (10) تربية الفتاة في الإسلام: للشيخ مجيد الصائغ, ص200ـ207. (11) الأحزاب: 39. (12) النور: 56. (13) بحار الأنوار: ج 2، ص 32، باب 9، من كتاب العلم، ح 20. (14) آل عمران: 195. (15) التحريم: 6 (16) نهج البلاغة: ح70. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على سيّدنا محمدٍ وآله الطاهرين..
العقائدبقلم: شيماء المياحي حتى الطبيعة شمّرتْ عن سواعِدِها لأداءِ فريضةِ الوعظِ والإرشادِ -لمن أرادَ أنْ يتعظ- من خلالِ لهيبِ الحرارةِ التي ارتفعتْ درجاتُها إلى نصفِ درجةِ الغليان في بعض المدن، وكأنّ لسانَ حالِها يقولُ: - يا أُيُّها العبدُ الضعيف!، هذا شيءٌ يسيرٌ من عظمةِ وقدرةِ الباري (جلَّ وعلا) وفي يومٍ لم يُعدُّ للحسابِ، وفي يومٍ فيه خياراتٌ لك للتخفيفِ عن نفسِك من لهيبِ حرارةِ الجو، فكيف بكَ أيُّها العبدُ الضعيف؛ إذا وقفتَ للحسابِ بين يديّ جبارِ السمواتِ والأرض؟! وكيف بكَ إذا لم يكنْ لك خيارٌ غيرَ حُكمِ الباري(جل وعلا)؟! وكيف بكَ إذا سُجّرتْ نيرانُ جهنم، وسمعتَ لها تغيُّظًا وزفيرًا -نستجير بالله منها-؟! فهلّا اتعظتَ قبلَ حلولِ يومٍ لا ينفعُ فيه الندم..
اخرىبقلم: زهراء المتغوي من أولِ العمرِ حتى ساعــة اللحدِ أراك في شغفِ الأرواحِ للوعــــــدِ أراكَ حيـن سفين الشوقِ يأخذني والموجُ ينثـــــالُ بين الجزرِ والمدّ أراك أجمــلَ إحساسٍ يخالجـني كالزهرِ والعطر والأنســام والوردِ أراك مثل صـــلاةٍ في تبتلهــــــا وأنت أنت إليهــا سورة الحمدِ هواك يقطرُ ما بين الدموع ندى والغيمُ يرسمُ لون الحزن في خدّي يا فكرةَ الصبح بالجمعاتِ تجذبني وتشعــلُ النبضَ بين المسك والندِّ والضوءُ يصقلُ بالندبات جوهـرةً وأنت أثمنُ ما تبقي الرؤى عندي أستوقفُ العمـرَ في أبهى محطته للانتظـــارات ما أخفي وما أبدي وأنت في مهجتي يـــا من أخبّئـــهُ لعتمــةِ العمر كنز النورِ يا مهــدي جمعة والهة
اخرىبقلم: نورا كاصد العبودي يتسابقُ العالمُ لبذلِ الغالي والنفيس في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ الحق، لكن لا يعلمون أنَّ هذا الحق ثمنُه غالٍ جدًا، والقائدُ الحقيقي هو من يُضحي بنفسه وإخوته وبنيه، وأما الكلام وحده فقط فلا يُظهر حقًا، ولا يبني صرحًا، ولا يُعلي اسمًا، ولا يُثبِتُ وتدًا للإسلام في أرضه. بين الرماحِ العالية، والرمال الحارقة، والسيوف، والسهام ذات الشُعَبِ المثلثة، وحرقِ الخيام، وسبي العيال، وعطشِ الأطفال، وهناك قضية لا تختلفُ عن قضايا الطفِّ بل منها وإليها، تُثير انتباهي دائمًا... وردةٌ ذبُلَتْ قبلَ أوانِها، بسببِ حقدِ آلِ أُميّة على آلِ طالب، تلك الطفلةُ اليتيمةُ التي استُشهِدَ والدُها عطشانًا مرميًا به من سطحِ الإمارةِ، وحيدًا غريبًا. فثار وجْدُ الحُسين (عليه السلام) واستعرتِ النارُ في قلبه، فابنُ عمِّهِ قضى نحبَه مغدورًا، وربما كان ألمُ الحسين (عليه السلام) عندما وصله خبرُ مقتلِ مسلمٍ بن عقيل أضعافَ ألمِه يومَ الطف؛ لتصوّرِه لمنظرِ ابنِ عمِّه ومقتلِه والعذاب الذي عاناه. كان لذلك الشهيدِ طفلةٌ كانت تجلسُ دومًا عندَ بابِ المخيم، لا تُشاركُ الأطفالَ الحديثَ أو اللعب، كان عمُّها الحسينُ (عليه السلام) يراها تجلسُ دائمًا وحيدةً، وكأنّها غريبة، فكان يُدنيها إليه دائمًا، ويُناديها كُلّما اشتاقتْ روحُه لمعرفةِ خبرٍ عن ابنِ عمه.. وفي يومٍ من أيامِ الطفِّ اقتربَ من تلكَ الطفلةِ حياها وحضنَها بحنان، كما يحضنُ غصنُ الوردِ أوراقَه، يحنُّ ويئنُّ لحالةِ اليأسِ من عودةِ أبيها، سألها: بُنيّة، إلى متى جلوسكِ عند بابِ المُخيم؟ شاركي الأطفالَ في اللعبِ والحديث. أجابت: يا مولاي، أنا أنتظرُ أبي؛ فعندما أرسلتَه يا سيّدي لأهل الكوفة أخبرني وهو يودعني بأنّه سيعود. فعند عودتِه من سفرِه سيراني بانتظاره، وسأروي له حالي بعده، وما فعله آلُ أمية بحُرَمِ رسول الله (صلى الله عليه و آله )، فهم شهروا سيوفَهم بوجوهِ آل بيت الرسول (عليهم السلام). سيّدي ألم يأتِك خبرٌ عن والدي؟ أجاب (عليه السلام): بُنيتي، عندما يصلُني خبرٌ عن أخي سأُخبِرُكِ بالحال.. لم يستطعِ الإمامُ (عليه السلام) إخبارَها أنَّ والدَها قضى شهيدًا، وتوجه إلى خيمةِ أختِه سيّدةِ المخدرات زينب (عليها السلام) وأخبرَها بنبأ استشهادِ ابن عمِّها، بكت (عليها السلام) لمُصيبتها به، فعلِمت نساءُ الحسين (عليه السلام) بالخبر.. ونادى الحسين (عليه السلام) حميدةَ يتيمةَ مسلم بن عقيل، وقفتْ أمامَه فما كانَ من العمِّ العطوف والإمام الرؤوف، إلا أنْ يمسحَ على رأسِها، فعلِمتِ السيدةُ الصغيرة بأنَّ والدَها قد اِستُشهِدَ وحيدًا، غريبًا، مغدورًا، رفعتِ الطفلةُ رأسَها وقالت: إنْ كان أبي قُتِلَ فهو ونحنُ فداك يا مولاي. وأطلقت صيحتها: وا أبتاه وا مسلماه. نستلهمُ معاني التضحية الفذة والقيادة الناجحة من سيّدةِ الطفِّ الصغيرة، تكتمُ آلامها وتداوي جراحها، وتشهق صرخاتها المدوية المنادية باليتم، وتستجمعُ قواها وتُفدي عمَّها بأبيها. هذه الطفلةُ عاشتِ الطف، بما حَدَثَ قبله وما بعده، وأظهرتْ قدرتَها الفائقة على الصبرِ مادام فيه انتصارٌ للدين وموالاةٌ لإمامِ زمانها، على أنَّ الفرقَ كبيرٌ جدًا، بين يتيمٍ منتصرٍ ويتيمٍ منكسر؛ فأيتامُ الطُغاة والفاسقين مصيرُهم للاندثار والزوال، أما أطفالُ معسكرِ الحقِّ الحسيني، فكانوا مصدرَ إشعاعٍ وإلهامٍ، وكانوا قدوةً للطفولة الشامخة.. فحميدةُ عنوانٌ للتضحيةِ ومدرسةٌ للوفاءِ والإباء؛ كيف لا، وهي غصنٌ نديٌ من بيتٍ زُقَّ العلمَ زقًا، وارتوتِ الصبر، وتعلّمته من عمتِها وجدتِها سيدةِ النساء فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
اخرىيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى