شبهاتٌ عقائدية حول مذهب التشيّع/ في النبوة(2) حول عصمة النبي في تلقي الرسالة الإلهية

المراد من تلقي الرسالة السماوية هو نزول الوحي جبرائيل (عليه السلام) على النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، فقد يُطرح السؤال: هل كانَ النبيّ معصوماً –عن الكذب والخطأ والسهو والنسيان- حينما تلقى معالم الدّين من جبرائيل الوحي (عليه السلام) ؟ الجواب عن هذا السؤال سيكون ضمن مطلبين يتم فيه سرد رأي الفريقين من الشيعة الإمامية وأبناء العامة مع خلاصة حيادية: المطلب الأول: رأي الشيعة الإمامية في عصمة النبي أثناء تلقي الوحي 1-قال الشيخ الصدوق (قدّس سرّه): "اعتقادنا في الأنبياء والرسل والملائكة والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى العصمة عنهم في شئ من أحوالهم فقد جهلهم"(1)، فبقرينتي (من كل دنس) و (من أحوالهم) نثبت العصمة مطلقاً للنبي (صلى الله عليه وآله)، فالتخيل للوحي، أو الاشتباه في شخصه لهو من الدنس بالنسبة للنبي (صلى الله عليه وآله). 2- سأل زرارة بن أعين الإمام الصادق (عليه السلام): "كيف لم يَخَف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما يأتيه من قبل الله، أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟ فقال (عليه السلام): إنَّ الله إذا اتخذ عبدًا رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه"(2). فالرواية تبين مصونية النبي (صلى الله عليه وآله) عن اختلاج الشيطان طرفة عين في مرحلة تلقي الرسالة السماوية المقدسة. المطلب الثاني: رأي أبناء العامة في عصمة النبي أثناء تلقي الوحي اشتهرت قصة الغرانيق عند أبناء العامة –رغم انكار البعض لها- إلاّ أنّ هناك من استشهد بها؛ استدلالاً منهم على نفي الغلو بالنبي (صلى الله عليه وآله) مثبتاً عدم عصمة النبي في مرحلة تلقي الوحي من خلال إلقاء الشيطان من نفثه في قلبه (صلى الله عليه وآله)، والأدلة أدناه كفيلة ببيان هذا الكلام وتعضيده. 1- قال شيخ الوهابية عبد العزيز بن باز: " قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه [وآله] وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل ، قال تعالى : "والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5 )، فنبينا محمد – صلى الله عليه [وآله] وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم "(3). فالدليل يدل على حصر العصمة في مقام التبليغ فقط، وإن كان ذلك المقام مخروم العصمة وفق معتقدهم. 2-قال ابن كثير في تفسيره للآية الكريمة: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِه}(4) "وقوله : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) ، هذا فيه تسلية له ، صلوات الله وسلامه عليه ، أي : لا يهيدنك ذلك ، فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء . قال البخاري : قال ابن عباس : ( في أمنيته ) إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ، فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إذا تمنى [ألقى الشيطان في أمنيته]، يقول : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه"(5). فبهذا الحديث يثبت القوم إلقاء الشيطان في قلب النبي (صلى الله عليه وآله), وإذا أُلقي في قلبه خالجه الشك والسهو والنسيان في جميع مراحل حياته ومقامات مسؤولياته ! 3- قال ابن عاشور في تفسيره للآية أعلاه: " ويجوز أن يكون المعنى أن النبي [صلى الله عليه وآله] إذا تمنى هدي قومه أو حرص على ذلك فلقي منهم العناد, وتمنى حصول هداهم بكل وسيلة ألـقى الــشيطان في نفس النبي [صلى الله عليه وآله] خاطر اليأس من هداهم على أن يقصّر النبي [صلى الله عليه وآله] من حرصه أو أن يضجره، وهي خواطر تلوح في النفس ولكن العصمة تعترضها [ومقصودهم العصمة من الله تعالى] فلا يلبث ذلك الخاطر أن ينقشع ويرسخ في نفس الرسول [صلى الله عليه وآله]"(6). إذاً إنّ إلقاء الشيطان في قلب النبي (صلى الله عليه وآله) ثابتٌ عند القوم، والعياذ بالله من قبح الزلل. 4- جاء في روايات أبناء العامة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لا يدري ما نزل عليه وما حلَّ به! قال ابن سعد في طبقاته: "وبعد أنْ هدَأ عنه الرَّوع والخوف، أخبر خديجة بالأمر، وقال: أخشى أنَّه قد اعتراني مــسٌّ من الشيطان [يعني أصابه مسٌ من الجان] أخشى أنَّه قد أصابني مسٌّ من الشيطان، أو اعتراني جنون. فهدَّأتْ خديجةُ من رَوعه، وقالت: أبشر فوالله لا يخزيك اللهُ أبدًا، إنَّك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكلَّ وتُقري الضيف وتعين على نوائب الحقّ، فحاولت أن تهدئه، وكان يقول: إنَّ الأبعد -يقصد نفسه- لشاعر، أو مجنون"(7). والــخلاصة: يردّ قول أبناء العامة بالأدلة العقلية التالية: 1- لو لم يكن النبي معصوماً أثناء تلقي الوحي لتبادر إليه الشك في جميع ما اُلقي عليه من معالم الدّين. والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. بيان الملازمة: لو اشتبه النبي (صلى الله عليه وآله) هل أنّ مَن يكلمه ويملي عليه الأوامر والنواهي الإلهية هل هو وحيٌ أم شيطان سيخالج الشك قلب النبي ولا يكون أمامه إلاّ طريقان لا ثالث لهما: أ- أن يؤمن النبي بجميع ما يملي عليه ما يحسبه أنه الوحي. ب- أن يكفر النبي بجميع ما يملي عليه ذلك. والطريق الأول باطل؛ لأنّه شاكٌ في نسبة الوحي إلى الله تعالى، والشك أدنى درجات الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا. وإذا تعيّن بطلان الأول تعيّن صحة الطريق الثاني. وهو كما ترى. 2- لو تزامن إلقاء الوحي مع إلقاء الشيطان في قلب النبي للزم أن يكون النبي يجمع بين النقيضين. والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. بيان الملازمة: لو ألقى الوحي على النبي مثلاً آية توجب أداء الصلاة، وخالج الشيطان شكاً لقلب النبي وأمره بعدم أدائها بحجة أنّ الآية ليست من الله تعالى. 3- لو خالج الشيطان قلب النبي للزم أن يكون محل إنكار وعتاب. والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. بيان الملازمة: لو وسوس الشيطان للنبي بأنّ هذا الوحي ليس صادقاً فيما يقول، وأمر النبي قومه بأداء ما جاء به الوحي وامتنع هو عن الأداء لكان مصداقاً لقوله تعالى: (كبُرَ مقتاً أن تقولوا مالا تفعلون) فيعاتبه الله تعالى وينكر عليه فعله. ___________________ (1) الإعتقادات: للشيخ الصدوق، ص108. (2) الكافي: للكليني، ج1،ص271. 3) فتاوى ابن باز: لابن باز، ج6، ص371. (4) الحج: 52. (5) تفسير ابن كثير: لابن كثير، سورة الحج. (6) تفسير التحرير والتنوير: لمحمد بن عاشور، ج17، ص299-300. 9- ظ: الطبقات الكبرى: لابن سعد، ج1، ص195، امتاع المقريزي، ج3، ص26. اللّهم إنّا نعوذ بك من سبات العقل، وقبح الزلل، وصلِ اللّهم على محمدٍ المعصوم مطلقاً والآل. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
3063

شبهة نسبة ضلال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى ((وَوَجدَكَ ضَالا فَهَدَى))

يذهب البعض إلى الاعتقاد بأن الله تعالى يصف نبيه نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) في الآية التي ذكرناها بأنه كان على ضلال وأن الله من عليه بالهداية. نقول: ليس في العالم كله كتاب دقيق في التعبير والأداء كالقرآن الكريم، ولا عجب في أن يكون القرآن كذلك ليس كمثله شيء لأنه جاء من لدن خالق (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الشورى الآية ١١. فسبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه :(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ) سورة النجم آية (٢). وهذه الآية تعد من الأدلة التي تنفي شبهة الضلال عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله). وهنا للرد على هذه الشبهة المتقدمة نذكر بعض اجابات العلماء عليها: أولاً: الضلالة بمعنى العزلة أو التوحد. إن من المعاني اللغوية لكلمة (الضلالة) هي العزلة والتوحد . ومن هنا يُطلق على الشجرة المنفردة وسط الصحراء ((الشجرة الضالة)) ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعيش الوحدة واليتم والعزلة بين أبناء قومه ومجتمعه. بل قد جمع إلى اليتم من جهة الأب والأم اعتزل الناس وعدم مشاركتهم في عباداتهم الوثنية، فقد كان مثل الشجرة الوحيدة، يمضي حياته المتوحدة حتى شملته الألطاف الإلهية وأخرجته من هذه الحالة. ثانياً الضلالة بمعنى الشخص الضائع في قومه، وهذا المعنى اللغوي الثاني للضلالة، وهو بمعنى ضياع منزلة الفرد المرموق وشخصيته بين أفراد قومه، كأن يكون الفرد متصفاً بأعلى المراتب من الناحية العلمية والأخلاقية والروحية ومع ذلك لا يوليه قومه المكانة اللائقة به. بل ويتجاهلونه، من هنا فإن هذا الفرد سيعيش حالة من الضياع، وقد عدّ اللغويون هذا المعنى من المعاني الرئيسة لكلمة (ضل). وعليه يكون مراد الآية محل البحث: أن الله تعالى قد أعاد إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مكانته التي تجاهلها قومه وأضاعوها وبذلك يكون الله قد أعاد منزلة النبي إلى نصابها الصحيح. وعليه فيمكن القول: لما كانت هذه الآية المشتملة على كلمة (ضالاً) لم تكن مسبوقة بأي ذكر للمعاصي والذنوب، فلا تتناسب كلمة (ضالاً) هنا مع اقتراف المعاصي. وإنما هي تتحدث عن يتم النبي (صلى الله عليه وآله) وغربته في قومه، وعليه فهي تدل على الضلالة بمعنى (الضياع) أو (الغربة بين أبناء قومه). ثالثاً: ما ذهب إليه الفخر الرازي، من أن المعنى هو الابتعاد عن مقام النبوة: إن من بين معاني الضلال هو الانصراف عن الأمر، فالمراد من ضلال النبي (صلى الله عليه وآله) هو ابتعاده وانصرافه عن أمر النبوة، وإن الله سبحانه وتعالى هو الذي هداه إليها، وإلا فإن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يكن ملتفتاً إليها (١). وقد استدل الفخر الرازي لهذا المعنى بقوله تعالى: (ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) سورة الشورى الآية ٥٢. ففي هذه الآية الكريمة تم افتراض النبي (صلى الله عليه وآله) بعيداً عن حقيقة الكتاب السماوي. وبعبارة أخرى بعيداً عن وثيقة النبوة. وكذلك عن ماهية الإيمان ، وإنه لم يلتفت إلى هذه الأمور إلا بتوفيق وهداية من الله سبحانه وتعالى. ولكن هذا المعنى لا يتوافق مع المباني الإيمانية لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين يعتقدون بعصمة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً، فلا يُعقل أنه كان جاهلاً بأمر الإيمان وحاشاه، وإنما ذكرنا هذا الجواب من باب الإلزام للآخر. رابعاً: عدم معرفة الدين والشريعة: إن من بين معاني الضلالة في اللغة العربية هو الجهل وعدم المعرفة. فلما كان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يستطيع الاقتناع بما عليه المجتمع الجاهلي والوثني من الشرك، وكان بسبب فطرته الطاهرة تسوؤه عبادة الأصنام، ومن ناحية أخرى لم يكن هناك دين خالص، حيث كان العالم في تلك المرحلة يعيش ما يصطلح عليه بـ (عصر الفترة) حيث خلت تلك المدة الزمنية من بين ارتفاع عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى السماء وظهور الإسلام من أي رسالة سماوية، فكان النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الفترة جاهلاً ومتحيراً في اختيار دينه . من هنا فإن هذه الآية تعبر عن تلك المرحلة بمرحلة الضلالة بمعنى الجهل بالشريعة، والارتباك في اختيار الدين، وإنه إنما اهتدى إلى المعبود الحقيقي بلطف وهداية من الله، وكان من نتائج ذلك تعبد النبي (صلى الله عليه وآله) في غار حراء، وقد تكلل واكتمل هذا اللطف والهداية الإلهية فيما بعد بمقام النبوة والرسالة. وهذا المعنى كسابقه نذكره من باب الإلزام للآخر لا من باب أننا نؤمن به. خامساً: الضلالة بمعنى عدم الهداية : ذهب البعض إلى القول بأن الضلالة المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليس بمعنى الضلال الفعلي. وإنما بمعنى عدم الهداية، بمعنى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن مهدياً قبل شمول اللطف الإلهي له، وبعبارة أخرى إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسائر الناس بالالتفات إلى ذات الوجود الإنسان الممتزج بعنصر النفس والمادة لا يمكنهم السير بمفردهم في طريق الهداية الحقيقية (العصمة) مائة بالمائة إلا إذا شملهم اللطف الإلهي. وفي الحقيقة فإن الإنسان بالالتفات إلى عنصره المادي والنفساني فهو كائن ضال بالقوة. وإنه يمتلك أرضية الضلال بالفعل. وإن النبي (صلى الله عليه وآله) غير مستثنى من هذه القاعدة، إلا أنه قد هدي إلى طريق الحق والعصمة بهداية ولطف من الله سبحانه وتعالى. وهذا المعنى يحتاج إلى العديد من المقدمات الكلامية والفلسفية العميقة، بحيث يمكن تصوير هذا المعنى بما لا يتعارض مع العصمة التي يعتقد بها شيعة أهل البيت (عليهم السلام). وهناك بعض الآراء الأخرى أعرضنا عنها بغية الاختصار. والكلام اطول من ذلك جدا والبحث أوسع من نحيط بشخصية النبي العظيم .. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
3677

عطية العوفي .... أول من زار الحسين عليه السلام في العشرين من صفر بعد استشهاده مع جابر

احد ابطال زيارة الاربعين، صاحب وخادم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري(رضي الله عنه ) بل هو وجابر أول من زار الحسين عليه السلام في العشرين من صفر بعد استشهاده. لكن مما لفت انتباهي وأثناء الكتابة عن زيارة الأربعين وفضلها هو ان هذا الرجل ليس خادماً فقط بل هو من كبار الشيعة مفسّرٌ، محدثٌ، فقيهٌ، شيعيٌ جَلدٌ؟!! فشمرت عن ساعدي للبحث عن سيرته الطيبة في هذه المقال البسيط تاركا تفصيل الكلام للأخوة القراء. اسمه ونسبه وولادته... هو عطية بن سعد ابن جنادة العوفي الكوفي الجدلي القيسي أبو الحسن من مشاهير التابعين ومن أهل القرآن والحديث وكان شيعيا وبسبب ذلك ضعّفه البعض.(١) الا أنّ أبن سعد في طبقاته قال: (وكان ثقة ان شاء الله وله أحاديث صالحة) (٢) وسيأتي في هذا المقال أسباب تضعيف أحاديثه . وللأسف يُغمط حقه عادة مع أهمية دوره وربما لا يذكر اسمه في المحافل إلا كونه غلاما أو خادما لجابر، ولم يكن غلاما فحسب، وإنما هو تلميذ نجيب لجابر وأبي سعيد الخدري(الكلبي) وراوٍ واعٍ لأحاديثهما وصاحب مواقف.. كان أبوه سعد بن جنادة وهو من بني جديل أول من أسلم من أهل الطائف، وصحب النبي ، وروى عنه عددا من الأحاديث، وبعد وفاة رسول الله كان ممن عرف أمير المؤمنين ، ووالاه وشارك معه في حروبه، وروى عنه بعض الأحاديث. وربما كان في أواخر خلافة أمير المؤمنين عندما ولد له ابن، جاء به إلى الإمام لكي يسميه، فقال هذه عطية الله، وسماه عطية. وقد نشأ عطية في الكوفة، ولذا لقب بالكوفي، إضافة إلى (العوفي) وتشرب التشيع من أجوائها. شيءٌ من سيرته... ولد في خلافة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام. روي أنّ عبد اللَّه بن الزبير دعا محمد بن الحنفية إلى بيعته فأبى ، فحصره ومن معه من بني هاشم في الشِّعب ، وتوعّدهم بالإحراق ، فبعث المختار أبا عبد اللَّه الجدلي في أربعة آلاف ، فسار القوم حتى أشرفوا على مكة ، فجاء المستغيث : اعجلوا فما أراكم تدركونهم ، فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد العوفي ، حتى دخلوا مكة فكبّروا تكبيرة سمعها ابن الزبير فانطلق هارباً ، فأخرجوا ابن الحنفية ومن معه وأنزلوهم مِنى. كما أن عطية كان من جملة الثائرين على الحجاج الثقفي وظلمه زمن الحجاج في ثورة عرفت بثورة القراء فقد خرج عطية مع ابن الأشعث وسعيد بن جبير وغيرهم على الحجاج ، فلما انهزم جيش ابن الأشعث هرب عطية إلى فارس فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي عامله فيها أن: ادعُ عطية فإن لعن علي بن أبي طالب ، وإلَّا فاضربه أربعمائة سوط ، واحلق رأسه ولحيته ، فأبى عطية أن يفعل ، فضربه ابن القاسم السّياط وحلق رأسه ولحيته ، واستقر بخراسان بقية أيام الحجاج ، فلما ولي العراق عمر بن هُبيرة أذن له في القدوم فعاد إلى الكوفة فلم يزل بها الى ان توفي عام ١١١ للهجرة وقيل ١٢٧ للهجرة . ما ورد من شعره نسب ابن شهر اشوب في المناقب ابياتا الى عطية تفيض عشقا وولاءً ومعرفة بأمير المؤمنين علي عليه السلام... رأيت عليا خير من وطأ الحصى واكرم خلق اللّه من بعد احمد وصي رسول اللّه وابن عمه وفارسه المشهور في كل مشهد تخيره الرحمن من خير أسرة لأطهرِ مولود واطيب مولد اذا نحن بايعنا عليا فحسبنا ببيعته بعد النبي محمد(٣) سمّاه الإمام علي عليه السلام عطية قال أبو جعفر الطبري في كتاب ذيل المذيَّل: عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس يكنَّى أبا الحسن، قال ابن سعد أخبرنا سعد بن محمد بن الحسن بن عطية قال: جاء سعد بن جنادة( ابو عطية) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنه قد ولد لي غلام فسمِّه فقال الامام: هذا عطية الله فسُمِّيَ عطية وكانت أمه رومية(٤) . مع القرآن الكريم قال المحقق القمي: (وحكي عن ملحقات الصراح قال: عطية العوفي ابن سعد له تفسير في خمسة أجزاء، قال عطية عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات على وجه التفسير وأما على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين مرة). وهو مطبوع حاليا وموجود في المكتبات. مع الحديث قال المحقق القمي: إن عطية أحد رجال العلم والحديث يروي عنه الأعمش وغيره وروي عنه أخبار كثيرة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو الذي تشَّرف بزيارة الحسين (عليه السلام) مع جابر الأنصاري الذي يُعدُّ من فضائله أنه كان أول من زاره (٥). وقد أخذ عنه أبان بن تغلب ، وخالد ابن طهمان ، وزياد بن المنذر ، كما ذكره النجاشي في تراجم هؤلاء . قال ابن قتيبة : كان عطية بن سعد فقيهاً في زمن الحجاج ، وكان يتشيع . وقد ضعّف عطية جماعة ، منهم : النسائي وأبو حاتم . قال السيد الخوئي : يظهر أنّ تضعيفه ، انّما هو من جهة المذهب ، فقد أكدوا أنّه كان يُعدّ من شيعة أهل الكوفة ، وأنّه كان يتشيع ، قال الساجي فيه : ليس بحجة وكان يقدّم علياً على الكل وقول الجوزجاني : مائل . وعليه فإنّ تضعيفهم إياه لا يُعبأ به ، فقد روى عنه جلَّة الناس ، كما قال البزار ، أو جماعة من الثقات في قول ابن عدي ، وروى له البخاري في( الأدب المفرد ) وأبو داود والترمذي وابن ماجة . ووثّقه ابن سعد وابن معين كما تقدم ، ثم إنّ الرجل معروف بجهاده وثباته، وقد نُكَّل به وعُذّب لحبّه وموالاته لأمير المؤمنين - عليه السّلام (٦). وقد وجدت أثناء بحثي هذا ان تضعيف هذا الرجل كان بسبب نوعية الأحاديث التي رواها فإنه احد رواة حديث الثقلين(٧)، وأن الأئمة اثنا عشر(٨)، وحديث سفينة نوح(٩)، وتفسير آية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» في أهل البيت(١٠)، وحديث الغدير، والمنزلة وسد الأبواب غير باب علي ، وحديث إعطاء النبي فدكا، وروى خطبة الزهراء الفدكية وروى عن رسول الله في المهدي أنه «رجل من أهل بيتي) رضي الله عنه من مؤمن صابر مجاهد ، ومفسر ومحدث وفقيه من فقهاء الشيعة وجمعنا وإياه مع محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ____________________________ (١) سير اعلام النبلاء، الذهبي. (٢) الطبقات الكبرى، ابن سعد . (٣) مناقب آل ابي طالب، ابن شهر آشوب. (٤) ذيل المذيل، الطبري. (٥) الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي . (٦) معجم رجال الحديث، للسيد ابو القاسم الخوئي. (٧) مسند أحمد بن حنبل ج٣ (عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله أني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). (٨) كفاية الأثر للخزاز القمي عن عطية العوفي، عن ابي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله يقول: الائمة بعدي تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم. (٩) المعجم الصغير، الطبراني ج ٢ ص ٢٢ :عن عطية عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يقول (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) و (إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له). (١٠) المعجم الأوسط، الطبراني ج ٢ ص ٢٢٩ في تفسير آية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» وأنها في أهل البيت: عن عطية العوفي قال سألت أبا سعيد الخدري من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فعدهم في يده خمسة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال أبو سعيد في بيت أم سلمة أنزلت هذه الآية. علي جابر

اخرى
منذ 5 سنوات
5694

فقدان الرغبة بالتعلم والمدرسة

يرغب الأهل بأن يشاهدوا أطفالهم متفوقين ومتميزين في الدراسة، ولكنهم يقعون في أخطاء كثيرة تؤدي إلى ابتعاد الطفل نفسياً عن المدرسة، ومن أجل أن ننهض بالواقع الدراسي للطفل توجّب علينا معرفة الأسباب التي تدفع بالطفل إلى فقدان الرغبة بالتعلم والانكفاء على الذات ومن هذه الأسباب: ١- إهمال الأبوين: يقع هذا الجانب في ثلاثة محاور: أ- عدم التواصل مع الطفل: إن التواصل المستمر مع الطفل يُعدّ من الأساسيات التي تدفع بالطفل إلى الاهتمام بدراسته وتجعله يرغب ويحب التعليم والتعلم لأن الطفل يشعر بالراحة النفسية إذا تواصل معه والداه وهذا التواصل له مظاهر عديدة منها الجلوس مع الطفل وسؤاله عن المدرسة والمعلمين وعن دروسه ومتعلقات المواد والبحث والمناقشة في مواضيع المواد المختلفة مما يجعل الطفل يشعر بأنه موضع تقدير وله مكانه في قلب الوالدين وهذا ما يدفعه إلى الاهتمام أكثر اتجاه دراسته. ب- عدم تشجيع الطفل: أي إن الطفل إذا حصل على علامات مقبولة مثلاً فإنه لا يحصل على التشجيع المناسب الذي يحفزه نحو الأفضل، والتشجيع له مظاهر أيضاً كالربت على الكتفين، والتقبيل، والاحتضان أو تقديم هدايا مادية كأصباغ التلوين أو لعبة جميلة... ج- عدم توفير المستلزمات المدرسية والاحتياجات الأخرى كالملابس اللائقة: فهذا الأمر يؤدي إلى شعور الطفل بأنه فاقد للقيمة في نفوس والديه ويسبب إحباطاً شديداً لديه، خصوصاً أنّ أغلب الأطفال يقارنون أنفسهم بأصدقائهم من النواحي المادية فهو ينظر إلى ما يرتديه أصدقاؤه من ملابس وهذا يؤثر أيضاً بتقدير الذات لدى الطفل، لذا يجب توفير هذه الاحتياجات قدر الاستطاعة من أجل رفع الدافعية لدى الابناء. 2- جفاف المنهج الدراسي: من الأسباب التي تدفع بالأطفال بجميع أعمارهم للابتعاد عن الجو الدراسي هو جفاف المنهج الدراسي وضخامته وعدم تناسبه مع عقلية الطفل، فكثرة المعلومات المطروحة في المواد الدراسية والتي تكون غالباً بعيدة عن الحياة المعاشة والواقعية تؤدي إلى عدم التفاعل معها مما تسبب الملل والإحباط في نفوسهم، فما فائدة كثرة التواريخ المذكورة في التاريخ مثلاً، يجب أن يكون هدف التعليم هو تعليم الطفل إلى اكتساب المهارات وضبط الذات في مراحله الأولى مما يطوّر لديه عملية التفكير، أما طريقة حفظ المعلومات وتكديسها فهي أحد أسباب الملل والاحباط الذي يشعر به غالبية التلاميذ! وللتخلص من جفاف المنهج يجب على المعلمين والتربويين اتخاذ ماي لي مادامت أغلب الحكومات مصرّة على عدم وضع منهج مناسب لتطوير عملية التفكير لدى التلاميذ، منها: أ- تلخيص المنهج والاقتصار على الأشياء المهمة والضرورية والابتعاد عن السرد الذي يسبّب الملل ويزيد شعور الطلاب بالإحباط. ب- أن نسمح للطفل بالتعبير عن الأفكار التي يفهمها من المنهج دون تقييده بالعبارات المذكورة بالمنهج ليشعر بالحرية في اختيار التعابير المناسبة والتي تعبّر عن نفس المفهوم المذكور في المنهج، وهذا ما يسهل عملية الحفظ ويزيد من رغبة الأطفال للدراسة. ج- تقليل الواجبات البيتية: كثرة اعطاء الطفل واجبات بيتية تزيد من الضغط النفسي لديه وتسبب له شعوراً بالاستياء مما يقلل الحافز والرغبة عنده اتجاه الدراسة. 3- أسلوب المعلمين والتربويين: ويعتبر من أهم الأشياء التي تدفع بالأطفال إلى الرغبة بالتعليم أو فقدانها والعزوف عنها ومن الاساليب الخاطئة والمنتشرة بكثرة في أغلب المدارس هي: عدم احترام الأطفال: ومن مظاهر ذلك هو استخدام التعنيف الجسدي واللفظي كالضرب واستخدام العبارات السلبية كالغبي والفاشل، والانتقاد والانتقاص والاستهزاء والتقريع، كل هذه الأساليب تؤدي الى فقدان الرغبة والابتعاد عن الدراسة، لأن مثل هكذا أساليب تسبب مشاعر سلبية للأطفال اتجاه الدراسة واتجاه أنفسهم مما يشعرهم بخيبة الأمل والإحباط لذلك تقل لديهم الدافعية مما يسبب في فشلهم الدراسي... 4- فقدان ثقة الطفل بنفسه: ويعتبر من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى العزوف عن الدراسة والتعلم، وفقدان الثقة تؤدي إلى شعور الطفل بعدم قدرته على النجاح في الدراسة وهذه نتيجة طبيعية للأساليب الخاطئة المستخدمة معه فإذا كان كل ما يسمعه من أبويه أو معلميه هو كلمات سلبية (فاشل، غبي، فلان أفضل منك، توبيخ، صياح، ضرب) فإن مثل هكذا أساليب ستجعله يفقد الثقة بنفسه لأنه سيشكل تصوراً مشوهاً وسلبياً عن ذاته وهذا التصّور يحمل معاني عدم القدرة والاستطاعة في النجاح والاستمرار في الدراسة لذلك يفقد الحماس في مواصلة الدراسة نفسياً وذهنياً، وهذا ما يدفعه إلى الخمول وعدم الاهتمام بالتعليم، فالعامل الأول الذي يجعل أغلب الأطفال للاستمرار في عمل شيء ما هو الرغبة والحب، فإذا أحب الطفل شيئاً أو رغب فيه فإن ذلك يدفعه إلى إتقانه والنجاح فيه باستمرار، فإذا عملنا إلى إزالة كل العوائق والمسببات التي تقف في وجه الطفل فإننا نكون قد وفّرنا بذلك دافعاً إيجابياً يدفع الطفل إلى مواصلة مسيرته الدراسية بشكل إيجابي. بعد أن عرفنا قسماً من الأسباب الأساسية التي تقلل الرغبة في الدراسة، فإنه يجب على الأبوين وجميع التربويين أن يأخذوها بنظر الاعتبار من أجل النهوض بالواقع الدراسي للأبناء ومن أجل تحفيز الطفل نحو التعليم وترغيبه فيه. والله ولي التوفيق قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
2512

شبهة أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يُذنب بنص القرآن الكريم

كانت ولازالت الشبهات تلو الشبهات تُثار حول خاتم الرسل والأنبياء (صلى الله عليه وآله) ولأسبابٍ مختلفة ودوافع متعددة، ومن جملة تلك الشبهات دعوى بعض المغرضين: (أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ــ والعياذ بالله ــ يرتكب الذنوب ويقترف المعاصي بشهادة القرآن الكريم)، تشبثاً منهم بفهمهم الخاطئ لبعض الآيات المباركة، وجموداً منهم على ظاهر ألفاظها دون محاولة فهم مغزاها ومعناها، منها قوله (تعالى):" إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (1) وللرد على هذه الشبهة لا بد من توضيح مقدمة هامة مفادها: أن الله (تعالى) عندما يُرسل رسولاً ما إلى الناس، فإن الغرض من ذلك بلا أدنى شك هو إيصال تلك الرسالة إليهم لغرض انقيادهم الى توحيد وطاعة رب الارض والسموات، وامتثالهم لكل ما يرد فيها من أحكام وتشريعات، وذلك ما لا يمكن ان يتحقق مطلقاً فيما لو عُرفَ عن هذا الرسول ولو لمرة واحدة أنه ارتكب معصيةً أو قارف ذنباً أو صدرت منه خطيئة؛ لأن كل ذلك من شأنه أن يتسبب في سقوط محله من قلوب الناس ونفورهم منه وبالتالي عدم الوثوق به أو الاطمئنان إليه أو الانقياد إلى أفعاله أو التصديق بأقواله. وعليه لابد أن يكون الرسول معصوماً من الخطأ والنسيان فضلاً عن الخطيئة والعصيان. إذا اتضحت هذه المقدمة البسيطة، يتضح أيضاً أن لا بد أن يكون للذنب الذي أسنده الله (تعالى) إلى رسوله (عليه وآله أفضل التحايا وأزكى السلام) معنىً آخر سوى معصية الخالق (جل شانه)، ومن هنا يمكن الرد على هذه الشبهة من وجهين: الوجه الأول: للذنب مراتب متباينة تتعدد تبعاً لتعدد أحوال الأشخاص ومقاماتهم، فمنها ما يكون مخالفةً للأحكام الشرعية ويُعدُّ حينئذٍ جُرماً ومعصيةً لله (تعالى) وهو المعنى الأوضح والأجلى، ومنها ما لا يكون كذلك، ولذا لا يمكن أن يعدُّ جرماً ومعصيةً كما في ترك الأولى؛ ولذا قيل: "حسنات الأبرار سيئات المقربين". إذ ربَّ طاعةٍ يُسر الأبرار بالإتيان بها كنوم الصائم في شهر رمضان المبارك مثلاً، فيما قد يعدُّها المقربون ذاتها معصيةً في حق الحبيب (جل جلاله) لتضمنها غفلةً عنه (سبحانه). ولا يقتصر هذا الأمر على علاقة الانسان بربه، بل هو واردٌ كثيراً حتى في العلاقات المتعارفة بين الناس، ولعل من أرقاها علاقة السيدة الرباب (رضوان الله عليها) بالإمام الحسين (عليه السلام)، فقد ورد أنها «[أقامت] المأتم عليه وبكت النساء معها حتى جفت دموعها. ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت أن يصنع السويق، وقالت: إنها تريد أن تقوى على البكاء، وقد خطبها بعد الحسين الأشراف، فأبت وقالت: ما كنت لأتخذ حماً ـ أي أقارب الزوج ـ وهكذا بقيت الرباب سنة بعد الحسين لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت »(2) فعلى الرغم من أن انقطاع الأرملة عن البكاء على زوجها المتوفى مهما كان عزيزاً والزواج بعده والاستظلال تحت سقف البيت ليس من الأمور المحرمة شرعاً ولكن الرباب (رضوان الله عليها) عدّتها ذنوباً لا يحسن الإتيان بها، ومن هنا قيل: أن للعقل أحكاماً وللحب أحكاماً. وعليه يكون الذنب الذي أسنده الله (تعالى) إلى حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) ليس ذنباً بمعنى الجرم والمعصية لا في ساحة الشرع ولا القضاء، وإنما هو بمعنى آخر، وهذا المعنى هو المراد من قوله (عليه وآله الصلاة والسلام):"لَيُرَانُ ـ أو لَيُغَانُ ـ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً"(3)، وهذا الرَّين ـ أي الغبرة ـ هو الاشتغال بما هو في نظره (صلى الله عليه وآله) معصيةً بحق المحبوب (تعالى) من قبيل الانشغال الاضطراري بأمور الدنيا ولو كان يسيراً. كما ورد عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام):"أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة"(4). وبالتالي (لا تتنافى هذه الآية الشريفة مع المقامات المعنوية من العصمة بل تؤكدها؛ لأن من لوازم السلوك الروحاني واجتياز المدارج والوصول إلى أوج الكمال الإنساني، هو غفران الذنوب. لأن كل موجود في هذا العالم نتاج هذه النشأة المُلكية والمادة الجسمية، وله كافة الشؤونات المُلكية الحيوانية والبشرية والإنسانية المتوفرة بعضها بالفعل وبعضها بالقوة. فإذا أراد السفر من هذا العالم إلى عالم آخر، ومنه إلى مقام القرب المطلق، لا بد من اجتياز هذه المدارج، والعبور من المنازل الواقعة في الطريق، وعندما يصل إلى مرتبة، تغفر له ذنوب المرتبة السابقة وهكذا حتى تغفر له جميع الذنوب في ظل التجليات الذاتية الأحدية، ويستتر الذنب الوجودي الذي هو منشأ كافة الذنوب في ظل الكبرياء الأحدي. وهذه هي غاية عروج كمال الموجود. ويحدث في هذا المقام الموت والفناء التام)(5) وبالرغم من أن هذا الوجه من الرد قد يكون مناسباً جداً للرد على شبهة نسبة الذنب اليه (صلى الله عليه وآله) بيدَ أنه قد لا يتفق تماماً للرد على الفهم الخاطئ للآية محل البحث؛ وذلك لعدم تقديمه تفسيراً للعلاقة السببية بين الفتح (أي فتح قلاع وحصون خيبر أو فتح بلد مكة المكرمة أو المصالحة والمهادنة مع قريش على اختلاف التفاسير) وبين ترتب غفران ذنبه (صلى الله عليه وآله) في الآية الكريمة؛ لأن جملة: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" جملة شرطية وجزائية، لابد من أن تكون هناك رابطة عقلية أو اعتيادية تربط بينهما بحيث تكون إحداهما علة وسبباً لوقوع الأخرى، ولذا قد يكون الوجه الثاني هو الأسلم والأوفق.. الوجه الثاني: من المعلوم أنه ما من مذهب حق يظهر في عالم الوجود يدعو إلى الحق والعدل وتحكيم المنطق والعقل وهدم أصول الظلم وإماتة الخرافات حتى يتعرض إلى عدة محاولات لطمس دعوته واطفاء نوره من قبل كل من تتعرض مصالحه الشخصية بسببه الى الخطر، منها محاولة إغراء الداعي إليه للعدول عن دعواهم، فإن لم تفلح، عمدوا إلى محاولة تصفيته الجسدية، فإن أخفقوا في ذلك أيضاً شرعوا باغتيال شخصيته الفكرية. وهذا بالضبط ما حدث مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فقد حاولت قريش إغراءه، ولما لم تفلح حاولت قتله في عقر داره، ولم تفلح أيضاً فلم يتبقَ لديها إلا محاولة بث الشائعات ضده (صلى الله عليه وآله) حتى اتهموه بأنه طالبٌ للحرب، محبٌ للقتال، متعطش لسفك الدماء، مثيرٌ لنار الفتنة معتدٌّ بنفسه لا يؤمن بمبدأ الحوار ولا يقبل التفاهم وما إلى ذلك! لا سيما بعد استقراره في يثرب ودخوله في معارك طاحنة مع قريش افقدتها أشجع شجعانها. ولذا اشتد في نظرهم ذنب الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) في حقهم، فبعد إن لم يكونوا ليستسيغوا مجرد دعوته ورسالته ورفعوا شكواهم ضده إلى عمه قائلين: "إنّ ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامَنا وضلل آباءَنا"(6) فكيف تراهم يرون ذنبه في حقهم بعد أن قتل صناديدهم؟! فمما لا شك فيه أن قريش كانت تراه على ذنب عظيم وجرم جسيم لذا أخذت تصوره للناس بحسب تصورها الخاطئ .. فكان حينئذٍ لا بد من واقعة كبيرة ومهمة تستقطب الأنظار؛ لتبرئ ساحته المقدسة (صلى الله عليه وآله) مما أتهمه به المشركون الأشرار، لتظهر لهم حقيقته الملكوتية الراقية، وأخلاقه الملائكية الرفيعة، فكانت واقعة صلح الحديبية، حيث انكشف زيف كل تلك الاتهامات وكذب كل تلك الإشاعات، وأنّ مذهبه على خلاف ما زعم أعداؤه، إذ (تصالح مع قومه الذين قصدوا الفتك به وقتله في داره وأخرجوه من موطنه ومهاده بعطف ومرونة خاصة حتى أثار الحضّار من أصحابه ومخالفيه. وهذا العطف الذي أبداه النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الواقعة مع كونه من القدرة بمكان، وقريش في حالة الانحلال والضعف، صوّر النبي (صلى الله عليه وآله) عند قومه وأتباعه صورة إنسان مصلح يحب قومه ويطلب صلاحهم ولا تروقه الحب والدمار والجدال فوقفوا على حقيقة الحال وعضّوا الأنامل على ما افتعلوا عليه من النِسَب وندموا على ما فعلوا فصاروا يميلون الى الاسلام زرافات ووحدانا)(7) وقد ورد هذا التفسير عن الإمام الرضا (عليه السلام)، فقد روي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الجَهْمِ قالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ المَأَمُونِ وَعِنْدَهُ الرِّضَا عليه السّلام فَقَالَ لَهُ المَأَمُونُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِكَ أَنَّ الأَنْبِياءَ مَعْصُومُونَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الله: لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ الرِّضا عليه السّلام: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ أَعْظَمَ ذَنْباً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدونَ مِنْ دُونِ الله ثَلاَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَماً، فَلَمّا جَاءَهُمْ صلّى الله عليه وآله بِالدَّعْوَةِ إِلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ كَبُرَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَظُمَ وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ، وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ}(8) فَلَمَّا فَتَحَ الله تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) عِنْدَ مُشْرِكِي أَهْلِ َمَّكَةَ ِبدَعاِئَكَ إِلَى تَوْحيِدِ الله فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؛ لأَنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ، وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَكَّةَ؛ وَمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ لَم يَقْدِرْ عَلَى إِنْكَارِ التَّوْحِيدِ عَلَيْهِ إِذَا دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ. فَصَارَ ذَنْبُهُ عِنْدَهُمْ فِي ذلِكَ مَغْفُوراً بِظُهُورِهِ عَلَيْهُمْ. فَقَالَ المَأمُونُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا أَبَا الحَسَنِ (9). وأما نسبة الله (تعالى) غفران الذنوب اليه فلأنه (جل جلاله) هو الذي جعل هذا الفتح من نصيبه (صلى الله عليه وآله)، ومن هنا أمكن أن يقال أن الله غفر للنبي (صلى الله عليه وآله) ذنوبه جميعاً؛ ولهذا كان ذلك الصلح فتحاً مبيناً. __________ (1) الفتح 1و2 (2) سكينة بنت الحسين للدكتورة بنت الشاطئ ص68 (3) صحيح مسلم، كتاب الذكر، ص41. وفي الحديث 22 من كتاب أربعين الشيخ البهائي " مَاءة مرة ". (4) الكافي ج2 ص691 (5) الأربعون حديثا ص378 (6) السيرة النبوية لإبن هشام ص285 (7) مفاهيم القرآن ج5 ص254و255 (8) ص 5 ـ 7 (9) مسند الإمام الرضا ج3 ص134 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
2689

من أسئلتكم

من أسئلتكم السؤال: السلام عليكم ما هو علاج الوسواس في العبادات وفي العقيدة؟ الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يظهر الوسواس ويكثر غالباً في مناطق اهتمامات الإنسان، والأمور التي يحرص عليها، ولأنّ الإنسان المتدين يهمه الالتزام بالأحكام والقضايا الشرعية، ويحرص على أداء وظائفه وواجباته الدينية، فإنه قد يصاب بهذا الفيروس في هذه المنطقة. ويطلق علماء النفس على مرض الوسواس مصطلح: (العصاب القهري) أو (الاضطراب الوسواسي الجبري). إن النصوص والتعاليم الدينية تولي اهتماماً لمكافحة هذا المرض الخبيث، وتحذّر من الإصابة به، وتضخ المفاهيم والنصائح الوقائية منه. وسبل العلاج منه: 1- برنامج منع الاستجابة هومن أبرز أساليب العلاج المعتمدة حالياً في المراكز الرائدة في العلاج النفسي السلوكي في الولايات المتحدة، لمرض الاضطراب الوسواسي الجبري، والذي يعني منع المريض من ممارسة تصرفاته الوسواسية، لفترة معينة تحت رقابة وإشراف، داخل مستشفى العلاج، أو في بيته بواسطة المرافقين له. مع توفير أجواء مساعدة. وقد لوحظ نجاح هذا البرنامج مع كثير من المرضى الراغبين في العلاج. وإذا ما تأملنا التعاليم الإسلامية حول أحكام المصابين بالوسواس، وكثرة الشك في قضايا الطهارة والعبادات، فإنها تلزم المصاب باعتماد برنامج منع الاستجابة، وأن يباشر ذاتياً مع نفسه هذا البرنامج، فلا يعتني بحالة الشك والوسوسة، ولا يستجيب لها، وذلك هو تكليفه الشرعي، وهو الطريق الوحيد لتخلصه من هذا المرض. حيث روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: "لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث يعتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، ولا يكثرّن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال زرارة: ثم قال : إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم"(1). 2- العلاج المعرفي: إنّ أهل البيت (عليهم السلام) وهم أكمل الخلق كانوا يؤدون الأعمال بسهولة ويسر ومن دون أي تعقيد أو تهويل. والعلاج المعرفي يعني إعادة بناء تفكير المريض وتصحيحه، لتبديل أفكاره الوسواسية، التي أخذت صفة الاستمرارية بعيدة عن التحكم بزمامها، ورغم أنّ أكثر الوسواسيين يعترفون بلا منطقية أعمالهم وممارساتهم، لكن تضخّم بعض التصورات في نفوسهم، والمبالغة والتطرف في بعض الأفكار، هو ما يشكل أرضية مناسبة لحالتهم المرضية. فعلى المبتلى أن يعرف الدّين ويسره, حيث قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾(2), وقال تعالى أيضاً :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾(3). ورويَ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "إنّ هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرّهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبّت الذي لا سفراً قطع، ولا ظهراً أبقى"(4) . وليعلم من الناحية الفقهية أنّ الأصل هي الطهارة، والإباحة، ورفع المسؤولية عن الجاهل والناسي، وأنّ كل عمل فرغ منه أو تجاوزه ثم شك فيه فلا قيمة ولا أثر لذلك الشك. 3- العلاج الأذكاري: ويعني به ترديد أذكار معيّنة نصّ عليها أهل البيت (عليهم السلام), ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب وحبُّنا رضا الرب تبارك وتعالى"(5). وأمّا الوسواس في العقيدة وما يلحق به من الأفكار المـزعجة كالأفكار في ذات الله عز وجل والأفكـار في الدين والعقيدة والخوف من الكفر والردة وغيرها فهي ليست جديدة على المسلمين، بل هي بادئة منذ فجر الإسلام، وقد وقعت في عصر النبي (صلى الله عليه وآله). ومن هنا يجب أن يعلم الإنسان الوسواسي أنّه ليس وحيداً في مشكلته. وأنّ حدوث هذا الأمر ليس دليلاً على ضلال الإنسان وكفره وفسقه وخبثه. بل يجب عليه إذا جاءته هذه الأفكار المزعجة أن يتوقف عنها مباشرة، ثم يلجأ إلى العلاجات التالية: 1- يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقول : (آمنت بالله ورسله) مرة واحدة على الأقل، فنكتفي بمرة واحدة في الجلسة فمثلا لو كنا في مجلس وبدأت الفكرة الوسواسية فيستعيذ بالله مرة واحدة ويتجاهل الأفكار ولا يكررها مادام أنه في نفس المجلس. 2- أن يهدأ ولا يفسِّق نفسه ولا يكفرها بل يتيقن أنّه مؤمن وهذه الوساوس لا تضره أبدا . ويتذكر أنّ غضبه وحزنه ومدافعته لهذه الأفكار إنّما هو صريح الإيمان، وأنّ هذه الوساوس غير مقصودة بل هي من الشيطان . 3- أن يعلم علما يقينا أنّه غير آثم وغير مؤاخذ بهذه الأفكار؛ لقوله تعالى : ( لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها)(6) حيث لم يكلّفه الله تعالى بالتفكر في ذات الله مثلاً أو ببعض الامور العقائدية الدقيقة الاخرى. 4- أن يقول: "أعوذ بالله القويّ من الشيطان الغوي وأعوذ بمحمّد (صلى الله عليه وآله) الرضي، من شرّ ما قُدِّر وقُضي وأعوذ بإله الناس من شرّ الجنّة والناس أجمعين"(7) فهو من احد وصايا الإمام علي (عليه السلام) إلى كميل. 5- روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) : "إذا خطر ببالك في عظمته وجبروته أو بعض صفاته شيء من الأشياء فقل : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله عليّ أمير المؤمنين، فإذا قلت ذلك عدت إلى محض الإيمان"(8). 6- الأفضل له أن يقرأ بعض الكتب العقائديّة البسيطة مثل: عقائد الإماميّة، أصول الدين، أصل الشيعة وأصولها، ويحاول طرح أسئلته على المختصين؛ لئلا يبقى قامعاً في دوامة التفكير المشوب بالوسوسة فيرجع إلى انتكاسته. وكلما زاد من أدلته اليقينية على عقيدته، كلما ابتعدت عنه تلك الوساوس الشيطانية. _________________ (1) الكافي: ج3، ص358. (2) البقرة: 185. (3) الحج: 78. (4) بحار الأنوار: ج68، ص212. (5) المصدر السابق: ج26 ، ص227. (6) البقرة: 286. (7) بحار الأنوار: ج74، ص271. (8) فقه الرضا (عليه السلام): 385. علوية الحسيني.

اخرى
منذ 5 سنوات
2792

شبهاتٌ عقائدية حول التشيع/ في الـنبوة(1) حـول عصمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

انطلاقاً من الآية الكريمة (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَىٰ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَىٰ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) قال متزلزل العقيدة: إنّ هذه الآية تنفي عصمة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله). والإجابة على هذه الشبهة ستكون ضمن المطالب التالية: المطلب الأول: ما هي العصمة؟ المطلب الثاني: هل العصمة تجبر المعصوم على ترك المعصية؟ المطلب الثالث: ما هو زمن العصمة؟ المطلب الرابع: هل العصمة عن الكبائر فقط أم عن الصغائر أيضا؟ المطلب الخامس: ما هي مقامات العصمة؟ المطلب الأول: ما هي العصمة؟ لغةً: "عصمَ: أمسكَ ومنعَ، والعصمة أن يعصم الله عبده من سوءٍ يقع فيه، واعتصمَ بالله تعالى إذا تمنّع"(1). أو "هي الاستمساك بالشيء كقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(2). أو "هي الاعتصام من شيء، كقوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّه}(3). أمّا اصطلاحاً: "هي قوة تمنع الإنسان عن اقتراف المعصية والوقوع في الخطأ"(4). وقد عبّرت عنها بعض كتب الكلام بأنّها أعلى منازل التقوى، "والتقوى: كيفية نفسانية تعصم صاحبها عن اقتراف كثير من القبائح والمعاصي، فهي إذا ترقت في مدارجها وعلت في مراتبها تبلغ بصاحبها درجة العصمة الكاملة والامتناع المطلق عن ارتكاب أي قبيح من الأعمال، بل يمنعه[تمنعه] حتى التفكير في خلاف أو معصية"(5). إذاً بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) أن يفعل المعصية إلاّ أنّ تقواه تمنعه حتى من التفكير فيها فضلاً عن اقترافها. المطلب الثاني: هل العصمة تجبر المعصوم على ترك المعصية؟ كيف تحصل العصمة؟ وهل العصمة تسلب اختيار النبي (صلى الله عليه وآله) وتقهره على ترك المعصية؟ ولماذا شخص النبي معصوم دون غيره؟ ولماذا لا أكون أنا معصوماً؟ الجواب: إنّ الملاك في عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) هو علم الله سبحانه الأزلي بمستقبل النبي، وإلاّ لــو أفاض الله سبحانه العصمة على مَن سـيرتكب المعصية لـكانَ سبحانه جاهلاً بسلوكيات هذا العبد، والتالي باطل فالمقدم مثله في البطلان. إذاً العصمة لا تفاض على النبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ بعد وجود أرضية صالحة في نفس النبي، كقابليته على المجاهدات الفردية والاجتماعية. وإلى ذلك أشار الشيخ المفيد (قدّس سرّه) بقوله: " العصمة تفضلٌ من الله تعالى على مَن علِم أنّه يتمسك بعصمته"(6). وللعلاّمة الطباطبائي (قدّس سرّه) قولٌ مبارك في بيان عدم جبرية العصمة، حيث قال: "إنّ ملكة العصمة لا تغيّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعاله الإرادية ولا تخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار، كيف والعلم مِن مبادئ الاختيار، كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما سماً قاتلاً من حينه، فانه يمتنع باختياره من شربه"(7). أي إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) تمنعه تقواه واستشعاره بمعية الله تعالى ومراقبته له من ارتكاب المعصية والمخالفات المولوية، وهذا نظير إمكانية صدور القبيح من الله تعالى –فهو ممكن بالذات- إلاّ إنّه تعالى لا يصدر منه القبيح؛ لكونه منافياً لحكمته. مثالان توضيحيان: إنّ الإنسان العادي الذي يعلم بوجود سم في كأس من الماء فإنّه لا يُقدم على شربه؛ لعلمه بعاقبته السيئة. وكالذي يعلم بوجود طاقة كهربائية في سلكٍ عارٍعن العازل فإنّه لا يمسّه؛ لعلمه بالعواقب الوخيمة من وراء ذلك. وهكذا النبي (صلى الله عليه وآله) لا يرتكب المعصية لعلمه علم اليقين بأنّ النار مصير العاصي. فتقواه كانت حاجباً بين الطاعة والمعصية، وقد قرنَ الله تعالى التقوى بالنجاة بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانا}(8). والخلاصة: لقد كانَ النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاتاً طاهرةً صافية، متحررٌ من ألوان الموجودات مرتبطٌ باللالون منها، ولهذا اصطفاه المولى ليغير ملوحة أرواح عباده إلى حلاوةٍ وعذوبة بإرشادهم وتربيتهم. المطلب الثالث: ما هو زمن العصمة؟ متى أصبح النبي (صلى الله عليه وآله) معصوماً؟ الجواب: الآراء اختلفت في عصمة الأنبياء من حيث زمن ثبوتها لدى المذاهب الكلامية: أ-الإماميّة قالوا بعصمتهم منذ الولادة وحتّى الوفاة. ب-أغلب المعتزلة قالوا بعصمتهم منذ البلوغ, فقبل البلوغ هو ليس معصوماً! ج-أكثر الأشاعرة قالوا بعصمتهم منذ تنصيبهم أنبياءً، فـالنبي عندهم معصومٌ منذ أن أصبح عمره (40سنة) وقبل هذا السن ليس بـمعصوم! المطلب الرابع: هل العصمة عن الكبائر فقط أم عن الصغائر أيضا؟ اختلفت أيضاً الآراء لدى الفرق الكلامية: أ-الأشاعرة قالوا بعصمة النبي عن الكبائر والصغائر عـمداً فقط. وأجازوا صدورها عن النبي خطأً ونسياناً. ب- بعض المعتزلة قالوا بعصمة النبي عن الكبائر فقط، وأجازوا صدور الصغائر منه. ج-الحشَويّة وبعض أهل الحديث من أبناء العامّة قالوا بجواز صدور الكبائر والصغائر من النبي مـطلقاً (عمداً وسهواً) ! حيث قال الآمدي: "اتفقت الأمة سوى الحشوية ومن جوز الكفر على الأنبياء على عصمتهم عن تعمده من غير نسيان ولا تأويل وإن اختلفوا في أن مدرك العصمة السمع كما ذهب إليه القاضي أبو بكر والمحققون من أصحابنا أو العقل كما ذهب إليه المعتزلة وأما إن كان فعل الكبيرة عن نسيان أو تأويل خطأ فقد اتفق الكل على جوازه سوى الرافضة أما ما ليس بكبيرة فإما أن يكون من قبيل ما يوجب الحكم على فاعله بالخسة ودناءة الهمة وسقوط المروءة كسرقة خبة أو كسرة فالحكم فيه كالحكم في الكبيرة وأما ما لا يكون من هذا القبيل كنظرة أو كلمة سفه نادرة في حالة غضب فقد اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة على جوازه عمدا وسهوا خلافا للشيعة مطلقا وخلافا للجبائي والنظام وجعفر بن مبشر في العمد"(9). وقال ابن تيمية: "القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر " أبو الحسن الآمدي " أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول ولم ينقل عنهم ما يوافق القول وإنما نقل ذلك القول في العصر المتقدم عن الرافضة ثم عن بعض المعتزلة ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين. وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها ولا يقولون إنها لا تقع بحال و أول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقا وأعظمهم قولا لذلك : الرافضة فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل. وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته وقالوا بعصمة علي والاثني عشر ثم " الإسماعيلية " الذين كانوا ملوك القاهرة و كانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون وهم عند أهل العلم من ذرية عبيد الله القداح كانوا هم وأتباعهم يقولون بمثل هذه العصمة لأئمتهم و نحوهم مع كونهم كما قال فيهم أبو حامد الغزالي - في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم - قال: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض. وقد صنف " القاضي أبو يعلى " وصف مذاهبهم في كتبه وكذلك غير هؤلاء من علماء المسلمين فهؤلاء وأمثالهم من الغلاة القائلين بالعصمة وقد يكفرون من ينكر القول بها وهؤلاء الغ الية هم كفار باتفاق المسلمين"(10). وأمّا الشيعة فقد قال الشيخ الصدوق: "اعتقادنا في الأنبياء و الرسل والملائكة و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أنهم معصومون مطهرون من كل دنس ، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومن نفى العصمة عنهم في شيء من أحوالهم فقد جهلهم"(11). وقال الشيخ الطوسي : "ويجب أن يكون النبي معصوماً من القبائح صغيرها وكبيرها قبل النبوة وبعدها على طريق العمد والنسيان وعلى كل حال"(12). وعلى كلّ عاقلٍ المقارنة بين آراء المذاهب وتحكيم نفسه لمعرفة أي مذهبٍ ينزه رسول الله محمداً (صلى الله عليه وآله). المطلب الخامس: ما هي مقامات العصمة؟ والكلام حول العصمة عقلاً ونقلاً له مقامات: 1- العصمة في تلقي الرسالة 2- العصمة في تطبيق الرسالة 3- العصمة في تبليغ الرسالة وبيان هذه المقامات يأتي في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى. __________________ (1) المقاييس: لابن فارس. ج4،ص331. (2) المفردات: للراغب الأصفهاني، كتاب العين. (3) المصدر نفسه. (4) الميزان في تفسير القرآن: للعلاّمة الطباطبائي، ج8،ص 142. (5) محاضرات في الإلهيات: للشيخ السبحاني، 218. (6) شرح عقائد الصدوق، 61. (7) الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص163. (8) الأنفال: 29. (9) الإحكام في أصول الأحكام: للآمدي، ج1، ص 226. (10) مجموع الفتاوى: لابن تيمية، ج25، ص105_106. (11) الاعتقادات: للشيخ الصدوق، ص 108. (12) الاقتصاد: للشيخ الطوسي ، ص 155. وصلِ اللّهم على أوّل الأوائل وأدلّ الدلائل، مبدأ أنوار الأزلي ومنتهى العروج الكمالي، غاية الغايات المتعيّن بالنشئات، وعلى آل بيته بأزكى التحيات والبركات. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
3892

حب الحسين أجنّني

النهايات تشبه البدايات عادةً هيجان الارض واهتزازها حمله الى الشعور ذاته قبل عشرين سنة، فبين الماضي والحاضر قلب يتلوى بصوت مذبوح يلملم دموعه المختنقة لينثرها مع كل هدهدة يشق بها سكون الليل على مهدٍ بات مسرحاً للأحداث كان يصغي اليها بعمق وهي تترنم بأبيات لقصة وقعت منذ الف عام عشق هذه الترنيمة سمعها الف ليلة حيث الحسين على الثرى خيل العدى طحنت ضلوعه قتلته ال امية ظامٍ الى جنب الشريعة ورضيعه بدم الوريد مخضب فاطلب رضيعه حتى بلغ الحلم ليتمخض ذلك العشق عن موكب صغير ليكون انطلاقه نحو سفر الخلود موكب راهب ال محمد اول مأدبة نصبه احمد على طريق زائري ابي عبدالله عليه السلام هو ابن الاثني عشر ربيعا عله يلتقي بأبطال قصته الحقيقيين فقلبه الصغير مازال يحلق باحثا في الوجوه لعله يلقاهم لم يهدأ قلبه ولن يستكين حتى يعايش الاحداث ولو من خلال تمثل الادوار، فروحه المثخنة بحكايات العاشقين ترنو وتخفق كطائر يصارع تقلبات تشرين ليلتحق بالسرب لكن قلبه انتكس اكثر عاد باكيا الى البيت يواري دموعه عن امه ولما استخبرته عن حاله قال وبمرارة ان دور الشمر في التشابيه اوجع قلبي تراءت لي مولاتي زينب و السياط تتلوى على متنها تقوم تارة وتسقط اخرى من هول المصيبة تنادي ولا من مجيب، عين منها على الخيم وعين منها على الجسد الشريف وروح تظلل اشلاء القمر رأيت شر خلق الله كيف يكشر عن انيابه ليسخط السماء بأفعاله تعثرت في خطاي وخارت قواي وانا امسك السوط فالدور يحتم علي أن اضرب وبقسوة وقلبي ينزف كنزف المنحر صياح الاطفال نحيب اليتامى دخان الخيم نحر ينزف دما عبيطاً كف وقربة مشهد يدمي القلب ولكنه انتصف لدموعه في العام التالي حين تسنّم دور الحر شعور بالرضا ملا حناياه وكأنه اختصر المسافات للحسين المواكب كانت مرتعا لسنوات عمره فعاشوراء لم تكن وليدة مهد وترتيلة بل هي سفر روحي بين طف كربلاء وذاته المتعطشة ليعيش ولو جزء من احداثها حب الحسين أجنّني... يلامس همس العاشق ونبض القلب يثور يمزق اوصاله صبرا ايتها الروح، يوماً ما سيحين الوصال ليختزل كل المسافات فالروح حبلى والمخاض قريب فها هو ابليس يستنفر جنده ويجلب خيله ورجله نعيق وعواء ونباح يعلو في مدائن الموتى ثمة مؤامرة تحاك خيوطها تحت السقيفة المشؤمة العد التنازلي قد ابتدأ.. سقطت موصل والانبار الظالم امتشق سيفه يحصد بالأرواح ويذبح عاد الابقع متكئا على غرائزه، رائحة زفيره المتعفنة سموم ملئت الارجاء اكفهر وجه السماء فالساعات اصبحت اياما والليل زاد حلكة ..الفجر كعجوز اجهضه المرض الهدوء عم الارجاء ثمة كلمات دوّت تحت القبة رددت الايام أصداءها وسمع ترجيعها في الارجاء (الا من ناصر) سالت الف دمعة لتغسل عيون العاشقين فاض الشوق وقرب المراد ستتكلم البندقية بلغة الارواح هبّ احمد والألم يعتصر قلبه فقد ضاقت به الارض بما رحبت لا لن يدخلوا كربلاء كما دخلوا الموصل والانبار اخبر والديه بعزمه على الالتحاق بصفوف المقاتلين رُفض طلبه من قبل والديه بادئ الامر لصغر سنه ، إلا أن احمد ذا العشرون ربيعا استطاع اقناعهم بالقول: ألستم ترددون دائما: يا ليتنا كنا معكم! فهذه هي الفرصة لتكونوا مع انصار الحسين عليه السلام... استطاع اقناعهم وبل جعلهم فخورين به لأنه كان يترقب هذه الفرصة فقلبه المتّقد يتوهج كالجمر في مواقد الشتاء الليل ضيف ثقيل يكتم انفاس الصباح فثمة روح ترتقب تحت استاره بزوغ الفجر ليلتحق بصفوف المجاهدين تنفس الصباح، تألقت عيناه حمل حقيبته تزود من النظر الى وجه والديه ففي غياهب نفسه احتشدت كلمات الوداع الا انه اكتفى بالقول: في حجكم هذه السنة نحو قبلة الاحرار لا تنسوني من الدعاء انسابت كلماته في اعماقهم وتركت صداها: اذكروني في دعائكم. كانه ينعى نفسه! حمل حقيبته ثم لوح بيديه مغادرا: أراكم بخير حل شهر صفر وبدأ كرنفال الزحف الحسيني يشق طريقه من اقصى نقطة على الارض الى كعبة الاحرار. وقعات خطواتهم وتراتيلهم مزجت بعطر النبوات المنعبث من قباب ذهبية عانقت السماء شموخا فبين وقع الخطى وازيز الرصاص كان اليراع يخط في سفر الوجود اجمل القصص عن رجال لهم قلوب كزبر الحديد يترجمون عشقهم تراتيل تعزفها سمفونية الشهادة لتسكب ارواحهم في قارورة الخلود ففي قاطع محكول أزفت لحظة الرحيل واحتشدت الارواح لتلتحق بركب الملكوت الاعلى فها هو الحسين عليه السلام يسقيهم من كأسه الاوفى واقعة الطف تستحضر احداثها في مخيلة احمد التفت الى اصدقائه مودعا وهو يتلو: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى غفت عيناه على قلادة من دم نحره تزين وجهه ابتسامة رضا لقد نال مبتغاه ارتقى سلم الوصال يشق الناس طريقهم من كل فج عميق ليالي وأيام بخطى تعجز الارض عن عدها وفي كل مرة تنتحب ان فقدت وقع اقدامٍ عهدتها اول الماشين تهتف باسمه في كل غرف النداء الا ان احمد اختصر الطريق واخترق حدود الزمن وعبر العوالم ونال قرب معشوقه صار يرى الماشين للحسين عليه السلام كما لم يرهم من قبل المشهد من الاعلى اكثر عظمة رأى امرأة تحمل صورته تمشي بعنق مشرأب والنساء يرشقنها بعبارات لائمة جارحة ما اقسى قلبك! قذفتيه في اللهوات كان غضا فتيا شبّ لتوه ترد عليهم بحزم: هيهات هذا جمال صحيفتي وزينتها عند الحسين وفداء له رأته ذات ليلة في عالم الرؤيا يحمل مفاتيح وهو يبتسم: مفاتيحكم انت ووالدي بيدي لكل هاتف رمز سري يحتفظ به صاحبه مغلق الا احمد بقى هاتفه مفتوحا برصاصة اخترقت شاشته ليستقر في ساقه..... رجاء الانصاري

اخرى
منذ 5 سنوات
5090

لا تُلبِّ كلّ رغبات أبنائك!

إن تلبية كل ما يرغب به أطفالك يقع في خانة الحب المضطرب الذي يدل على عدم معرفة الأهل بأصول التعامل التربوية مع متطلبات الأطفال ورغباتهم! توجد حاجات وتوجد رغبات كثيرة يرغب الأطفال في نيلها والحصول عليها! لنضرب مثالاً على ذلك: لو كان أطفالك يمتلكون ملابس جديدة فلا داعي لشراء أخرى من باب العادة التي اعتاد عليها الكثير من الناس في كل مناسبة. نعم ادخال السرور والفرح على العيال من الأمور المستحسنة التي حث عليها الشرع وفيها أجر وثواب ولكن كثرة الشراء وتلبية كل رغبات الطفل من الأشياء السلبية التي يفعلها الكثير من الأهل بدافع الحب والوقوع في العادات التي يتبعها المجتمع! يمكن أن اشتري لمن يحتاج ملابس أو يحتاج أشياء ضرورية أخرى أراها مناسبة لسد رغبات الطفل من حين لآخر ولكن اتّباع عادات نمطية اجتماعية يكون دافعها العيب من الناس أو فعل الناس لها، هي من الأمور التي تدل على فقدان الثقة! يجب أن يفعل الأهل الاشياء التي يرونها مناسبة لهم ولأبنائهم، تعويد الطفل على شراء أشياء كثيرة فيه مشاكل وسلبيات عديدة، فكثرة توفير الاشياء تفقدها قيمتها وأهميتها ورونقها. يجب أن يعتاد الأبناء على سماع كلمة لا وكلمة نعم وفق ما تقتضيه المصلحة ليتعلموا الاتزان اليومي وليكونوا أكثر اتزانا في طلباتهم، وليتعلموا كيف ومتى يطلبون الأشياء. فلو اعتاد الأطفال على تلبية كل ما يطلبون، فانهم سيضاعفون الطلبات وسيقع الأهل في حرج مادي واجتماعي أيضاً، ولن يتعلم الأبناء التفكير بمشاعر أهاليهم، لأن صفة الانانية ستنمو في نفوسهم وتتجذر شيئاً فشيئاً وبذلك فإن جُلّ تفكير الأطفال سيكون برغباتهم دون التفكير بقدرة الأهل على توفير مثل تلك الطلبات! الحب لا يعني أن أعطي ولدي البالغ من العمر ٨ سنوات مصروفاً بقدر أكثر من الحاجة الفعلية له، إذ يمكن إعطاؤه مبلغاً متناسباً مع حاجته العمرية، ويمكن اعداد بعض الطعام له في البيت! إعطاء الطفل مبلغاً كبيراً نسبياً من المال له سلبيات عديدة تجعله يشعر بأن من حقه أن يحصل على هذا المال كل يوم، ولن يقدّر أتعاب والديه مستقبلاً إطلاقاً بل سيكون ولداً طائشاً لا يقدر قيمة الاشياء التي يحصل عليها دون عناء ودون جهد يذكر. فلا يمكن أن نجعل الطفل يشعر بأن الاشياء سهلة الحصول ومتوفرة في كل وقت! يجب أن نجعل الطفل يشعر بقيمة ما يحصل عليه وهذا يتم بأن نجعل الطفل يشعر ببعض المعاناة ليفهم ويشعر بقيمة الأشياء وأهميتها! في الحياة تحديات وصعوبات كثيرة وإذا قمنا بتوفير كل شيء بسهولة للأطفال فإننا لن نقوم بإعدادهم بشكل صحيح لمواجهة تحدياتها المختلفة، يجب أن نعدهم الاعداد القوي الذي يمكّنهم من الصمود أمام تقلبات الحياة وصعوباتها، وحرمان الأطفال من بعض الأشياء يجعلهم يشعرون بلذتها وقيمتها إذا قمنا بتوفيرها لهم بين الحين والآخر، ويجعلهم يفهمون الحياة أكثر ويدفعهم إلى التفكير المنطقي وتطور عملية التفكير بشكل إيجابي. يمكن أن تتغير احوالك المادية نحو الأسوأ، فلا يكون بمقدورك أن توفر له مصروفاً عالياً، لذلك فإعطاؤك مصروفاً مناسباً يعلّمه القناعة منذ الطفولة ويدفع به إلى حسن التصرف مع المال. ليس في الأمور المادية فقط، بل في تقديمنا المساعدات والإمكانيات لهم أيضاً، فإذا شاهدت ابنك وهو يسقط على الأرض فلا تبادر لمساعدته حتى وإن لجأ إلى البكاء والصراخ فهو يقول لك: تعال وساعدني إني بحاجة إليك. وأنت تقول له بتجاهلك لصراخه: باستطاعتك الاعتماد على نفسك فأنت لست بحاجة لي في هذا الموقف يا بني! بهذه الحركة البسيطة التي قام بها الأهل (سقوط الطفل على الأرض وتجاهله) فإن الطفل سيتعلم بأن بإمكانه النهوض لوحده والاعتماد على نفسه، وبهذا فإنه سيعتمد على نفسه عندما يسقط لاحقاً على الارض. وهذا الموضوع على بساطته فإن كثيرًا من الأهل يفشلون به لأنهم لا يمتلكون المعرفة في تحليله بالشكل الصحيح، لذلك فهم يهرولون مسرعين لمساعدة أبنائهم. الاشياء التي يستطيع الأطفال فعلها بأنفسهم من غير الصحيح أن نتدخل في مساعدتهم فيها، لأننا نقتل لديهم الدافعية ونضعّف من إمكانياتهم وقدرتهم على مواجهة صدمات الحياة، لذلك دع أطفالك يعانون بعض الشيء ليتعلّموا الاعتماد على أنفسهم، ولتُصقل شخصياتهم أكثر، ولتزداد قوتهم النفسية والروحية في كيفية مواجهة مصاعب الحياة منذ الصغر قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
4764

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69417

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50358

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41066

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34905

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32055

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31648