ابنة الامير

انحازت عن النساء متنكرة بزيها الفضفاض يجللها البهاء والنور ويسير معها الوقار حيث تسير ، استنكرها قومها فتاهت أفكارهم في معرفتها وتساءل آخرون عنها ، من هذه المرأة؟ انها ابنة الأمير يا أمير.. وهل يوجد أمير غيري ؟! قالها والغضب على وجهه يلفح بقية السكون الذي يجتهد في تصنعه ، ويندفع مع زفرة منخريه وقد دق حنكه على نحره يسدد نظراته نحوها وقد جحظت عيناه ، فزم شفتيه وقبض قبضتيه. عرفها فأراد أن يحرق قلبها ويبدي ما خفي تحت خدرها فراح يذكّرها بقتل أخيها متشمتا " الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم". لكنها كجبل شامخ مرت به ريح، فما أوقرت منه بقدر جناح بعوضة، تخطت كأمها تدفع الظلم عن العترة الطاهرة ، وقفت في قصر الامارة والكل يرتقب ما ستفعل ، يتهامسون ويتساءلون، ترى ما تحسن هذه السبية من القول؟ والاخوة صرعى مجزرين كالأضاحي، لم تبق منهم باقية سوى عليل قيدته السلاسل وحبسته الحواجب ؟! وهنا تفجر الفجر من مكمنه ،فصاح الصبح: لم أقتل كما توهموا ، فغار الليل مندحرا في جوف قاتله .. نما فرع النبوة ينطق على لسان حفيدته فقالت والصوت يهدر في المسامع، يرعب كآلة الحرب حين تقرع زلزلتها صدور الرجال: "الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد وطهرنا من الرجس تطهيرا إنَّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا" سمع الجمع صوتها فتسمر الصمت على السنتهم، وراح صوتها يتسلل الى القلوب ، يجلجل الحرف بين ثناياها جملا تقبس من نور القرآن حديثها ، هزمتْ بقولها داعية الباطل فتزاور عنه جلساؤه وقرضت نظراتهم خيبته ،فعلى بين القوم لغط وازدراء ، وتساءلوا مَنْ هؤلاء؟! آلَ بيت المصطفى جاء الجواب، فتشتتَ في الفضاء أنين وبكاء. شق الغضب شدقي طاغية العصر والتاث فيه ببعض ما فيه.. حينها رفعت يدها ، فسكتت الاصوات ، فقالت "سيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ"، "ثكلتك أمك يا ابن مرجانه" . استشاط الطاغية غضبا وهم بقتلها ولكن التاريخ قتله.. مات ابن زياد ، وعاشت الحوراء زينب. ام محمد باقر الاعرجي

اخرى
منذ 5 سنوات
674

هل إنّ جميع اصحاب النار خالدون فيها؟

من أسئلتكم السائل: هل إنّ جميع اصحاب النار خالدون فيها؟ أم يعذبون ويخرجون منها؟ وهل يتساوى العقاب في النار درجةً بين السارق والقاتل مثلاً؟ المجيب: حياكم الله تعالى, بدايةً لابد من التفرقة بين العاصي الكافر, والعاصي غير الكافر, فالأول خالدٌ في النار بلا شك, والثاني فيمكن أن يخلّد في النار ويمكن أن يخرج منها, وسيكون الجواب ضمن مطلبين يسلط كل مطلب منهما الضوء على قسم من قسمي العاصي. المطلب الأول: العاصي الكـافر: لاشك في أنّ العاصي الكافر مصيره جهنم خالداً فيها؛ لدلالة الآيات الكريمة على ذلك, حيث أعطت قواعد عامة كلية ما إن انطبقت على أحد مصاديقها فيتحقق حكم الخلود بحقهم, فالخالدون في النار منهم(1): 1- الكفّار والمشركون. حيث قال تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}(2). 2- قاتل المؤمن. حيث قال تعالى : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيما}(3). 3. آكل الربا. حيث قال تعالى : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}(4). المطلب الثاني: العاصي غير الكافر: تعتقد الشيعة الإمامية أنّ الخالد في النار هو مرتكب الكبيرة -العاصي- غير الكافر, إلاّ أنّه يجوز أن يعفو عنه الله سبحانه, حيث قال الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في عقائده: " أمّا النار فهي دار من جهل الله سبحانه, وقد يدخلها من عرفه بمعصية الله غير أنه لايخلد فيها بل يخرج منها إلى النعيم المقيم, وليس يخلد فيها إلاّ الكافرون"(5). فالعاصي غير الكافر قد يخلّد في النار وقد يخرجه الله تعالى منها فيعفو عنه كما هو ظاهر من النص, وما سيؤيده, وهو قول المحقق البحراني (رضوان الله تعالى عليه) في قواعده: " المكلف العاصي إما أن يكون كافراً أوليس بكافر، أما الكافر فأكثر الأمة على أنه مخلد في النار، وأما من ليس بكافر، فإن كانت معصيته كبيرة فمن الأمة من قطع بعدم عقابه وهم المرجئة الخالصة، ومنهم من قطع بعقابه وهم المعتزلة والخوارج، ومنهم من لم يقطع بعقابه إما لأن معصيته لم يستحق بها العقاب وهو قول الأشعرية، وإما لأنه يستحق بها عقابا إلا أنّ الله تعالى يجوز أن يعفو عنه، وهذا هو المختار"(6). فالعاصي في محل سؤالكم، إن كان كافراً فهو خالدٌ في النار بلا أدنى شك, أمّا إذا لم يكن كافراً بالله تعالى فيمكن أن يناله عفو الرحمن الرحيم؛ لإيمانه بربّه -رغم عصيانه- على أن العقلاء يستقبحون استدامة عقابه. وإلى ذلك أشار المحقق الطوسي (رضوان الله تعالى عليه) قائلاً: " وعذاب صاحب الكبيرة ينقطع؛ لاستحقاقه قلة الثواب بايمانه, وقبحه عند العقلاء"(7). فهنا أمران: 1- عذاب العاصي غير الكافر ينقطع لاستحقاقه الثواب بإيمانه. فمن عدل الله تعالى أنّه يثيب على طاعته, ويعاقبه على معصيته, فهنا نكون أمام احتمالين لا ثالث لهما(8): أ) يقدّم الله تعالى اثابة مرتكب الكبيرة على عقوبته: وهذا باطل؛ لأنّ الإثابة تكون بالدخول إلى الجنة, والداخل فيها لا يخرج منها لامحالة بنص القرآن الكريم, حيث قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين}(9). فاذا أثابه الله تعالى على ما كان من ايمانه ثم عاقبه بالدخول إلى النار فانّه يكون مخالفاً لصريح الآية الكريمة. ب) يقدّم الله تعالى عقوبة مرتكب الكبيرة على إثابته: وهذا هو المطلوب, فيدخله النار فترة من الزمن إلى أن يشاء, ثم يخرجه منها, ويدخله الجنة استحقاقاً لإيمانه في غيـر المورد الذي عصى ربّه به وارتكب الكبيرة. 2- عذاب العاصي غير الكافر ينقطع لقبح خلوده في العذاب عند العقلاء. إنّ ذلك العاصي لو قدّم أنواع الطاعات لله تعالى في حياته ثم ارتكب أحد الكبائر ومات ولم يتب منها, فإذا أخلده الله تعالى في النار لــكان نظير مَن أشرك بالله تعالى طيلة عمره؛ لاشتراكهما في وحدة العذاب, وهذا قبيح عقلاً صدوره من الله تعالى؛ لعدالته التامة, واعطاءه كل ذي حقٍ حقه ومنزلته. فالعقل إذن يحكم بعدم تخليد مثل هذا العاصي في النار، وهو المطلوب. وأما الشق الثاني من سؤالكم حول تساوي أو عدم تساوي عقوبة القاتل والسارق في النار, فجوابه عقلاً أنّ الله سبحانه عادلٌ لا يحيف في حكمه, فكما يثيب كل عبدٍ على قدر طاعته, كذلك يعاقب كلاً منهم على قدر معصيته. _________________ (1) ظ: الخلود في جهنم: محمد عبد الخالق كاظم. (2) الأعراف: 36. (3) الأعراف: 40. (4) البقرة: 275. (5) شرح عقائد الصدوق, 55. (6) قواعد المرام, 160. (7) ظ: كشف المراد, المقصد 6، المسألة 8. (8) ظ: محاضرات في الإلهيات, 474. (9) آل عمران: 135. اللّهم إنّا نعوذ بك من النار فأعذنا بحق محمدٍ والآل الأطهار. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
5705

زائر من عالم البرزخ..

هل تسمعونني؟ هل آذانكم الواعية تلتقط انفاسي؟ هل تحسون بوقع خطواتي الوئيدة وانا اطلقها فوق اديم الارض او بين لفحات الهواء؟ لاشك بأنكم تسمعون، فصدى صوتي تردده الاودية البعيدة وتحمله الرياح كلما سقطت ورقة بشري ما من اغصان الحياة في بركة الموت. فأنا جزء من الحياة الرابضة تحت اطباق الثرى. الارض تجذب جسمي لأنه صنع من مادتها... سنوات عمركم تتساقط يوما بعد يوم كأوراق الشجر حينما يداعبها حسيس الرياح في فصل الخريف. كنت مثلكم تماما امشي فوق اديم الارض وامشي بين الفنن وانا الآن في قلب الارض تنبت فوق قبري او بالقرب منه الاشجار وتتقوت على بقايا تفسخات جسمي... وهذا النسيم الذي يداعب انفاسكم، يوماً ما كان يداعب انفاسي... والآن خرجت لأتلصص بنظراتي علني أجد بصيص أمل ليخرجني من زنزانتيّ الابديتين ( وان كنت لا اميز الليل من النهار فالظلام الدامس هو رهين عمري) زنزانة نفسي وزنزانة قبري مثواي الاخير. وأنا الآن أريد ان أقضم جميع ذنوبي وآثامي لألفظها بين طيات التراب. كنت انا والرذيلة توأمين لذات واحدة... لذا فمئات السلاسل تقيدني وآلاف الاسئلة تنهال على هامتي: من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟ من هو إمامك؟ ... وينعقد لساني عن النطق وتتكلم اطرافي وتشهد جوارحي فأُضرب بقضبان من حديد لأغور في اعماق الارض من شدة وقعه. وانا الان في إجازة قصيرة لزيارة أموالي وعيالي لأرى الى اين صيّرتهم الحياة. ولربما أجد بصيصاً من نور الأمل يبرق امامي في دعوة ولد يدعو لي او صدقة جارية او غير ذلك من حسنة فعلتها. اقتربت من منزلي وامل يدفعني نحوه، كان الباب موصداً إلا اني اخترق الجدار والباب دون عائق! خيمت عليّ غمامة من الحيرة والخذلان. فها هي زوجتي قد عانقت انفاسها الكرى وهي تحلم بما سيؤول إليه الارث، ذهبت لأُلقي نظرة على ولدي ربما سيذكرني بدعوة صالحة، رأيته قد توسد الاحلام وسادة له وتربعن ربات الجمال في مخيلته، كان يغط في نوم عميق واميرة الاحلام كانت تلقي بظلالها على أجفانه لتستدرجه في نومته.. طيلة هذه الفترة كان هناك شخصان يتبعاني اتباع الفصيل لأمه... احدهما كان يردعني كلما نظرت اليه والآخر كان وسيما لكنه مازال يحبو ويعثر! لا شيء ينفعني سوى اعمالي، لذا اصبحت مسرعاً نحو سجادة صلاتي فهويت عليها ألثم آثار اقدامي وموضع جبهتي وامتص رحيق تلاواتي مثل النحلة حينما تمتص رحيق الازهار الفياحة. في عالم كل شيء فيه، يتحدث نطقت سجادتي وقالت: انت كنت تعلم بأن النفس سائرة نحو الموت قهراً ومع ذلك كنت تصلي صلاة رياء! اذهب لا شيء لك عندي. صرخت بأعلى صوتي (اين صلاتي اين صومي؟ اين جوعي؟ اين أموالي؟ اما من معين لي يعينني في مصيبتي؟) احدثت اموالي جلبة عالية وقالت فيما قالت (كان عليك ان تطهرني بالصدقة والزكاة لاطهرك من الرذائل والخطايا) رجعت منكسرا متألما اكثر مما يؤلمني وقع قضبان الحديد، صرخت بأعلى ( أيا ايها النائمون الميتون ولكن الحياة تدب فيكم، أليس لكم عبرة فينا؟ الا ترون ان الموت قد اودع الاجسام والخلود الندية الغضة التراب؟ الا ترون ان الارض فاغرة فاها لتلتهم ملايين الاجساد من آدم وحتى الآن! انهضوا وزكوا نفوسكم قبل ان تعقم وتشيخ... ولا يغرنكم الشيطان واعوانه كما غرنا... ولكن الناس في العالم المرئي لم يسمعوا ندائي، فقد البست الخطايا اعينهم الغشاوة... توجهت نحو زنزانتيّ الابديتين وروح الامل يحتضر في عمق روحي، لا مناص... دخلت زنزانتيّ مستسلما لواقع الحال، وفي الرمق الاخير للأمل وقبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة ولم يرعني...الا...و... انبثق نور كوميض البرق... انار القبر بنوره خط به على لحدي وكفني: (عتيق ولاية آهل البيت عليهم السلام)… واصبح الامل يبتسم ابتسامة الاشجار بغيث السماء... سماهر الخزرجي

اخرى
منذ 5 سنوات
5695

من أسئلتكم

هل ترون من الضروري مراقبة الأولاد عند استخدامهم الانترنت ؟ وما هي الطريقة المثلى لمراقبتهم والتي تنصحون بها؟ الجواب لقد اقتحم عالم الانترنت حياتنا بحيث لا يكاد يخلو بيت منه ، فلابد من تقبّل وجوده في هذه الحياة. لكنه سلاح ذو حدين يمكن ان يستخدم في الجوانب الايجابية منها والسلبية، وهذا يعني أن خوف الوالدين على الأبناء من الانجرار والخوض في الجانب السلبي منها في محله، لأن المترصدين للإسلام يعملون ليل نهار لإفساد أروح واخلاق وعقائد الأبناء وزرع اخلاقهم المبتذلة التي تطمس شخصية الفرد المسلم . فعلى الوالدين اتباع منهجية وآلية تحول دون تأثر أبنائهم بهذا العالم المتموج . لعل من الأسباب التي تجعل انجرار الأبناء خلف السلبي منها هو اعتقادهم بأنها ليست سلبية ! وهذه مشكلة بحد ذاتها، هذا من جانب. ومن جانب آخر الفراغ الروحي وانعدام الوعي الفكري وعدم تحديد أهداف وغايات يسعون الى تحقيقها، فلهذا نجدهم يخوضون في هذا المضمار ويتسابقون فيه مع كل من هَبَّ وَدَبٌّ ليقضوا على اوقات فراغهم . أن هذه المسؤولية الكبيرة تقع على الوالدين بشكل كبير وهم المنطلق الأساسي لجعل أبنائهم قادرين على الالتفات الى الجيد منها لا السلبي، من خلال التوعية الفكرية ، وزرع الثقة داخل نفوسهم ، ودفعهم لاختيار الصديق الجيد الذي يكون عوناً لهم ، وجعلهم يحددون اهدافاً وطموحات يسعون الى تحقيقها من خلال تشجيعهم وتذكيرهم بها بين فترة واخرى وجعلها من محاور حياتهم لتأخذ جزءً من وقتهم وتفكيرهم . وكذلك ينبغي مراعاة أمر مهم، وهو: جعل الأبناء يدركون أن الانسان في هذه الحياة بشكل عام وعالم الإنترنت بشكل خاص يتعرض ويخوض عدة أمور ومواقف منها إيجابي ومنها سلبي . فالخطأ في اتخاذ القرار المناسب في المواقف السلبية وارد، والإنسان ليس معصوماً، وعليه فلا بد من تعليمهم كيفية التصرف مع هذه المواقف وحلها وجعلها درساً يتعلمون منه . إن التجريح الدائم والضرب واستخدام الكلام البذيء هو ما يجعل في الأبناء في رهبة من عدم اخبار والديهم بما يجري في حياتهم وخاصة السلبي منها خوفا من ردة فعلهم ، مما يجعلهم مستمرين عليها بشكل دائم . وهنا يخسر الوالدان العلاقة فيما بينهم وبين ابنائهم الأمر الذي يجعل من الأولاد يتقمصون دورين . فلذا من الضروري التأكيد على علاقة المحبة والصداقة بين الوالدين وابنائهم بحيث تجعل الوالدين بنظر أبنائهم مخزن أسرارهم وقدوة في حياتهم وكَهفاً يرتادون إليه ويتزودون منه في جميع المواقف التي يتعرضون لها . وأن اهم وأفضل داعم تربوي ورقابي يمكن ان يحول ما بينهم وبين انجرارهم نحو الرذيلة، هو أن ينغمس في ذاتهم استشعار الرقابة الإلهية والارتباط الروحي مع الله سبحانه وتعالى وأهل البيت (سلام الله عليهم) وكيف اكون نافعا لنفسي ولمجتمعي للإسهام بالإصلاح. وبذلك أزداد قربا ورضا لله، وأكون بمثابة نور يمهد لدولة الظهور، لدولة العدل الإلهي. تكلموا معهم عن جمال الحياة في عصر الظهور، وكيف يمكن أن يكون له دور عظيم فيها من خلال ما ينجزه الان . لقد ذكرنا الرقابة الإلهية والارتباط الروحي في أخر المضمار على الرغم من أنها الداعم الكبير والاهم، لأن هذه الامور تجنى ثمارها بعد تفعيل علاقة المحبة و الصداقة بين الوالدين وأبنائهم ، ويكون تأثيرها عظيماً في ذواتهم وتستقبلها نفوسهم بشكل كبير عندما يجدون هذه المفاهيم الإلهية مكرسة في حياة والديهم . ولعل من الأساليب التي يمكن أن تتبع من قبل الوالدين للحد من الاستخدام الكثير لعالم الأنترنت هو تقوية العلاقة الأسرية وبناء الشخصية من خلال : _قيام الأسرة بالنزهة لمعالم أثرية او زيارة الاقرباء بين فترة واخرى . _ زيارة المراقد الشريفة لأهل البيت (سلام الله عليهم) والتزود المعنوي منهم والارتباط الإلهي والدعاء بمحضرهم وجعلهم بمثابة ملجأ يلتجؤون إليهم في كل أمور حياتهم للتقرب الى الله سبحانه وتعالى . _تشجيعهم على المثابرة والاجتهاد في دراستهم وتزوديهم بهدايا مادية من جهة ومعنوية من جهة اخرى بشكل لا يجعل الهدايا هي الدافع الأساسي للمثابرة . _الجلسة العائلية الأسبوعية تقام في كل اسبوع ولتكن نهاية الاسبوع مثلا ، ولمدة ساعة او ساعتين . يترأسها الأب بالتعاون مع الأم، لأن الاب هو بمثابة عمود الأسرة والقدوة ، ولتحاول الأم أن تزرع هذه الفكرة في نفوس أبنائها مهما قدمت لهم من عطاء، وإن انشغل الأب تكون هي البديل . هذه الجلسة تضم كل الأفراد مع وضع بعض الورود وترتيب الجلسة بشكل محبّب ومؤثر في نفوسهم وبعض الحلويات إن توفرت، وتبدأ بقراءة سورة قصيرة من أحد الابناء ، وفي كل أسبوع يقوم أحد الأولاد بهذا الدور، بعدها يتم طرح امور مختلفة ومن ضمنها القصص التي تناسب عقولهم والتي تحتوي على المعاني الاخلاقية والعقائدية التي تبني سلوكياتهم والمرتبطة بحياة الأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) ، وفي نهاية الجلسة يقوم الوالدان بإجراء مسابقة وطرح أسئلة تحتوي على ما ذكر في القصص من معلومات ودروس أخلاقية وطرح مشكلة أو موقف والاخذ بآرائهم، ومن ضمنها مسألة عالم الانترنت وكيف نستفيد منه ونفيد الأخرين، وبإعطائهم بعض الجوانب التي يمكن أن يستغلوها فيه، ويقوم الوالدان بسؤالهم عن: ماذا قدمتم في عالم الأنترنت هذا الأسبوع ، فهذا يعزز من شخصيتهم ويشجعهم .. وأن هذه الجلسة سيكون لها تأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في جميع نواحي حياتهم وبشكل اكبر على نفوسهم .. إن كل هذه الأمور التي ذكرت إذا توفرت فإنها بمثابة حصن لهم، وتجعل الوالدين يأمنون على أبنائهم ولا تكون عملية الرقابة مطلوبة بشكل كبير، لأنهم زرعوا فيهم الرقابة الإلهية والسعي الدائم لإنجاز الأشياء النافعة . وتكون الرقابة من خلال السؤال عن أحوالهم تارة وسؤال الاصدقاء بشكل غير مباشر عنهم والتعرف على أخلاقياتهم في المدرسة من خلال متابعة تقدمهم أو تراجعهم الدراسي .. حوراء مالك

اخرى
منذ 5 سنوات
1438

لماذا عليك أن تكون أنساناً؟

منذُ صِغَري أرى الشرور في العالم، وأتساءل: لماذا يجب على الأنسان أن يستقيم؟ لماذا عليه أن يتمسك بإنسانيَّته؟ منذ أن خُلِقَ الإنسان وقد أختارَ أَنْ يتركَ طريق الحق، وجدت الشرور في هذا العالم، من أنانية وكذب وانعِدام الرحمة.. وغيرها من الصفات التي من شأنها أن تجعل الفرد مجرَّداً من إنسانيته.. ولِدنا ورأينا بأعيننا إلى أي مدى يمكن أن يصل الفرد من انعدام الإنسانية في نفسه.. كل هذا يجعلني أتساءل في قبال ذلك: ما هو الدافع الذي يجعل الفرد ملتزماً بالأخلاق الحسنة؟ لماذا عليه أن يسمو بنفسه ليكون إنساناً؟ هل هو مجرد شعور فطري؟ أو هو بفعل التربية، أو قانون المجتمع، أو أمر السماء؟ وأثناء بحثي عن الإجابة، رأيت مشاهد ومواقف بينت لي ما كنت أريد.. حيثُ كنتُ أراها بوضوحٍ في أعينِ يتيم فقد أحد والديه أو كلاهما.. في دمعةِ أُمٍ فقدت ولدها.. في اشتياق زوجةٍ فقدت زوجها، لعله خرج ليعمل او يشتري طعاما لعائلته، لكن تلقفّتهُ يد الشر فلم يعد! وفي بيتِ فقير ليس فيه من الطعام، ولا من مقومات المعيشة من شيء، وترى فيه أماً مجاهدة تصبِّرُ أولادها، وأباً قد أخذَ منهُ الدهرُ مأخذاً حتى جلسَ في زاوية البيت متحيراً كيف يطعم أهله؟! رأيتُها في قلب أبٍ يحترقُ من حسراته على ولدهِ الذي ربّاه، سهر الليالي وعمل أياماً طويلة حتى يراه شاباً ليعينه في كِبرِ سِنّهِ، فإذا بهذا الولد يأخذُ بيد أبيه ليرميه في دار المسنين، ويتخلص من مسؤوليته، وقد نسيَ أن هذا الأب قد أفنى عمره في تربيته، وهذه اليد طالما مسحت على رأسه بعطف وهو نائم من دون أن يشعر.. عندما رأيتُ كل تلك المشاهد القاسية وغيرها مما لا يُعدُ ولا يُحصى.. علمتُ لماذا على كل فرد أن يكون إنساناً.. لأنك إذا ما اخترت أن تتجرد من إنسانيتك ولو بالقدر القليل، فستكون ظالماً لنفسك ولغيرك.. لأنك شئتَ أم أبيت، لديك روح متعطشة للشعور بالمحبة والخير، فما إن تنحرف عن مساركَ الطبيعي(تكرهُ أحداً او تظلمُ نفساً) فإنها ستحاربك من الداخل، ولن تعيش بسلام أبداً.. كما أنك ستجعل غيرك يعاني من ظلمك، وليس لك أي حق في ذلك!! فاعمل جاهداً أن تحافظ على إنسانيتك، وصلاحك.. وما أجملَ شعور الصلاح! لعلكَ رأيتَ الصالحين كيف تعلو وجوههم الابتسامة اللطيفة، فترتاحُ لهم الأنفس وتنجذب القلوب.. لأنهم اختاروا أن يكونوا في قمة الإنسانية. (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) نقاء

اخرى
منذ 5 سنوات
2751

كيف تحفز ولدك على الدراسة

الحلقة الرابعة: اللعب. تعرضنا في الحلقات السابقة إلى محفزين للأطفال وهما: 1- الإيمان بالذات 2- التركيز على النجاح وليس العلامات والآن سنتناول اللعب كمحفز ثالث لحث الأطفال وترغيبهم بالمدرسة والتعليم بشكل عام. نرى ونشاهد ونسمع كثيراً من الآباء والأمهات وهم يسألون عن فوائد اللعب، وهذه التساؤلات تأتي أغلبها من عدم معرفتهم بأهمية اللعب وفوائده في ما يتعلق تشكيل شخصية الطفل الاجتماعية وتطوير مهاراته الابداعية وارتباط اللعب بحياته المدرسية وتحفيزه نحو الدراسة وترغيبه بها. يرغب الأطفال وخصوصاً أطفال المرحلة الابتدائية باللعب لأوقات طويلة من أجل الاستمتاع والترويح عن أنفسهم ليشعروا بالسعادة فاللعب حاجة بيولوجية طبيعية يشعر بها كل الأطفال. لذلك يجب على الأهل أن يهتموا بالجانب الترفيهي لأطفالهم لأنه ضروري جداً في عملية التوازن النفسي للطفل، فالطفل يقضي ساعات طويلة في المدرسة ويجب أن تتخلل هذه الساعات فترات استراحة أو دروس ترفيهية كدرس التربية الفنية والتربية الرياضية أو تخصيص وقت لقراءة القصص التربوية الهادفة، ولا يخفى على الجميع أن أغلب المدارس لا تهتم بهذا الجانب الترفيهي بل ان البعض منها يتبرع بالوقت ارخاص لهذه الدروس لمعلم القراءة والرياضيات من أجل اكمال المادة. وهذا ما يسبب نفور الكثير من الأطفال من المدرسة لإهمال الجانب الترفيهي الذي يشعرهم بالمتعة والسعادة ويدفعهم نحو التقدم والتطور. يمكن استخدام اللعب كأداة لتحفيز الأطفال في البيت لإكمال واجباتهم البيتية، فإعطاء الطفل فترة استراحة أثناء ممارسة الطفل لواجباته البيتية تدفعه إلى الرغبة وتحفزه نحو الدراسة لأنها تجعله أكثر استقراراً وهو يؤدي واجباته بدون ضغط نفسي. ويمكن أن يشارك الأب و الأم أولادهما اللعب بمختلف الأساليب كمشاهدة فيلماً تربوياً قصيراً يحثهم على الدراسة ويرغبهم فيها، أو قراءة قصة قصيرة تكون ذات احداث جذابة، أو الرسم معهم وعمل مسابقات في ذلك.. ووو، وينفع أيضاً استعمال الوسائل البسيطة التي تكون ذات أثر إيجابي على شخصية الطفل. لذلك يجب على الآباء والأمهات عدم الضغط على طفلهما في كتابة واجبه البيتي بشكل متواصل بل يجب اعطاءه فرصة للراحة بين الفينة والأخرى. لأن الضغط يسبب نفوراً ورابطاً سلبياً مع الدراسة، فالطفل يدرس ما يقارب (٤ ساعات) كل يوم ويرجع للبيت ويدرس (٤ ساعات) أو أكثر بين ما يكتب وما يقرأ مما يجعله يعيش حالة من القلق والتوتر والضغط النفسي تجعله يشعر بالتعب والإرهاق. هذا المنهج الذي وضعته وزارة التربية يعاني من ركاكة وهشاشة وضعف واضح من هذا الجانب، لأنه لم يراع نفسية الطفل ولم يحسب لها ادنى حساب. إن الاهتمام بالمدارس والمناهج والتعليم يجب أن يكون من اولويات الحكومات التي تنظر للأجيال على أنها أمل المستقبل، فبناء الأجيال هو بناء للأوطان. إننا نرى أن الدولة المتخلفة فكرياً والتي ابتعدت عن منهج آل محمد الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين) لم تعر أي اهتمام لجانب البناء الفكري والنفسي للأطفال واليافعين ولم توفر لهم ادنى نشاطات فكرية او بدنية لسد الفراغ النفسي الذي يعانون منه مما دفع بالكثيرين منهم إلى الخروج عن جادة الصواب. دعوة من أعماق القلب إلى كل الأهل من الآباء والأمهات والمعلمين والمدرسين أن يأخذوا دورهم التربوي في انتشال الجيل من الضحالة الفكرية التي نعيشها اليوم في ظل إهمال واضح من الحكومات التي تخلت عن مسؤوليتها... قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
1324

حرية الإنسان لاختيار الجنة أو النار

ارتباط الآخرة دار الخلود مع الدنيا دار الزوال كيف ترتبط الحياة الآخرة والنشأة الدائمة مع الحياة الدنيا الزائلة المتقطعة بالزمان والمكان؟ وكيف تتحول الأعمال المؤقتة إلى أثر دائم من ثواب أو عقاب؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من تقديم مقدمة تصورية وهي: أن الوعي والحياة في هذه الدنيا تبدو متقطعة فلا نشعر فيها إلا بحضور المشهد الآني الذي نحن فيه، ثم يمضي المشهد إلى مشهد آخر ويصبح الأول من الماضي، ثم يمضي هذا الأخير ويأتي مشهد جديد، وهكذا. ولكن الوعي الحقيقي هو الوعي الممتد عبر الزمان فلا يفرق عنده الماضي من الحاضر بل كلها حاضرة عنده. ونحن نعيش التقطع في الوعي نتوجه في الدنيا إلى أشياء متقطعة من ظواهرها، فحالنا في العمل ولذتنا عند التذوق والشم ورؤيتنا للأشياء المتحركة تزول بزوالها. ولكن هناك وعياً ممتداً يبقى منها لفترة أطول في مستوى أعلى يترك أثره كالذاكرة والملكات النفسية التي تثبت بسبب التعرض لذلك الموقف المؤقت. وفي النفس مستويات متدرجة كلما كانت أعلى كلما كانت ثابتة وممتدة وباقية، وصولاً إلى النفس التي تبقى مع الإنسان وتمثل وحدته رغم تغير كل شيء دونها حتى الجسد والذهن والذاكرة. والثواب والعقاب هو من سنخ هذه الأشياء الباقية أو الطويلة الأمد، ومنه ثابت أبداً ومنه ما يبقى لفترة طويلة ومنه ما يمضي سريعاً، ومراتب نشأة النفس في الدنيا والآخرة تناسب مراتب النفس فنشأة الجسد من طفولته إلى كبره تناسب المستوى الأدنى من الإنسان، بينما النشآت الأخرى تكون أطول بكثير حتى يصل إلى الأفق الدائم منه. وإذا حللنا الأعمال التي يعملها الإنسان في أيام حياته ستجدها تعود إلى أصول في نفسه مختلفة المراتب فالجسد ليس هو من يفعل عملية التصدق، بل هناك دوافع تحرك الجسد وتلك الدوافع تحركها رغبات في النفس وتعلقات بأهداف تحبها النفس وتنجذب إليها، فتفعل الفعل للوصول إليها، وإذا فعلت الفعل تعززت تلك الأمور التي تعلقت بها النفس وثبتت في النفس بل تكون أظهر في الإنسان من نفسه لأنه عمل لها وقدمها على نفسه وإرادته فيكون ثوابه مما عمل لأجله، بل هو ثوابه وهو ما ظنه كمالاً وسعادة؛ وشعر أنه هو ما يعطيه الوجود، فيبقى مقترناً به حتى يزول فيسقط في الهاوية التي تحته بعد فنائه. هدى الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
1829

المعالم التربوية في السلوك النبوي 《٢》

تعددت الطرق التربوية التي اتبعها الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) لتربية الأمة من خلال سلوكياته للارتقاء بالمجتمع المسلم إلى مستوى الخلق الرفيع الذي يوصل الفرد إلى أعلى درجات الإنسانية. ومن هذه السلوكيات النبوية المؤثرة في تربية الأمة هو أسلوب ضرب الأمثلة الواقعية ومحاكاة جنباتها مع محاولة إشراك الأفراد فيها لتعزيز هذا المفهوم بالمصاديق المادية لتترسخ هذه القيم والمبادئ في النفوس. فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنهُ قَالَ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) نَزَلَ بِأَرْضٍ قَرْعَاءَ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : " ائْتُوا بِحَطَبٍ " .فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَحْنُ بِأَرْضٍ قَرْعَاءَ ، مَا بِهَا مِنْ حَطَبٍ ! قَالَ : " فَلْيَأْتِ كُلُّ إِنْسَانٌ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ ". فَجَاءُوا بِهِ حَتَّى رَمَوْا بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) : " هَكَذَا تَجْتَمِعُ الذُّنُوبُ ". ثُمَّ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَ الْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ طَالِباً ، أَلَا وَ إِنَّ طَالِبَهَا يَكْتُبُ ﴿ ... مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾(1).(2) ومن المعلوم ان هذا الأسلوب الذي يعتمد على الواقعية في ضرب اﻷمثلة أبلغ تأثيرا في النفس البشرية من أسلوب الوعظ والإرشاد وأكثرها ترسيخا في القلب والعقل فالمفاهيم النظرية لا تترسخ في العقول والأذهان إن لم تطبق بشكل عملي لتقريب المعنى، وهنا يريد (صلى الله عليه وآله) عدم تحقير الذنوب مهما صغرت لأن ذلك يؤدي إلى الاجتراء شيئا فشيئا على المعصية من الصغائر إلى الكبائر وإن كانت أكثر الذنوب ناتجة من اللمم -الصغائر من الذنوب- التي تتراكم علينا وعلاجها أن لا ننظر إلى حجم المعصية بقدر ما ننظر إلى من عصينا. كما يرسم لنا (صلى الله عليه وآله) من خلال تعامله مع خادمه منهجا متكاملا في أدب التعامل مع المرؤوسين فعن أنس قال: (والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لي لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط والله ما قال لي أف قط)(3)، وعنه أيضا قوله: (والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه: لم فعلته؟ ولا لامنّي نساؤه إلا قال دعوه)(4). وهنا تتجلى أرقى سلوكيات النبي (صلى الله عليه وآله) في التعامل مع خادمه أنس ليرسم لنا ملامح التعامل مع الأقل شأنا من الخدم أو المرؤوسين، وكذلك يعطي لنا المعالم الرئيسية للصفات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس في العمل او المدير في التعامل مع الموظفين وهي التواضع والحلم لتكسب الإدارة قلوب الموظفين كما تشجعهم على العمل بإخلاص وتفان ومحبة وبالتالي زيادة الإنتاج في أي مجال، فالتعامل الأخلاقي الراقي مع الموظفين يصب بالتأكيد في مصلحة الجميع من رئيس ومرؤوس بعكس الإدارة المتزمتة والمتعالية والغاضبة والمتطلبة والمانة عليهم. فلو تحققت مرونة تعامل الادارة مع الموظفين والحلم على جهلهم والتنبيه على أخطائهم والعمل معا على تجاوز وإصلاح تلك الأخطاء كي لا تتكرر مرة أخرى بالحكمة والموعظة الحسنة واعتبارهم اخوة أو أبناء لأنهم يركبون سفينة واحدة (المؤسسة) وهدفهم الوصول بها إلى بر الأمان (أي تحقيق الهدف من العمل بأقل خسائر ممكنة وتعزيز قيمة العمل وزيادة الإنتاج) لما شاهدنا كل هذا التناحر والاختلاف والمشاكل في المؤسسة الواحدة الذي ينعكس سلبا على تقدم المجتمع وبالتالي تقهقره في مواكبة عجلة التطور الحضاري. وعلى صعيد آخر نجد معالم التربية في سلوك النبي (صلى الله عليه وآله) في أدق مفاصل الحياة المنزلية للفرد، فمثلا نرى سلوكه في أدب التعامل مع الضيف واحترامه في مسألة الجلوس معه على الطعام، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أكل مع قوم طعاما كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم)(5) وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه الضيف أكل معه ولم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف يده)(6) ومما لا شك فيه ان هذا الخلق النبوي إذا تأصّل في الأمة فإن له تأثيرا كبيرا في نفسية الضيف لما يجد من تقدير واحترام وانعكاس ذلك في زيادة تقوية المحبة والتواصل بين أفراد المجتمع. وفي صميم الحياة الزوجية نرى سلوك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتعليم اﻷمة من خلال تعاونه مع أهل بيته في أعمال المنزل للتخفيف من أعباء الزوجة، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحلب عنز أهله)(7) وبالرغم من مكانته (صلى الله عليه وآله) كخاتم الأنبياء والرسل وحبيب إله العالمين وموقعيته القدسية لدى المسلمين إلا أننا نرى تواضعه ورأفته بنسائه حينما يشارك أهل بيته الأعمال المنزلية وهو درس عظيم جدا من رجل عظيم ورسول كريم لحث رجال أمته على الرأفة بنسائهم والرحمة بهن ومشاركتهم المرأة في مسؤولياتها المنزلية فهم الملجأ الآمن لهن، ولا يخفي تأثير هذا التفهم لمسؤوليات المرأة الكبيرة في تعميق أواصر المودة والرحمة والسكن النفسي بين الزوجين وانعكاس ذلك على الأبناء ووحدة اﻷسرة بشكل خاص لتماسك المجتمع بشكل عام؛ لأن اﻷسرة نواة المجتمع، فبالمودة والرحمة والتعاون نبني أسرة مسلمة نموذجية تسير على خطى النبي الذي كان كما جاء عنه (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)(8) وهذه الخيرية التي أرادها رسول الله لرجال أمته لا تأتي من خلال الغلظة والخشونة في التعامل مع الزوجة ولا من خلال التعالي عليها أو النظر إليها كمصنع للإنجاب فقط أو كخادمة عليها إنجاز المهام المنزلية وهو يأمر وينهى ويغلظ في القول والفعل بحجة أنه يتعب في كسب المعاش، نعم نحن نقدر تعب الرجل في كسب الرجل لمعاشه خارج المنزل فهو عبادة ولكن تعب الرجل في الكد على عياله ليس مسوغا بأن ينقلب شخصا آخر بمجرد دخوله إلى المنزل يصب جام غضبه على الزوجة والأولاد ويهيل السباب والشتائم عليهم ومصادرة حقوقهم حتى في الدفاع عن انفسهم بالكلام ، أو نجد بعض الرجال ينظر لزوجته نظرة دونية فيفخر بذكوريته مثلا او عقله المتكامل لأنه يعتبر المرأة ناقصة عقل ودين ويتكبر عليها ويستضعفها ويمتهنها لضعغها. الخيرية التي أرادها رسول الله من رجال أمته لنسائهم هي بمشاركة الرجل زوجته مسؤولياتها واهتماماتها المنزلية ولو بالسؤال والتشجيع المعنوي، فالمرأة بطبيعتها لا تنتظر من الرجل أن يشاركها أعمال المنزل بشكل مادي وإنما بشكل معنوي من خلال اهتمامه بها ومشاركتها آلامها وتعبها ومعاناتها في المنزل لتستطيع أن تستند عليه وتكمل المسيرة في إدارة بيتها وتربية أولادها بمعنويات عالية وبود وتفاهم كبير بين الزوجين. وبهذا القدر اليسير من جواهر السيرة النبوية نكون قد رسمنا بعض المعالم التربوية في السلوك النبوي من خلال السلوك العام خارج المنزل وداخله لنتخذ من سلوكيات الرسول (صلى الله عليه وآله) منهجا للحياة وسبيلا كاملا للنجاة لنضمن بذلك الفوز برضوان الله وجنانه. الهوامش (1)سورة يس الآية 12 (2)الكافي ج2 ص288 (3)قطوف من الشمائى المحمدية ص21 (4)كان رسول الله ص90 (5)الكافي ج6 ص407 ح 11657 2 باب الأكل مع الضيف (6)المصدر السابق ح 11659 4 (7)الكافي ج5 ص138 ح 8450-2- باب عمل الرجل في بيته (8)وسائل الشيعة ج2 ص171 ح[25337]8 عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
2529

خيرة النساء وظلم التاريخ (2)

الظلامة الثانية: حديث الأزواج بالرغم من أن الدين الإسلامي يُبيح للمرأة الزواج بزوجٍ آخر بعد وفاة زوجها أو طلاقها منه، وهذا أمرٌ واردٌ كثيراً في المجتمع الإسلامي لاسيما في صدر الإسلام، إلا أن تكرر ذلك كثيراً من امرأةٍ ما وبلوغ عدد الأزواج خارج الحد المألوف قد يشكل نوعاً من الانتقاص إليها وإلى عائلتها عرفاً. وهذا ما حصل مع عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التي اشتهرت بتعدد الأزواج فلم يكن من بعض الحاسدين للبيت العلوي إلا أن نسبوا ما اشتهرت به عائشة إلى السيدة سكينة (سلام الله عليها) محاولةً منهم في الإساءة إلى البيت العلوي والانتقاص من شأنه والحط من رفعته. وقد وضعوا لتعداد أزواج السيدة سكينة (عليها السلام) عدة قوائم ظلماً وزوراً، ذكر منها السيد محمد علي الحلو أربع قوائم كلها تعود إلى راوٍ واحد وهو الزبير بن بكار عن عمه مصعب الزبيري وهما معروفان بكذبهما وضعفهما وانحرافهما عن العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم)، وبالتالي فهي روايات ساقطة عن الاعتبار سنداً. وأما متناً فيتضح التهافت بينها جلياً، واضطراب الرواة وتضاربهم في افتعال هذه الأكذوبة، لكننا نعرض عنها روماً للاختصار محاولين الاقتصار على ذكر أسماء الأزواج فقط ليتسنى لنا مناقشتها تباعاً: 1ـ مصعب بن الزبير ، وقد ورد اسمه في القوائم الأربع (رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وسبط ابن الجوزي). 2ـ عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام ، وقد ورد اسمه في القوائم الأربع أيضاً. 3ـ الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان ، كما في رواية ابن سعد ، أما الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي فقالوا: لم يدخل بها . 4ـ زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فهو برواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان ، أما سبط ابن الجوزي فلم يذكره . 5ـ إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، لم يذكره غير الإصفهاني وابن سعد ، واتفقا أنه لم يدخل بها ، ولم يذكره ابن خلكان وسبط ابن الجوزي . 6ـ أما عبدالله بن الحسن بن علي ، فهو حسب رواية الإصفهاني فقط . ومن الواضح جداً أن واضع هذه الحادثة ومفتعلها قد اختار وبعناية فائقة الأشخاص الذين ادعى أنهم تزوجوا هذه السيدة الجليلة إذ إنهم جميعاً ممن ينصب العداء لأهل البيت (عليهم السلام)، فهم إما زبيريون أو أمويون أو مروانيون. وهذا الاختيار لم يأتِ اعتباطاً ولم يحدث صدفةً بل جاء لأغراض مقصودة ولأهداف منشودة سعى لتحقيقها وهي: الهدف السياسي: المتمثل بالتقليل من البون الشاسع بين كل من التوجهات السياسية الأموية والزبيرية والمروانية وبين توجه أهل البيت (عليهم السلام). الهدف الأيديولوجي: المتمثل بمحاولة تحسين الأيديولوجية الزبيرية والأموية والمروانية وإضفاء لمسة من الشرعية عليها؛ وذلك لأن الأطراف المختلفة خلافاً فكرياً عميقاً من البعيد إن لم يكن من المحال أن تتصاهر. محاولة التعتيم على الجرائم التي ارتكبها الأمويون والزبيريون والمروانيون بحق أهل البيت (عليهم السلام) بهذه المصاهرة المفتعلة بين الطرفين. وقد شهد التأريخ الاسلامي افتعال حوادث أخرى من قبل بعض المغرضين (عليهم السلام) والتشبث بها محاولةً منهم في تحقيق نفس الأهداف المذكورة آنفاً كافتعال حادثة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام). ثانياً: الأزواج كما تقدم كلهم من أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، أ فهل يُعقل أن يزوج الامام السجاد (عليه السلام) أخته الطاهرة بهكذا شخصيات نصبت العداء لأهل البيت (عليهم السلام)؟! أم هل انقرضت الرجال من على وجه الأرض ولم يبقَ إلا هؤلاء؟! ثالثاً: عند مناقشة كل شخصية من هذه الشخصيات، ترتسم علامة استفهام كبيرة إلى جانب علامة تعجب أكبر، لا سيما عند التأمل قليلاً بشخصية مصعب بن الزبير، أ فهل يُعقل ان يرضى الإمام السجاد (عليه السلام) بمصاهرة هذا الذي بلغ من عدائه لأهل البيت وحقده عليهم ان ضم قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) إليه بل ونصبهم قادة لجيشه. كما جاء في الطبري (أن مصعب بن الزبير استقطب قتلة الحسين عليه السلام وأهل بيته، وجعلهم قادة جيشه؛ لإحباط محاولات المختار بن أبي عبيد الثقفي ، الذي تصدى لملاحقة قتلة الحسين وأهل بيته عليهم السلام )(2) كما طالت قائمة انتهاكاته بحق أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، حتى أُغرق نفسه بدماء المطالبين بدم الامام الحسين (عليه السلام)، قال المسعودي: (فكان جملة من أدركه الإحصاء ممن قتله مصعب مع المختار سبعة آلاف رجل، كل هؤلاء طالبون بدم الحسين وقتلة أعدائه، فقتلهم مصعب وسماهم الخشبية، وتتبع مصعب الشيعة بالقتل بالكوفة وغيرها)(3)؟! ثم أولم يعلم (سلام الله عليه) بأن مصاهرته تعني بلا شك توافقاً سياسياً مع نهجه وتأييداً شرعياً له؟! فإن قيل: إن الزواج قد تم قهراً. قلنا: إن عبد الله بن الزبير لم يُحكِم سيطرته على المدينة بعد ليتمكن أخوه مصعب من قهر بني هاشم على الزواج من آمنة، فالهاشميون رفضوا البيعة لعبدالله بن الزبير، ولم يتمكن من إكراههم على ذلك فكيف يمكنه إكراههم على الزواج بعقيلتهم؟! ومن الملاحظ أن اسم مصعب بن الزبير قد تكرر في القوائم الأربعة مما يدل على حرص من افتعل مسألة تعدد أزواج السيدة الجليلة وتأكيده على وقوع هذا الزواج لما له من أثر سياسي كبير يحقق مصلحة الزبيريين. وبالرغم من ذلك التأكيد فإن الغربال يعجز عن أن يحجب ضوء الشمس، إذ لم يثبت زواج السيدة سكينة بنت الحسين (عليهما السلام) من مصعب لضعف الرواية أولاً وللقرائن الدالة على نفي ذلك ثانياً. وأما عبدالله بن عثمان ابن حزام فهو الآخر قد تكرر اسمه في القوائم الأربعة ولا غرابة في ذلك فإن أم عبد الله تكون رملة بنت الزبير بن العوام، مما دفع خؤولته الزبيريون الى التأكيد على وقوع هذا الزواج للمصلحة السياسية كما أسلفنا.. ومما يثير الشك في وقوع هذا الزواج من السيدة بنت الامام الحسين (عليه السلام) ، ما رواه أبو منصور البغدادي، عن المدائني، عن مجالد، عن الشعبي: أن سكينة نشزت على زوجها عبدالله ابن عثمان ابن حزام فشكتها أمه رملة بنت الزبير بن العوام إلى عبدالملك(4). ومن المعلوم أن المرأة عندما تنشز تُشكى الى ولي أمرها، فإذا صحت هذه الرواية فقد يكون المراد من (سكينة) امرأة تحمل هذا الاسم إلا أنها ليست بنت الامام الحسين (عليه السلام). وبالتالي لم يثبت زواجها من عبدالله بن عثمان ابن حزام أيضا لضعف الرواية سنداً ولعدم تمامية دلالتها . وأما الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان، فلا يمكن قبول خبر زواجه بها؛ وذلك لأن الأصبغ بن عبدالعزيز كان والياً لعبد الملك بن مروان في مصر، والسيدة آمنة بنت الحسين بقيت مقيمة في المدينة ولم تغادرها أبداً، فكيف يتسنى لهذا المرواني من زواجها؟ بل وإن قيل بعدم دخوله بها، فكيف ومتى وقع عقد الزواج؟ وأما زيد بن عمرو بن عثمان وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقد روي عنهما حدثٌ يشتركان به كلاهما وهو تفريق والي عبد الملك بن مروان بينهما وبين سكينة (5). فقد روي عن ابن سعد أنه قال: "فخلف عليها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري كانت ولته نفسها، فتزوجها، فأقامت معه ثلاثة أشهر، فكتب هشام ابن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما..."(6). كما روي عن ابن خلكان: "تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل..."(7). ومن الواضح للقارئ الكريم أن هذين النصين يفتقران إلى الواقعية من جهاتٍ عديدة: الأول: اشتراك كلا الشخصين في حدث واحد. الثاني: ما السبب الذي دفع كلاً من هشام بن عبدالملك وسليمان بن عبدالملك أن يأمرا إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف وعمرو بن عثمان بطلاق السيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين؟ الثالث: من البعيد جداً إن لم يكن من المحال أن تولّي السيدة سكينة (عليها السلام) أمر نفسها إلى إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ويتزوجها بناءً على هذه الولاية. إذ أين كان أولياء أمورها وهم خير الأولياء الإمام السجاد (عليه السلام)، ومن بعد استشهاده ولده الإمام الباقر(عليه السلام) حتى تولي أمر نفسها من يخالف أهل البيت (عليهم لسلام) في الفكر والرأي والموقف؟! لكل هذه التساؤلات التي يعجز التاريخ عن الإجابة عنها إجابة منطقية وافية، ولوجود قرائن يطول المقام بذكرها قد ذكرتها كتب التأريخ لا يمكن القبول بخبري زواجها (عليها السلام) من كلٍ من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف وزيد بن عمرو بن عثمان. مما ذكر تُفتضح الأكذوبة التي جهدوا في إلصاقها بهذه السيدة الجليلة، مما يتضح أنها (سلام الله عليها) لم تتزوج إلا من عبدالله بن الحسن السبط الذي استشهد في واقعة الطف، ولم تتزوج بعده حتى ماتت (عليها أزكى التحية والسلام). وهكذا يحبط الله (تعالى) محاولات الظالمين الذين أرادوا تشويه تاريخ أهل البيت عليهم السلام، وتبقى شمس نورهم لا تحجبها سحب حقدهم مهما تزايد وتمدد، لأن الله وعد في كتابه يستحيل أن يأفل ويتبدد، كيف لا وهو القائل(عز من قائل):"يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)"(8). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) للمزيد من التفصيل نحيل القارئ الكريم إلى كتاب عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام الملقبة بسكينة، تأليف السيد محمد علي بن يحيى الحلو ص96 وما بعدها.. (2) الأغاني 161:16 (3) الطبقات الكبرى لابن سعد 475:8 في قسم النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وروين عن أزواجه وغيرهن. (4) وفيات الأعيان 394:2رقم 268(5)تذكرة الخواص سبط ابن الجوزي : 249 (6) أنظر تاريخ الطبري ج6 ص52 (7) مروج الذهب ج3 ص113 (8) التوبة 32 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
1479

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70404

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51535

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41510

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36113

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32930

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32268