ما هي نيتك وانت تقرأ القرآن الكريم؟

ما هي نيتك وانت تقرأ القرآن الكريم؟ هل سألت نفسك يوماً ماهي نيتك وانت تتلو القرآن الكريم ؟ يقول الامام علي بن الحسين السجاد(عليه السلام) في مقطع من الدعاء العشرين من الصحيفة السجادية وهو الدعاء المعروف بدعاء مكارِمِ الاخلاقِ " ... أَللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَبَلِّغْ بِإيْمَانِي أكْمَلَ الاِيْمَانِ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ، وَبِعَمَلِي إلى أَحْسَنِ الاعْمَالِ ... "(١) و عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ((ليبلوكم ايكم احسن عملا))(٢) قال (عليه السلام) { ليس يعني اكثركم عملاً ولكن اصوبكم عملاً وانما الاصابة خشية الله والنية الصادقة والحسنة....) ثم قال (عليه السلام) : الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص : الذي لا تريد ان يحمدك عليه احد إلا الله عز وجل والنية افضل من العمل ثم تلا قوله عز وجل ((قل كل يعمل على شاكلته)) ... يعني على نيته }(٣) . وعن ابي حمزة عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: (لا عمل إلا بنية) (٤) .... وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله :"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " (٥). وهذه بعض النيات التي يحسن أن ننويها عند قراءة القرآن الكريم . (1) بقراءته نسأل الله أن يُشفّعه فينا .. لقول الرسول صلى الله عليه وآله : " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه"(٦) . (2) ننويه لزيادة الحسنات .. لقول الرسول صلى الله عليه وآله : "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ..." (3) نحتسب قراءته للنجاة من النار .. قال رسول الله: "لو جمع القرآن في أهاب لم يحرقه الله بالنار"(٧). (4) نحتسب قراءته عِمارةً للقلوب .. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" (5) نحتسب قراءته بنية العمل بكل آية نقرؤها لننال أرفع الدرجات في الجنة .. لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : "يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها " (6) نحتسب قراءته شفاء لأمراض قلوبنا وعلل أجسادنا وسببا لنزول الرحمات علينا .. قال تعالى ((وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة)). (7) نحتسب قراءته لطمأنينة قلوبنا .. لقول الله تعالى ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) . (8) نحتسبه سببا لحياة قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا فالقرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض .. كما قال صلى الله عليه وآله في دعائه : "... وأن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري و جلاء حزني وذهاب همي" . (9) نحتسب قراءته سببا للهداية .. قال تعالى : ((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)) وفي الحديث القدسي "يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" . (10) نقرؤه بنية أن نموت عليه، فمن عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه.. لقوله تعالى: ((أم حسب اللذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون)). (11) نقرؤه بنية رجاء القرب من ربنا بحب كلامه العظيم .. كما في الحديث "إنك مع من أحببت" . (12) نحتسب قراءته سببا عظيما لزيادة الإيمان لقوله تعالى : (( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما اللذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون)). (13) ومن نياتنا بقراءته أننا نريد أن نزداد علما بربنا ومعرفة له لنزداد له ذلا وافتقارا فنستعين به في كل لحظاتنا. (14) ومن نيات قراءة القرآن أن نرجو به الفضل العظيم وهو أن يكون سببا لاصطفاء الله تعالى لنا بأن نكون من أهله وخاصته .. لقول الحبيب : "إن لله أهلين من الناس" ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم أهل القرآن ، أهل الله وخاصته". (15) ومن أعظم النيات وأهمها وفي مقدمتها أننا نتعبد الله تعالى بقراءته .. لقوله تعالى ((ورتل القرآن ترتيلا)). (16) اهم من كل ما ذكر نقرأ القرآن الكريم بتأنٍ وتروٍ بقصد التدبر في آياته وخصوصاً اذا كانت القراءة في مصحف مفسر ولو تفسيراً ميسراً . بعد كل ما سبق اكرر سؤالي: هل سألت نفسك يوماً ما: ماهي نيتك وأنت تقرأ القرآن الكريم؟ ______________________________ ١. الصحيفة السجادية. ٢. سورة الملك. ٣.بحار الأنوار للمجلسي ج٦٧. ٤.الكافي للكليني - ج٢ - ص ٨٤ . ٥.وسائل الشيعة للحر العاملي ج١، ص٤٩. ٦.صحيح مسلم . ٧. سنن الدارمي. علي جابر

اخرى
منذ 5 سنوات
5812

ماذا لو صلى بنا الإمام المهدي عجل الله فرجه صلاة العيد ؟

لكل صلاة جماعة إمام يؤم المصلين، فالصلاة قبلة الحب والاحترام ، الصلاة أخلاق العبد وهي ما تضيف له الوئام ، الصلاة أدب ونور على طول الأيام ، الكل مباح له أن يصليها ، ولكن أين منها صاحب الزمان والزمام ، بيده زمامها ونحن ننتظره بحرقة على طول الدهر ونحن في اهتمام ، متى يعلن ظهوره كي نأتم به صلاة القرب بأحلى إمام وأحلى تمام. دعونا نتأمل قليلا... لو كان الإمام هو من يؤم صلاة العيد او صلاة الجمع... ماذا سيحدث؟! صلاة تتحول من مستحبة لصلاة واجبة. صلاة تجمع كل المسلمين وتتوحد باذان واحد وإمام واحد ... سيدي يا صاحب الزمان، كلما مر العيد وانت غير موجود بيننا ازداد حزننا . فأنت الذي يجب أن يؤم المصلين هذا اليوم. فيسعد الناس برؤية وجهك. سيدي متى ترانا نراك تؤم الملأ ؟! ترى هل سنكون من المصلين خلفك .... كأني أتخيل ذلك المنظر... منظر هو الأقرب الى العين اكتست السماء باللون الأخضر أصبحت كأنها لون عمامة رسول (الله صلى الله عليه وآله) وأمامنا أمام الهدى، نور الله على الأرض، ووجه نبيه الطاهر محمد (صلى الله عليه وآله)، علم الدين، وإمام المتقين، ملئت السماء الخضراء على عرضها طيور النورس البيضاء مرفرفة بأجنحتها تحمل في مناقيرها ورودا حمراء كأنها تستقبل ضيفا. أصبحنا لانسمع غير أصوات الصلوات والتسابيح والدعوات، أما الأرض فغطاؤها اللون الأبيض، أصبحت طريقا واحدا منبسطا كأنها تهيأت ليسير عليها ملك من السماء وفي نهاية الطريق أعد العمل لمسرح كبير تتوسطه منصة خشبية كأنها ساجدة لله سجدة شكر بعد طول انتظار يبدو عليها الوقار أ تساءل؟ من ذا الذي سيخطب؟!! عليها ستار في أول سويعات النهار عند شروق أول خيط للشمس، حتى الشمس خجلت من الظهور اليوم وكأن أحدا أكثر منها نورا سيسلب منها هيبة شروقها لنا مضيئة منذ أن خلق الخلق .... منظر وكأن الدنيا كلها انتظرته دهورا وهي تعد له العدة منظر يصعب على الكل تخيله، منظر مهيب، ووقت فريد، والنور لابد منه لتكون الأبصار شاخصة لإعلان الشمس عن شروقها لتعلن العيد فهو عيد فريد يتميز عما مضى من أعياد في الدهور السابقة، فهنا وعلى الأرض ستقام وما إن حان وقت الصلاة أسدل الستار عن المسرح ليتراءى للناس منظر كأن المأذنة في السماء كأن صوتا واحدا يشد الناس بالانتباه اخترق الصوت قلوب الناس قبل آذانهم بالتكبير كأنه الشلال يسقي ولا يغرق !! نعم فقد سقى الناس بكل رقة كالندى الذي يتساقط على الزهور الذابلة بعد أعوام عجاف لترتد الروح فيها كأن منقذا أتى لينقذنا من ضلال أنفسنا ! نعم فهو صوت منقذنا وأمامنا أمام الهدى نور الله على الأرض ووجه نبيه الطاهر محمد (صلى الله عليه وآله) علم الدين وأمام المتقين. قلبي اليك من الاشواق محترق ودمع العين من الآماق مندفع الشوق يحرقني والدمع يغرقني فهل رأيت غريقا وهو محترق اللهم وفقنا لنكون صادقين وأمناء حتى نحقق الاستعداد لظهور وليك المهدي عجل الله فرجه الشريف لكي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
4043

عيــد ألأضحــى العيــد الواقعــي للمُضحيــن

يغفل بعض الناس عن المعنى الحقيقي للعيد، فيُقصرون جُلَ اهتمامهم على المظاهر الخارجية من شراء ملابسٍ وتخطيطٍ للنزهات وما إلى ذلك من مظاهر الفرح وأشكال البهجة، ولا مانع من كل ذلك طالما كان في الحدود الشرعية، ولكن في الوقت نفسه لا يصح أن يُختزل به العيد، وإلا فقد يكون للبعيدين عن الالتزام بالتعاليم والأحكام الدينية أكثر مما هو للملتزمين بها. وبالرجوع إلى الروايات نجد أن العيد الواقعي إنما هو للمؤمنين المتقين، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):" كل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد"(1)، ولذا صحّ ما قيل: ليس العيد لمن لبس الجديد إنّما العيد لمن سلم من الوعيد وليس العيد لمن ركب المطايا إنّما العيد لمن ترك الخطايا وليس العيد لمن حضر المصلّى إنّما العيد لمن صام و صلّى وبهذا فإن المؤمن لا يقتصر عيده على الأعياد المعروفة وحسب بل بإمكانه أن يُحيل كل أيامه إلى أعياد، وما ذلك إلا لرحمة الله (جل شأنه).. ومن رحمته (تعالى) ولطفه بالمؤمنين أيضاً أن فسح لمن لم يحج منهم تقديم الأضحية وما يترتب عليها من الثواب العظيم، فقد روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: "لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا أنه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها"(2). ولو عمّقنا النظر في مفهوم التضحية وتقديم الأضحية قربةً إلى الله (تعالى) لاتسعت مصاديقها وتعددت، ولكان من أهمها واكثرها ضرورةً أن ينحر الإنسان نفسه الأمارة بالسوء، أو على الأقل أن يترك معصيةً هو عاكف عليها، والتضحية بشهوات النفس ومنافعها المادية الدنيوية الزائلة التي تُثنيه عن الوصول إلى منافعه الآخروية الباقية. كما قد تكون التضحية من نوعٍ راقٍ وذلك فيما إذا جنّد الإنسان نفسه وبذل جهده وماله وضحّى براحته في سبيل خدمة الدين والمذهب الحق، أو في سبيل خدمة المجتمع والسعي إلى رفع معاناته، ومن المعلوم أن الهدف كلما كان كبيراً كان الجهد في سبيل تحقيقه كثيراً، ولا يفوز بذلك إلا كبار النفوس، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله: وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام وكم هو جميل أن نؤكد كل هذه المعاني في نفوسنا ونؤصلها في أرواحنا في عيد الأضحى المبارك مجددين عهد الحب لله (تعالى) بعقد النية على الإحرام عن المعاصي والإقلاع عن السيئات، والعزم على التمسك بالطاعات وما يقربنا إليه من قربات، والتضحية بهوى النفس والشهوات، والسعي في مساعدة الفقراء وقضاء الحاجات، ورفع ما يمكن رفعه مما يعاني منه المجتمع من معاناة، ورجم النفس الأمارة بالسوء بتشديد المشارطات وتكثيف المراقبات، وحلق آمالها في ارتكاب المحرمات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة ج4 ص71 (2) وسائل الشيعة ج 14 ص 211 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
2137

مجتمع يقاوم الظلم! وحديث مفترى

نقرأ في وسائل التواصل احاديث وروايات تترجم أو تعبر عما يعانيه المجتمع، تنطلق كأسلوب رفض أو ثورة ضد مشكلة معينة أو واقع مرير يعيشه المجتمع، ومن هذه الأقوال ما ينسب لسيد البلغاء علي بن أبي طالب عليه السلام "اذا رأيت الظالم مستمرا في ظلمه فأعرف أن نهايته محتومة، وإذا رأيت المظلوم مستمرا في مقاومته فاعرف أن انتصاره محتوم"، وللوقوف على صحة هذا القول ارتأينا تسليط الضوء على هذه الرواية من حيث المعنى والسند يتناول هذا القول مفردة الظلم على الفرد والمجتمع.. الظلم لغة: وضع الشيء في غير موضعه ، فالشرك ظلم عظيم لجعله موضع التوحيد عند المشركين ، وقد يراد به ما هو ضد العدالة ، وهو التعدي عن الوسط في اي شيء كان ، وهو جامع للرذائل بأسرها _ كما اشير اليه_ وهذا هو الظلم بالمعنى الاعم، وقد يطلق عليه الجور أيضا، وقد يراد به ما يرادف الاضرار والايذاء بالغير ، وهو يتناول قتل الغير وضربه وشتمه وقذفه وغيبته وأخذ ماله قهرا ونهبا وغصبا وسرقة وغير ذلك من الأقوال والأفعال المؤذية (١) قال تعالى :( انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبتغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب اليم)(٢). وروي: "أنه تعالى أوحى إلى داود : قل للظالمين لا تذكروني، فأن حقا عليّ أن أذكر من ذكرني ، وإن ذكري اياهم أن العنهم".(٣). وهو من الذنوب التي توجب غضب الله تعالى ويوجب عذابه وسخطه، ويوجد العداوة والكراهية بين أبناء البشر إضافة إلى آثاره الوخيمة على الظالم في الدنيا قبل الآخرة لان النفس البشرية جبلت على الإحسان والمحبة للآخرين وما الظلم الا حالة نفسية تصاب بها النفوس غير السوية فترتكب الظلم دون معرفة عواقبه وآثامه. وقد عانت البشرية من الظلم على اختلاف الأزمنة ، وهي صفة تودي بصاحبها إلى التهلكة أمثال فرعون حاكم مصر الذي اعتلى عرش مصر وتفنن في ظلمه لقومه فأخذه الله اخذ عزيز مقتدر نتيجة لظلمه وجبروته ، وقارون الذي آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة اولوا القوة وبغى على قومه، فلم تغن عنه كنوزه من الله شيئا ،( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) (٤). وأبرهة صاحب الفيل ملك اليمن الذي بنى معبداً للحيلولة دون حج الناس إلى الكعبة فما كانت نتيجة تكبره وتجبره وظلمه الا إن ارسل الله طير الابابيل فهلك هو وجيشه عن بكرة أبيهم، فالله تعالى مهلك الجبارين و المنتقم من الطغاة ، قال تعالى :"( و أنه أهلك عادا الأولى ¤ وثمودا فما ابقى ¤ وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم أظلم و أطغى)" (٥). ولا يقتصر الظلم على ظلم الناس فحسب بل يتعدى إلى ظلم الإنسان نفسه باتّباع طريق الضلال والباطل، أجارنا الله وأياكم منها صفةً مقيتةً تحيل الحياة جحيما وتوجب غضب الله تعالى. وبالمقابل فإن المظلوم وإن رزح تحت وطأة الظلم والظالمين احقابا إلا إن نصره محتّم والله تعالى سينصره ولو بعد حين والقرآن الكريم ذكر السيدة اسيا مثالاً للذين صبروا على الظلم، ظلم الطاغية فرعون حيث تحملت من الأذى ما تحملت في جنب الله وقاومته ولم تخش منه وصبرت ( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)(6). وعلى هذا، فإن هذا القول المتقدم صحيح المعنى، الا أنه لا يمكن نسبته للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه لا يمثل قطرة من بحر بلاغته وعلومه، ولا نغالي اذا قلنا " كلام علي دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق " (٦). ناهيك عن عدم وجود هكذا رواية أو حديث في الكتب الحديثية. وفي هذا الصدد ينبغي توعية المجتمع حتى لا تتكرر نسبة الروايات إلى أئمة أهل البيت سلام الله عليهم وإن كانت تحاكي الواقع وتضفي نوعا من الشرعية ردا على الظلم الذي يقع على الفرد بصورة خاصة وعلى المجتمع بصورة عامة. ١.كتاب جامع السعادات ، النراقي ج ٢، ص٢٣. ٢. سورة الشورى، اية ٤٢. ٣. جامع السعادات، النراقي ج٢ ،ص ٢٤. ٤.سورة القصص ، آية٨١. ٥. سورة النجم ،٥٠، ٥٢ ٦. سورة التحريم، ايه ١١. ٧. ، نهج البلاغة، ج١ ، ص ١٨. رشا عبدالجبار

اخرى
منذ 5 سنوات
4869

الأسرة في ظل غياب دور الأب واهماله

ان مهمة أدارة الأسرة لاتخلو من الصعوبة في وقتنا الحاضر ، ولكنها غير مستحيلة في ظل اتفاق الأبوين للنهوض بواقع ابناءهم من جميع النواحي الاخلاقية والاجتماعية والدراسية ، فتفاعل الزوجين وانسجامهما النفسي والعاطفي يؤدي الى استقرار الأسرة وتوزيعهما للادوار التربوية ومساندة احدهما للآخر يؤدي الى تذليل كل الصعوبات والتحديات التي تعصف بأسرنا في ظل وجود مختلف المغريات والتحديات وفي ظل سلبيات التكنولوجيا الحديثة؟ ولكن ماذا لو تخلى الزوج عن دوره الرئيسي والمحوري في الأسرة !! تاركا الزوجة لوحدها تواجه هذة التحديات ؟ كيف يمكن للزوجة ادارة الأسرة في ظل غياب واضح لدور الأب المعنوي ؟ فكثيرا من الزوجات تعاني من عدم تواجد ازواجهن في البيت في اوقات مابعد العمل ؟ مما يُلقي بعبء المسؤولية الملقاة على عاتقهن ؟ وهذا مايجعل امر ادارة الأسرة شيء صعب جدا بسبب اهمال الزوج لدوره ؟ فماذا تفعل الزوجة حيال اهمال الزوج لواجباته التربوية ؟ هل تتخلى عن المسؤولية معللة ذلك بعدم اهتمام زوجها بذلك؟؟ أم تاخذ زمام المبادرة مستعينة بالله تعالى ومتوكلة عليه وطالبة للعون منه عز وجل ؟ فلو كانت سفينة تبحر في وسط البحر وتخلى عنها ربانها في ظل تلاطم الامواج ، فهل يتخلى عنها المساعد الاول للسفينة بحجة ان المسؤول هو الربان وليس انا؟؟ ام يأخذ القيادة لينقذ الجميع وينقذ نفسه ؟ لانقول ان امر القيادة وادارة الأسرة شيء سهل في هذا الوقت بالذات ، بل انه من الامور التي تحتاج الى كياسة ودراية ومعرفة ،مما يجعل الأمر فيه شيء من التحدي والمواجهه ، مواجهة مع النفس اولا، ومواجهة مع التحديات والظروف والبيئة ، ومواجهة مع كل شيء في هذة الحياة ، تفقد الأم اعصابها كثيرا بسبب كثرة المشاكل والمسؤليات وبسبب شعورها السيء الناتج من اهمال زوجها لها ولأسرتها ، فمن الاشياء الصعبة التي تؤثر على مشاعر الزوجة هي استبداد الزوج برأيه وعدم شعوره وتحمله للمسؤولية ، فنرى كثيراً من هذا النوع من الرجال يهمل عائلتة وابناءه فهو لايعطيهم وقتا للاستماع اليهم أو الخروج معهم للتنزة ، او حل مشاكلهم او اللعب معهم ، فهو لايفكر الا بنفسه وبنزواته وباصدقائه معللاً ذلك بانه متعب من العمل ويريد ان يأخذ راحته ويستمتع بيومه؟؟ وهنا نقول ان كثيراً من الآباء يقومون بتقسيم اوقاتهم وفق ستراتيجية مدروسة بين قضاياهم الخاصة وامور أسرهم ؟ فلا مجال للتداخل والانانية هنا ، فكل يأخذ وقته ؟ من اجل تعميم السعادة على الاسرة وهذا يؤدي الى شعور الأب المسؤول بالرضا عن الذات ، اما اذا كان الأب مهملا وغير مسؤول ولم ينصت لضميره ولالزوجته فهذا مايؤدي الى بروز مشاكل عديدة في داخل البيت ، بسبب عدم تعاون الزوج مما يلقي بكامل المسؤلية على الزوجة ، وهنا يجب ان تتحلى الزوجة بالقوة الداخلية التي تمكنها من ادارة بيتها بالشكل الصحيح والمناسب التي تجعلها تعوض تقصير الزوج واهماله في البيت ، مما يزيد من مكانتها في نفوس ابنائها ويجعل كلمتها مؤثرة ومسموعة لديهم فهي امهم وابوهم وصديقتهم بنفس الوقت ؟ ومن هنا ندعوا جميع الاخوة الاباء الاعزاء ان ياخذوا دورهم الريادي في ادارة امور الاسرة بكافة اتجاهاتها المادية والنفسية والعاطفيه والتربوية ، فدوره الشرعي لايقتصر على توفير لقمة العيش والسكن وانما يتمثل دورة في شعور ابناءه وزوجته بوجوده المعنوي الذي يعطي طابعا نفسيا بالشعور بالآمان والأطمئنان ، فالحياة الأسرية ترتكن الى مرتكزين اساسيين هما وجود الأب والأم فهما الخيمة التي يستظل بها الابناء من متاعب الحياة وصعوباته ... والله ولي التوفيق

اخرى
منذ 5 سنوات
4104

مسلم بن عقيل عليه السلام السفير الناصح

المهام الجِسام تحتاج إلى رجال ذوي بأس ليحملوها, يمتلكون المؤهلات القيادية, ويتحلون بالصبر والاستقامة والاخلاص للقضية, لكي يؤدوها على أتم وجهها. مسلم بن عقيل عليه السلام كان النموذج الكامل, المؤهل لحمل سفارة المعصوم عليه السلام, وتحمل قيادة الأمة وتهيئتها, لتكون على استعداد لاستقبال قائدها الهمام, الذي لطالما راسلوه وبعثوا إليه الكتب ليقدم عليهم قائلين “اقدم علينا يابن فاطمة ستجدنا جندا لك مجندة”. الظلم الذي عاناه المجتمع الإسلامي عموما, ومجتمع الكوفة خصوصا, دعاهم ليستنصروا الخليفة الشرعي للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله, وسبطه والمؤتمن على رسالته, وبعد تواتر وتوالي كتب أهل الكوفة وتكاثرها, قرر الإمام الحسين عليه السلام –والحال الظاهري هكذا من الولاء- أن يقدم على الكوفة لإعلان الثورة ضد الطغيان الأموي الحاكم, وليستحكم الأمر ويتأكد الإمام عليه السلام من نوايا القوم, فقد أوكل مهمة الاطلاع على الأوضاع الى ابن عمه وثقته مسلماً عليه السلام, ليذهب الى الكوفة ويستقصي الأمر, وقد كتب الإمام الحسين عليه السلام رسالة إلى أهل الكوفة قائلا “بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين, أما بعد فإنَّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليَّ بكتبكم, وكانا آخر من قَدِمَ من رسلكم, وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جُلِّكم, إنه ليس علينا إمام, فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق, وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي…..” ومن علمنا بأن الامام المعصوم عليه السلام لا ينطق عن الهوى, وأنه لا يجامل أو يداهن, فإننا نعلم إن اختياره لمسلم ابن عقيل عليه السلام إنما هو لملكات كبيرة ومزايا عظيمة يحملها مسلم. لقد كان مسلم بن عقيل عليه السلام, انسانا صالحا, ومؤمنا عابدا, وقائدا فاهما, خًبًرَ الإدارة والسياسة, وكيف لا يكون كذلك؟! وهو سليل بيت منهم نبي الله صلى الله عليه, والأئمة المعصومون, وأباؤه عليهم السلام هم سادات العرب ومشايخهم وشجعناهم, فجده أبو طالب عليه السلام كان سيد البطحاء, وأبوه عقيل كان صلبا في ذات الله, ولطالما مرغ أنف معاوية بن أبي سفيان في بلاطه وأمام حاشيته في الشام, من خلال تبيان مساوئه ومثالبه. وصل ابن عقيل عليه السلام إلى الكوفة, وجمع الناس وهيأهم لنصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله, واجتمع له على ما تنقل كتب التاريخ والسير ما يقرب الثمانية عشر ألف مقاتل. سار مسلم بن عقيل عليه السلام بالنهج الديني القويم, فلم يغدر ولم يفتك, ولم يتجبر, وحتى مع أعدائه كان يلتزم النهج الشرعي, لذا فهو لم يقم بقتل اللعين عبيد الله بن زياد في بيت هانئ, لأن الإسلام حرم الغدر والحيلة, كما ورد في الأثر “الإسلام قيد الفتك”. بعد أن استوثق مسلم عليه السلام من نوايا القوم –ولو ظاهريا- كتب إلى الإمام الحسين عليه السلام بالقدوم, لكن أحداث دراماتيكية حدثت بعد ذلك قلبت الأمور رأسا على عقب, فنكث القوم بيعتهم, وتركوا مسلما لوحده في غربة وعناء, لم يقف معه من القوم إلا المخلصة المؤمنة طوعة رضي الله عنها والتي آوته وسقته وأطعمته. بعث ابن زياد العيون للبحث عن مسلم عليه السلام, وبعد ان عثروا على مكان تواجده في بيت طوعة, تجهزت الجيوش لاعتقال مسلم عليه السلام, إلا أنه لم يسلم نفسه, فتجهز لملاقاة تلك الجموع غير آبه بعددهم وعدتهم, وأخذ يجندل الأبطال, ويكسر الكتائب, فبعث ابن الأشعث لابن زياد يطلب المدد, فاستغرب ابن زياد لعنه الله ورد قائلا “اني ارسلتك لرجل واحد” فرد ابن الاشعث قائلا : “أ تحسب أنك ارسلتني إلى دهقان من دهاقنة الكوفة, لقد ارسلتني إلى بطل من أبطال العرب” لم تصمد الجيوش أمام بسالة وإقدام مسلم عليه السلام, فعمدوا إلى الحيلة والغدر, وهذه شيمتهم, فحفروا حفيرة في الأرض وغطوها, ولما مر مسلم عليه السلام عليها سقط فيها, وأجهز عليه القوم طعنا بالرماح, ورميا بالنبال, وضربا بالحجارة, حتى إذا خارت قواه أوثقوه وبعثوا به لابن زيد لعنه الله. أمر بن زياد بقطع رأس مسلم عليه السلام, وأن يرمى جسمه من أعلى قصر الإمارة, وأن يمثل بجثته, وأن تُسحل بالحبال في أسواق الكوفة, وما هذه الأوامر من ابن زياد إلا دليل على بعد هذا النكرة عن قيم الإسلام الأصيلة, وعن القيم الإنسانية, وتعكس الهوة الأخلاقية بين مسلم الذي رفض الفتك بابن زياد غدرا, وبين ابن زياد الذي يقطع الرؤوس ويمثل بالجثث. استشهد مسلم في الثامن من ذي الحجة, وفي رواية في التاسع من ذي الحجة, أي يوم عرفة, ورميت جثته من أعلى القصر, وسحلت في الأسواق بالحبال, وراح شهيدا حميدا ناصحا لله ولرسوله, مؤديا الأمانة التي كلفه بها الإمام الحسين عليه السلام فكان نعم السفير الناصح. فسلام عليك يابن عقيل, يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا, ولعن الله قاتليك وخاذليك والراضين بقتلك والشاكين بأمرك. بقلم: عبد الكاظم حسن الجابري

اخرى
منذ 5 سنوات
8468

نبضُ التوحيد عند الإمام الباقر (عليه السلام)

كلماتٌ تخرج من قلبِ عارفٍ بربّه تُخاطب الوجدان, وتتحادث مع شغاف القلب المفعم بالعشق الإلهي, ولايتلقاها إلاّ ذو حظٍ عظيم. تلك هي كلمات الإمام الباقر (عليه السلام) التي تصدح بــتنزيه الله تعالى عن الزمان والمكان والجسم والرؤية والاتحاد والحلول. فيا طلاّب الحقيقة هلموا لتلك الإشراقات القدسيّة لتضيء هياكل التوحيد بعد أن أدركتموه بالوهم. سأل رجل الامام الباقر عليه السلام فقال له : أخبرني عن ربّك متى كان ؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) :"ويلك! إنما يقال لشيء لم يكن ، متى كان ؟ إنّ ربي تبارك وتعالى كــان ولــم يزل حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون. كيف! ولا كان له أين، (أي ليس لله تعالى مكانٌ يحويه).ولا كان في شيء، (أي لا يحلُّ الله تعالى في شيء).ولا كان على شيء، (أي ليس لله تعالى جهة عليا تحيطه). ولا ابتدع لمكانه مكاناً، (أي لم يخلق الله تعالى لنفسه مكاناً فهو موجودٌ في كلّ مكان). ولا قويَ بعدما كوّن الأشياء، ( أي إنّه تعالى لم يكن عاجزاً ضعيفاً قبل خلق الأشياء ثم قويَ بعد خلقها). ولا كان ضعيفاً قبل أن يكوِّن شيئاً، (أي ليست قوّته تعالى بخلق الأشياء فهو القوي القادر قــبل خلقه لها إلاّ إنّه لم يشأ أن يخلقها إلاّ في وقتٍ معلوم). ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدِع شيئاً، (أي إنّه تعالى لايأنس أو يستوحش بمخلوقاته فهو الغنيّ عنهم قبل وبعد خلقهم). ولا يشبه شيئاً مذكوراً، (أي لـيس لله تعالى شبيهٌ يشبهه). ولا كان خلواً من المُلك قبل انشائه، (أي هو المالِك للأشياء حتى قبل خلقِها). ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه، (أي لا يخلو من الله تعالى لقب المالِك بعد ذهاب أو فناء الأشياء المخلوقة, فهو يعيدها للنشأة الآخرة). لم يزل حيّاً بلا حياة، (أي إنّ حياتهُ تعالى أزلية عين ذاته وليست صفة زائدة عليه؛ لتنوهه عن الإحتياج). وملِكاً قادراً قبل أن ينشىء شيئاً، (أي إنّ قدرته تعالى هي هي قبل أن يخلق الخَلق وبعد ذلك). وملِكاً جبّاراً بعد انشاءه للكون، (أي إنّه تعالى المهيمن القيّوم بجبّاريته متصرف بامور خلقه بعد إنشاءه للكون وما فيه). فليس لكونه كيف ولا له أين، (أي ليس لذاته تعالى شكلاً ليُسأل عنها بـكيف هو, ولا مكان يحويه ليُسأل عنه بـأين هو). ولا له حد، ( أي ليس له تعالى حدود تحيطه زمانية أو مكانية). ولا يُعرف بشيء يشبهه، (أي لا يوجد لله تعالى شبيه حتى يقال هذا يشبه الله فنعرفه من شبيهه). ولا يَهرم لطول البقاء، (أي إنّه تعالى ليس جسماً تطرأ عليه علامات التقدّم العمري-الهرَم-). ولا يصعق لشيء، (أي إنّه تعالى لايطرأ عليه الخوف). بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها (أي إنّه تعالى تخاف منه جميع الأشياء). كان حياً بلا حياة حادثة، (أي إنّ حياته تعالى عين ذاته أزلية ليست حادثة زائدة على ذاته). ولا كون موصوف ولا كيف محدود، (أي إنّ ذاته تعالى لــيست مكتنهة فلاتوصَف, ولا تُحد بزمانٍ أو مكان). ولا أين موقوف عليه، (أي ليـس له تعالى مكانٌ يتحيّز به لأنه ليس بـجسم). ولا مكان جاور شيئاً، (أي ليس له تعالى مكانٌ يجاورهُ به أحد فهو المنزّه عن المكان). بل حيٌّ يعرَف، (أي إنّه تعالى خالقٌ حـي). وملِكٌ لم يزل له القدرة والملك، (أي هو المالك لمخلوقاته له السلطنة والقدرة عليهم). أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته، (أي خلقَ الكون وقت ماشاء هو سبحانه بمشيئته وعلمه وقدرته). لا يحد (أي لاتحيطه الجهات لأنه ليس بجسم). ولا يبعض (أي لايقسّم لأنه ليس مركباً حتى يجزأ). ولا يفنى (أي لانهاية له فهو الباقي الأبدي). كان أولاً بلا كيف، (أي فهو الأول ولا شيء معه دون أن نسأل كيف ذلك). ويكون آخراً بلا أين، (أي فهو الآخِر بعد فناء مخلوقاته دون أن نسأل أين يبقى). وكلّ شيءٍ هالك إلاّ وجهه، (أي إنّ جميع المخلوقات ســتهلك ولايبقى إلاّ هو سبحانه). له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين"(1) (أي إليه يعود الخَلق وأمرهم تجلّى بالكمال ربّنا ربّ العالمين). ولهذا نجد إنّ الروايات الشريفة قد نهـت عن الكلام في ذات الله المقدّسة؛ منعاً للتيه والانزلاقات الفكرية, حيث روي عن أبي بصير أنّه قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): "تكلّموا في خلق الله ولا تكلموا في الله فإنّ الكلام في الله لا يزيد إلاّ تحيُّــرا"(2). وقال (عليه السلام) في حديثٍ آخر: "اذكروا من عظمة الله ما شئتم ولا تذكرواذاته فإنكم لا تذكرون منه شيئا إلا وهو أعظم" منه(3). وما يكفي معرفته عن ذات الله جلّ جلاله امورٌ أربع أرشدنا إليها أهل بيت النبوّة (عليهم أزكى السلام), حيث رويَ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ عَن أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلام) سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ, فَقَالَ: الاقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ ولا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ وأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ وأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ(4). _______________ _________ (1) اُصول الكافي: ج1, ص88 ـ 89 . (2) التوحيد: باب 67 النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عز وجل, ح1. (3) المصدر نفسه, ح3. (4) الكافي: ج1, ب 26, ح1. والحمد للّه الذي هو هكذا ولاهكذا غيره, وصلّى الله على الأدلاّء على الله ومحال معرفته. علوية الحسيني.

اخرى
منذ 5 سنوات
3466

حيثيات المشهد السياسي في حياة الإمام الباقر (عليه السلام)

لا يخفى تأثير الصراع السياسي في أي مقطع زمني على مر العصور في مجريات الأحداث في جميع الشعوب والمجتمعات حيث تتعدد الرؤى السياسية لكل فريق، وتنعكس هذه الرؤى المتضادة على أرض الواقع مما يزيد من حدة الصراع بين قوى الحق والباطل، وإن لم تكن قوى الحق طرفاً في النزاع فقد تكون الأطراف المتضادة جميعها على باطل إلا إن قوى الحق وقواعدها الشعبية ستتأثر حتماً بتداعيات تلك الصراعات فتتعرقل مسيرتها في إحقاق الحق وتطبيق مبادئ الشريعة فيكون لزاماً عليها وخاصة قادة الامة وأئمتها الشرعية أن يتصدوا لكل تلك التحديات قدر الإمكان وبكل الوسائل المتاحة وبما يتناسب ووعي الأمة . وبإلقاء نظرة سريعة على الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي في عصر الإمام الباقر (عليه السلام) ندرك جيداً عظم المسؤولية التي كانت على عاتق الإمام وشيعته ، ومن أخطر هذه الأحزاب هو الحزب الأموي وهو أكثرها وحشية واجراماً حيث خَبِرَهُ الإمام الباقر (سلام الله عليه) عن كثب منذ طفولته في مجزرة كربلاء وما رافقها من قتل وسلب ونهب وسبي وانتهاك للحرمات ، وحتى بعد واقعة الطف حيث شاهد الإمام الباقر (عليه السلام) التضييق والإقامة الجبرية على أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) وملاحقة أصحابه المخلصين والتنكيل بشيعته بشكل عام . وعاث الحزب الأموي فسادا في الامة عن طريق القمع والارهاب ليس فقط للشيعة وائمتهم بل لجميع المعارضين والمناوئين لهم واشغال الامة باصطناع الفتن والشبهات العقائدية والمسائل الكلامية والاختلافات الفقهية وإشعال فتيل الحرب الأهلية بتأجيج الصراع بين الفرق المختلفة وانتشار مظاهر الفسق والمجون والغناء والترف والثراء الفاحش مما أدى الى ازدياد الفوارق الطبقية بين طبقة الحكام والمتنفذين في البلاط الأموي وبين الرعية التي ترزح تحت نير الفقر والظلم والجوع والمرض ، بالإضافة الى انتشار ظاهرة وضع الأحاديث المكذوبة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لتمجيد بني أمية ونشر تلك الأحاديث على نطاق واسع عن طريق ماكنتهم الإعلامية المتمثلة بفقهاء البلاط والشعراء الذين يمدحون الحكام الأمويين ويمجدون بهم ، مما أدى بشكل او بآخر إلى تغيير المنظومة القيمية للأمة بتغيير المفاهيم وحركتها في المجتمع بما يناسب اهواءهم حتى وإن خالفت أساسيات الدين الذين يرتكزون عليه في خلافتهم. وفي ظل الحكم الأموي عانى الإمام الباقر (عليه السلام) من جميع ما ذكرنا باستثناء فترة حكم عمر بن عبد العزيز التي دامت سنتين ونصف تقريباً، الذي كانت سياسته معتدلة نوعاً ما مع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، حيث أعاد فدكاً للإمام الباقر (سلام الله عليه) ومنع سب الإمام علي (عليه السلام) على المنابر وعاش الشيعة في عهده فترة من الانفراج النسبي، مما سهّل كثيراً على الإمام أن يقوم بدوره بنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) على نطاق أوسع من ذي قبل، وتخريج الكثير من العلماء والفقهاء والرواة ، وبعد وفاة عمر بن عبد العزيز عادت الأمور إلى سابق عهدها، لا بل ازدادت سوءاً وشراسة في عهد يزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك والوليد بن عبد الملك حيث ضيّقوا كثيراً على الإمام وشيعته . أما فئة الخوارج في عصر الإمام الباقر (عليه السلام) فلم تكّف عن إثارتها للقلاقل والفتن واختلاقها للحروب والقتال ونشر البلبلة والفوضى بين الناس وسعيهم الدائم لتشتيت الأمة بزرع مبادئهم الفاسدة وغرس بذور التفرقة فيها . أما الحزب الزبيري فقد أثار موجة كبيرة من الاضطراب والانشقاق في الأمة الإسلامية مستغلين قرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حيث أدى طمع عبد الله بن الزبير في الخلافة واستقلاله عن حكم بني أمية وتأسيس خلافة زبيرية له في الحجاز إلى ارتفاع حدة الصراع بين الأمويين والزبيريين مما أدى الى نشوب حروب ومعارك طاحنة بين الفريقين بالإضافة إلى أساليب الحرب الناعمة بمحاولة الزبيريين التشبث بمظاهر الشريعة وتسقيط بني أمية وتكفيرهم ،وبعد صراع مرير انتهى تأثير الحزب الزبيري نهائياً بعد أن قضى عليهم الحجاج بن يوسف الثقفي المعروف بدمويته وظلمه حيث بدأ عهد اكثر وحشية من سابقه. أما الحزب العباسي فنشط إبّان تهاوي صرح الخلافة الأموية وتصدّع أركانها حيث كثرت الثورات والانتفاضات عليهم فأضعفتهم عسكرياً، إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب الترف والبذخ الأموي ، وبدأ الصراع الأموي العباسي يشغل الفريقين مما سمح للإمام الباقر (عليه السلام) بانتهاز هذه الفرصة جيداً بنشر فقه وعلوم أهل البيت وتأسيس القاعدة العلمية لجامعة الإمام الصادق (سلام الله عليه) من علماء وفقهاء ومثقفين. ومن خلال هذه الإطلالة السريعة على أحداث المشهد السياسي الذي عاصره الإمام الباقر (عليه السلام) يتبين لنا بأنه مهما ضيّق الظالمون على الإمام او شيعته ومهما حاولوا تقييده او إبعاده عن قواعده الشعبية إلا إنه يبقى باقر علو م الأولين والآخرين ، لم يتوانَ في أ ي مرحلة من مراحل حياته الشريفة عن نشر الفقه والعلم والعقيدة والمبادئ الحقة ومحاربة الباطل وتصحيح المفاهيم والبدع التي ابتدعتها تلك الأحزاب والفئات حتى شكّل قاعدة علمية واعية من علماء وفقهاء وحملة قران ورواة أحاديث اهل بيت النبوة (عليهم السلام) في ظل ظروف استثنائية حرجة جداً ومفصلية في تاريخ الإسلام كان الإمام الباقر(عليه السلام) فيها قمة سامقة في الحكمة والوعي بحسن إدارته لأدواته في تلك المراحل بما يناسب وضع الأمة ، وكان هو النور الساطع بين دياجير الظلام الذين حاولوا تقييده بشتى الوسائل من إقامة جبرية وإشخاص وتهجير وتشريد وتطريد وملاحقة له ولذريته ، وحينما فشلوا في التضييق عليه وعلى عطائه اللا محدود قاموا بدس السم اليه ،ورحل الإمام الباقر (عليه السلام) عن هذه الدنيا شهيداً في السابع من ذي الحجة من عام 114 للهجرة تاركاً وراءه تراثاً حضارياً ضخماً من فكر أهل بيت النبوة الذي لا زلنا ننهل من سلاسبه التي لا تنضب . فسلامٌ عليك يا مولاي يوم ولدتَ ويوم استشهدتَ ويوم تبعث حياً . عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
1586

الإمام الباقر (عليه السلام) وتزكية النفس

إنّ تزكيةَ النفسِ بحاجةٍ إلى روحٍ اقتحاميّة، كما إنّ عمليّة الوصول إلى تزكية النفس ليست بالأمر السهل، كما يقول ربُّنا عز وجل: { فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ }(1)، فتحتاج إذاً إلى الاقتحام. ومن المعلوم أنّ الاقتحام بحاجةٍ إلى الشجاعة والبطولة وتركيز الإرادة وشحذ العزيمة؛ لأنّ الإنسان في هذه الحالة يريد أن يتحدّى قواه ويزكّي نفسه، ويطوّع شيطانه ويروّض هذه النفس الأمّارة بالسوء. ولذلك فانّ الله سبحانه وتعالى جعل الفلاح الذي هو خلاصة القيم والتطلّعات البشريّة -مساوياً- لتزكية النفس في قوله السابق: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(2). ومعنى { دَسَّاهَا } الذي يدسّ نفسه في تراب ما تريده النفس وفي وحل التطلّعات الشخصيّة الأنانية. وقال الله تعالى : { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }(3). التزكية في اللغة مصدر زكّى الشيء يزكيه، ولها معنيان: -المعنى الأول: التطهير, يقال زكّيتُ هذا الثوب أي طهّرته, ومنه الزكاء أي الطهارة. -والمعنى الثاني: هو الزيادة, يقال زكّى المال يزكوا إذا نمى ومنه الزكاة لأنّها تزكية للمال وزيادة له. وعلى أساس المعنى اللغوي جاء المعنى الاصطلاحي لتزكية النفوس, فتزكية النفس شاملة لأمرين : أ – تطهيرها من الأدران والأوساخ. ب – تنميتها بزيادتها بالأوصاف الحميدة. وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها, قال الله تعالى : {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} وقال سبحانه : {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها} . وتزكية النفس تتمّ باتّباع تعاليم الدين والنيّة الخالصة لله, واتّباع أوامره ونواهيه, وإمامنا الباقر (عليه السلام) يرشدنا إلى مقوّمات تلك التزكية, فطالب التزكية لابدّ له مِن استاذٍ مرشدٍ عارفٍ بالأمراض النفسية وعلاجاتها, يشخص مصالح الامور ومفاسدها, ولهذا ورد عن أحد المعصومين: "هلَكَ مَن ليس له حكيم يرشده". وقبل الغور في أعماق مقومات التزكية لابد أن نعلم أنّ التزكية لا تتحقق إلاّ بعد أن تنطلق من القلب والضمير, وتتفاعل مع الشعور بخشيةٍ مستمرة, وحذرٍ دائم, وتوقٍّ من الرغائب والشهوات, والمطامع والمطامح؛ لتتهيأ النفوس لتلقي اُسسها وتقريرها في الواقع, ولهذا ركّز الإمام الباقر(عليه السلام) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي : أ ـ تحكيم العقل. ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية. ج ـ استشعار الرقابة الإلهية. د ـ التوجّه الى اليوم الآخر. وتفصيــلها: أ ـ تحكيم العقل : إنّ الله تعالى خلق الانسان مركباً من عقلٍ وشهوة, وهذا مائزه عن سائر المخلوقات, كما ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة, وهو مكلّف بإعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع الى افق اعلى واهتمامات أرفع من الرغبات والشهوات الحسّية, والخوض في عالم ما وراء الحس, ولهذا ركّز الإمام (عليه السلام) على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات, ليكون للإنسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه(4). قال الإمام الباقر(عليه السلام) : "مَن لم يجعل الله له من نفسه واعظاً, فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً"(5). فالعقل إن استجاب لنداء الفطرة السليمة فانّه حتماً سيستجيب لمواعظ الناس. وقال أيضاً : "من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه"(6). والمراد بالظاهر هنا ظاهر الحال قولاً وفعلاً, فمن يتصرف أمام الناس برزانةٍ ونماقة أدبٍ إلاّ انّ باطنه مشوب بالخيانة لظاهره فذلك هو الخسران العظيم. ب ـ تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية : إنّ تكامل النفس لا يتم إلاّ من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي الذي رسمه الله تعالى لعباده مِن تكاليف, وهذا التطابق يحتاج إلى تسليمٍ مطلق للإرادة الإلهية, ومجاهدة الهوى, والهيمنة على رغبات النفس, وعدم اطلاق عنانها, فإنّ مجاهدة هوى النفس تجعل الإنسان مستعدّاً بالفعل لتلقّي الفيوضات الإلهية, والوصول إلى أرقى درجات التزكية النفسية(7). قال الإمام الباقر (عليه السلام) : "يقول الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي, لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت غناه في قلبه, وهمّه في آخرته..."(8). ويستطيع الإنسان أن يصل إلى تلك المرحلة بالطريقة الإحراقيّة كما يسميها بعض علماء الأخلاق, وتتجلى في تغاضي المرء عن جميع المشتهيات, ويخلي باطنه من النوايا والرغبات, ولا يكون همّه إلاّ القرب من خالق المخلوقات, عند ذلك ستشرق نور المعرفة الحقيقيّة في باطنه, ويستغني عن كلّ ما سوى السبوح القدوس. ج ـ استشعار الرقابة الإلهية : لا تتم التز كية إلاّ باستشعار الرقابة الإلهية في العقل والضمير والوجدان, والإحساس بأنّ الله تعالى محيط بالإنسان احاطة تامة, يحصي عليه حركاته وسكناته, ومن لا مراقبة له لا حياء له؛ حيث غفلةٍ تُوقِعُه في المزالق والمتاهات, ولهذا ركّز الإمام الباقر (عليه السلام) على هذه الرقابة الدائمة لتكون هي الدافع لإصلاح النفس وتزكيتها(9)، ففي موعظته لجماعة من أنصاره قال: "ويلك . . . كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت اليه وأقدمت بجهلك عليه, فارتكبته كأنك لست بعين الله, أو كأن الله ليس لك بالمرصاد !..."(10). د ـ التوجّه الى اليوم الآخر : إنّ التوجه الى الحياة الاُخرى الخالدة يمنع الانسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وأدناس الهوى, ويساعده على تحطيم أصنام الذات, وقد أشار الإمام الباقر(عليه السلام) إلى ذلك اليوم ليجعلوه نصب أعينهم ليكون حافزاً لهم لإصلاح النفس وتزكيتها(11), ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قوله (عليه السلام) : " . . . يا طالب الجنّة ما أطول نومك وأكَلَّ مطيّتك, وأوهى همتك, فلله أنت من طالب ومطلوب! ويا هارباً من النار ما أحثّ مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها! يا ابن الأيام الثلاث : يومك الذي ولدت فيه, ويومك الذي تنزل فيه قبرك, ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك, فياله من يوم عظيم! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة؟!"(12). وبيّن الإمام (عليه السلام) أنّ الدنيا دار بلاء وامتحان، وأن هذا الابتلاء يتناسب مع درجة إيمان الإنسان فقال : "إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه"(13). وما على المرء سوى الصبر بجميع أقسامه: -صبر العوام: وهو حبس النفس على وجه التجلُّد وإظهار الثّبات في التحمُّل لتكون حاله عند العقلاء وعامّة الناس مرضيّةً ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُون﴾ . -صبر الزهّاد والعبّاد وأهل التقوى وأرباب الحلم، لتوقُّع ثواب الآخرة ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ . -صبر العارفين فإنّ لبعضهم التذاذاً بالمكروه لتصوّرهم أنّ معبودهم خصّهم به من دون الناس، وصاروا ملحوظين بشريف نظره {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(14). ___________________________ (1) البلد: 11. (2) الشمس: 7-10. (3) طه: 75-76. (4) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (5) تحف العقول : 214 . (6) المصدر السابق. (7) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (8) جامع الأخبار : 270 . (9) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (10) تحف العقول : 212 . (11) ظ: أعلام الهداية, للشيخ القرشي. (12) تحف العقول : 212 - 213 . (13) جامع الاخبار : 313 . (14) أوصاف الأشراف, للشيخ الطوسي. اللّهمّ لاتدع خصلةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتها, ولا عائبةً اؤنَّبُ بها إلاّ حسّنتها, ولا اُكرومةً فيَّ ناقصةً إلاّ أتممتها, برحمتك يا أرحم الراحمين. علوية الحسيني.

اخرى
منذ 5 سنوات
12740

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69417

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50357

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41065

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34905

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32055

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31648