هونًا ما

بقلم: رضا الله غايتي ما أن نطالع صفحات الكون حتى تدعونا الكثير من أجزائها إلى التأمل والاستغراب. فلا نجد أنفسنا إلا أن نردد سبحان الله.. سبحان الله.. وبكل إعجاب. فهناك شمسٌ قد أضاءت كل ما حولها، وتمركزت وكأنها ملكةٌ قد أحيطت بجوارٍ علمت كل منهن حدودها فلم تعتدِها. ومنهن الأرض فقد التزمت موقعها المناسب. ولو اقتربت لتحول كل ما عليها إلى رماد. ولو ابتعدت لصار كل ذلك إلى انجماد. وهناك قمرٌ قد زيّن الله تعالى به السماء. فغدا في نظر البشر آيةً للجمال ومضربًا للأمثال في البهاء. ولكن ما اقترب منه أحدٌ إلا وتغيّرت صورته في نظره إذ لم يجد فيه سوى الحجر والمدر ومسافات فارغة توحش النظر. وما الابتعاد عنه أكثر من المعتاد بالخيار الأفضل. إذ يغيب جماله وينطفأ نوره بل ويمحى من صفحة البصر.. وبذا يمكننا القول: إن كتاب الله التكويني لا نقرأ فيه قدرته جل وعلا العظيمة وهندسته سبحانه الحكيمة وحسب، بل هو كذلك محطةٌ لاستلهام الدروس والعبر. إذ إنّ هناك مسافات بين أجزائه وجب حفظها؛ ولذا أوجد الباري جل وعلا لكلٍ منها مسارًا. وهناك حدودٌ وجب عدم اختراقها وإلا لكانت العاقبة هي الدمار. فالمسافات بين أفراد المجتمع هي الأخرى مطلوب حفظها ولابد أن يضع كل فرد منهم لها اعتبار. وهذا ما يؤكده مستشارو العلاقات الاجتماعية اليوم وخبراء الاتصال. داعين كل فرد من أفراد المجتمع إلى ضرورة ترك مسافة أمان بينه وبين الآخرين إدامةً لعمر العلاقات، وصونًا لها من الصدمات. وقد أكَّد هذا المفهومَ عالِم الاتصال الإنساني (إدوارد هول) بقوله: إنَّ إدراك المسافة والمحافظة عليها مسألة مُهمة لإبقاء الودِّ والاحترام المتبادل في العلاقاتِ ما بين الأشخاص. ونفقِد علاقتَنا بالآخرينَ عندما نخطئ في احتساب تلك المسافة. وقد سبق أمير المؤمنين وسيد الموحدين الإمام علي عليه السلام كل أولئك العلماء في الدعوة إلى هذا القانون بما روي عنه أنه قال: "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا"(1). فهو عليه الصلاة والسلام حبيب القلوب وطبيبها وعالمٌ بمنافذ الألم ومسببات الحزن والأسى لها، فما أقسى أن يصبح الحبيب غريبًا و الصديق عدوا وما أقسى العكس أيضًا. كما أنه سلام الله عليه خبيرٌ بالعلاقات الاجتماعية وما يصلحها، عالمٌ بمداخل الشر إليها وما يفسدها. ولذا فقد دعا الانسان إلى تحرّي الاعتدال في كلٍ من المودة والبغضة، والحب والكره. فلا يُحب حبًا جمًا ولا يبغض بغضًا شديدًا وإنما يحاول أن ينتهج في حياته سبيلًا وسطيًا، يمهده بشيءٍ من الهون أي الرفق واللين والتأني فلا يكون أملس صقيلًا يودي به إلى مزالق مهلكة، ولا وعرًا خطيرًا يعرضه إلى مخاطر ومصاعب منهكة. وقد علل صلوات الله وسلامه عليه سبب دعوته إلى ذلك، إذ قد يصبح الحبيب عدوًا وقد يصير العدو حبيبًا. فكم من شخصٍ قد بولغ في محبته وآخر قد أفرِط في عداوته، ولكن ما أن عصفت رياح التجارب وادلهمت الخطوب، وهطلت أمطار المكاره واُظلِمَت الدروب، حتى بانت للبعض محاسن ولآخرين عيوب، فتغيّرت الأحوال وانقلبت المواضع وتبدّلت المحال. فأُميط اللثام عمّن حُسِب حبيبًا وبانَ مكره وعداؤه، وكُشِف الغمام عمّن حُسِب عدوًّا فجاد بدفئه وضيائه!! وأما الأسباب في تبدل الأحبة والأعداء إلى أضدادهم فمختلفة أبرزها تأثر بعضهم بالعوامل الخارجية والظروف المحيطة. فقد يغتر بمنصبٍ أو مالٍ أو شهرةٍ وما إلى ذلك من كأن يُعرف بالخير والسداد. فيتحول بين ليلةٍ وضحاها إلى مروّجٍ للشر والفساد. وقد يحصل العكس فيعقب الشقاءَ إسعادٌ. روي عنه عليه السلام: "في تقلب الاحوال علم جواهر الرجال"(2). كما قد يطرأ التغيّر على الحبيب فيعود عدوا لا لشيء، فقط لأنه قد مُنِح من الحب أكثر مما يستحق. فكما لا يصح ري النبات بالماء إلا بما يناسبه من مقدار، فإن أكثرتَ تسببّتً في ذبوله وايذائه، فكذا إن أكثرت من الحب لمن لا يستحق تكون قد تسببّت في إعراضه وجفائه. وقد يعود سبب التغير إلى الاحتكاك الدائم والتضييق على الحبيب بسبب غريزة حب التملك مما يؤدي إلى الملل والزهد به. قال بعض الحكماء: توقَّ الإفراط في المحبة فإن الإفراط فيها داعٍ إلى التقصير منها، وقال عدي بن زيد: ولا تأمنن من مبغضٍ قرب داره *** ولا من محبٍ أن يملَ فيبعدا وقد لا يكون التغيُّر حقيقيًا وإنما ظاهريًا ليس إلا. ويحدث ذلك بسبب الجهل بحقائق الآخرين الذي ينتج عنه الخطأ في التشخيص. والحكم عليهم بكونهم أحبةً تجب التضحية لأجلهم أو أعداءً لا بد من النأي عنهم من دون تمحيص. فتُرسم عنهم صورة ذهنية في غاية القبح أو في منتهى الجمال. فإن تبددت حجب الجهل بهم ادُعيَ تغير الحال! والتعبير بلفظة (هونًا ما) تعبيرٌ غايةٌ في الدقة والإتقان، ولا غرو في ذلك وقد صدرت عن أمير البلاغة والبيان. فهي تدل على الابهام المطلق إشارةً إلى أن هناك درجات متفاوتة ينبغي مراعاة ترتيب الأحبة والأعداء كلٌ في الدرجة التي يستحقها. فربّ حبيبٍ يكفي الاقتصار معه فقط على إفشاء السلام والتلطف بالكلام. ورب عدوّ ينبغي معاملته بالاحترام والتغافل عن مساوئه؛ تحرزًا من أذاه ودفعًا لمكائده. ختامًا لكي يهنأ الانسان في عيشه ويسعد بمختلف العلاقات الاجتماعية من دون آلامٍ ومنغصات. عليه أن يضع قول الإمام علي عليه السلام نصب عينيه، متقنًا وبدقةٍ: فنَّ المسافات. فلا يُلغي المسافة تمامًا ويقتحم خصوصيات الطرف الآخر ويضرب حصارًا عاطفيًا عليه بدعوى الحب لئلا يخسره فيتألم ألمًا عظيمًا. ولا يعمد إلى قطع جميع جسور التواصل فيخسر الكثير بدعوى البغض، فإن تبين خطؤه اتخذ من الندم نديمًا. بل لابد أن يمنح لكل شخص ما يستحق من المشاعر بلا مغالاة ولا تطفيف. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة حكمة رقم 268 (2) الكافي ج8 ص32

اخرى
منذ 5 سنوات
3205

آمنة الرقيقة

بقلم: صفاء الندى بينما كنت أسير في جنتي الأرضية وأتجول بين أشجارها المتنوعة ﻷقطف ما يروق لي من ثمارها، تذكرت ابنتي (آمنة) وقد اعتدت أن آتي بها معي إلى هنا - نسيت أن أخبركم أن جنتي الأرضية أعني بها معرض الكتاب- ولكن هذه المرة تخلفت آمنة عن الحضور بسبب بدأ الامتحانات المدرسية فنصحتها بالبقاء في البيت لمراجعة دروسها. لذا قررت التوجه إلى قسم الأطفال وأن أجلب لها كتابًا من اختياري يناسب عمرها وذوقها، فوقع بصري على كتيب يتناول سيرة الأنبياء أولي العزم والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) بشكل مقتضب وبأسلوب قصصي مشوق، اشتريت الكتيب بدنانير معدودة وكنت فيه من الراغبين، وعدت إلى البيت، وما إن فتحت الباب حتى قفزت ابنتي أمامي واحتضنتني فقبلتها وبادرتها بالسؤال: -ألم أتركك تدرسين؟! وأين جدتك؟! -نعم يا أمي ولكني شعرت بالجوع فأخذت من الحلوى ما يكفيني... وجدتي نائمة -وسكتت هنيئة- ثم قالت معترفة: ولعبت قليلًا... -لا بأس أن تلعبي قليلًا، ولكن لا تكثري من الحلوى فإذا ثقلت معدتك ستفقدين تركيزك، هيا عودي لدراستك… ذهبت مسرعة وبلا نقاش محاولة ترميم خطئها، فهي شعرت بامتعاضي من تصرفها، انشغلت بعملي المنزلي وإذا بطارق يطرق بابنا، وعندما فتحت (آمنة) الباب وجدت شخصًا يستجدي ويطلب المعونة، فطلبت منها أن تأخذ نقودًا من حقيبتي وتعطيها إليه معتذرة إن لم تسد فاقته، ففعلت ذلك بكل أدب وعادت إلى المطبخ مهرولة وفرحة تلوح بالكتاب -لقد وجدتْه بالحقيبة- -أماه لِمَ لمْ تخبريني عن أمر الكتاب؟! -انتظرتك لتنهي درسك. فأقسمت لي أنها أنهتها وطلبت مني أن أختبرها... فقلت: لكني الآن متعبة -ورميت بنفسي على الكرسي- أحتاج للراحة قبل أن يحين وقت صلاة الظهر. فجلست ابنتي (آمنة) بقربي على الأرض وقالت: وماذا عن الكتاب؟ ولا حظت في عينيها لمحة توسل، فقلت: اقرئيه، ولكن بما أننا مقبلون على ذكرى ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) فأقترح عليك أن تستفتحي بما يحويه الكتاب من سيرته. وما إن فتحَتِ الكتاب حتى غادرتني إلى عالمها النقي، وساد بيننا صمت عميق لدقائق، وعندما رأيتها أغلقت الكتاب قلت لها: اذكري لي يا ابنتي ما علمت من سيرة الإمام الجواد (عليه السلام) لأستفيد أنا أيضًا فقالت: أماه، أحزنني أنه مات مسمومًا! فقلت لها: كرامتهم من الله الشهادة، إنه شهيد، لا تحزني فنحن في ذكرى ولادته... وماذا بعد أريد أن أعرف منك أكثر؟ فقالت: الذي عرفته أنه (عليه السلام) كان كريمًا ويساعد المحتاجين ويعطف عليهم؛ لذا سُمي بالجواد وقرأت أن أباه هو الإمام الرضا (عليه السلام) المدفون بمشهد في إيران وقد زرناه العام الماضي أليس كذلك؟ فقلت: نعم عزيزتي أكملي. قالت: وأمه اسمها - تلعثمت قليلًا- لعل اسمها القيروان فصححته لها: كلا بل اسمها السيدة الخيزران. وتابعت حديثها - قائلة: وقد مات والده الإمام الرضا (عليه السلام) وهو صغير، إنه أيضًا أمر محزن يا أمي! فجاوبتها: اكملي حبيبتي، أُمك فداء لقلبك الرقيق. فقالت: والذي فهمته أن زوجته كانت شريرة... نعم شريرة وأنا لا أحبها. فأوضحت لها أنها تسمى أم الفضل ابنة المأمون، وهي كما قالت وإن أباها أشر منها، فهو حاكم ظالم وقاتل وليس كل نساء الإمام الجواد سيئات كتلك… واسترسلت متحمسة لتخبرني عن أمر أثار استغرابها فقالت: أُماه كيف أتيح للإمام الجواد (عليه السلام) وبعمره الصغير -فهو ابن سبع أو ثماني سنين أي بعمر قريب من عمري- أن يصبح إمامًا للمسلمين ويطيع الناسُ أوامره؟ وعندما يُسأل عن أي شيء -حتى الأسئلة الصعبة- يجيب عنها دائمًا إجابات صحيحة؟ - وتنهدت قائلة- ليتني مثل إمامي حتى أجيب على جميع أسئلة الامتحان وأحصل على درجه كاملة! أضحكني تعليقها البريء هذا، وأيضًا أعجبتني جرأة استفهامها عن أمر بدا لها مبهمًا، وحاولتُ أن أُلَمْلِم أفكاري ومعلوماتي لأعطي الجواب عن تساؤلها المفاجئ لي، وبكل هدوء وبأسلوب تفهمه قلت لها: ألَم تسمعي يا ابنتي بالطفل المعجزة أو الخارق؟! إنهم أطفال مبدعون فاقوا أقرانهم بل وأساتذتهم ذكاءً وفطنة ومهارات نادرة، فمنهم من يحل مسائل رياضية معقدة، ومنهم من يحفظ القرآن بكل تفاصيله، ومنهم من طُويت لهم المراحل الدراسية فهم الآن يدرسون في الجامعات بأعمارهم الصغيرة، ويوجد أطفال لم يكملوا سنتهم الأولى وهم يعرفون أسماء الدول وعواصمها أيضًا. إذن يا ابنتي لا تعجبن من أمر الله القادر على كل شيء، فأولئك بشر عاديون وبعضهم من غير المسلمين فكيف بأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين زُقوا العلم زقًا، ولديهم قابلية لاستيعاب العلوم بقدرة ربانية، فعلمهم من الله تعالى وليس من المدارس والجامعات، وهم تحت العناية الإلهية مذ أن كانوا أنوارًا تتلألأ حول العرش إلى حين أوجدهم الله ورحمنا ومنَّ علينا بوجودهم في هذه الدنيا... - وفي أثناء حديثي رُفع الأذان، فلا بد أن يُقطع الكلام، إلا أنني مازحتها قائلة: ولا تظني أني نسيت موضوع الامتحان!

اخرى
منذ 5 سنوات
1272

أتعرفن زينب؟!

بقلم: رحاب سالم البهادلي زينب: اسم يتألف من أربعة حروف، له أكثر من معنى... سؤال من قبل الأستاذ: من يا تُرى تحمل هذا الاسم؟ ... سَألنا من منكن أسمها زينب؟ الكثير قلن: نعم أسمي زينب. - لّكنّ هل تعرفن معنى هذا الاسم؟ - قلت: نعم، اسم علم مؤنث، (زينب) وهو مركب من زين ألاب، كما احتمله الفيروز أباد، وهو نوع من الشجر جميل الرائحة وجميل المظهر، قال ابن الأعرابي: الزينب شجر حسن المنظر طيب الرائحة. - وهل تعرفين من هي زينب؟ - أتسأل عن مولاتي زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ -أتعرفينها حقاً؟ - من لا تعرفها لا تعرف نفسها من تكون، لا تعرف معنى أن تكون أنثى لا تعرف معنى المرأة المسلمة، لا تعرف كيف تكون أختاً وبنتاً صالحة في المجتمع، أن أكون سُميتُ زينب، يعني أن أقهر بعفتي فسادهم، أنا أميرة بعباءتي، وأرفع بعفافي رأس أبي وأخوتي... أنا زينب بديني ومذهبي، أن أعرف من هي زينب وأتخذها قدوتي أواسيها باستشهاد أخوتي نعم، يا أستاذي: ليس المعنى الحقيقي لمعرفتها أن أعرف هي بنت من، أخت من، ربيبة من، بل معنى أني أعرفها هو أن أدين بدينها، وارتدي عفتها، وأستلهم من فكرها، وأستمد قوتي منها... زينب معناها أن لا أصمت ضد الظلم، وأن أُظهر الحق بالحق، وأن أتحمل وأصبر في حين الصبر، وأثور وأنتصر في وقت النصر. الأستاذ: من أنت؟ - أنا علوية يتيمة، استشهد أخوتي في المعارك التي جرت بين داعش الإرهابي وبين أبطال الحشد المقدس… أستمد قوتي من عمتي زينب. الأستاذ : نِعمَ الاسم، ونعمة المسماة. أحسنت يا أبنتي... فلتكن زينب قدوتكن في الحياة.

اخرى
منذ 5 سنوات
2126

علي سلطان القلوب

بقلم: رحاب سالم البهادلي أنا رحال أجوب العالم، وأبحث عن أشياء جميلة، أبحث في التاريخ والتراث وكل ما هو غريب وعجيب، أخذت أجوب الأرض من شرقها وغربها، طالعت الكتب وقرأت الآلاف منها، ذهبت إلى المغرب والمشرق، أبحث عن تاريخ العالم وأسأل عن سادتها وشخصياتها، سلاطين وملوك ورؤساء، أبحث في تاريخهم وأسأل عن أعمالهم، حاولت أن أتوقف عند أحدهم ممن قرأت عنهم وطالعت حياتهم، لم يشدني كل ما مرَ عليَ من شخصيات، وبقيت أبحث؛ وفي يوم قررت أن أعود إلى بلدي لأنني لم أ جد ضالتي، لم أجد ما أبحث عنه، في هذا الوقت كنت في بلد عربي، جمعت أغراضي وقررت الرحيل، ركبت مع سائق التكسي كي يوصلني، فتح سائق التكسي جهاز التسجيل سمعت كلمات جميلة، كأنها تراتيل أشعر بأنني لا أريد الوصول، أريد أن أستمع لهذه الكلمات الجميلة، أنا أعرف اللغة العربية، وأعرف أن القرآن الكريم كتاب المسلمين، وكلامه جميل أيضاً لكن ما أسمعه ليس قرآنًا إذاً ما هذا الدعاء! سألت السائق لمن هذه الكلمات؟ قال: إنهُ دعاء كميل. قُلت: من كميل هذا حتى يقول مثل هذا الكلام الجميل!؟ قال: ليس كميل من قال هذا الكلام، إنما مولاي علي بن أبي طالب عليه السلام، هو من علم كميل وأعطاه هذا الدعاء. قلت: ومن هو علي؟ قال: الا تعرف سيدي عليًا؟ قلت: اين هو؟ أ موجود هنا؟ قال: عجيب! قالوا لي انك رجل رحال، أخذت العالم شرقاً وغرباً، وتعرف التاريخ وتعرف ديننا ونبينا مُحَمَّدًا عليه افضل الصلاة والسلام. قلت: بلى لكني لم اتعرف على علي. قال: كيف لك أن تعرف الإسلام ولا تعرف عليًا؟! قلت: من عرفنيِ إسلامكم لم يعرفني عليًا! من عليٌّ؟ فقد تشوقت لمعرفته!؟ قال: قربنا أن نصل، والحديث عن سيدي علي يطول. قلت: عُد من حيث أتينا، أريد أن أعرف من هو علي وما هذه التراتيل الجميلة أريد أن أعرف عنه كل شيء من يوم ولد؟ ابتسم السائق ابتسامةً كبيرة ... قلت: أأخطأت التعبير؟ أنا أُتقن العربية، وأعرف إني لم أُخطأ التعبير، لم تبتسم؟ قال: إن اليوم ذكرى ولادته. قلت: من؟ قال: مولاي علي بن ابي طالب عليه السلام. قلت: شوقتني أكثر أن أعرف هذه الشخصية، انقضى من عمري الكثير، ولم اتلهف لمعرفة أحد كما أنا متلهف الآن كي أعرف عليًا الذي ولد اليوم... وصلنا إلى الفندق الذي أقلني منه سائق التكسي، أعدت حقائبي إلى غرفتي، ورجعت إلى السائق، قلت: هيا خذني إلى علي. قال: سآخذك إلى مكان ولادة علي لكن بشرط، ما أقوله لك لا تخبر به أحداً الا بعد أن ترحل من هنا، ولا تقل لأحد أنك تبحث بتاريخ علي… قلت: ولمَ كل هذا؟ قال: ستعرف شيئاً فشيئا، هل ستصدق ما أخبرك به؟ قلت: إذا كان هناك دلائل على ما تقول سأصدق طبعاً. قال: إذن فلنبدأ من مكان الولادة، وإذا به يأخذني إلى بيت ﷲ وهو الكعبة عند المسلمين، وقفنا عن بعد وقال: أتعرف أين نحن؟ قلت: بلى هذا بيت اللّٰه، وهنا الكعبة وأنا زرت هذا المكان من قبل فهو مكان تاريخي. قال: وهل رأيت الشق الذي على جدار الكعبة؟ قلت وما دخل الشق و الكعبة بولادة علي؟ قال: هنا ولد سيدي علي، وليد الكعبة، سأختصر أيها الرحالة، فالكلام عن مولاي يطول، عندما أكملت السيدة فاطمة تبنة أسدَ الشهر التاسع من حملها، جاءت قرب البيت العتيق تناجي ربها، جاءها المخاض وإذا بالجدار تفتح، ودخلت مولاتي فاطمة وأُغلق الجدار، أرادوا أن يفسروا ما حصل لكن دون جدوى، كثُر الحديث عما حصل في البيت العتيق، ودخول السيدة فاطمة وبعد ثلاثة أيام خرجت تلك السيدة الجليلة، وهي تحمل وليدها بين يديها، وهي تقول: إن ﷲ تعالى أطعمني من ثمار الجنة خلال هذه الأيام الثلاث، وبعد ولادتي جاءني نداء يقول: سمهِ عليًا، عليٌّ أُشتُقَ منَْ العلي... كان السائق يحكي لي ما حصل وأنا أستمع وأبكي وأتلهف لمعرفته أكثر وأكثر، أخذني إلى شخص آخر روى لي كل ما حدث في حياة علي عليه السلام... قادتني معرفة هذه الشخصية العظيمة إلى حقائق كثيرة، وأنا الذي كنت أتصور أني أعرف الكثير عن التاريخ والحُكام... أدركت أن من لم يعرف علي بن أبي طالب لم يعرف نفسه؛ وهنا عرفت أني وجدت ضالتي التي أبحث عنها، وأيقنت أن علي بن أبي طالب هو السلطان الحاكم على القلوب، وعرفت أني لو أفنيت عمري بالتعرف عليه لم أندم، بل ندمت كوني تعرفت عليه متأخراً.

اخرى
منذ 5 سنوات
2978

Wi-Fi ناجح (١) مثلث العروج إلى عالم الصمدية

بقلم: علوية الحسيني تعثرك، تخبطك، فوضويتك، تحتاج إلى معين.. قد تطرق بابًا فيُغلق في وجهك.. وقد تقصد شخصًا فيتقاعس عن خدمتك.. وقد تلمح بحاجةٍ فيستجهل مرادك.. فتحبو، ثم تنهض، ثم تتعثر، فتحبو مرةً اخرى، ثم تنهض، ثم تتعثر، وهكذا.. والحل أن تصمد إليه، وتعرج إلى عالم الصمدية، وتترك العوالم المادية.. اقصده، إنّه هو الصمد الذي لم يخلقك لتحتاج لغيره.. الصمد: هو المقصود بالحوائج، إنّه الله تقدّست أسماؤه.. عملية (الاستصماد) هذه وإن كانت بالفطرة إلاّ أنّ لها مناشئ نقلية وصلت لنا من دستور الله تعالى إلى البشرية، القرآن الكريم معجزة خير البشرية: محمد وآله خير البرية (عليهم صلوات الله جميعًا). فقصد الله تعالى، والتوكل، والإلحاح عليه مبدأ كل نجاح في أي مشروع إن شاء تعالى، يقول الله تعالى في دستوره: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (١). وهناك ركن قرين للتوكل، وهو الدعاء، فهاتان الخطوتان تجلي للصمود نحو الله تعالى- قصده في طلب الحوائج-. رويَ عن النَّبِيّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): "أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلاحٍ يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَيُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَال:َ تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّ سِلاحَ الْمُؤْمِنِ الدُّعَاء"(٢). كما ولابد من ركن آخر ليكتمل مثلث العروج إلى عالم الصمدية وهو الإلحاح بالدعاء.. عن الْهَجَرِيِّ قَال:َ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلام) يَقُولُ: "وَالله لا يُلِحُّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ إِلا قَضَاهَا لَه"(٣). فتوكل، اصمد، تنجح وتفلح. توكل، اصمد، بالسير والبر تفرح. توكل، اصمد، نورٌ في الظلمات تلمح. _______________ (١) هود: ١٢٣. (٢) الكافي، ج٢، باب الدعاء سلاح المؤمن، ح٣. (٣) المصدر نفسه، باب الإلحاح بالدعاء والتلبث، ح٣. اللّهم أدم صمودنا إليك.

اخرى
منذ 4 سنوات
1204

ليكن اختيارك صحيحًا… فبعض الأخطاء لا يمكن تصحيحها

بقلم: العلوية الموسوي تمتلك بشرة وردية او بيضاء وعيونها ملونة مع قوام رشيق متناسق... نعم هذه وشبيهاتها مطلب الكثير من شباب اليوم اذا ارادوا الزواج، بل حتى بعض الامهات متغافلين عن الصفات الاولى والاهم في الفتاة وهي دينها واخلاقها، فالكثير لم يحسب لها أي حساب، وكأن الفتاة سلعة للعرض والتباهي بشكلها ومظهرها امام الاخرين فقط، وان الارتباط بزوجة جميلة ذات مظهر جذاب يدخل ضمن سعادته واستقرار حياته الزوجية ونجاحها، اليسَ التكافؤ والتوافق بين الزوجين هو من سيؤدي الى تفاهمهم وانسجامهم وبناء علاقة زوجية تسودها المودة والرحمة؟ هل يعقل أن الوجه الجميل للفتاة سيجعل الزوج سعيدا مع زوجته حتى وان كانت طباعها سيئة ومنفرة ؟! والعكس صحيح انتِ كذلك ايتها الفتاة، الشاب الجميل والوسيم اذا لم يكن ملتزما وخلوقا فلن تكوني معه سعيدة ومطمئنة لان الاخلاق والالتزام بالأحكام الالهية هي ما يضمن لكِ الحياة الزوجية المطمئنة؛ كونك ستحصلين على حقوقك كاملة مع كل الاحترام والمودة بينكما. هذا ما ضمنته لك الشريعة السمحاء فلا تجعلي اولوياتكِ المظهر والشكل او ما يملك من اموال وحطام الدنيا الزائل، فكل هذا ليس ضمانا وسببا للسعادة والهناء، نعم لا شك أن له اثره ولكن ليس الاولى والاهم... ونحن في كل ذلك لا نعني أن لا يبحث الشاب أو الفتاة عن الجمال بنسبة معينة، ولكن عليهم أن ينظروا إلى الجوانب الأخرى ولا ينخدعوا بجمال المنظر عن جمال الباطن. فمن الضروري جدًا وخصوصا في عصرنا هذا التريث والتروي في اختيار شريك الحياة لان الواقع شاهد على فشل العديد العلاقات الزوجية عندما كان الاختيار غير صحيح ومبنيًا على اسس خاطئة، عندها لن يفيد الندم... واما ان تكون نهايتها الانفصال او العيش بمرارة وتجرع واقع لم يكن بالحسبان يوما ما.... وبما ان الزواج مشروع مقدس، قدسته الشريعة وكل القوانين والدساتير الوضعية، فينبغي ان يُؤسس على اسس وقواعد رصينة ومدروسة حتى يعطي ثماره المرجوة في صيانة الفرد والمجتمع وبالاختيار الصحيح والمعمق تصل الاسرة الى بر الامان والحياة الهانئة البعيدة عن كل ما يعكّر ويكدر صفو النفس والروح ...

اخرى
منذ 5 سنوات
1625

اللبوة الجريحة

بقلم: نرجس مهدي مصونة كلؤلؤة مكنونة... مجللة بأنوار القداسة... إنها في سنام العز والسؤدد... قديسة المعالم... ملكوتية الشمائل... نبراس أهل الأرض في المكارم من نساء الأرض بعد أمها الزهراء (عليها السلام). لها منطق الأقوياء... إنها عناية إلهية... ونسمة علوية تسكن لإيماءتها الأنفاس وتسكت الأجراس... إنها صرخة مدوية عبر الأجيال تنادي لتوقظ الضمائر الحرة... ويتردد صداها في فضاءات الأكوان البعيدة... فمذ رأت تلك الرؤيا المفزعة وقصتها على جدها المختار... سالت دموع المصطفى حزنًا لتلك الشجرة التي تكسرت اغصانها والتي لاذت بها... وبتلك الرؤيا بانت المصيبة ورُزْؤها.. لقد احتوتها أحزان الدنيا فجعلتها في بوتقة المآسي تصهرها شيئاً فشيئاً لتصوغ منها جوهرة نفيسة مصقولة المعالم واضحة الخطى... ليوم خُطّ بالقلم... تحملت أعباء دهرٍ علقم المذاق، فلقد رأت بأم عينيها كيف سُلبت ابنة الرسول إرثها، وكيف انحنى ظهرها وشاب رأسها ولم تبلغ العشرين من عمرها .. ومن أين لها تلك القوة التي رأت بها هامة سيدها ومولاها تُنتهك حرمتها في شهر الله وبيت الله ..وينهار عزها ويسقط عمود فخارها مثل حبات لؤلؤ تتناثر على أرض مصقولة... نعم يا ابنة الخيرتين... وأخت الحسنين وربيبة البيت العلوي الطاهر... آن لنشيجك أن يتفجر بعد رؤيتك مصيبة أخيك السبط الحسن (عليه السلام) وموقف جنازته في لوعة وغصة... تصل الجوهرة إلى قمة تلألؤها فكانت تُصقل في كنف القداسة والتقوى والفصاحة والشجاعة. وبعد أن توجهت قافلة الإباء الى كربلاء، كانت قد وصلت الأهوال إلى ذروة سنامها، بتلك المواقف التي تتفطر من هولها الجبال، وبقلب مكلوم وعيون غرقى بالدموع، فقد فقدت بها خيرة أهل الأرض وسادات السماء... وبالرغم من أن ليلها كان دامسًا ليس فيه قمر دنياها، ولكنها كانت مرفوعة الهامة شامخة يخاف من مشيتها أعتى الرجال، ترى ما جرى لها وما رأته عيناها جمالًا حقيقيًا... نعم... لقد رأت اللبوة الهاشمية جمالًا في امتثال أهل بيتها لمشيئة الله (جل وعلا)، تردد نشوة النصر بكلماتها، تخنق ظالميها بصوتها، تزيل ضباب الجهالة وتفتح عيون الحقيقة المغلقة، فبالرغم من المحن التي سارت بها إلّا أنها أوضحت جمال الطريق في عشق المعبود الحقيقي... إنها حفيدة إبراهيم الخليل (عليه السلام) إذ رفع البيت ليقيم أساسه وبنيانه... ورفعت جسد أخيها قربانًا لله لتشييد دينه وتجديد ما ثُلم من بنيانه. ولصولتها وحركة خطابها والتي حطمت بها هياكل الأوثان وأصنام الضلالة. نعم... وإن كانت فاجعة كربلاء قد وضعت أوزارها، إلا أن بطلتها لم تضع إزارها يومًا ولم تهدأ أبدًا... رحلت إلى مدينة جدها وعلى رأسها جلالة الفخار مرصع بجواهر التضحية والنصر، معلنة للعالم أجمع: أن قضية سيد الشهداء (عليه السلام) هي قضية أزلية سرمدية ضد الظلم والطاغوت. وبذر البذرة الطيبة في النفوس الأبية والتمرد على الظلم.. إنها رسالة إنسانية تحملتها بعد أخيها الشهيد... إنها زهرة النبوة... والأقحوانة الفواحة للبيت الطاهر... إنها زينب ابنة علي (عليهما السلام).... جعلت عطرها يملأ الآفاق.. إنها شجرة مثمرة... في حديقة النبوة غرستها يد القدرة... فآتت أكلها كل حين...

اخرى
منذ 5 سنوات
1967

نبض الطود

بقلم: عبير المنظور جبلٌ ككل الجبال الشوامخ، تعانق قممها عباب السماء رفعة وعلياء، جبل له من الصلابة ما للجبال الرواسي من الثقل والقوة، جبل يثبّتُ الأرض الواسعة بأوتاده العظيمة تحت الأرض (والجبال أوتادا) (النبأ/7)، جبل ليس ككل الجبال، فمادّتُه ليست صخوراً صمّاء، وإنما هي أمر مختلف تماماً، إنه أمر معنوي، لكنه أقوى وأصلب بكثير من الصخور، طود عظيم من أطواد الأمة تنحني البشرية له إجلالاً وإكباراً عند ذكر اسمه، جبل مجلل بالهيبة والوقار ومكلّل بالقداسة اسمه (جبل الصبر زينب). زينب، كتلك الرواسي الشمّاء بعليائها وثباتها وقوتها، إلا إن الجبل يبقى صامداً ثابتاً، لا تتزعزع أركانه، ولا تتصدع جوانبه، مهما زمجرتْ العواصف والأعاصير من فوقه، ومهما اهتزت الأرض وتزلزلتْ من تحته، فكذلك زينب (سلام الله عليها) تسامقتْ لقمم الجبال في الصبر والثبات، وشمختْ كالطور في بيانها المسطور في قدر مقدور في جميع مراحل حياتها نور على نور، إلّا أن جبل الصبر هذا له قلب استثنائي، قلب صبور موقن، مرّتْ عليه أحداثٌ اعتصر لها ألماً، ككل القلوب الحنونة، فازدادتْ خفقاته واضطربتْ نبضاته لهول تلك المصائب. اعتُصِرَ لأول مرة في طفولتها حينما فارقت معدن الوحي ومهبط الرسالة جدها الرسول (صلى الله عليه وآله). وتدكدكَ بشدة وهي لمّا تنفض غبار حزنها على جدها النبي، عندما شاهدت أمها سيدة نساء أهل الجنة تُعصر بين الباب والجدار، ونبت في صدرها المسمار، وسقط جنينها على أعتاب الدار. واعتصرَ أيضاً عندما شاهدتْ أباها وصي الرسول بطل الاسلام وقالع باب خيبر وقد فُلِقَتْ هامته غدراً بسيف مسموم. وتصدّعَ قلبها عندما رأتْ كبد أخيها شبيه الرسول وريحانته وسيد شباب أهل الجنة مسموماً وهو يلفظ كبده في طشت. إلا أن اضطراب قلب الجبل هذا لم يزلزل كيانه، فالجبل يبقى جبلاً قوياً لصلابة مادته الأساس وقوة أوتاده، ولأن سيد الشهداء كان قد مسح عليه بيديه الحانيتين في لحظة دعاء وخشوع وخضوع ودموع: اللهم اربط على قلبها بالصبر، لأن الآتي أدهى وأعظم. إنها كربلاء التي تَزلزلَ الكون لما مرّ بها من أرزاء، فاجعة أبكتْ أهل الأرض والسماء، حيث مصارع الأحبة والأنصار على الرمضاء، ورؤوس مرفوعة على الرماح، وأطفال تركض مذعورة من ألسنة النار وخوفاً من سحق الخيول، وقافلة سبايا من أرامل وأيتام، وشماتة الأعداء في رحلة السبي، ودخول حرائر الوحي ومخدرات الرسالة في مجالس الأدعياء وأبناء الطلقاء. كل تلك الصور التي اعتصر لها قلب جبل الصبر، إلاّ أنها ما رأتْ به إلاّ جميلًا. لله دَرُّكَ يا قلب زينب، كيف رُبِطتَ بالصبر فأصبحتَ نبض الطود الحامد الشاكر العارف الذي رفع ما تبقى من أوصال مقطعة وعظام مهشمة ليشكر القلب قبل اللسان: اللهم تقبل منا هذا القربان. ومرت صور هذه المآسي سريعاً على شريط الذكريات لزينب (عليها السلام) وهي تصارع الموت بين أطباق المنفى في أرض الشام التي عانت فيها ما عانت. واضطرب نبض الطود لهول تلك الصور المؤلمة، إلاّ أن اضطرابه هذه المرة كان مختلفاً، فقد اضطرب الاضطراب الأخير، وتوقـّفَ نبض الطود لتلتحق العقيلة بالرفيق الأعلى صابرة محتسبة، إلا أنها ستبقى ذلك الجبل الشامخ العظيم الذي لا يهتز ولا يتزلزل قيد أنملة مهما ماجت الأرض من تحته، لأنها ثبّتت إيمانها بأوتاد اليقين والتوكل على الله لتصبح جبل الصبر وصرخة الحق ورسالة الإعلام الحسيني الملتزم على مر العصور.

اخرى
منذ 5 سنوات
1358

شبهاتٌ حول التشيع في النبوة (5) لا حاجة لنا بما جاء به النبي لأنّه أما أن يأتي بما يوافق عقولنا، أو يأتي بما يخالفها

بقلم: علوية الحسيني تمهيــد: إنّ الله تعالى خلقنا لأجل الوصول إلى غاية وهي الكمال، وإنّ مِن الكمال هو كشف المجهولات، وقد اختلفت النظريات في ذلك، فمنها من قالت بعدم إمكان معرفة شيء ما (وهي النظرية اللا أدرية)، واخرى قالت بأنّ المعرفة تتحقق إذا كانت لها فائدة مجدية في سلوكنا الحياتي (وهي النظرية البراغمية)، وأخرى قالت بأن المعرفة تتحقق عن طريق الحواس الخمس فقط (وهي النظرية الحسية)، واخرى قالت بتحققها عن طريق التجربة فقط (وهي النظرية التجريبية)، واخرى قالت بتحصيلها عن طريق العقل فقط (وهي النظرية العقلية)، وأخرى قالت بتحققها عن طريق الحس والعقل والوحي (وهي النظرية الإسلامية) وحيث أنّ النظريتين الأوليين خارجتان عن الجواب عن الشبهة محل الكلام، فلا نناقشهما، ونسلط الضوء على النظريات الأربعة الأخيرة ضمن المطالب التالية: ■المطلب الأول: تحصيل المعرفة عن طريق الـحواس فقط *الفرع الأول: بيان النظرية الحسية الحس: "وهو المتمثّل بالحواسّ الخمس المعروفة (الباصرة، السامعة، الذائقة، الشامّة، اللامسة)، والحسّ الباطنيّ المتمثّل بـ (الحسّ المشترك، الخيال، المتصرّفة، الواهمة أو المتذكّرة) كما هو مذكورٌ في علم النفس الفلسفي"(1). ومقتضى هذه النظرية: "أنّ الحواس هي الطريق الوحيد الذي تصل لنا المعارف عن العالم الخارجي، ولهذا قالوا: من فقد حسًا فقد علماً -معرفةً-. وما التصورات التي نملكها إلاّ هي نتيجة عمليتين: الأُولى هي احساس الحواس. والثانية تحويل الإحساسات إلى صور ذهنية. فيقوم الذهن بالتركيب بين الإحساسات والصور الذهنية فتنتج المعرفة"(2) فالمعرفة= احساس وصور ذهنية. *الفرع الثاني: نــقد النظرية الحسية لا ينكر أحدٌ منا دور الحواس في سلوكنا الحياتي عمومًا، وفي تحصيلنا للمعرفة خصوصًا، إذ بحاسة البصر نحصل على صورة الشيء وإرسالها بإيعاز إلى الذهن، وبحاسة السمع يحصل على معرفة تحصيل العلم السمعي، وبحاسة الشم يحصل على معرفة الروائح المفيدة من المضرة، وبحاسة الذوق يحصل على معرفة الأطعمة الحلوة المذاق من المرّة منها، وبحاسة اللمس يحصل على معرفة حرارة الأشياء وبرودتها، ومدى نعومتها وخشونتها، ودقة سمكها ورقتها. لكن فاقد الحواس فانّ باب تحصيل المعرفة ليس مغلقًا عنده، فـلو كان طريق المعرفة منحصراً بالحواس لــكان فاقدها جاهلاً، والتالي باطل، فالمقدم مثله في البطلان، وسيأتي بيان وجه البطلان في النظرية الإسلامية. وهذا يعني وجود طريق آخر للمعرفة غير الحواس الخمس. ■المطلب الثاني: تحصيل المعرفة عن طريق التجربة فقط *الفرع الأول: بيان النظرية التجريبية التجربة: "هي القضية التي يحكم بها العقل بواسطة تكرر المشاهدة منّا في احساسنا، فيحصل بتكرر المشاهدة ما يوجب أن يرسخ في النفس حكم لاشك فيه"(4). ومقتضى هذه النظرية: "أنّ التجربة هي الطريق الوحيد لتحصيل المعرفة، وسيتدلون بالطفل الذي يمد يده إلى النار فيجدها حارة فيحكم عليها بأنها محرقة ويكف عن الدنو منها ثانيةً، فبتجربته هذه استحصل معرفة كون النار حارة محرقة"(5). *الفرع الثاني: نـقد النظرية التجريبية أيضاً لا ننكر ما للتجارب من أهمية في الجانب العلمي، إذ كم من تجربة فتحت لنا آفاقًا واسعةً في بعض العلوم. لكن هناك الكثير من التجارب لم يكتب لها النجاح فأتت لنا بالجهل بكليات أو جزئيات الشيء محل التجربة، وما فشلها إلاّ دليل على عدم حصر المعرفة بها. فـلو كانت التجربة الطريق الوحيد للمعرفة لانغلق باب المعرفة وراء كل تجربة فاشلة ولبقي الشيء محل التجربة مجهولاً. والتالي باطل، فالمقدم مثله في البطلان، وسيأتي بيان وجه البطلان في النظرية الإسلامية. ثم أنّ (جوستاس) بنفسه يقول في كتابه مدخل إلى الفلسفة: "إنّ العلم التجريبي يعتبر جميع استنتاجاته وقتية، مهما كان التثبت منها حسنًا" (6) فوقتية نفع التجربة ينافي عموميتها، وهذا يعني وجود طريق آخر للمعرفة غير التجربة. ■المطلب الثالث: تحصيل المعرفة عن طريق الـعقل فقط *الفرع الأول: بيان النظرية العقلية العقل: "هو قوة بها يوجد التمييز بين الأمور القبيحة والحسنة"(7). ومقتضى هذه النظرية: " أنّ العقل هو الطريق الوحيد لتحصيل المعرفة البديهية والنظرية، فالمعرفة البديهية مثل (اجتماع النقيض محال، الواحد نصف الاثنين، الكل أكبر من الجزء،...إلخ) والمعرفة النظرية مثل ( تمدد الجسم بالحرارة وتقلصه بالبرودة، حجية ظواهر الكلام، ...إلخ)، فالعقل هو مصدر المعارف هذه. " لكن هذه النظرية لا تقول باستقلالية العقل في تحصيل المعرفة، بل للحواس والتجربة دخالة في ذلك، إذ لولا الحواس لم يدرك العقل شيئًا، ولو كثرة التجارب لم يخرج العقل بقواعد كلية"(8). *الفرع الثاني: نقد النظرية العقلية لا ينكر عاقل أنّ العقل محدود لا يستطيع إدراك جميع الأمور مهما كان صاحبه شديد الذكاء، بـل نجده معتمداً على الحواس لتعينه في عملية الإدراك، وأشار إلى ذلك الله تعالى بقوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}(9). وهذا ما يكشف عن عدم صحة من أخذ بالنظرة الأُحادية لاكتشاف المجهولات وحصرها بالعقل. "ومع تلك الأهمية التي يوليها القرآن للعقل، ومع تلك الخصائص التي يتميز بها؛ فإنّ ذلك لا يعني إطلاقية الأحكام الناتجة عنه... ولأن العقل محصور بين الزمان والمكان؛ فإنّ السؤال الذي يطرح دائمًا متى؟ وأين؟. في حين أنّ الحقائق الكبرى لازمان لها ولا مكان. بيد أنّ العقل يعجز عن تصور ذلك، فتراه يعجز عن التسليم بواحد من احتمالين: هل الكون متناهي الحدود أو غير متناهي الحدود؟ ... وهذا التردد بين الاحتمالين وعدم استطاعة العقل الاقتناع بواحد منهما دليل على حـــدوده"(10). ■المطلب الرابع: تحصيل المعرفة عن طريق الحواس والعقل والوحي معًا *الفرع الأول: بيان النظرية الإسلامية الشمولية إنّ الإسلام وافق ما يقول به الفلاسفة في نظرياتهم السابقة في تحصيل المعرفة، لكن لا على نحو الموجبة الكلية؛ حيث لم يحصر طريق اكتشاف المجهولات بأحد الطريقين (العقل، التجربة)، ولم يقل بالأخذ بهما فقط جمعًا، وإنما أخذ بالنظرة الشمولية العامة للطريقين، وأضاف لهما طريقاً آخرًا يسمى (بالوحي) الذي اكتشف مجهولات عجز الحس والتجربة والعقل عن اكتشافها وادراكها، ولكلٍ دليل نقلي يؤكد ذلك. الوحي: "نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوة قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده}"(11). فبالوحي تكتشف المجهولات، وتكتمل المعرفة، والوحي من مختصات الأنبياء، فتتجلى الضرورة لوجود النبي والأخذ بتعاليمه المستقاة من الوحي. إذاً ممكن بيان ضرورة الأخذ بتعاليم النبي -علميًا- بالنقاط التالية: 1/المعرفة عن طريق الوحي أوسع من معارفنا؛ لأن منهلها من الله العليم، فيقول تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء}(12). 2/إنّ المعرفة المتحصلة عن طريق الوحي تفوق نوريتها المعرفة التي تحصلها حواسنا وتجاربنا وعقولنا، فيقول تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد}(13). 3/المعرفة المتحصلة عن طريق الوحي تكون فيصلاً للاختلاف في نتائج المعرفة تجريبيًا وعقليًا، فيقول تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْــتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}(14). *الفرع الثاني: مؤيدات النظرية الإسلامية الشمولية أولاً: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة حسيًا 1/قرآنيًا: قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}(15). فجعل الله تعالى حاستا السمع والبصر طريقًا لتحصيل العلم، وأشار إلى وجوب شكره على ذلك، حيث عدّها نعمة عظيمة. 2/روائيًا: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "...والحواس أئمّة الأعضاء"(16)، فالحواس منبع إرسال الإشارات للأعضاء بالتوجه نحو أمر معين، فالرواية جعلت الحواس أئـمة؛ لما لها من السيادة والتأثير على الأعضاء. •ثانياً: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة تجريبيًا 1/قرآنيًا: قال تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا* فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبا}(17) فها هو ذي القرنين ذكر الله تعالى قصته في القرآن الكريم عـبرةً لنا بنجاح تجربته العلمية في بناءِ سدٍ ضخم يمنعهم عن قوم يأجوج ومأجوج. 2/روائيًا: عن محمد بن إسحاق قال: إن عبد الله الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى، قال أقادر هو؟ قال: نعم قادر قاهر قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة. فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام كم حواسك؟ قال خمس قال: أيها أصغر؟ قال الناظر قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها فقال له: يا هشام! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا و براري وجبالا وأنهارا فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله"(18)، فالإمام الصادق (عليه السلام) هنا حثّ على طريقة التجربة حيث جرّب الديصاني نظريًا باستعماله لكرةٍ صغيرة –بؤبؤ العين- كيف أنّها حوت دائرةً كبيرة –الكون-، فكانت تجربته حجّة عليه فولّى مدبرًا. ثالثاً: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة عقليًا 1/قرآنيًا: يقول تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.) [الأنبياء 22] حيث دلت الآية على أن افتراض واجب وجود ثانٍ يؤدي إلى فساد الكون، وهو دليل فلسفي على ضرورة التوحيد في الذات الواجبة، ذُكرت تفاصيله في محلها. ٢-روائيًا: الروايات الشريفة جاءت مصرحة أيضاً بأهمية العقل ومنزلة شرفيته، فجعلته مِلاك الثواب والعقاب، حيث روي عن ابي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: " لَمَّا خَلَقَ الله الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ وَعِزَّتِي وَجَلالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَلا أَكْمَلْتُكَ إِلا فِيمَنْ أُحِبُّ أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَإِيَّاكَ أَنْهَى وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ وَإِيَّاكَ أُثِيب"(21). رابعًا: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة وحيانيًا 1/قرآنيًا: قال تعالى آمرًا نبيّه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أن يقول: {قُلْ أُوحــِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبا}(22) والآيات في هذا المجال كثيرة. 2/روائيًا: وهذا ما لا يحتاج إلى كثير بيان، فإن كثيرًا التعبديات التي وصلتنا لا نعرف الملاك فيها، ولا العلة في تشريعها، وإنما نأخذها من باب أنها وحي على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولا يسعنا إلا الأخذ بها. ■الــخلاصة: جاء الإسلام مشرقًا بنظريته التي حلّت العديد من المشكلات العلمية بإيمانه بالحواس والتجارب والعقل والوحي جميعًا. إذ كم من قضايا مجهولة عجزت الحواس عن إدراكها، والعقول عن الإحاطة بها، والتجارب عن الوصول إلى جوهرها، إلاّ أنّ الوحي أخبرنا بجزء ماهيتها؛ باعتبار أنّ الوحي والمنزَل عليه لا يعلم الغيب كلّه، مثل البرزخ، الذي حار الجميع في معرفة ماذا يحصل للإنسان ما بعد الموت. وغيره من الامثلة التي لا تخفى على كل اولي الألباب أثناء مقارنتهم بين النظريات العوراء الشوهاء، والنظرية الشاملة الإسلامية. ________________________ (1) ظ: النفس من كتاب الشفاء لابن سينا، ص227. (2) عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة: للشيخ عبد الله نعمة، 86. (3) ظ: نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية: د. أحمد حسين الدغشي، ص231. (4) المنطق: للشيخ المظفر، ج2، ص284. (5) عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة: للشيخ عبد الله نعمة، ص93-94. (6) ظ: الإسلام بنظرة عصرية. (7) تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات: لابن سينا، ص150. (8) عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة، ص93. ﴿9) النحل: 78. (10) ضوابط المعرفة: للميداني، ص130. (11) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج2، ص147. (12) البقرة: 255. (13) ابراهيم:1. (14) النحل: 64. (15) النحل 78. (16) مستدرك الوسائل: للميرزا النوري، ج 11، ص 206 ،ح12751. (17) الكهف: 95-97. (18) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، ب23، ح4. (19) الاسراء: ٧٠. (20) الميزان، سورة الاسراء (21) الكافي: للشيخ الكليني، ج،1 باب العقل والجهل، ح1. (22) الجن: 1. (23) وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج25، ب15، ح1. والحمد لله حمدًا سطع فارتـفع، وأيـنع ولمع، وصل اللّهمّ على محمدٍ وآله خير من أطاع.

اخرى
منذ 4 سنوات
2180

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69402

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50329

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41062

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34879

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32053

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31612